رواية امبراطورية الرجال الفصل الخامس عشر 15 بقلم رحاب ابراهيم
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
حملق الفتيات في الاتجاهين يمينًا ويساراً ثم نظرا الثلاثي الفتيات الى سما بدهشة ، ابتسمت سما بثقة ورفعت يديها داعية :-
_ دعوتي مستجابة الحمد لله، يااااارب ياااارب السنة الجاية اكون في بيتك يا آااسر ،وتعشقني عشق محدش اتعشقه قبل كده في العشاق..
هتفت حميدة بيهنّ وقالت:- للخلف درررر
استدار الفتيات لجهة أخرة للتابع حميدة بأمر:- انا لابسة نضارتي ، البسوا النضارات بتاعتكم بسررررعة..
أخرجن الفتيات النظارات الطبية من حقائبهنّ وذلك يُعد استعداد طوارئ بالنسبة لهنّ ،قالت سما وهي تكتم ضحكتها:- طب ولبسنا الجميل ده..نقلعه؟ ههههههه
اجابت حميدة بحدة:- لا يا أم دم خفيف ، بس نص العما ولا العما كله ، ما انا قلت بلاش تخرجوا كده قعدتي تبرطمي ، البسوا النضارات اهي تداري شوية..
ارتدى الفتيات نظاراتهنّ والتفتوا مرة أخرى لجهة الطريق..
رمقهم الشباب من بعيد فقال جاسر بتعجب منهنّ وبضحكة :-
_ أنا بقى يجيلي تهيؤات ولا ايه؟!
قال آسر وهو يعقد حاجبيه باستغراب:- شكلي أنا كمان بقى يجيلي تهيؤات..
ابتلع يوسف آخر قطعة بالـ"سندوتش" وقال:- مالكوا في ايه ؟ مش واخد بالي كنتوا بتتكلموا عن ايه؟!
قال جاسر بنظرة ضاحكة له:- أنت بالك في بطنك اصلا!
ابتسم رعد ابتسامة خبيثة ولم يتحدث فرمقه جاسر بتعجب وتساءل بمرح:- ايه سر الابتسامة الخبيثة دي ياض!
وضع رعد يداه في جيوب سترته الصيفية وقال بضحكة:-
_ اصلكوا اغبية هههههه
تطلعوا اليه الشباب بغيظ فأزدادت ضحكات رعد وهو ينظر لهما واحد تلو الآخر..
قال يوسف بعفوية:- ايه ده! البنات هناك اهم!! تعالوا نسلم عليهم
جاسر بسخرية:- نسلم عليهم!! دول طول النهار في وشنا !! ، أنا شوية وهحلم بالشاويش جميلة..
آسر بحدة:- ماتنسوش أننا في منطقة شعبية والكلام ده ماينفعش هنا..تعالوا نكمل مشي في مكان تاني افضل..
رفع رعد عيناه لجهة الفتيات بابتسامة ماكرة وقال:- أنا عطشان يا ولاد..تعالوا نشرب عصير.
وافق يوسف على الفور:- وأنا كمان عطشت بعد ما اكلت..
آسر بيأس:- يبقى نروح من غير سلام ولا كلام..فاهمين؟
أجاب الشباب بموافقة:- فاااااهمين
***** صلِ على النبي الحبيب
جميلة بقلق :- هو أحنا لو جرينا من هنا هيجرى حاجة؟!
حميدة بتوتر:- هيشكوا فينا ، غير أن مصيلحي هيجي وراكي زي عادته والمشكلة هتكبر..
سما بضحكة:- يارب يتخنقواااا معاه ههههههه ، رجالتنا وبيحمونا
وكزتها رضوى بغيظ وقالت:- اخرسي دلوقتي خالص
ضحكت سما مرة اخرى وأجابت:- دعوتي مستجابة عشان قلبي أبيض وزي الحليب ، والله لنتجوزوهم ونسيطر ، هنبقى سلايف يا عيال ههههههههه
أقترب مصيلحي منهما بنظرات هائمة بجميلة ولم يتحدث معهنّ ، قال لبائع العصير:-
_ اديني كوباية عصير ابل بيها مضخات قلبي يا صلاح ، يمكن الكوباية تحن.
ضحكت سما وهي تنظر لجميلة وهمست:- قصده أن جميلة كوباية مايعرفش أنها شفشق ههه
زغدتها رضوى بذراعها لتصمت ولكنها كتمت ضحكتها رغماً ، قالت حميدة بصوتٍ عالِ:- الشبشب بتاعي جيباه جديد مش عايزة أخسره..
رمقها مصيلحي بغيظ وقال موجها الحديث لبائع العصير:- أنا بكلم الكوباية يا صلاح ، الجردل بيتكلم ليه؟!
انفجرت سما بالضحك وهي تشير لحميدة ثم قالت:- أنتي هههههه
زمت حميدة شفتيها بعصبية وهي تنظر اليه بغيظ ليتابع مصيلحي وهو يأخذ كوب العصير ويعطيه لجميلة:- أشربي ده يا ست البنات
هتفت جميلة بغيظ:- يا أخي سيبني في حالي بقى أنت ااايه ما بتفهمش؟!
تنهد مصيلحي وقال مبتسما ببلاهة:- لما بشوفك بحس أني مش فاهم أيتوها حاجة ، دماغي بتسيح ،وقلبي بيرفرف تكاتك.
رضوى بشفقة:- مسكين!!
وقفت حميدة أمامه وجذبت جميلة بعيدا عنه ثم قالت:- يعني انت مش عامل اعتبار لأبويا اللي كلمك بدل المرة مية مرة!! شكلك بتحب التهزيق والضرب بالجزم ، ما تسيب البت في حالها يابااارد !!
قالت جميلة بغضب:- هو عايز الناس كلها تتكلم عني وعنه ، هو عايز يوصل لكده ويسوء سمعتي عشان اوافق عليه في الآخر.
مصيلحي بنظرة مؤكدة:- مش هتكوني غير ليا ومش هسيب حد غيري يدخل عتبت بابك..يابت أنا عايزك ورايدك ، وهاخدك بأي طريقة..
ضيق حميدة عيناها بعصبية وهتفت:- اللي هتاخده من اللي بتعمله ده هو الضرب بالشباشب..
رفع مصيلحي يداه لكي يبعد يد حميدة التي كادت تزجه بعيدا حتى اوقف يداه يوسف بنظرة حادة وقال:- أنت كنت هتمد ايدك على مين؟! على حميدووووو !! ده أنت نهار ابوك اسود
قالت جميلة بتوتر:- يلا يابنات وهنخلي عم سمعه يشوف صرفه معاه ويبطل يعاكسنا..
رمقت سما بابتسامة خفية وجه آسر الذي احتدت ملامحه وهو يقترب لمصيلحي ويقل بعصبية:- عيب تبقى أبن حتتهم وتعاكسهم! ، هي دي شهامة ولاد البلد يعني؟!
هتف مصيلحي بغيظ:- وانتوا مين بقى أن شاء الله؟! ثوار المنطقة ؟!
جذبه رعد من ياقة قميصه قال بعصبية:- آه..وابعد عني عشان انا عصبي..
اجاب مصيلحي وهو يتملص من قبضته بمحاولات فاشلة:- طب سيبني عشان ابعد عنك؟! وأنا كنت بعاكس واحدة بس، وبعدين انتوا مالكوا اصلا دي بنت منطقتي وبكلمها ؟!
قال يوسف بتساءل:- تقصد مين فيهم ؟
رد مصيلحي ببساطة:- ست البنات...جميلة
تسللت نظرة جميلة لوجه جاسر الذي وكأنه قنبلة واشتعل فتيلها ، ابتسمت لثانية رغما عنها ثم اخفت تلك الابتسامة عندما نظر اليها بغضب ثم أخذ مصيلحي وهو يجره بغضب هاتفا:- أنت كنت بتعاكسها؟!
رد مصيلحي بعصبية:- وعايز اتجوزها كمان ، حد ليه شوق في حاجة؟! جميلة هتبقى مراتي وهتجوزها يعني ه____
لم يتابع ، لم يستطع ، فكيف ينطق وهو تلقى لكمات من قبضة ضرباتها كالاحجار الثقيلة..اجتمع الشباب حول جاسر بينما هتف ليبتعدوا وثارت ثورته بعنف لا يعرف له سبباً ، نزف وجه مصيلحي الدماء وهو يصيح:- بتعصبك هتجوزها؟ طب هتجوزها هتجوزها هتجوزها..ها
حاول الشباب تخليص مصيلحي من الثور الهائج "جاسر" وهتف آسر بحدة:- هتودينا في داهية هيمووت في ايدك !!
صاح جاسر وهو يجز على اسنانه بعنف :- هموووته
جذبه رعد من يده وقال:- تااااايسون ، كفاية كده يابني ، ده وشه مش باين يخربيتك !!
قال يوسف بغيظ:- يستاهل ، كنت هضربه كده ، هاكله ضرب..
اقتربت حميدة اليهم وقالت بقلق:- كفاية كده بقى ، احنا كل مرة بنضربه وهو مش بيحرم بس المرادي ه...
هتف جاسر بشراسة واقترب لجميلة بصياح:- هو كلمك قبل كده؟!
نظرت اليه بهدوء ، نظرتها بها شيء من المرح ، حاولت أن تجيب بثبات :- اه ،كتير
اشتعلت نظرة جاسر بغضب وعاد الى مصيلحي فابتسمت جميلة سريعا واخفت ابتسامتها بذات السرعة..
