رواية امبراطورية الرجال الفصل السادس عشر 16 بقلم رحاب ابراهيم
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
ونشعر أن القلب ما بات يشعر فيما بعد الصدمة...ثمة غصة بالقلب تُنهك دقاته وتؤلم الحياة به..حتى لم يعد حياة بالقلب سوى دقات تخفق حتى آخر الأنفاس !!
ويمكن العقل أن يغفو ولكن القلب لا ينام عن الآلام..
حاولت..وحاولت..وتأملت الغفوة..ولكن ما تشعر به خارج محطة النسيان والأهمال الفكري..ابتلعت ريقها بصعوبة..صعوبة كمثل رؤيته. مع تلك الشقراء..أتراه يهمس لها بكلماته العذبة؟! أيكن يخبرها بالموعد الآت بينهما؟!
امتدت رأس للي للأعلى قليلًا وأبصرته وتلك الشقراء تميل رأسها على أحد كتفيه..بالتأكيد يستنشق عطر خصلاتها القريبة لأنفاسه..ماذا يجول برأس هذا الرجل الآن؟! اكان يقابلها قبلاً؟!
وإذا كان الظاهر للجميع ذلك المشهد الشاعري فكيف وهما بمفردهما؟! يا اللهي! يكاد رأسها ينفجر من التفكير فيمن يجلس وتفصلها عنه عدة خطوات..حقاً أن المسافة ليست هي سبيل البُعد بينما القلوب هي المقياس..
أخذت تنهيدة حارة من صدرها..فكم سيمر من الوقت حتى تنسى هذا الرجل؟! وإذا تقابلا مصادفةٍ ماذا سيكن ردة فعلها؟!
للحظة شعرت بحنين مجنون اليه..وإنها تريد أن ترتمي بين ذراعيه وتقل لــه أنه الأقرب وسيكن دائمـًا الأقرب..ورغم ذلك في الحقيقة يستحيل حدوث هذا..حتى أن كان لا زال معها..فالرجل لا يستميل قلبـه الا لذات الدقة المتعالية عن أرادته..صعبة المنال..
أغمضت عيناها واحكمت دموع توسلت لتتحرر..قالت :-
_ من ضمن الوجع..من ضمن حاجات كتير حلوة راحت مني..كنت أنت اجمل وجع وياريته دام جانبي..اتمنى أني ما اشوفكش تاني وأتمنى أشوفك كل ثانية !!
*****
عيناه مرتبكة..قلب يخفق بجنون..لتلك المسافة البسيطة التي تفصله عن عشق قلبه..نعم...لا سبيل للأنكار...احبها منذ أن وقعت عيناه عليــها..كأنها خرجت من أفكاره لتتجسد روح وجسد متفجر الأنوثة أمامـه..همست الشقراء التي كانت شقيقه صديقه اللبناني "چان" وقالت بلهجتها اللبنانية :-
_ وهلا وجيه ، بعد ما بنرجع على مصر ، راح تكون بالقصر ولا بترچع الشركة؟ بعتقد أنه الاحسن ترتاح ببيتك بعد السفر..
خرج وجيه من شروده وأجابها بعدما التقط جملتها الأخيرة :-
_ هوصلك الفندق وبعد كده هرجع القصر ، كلها كام ساعة ونوصل مطار القاهرة..
قالت يارا بابتسامة بعدما رفعت رأسها اليه:-
_ بدي منك تزورني بالمشفى ، خي چان هيوصل مصر يوم العملية بالضبط..راح اكون لوحدي طول اسبوعين..مسكينة أنا !!
قالت ذلك بتذمر طفولي فقال وجيه ليخفف عن تلك الفتاة الذي كانت بمثابة شقيقته الصغرى منذ أن تعرف على شقيقها جان:-
_ أنا قلتلك أني مش هسيبك لحد ما جان يرجع ، أن شاء الله تقومي بالسلامة ونطمن عليكي..
تطلعت يارا اليه بتعجب..شعرت بحسها الأنثوي أن هناك ظل إمرأة يكمن خلف تيهة عين هذا الرجل فقالت:-
_ عينيك شاردين!! ليش مابقيت عم تحكي معي متل الأول ؟! دايمًا كنت تخبرني أني متل أختك وتحكي معي لكن هلا ماعم بدري شو بيصير معك وجيه ؟! حاسي أن اللي مخبايا ورا هالشرود أحداهنّ! احكي..احكي..هترتاح بالحكي..حاسي أنه راح يطق راسك من التفكير !!
ابتسم وجيه ابتسامة لم تصل لعيناه...كانت مجاملة ليس أكثر..فماذا يجيب؟! هل يخبرها أن من سرقت الغفوة من عيناه تجلس بأحد المقاعد الخلفية للطائرة..ربما لولا وجود يارا لكان دفعه الشوق اليها حتى لو بدافع التعنيف..أجاب بجدية:- لا أبداً..بفكر في الشغل مش أكتر..
التوى فم يارا بسخرية فقالت:- عم تُكذب!! خلص ،متل مابدك..تعبني راسي وانا بترچاك تحكي..وهلا وقت النووووم ، good Night Baby
تمتمت يارا ببضع كلمات قبل أن تغمض عيناها وتتيه بغفوة على كتفه ، طريقتها مضحكة وهي تتمتم ، لطالما كان يضحك منها ويسخر من طفوليتها ، أما الآن فكأنه فقد الشيء المتبقي بداخله يناشد صخب الحياة..
******
دقت الساعة السابعة صباحاً..
تسلل ضوء النهار لنافذة الغرفة رويدًا رويدًا ، ولا زال الفتيات مستغرقين بالنوم ، ارتفع صوت هاتف جميلة بصوت سريع ينبيء عن استقبال رسالـة..لم ينتبه أحدًا ببادئ الأمر حتى مر لحظات وعاد الصوت من جديد يشير باستقبال رسالـة أخرى...
تململت جميلة بفراشها حتى نظرت للمنضدة القديمة التي تفصل سريرها عن السرير الآخر..رمقت الهاتف بنظرة كسولة وعقلها يغيب بالنعاس ثم يعود..قالت سما بضحكة كسولة مغلفة بركود النوم:-
_ أقري باعتلك ايه يابت وسمعيني..
تنفست جميلة بسخرية ولم تظن ابدًا أنه جاسر!! قالت بسخرية:- ما اديتلوش رقم تليفوني
تثاءبت سما ثم ضحكت وقالت وهي تفرد ذراعيها بكسل:- هتلاقيه خده من وراكي ،هو هيغلب؟!
مدت جميلة ذراعا لتأخذ الهاتف ولا زالت عيناها مغمضة ثم فتحت عيناها بالكاد وهي تنظر لشاشته المضيئة بإنزعاج من ضوئها ، مرت ثوانِ حتى اعتادت عيناها الضوء لتعتدل بنفضة وقد اتسعت عيناها وهي تقرأ رسالة وكان محتواها...
( صباح الخير يا حبي..بما أن النهاردة قراية فاتحتنا وكده فأحب أقولك...وحشتي قلب خطيبك..)
اطرفت عين جميلة عدة مرات حتى استوعبت ما تراه..انتقلت للرسالة الأخرى وقرأتها..
( هسمحلك بشهرين خطوبة..اكتر من كده هخطفك..ماتختبريش صبري لأني مش صبور...فاهمة يابنت عضلات قلبي ؟)
ابتسمت جميلة للجملة الأخيرة ثم نظرت بتحدي للهاتف وبدأت تكتب رسالة هي الأخرى...
( بقولك ايه..احنا الاتنين عارفين الخطوبة دي لأيه ما تستغفلنيش!! وبعد الشهرين دول كل شيء هينتهي..فاهم يا موتر نبض مرارتي؟ )
كان جاسر ممدد على الاريكة بصالة المنزل ، يبتسم بمرح وهو يبعث الرسائل حتى تلقى رسالةٍ من رقمها..قرأها بنظرة حادة ثم أجرى اتصال على هاتفها ببعض العصبية..
رمقت جميلة الاتصال بتوتر ، لم تحسب أنه سيتصل ايضاً !! قالت سما بضحكة:- عقباااالي يااارب عقبااالي
رفعت جميلة الهاتف وأجابت بعد تردد ولم تترك له الفرصة حتى يتحدث:- جبت رقمي منين ؟! ومين اللي سمحلك تكلمني وتبعتلي رسايل؟!
تنهد جاسر وقال بصوت تعمد أن يبدو هامس:- قلبي اللي سمحلي ، ورقمك خدته من ملفك مش صعبة يعني ! وبعدين في واحدة تكلم جوزها نن عيون قلبها بالطريقة دي؟!
كتم ابتسامته لعلمه أنه اغاظها فصدق حدسه وهتفت منفعلة:- جوز مين يا اخ؟! أنت صدقت؟! هو انا حتى اتخطبتلك عشان تبقى جوزي كمان؟! ده أنت خيالك واااسع بشكل !!
تنهد جاسر مرة أخرى وهو ينهض من الاريكة...اتجه للنافذة العريضة بالصالة وفتحها قائلا عبر الهاتف:- ما تبصيلي من الشباك يا كوكو ؟
عايز اتصبح بخلقتك..بضحكتك
صحح سريعاً ولكنها انتبهت لما قاله ، اشتعلت عصبيتها وقالت :- وأنا مش عايزة أشوف وشك ، الله يكون في عون اللي امها داعية عليها في ليلة ما يعلم بيها الا ربنا وهتكون من نصيبك..
ضحك بثقة ثم همس بمكر :- هتنبسط أوي أوي أوي ، تقصدي أمها دعيالها أنها هتكون من نصيبي ، وأنتي يا كوكو اللي هتكوني من نصيبي وحبيبي...افرحي وبلي الشربات
ارتفعت صوت ضحكته مرة أخرى لإثارة غضبها مما جعلها تغلق الاتصال...دفعت جميلة الهاتف بعصبية فتساءلت سما بحيرة:-
_ مجهزناش هتلبسي ايه النهاردة ؟!
اوعي تقولي هتلبسي النضارة الحلل دي النهاردة؟! وربنا اتف في وشك ؟! واجيب سقراط يكمل تف
زمت جميلة شفتيها وبدأ الارتباك جليًا على وجهها فأجابت :- هلبسها ، هخلي منظري زي الزفت النهاردة ، ده افتكر اننا هنتخطب بجد؟!
سما بغيظ :- اتفوووو التليفزيون سايبينه شغال ليه؟!
*******
حطت الطائرة بمطار القاهرة عند الساعة الثامنة صباحاً..
استعد الركاب للخروج من الطائرة ،بينما ترقبت للي وقد شعرت بجسدها وكأنه تخشب من طول الوقت التي جلست به أثناء الطيران..ترقبت وقوفه...تمنت أن لا ينظر للخلف ويراها ، لا تريده يربح انتصارا آخر وهو يتباهى بتلك الشقراء الفاتنة..أي رجل كان سيتباهى بها فهي رائعة الجمال بشكل ملفت..
اكان كاذباً وهو أن الشعر الأسود يفتنه ؟! أم تراه يساير من تقع بين يداه ويمدح المميز بها؟!
اسدلت رأسها بتخفي ، كأنها تعاين رباط حذائها حتى تكسب آخر ما تبقى لها من كبرياء وماء الوجه...ظلت هكذا لبضع دقائق حتى استقامت وهي تتمنى أن يكن خرج من باب الطائرة...ارتجفت بعض الشيء وهي ترفع رأسها حتى استعادت بعض هدوئها عندما لمحت مقعده خالي..تنفست الصعداء ونهضت من مقعدها..
بعد مرور بعض الوقت وحمدت ذلك الازدحام الذي جعل رؤيتها تبدو صعبة بين هذا الحشد من البشر..
خرجت للي من المطار وهي تجر حقائبها حتى استطاعت أن توقف سيارة أجرة بالخارج...
يبدو أن القدر يأبى هروبها ، فلم تلبث أن وضع السائق حقائبها بالسيارة وكادت أن تدخل السيارة من بابها حتى تجمدت لتلك العينان التي يقف صاحبهما على بعد امتار في الجهة المقابلة ،يقف نفس وقفتها وبيده باب سيارة يبدو أنها كانت بإنتظاره..
نظر اليها وجيه بنظرة معتمة من الغضب والعتاب والعنف والعشق حتى ابتلعت ريقها وهي تشاركه النظرة بحزن والم..استطاعت أن تؤجل دموعها للحظات ، لم يريد ذلك ولكن قدماه ساقته اليه ولم يستمع لحديث مقاومته...
تزلزل ثباتها ، انتفضت دقات قلبها من خطواته المقتربة ، بأي شيء يريد التحدث بعدما فعله؟! انتظرت حتى اقتربت وأرادت أن تكتب النهاية وهي رابحة ، حتى لو ربح بسيط ولكن افضل أن تكن الخسارة كليًا...دخلت السيارة الأجرة وأمرت السائق بحدة أن يسرع بالطريق..حرك السائق سيارته وانطلق ينهب الطريق سيراً ...وقف وجيه قبل أن يصل بخطوات ، اغمض عيناه لبرهة معنفا نفسه بشراسة ، أي حمق جعله يذل قلبه اليها من جديد؟!
لا يصدق أنه فعل بكرامته وكبريائه هذا؟! لماذا اقترب؟! وما الذي كان سيقوله؟! كان سيعاتبها...أراد رد الغدر بعتاب عاشق وليته ربح!
*****
رمق السائق بتعجب الذي تبكي خلفه ، فتركت للي لدموعها الحرية كي تذبح روحها ، ايغدر قلبه وتعاتب عيناه؟ أي جبروت يحمله هذا الرجل؟! ولكن حمدت برأفة الصدف ، فهي رغم كل شيء..تحبه وافتقدت نظرته كثيراً...
وقف السائق عند العنوان المطلوب فخرجت من السيارة بحقائبها ثم استعانت ببواب المبنى حتى يعاونها في حملهم..
******
انتهت صلاة الجمعة...وبدأ الفتيات في تجهيز العروس..
اجتمع الشباب في صالة المنزل البسيط الخاص بوالد حميدة وبدأ الحديث والاتفاق على كل شيء...
......بغرفة حميدة....
هتفت جميلة بعناد:- هلبس النضارة يعني هلبس النضارة ، هاتولي أي عباية سودة منيلة بستين نيلة للمقابلة الزفت دي..
قالت حميدة بغيظ:- مابلاش نضارة النهاردة يا جميلة ماتبقيش جافة أوي كده !!
شاركتها سما بسخريتها:- عايزة تطلعه بالمنظر المعفن ده ؟! ده لو كان بيعرف واحدة هيعرف عشرة ، ده هيبوس رجلك عشان تسبيه !!
نظرت رضوى لجميلة وقالت بحيرة:- ليه الموقف ده يابنتي الواد شاري؟! وبعدين بجد بقى شكلك معفن!
وقفت جميلة بتصميم وهي تتمسك بنظارتها وقالت:- مش مهم ، المهم ابعد عن تفكيره أي حاجة كده ولا كده ، ده انا اخاف لو قلتله ازيك اغريه!!
ضحكت سما ضحكة عالية وقالت:- حوشي الانوثة اللي بتقع منك يابت ! ، ده واحد زهق من الجبنة اللي بالقشطة وقرر ياكل مش ، يقوم المش يكتر دوده ههههههههههه وانا اللي كنت جيبالك سر الشياكة يا جزمة
تساءلت رضوى باهتمام:- ايه هو يابت يا سمكة؟!
أقتربت سما من درج الخزانة ببسمة فخورة ثم أخرجت شيء منه واشارت به للفتيات وقالت:- برفان لولوا
هتفت جميلة مرة أخرى بتصميم :- هاتولي عباية سودا ،مش خارجة غير بالعباية السودا والشبشب البلاستيك الأحمر بتاع الحمام
تطلعت سما فيها بصمت فقالت جميلة بتساؤل :- بتبصيلي كده ليه؟!
اجابت سما بصدق:- بحتقرك
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
ونشعر أن القلب ما بات يشعر فيما بعد الصدمة...ثمة غصة بالقلب تُنهك دقاته وتؤلم الحياة به..حتى لم يعد حياة بالقلب سوى دقات تخفق حتى آخر الأنفاس !!
ويمكن العقل أن يغفو ولكن القلب لا ينام عن الآلام..
حاولت..وحاولت..وتأملت الغفوة..ولكن ما تشعر به خارج محطة النسيان والأهمال الفكري..ابتلعت ريقها بصعوبة..صعوبة كمثل رؤيته. مع تلك الشقراء..أتراه يهمس لها بكلماته العذبة؟! أيكن يخبرها بالموعد الآت بينهما؟!