راقبتها سما بنظرات مرحة فاقتربت منها وهمست:- ياريتني كنت انا والله هههههه
تأوه مصيلحي من الضربات فصاح غاضبا بعدما رأى بعض افراد المنطقة بدأو في التجمع حوله فقال:- والله لوريك
تابع جملته بالسباب والشتائم ولكن بشكل خافت حتى لا يثير غضب ذلك المجنون مرة أخرى..
هتف جاسر وهو يرتدي ساعة معصمه التي سقطت اثناء المشاجرة وقال :- لو سمعت أنك كلمتها تاني اقرا على روحك الفاتحة.
رد مصيلحي بغيظ:- مش هكلمها ، هتجوزها
منعوا الشباب جاسر من العودة لمصيلحي مرة أخرى فصاح جاسر بعنف:- تتجوز مين يا**** جميلة تبقى خطيبتي
شهقت حميدة ، حملقت عين رضوى من الصدمة ، اتسعت ابتسامة سما بالتدريح مع نظرة جانبية لجميلة التي تجمدت ملامحها عن الحركة ثم ركضت مبتعدة من المكان..
***** لا إله إلا الله
دلفت جميلة للمنزل بعدما استطاعت الهروب بوسط الحشد ، دقات قلبها تتسارع بجنون ليس من الركض ، بشيء أشد على القلب من الخطوات السريعة..ارتقت السلم سريعاً حتى غرفة السطوح بينما أتى الفتيات خلفها..
جلست جميلة على الفراش بالغرفة ، تجمع شتات فكرها ، ماذا حل بثباتها !! اعي فرحة أم صدمة؟! او خوف ربما..لا يجب أن تشعر هكذا ، أين قوتها وكبريائها؟! ابتلعت ريقها بقوة وحاولت أن تهدأ حتى تفاجئت بوقوف الفتيات امامها..
قفزت سما وهي تلهث من الركض وضحكت ضحكة عالية:- الأوووولى...الف مبروووك يا جوجووو
هتفت جميلة وتظاهرت بالضيق :- مبروك على اااايه!! هو اكيد قال كده عشان شاف مصيلحي مصمم على رأيه بس اكيد ده شيء يضايقني!
لوت سما شفتيها بغيظ حتى جلست حميدة دون حديث بجانب جميلة وتبعتها رضوى ثم سما ليصطف الرباعي جالسين على الفراش بصمتٍ مطبق..ضحكت سما بخفوت ثم فجأة انفجرت حميدة من الضحك واعقب ذلك ضحكات الفتيات...استمرت هذه النوبة من الضحك لمدة عشر دقائق حتى قالت حميدة بمرح:-
_ رغم انها خناقة بس كنت هموت واضحك وهما بيتخانقوا ، دول مالهمش في الكلام ده اصلا !! أنا اول مرة اشوف يوسف عصبي كده !! بس حتى في نرفزته دمه عسل وضحكني.
شاركتها رضوى في المرح وقالت:-
_ اللي ضحكني اكتر لما مصيلحي قال لجاسر بتعصبك هتجوزها طب هتجوزهاهتحوزها هههههه ، ولا رعد بيقوله ابعد عني انا عصبي وهو ماسك في خناقة ههههه
تنهدت سما بهيام وقالت:- شوفتوا آسر وهو بيبص بعصبية لمصيلحي ، ياختي عليه ، أسد..لولا انه عاقل كان موت مصيلحي من الضرب.
غمزت حميدة لجميلة وقالت:- لا بس جاسر خدلك حقك وبزيادة يا ست البنات
ضحك الفتيات على كلمات حميدة الأخيرة فقالت جميلة وتظاهرت بالغيظ:- ده تور سايب في عنبر سبعة ، هما بيأكلوه ايه ده؟! وبعدين هو حطني في مصيبة أكبر ، انا دلوقتي قدام الناس بقيت خطيبته؟! دي كارثة!
سما ببسمة ماكرة :- بيحبك يا شفشق هههههه ،ياريتني كنت مكانك.
صدح صوت هاتف حميدة فتلقت اتصال من يوسف فقالت بهتاف:- استنوا يوسف بيتصل بيا..
أجابت بقلق:- ايوة يا يوسف معاك ، حصل ايه؟
قال يوسف بحدة:- حسابي معاكي بكرة ، المهم..جاسر عايز يكلم جميلة..
اخذ جاسر منه الهاتف وعندما سمعت حميدة صوته وضعت الهاتف على قدم جميلة وقالت:- الحقي..ت..تايسون
اخذت سما الهاتف عندما رأت تردد وخوف جميلة ووضعته على اذن جميلة بنظرة هائمة وقالت:- اتكلموا وانا معاكم..امممم
قالت جميلة بتلعثم :- عايز ..ايه؟!
ضيق جاسر عيناه ببسمة ماكرة وقد توقعت حدة صوته فقال بمكر:- عايز اتكلم مع عم سمعه بكرة أن شاء الله..
هبت من مكانها وهي تنتفض ، تصنعت بالجدية وهتفت:- انت ايه اللي قلته ده ؟! انت فاهم ده معناه ايه؟!
قال جاسر بصوت نبرته تشتد مكرا :- معناه أنك بقيتي خطيبتي قدام الناس ، ده القدر ياست البنات ههههه
عارفة لولا اللي حصل ده كنت هزأتك بصراحة..
تعجبت من مرحه وسعادته!! قالت بدهشة:- وأنت فاكر أني هوافق عليك؟! تبقى بتحلم!!
سخر جاسر وقال :- لا النبرة دي مش معايا أنا مش المفك اللي اسمه مصيلحي ده ، أنا جاسر الزيان ، وبعدين انا بعمل كده بنقذك أنتي لأن بعد اللي قلته في ساعة غضب ، لو ما اتخطبناش رسمي هيبقى شكلك وحش قدام الناس وهيقولوا حكايات كتير عليكي..ممكن نفسخ الخطوبة بعد كده حتى لو بعدها بشهر..
تبدلت ملامحها للصدمة ، نبرته تخبرها أنها لا زال يلعب تلك اللعبة على ايقاعها..قالت:- مش هوافق ، ومش هسيبلك الفرصة دي
جاسر بسخرية:- هو أنتي فاكرة نفسك فرصة ليا؟! يمكن أنا اللي حلم ليكي ومستغرب أنك كمان بتفكري حتى تقولي لأ ، ولو عايزة ترفضي ارفضي بس احسبي عواقب رفضك كويس ، وخلي بالك أنك لو بقيتي خطيبتي مافيش مخلوق هيقدر يبصلك ، ولو مكنتش قلت كده كانت هتحصل مشاكل كتير لأبو حميدة..
اغلق جاسر الهاتف فأبتعدت سما بغيظ:- تعرفي يابت انا لو مكانك اتخطبله واوريه النجوم في عز العصر
تساءلت حميدة :-قالك ايه؟!
روت لها سما ما سمعته مع صمت جميلة الحزين فهتفت رضوى بضيق:- والله انا برضو لو مكانك هوافق بس هخليه مش عارف راسه من رجليه...
جلست حميدة وقالت بتفكير:- هو عنده حق في حاجة على فكرة ، بعد اللي حصل ده الواد مصيلحي ده طايش ولسانه فالت وهيتكلم كتير وابويا مش هيسكت..الموضوع ده هيجر مشاكل كتير للكل..
نهضت جميلة وقالت بقرار آخير:-
_ أنا هوافق يا حميدة ، بس مش عشان حاجة غير عمي سمعه ،الراجل اللي رباني بعد ما خالتي بهية ماتت ، كتر خيره في كل اللي عمله عشاني ، مايبقاش جزائه أني كل شوية اجيبله مشاكل..اما بقى جاسر فأنا عارفة هو بيفكر أزاي وعارفة هتعامل معاه أزاي..
وقفت حميدة وقالت بلطف :- بخلاف ده كله يا جميلة ،مش يمكن يحصل نصيب مع جاسر ؟! ، دفاعه عنك النهاردة بيقول أن في شيء جواه..حتى لو حاجة بسيطة لكن موجودة
جميلة بدهشة:- مستحيل يا حميدة تقولي كده!! ده بتاع بنات !! ، أنا معرفش حتى هو ووصل لأي درجة من قلة الأدب ، لكن احساسي بيقولي أنه منيل الدنيا..
هتفت سما:- ياستي جربي فترة خطوبة هو انتي هتخسري ايه ؟! ، هو حد بيقولك امشي معاه دي خطوبة؟! وهو اللي قال بنفسه وحكم على نفسه ومصمم كمان..والله تبقي غبية لو رفضتي
رضوى:- تعرفي بقى يا جميلة ، لو خليتيه يحبك بجد ، هتبقي الكسبانة ،اللي زي ده لو قرر يستقر وحب بجد بيبقى يالهوووي بقى..
******* لا حول ولا قوة الا بالله
قال آسر بتعجب:- أنت دبست نفسك ولا أنت قاصد ولا ايه حكايتك؟!
رمقه جاسر بابتسامة خبيثة:- لأ قاصد ، كام شهر خطوبة اعدلها مخها وتبطل تعاملني ند بالند ، البت دي استفزتني من أول مرة شوفتها ومش هسيبها غير لما أعرفها مقامها..
قال يوسف بضيق:- كده غلط يا جاسر ، محدش كان بيوقفلك قبل كده لأن اللي كنت بتعرفهم اصلا كانوا شمال ، لكن دي بنت محترمة ما تستاهلش منك كده!
جلس جاسر على الاريكة القديمة بالمنزل البسيط ،وضع ساقا على ساق بغرور وقال:- كده كده لازم اخطبها ،يعني الموضوع خرج من ايدي..