امتدت رأس للي للأعلى قليلًا وأبصرته وتلك الشقراء تميل رأسها على أحد كتفيه..بالتأكيد يستنشق عطر خصلاتها القريبة لأنفاسه..ماذا يجول برأس هذا الرجل الآن؟! اكان يقابلها قبلاً؟!
وإذا كان الظاهر للجميع ذلك المشهد الشاعري فكيف وهما بمفردهما؟! يا اللهي! يكاد رأسها ينفجر من التفكير فيمن يجلس وتفصلها عنه عدة خطوات..حقاً أن المسافة ليست هي سبيل البُعد بينما القلوب هي المقياس..
أخذت تنهيدة حارة من صدرها..فكم سيمر من الوقت حتى تنسى هذا الرجل؟! وإذا تقابلا مصادفةٍ ماذا سيكن ردة فعلها؟!
للحظة شعرت بحنين مجنون اليه..وإنها تريد أن ترتمي بين ذراعيه وتقل لــه أنه الأقرب وسيكن دائمـًا الأقرب..ورغم ذلك في الحقيقة يستحيل حدوث هذا..حتى أن كان لا زال معها..فالرجل لا يستميل قلبـه الا لذات الدقة المتعالية عن أرادته..صعبة المنال..
أغمضت عيناها واحكمت دموع توسلت لتتحرر..قالت :-
_ من ضمن الوجع..من ضمن حاجات كتير حلوة راحت مني..كنت أنت اجمل وجع وياريته دام جانبي..اتمنى أني ما اشوفكش تاني وأتمنى أشوفك كل ثانية !!
*****
عيناه مرتبكة..قلب يخفق بجنون..لتلك المسافة البسيطة التي تفصله عن عشق قلبه..نعم...لا سبيل للأنكار...احبها منذ أن وقعت عيناه عليــها..كأنها خرجت من أفكاره لتتجسد روح وجسد متفجر الأنوثة أمامـه..همست الشقراء التي كانت شقيقه صديقه اللبناني "چان" وقالت بلهجتها اللبنانية :-
_ وهلا وجيه ، بعد ما بنرجع على مصر ، راح تكون بالقصر ولا بترچع الشركة؟ بعتقد أنه الاحسن ترتاح ببيتك بعد السفر..
خرج وجيه من شروده وأجابها بعدما التقط جملتها الأخيرة :-
_ هوصلك الفندق وبعد كده هرجع القصر ، كلها كام ساعة ونوصل مطار القاهرة..
قالت يارا بابتسامة بعدما رفعت رأسها اليه:-
_ بدي منك تزورني بالمشفى ، خي چان هيوصل مصر يوم العملية بالضبط..راح اكون لوحدي طول اسبوعين..مسكينة أنا !!
قالت ذلك بتذمر طفولي فقال وجيه ليخفف عن تلك الفتاة الذي كانت بمثابة شقيقته الصغرى منذ أن تعرف على شقيقها جان:-
_ أنا قلتلك أني مش هسيبك لحد ما جان يرجع ، أن شاء الله تقومي بالسلامة ونطمن عليكي..
تطلعت يارا اليه بتعجب..شعرت بحسها الأنثوي أن هناك ظل إمرأة يكمن خلف تيهة عين هذا الرجل فقالت:-
_ عينيك شاردين!! ليش مابقيت عم تحكي معي متل الأول ؟! دايمًا كنت تخبرني أني متل أختك وتحكي معي لكن هلا ماعم بدري شو بيصير معك وجيه ؟! حاسي أن اللي مخبايا ورا هالشرود أحداهنّ! احكي..احكي..هترتاح بالحكي..حاسي أنه راح يطق راسك من التفكير !!
ابتسم وجيه ابتسامة لم تصل لعيناه...كانت مجاملة ليس أكثر..فماذا يجيب؟! هل يخبرها أن من سرقت الغفوة من عيناه تجلس بأحد المقاعد الخلفية للطائرة..ربما لولا وجود يارا لكان دفعه الشوق اليها حتى لو بدافع التعنيف..أجاب بجدية:- لا أبداً..بفكر في الشغل مش أكتر..
التوى فم يارا بسخرية فقالت:- عم تُكذب!! خلص ،متل مابدك..تعبني راسي وانا بترچاك تحكي..وهلا وقت النووووم ، good Night Baby
تمتمت يارا ببضع كلمات قبل أن تغمض عيناها وتتيه بغفوة على كتفه ، طريقتها مضحكة وهي تتمتم ، لطالما كان يضحك منها ويسخر من طفوليتها ، أما الآن فكأنه فقد الشيء المتبقي بداخله يناشد صخب الحياة..
******
دقت الساعة السابعة صباحاً..
تسلل ضوء النهار لنافذة الغرفة رويدًا رويدًا ، ولا زال الفتيات مستغرقين بالنوم ، ارتفع صوت هاتف جميلة بصوت سريع ينبيء عن استقبال رسالـة..لم ينتبه أحدًا ببادئ الأمر حتى مر لحظات وعاد الصوت من جديد يشير باستقبال رسالـة أخرى...
تململت جميلة بفراشها حتى نظرت للمنضدة القديمة التي تفصل سريرها عن السرير الآخر..رمقت الهاتف بنظرة كسولة وعقلها يغيب بالنعاس ثم يعود..قالت سما بضحكة كسولة مغلفة بركود النوم:-
_ أقري باعتلك ايه يابت وسمعيني..
تنفست جميلة بسخرية ولم تظن ابدًا أنه جاسر!! قالت بسخرية:- ما اديتلوش رقم تليفوني
تثاءبت سما ثم ضحكت وقالت وهي تفرد ذراعيها بكسل:- هتلاقيه خده من وراكي ،هو هيغلب؟!
مدت جميلة ذراعا لتأخذ الهاتف ولا زالت عيناها مغمضة ثم فتحت عيناها بالكاد وهي تنظر لشاشته المضيئة بإنزعاج من ضوئها ، مرت ثوانِ حتى اعتادت عيناها الضوء لتعتدل بنفضة وقد اتسعت عيناها وهي تقرأ رسالة وكان محتواها...
( صباح الخير يا حبي..بما أن النهاردة قراية فاتحتنا وكده فأحب أقولك...وحشتي قلب خطيبك..)
اطرفت عين جميلة عدة مرات حتى استوعبت ما تراه..انتقلت للرسالة الأخرى وقرأتها..
( هسمحلك بشهرين خطوبة..اكتر من كده هخطفك..ماتختبريش صبري لأني مش صبور...فاهمة يابنت عضلات قلبي ؟)
ابتسمت جميلة للجملة الأخيرة ثم نظرت بتحدي للهاتف وبدأت تكتب رسالة هي الأخرى...
( بقولك ايه..احنا الاتنين عارفين الخطوبة دي لأيه ما تستغفلنيش!! وبعد الشهرين دول كل شيء هينتهي..فاهم يا موتر نبض مرارتي؟ )
كان جاسر ممدد على الاريكة بصالة المنزل ، يبتسم بمرح وهو يبعث الرسائل حتى تلقى رسالةٍ من رقمها..قرأها بنظرة حادة ثم أجرى اتصال على هاتفها ببعض العصبية..
رمقت جميلة الاتصال بتوتر ، لم تحسب أنه سيتصل ايضاً !! قالت سما بضحكة:- عقباااالي يااارب عقبااالي
رفعت جميلة الهاتف وأجابت بعد تردد ولم تترك له الفرصة حتى يتحدث:- جبت رقمي منين ؟! ومين اللي سمحلك تكلمني وتبعتلي رسايل؟!
تنهد جاسر وقال بصوت تعمد أن يبدو هامس:- قلبي اللي سمحلي ، ورقمك خدته من ملفك مش صعبة يعني ! وبعدين في واحدة تكلم جوزها نن عيون قلبها بالطريقة دي؟!
كتم ابتسامته لعلمه أنه اغاظها فصدق حدسه وهتفت منفعلة:- جوز مين يا اخ؟! أنت صدقت؟! هو انا حتى اتخطبتلك عشان تبقى جوزي كمان؟! ده أنت خيالك واااسع بشكل !!
تنهد جاسر مرة أخرى وهو ينهض من الاريكة...اتجه للنافذة العريضة بالصالة وفتحها قائلا عبر الهاتف:- ما تبصيلي من الشباك يا كوكو ؟
عايز اتصبح بخلقتك..بضحكتك
صحح سريعاً ولكنها انتبهت لما قاله ، اشتعلت عصبيتها وقالت :- وأنا مش عايزة أشوف وشك ، الله يكون في عون اللي امها داعية عليها في ليلة ما يعلم بيها الا ربنا وهتكون من نصيبك..
ضحك بثقة ثم همس بمكر :- هتنبسط أوي أوي أوي ، تقصدي أمها دعيالها أنها هتكون من نصيبي ، وأنتي يا كوكو اللي هتكوني من نصيبي وحبيبي...افرحي وبلي الشربات
ارتفعت صوت ضحكته مرة أخرى لإثارة غضبها مما جعلها تغلق الاتصال...دفعت جميلة الهاتف بعصبية فتساءلت سما بحيرة:-
_ مجهزناش هتلبسي ايه النهاردة ؟!
اوعي تقولي هتلبسي النضارة الحلل دي النهاردة؟! وربنا اتف في وشك ؟! واجيب سقراط يكمل تف
زمت جميلة شفتيها وبدأ الارتباك جليًا على وجهها فأجابت :- هلبسها ، هخلي منظري زي الزفت النهاردة ، ده افتكر اننا هنتخطب بجد؟!
سما بغيظ :- اتفوووو التليفزيون سايبينه شغال ليه؟!
*******
حطت الطائرة بمطار القاهرة عند الساعة الثامنة صباحاً..
استعد الركاب للخروج من الطائرة ،بينما ترقبت للي وقد شعرت بجسدها وكأنه تخشب من طول الوقت التي جلست به أثناء الطيران..ترقبت وقوفه...تمنت أن لا ينظر للخلف ويراها ، لا تريده يربح انتصارا آخر وهو يتباهى بتلك الشقراء الفاتنة..أي رجل كان سيتباهى بها فهي رائعة الجمال بشكل ملفت..
اكان كاذباً وهو أن الشعر الأسود يفتنه ؟! أم تراه يساير من تقع بين يداه ويمدح المميز بها؟!
اسدلت رأسها بتخفي ، كأنها تعاين رباط حذائها حتى تكسب آخر ما تبقى لها من كبرياء وماء الوجه...ظلت هكذا لبضع دقائق حتى استقامت وهي تتمنى أن يكن خرج من باب الطائرة...ارتجفت بعض الشيء وهي ترفع رأسها حتى استعادت بعض هدوئها عندما لمحت مقعده خالي..تنفست الصعداء ونهضت من مقعدها..
بعد مرور بعض الوقت وحمدت ذلك الازدحام الذي جعل رؤيتها تبدو صعبة بين هذا الحشد من البشر..
خرجت للي من المطار وهي تجر حقائبها حتى استطاعت أن توقف سيارة أجرة بالخارج...
يبدو أن القدر يأبى هروبها ، فلم تلبث أن وضع السائق حقائبها بالسيارة وكادت أن تدخل السيارة من بابها حتى تجمدت لتلك العينان التي يقف صاحبهما على بعد امتار في الجهة المقابلة ،يقف نفس وقفتها وبيده باب سيارة يبدو أنها كانت بإنتظاره..
نظر اليها وجيه بنظرة معتمة من الغضب والعتاب والعنف والعشق حتى ابتلعت ريقها وهي تشاركه النظرة بحزن والم..استطاعت أن تؤجل دموعها للحظات ، لم يريد ذلك ولكن قدماه ساقته اليه ولم يستمع لحديث مقاومته...
تزلزل ثباتها ، انتفضت دقات قلبها من خطواته المقتربة ، بأي شيء يريد التحدث بعدما فعله؟! انتظرت حتى اقتربت وأرادت أن تكتب النهاية وهي رابحة ، حتى لو ربح بسيط ولكن افضل أن تكن الخسارة كليًا...دخلت السيارة الأجرة وأمرت السائق بحدة أن يسرع بالطريق..حرك السائق سيارته وانطلق ينهب الطريق سيراً ...وقف وجيه قبل أن يصل بخطوات ، اغمض عيناه لبرهة معنفا نفسه بشراسة ، أي حمق جعله يذل قلبه اليها من جديد؟!
لا يصدق أنه فعل بكرامته وكبريائه هذا؟! لماذا اقترب؟! وما الذي كان سيقوله؟! كان سيعاتبها...أراد رد الغدر بعتاب عاشق وليته ربح!
*****
رمق السائق بتعجب الذي تبكي خلفه ، فتركت للي لدموعها الحرية كي تذبح روحها ، ايغدر قلبه وتعاتب عيناه؟ أي جبروت يحمله هذا الرجل؟! ولكن حمدت برأفة الصدف ، فهي رغم كل شيء..تحبه وافتقدت نظرته كثيراً...
وقف السائق عند العنوان المطلوب فخرجت من السيارة بحقائبها ثم استعانت ببواب المبنى حتى يعاونها في حملهم..
******
انتهت صلاة الجمعة...وبدأ الفتيات في تجهيز العروس..
اجتمع الشباب في صالة المنزل البسيط الخاص بوالد حميدة وبدأ الحديث والاتفاق على كل شيء...
......بغرفة حميدة....
هتفت جميلة بعناد:- هلبس النضارة يعني هلبس النضارة ، هاتولي أي عباية سودة منيلة بستين نيلة للمقابلة الزفت دي..
قالت حميدة بغيظ:- مابلاش نضارة النهاردة يا جميلة ماتبقيش جافة أوي كده !!
شاركتها سما بسخريتها:- عايزة تطلعه بالمنظر المعفن ده ؟! ده لو كان بيعرف واحدة هيعرف عشرة ، ده هيبوس رجلك عشان تسبيه !!
نظرت رضوى لجميلة وقالت بحيرة:- ليه الموقف ده يابنتي الواد شاري؟! وبعدين بجد بقى شكلك معفن!
وقفت جميلة بتصميم وهي تتمسك بنظارتها وقالت:- مش مهم ، المهم ابعد عن تفكيره أي حاجة كده ولا كده ، ده انا اخاف لو قلتله ازيك اغريه!!
ضحكت سما ضحكة عالية وقالت:- حوشي الانوثة اللي بتقع منك يابت ! ، ده واحد زهق من الجبنة اللي بالقشطة وقرر ياكل مش ، يقوم المش يكتر دوده ههههههههههه وانا اللي كنت جيبالك سر الشياكة يا جزمة
تساءلت رضوى باهتمام:- ايه هو يابت يا سمكة؟!
أقتربت سما من درج الخزانة ببسمة فخورة ثم أخرجت شيء منه واشارت به للفتيات وقالت:- برفان لولوا
هتفت جميلة مرة أخرى بتصميم :- هاتولي عباية سودا ،مش خارجة غير بالعباية السودا والشبشب البلاستيك الأحمر بتاع الحمام
تطلعت سما فيها بصمت فقالت جميلة بتساؤل :- بتبصيلي كده ليه؟!
اجابت سما بصدق:- بحتقرك
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
بمجلس الرجال بمنزل الأسطى "سمعه"
تم الأتفاق على كل شيء فقال سمعه لأبنه"سقراط" :-
_ قوم يا سقراط قول للجماعة يقروا الفاتحة معانا ويجبوا الشربات
نهض سقراط من مقعده بينما تساءل جاسر كيف تجري العادات بالأحياء الشعبية بعد قراءة الفاتحة..هل سيجلس معها ؟
قال آسر بجدية:- الخطوبة وتلبيس الدبل يوم الجمعة الجاية ، إيه رأيك يا عم سمعه؟
وافق الأسطى سمعه وقال:- خير البر عاجله يابني ، وبالنسبة للشبكة مش هنختلف ، اللي تقدر عليه جيبه دي هديتك أنت لعروستك.
دوت زغرودة عالية من فم الجدة حميدة وهي تبارك وتهنئ الشباب..
دلف سقراط للغرفة المجتمع فيها الفتيات ، فتح الباب ليتفاجئ بجميلة التي من المفترض أنها تكن على أتم الاستعداد والتأنق للخروج معه ، وجدها ترتدي عباءة سوداء شديدة القتامة بغطاء رأس ذات اللون فقال بدهشة :- هو مين الل مات؟!
انتعلت جميلة الشبشب الأحمر وأجابت:- أنت جاي تاخدني صح؟
تطلع اليها سقراط من رأسها حتى اخمص قدميها بنظرة مذهولة وقال:- أنتي هتخرجي لعريسك كده ؟ انا لو مكانه هرجع في وشك
قالت سما بغيظ:- اهو غبي بس فهم !