نهض آسر من مقعده وقال بيأس:- مافيش فايدة فيك ، بس لو حسيت أنك بتتمادى يا جاسر أنا اللي هقفلك ، ده غير أنها ما تستاهلش كده فلازم تاخد بالك أننا عايشين في بيت الراجل اللي مربيهم ووقف جانبنا ، يعني قلة اصل أنك تعمل كده..
تركه آسر ودلف لغرفته وتبعه يوسف بسيماه الضائقة حتى رمقه رعد بنظرة ماكرة وقال بابتسامة وصوت خافت:- أنا سيبتهم يتكلموا وسكت لكن أنا عارفك يا جو ، أنت ماتركزش مع واحدة الا وكانت داخلة دماغك وأوي ، اتحداك لو كنت ناوي تسيبها..
رفع جاسر حاجبيه بدهشة وبعض الحدة..كأن رعد وضعه أمام مرآة ثلاثية الأبعاد..قال بثبات:- داخلة دماغي آه..لكن مش زي ما أنت فاهم..دي لعبة
اشتدت نظرة المكر بعين رعد وقال:- بكرة نشوف ،مبرووك ياعريس
نهض رعد هو الآخر وذهب للغرفة التي يتشاركها مع جاسر ، تسللت ابتسامة الى شفتي جاسر ،نظرة المكر اشتعلت بعيناه واتضحت ، وقال:- كل حاجة مهدتلي الطريق للي عايزه..مش قولتي أني قليل الأدب؟ انا بقى هخليكي تموتي في قليل الأدب ده..
****** سبحان الله العظيم
بعد منتصف الليل..بتمام الساعة الواحدة ليلًا..
استيقظت حميدة على صوت هاتفها..اعتدلت بالفراش وأرتدت نظارتها دون أن تلقي اهتمام على شعرها المشعث بفوضى..اجابت:- ايوة ؟
تلقت صوت أبيها الحاد:- ايوة يا حميدة ، الواد مصليحي استناني لحد ما رجعت من الشغل وحكالي على اللي حصل ، الكلام اللي حصل ده ماينفعش الناس كلها هتتكلم كده!!
قالت حميدة بهدوء:- ما تقلقش يابا ، جاسر عايز يتكلم معاك في موضوع الخطوبة وجميلة موافقة ، مصيلحي بقى من ساعة ما عرف وانا متأكدة انه مش هيعديها بالساهل ، بس اللي هيكتم بوقه خطوبة جميلة..
قال سمعه بإرتياح:- طالما كده على البركة ، بس بكرة مش هكون فاضي خالص ،خلي المقابلة الجمعة الجاية بعد الصلاة ، واهو نتكلم في كل حاجة براحتنا وماكونش مستعجل.
حميدة :- خلاص ماشي ،هقولهم بكرة ، بس في حاجة يابا خلي بالك منها..انا حكيتلك موضوع عمهم يعني ما تتحكمش يحضر لأنه مش هيوافق يحضر اصلا ، وهما مالهمش حد غيره..
صمت سمعه لبعض الوقت ثم قال:- هعديها في قراية الفاتحة والخطوبة لكن عند كتب الكتاب لازم احط ايدي في ايد كبير ليه..يلا ربنا يتمملها بخير هي بنت حلال وتستاهل ، عقبالك يا حميدة وأشوفك في الكوشة مع اللي يستاهلك يابنتي.
ابتسمت حميدة بخجل حتى تابع أبيها وفهم صمتها :- خلاص ارجعي نامي ، تصبحي على خير
قالت :- وأنت من أهله.
عادت حميدة ممددة على الفراش حتى انتبهت لتمتمة سما وهي نائمة :- آسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
نظرت لها حميدة بدهشة وتأكدت انها تتحدث وهي نائمة فكتمت ضحكتها وقالت:- حتى وأنتي نايمة ؟! يابت الهبلة!!
*****سبحان الله وبحمده
صباحاً...تعمدت حميدة أن تنهض باكراً قبل موعد استيقاظ الشباب وقالت للفتيات:- يلا اصحوا وحضروا نفسكم بسرررعة ، النهاردة لازم نمشي قبلهم ، انا معايا نسخة من مفاتيح المكتب..
نهضت جميلة وقالت:- انا صاحية ، هقوم اجهز بسرعة
ركقتها رضوى وقالت بخبث:- انتي ما نمتيش اصلا يا ست البنات
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت:- سيبوها يا عيال ، ده اللي جرالها ما جراش لحد ، عقبالنا يارب
مطت حميدة شفتيها بسخرية وقالت وهي تأخذ المنشفة من على ظهر المقعد :- لا وأنتي بصراحة جاهزة ، ده أنتي طول الليل بتنادي على ابن الجيران..آآآآسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
اعتدلت سما من فراشها وحدجتها بعصبية هاتفة:- أنتي أزاي تدخلي في احلامي انا وآسر؟! يا حشرية يا بقدونس!
همست رضوى بمكر:- ما تحكيلي الحلم يا سمكة؟
وكزتها سما بغيظ:- بس يابت ، دي خصوصيات بيني وبين زوجي المستقبلي ، احكيلك ليه يا خنفسة ؟! وبعدين يعني هو كان عايز يمسك ايدي وأنا اعترضت..قمت ماسكة ايده انا ههههههههه
رضوى بضحكة:- يالهوي عليكي !! ، هتجبيلنا العار
سما بثقة:- لا متخافيش ده في الحلم بس ،انما الحقيقة هلوعه ، هدوخه، هسهره الليل ، مش هيلمس طرف طرحتي غير بعد كتب الكتاب ، انا مش سهلة برضو.
حميدة بضحكة:- قومي يا تحفة منك ليها واجهزوا بسرعة مش هنقضيها كلام.
****** صلِ على النبي الحبيب
بالمكتب..
دلفت كل فتاة الى مكتب بإنتظار وصول مدرائهم الشباب بإستثناء رعد الذي ذهب لمهمة عمل أخرى..مر من الوقت ما يقارب الساعة حتى دلف يوسف وخلفه الشباب...رمق حميدة بغيظ وقال:- سبقتونا ليه النهاردة؟!
اجابت حميدة وهي تنظر لجاسر :- معلش بس مش هنتقابل في مواصلات تاني عشان كلام الناس وكده ، وعلى فكرة الميعاد مع ابويا اتأجل ليوم الجمعة الجاية..
صرّ جاسر على اسنانه بغيظ فقد ظن أن الأنر سينتهي اليوم ويبدأ خطته بداية من الغد..دلف للمكتب بعصبية..فتبعه آسر إلى مكتبه..
جلس يوسف أمام مكتب حميدة وقال :-
_ امبارح لو ماكنش جاسر عمل كده كنت هعمل انا كده...انا لما لقيته بيقربلك لقتني بجري عليكي.
حاولت ان تخفي ابتسامتها ، تساءلت بمكر:- ليه؟!
تذمرت عيناه وهتف:- عشان أنت صاحبي !!
زمت شفتيها بغيظ منه وقالت:- روح افطر يا يوسف شكلك جعان..
قال مبتسما بعفوية:- هبعت عم مرزوق يجبلنا فطار كلنا
*******
ترقبت وصوله بتوتر ، تارة تستجمع قبوتها وثباتها ،وتارة أخرى ترتجف توترا وقلق ، حتى فتح باب المكتب فابتلعت ريقها بنفضة اجتاحت جسدها..كيف ستخبره أنها وافقت؟!
اغلق جاسر الباب ببطء متعمد ونظرته عليها لا تحيد ، ابتسم عندما لاحظ ارتباكها ، تنفس بصوت مسموع بقصد ، يعرف كيف يربكها جيدا وكيف يتعامل مع الاناث، اقترب اليها بخطوات تبدو بطيئة ولكنه تعمد أن يشعل حيائها أكثر..وقفت جميلة من فرط التوتر الناجم حولها ،كرهت ذلك الاحمرار الذي شعرت به بدفء بشرتها ، بالتأكيد يتضح عليها الخجل والارتباك..اللعنة!
قال بصوت صدر كالهمس:- اكيد ما نمتيش طول الليل من تفكيرك فيا ، أنا برضو ما نمتش كل ماتخيلتك أنك...
قطع حديثه عمدا ، راقب توتر ملامحها واحمرار خديها بابتسامة ماكرة ، تلعثمت في القول:- أن كنت هوافق فعشان ما تحصلش مشاكل ، هستحمل فترة ، فترة وتعدي وكل شيء ينتهي
تطلع اليها بصمت ، درس توتر عيناها وملامحها جيدا ، لاحظ رجفة يدها المضمومة بلعضها ، أدرك انها خائفة ، خائفة منه ،أذن هناك شيء ، شيء يمهد له الطريق حتى يصبح بداخلها..ايكن هذا الشيء..الحب!!
نعم يريدها أن تعشقه ويبدو أنه اخذ القرار في ذلك لا محال..
قال بنبرة عذبة:- اهون عليكي تسبيني وتعذبيني ؟!
اشتد توترها أكثر ثم نظرت له بحيرة ، اتلك اللعبة شغفته لهذه الدرجة؟! هل لمجرد أنها فتاة ملتزمة اعلن الحرب عليها؟! نطقت بحيرة:- أنا مش فاهمة أنت عايز توصل لإيه بالضبط؟!
اعطاها اجمل ابتساماته وأجاب:- عايز أوصلك ، اوصلك أنتي ، اوصل لقلبك بالتحديد ، في حاجات كتير هتعرفيها مع الوقت..بس لعلمك..أنا أول مرة افكر ارتبط في حياتي..واخد القرار وانا مش ندمان ولو بنسبة بسيطة ، فكري فيها كويس وفكري ايه اللي ممكن يوصلني لكده..أنتي ذكية وهتعرفي قصدي..