تلقت سما ضربة قاسية على ذراعيها من سقراط فباغتته بلكمة عنيفة على كتفه بمناوشة طفولية..
قالت جميلة وهي تعدل نظارتها على انفها:- هو ده اللي عندي ولو مش عايزني أخرج يكون احسن..
قالت حميدة بضيق:- أنتي حرة ، صينية الشربات جاهزة قدامك اهيه ، خديها وقدميها..
نظرت جميلة بتوتر لأكواب العصير الأحمر ، كانت يداها رغم عصبيتها ترتعشان بخجل شديد يجتاح قلبها..
تظاهرت بالثبات وأخذت الصينية وخرجت من الغرفة لترفع رضوى صوتها بزغرودة عالية...قالت سما بقوة:- مش مهم النهاردة ، بس غصب عنها في الخطوبة هتتعدل
هزت حميدة راسها بموافقة:- عشان كده ما اجبرتهاش ، وهو كده كده عارفها مش هيتفاجئ ، بس يوم الخطوبة هجيبلها اللي تزبطها وتخليها قمر..
******* صلِ على النبي الحبيب
سار سقراط بجانب جميلة وهي تحمل الصينية وتمتم :-
_ جاب الهم لنفسه العبيط ، بقى حد يتجوز الأشكال دي؟!
تجاهلت جميلة كلمات سقراط الخافته بينما اشتد ارتجاف يدها وهي على بعد خطوات بسيطة من الرجال..
همس يوسف لجاسر وقال بضحكة خافته:- فاكر لما قلت عليها صلصلة ؟! اديك غرقت في الحلة ولا حد سمى عليك !
سومه جاسر بنظرة ساخرة وقال:-
_ مش أنا اللي أغرق وبس بقى بطل رغي خليني اتصدم بهدوء
تعجب يوسف وتساءل:- تتصدم ؟!
ظهرت جميلة امامهم وهي تحمل الصينية وقد تصلب ظهرها عن الحركة!! ، حملق جاسر عيناه بغيظ بعدما لمح ما ترتديه ولم يصدم كثيرا فقد توقع الأسوء...تمتم:- يا بختك الأسود يا جاسر!!
..أخذ سقراط الصينية من يدها عندما رأها قد تسمرت وقال:- معلش اصلها بتوحرج
نغزها بذراعها قائلا بتمتمة:- ما تسلمي يا بومة !!
القت جميلة السلام عليهم ثم وقف الثلاثي الشباب واستأذنوا بالرحيل وقد عارض سمعه ذلك ولكنهم صمموا وانصرفوا بعد لحظات ، تبقى جاسر الذي ظل جالسا يتطلع اليها بنظرات منها غاضبة ومنها الذي وكأنه يكتم ضحكة عالية..
هتفت الجدة حميدة على أبنها وقالت:- سيبوهم يابوا حميدة يتكلموا مع بعض شوية ويعرفوا بعض أكتر..
نظر جاسر لجميلة بنظرة ماكرة وقال بعدما اصبحوا بمفردهم:- للدرجادي فرحانة ؟
تطلعت اليه بدهشة!! ظنت أنه سيغتاظ وينفعل !! دائما يعكس توقعاتها فأجابت:- ايه باين عليا الفرحة؟!
صمت للحظات حتى وعلى عين غرة خطف نظارتها الطبية التي تخنق بها عيناها السوداء الحكيلة..اتسعت عين جميلة بصدمة وهو ينظر لها نظرة طويلة عميقة بها شيء دافئ..اجفلت من نظرته لها ثم تحركت لتركض للخارج حتى جذبها من يدها اليه وقال بهمس :- حلوة اللعبة...بس بصراحة أنتي أحلى..قابلت بنات كتير بتعمل اي حاجة عشان تبين جمالها بس أول مرة اشوف واحدة بتخفي أي جمال فيها ومع ذلك محدش جنني ادك !!
ابتعدت عن قبضته وقالت بعصبية :- ما تحلمش بأكتر من خطوبة هتنتهي بعد فترة لأني مش عايزاك
تحركت عروق فكيه بعصبية...من هي لترفضه؟! اقترب اليها واقتنص المسافة بينهما فابتعدت خطوة ولكنه جذبها اليه مرة أخرى بعصبية وهمس بقرب وجهها وعيناه تتوعد بتحدي:-
_ وأنتي مستعجلة ليه ؟! اصبري على رزقك ، أنتي هتعوزيني وأوي كمان...زي ما أنا
قطع حديثه وهو ينظر لكامل تفاصيل وجهها بلهفة واضاف:- عايزك
غلى الدم بعروقها ودفعته بعنف وهي تشير لها بسبابتها محذرة :- انا عمري ما هعوزك ، لأنك ما تستحقنيش ، ومش أنت اللي ادخل عتبت بيته وانا مبسوطة ومطمنة ، أنت انسان مغرور مش شايف غير نفسك !! مقتنع أنك ما تترفض وأي واحدة تقابلها لازم تقع في هواك؟! بس أنا لأ...لأني لما هقبل بواحد يكون شريك حياتي اكيد هيكون انسان محترم مش زيك !!
ضيق عيناه بلمعة ساخرة وقال:- بكل العيوب اللي فيا هتحبيني ، وبكل أرادتك هتتمني أنك تبقي مراتي وهتبقي ما تقلقيش ، هفكرك قريب أوي..طالما أنا عايزك يبقى هاخدك
مر من جانبها ووقف قائلا بهمس وهو يعطيها النظارة السميكة :- عنيكي حلوة ، ليكي حق تداريهم ، بقية الاكتشافات هعرفها بنفسي مش هستنى الصدف..
ابتسم بمكر وهو يرى خوف نظراتها منه وهي ترفع أناملها لتأخذ النظارة بإرتباك، خرج من الغرفة وتركها تقف متجمدة مكانها...
أتى الفتيات اليها راكضين وهتفت سما بعد زغرودة عالية:- الف مبروك يا بت عقبال الفرررح
توجهت رضوى للخارج وهتفت بفرحة:- هروح اشغل الصب ونحتفل بقى ونفرح شوية
راقبت حميدة نظرات جميلة التائهة بخوف فقالت لسما:- روحي اعملينا عصير لزوم القاعدة يا سمكة
ركضت سما ملبية الطلب بضحكاتها المعتادة...اختلت حميدة بجميلة وجلست على الاريكة بالغرفة وقالت لحميلة:- قلقانة ليه؟!
ابتلعت جميلة ريقها بنظرة خائفة خوف حقيقي ، قالت بتلعثم :- انا خايفة مش قلقانة يا حميدة ، خايفة منه ، ومن ضعفي قدامه ، ومن تصميمه يكسرني ، أنا بحس أنه عايز كده! ، أنا ما استحقش واحد زي جاسر لأ ، أنا عايزة أعيش مرتاحة في حياتي..
حميدة بقلق:- حصل حاجة مابينكوا خوفتك كده؟!
روت لها جميلة ما حدث لتقل حميدة بضيق:- قليل الأدب وكنت عارفة كده ، خدي بالك من نفسك وأنتي معاه لحد ما تسبيه ، أنتي تستاهلي واحد احسن منه يا جميلة كفاية عقلك
جميلة بتوتر وهي تفرك يديها :- حاسة أني وقعت في فخ ، مش ده اللي هسيبه وهيسيبني في حالي ، مش عارفة ليه دايمًا طريقي مليان شوك؟! المصيبة الأكبر أني ساعات بحس أني عايزة أصدقه ، وساعات بحس أن في حاجة في عنيه صادقة ، انا خوفي من نفسي اكتر من خوفي منه..
فكرت حميدة لبعض الوقت ثم قالت مقترحة:- الخطوبة الأسبوع الجاي ،هتبقى عائلية هنا ، متروحيش الشغل الأسبوع ده وهخلي يوسف يمسك الشغل بدالك لحد ما ترجعي ، فكري كويس وبعيد عنه وبالمرة يحس أنك مش مدلوقة عليكي ويتجنن اكتر..
صمتت جميلة لدقائق ثم أجابت بموافقة:- ماشي ، انا محتاجة فعلا اكون لوحدي..
******لا حول ولا قوة الا بالله
باليوم التالي...بالمكتب...
دلف الفتيات الثلاث صباحاً وهذه المرة وجدوا الشباب قد سبقوهم بالمجيء..جلست حميدة وهي تضع يدها على رأسها مع غزو الصداع الذي رافقها منذ صحوتها..ذهبت كل فتاة لعملها بينما وقف يوسف أمام المكتب بقلق...ضاق لمظهر الأرهاق البادي على وجهها فقال:- مالك في ايه؟!
نظرت له حميدة بعين ذابلة وقالت بصوت متعب :- صداع من ساعة ما صحيت ، مش شايفة قدامي منه..البنات كانوا مصممين أغيب بس ماينفعش..الشغل كله بيرجعلي انا عشان اخلصه.
ضيق يوسف عيناه بعصبية وقال:- كويس انك ماغبتيش
تفاجئت بقوله!! الهذه الدرجة لا يفكر سوى بالعمل؟! نظرت له وقد شعرت أن حمول أخرى اثقلت كاهلها بجانب المرض ، ابتلعت ريقها بصعوبة وخرج صوتها مرتعشا من الخذلان وقالت بيأس:-
_ الشغل أهم طبعاً ، عندك حق
تنفس يوسف بحدة وهتف:- لأ طبعاً الشغل مش أهم منك يا غبية ،تعالي معايا الصيدلية اللي تحت نقيس الضغط ، يمكن هو السبب ، حاجة سريعة على ما اجيبلك دكتور
تسمرت حميدة لانفعاله الواضح ! ، انقشعت تلك الغمة عن كاهلها ، هتف يوسف بها عندما وجدها لا تستجيب لندائه:-
_ يلا تعالي معايا ، قومـــي !!
صدقا لو اعترفت أنها تريد الضحك !! ، كلما انفعل كلما زادت ضحكتها المختبئة...الغضب لا يليق به ، المرح والابتسامة والتصرف بعفوية وطفولية فقط ما يغمروا ملامحه ، هذه النوعية من الرجال ليست بسيطة!! فإذا أظهروا مكرهم ركضت قلوب احبتهم دقاً ، تخيلته للحظات لو قال أحبك ببعض المكر؟! لو جذبها لذراعيه بابتسامة ماكرة؟! هذا الطفل الكبير؟! مسكين قلبها !
ابتسمت حميدة بشرود وحقا نسيت الم رأسها لبعض اللحظات ، اغاظه صمتها وصاح:- يابنتي يلا بقى مش هعرف اشتغل وأنا قلقان عليكي وشايفك كده؟! اقسم بالله لو ما جيتي معايا للصيدلية ماهتشغلي النهاردة ها
اتسعت ابتسامتها بشبه ضحكة فتعجب يوسف منها!! ابتسم رغما وقال بمزيج من اللوم والمرح:- بتعصبيني وبتضحكيني؟!
قالت بتسلية :- أصلك بطلت تقول يا صاحبي !
لوى يوسف شفتيه بضحكة وقال:- نسيت الصداقة لما شوفتك تعبانة ، يلا بقى يا حميدوو
نهضت حميدة وحاولت أن تخفي تلك الابتسامة من ثغرها ، ربما لاحظ سعادتها في اهتمامه؟ ورغم رقة ما شعرت به فهي تعرف أن قلبه مثل الطفل الصغير الطيب ، لذلك تعشقه!!
******* استغفر الله العظيم واتوب إليه
**بمكتب جاسر**
ذرع المكان ذهابا وايابًا بإنتظارها...اتلعب تلك اللعبة وتجعله ينتظر؟! منذ الامس وعيناها لم تغب عن باله لحظة! فإن كان يريد الانتصار عليها مرة فبعد الأمس يريد ذلك الف مرة...تنفس بغيظ من تأخرها بهذه الطريقة...دلف يوسف اليه ولاحظ عصبيته فقال:- على فكرة خطيبتك مش هتيجي النهاردة
التفت جاسر بدهشة وهتف:- أنت بتقول ايه؟!
أضاف يوسف ببساطة:- ولمدة أسبوع جاي كمان ، لسه حميدة قايلالي ، قالت أن جميلة تعبت شوية امبارح والدكتور حذر ما تتعبش نفسها في الشغل..
انعقد حاجبي جاسر بضيق ، بقلق ،بغيظ وغضب ، وشعور بأن الأمر متعمد منها ، ولكن شيء بداخله قلق أن يكن الأمر حقيقة...أخذ هاتفه من على المكتب وقال ليوسف:- طب انا هروح اشوف الموقع الجديد يا يوسف ، لما نرجع نبقى نتكلم في التفاصيل..
خرج دون أن ينتظر رد يوسف ، لوى يوسف شفتيه بتعجب وعدم فهم حتى خرج هو الآخر من المكتب...
***** لا اله الا الله
منذ وصول للي بالأمس وقد قررت زيارة الفرع الجديد لل"بيوتي سنتر" الخاص بها بالحارة الشعبية...صممت أن تستأنف العمل بأقصى سرغة فيكفي بكائها طيلة الليلة الماضية..استقلت سيارتها بهذا الصباح بإتجاه الفرع الجديد...
بعد مرور ساعة...وقفت السيارة بالمكان التي زارته عدة مرات بالسابق ليكن باستقبالها فتاتين من المساعدين لها..قالت جمانة بترحاب:- أخيرا القمر رجع؟ حمد الله على سلامتك يا للي
ابتسمت للي للفتاة بود وصافحتها ثم قالت الفتاة الأخرى وتدعى" سارة" من ساعة ما كلمتينا امبارح واحنا ما صدقنا ،واقفين بقالنا نص ساعة مستنينك
رحبت للي بالفتاة الأخرى ثم اخرجت احد الفتيات المفاتيح من حقيبتها وقالت:- هتتفاجئ بجد المكان ولا في الخيال ،خسارة يبقى في حارة والله..
فتحت الفتاة الباب الحديدي الذي يخلفه باب آخر زجاجي باللون الوردي...دلف الثلاثة للمكان وبدا على نظراتهنّ الاعجاب الشديد وقد تم الانتهاء من تجهيز المكان تمامًا..
قالت للي باستحسان:- هنبدأ من بكرة أن شاء الله
التفت الفتيات اليها بدهشة وقالت احداهنّ:- بالسرعة دي؟! مش هتستني الدعاية؟!
تنهدت للي وقد أصبح كل شيء سواء فلم يعد شيء يبهجها وأجابت:- لأ ، أنا عايزة اشتغل ليل نهار ، نبقى نعمل الدعاية واحنا بنشتغل ، المواعيد جهزتوها ولا لسه؟!
اجابت سارة وهي تخرج دفتر ملاحظات صغير:- في حجز كتير الفترة الجاية ، أول حجز هيبقى بعد اسبوعين ، الجدول مليان مشاء الله..
أومأت للي رأسها وهي تتمنى أن لا يتذكر عقلها بخضم العمل تلك الأيام الحالمة بعاصمة الحب..
خرجت من المكان وهي تتحدث مع الفتيات لتشهق جومانة بصدمة عندما وجدت اطار سيارة للي مثقوب ويرتخي على الأرض...
تطلعت للي بذهول للسيارة ورأت شاب يبدو أنه هو الفاعل يواليها ظهره ويبتعد عن السيارة فتوجهت له بعصبية حتى اوقفته هاتفة:- أنت اللي عملت في عربيتي كده؟!
استدار الشاب لها وتطلع اليها بتفحص فأجاب بمغازلة:- هو القمر نزل في حارتنا ولا ايه؟!
هتفت للي بالشاب الذي يبدو أنه لم يتخطى سنواته العشرين ، فكرر الشاب كلمات المغازلة وهو يقترب الى للي ليجذبها سقراط بعصبية:- أنت اتجننت ياض انت ؟! مش عاملي اعتبار خالص...ماشي
جمع سقراط اصبعيه اسفل لسانه وصفر عاليًا ليجتمع حشد من الصبية وبدأو في لكن الشاب العشريني حتى ركض بعيداً...نظر سقراط الى للي بابتسامة وقال:- أي خدمة
ابتسمت له للي بشكر وقالت:- متشكرة أوي ، انت اسمك ايه؟
أجاب سقراط وهو ينظر لها بهيام:- سقراط أوي
تعجبت للي من الاسم ولكنها لم تحب احراج الصبي فقالت:- طب يا سقراط ، ماتعرفش مكانيكي هنا يصلحلي العربية؟!
نظر سقراط للسيارة وقال لها :- استريحي هنا ، ساعتين وعربيتك هترجع احسن من الأول كمان ، طول ما انا معاكي ما تقلقيش
اتسعت ابتسامة للي بامتنان واعجبها شهامة الصبي الصغير بينما هتف سقراط بالصغار وقال :- اللي يقرب لها يجيلي على ورشة أبويا ، دقيقة وراجع مش هتأخر
لوح لها سقراط قائلا ليطمأنها:- محدش هيجي جانبك ما تخافيش ، شوية وراجع...