أطرفت عين جميلة وتهربت منه لجهة أخرى ، قال وهو يعود امام المكتب:- من هنا ورايح هنروح الموقع مع بعض وهنرجع مع بعض ، اكيد مش هسيب خطيبتي وسط العمال لوحدها..
جلست جميلة على المقعد مرة أخرى وتحاشت النظر اليه ، كل ما فعلته أنها رددت ادعية بصمت حتى ينكشف ما يخفيه هذا الجاسر وما يضمره لها.
****** لا حول ولا قوة الا بالله
**بمكتب آسر**
ظلت سما تنتظر آسر حتى يتحدث بما حدث بالأمس ولكنه انشغل بالعمل بشكل تام ، ربما قصد ذلك !! ، ترددت أن تفتح الحديث معه بهذا الشأن فستبدو ثرثارة ، كادت أن تتحدث حتى باغتها ورفع سماعة الهاتف بإتصال على فريق المهندسين وقال:-
_ الو..صباح الخير يا مازن ، ساعة وتكون عندي أنت وباقي التيم
يبدو أن الطرف الآخر وافق سريعا ليضع آسر سماعة الهاتف بمكانها وعاد منشغلا بالعمل...تساءلت سما بحيرة:-
_ هو مش اجتماع المهندسين بعد بكرة؟!
رفع عيناه عليها بحدة وأجاب:- ضرورة شغل ، في مانع ؟!
هزت سما رأسها وقالت بضيق :- لأ طبعا.
لماذا يعاملها هكذا ؟! فظنت أن معاملتها ستتغير للافضل بعد ما حدث بالأمس ، تنهدت بعبوس وجلست على المقعد صامته ،تنظر للأوراق وهي لا تراها ، ربما كان هو أشد منها حيرة وضيق وتشتت بالفكر!!
بين التقاء النظرات ، وبين شعور دقات القلب ، وبين التعمد في الصمت والتجاهل والقرب والبُعد...يكن الحب متخفياً!!
*****الله أكبر
ظهراً...أتى رعد بعدما انهى عمله بالتصوير بأحد الاستديوهات الشهيرة..توجه لمكتبه مباسرة وهو يدندن مقطوعة انجليزية ويبدو على ملامحه الانتعاش..كانت رضوى أنهت التقارير وشعرت بثقل رأسها فجأة ، تركت لنفسها العنان من عدم وجوده فأبعدت النظارة الطبية عن وجهها ووضعتها بجانبها ، والقت رأسها على المكتب واغمضت عيناها وسريعا تاهت بالغفوة..
دلف رعد للمكتب..وتفاجئ بأنها تضع رأسها بين يديها على سطح المكتب الخشبي وتغط في نومٍ عميق..تأملها للحظات..قبل ثوانِ لم يكن بالشيءالمميز بها..ولكن غفوتها تبدو أرق مما تظهر عليه..ربما لأنها تخلت عن نظارتها الطبية لبعض الوقت.. ابتسم وشعر بأنه يريد أن يلتقط بكاميرته ذلك المشهد الهادئ.. فلم يجذبه شيء الا وقد التقطه بعدسة الكاميرا ولكنه تفاجئ بها وهي تنظر له بدهشة وقد شعرت بوجوده وحركته حولها ..فقال ببساطة بعدما التقط وجهها بالكاميرا:- لقطة تجنن..حبيت اسجلها
وثبت من مقعدها بعنف وارتدت نظارتها سريعا قبل أن يلاحظ شيء ، حتى اقتربت منه ، أخذت الكاميرا من يده والقتها على الأرض لتصبح عدساتها الزجاجية شظايا متناثرة..نظر بصدمة رعد للوهلة الأولى..اتقدت عيناه وهو ينظر لها بشراسة..للحظة ندمت رضوى على ما فعلته من رؤى الغضب يكسو ملامحه..ابتعدت عنه لتتفادئ ثورته حتى اقترب منها وهو لا يشعر بشيء سوى بالنيران المتأججة من الغضب..هتفت:- لو قربتلي هصوت وهلمك عليك العمارة بحالها..
انتفضت عروق رقبته وهو يقل بعنف:- أنتي عارفة أنتي عملتي ايه الأول ؟!
جذبها من معصم يدها قبل أن تركض من امامه حتى تلوت من قبضته بحركة قوية فشقطت النظارة الطبية من وجهها حتى وضع رعد يده على فمها كي لا تصيح بصوتٍ عالي ودفعه اتجاه الحائط بغضب...
نظرت ليده التي تكتم فمها ثم الى عيناه المتسمرة..وقف أمامها متجمدا للحظات..نظرته مثبته عليها دون أي تعبير للغضب بل وكأنه شرد للبعيد..اطرفت عيناها بدهشة من جموده وحاولت أن تتحدث ولكنه يغلق فمها !! تسللت ابتسامة الى شفتيه بالتدريج وهمس وكأنه وجد ضالته:- بردقوشة !!
كأنه تاه عن ما اغضبه وأصبح كل ما يملكه تلك الفتاة التي تنظر له بمزيج من الشراسة والخوف ، قال متابعا بذات الهمس:-
_ أنتي حاجة تانية من غير النظارة دي ، ما تلبسيهاش تاني يا رضوى عشان خاطري.
تجمدت أطرافها ، سرت قشعريرة بخفقات القلب ، أن يترك معشوقته متناثرة لقطع متكسرة على الأرض ويترك غضبه ويتحدث بهذه الطريقة ليس بالهين !!
هناك من لا تجري قوانينا عليهم ، ابعد عن بقاع الغضب ، يقف امامهم القلب ضعيفا لا يترجي سوى القرب..
ابتلعت ريقها قبل أن تدفعه وتنأى عنه ملتقطة أنفاسها بالكاد..شعرت بشحوب وجهها ولكن النقيض بدا ظاهرا بأشتعال حمرة وجنتيها بشدة..ظل على ابتسامته وهو يراقبها بصمت..نظرته ماكرة لحد القلق..تجنبت وتجاهلت نظرته وهي تلتقط نظارتها من على الأرض ، جثا رعد على ركبتيه وتظاهر بلملمة أشلاء الكاميرا المكسورة بينما عيناه تتحرش بعيناها ببسمة ماكرة..
وقفت رضوى وهي ترتدي النظارة بثبات وقالت بصوت جاهدت لكي يبدو حاد :- طريقتك دي ما تنفعش معايا ، لو اتكرر اللي حصل ده تاني همشي ومش هتشوف وشي تاني.
وقف أمامها بنظرة متسلية وقال بصدق :- لأ أنا عايز أشوف وشك على طول ، وأن كان على الكاميرا مش مشكلة ، فداكي
رفعت حاجبيها بذهول بينما اتسعت ابتسامته وقال:- يلا نكمل شغل يا...بردقوشة
قالت بعصبية:- وماتقوليش الاسم ده بعد اذنك !!
قالبضحكة:- ده اختراعك أنتي لو تفتكري ، واقنعتك أني صدقت ، بس بصراحة أنتي مسلية جدًا ، الوحيدة اللي بتخليني ابتسم..وعلى فكرة ضحكتك حلوة..
تظاهرت بالغضب واندفعت متجهة نحو الباب ، خرجت من النكتب وتركته يترقبها بضحكة مكتومة..نظر للكاميرا وقال بمرح:-
_ لولا اللي حصل ده كنت عملتلها عاهة مستديمة ، البنت دي مش طبيعية..وأنا بحب ما وراء الطبيعة.
**** استغفر الله العظيم
عاد الفتيات بذلك اليوم بمفردهنّ مثلما اتوا ، ظلوا هكذا لعدة أيام حتى اتى يوم الجمعة بأنتظار قراءة الفاتحة...
**بالعاصمة الفرنسية**
دقت ساعة سندريلا بالرحيل الى بلادها العربية ، ومع أول طائرة عائدة..عادت..مثلما أتت عادت..تحمل أيام هي الأكثر جمالا والما في آنٍ واحد..جلست بمقعدها في الطائرة..ذات المقعد ولكنه ليس هنا..كأن ما مر كانا حلماً واستيقظت منه على صخب الضوضاء من جديد..اطرفت عيناها بألم وتنهيدة حتى تجمد جسدها وهي تراه يحمل معطفه ويجلس بمقعد أمامي ولكن الصدمة ليست برؤيته فقط..الصدمة فيمن تتمسك بيده بابتسامة واسعة ، إمرأة ذات معطف أبيض ، فاتنة لا تستطيع انكار ذلك ،يرنقها بابتسامته الساحرة...هل هذه الابتسامة متاحة للجميع؟! الم يخصها بها مثلما المح سابقاً!! كاذب ،مخادع ، اجفلت بدمعة احتبست بعيناها ،والم يشق قلبها لنصفين ، ليته ما أتى ولا رأته ، فيبدو أنه لا يرى سوى ما معه فحتى لم يتطلع لما حوله..جلس بهدوء وهي بجانبه وتشاركا الاحاديث..
اغمضت للي عيناها بحدة واخمدت غضب كاد أن يجعلها تقفز من مقعدها لذات الشعر الأشقر وتجرها منه لأرض الطائرة..وتساءلت بنيران قلبها المتقدة..من تلك الفاتنة؟! أو بالتحديد من هي بالنسبة له ؟! اتجعله يراها؟! لا..لابد أن تختبئ ولا يرى عيناها الدامعتين بقهر...ارتدت نظارتها الشمسية التي لم تكن بحاجة لها نهائيا بالطائرة ثم حاولت أن تغفو ، تمنت ذلك وتضرعت الى الله كي تتيه بغفوة تسرقها من ذلك الحزن والمراقبة لهذا المخادع الأربعيني..
فهل من آت ننتظر ؟! أم ما فات يمحي بالقلب الأثر؟!