هزت للي رأسها بأمتنان وعادت لمكان عملها الخاص بانتظار وصول الميكانيكي...
ركض سقراط بالطريق وهو يدندن مقطوعية شاعرية حتى وقف أمام ورشة والده وقال:- اباااااااا
ذعر الاسطى سمعه وهتف:- هتجيبلي صرع يا حمار !!
قال سقراط مبتسما :- أنا قررت اخطب
_____________________________اللهم حسن الخاتمة
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
بمجلس الرجال بمنزل الأسطى "سمعه"
تم الأتفاق على كل شيء فقال سمعه لأبنه"سقراط" :-
_ قوم يا سقراط قول للجماعة يقروا الفاتحة معانا ويجبوا الشربات
نهض سقراط من مقعده بينما تساءل جاسر كيف تجري العادات بالأحياء الشعبية بعد قراءة الفاتحة..هل سيجلس معها ؟
قال آسر بجدية:- الخطوبة وتلبيس الدبل يوم الجمعة الجاية ، إيه رأيك يا عم سمعه؟
وافق الأسطى سمعه وقال:- خير البر عاجله يابني ، وبالنسبة للشبكة مش هنختلف ، اللي تقدر عليه جيبه دي هديتك أنت لعروستك.
دوت زغرودة عالية من فم الجدة حميدة وهي تبارك وتهنئ الشباب..
دلف سقراط للغرفة المجتمع فيها الفتيات ، فتح الباب ليتفاجئ بجميلة التي من المفترض أنها تكن على أتم الاستعداد والتأنق للخروج معه ، وجدها ترتدي عباءة سوداء شديدة القتامة بغطاء رأس ذات اللون فقال بدهشة :- هو مين الل مات؟!
انتعلت جميلة الشبشب الأحمر وأجابت:- أنت جاي تاخدني صح؟
تطلع اليها سقراط من رأسها حتى اخمص قدميها بنظرة مذهولة وقال:- أنتي هتخرجي لعريسك كده ؟ انا لو مكانه هرجع في وشك
قالت سما بغيظ:- اهو غبي بس فهم !
تلقت سما ضربة قاسية على ذراعيها من سقراط فباغتته بلكمة عنيفة على كتفه بمناوشة طفولية..
قالت جميلة وهي تعدل نظارتها على انفها:- هو ده اللي عندي ولو مش عايزني أخرج يكون احسن..
قالت حميدة بضيق:- أنتي حرة ، صينية الشربات جاهزة قدامك اهيه ، خديها وقدميها..
نظرت جميلة بتوتر لأكواب العصير الأحمر ، كانت يداها رغم عصبيتها ترتعشان بخجل شديد يجتاح قلبها..
تظاهرت بالثبات وأخذت الصينية وخرجت من الغرفة لترفع رضوى صوتها بزغرودة عالية...قالت سما بقوة:- مش مهم النهاردة ، بس غصب عنها في الخطوبة هتتعدل
هزت حميدة راسها بموافقة:- عشان كده ما اجبرتهاش ، وهو كده كده عارفها مش هيتفاجئ ، بس يوم الخطوبة هجيبلها اللي تزبطها وتخليها قمر..
******* صلِ على النبي الحبيب
سار سقراط بجانب جميلة وهي تحمل الصينية وتمتم :-
_ جاب الهم لنفسه العبيط ، بقى حد يتجوز الأشكال دي؟!
تجاهلت جميلة كلمات سقراط الخافته بينما اشتد ارتجاف يدها وهي على بعد خطوات بسيطة من الرجال..
همس يوسف لجاسر وقال بضحكة خافته:- فاكر لما قلت عليها صلصلة ؟! اديك غرقت في الحلة ولا حد سمى عليك !
سومه جاسر بنظرة ساخرة وقال:-
_ مش أنا اللي أغرق وبس بقى بطل رغي خليني اتصدم بهدوء
تعجب يوسف وتساءل:- تتصدم ؟!
ظهرت جميلة امامهم وهي تحمل الصينية وقد تصلب ظهرها عن الحركة!! ، حملق جاسر عيناه بغيظ بعدما لمح ما ترتديه ولم يصدم كثيرا فقد توقع الأسوء...تمتم:- يا بختك الأسود يا جاسر!!
..أخذ سقراط الصينية من يدها عندما رأها قد تسمرت وقال:- معلش اصلها بتوحرج
نغزها بذراعها قائلا بتمتمة:- ما تسلمي يا بومة !!
القت جميلة السلام عليهم ثم وقف الثلاثي الشباب واستأذنوا بالرحيل وقد عارض سمعه ذلك ولكنهم صمموا وانصرفوا بعد لحظات ، تبقى جاسر الذي ظل جالسا يتطلع اليها بنظرات منها غاضبة ومنها الذي وكأنه يكتم ضحكة عالية..
هتفت الجدة حميدة على أبنها وقالت:- سيبوهم يابوا حميدة يتكلموا مع بعض شوية ويعرفوا بعض أكتر..
نظر جاسر لجميلة بنظرة ماكرة وقال بعدما اصبحوا بمفردهم:- للدرجادي فرحانة ؟
تطلعت اليه بدهشة!! ظنت أنه سيغتاظ وينفعل !! دائما يعكس توقعاتها فأجابت:- ايه باين عليا الفرحة؟!
صمت للحظات حتى وعلى عين غرة خطف نظارتها الطبية التي تخنق بها عيناها السوداء الحكيلة..اتسعت عين جميلة بصدمة وهو ينظر لها نظرة طويلة عميقة بها شيء دافئ..اجفلت من نظرته لها ثم تحركت لتركض للخارج حتى جذبها من يدها اليه وقال بهمس :- حلوة اللعبة...بس بصراحة أنتي أحلى..قابلت بنات كتير بتعمل اي حاجة عشان تبين جمالها بس أول مرة اشوف واحدة بتخفي أي جمال فيها ومع ذلك محدش جنني ادك !!
ابتعدت عن قبضته وقالت بعصبية :- ما تحلمش بأكتر من خطوبة هتنتهي بعد فترة لأني مش عايزاك
تحركت عروق فكيه بعصبية...من هي لترفضه؟! اقترب اليها واقتنص المسافة بينهما فابتعدت خطوة ولكنه جذبها اليه مرة أخرى بعصبية وهمس بقرب وجهها وعيناه تتوعد بتحدي:-
_ وأنتي مستعجلة ليه ؟! اصبري على رزقك ، أنتي هتعوزيني وأوي كمان...زي ما أنا
قطع حديثه وهو ينظر لكامل تفاصيل وجهها بلهفة واضاف:- عايزك
غلى الدم بعروقها ودفعته بعنف وهي تشير لها بسبابتها محذرة :- انا عمري ما هعوزك ، لأنك ما تستحقنيش ، ومش أنت اللي ادخل عتبت بيته وانا مبسوطة ومطمنة ، أنت انسان مغرور مش شايف غير نفسك !! مقتنع أنك ما تترفض وأي واحدة تقابلها لازم تقع في هواك؟! بس أنا لأ...لأني لما هقبل بواحد يكون شريك حياتي اكيد هيكون انسان محترم مش زيك !!
ضيق عيناه بلمعة ساخرة وقال:- بكل العيوب اللي فيا هتحبيني ، وبكل أرادتك هتتمني أنك تبقي مراتي وهتبقي ما تقلقيش ، هفكرك قريب أوي..طالما أنا عايزك يبقى هاخدك
مر من جانبها ووقف قائلا بهمس وهو يعطيها النظارة السميكة :- عنيكي حلوة ، ليكي حق تداريهم ، بقية الاكتشافات هعرفها بنفسي مش هستنى الصدف..
ابتسم بمكر وهو يرى خوف نظراتها منه وهي ترفع أناملها لتأخذ النظارة بإرتباك، خرج من الغرفة وتركها تقف متجمدة مكانها...
أتى الفتيات اليها راكضين وهتفت سما بعد زغرودة عالية:- الف مبروك يا بت عقبال الفرررح
توجهت رضوى للخارج وهتفت بفرحة:- هروح اشغل الصب ونحتفل بقى ونفرح شوية
راقبت حميدة نظرات جميلة التائهة بخوف فقالت لسما:- روحي اعملينا عصير لزوم القاعدة يا سمكة
ركضت سما ملبية الطلب بضحكاتها المعتادة...اختلت حميدة بجميلة وجلست على الاريكة بالغرفة وقالت لحميلة:- قلقانة ليه؟!