****** اللهم حسن الخاتمة
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
حملق الفتيات في الاتجاهين يمينًا ويساراً ثم نظرا الثلاثي الفتيات الى سما بدهشة ، ابتسمت سما بثقة ورفعت يديها داعية :-
_ دعوتي مستجابة الحمد لله، يااااارب ياااارب السنة الجاية اكون في بيتك يا آااسر ،وتعشقني عشق محدش اتعشقه قبل كده في العشاق..
هتفت حميدة بيهنّ وقالت:- للخلف درررر
استدار الفتيات لجهة أخرة للتابع حميدة بأمر:- انا لابسة نضارتي ، البسوا النضارات بتاعتكم بسررررعة..
أخرجن الفتيات النظارات الطبية من حقائبهنّ وذلك يُعد استعداد طوارئ بالنسبة لهنّ ،قالت سما وهي تكتم ضحكتها:- طب ولبسنا الجميل ده..نقلعه؟ ههههههه
اجابت حميدة بحدة:- لا يا أم دم خفيف ، بس نص العما ولا العما كله ، ما انا قلت بلاش تخرجوا كده قعدتي تبرطمي ، البسوا النضارات اهي تداري شوية..
ارتدى الفتيات نظاراتهنّ والتفتوا مرة أخرى لجهة الطريق..
رمقهم الشباب من بعيد فقال جاسر بتعجب منهنّ وبضحكة :-
_ أنا بقى يجيلي تهيؤات ولا ايه؟!
قال آسر وهو يعقد حاجبيه باستغراب:- شكلي أنا كمان بقى يجيلي تهيؤات..
ابتلع يوسف آخر قطعة بالـ"سندوتش" وقال:- مالكوا في ايه ؟ مش واخد بالي كنتوا بتتكلموا عن ايه؟!
قال جاسر بنظرة ضاحكة له:- أنت بالك في بطنك اصلا!
ابتسم رعد ابتسامة خبيثة ولم يتحدث فرمقه جاسر بتعجب وتساءل بمرح:- ايه سر الابتسامة الخبيثة دي ياض!
وضع رعد يداه في جيوب سترته الصيفية وقال بضحكة:-
_ اصلكوا اغبية هههههه
تطلعوا اليه الشباب بغيظ فأزدادت ضحكات رعد وهو ينظر لهما واحد تلو الآخر..
قال يوسف بعفوية:- ايه ده! البنات هناك اهم!! تعالوا نسلم عليهم
جاسر بسخرية:- نسلم عليهم!! دول طول النهار في وشنا !! ، أنا شوية وهحلم بالشاويش جميلة..
آسر بحدة:- ماتنسوش أننا في منطقة شعبية والكلام ده ماينفعش هنا..تعالوا نكمل مشي في مكان تاني افضل..
رفع رعد عيناه لجهة الفتيات بابتسامة ماكرة وقال:- أنا عطشان يا ولاد..تعالوا نشرب عصير.
وافق يوسف على الفور:- وأنا كمان عطشت بعد ما اكلت..
آسر بيأس:- يبقى نروح من غير سلام ولا كلام..فاهمين؟
أجاب الشباب بموافقة:- فاااااهمين
***** صلِ على النبي الحبيب
جميلة بقلق :- هو أحنا لو جرينا من هنا هيجرى حاجة؟!
حميدة بتوتر:- هيشكوا فينا ، غير أن مصيلحي هيجي وراكي زي عادته والمشكلة هتكبر..
سما بضحكة:- يارب يتخنقواااا معاه ههههههه ، رجالتنا وبيحمونا
وكزتها رضوى بغيظ وقالت:- اخرسي دلوقتي خالص
ضحكت سما مرة اخرى وأجابت:- دعوتي مستجابة عشان قلبي أبيض وزي الحليب ، والله لنتجوزوهم ونسيطر ، هنبقى سلايف يا عيال ههههههههه
أقترب مصيلحي منهما بنظرات هائمة بجميلة ولم يتحدث معهنّ ، قال لبائع العصير:-
_ اديني كوباية عصير ابل بيها مضخات قلبي يا صلاح ، يمكن الكوباية تحن.
ضحكت سما وهي تنظر لجميلة وهمست:- قصده أن جميلة كوباية مايعرفش أنها شفشق ههه
زغدتها رضوى بذراعها لتصمت ولكنها كتمت ضحكتها رغماً ، قالت حميدة بصوتٍ عالِ:- الشبشب بتاعي جيباه جديد مش عايزة أخسره..
رمقها مصيلحي بغيظ وقال موجها الحديث لبائع العصير:- أنا بكلم الكوباية يا صلاح ، الجردل بيتكلم ليه؟!
انفجرت سما بالضحك وهي تشير لحميدة ثم قالت:- أنتي هههههه
زمت حميدة شفتيها بعصبية وهي تنظر اليه بغيظ ليتابع مصيلحي وهو يأخذ كوب العصير ويعطيه لجميلة:- أشربي ده يا ست البنات
هتفت جميلة بغيظ:- يا أخي سيبني في حالي بقى أنت ااايه ما بتفهمش؟!
تنهد مصيلحي وقال مبتسما ببلاهة:- لما بشوفك بحس أني مش فاهم أيتوها حاجة ، دماغي بتسيح ،وقلبي بيرفرف تكاتك.
رضوى بشفقة:- مسكين!!
وقفت حميدة أمامه وجذبت جميلة بعيدا عنه ثم قالت:- يعني انت مش عامل اعتبار لأبويا اللي كلمك بدل المرة مية مرة!! شكلك بتحب التهزيق والضرب بالجزم ، ما تسيب البت في حالها يابااارد !!
قالت جميلة بغضب:- هو عايز الناس كلها تتكلم عني وعنه ، هو عايز يوصل لكده ويسوء سمعتي عشان اوافق عليه في الآخر.
مصيلحي بنظرة مؤكدة:- مش هتكوني غير ليا ومش هسيب حد غيري يدخل عتبت بابك..يابت أنا عايزك ورايدك ، وهاخدك بأي طريقة..
ضيق حميدة عيناها بعصبية وهتفت:- اللي هتاخده من اللي بتعمله ده هو الضرب بالشباشب..
رفع مصيلحي يداه لكي يبعد يد حميدة التي كادت تزجه بعيدا حتى اوقف يداه يوسف بنظرة حادة وقال:- أنت كنت هتمد ايدك على مين؟! على حميدووووو !! ده أنت نهار ابوك اسود
قالت جميلة بتوتر:- يلا يابنات وهنخلي عم سمعه يشوف صرفه معاه ويبطل يعاكسنا..
رمقت سما بابتسامة خفية وجه آسر الذي احتدت ملامحه وهو يقترب لمصيلحي ويقل بعصبية:- عيب تبقى أبن حتتهم وتعاكسهم! ، هي دي شهامة ولاد البلد يعني؟!
هتف مصيلحي بغيظ:- وانتوا مين بقى أن شاء الله؟! ثوار المنطقة ؟!
جذبه رعد من ياقة قميصه قال بعصبية:- آه..وابعد عني عشان انا عصبي..
اجاب مصيلحي وهو يتملص من قبضته بمحاولات فاشلة:- طب سيبني عشان ابعد عنك؟! وأنا كنت بعاكس واحدة بس، وبعدين انتوا مالكوا اصلا دي بنت منطقتي وبكلمها ؟!
قال يوسف بتساءل:- تقصد مين فيهم ؟
رد مصيلحي ببساطة:- ست البنات...جميلة
تسللت نظرة جميلة لوجه جاسر الذي وكأنه قنبلة واشتعل فتيلها ، ابتسمت لثانية رغما عنها ثم اخفت تلك الابتسامة عندما نظر اليها بغضب ثم أخذ مصيلحي وهو يجره بغضب هاتفا:- أنت كنت بتعاكسها؟!
رد مصيلحي بعصبية:- وعايز اتجوزها كمان ، حد ليه شوق في حاجة؟! جميلة هتبقى مراتي وهتجوزها يعني ه____
لم يتابع ، لم يستطع ، فكيف ينطق وهو تلقى لكمات من قبضة ضرباتها كالاحجار الثقيلة..اجتمع الشباب حول جاسر بينما هتف ليبتعدوا وثارت ثورته بعنف لا يعرف له سبباً ، نزف وجه مصيلحي الدماء وهو يصيح:- بتعصبك هتجوزها؟ طب هتجوزها هتجوزها هتجوزها..ها
حاول الشباب تخليص مصيلحي من الثور الهائج "جاسر" وهتف آسر بحدة:- هتودينا في داهية هيمووت في ايدك !!
صاح جاسر وهو يجز على اسنانه بعنف :- هموووته
جذبه رعد من يده وقال:- تااااايسون ، كفاية كده يابني ، ده وشه مش باين يخربيتك !!
قال يوسف بغيظ:- يستاهل ، كنت هضربه كده ، هاكله ضرب..
اقتربت حميدة اليهم وقالت بقلق:- كفاية كده بقى ، احنا كل مرة بنضربه وهو مش بيحرم بس المرادي ه...
هتف جاسر بشراسة واقترب لجميلة بصياح:- هو كلمك قبل كده؟!
نظرت اليه بهدوء ، نظرتها بها شيء من المرح ، حاولت أن تجيب بثبات :- اه ،كتير
اشتعلت نظرة جاسر بغضب وعاد الى مصيلحي فابتسمت جميلة سريعا واخفت ابتسامتها بذات السرعة..
راقبتها سما بنظرات مرحة فاقتربت منها وهمست:- ياريتني كنت انا والله هههههه
تأوه مصيلحي من الضربات فصاح غاضبا بعدما رأى بعض افراد المنطقة بدأو في التجمع حوله فقال:- والله لوريك
تابع جملته بالسباب والشتائم ولكن بشكل خافت حتى لا يثير غضب ذلك المجنون مرة أخرى..
هتف جاسر وهو يرتدي ساعة معصمه التي سقطت اثناء المشاجرة وقال :- لو سمعت أنك كلمتها تاني اقرا على روحك الفاتحة.
رد مصيلحي بغيظ:- مش هكلمها ، هتجوزها
منعوا الشباب جاسر من العودة لمصيلحي مرة أخرى فصاح جاسر بعنف:- تتجوز مين يا**** جميلة تبقى خطيبتي
شهقت حميدة ، حملقت عين رضوى من الصدمة ، اتسعت ابتسامة سما بالتدريح مع نظرة جانبية لجميلة التي تجمدت ملامحها عن الحركة ثم ركضت مبتعدة من المكان..
***** لا إله إلا الله
دلفت جميلة للمنزل بعدما استطاعت الهروب بوسط الحشد ، دقات قلبها تتسارع بجنون ليس من الركض ، بشيء أشد على القلب من الخطوات السريعة..ارتقت السلم سريعاً حتى غرفة السطوح بينما أتى الفتيات خلفها..
جلست جميلة على الفراش بالغرفة ، تجمع شتات فكرها ، ماذا حل بثباتها !! اعي فرحة أم صدمة؟! او خوف ربما..لا يجب أن تشعر هكذا ، أين قوتها وكبريائها؟! ابتلعت ريقها بقوة وحاولت أن تهدأ حتى تفاجئت بوقوف الفتيات امامها..
قفزت سما وهي تلهث من الركض وضحكت ضحكة عالية:- الأوووولى...الف مبروووك يا جوجووو
هتفت جميلة وتظاهرت بالضيق :- مبروك على اااايه!! هو اكيد قال كده عشان شاف مصيلحي مصمم على رأيه بس اكيد ده شيء يضايقني!
لوت سما شفتيها بغيظ حتى جلست حميدة دون حديث بجانب جميلة وتبعتها رضوى ثم سما ليصطف الرباعي جالسين على الفراش بصمتٍ مطبق..ضحكت سما بخفوت ثم فجأة انفجرت حميدة من الضحك واعقب ذلك ضحكات الفتيات...استمرت هذه النوبة من الضحك لمدة عشر دقائق حتى قالت حميدة بمرح:-
_ رغم انها خناقة بس كنت هموت واضحك وهما بيتخانقوا ، دول مالهمش في الكلام ده اصلا !! أنا اول مرة اشوف يوسف عصبي كده !! بس حتى في نرفزته دمه عسل وضحكني.
شاركتها رضوى في المرح وقالت:-
_ اللي ضحكني اكتر لما مصيلحي قال لجاسر بتعصبك هتجوزها طب هتجوزهاهتحوزها هههههه ، ولا رعد بيقوله ابعد عني انا عصبي وهو ماسك في خناقة ههههه
تنهدت سما بهيام وقالت:- شوفتوا آسر وهو بيبص بعصبية لمصيلحي ، ياختي عليه ، أسد..لولا انه عاقل كان موت مصيلحي من الضرب.
غمزت حميدة لجميلة وقالت:- لا بس جاسر خدلك حقك وبزيادة يا ست البنات
ضحك الفتيات على كلمات حميدة الأخيرة فقالت جميلة وتظاهرت بالغيظ:- ده تور سايب في عنبر سبعة ، هما بيأكلوه ايه ده؟! وبعدين هو حطني في مصيبة أكبر ، انا دلوقتي قدام الناس بقيت خطيبته؟! دي كارثة!
سما ببسمة ماكرة :- بيحبك يا شفشق هههههه ،ياريتني كنت مكانك.
صدح صوت هاتف حميدة فتلقت اتصال من يوسف فقالت بهتاف:- استنوا يوسف بيتصل بيا..
أجابت بقلق:- ايوة يا يوسف معاك ، حصل ايه؟
قال يوسف بحدة:- حسابي معاكي بكرة ، المهم..جاسر عايز يكلم جميلة..
اخذ جاسر منه الهاتف وعندما سمعت حميدة صوته وضعت الهاتف على قدم جميلة وقالت:- الحقي..ت..تايسون
اخذت سما الهاتف عندما رأت تردد وخوف جميلة ووضعته على اذن جميلة بنظرة هائمة وقالت:- اتكلموا وانا معاكم..امممم
قالت جميلة بتلعثم :- عايز ..ايه؟!
ضيق جاسر عيناه ببسمة ماكرة وقد توقعت حدة صوته فقال بمكر:- عايز اتكلم مع عم سمعه بكرة أن شاء الله..
هبت من مكانها وهي تنتفض ، تصنعت بالجدية وهتفت:- انت ايه اللي قلته ده ؟! انت فاهم ده معناه ايه؟!
قال جاسر بصوت نبرته تشتد مكرا :- معناه أنك بقيتي خطيبتي قدام الناس ، ده القدر ياست البنات ههههه
عارفة لولا اللي حصل ده كنت هزأتك بصراحة..
تعجبت من مرحه وسعادته!! قالت بدهشة:- وأنت فاكر أني هوافق عليك؟! تبقى بتحلم!!
سخر جاسر وقال :- لا النبرة دي مش معايا أنا مش المفك اللي اسمه مصيلحي ده ، أنا جاسر الزيان ، وبعدين انا بعمل كده بنقذك أنتي لأن بعد اللي قلته في ساعة غضب ، لو ما اتخطبناش رسمي هيبقى شكلك وحش قدام الناس وهيقولوا حكايات كتير عليكي..ممكن نفسخ الخطوبة بعد كده حتى لو بعدها بشهر..
تبدلت ملامحها للصدمة ، نبرته تخبرها أنها لا زال يلعب تلك اللعبة على ايقاعها..قالت:- مش هوافق ، ومش هسيبلك الفرصة دي
جاسر بسخرية:- هو أنتي فاكرة نفسك فرصة ليا؟! يمكن أنا اللي حلم ليكي ومستغرب أنك كمان بتفكري حتى تقولي لأ ، ولو عايزة ترفضي ارفضي بس احسبي عواقب رفضك كويس ، وخلي بالك أنك لو بقيتي خطيبتي مافيش مخلوق هيقدر يبصلك ، ولو مكنتش قلت كده كانت هتحصل مشاكل كتير لأبو حميدة..
اغلق جاسر الهاتف فأبتعدت سما بغيظ:- تعرفي يابت انا لو مكانك اتخطبله واوريه النجوم في عز العصر
تساءلت حميدة :-قالك ايه؟!
روت لها سما ما سمعته مع صمت جميلة الحزين فهتفت رضوى بضيق:- والله انا برضو لو مكانك هوافق بس هخليه مش عارف راسه من رجليه...
جلست حميدة وقالت بتفكير:- هو عنده حق في حاجة على فكرة ، بعد اللي حصل ده الواد مصيلحي ده طايش ولسانه فالت وهيتكلم كتير وابويا مش هيسكت..الموضوع ده هيجر مشاكل كتير للكل..
نهضت جميلة وقالت بقرار آخير:-
_ أنا هوافق يا حميدة ، بس مش عشان حاجة غير عمي سمعه ،الراجل اللي رباني بعد ما خالتي بهية ماتت ، كتر خيره في كل اللي عمله عشاني ، مايبقاش جزائه أني كل شوية اجيبله مشاكل..اما بقى جاسر فأنا عارفة هو بيفكر أزاي وعارفة هتعامل معاه أزاي..
وقفت حميدة وقالت بلطف :- بخلاف ده كله يا جميلة ،مش يمكن يحصل نصيب مع جاسر ؟! ، دفاعه عنك النهاردة بيقول أن في شيء جواه..حتى لو حاجة بسيطة لكن موجودة
جميلة بدهشة:- مستحيل يا حميدة تقولي كده!! ده بتاع بنات !! ، أنا معرفش حتى هو ووصل لأي درجة من قلة الأدب ، لكن احساسي بيقولي أنه منيل الدنيا..
هتفت سما:- ياستي جربي فترة خطوبة هو انتي هتخسري ايه ؟! ، هو حد بيقولك امشي معاه دي خطوبة؟! وهو اللي قال بنفسه وحكم على نفسه ومصمم كمان..والله تبقي غبية لو رفضتي
رضوى:- تعرفي بقى يا جميلة ، لو خليتيه يحبك بجد ، هتبقي الكسبانة ،اللي زي ده لو قرر يستقر وحب بجد بيبقى يالهوووي بقى..
******* لا حول ولا قوة الا بالله
قال آسر بتعجب:- أنت دبست نفسك ولا أنت قاصد ولا ايه حكايتك؟!
رمقه جاسر بابتسامة خبيثة:- لأ قاصد ، كام شهر خطوبة اعدلها مخها وتبطل تعاملني ند بالند ، البت دي استفزتني من أول مرة شوفتها ومش هسيبها غير لما أعرفها مقامها..
قال يوسف بضيق:- كده غلط يا جاسر ، محدش كان بيوقفلك قبل كده لأن اللي كنت بتعرفهم اصلا كانوا شمال ، لكن دي بنت محترمة ما تستاهلش منك كده!
جلس جاسر على الاريكة القديمة بالمنزل البسيط ،وضع ساقا على ساق بغرور وقال:- كده كده لازم اخطبها ،يعني الموضوع خرج من ايدي..
نهض آسر من مقعده وقال بيأس:- مافيش فايدة فيك ، بس لو حسيت أنك بتتمادى يا جاسر أنا اللي هقفلك ، ده غير أنها ما تستاهلش كده فلازم تاخد بالك أننا عايشين في بيت الراجل اللي مربيهم ووقف جانبنا ، يعني قلة اصل أنك تعمل كده..
تركه آسر ودلف لغرفته وتبعه يوسف بسيماه الضائقة حتى رمقه رعد بنظرة ماكرة وقال بابتسامة وصوت خافت:- أنا سيبتهم يتكلموا وسكت لكن أنا عارفك يا جو ، أنت ماتركزش مع واحدة الا وكانت داخلة دماغك وأوي ، اتحداك لو كنت ناوي تسيبها..
رفع جاسر حاجبيه بدهشة وبعض الحدة..كأن رعد وضعه أمام مرآة ثلاثية الأبعاد..قال بثبات:- داخلة دماغي آه..لكن مش زي ما أنت فاهم..دي لعبة
اشتدت نظرة المكر بعين رعد وقال:- بكرة نشوف ،مبرووك ياعريس
نهض رعد هو الآخر وذهب للغرفة التي يتشاركها مع جاسر ، تسللت ابتسامة الى شفتي جاسر ،نظرة المكر اشتعلت بعيناه واتضحت ، وقال:- كل حاجة مهدتلي الطريق للي عايزه..مش قولتي أني قليل الأدب؟ انا بقى هخليكي تموتي في قليل الأدب ده..
****** سبحان الله العظيم
بعد منتصف الليل..بتمام الساعة الواحدة ليلًا..
استيقظت حميدة على صوت هاتفها..اعتدلت بالفراش وأرتدت نظارتها دون أن تلقي اهتمام على شعرها المشعث بفوضى..اجابت:- ايوة ؟
تلقت صوت أبيها الحاد:- ايوة يا حميدة ، الواد مصليحي استناني لحد ما رجعت من الشغل وحكالي على اللي حصل ، الكلام اللي حصل ده ماينفعش الناس كلها هتتكلم كده!!
قالت حميدة بهدوء:- ما تقلقش يابا ، جاسر عايز يتكلم معاك في موضوع الخطوبة وجميلة موافقة ، مصيلحي بقى من ساعة ما عرف وانا متأكدة انه مش هيعديها بالساهل ، بس اللي هيكتم بوقه خطوبة جميلة..
قال سمعه بإرتياح:- طالما كده على البركة ، بس بكرة مش هكون فاضي خالص ،خلي المقابلة الجمعة الجاية بعد الصلاة ، واهو نتكلم في كل حاجة براحتنا وماكونش مستعجل.
حميدة :- خلاص ماشي ،هقولهم بكرة ، بس في حاجة يابا خلي بالك منها..انا حكيتلك موضوع عمهم يعني ما تتحكمش يحضر لأنه مش هيوافق يحضر اصلا ، وهما مالهمش حد غيره..
صمت سمعه لبعض الوقت ثم قال:- هعديها في قراية الفاتحة والخطوبة لكن عند كتب الكتاب لازم احط ايدي في ايد كبير ليه..يلا ربنا يتمملها بخير هي بنت حلال وتستاهل ، عقبالك يا حميدة وأشوفك في الكوشة مع اللي يستاهلك يابنتي.
ابتسمت حميدة بخجل حتى تابع أبيها وفهم صمتها :- خلاص ارجعي نامي ، تصبحي على خير
قالت :- وأنت من أهله.
عادت حميدة ممددة على الفراش حتى انتبهت لتمتمة سما وهي نائمة :- آسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
نظرت لها حميدة بدهشة وتأكدت انها تتحدث وهي نائمة فكتمت ضحكتها وقالت:- حتى وأنتي نايمة ؟! يابت الهبلة!!
*****سبحان الله وبحمده
صباحاً...تعمدت حميدة أن تنهض باكراً قبل موعد استيقاظ الشباب وقالت للفتيات:- يلا اصحوا وحضروا نفسكم بسرررعة ، النهاردة لازم نمشي قبلهم ، انا معايا نسخة من مفاتيح المكتب..
نهضت جميلة وقالت:- انا صاحية ، هقوم اجهز بسرعة
ركقتها رضوى وقالت بخبث:- انتي ما نمتيش اصلا يا ست البنات
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت:- سيبوها يا عيال ، ده اللي جرالها ما جراش لحد ، عقبالنا يارب
مطت حميدة شفتيها بسخرية وقالت وهي تأخذ المنشفة من على ظهر المقعد :- لا وأنتي بصراحة جاهزة ، ده أنتي طول الليل بتنادي على ابن الجيران..آآآآسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
اعتدلت سما من فراشها وحدجتها بعصبية هاتفة:- أنتي أزاي تدخلي في احلامي انا وآسر؟! يا حشرية يا بقدونس!
همست رضوى بمكر:- ما تحكيلي الحلم يا سمكة؟
وكزتها سما بغيظ:- بس يابت ، دي خصوصيات بيني وبين زوجي المستقبلي ، احكيلك ليه يا خنفسة ؟! وبعدين يعني هو كان عايز يمسك ايدي وأنا اعترضت..قمت ماسكة ايده انا ههههههههه
رضوى بضحكة:- يالهوي عليكي !! ، هتجبيلنا العار
سما بثقة:- لا متخافيش ده في الحلم بس ،انما الحقيقة هلوعه ، هدوخه، هسهره الليل ، مش هيلمس طرف طرحتي غير بعد كتب الكتاب ، انا مش سهلة برضو.
حميدة بضحكة:- قومي يا تحفة منك ليها واجهزوا بسرعة مش هنقضيها كلام.
****** صلِ على النبي الحبيب
بالمكتب..
دلفت كل فتاة الى مكتب بإنتظار وصول مدرائهم الشباب بإستثناء رعد الذي ذهب لمهمة عمل أخرى..مر من الوقت ما يقارب الساعة حتى دلف يوسف وخلفه الشباب...رمق حميدة بغيظ وقال:- سبقتونا ليه النهاردة؟!
اجابت حميدة وهي تنظر لجاسر :- معلش بس مش هنتقابل في مواصلات تاني عشان كلام الناس وكده ، وعلى فكرة الميعاد مع ابويا اتأجل ليوم الجمعة الجاية..
صرّ جاسر على اسنانه بغيظ فقد ظن أن الأنر سينتهي اليوم ويبدأ خطته بداية من الغد..دلف للمكتب بعصبية..فتبعه آسر إلى مكتبه..
جلس يوسف أمام مكتب حميدة وقال :-
_ امبارح لو ماكنش جاسر عمل كده كنت هعمل انا كده...انا لما لقيته بيقربلك لقتني بجري عليكي.
حاولت ان تخفي ابتسامتها ، تساءلت بمكر:- ليه؟!
تذمرت عيناه وهتف:- عشان أنت صاحبي !!
زمت شفتيها بغيظ منه وقالت:- روح افطر يا يوسف شكلك جعان..
قال مبتسما بعفوية:- هبعت عم مرزوق يجبلنا فطار كلنا
*******
ترقبت وصوله بتوتر ، تارة تستجمع قبوتها وثباتها ،وتارة أخرى ترتجف توترا وقلق ، حتى فتح باب المكتب فابتلعت ريقها بنفضة اجتاحت جسدها..كيف ستخبره أنها وافقت؟!
اغلق جاسر الباب ببطء متعمد ونظرته عليها لا تحيد ، ابتسم عندما لاحظ ارتباكها ، تنفس بصوت مسموع بقصد ، يعرف كيف يربكها جيدا وكيف يتعامل مع الاناث، اقترب اليها بخطوات تبدو بطيئة ولكنه تعمد أن يشعل حيائها أكثر..وقفت جميلة من فرط التوتر الناجم حولها ،كرهت ذلك الاحمرار الذي شعرت به بدفء بشرتها ، بالتأكيد يتضح عليها الخجل والارتباك..اللعنة!
قال بصوت صدر كالهمس:- اكيد ما نمتيش طول الليل من تفكيرك فيا ، أنا برضو ما نمتش كل ماتخيلتك أنك...
قطع حديثه عمدا ، راقب توتر ملامحها واحمرار خديها بابتسامة ماكرة ، تلعثمت في القول:- أن كنت هوافق فعشان ما تحصلش مشاكل ، هستحمل فترة ، فترة وتعدي وكل شيء ينتهي
تطلع اليها بصمت ، درس توتر عيناها وملامحها جيدا ، لاحظ رجفة يدها المضمومة بلعضها ، أدرك انها خائفة ، خائفة منه ،أذن هناك شيء ، شيء يمهد له الطريق حتى يصبح بداخلها..ايكن هذا الشيء..الحب!!
نعم يريدها أن تعشقه ويبدو أنه اخذ القرار في ذلك لا محال..
قال بنبرة عذبة:- اهون عليكي تسبيني وتعذبيني ؟!
اشتد توترها أكثر ثم نظرت له بحيرة ، اتلك اللعبة شغفته لهذه الدرجة؟! هل لمجرد أنها فتاة ملتزمة اعلن الحرب عليها؟! نطقت بحيرة:- أنا مش فاهمة أنت عايز توصل لإيه بالضبط؟!
اعطاها اجمل ابتساماته وأجاب:- عايز أوصلك ، اوصلك أنتي ، اوصل لقلبك بالتحديد ، في حاجات كتير هتعرفيها مع الوقت..بس لعلمك..أنا أول مرة افكر ارتبط في حياتي..واخد القرار وانا مش ندمان ولو بنسبة بسيطة ، فكري فيها كويس وفكري ايه اللي ممكن يوصلني لكده..أنتي ذكية وهتعرفي قصدي..
أطرفت عين جميلة وتهربت منه لجهة أخرى ، قال وهو يعود امام المكتب:- من هنا ورايح هنروح الموقع مع بعض وهنرجع مع بعض ، اكيد مش هسيب خطيبتي وسط العمال لوحدها..
جلست جميلة على المقعد مرة أخرى وتحاشت النظر اليه ، كل ما فعلته أنها رددت ادعية بصمت حتى ينكشف ما يخفيه هذا الجاسر وما يضمره لها.
****** لا حول ولا قوة الا بالله
**بمكتب آسر**
ظلت سما تنتظر آسر حتى يتحدث بما حدث بالأمس ولكنه انشغل بالعمل بشكل تام ، ربما قصد ذلك !! ، ترددت أن تفتح الحديث معه بهذا الشأن فستبدو ثرثارة ، كادت أن تتحدث حتى باغتها ورفع سماعة الهاتف بإتصال على فريق المهندسين وقال:-
_ الو..صباح الخير يا مازن ، ساعة وتكون عندي أنت وباقي التيم
يبدو أن الطرف الآخر وافق سريعا ليضع آسر سماعة الهاتف بمكانها وعاد منشغلا بالعمل...تساءلت سما بحيرة:-
_ هو مش اجتماع المهندسين بعد بكرة؟!
رفع عيناه عليها بحدة وأجاب:- ضرورة شغل ، في مانع ؟!
هزت سما رأسها وقالت بضيق :- لأ طبعا.
لماذا يعاملها هكذا ؟! فظنت أن معاملتها ستتغير للافضل بعد ما حدث بالأمس ، تنهدت بعبوس وجلست على المقعد صامته ،تنظر للأوراق وهي لا تراها ، ربما كان هو أشد منها حيرة وضيق وتشتت بالفكر!!
بين التقاء النظرات ، وبين شعور دقات القلب ، وبين التعمد في الصمت والتجاهل والقرب والبُعد...يكن الحب متخفياً!!
*****الله أكبر
ظهراً...أتى رعد بعدما انهى عمله بالتصوير بأحد الاستديوهات الشهيرة..توجه لمكتبه مباسرة وهو يدندن مقطوعة انجليزية ويبدو على ملامحه الانتعاش..كانت رضوى أنهت التقارير وشعرت بثقل رأسها فجأة ، تركت لنفسها العنان من عدم وجوده فأبعدت النظارة الطبية عن وجهها ووضعتها بجانبها ، والقت رأسها على المكتب واغمضت عيناها وسريعا تاهت بالغفوة..
دلف رعد للمكتب..وتفاجئ بأنها تضع رأسها بين يديها على سطح المكتب الخشبي وتغط في نومٍ عميق..تأملها للحظات..قبل ثوانِ لم يكن بالشيءالمميز بها..ولكن غفوتها تبدو أرق مما تظهر عليه..ربما لأنها تخلت عن نظارتها الطبية لبعض الوقت.. ابتسم وشعر بأنه يريد أن يلتقط بكاميرته ذلك المشهد الهادئ.. فلم يجذبه شيء الا وقد التقطه بعدسة الكاميرا ولكنه تفاجئ بها وهي تنظر له بدهشة وقد شعرت بوجوده وحركته حولها ..فقال ببساطة بعدما التقط وجهها بالكاميرا:- لقطة تجنن..حبيت اسجلها
وثبت من مقعدها بعنف وارتدت نظارتها سريعا قبل أن يلاحظ شيء ، حتى اقتربت منه ، أخذت الكاميرا من يده والقتها على الأرض لتصبح عدساتها الزجاجية شظايا متناثرة..نظر بصدمة رعد للوهلة الأولى..اتقدت عيناه وهو ينظر لها بشراسة..للحظة ندمت رضوى على ما فعلته من رؤى الغضب يكسو ملامحه..ابتعدت عنه لتتفادئ ثورته حتى اقترب منها وهو لا يشعر بشيء سوى بالنيران المتأججة من الغضب..هتفت:- لو قربتلي هصوت وهلمك عليك العمارة بحالها..
انتفضت عروق رقبته وهو يقل بعنف:- أنتي عارفة أنتي عملتي ايه الأول ؟!
جذبها من معصم يدها قبل أن تركض من امامه حتى تلوت من قبضته بحركة قوية فشقطت النظارة الطبية من وجهها حتى وضع رعد يده على فمها كي لا تصيح بصوتٍ عالي ودفعه اتجاه الحائط بغضب...
نظرت ليده التي تكتم فمها ثم الى عيناه المتسمرة..وقف أمامها متجمدا للحظات..نظرته مثبته عليها دون أي تعبير للغضب بل وكأنه شرد للبعيد..اطرفت عيناها بدهشة من جموده وحاولت أن تتحدث ولكنه يغلق فمها !! تسللت ابتسامة الى شفتيه بالتدريج وهمس وكأنه وجد ضالته:- بردقوشة !!
كأنه تاه عن ما اغضبه وأصبح كل ما يملكه تلك الفتاة التي تنظر له بمزيج من الشراسة والخوف ، قال متابعا بذات الهمس:-
_ أنتي حاجة تانية من غير النظارة دي ، ما تلبسيهاش تاني يا رضوى عشان خاطري.
تجمدت أطرافها ، سرت قشعريرة بخفقات القلب ، أن يترك معشوقته متناثرة لقطع متكسرة على الأرض ويترك غضبه ويتحدث بهذه الطريقة ليس بالهين !!
هناك من لا تجري قوانينا عليهم ، ابعد عن بقاع الغضب ، يقف امامهم القلب ضعيفا لا يترجي سوى القرب..
ابتلعت ريقها قبل أن تدفعه وتنأى عنه ملتقطة أنفاسها بالكاد..شعرت بشحوب وجهها ولكن النقيض بدا ظاهرا بأشتعال حمرة وجنتيها بشدة..ظل على ابتسامته وهو يراقبها بصمت..نظرته ماكرة لحد القلق..تجنبت وتجاهلت نظرته وهي تلتقط نظارتها من على الأرض ، جثا رعد على ركبتيه وتظاهر بلملمة أشلاء الكاميرا المكسورة بينما عيناه تتحرش بعيناها ببسمة ماكرة..
وقفت رضوى وهي ترتدي النظارة بثبات وقالت بصوت جاهدت لكي يبدو حاد :- طريقتك دي ما تنفعش معايا ، لو اتكرر اللي حصل ده تاني همشي ومش هتشوف وشي تاني.
وقف أمامها بنظرة متسلية وقال بصدق :- لأ أنا عايز أشوف وشك على طول ، وأن كان على الكاميرا مش مشكلة ، فداكي
رفعت حاجبيها بذهول بينما اتسعت ابتسامته وقال:- يلا نكمل شغل يا...بردقوشة
قالت بعصبية:- وماتقوليش الاسم ده بعد اذنك !!
قالبضحكة:- ده اختراعك أنتي لو تفتكري ، واقنعتك أني صدقت ، بس بصراحة أنتي مسلية جدًا ، الوحيدة اللي بتخليني ابتسم..وعلى فكرة ضحكتك حلوة..
تظاهرت بالغضب واندفعت متجهة نحو الباب ، خرجت من النكتب وتركته يترقبها بضحكة مكتومة..نظر للكاميرا وقال بمرح:-
_ لولا اللي حصل ده كنت عملتلها عاهة مستديمة ، البنت دي مش طبيعية..وأنا بحب ما وراء الطبيعة.
**** استغفر الله العظيم
عاد الفتيات بذلك اليوم بمفردهنّ مثلما اتوا ، ظلوا هكذا لعدة أيام حتى اتى يوم الجمعة بأنتظار قراءة الفاتحة...
**بالعاصمة الفرنسية**
دقت ساعة سندريلا بالرحيل الى بلادها العربية ، ومع أول طائرة عائدة..عادت..مثلما أتت عادت..تحمل أيام هي الأكثر جمالا والما في آنٍ واحد..جلست بمقعدها في الطائرة..ذات المقعد ولكنه ليس هنا..كأن ما مر كانا حلماً واستيقظت منه على صخب الضوضاء من جديد..اطرفت عيناها بألم وتنهيدة حتى تجمد جسدها وهي تراه يحمل معطفه ويجلس بمقعد أمامي ولكن الصدمة ليست برؤيته فقط..الصدمة فيمن تتمسك بيده بابتسامة واسعة ، إمرأة ذات معطف أبيض ، فاتنة لا تستطيع انكار ذلك ،يرنقها بابتسامته الساحرة...هل هذه الابتسامة متاحة للجميع؟! الم يخصها بها مثلما المح سابقاً!! كاذب ،مخادع ، اجفلت بدمعة احتبست بعيناها ،والم يشق قلبها لنصفين ، ليته ما أتى ولا رأته ، فيبدو أنه لا يرى سوى ما معه فحتى لم يتطلع لما حوله..جلس بهدوء وهي بجانبه وتشاركا الاحاديث..
اغمضت للي عيناها بحدة واخمدت غضب كاد أن يجعلها تقفز من مقعدها لذات الشعر الأشقر وتجرها منه لأرض الطائرة..وتساءلت بنيران قلبها المتقدة..من تلك الفاتنة؟! أو بالتحديد من هي بالنسبة له ؟! اتجعله يراها؟! لا..لابد أن تختبئ ولا يرى عيناها الدامعتين بقهر...ارتدت نظارتها الشمسية التي لم تكن بحاجة لها نهائيا بالطائرة ثم حاولت أن تغفو ، تمنت ذلك وتضرعت الى الله كي تتيه بغفوة تسرقها من ذلك الحزن والمراقبة لهذا المخادع الأربعيني..
فهل من آت ننتظر ؟! أم ما فات يمحي بالقلب الأثر؟!
****** اللهم حسن الخاتمة