ابتلعت جميلة ريقها بنظرة خائفة خوف حقيقي ، قالت بتلعثم :- انا خايفة مش قلقانة يا حميدة ، خايفة منه ، ومن ضعفي قدامه ، ومن تصميمه يكسرني ، أنا بحس أنه عايز كده! ، أنا ما استحقش واحد زي جاسر لأ ، أنا عايزة أعيش مرتاحة في حياتي..
حميدة بقلق:- حصل حاجة مابينكوا خوفتك كده؟!
روت لها جميلة ما حدث لتقل حميدة بضيق:- قليل الأدب وكنت عارفة كده ، خدي بالك من نفسك وأنتي معاه لحد ما تسبيه ، أنتي تستاهلي واحد احسن منه يا جميلة كفاية عقلك
جميلة بتوتر وهي تفرك يديها :- حاسة أني وقعت في فخ ، مش ده اللي هسيبه وهيسيبني في حالي ، مش عارفة ليه دايمًا طريقي مليان شوك؟! المصيبة الأكبر أني ساعات بحس أني عايزة أصدقه ، وساعات بحس أن في حاجة في عنيه صادقة ، انا خوفي من نفسي اكتر من خوفي منه..
فكرت حميدة لبعض الوقت ثم قالت مقترحة:- الخطوبة الأسبوع الجاي ،هتبقى عائلية هنا ، متروحيش الشغل الأسبوع ده وهخلي يوسف يمسك الشغل بدالك لحد ما ترجعي ، فكري كويس وبعيد عنه وبالمرة يحس أنك مش مدلوقة عليكي ويتجنن اكتر..
صمتت جميلة لدقائق ثم أجابت بموافقة:- ماشي ، انا محتاجة فعلا اكون لوحدي..
******لا حول ولا قوة الا بالله
باليوم التالي...بالمكتب...
دلف الفتيات الثلاث صباحاً وهذه المرة وجدوا الشباب قد سبقوهم بالمجيء..جلست حميدة وهي تضع يدها على رأسها مع غزو الصداع الذي رافقها منذ صحوتها..ذهبت كل فتاة لعملها بينما وقف يوسف أمام المكتب بقلق...ضاق لمظهر الأرهاق البادي على وجهها فقال:- مالك في ايه؟!
نظرت له حميدة بعين ذابلة وقالت بصوت متعب :- صداع من ساعة ما صحيت ، مش شايفة قدامي منه..البنات كانوا مصممين أغيب بس ماينفعش..الشغل كله بيرجعلي انا عشان اخلصه.
ضيق يوسف عيناه بعصبية وقال:- كويس انك ماغبتيش
تفاجئت بقوله!! الهذه الدرجة لا يفكر سوى بالعمل؟! نظرت له وقد شعرت أن حمول أخرى اثقلت كاهلها بجانب المرض ، ابتلعت ريقها بصعوبة وخرج صوتها مرتعشا من الخذلان وقالت بيأس:-
_ الشغل أهم طبعاً ، عندك حق
تنفس يوسف بحدة وهتف:- لأ طبعاً الشغل مش أهم منك يا غبية ،تعالي معايا الصيدلية اللي تحت نقيس الضغط ، يمكن هو السبب ، حاجة سريعة على ما اجيبلك دكتور
تسمرت حميدة لانفعاله الواضح ! ، انقشعت تلك الغمة عن كاهلها ، هتف يوسف بها عندما وجدها لا تستجيب لندائه:-
_ يلا تعالي معايا ، قومـــي !!
صدقا لو اعترفت أنها تريد الضحك !! ، كلما انفعل كلما زادت ضحكتها المختبئة...الغضب لا يليق به ، المرح والابتسامة والتصرف بعفوية وطفولية فقط ما يغمروا ملامحه ، هذه النوعية من الرجال ليست بسيطة!! فإذا أظهروا مكرهم ركضت قلوب احبتهم دقاً ، تخيلته للحظات لو قال أحبك ببعض المكر؟! لو جذبها لذراعيه بابتسامة ماكرة؟! هذا الطفل الكبير؟! مسكين قلبها !
ابتسمت حميدة بشرود وحقا نسيت الم رأسها لبعض اللحظات ، اغاظه صمتها وصاح:- يابنتي يلا بقى مش هعرف اشتغل وأنا قلقان عليكي وشايفك كده؟! اقسم بالله لو ما جيتي معايا للصيدلية ماهتشغلي النهاردة ها
اتسعت ابتسامتها بشبه ضحكة فتعجب يوسف منها!! ابتسم رغما وقال بمزيج من اللوم والمرح:- بتعصبيني وبتضحكيني؟!
قالت بتسلية :- أصلك بطلت تقول يا صاحبي !
لوى يوسف شفتيه بضحكة وقال:- نسيت الصداقة لما شوفتك تعبانة ، يلا بقى يا حميدوو
نهضت حميدة وحاولت أن تخفي تلك الابتسامة من ثغرها ، ربما لاحظ سعادتها في اهتمامه؟ ورغم رقة ما شعرت به فهي تعرف أن قلبه مثل الطفل الصغير الطيب ، لذلك تعشقه!!
******* استغفر الله العظيم واتوب إليه
**بمكتب جاسر**
ذرع المكان ذهابا وايابًا بإنتظارها...اتلعب تلك اللعبة وتجعله ينتظر؟! منذ الامس وعيناها لم تغب عن باله لحظة! فإن كان يريد الانتصار عليها مرة فبعد الأمس يريد ذلك الف مرة...تنفس بغيظ من تأخرها بهذه الطريقة...دلف يوسف اليه ولاحظ عصبيته فقال:- على فكرة خطيبتك مش هتيجي النهاردة
التفت جاسر بدهشة وهتف:- أنت بتقول ايه؟!
أضاف يوسف ببساطة:- ولمدة أسبوع جاي كمان ، لسه حميدة قايلالي ، قالت أن جميلة تعبت شوية امبارح والدكتور حذر ما تتعبش نفسها في الشغل..
انعقد حاجبي جاسر بضيق ، بقلق ،بغيظ وغضب ، وشعور بأن الأمر متعمد منها ، ولكن شيء بداخله قلق أن يكن الأمر حقيقة...أخذ هاتفه من على المكتب وقال ليوسف:- طب انا هروح اشوف الموقع الجديد يا يوسف ، لما نرجع نبقى نتكلم في التفاصيل..
خرج دون أن ينتظر رد يوسف ، لوى يوسف شفتيه بتعجب وعدم فهم حتى خرج هو الآخر من المكتب...
***** لا اله الا الله
منذ وصول للي بالأمس وقد قررت زيارة الفرع الجديد لل"بيوتي سنتر" الخاص بها بالحارة الشعبية...صممت أن تستأنف العمل بأقصى سرغة فيكفي بكائها طيلة الليلة الماضية..استقلت سيارتها بهذا الصباح بإتجاه الفرع الجديد...
بعد مرور ساعة...وقفت السيارة بالمكان التي زارته عدة مرات بالسابق ليكن باستقبالها فتاتين من المساعدين لها..قالت جمانة بترحاب:- أخيرا القمر رجع؟ حمد الله على سلامتك يا للي
ابتسمت للي للفتاة بود وصافحتها ثم قالت الفتاة الأخرى وتدعى" سارة" من ساعة ما كلمتينا امبارح واحنا ما صدقنا ،واقفين بقالنا نص ساعة مستنينك
رحبت للي بالفتاة الأخرى ثم اخرجت احد الفتيات المفاتيح من حقيبتها وقالت:- هتتفاجئ بجد المكان ولا في الخيال ،خسارة يبقى في حارة والله..
فتحت الفتاة الباب الحديدي الذي يخلفه باب آخر زجاجي باللون الوردي...دلف الثلاثة للمكان وبدا على نظراتهنّ الاعجاب الشديد وقد تم الانتهاء من تجهيز المكان تمامًا..
قالت للي باستحسان:- هنبدأ من بكرة أن شاء الله
التفت الفتيات اليها بدهشة وقالت احداهنّ:- بالسرعة دي؟! مش هتستني الدعاية؟!
تنهدت للي وقد أصبح كل شيء سواء فلم يعد شيء يبهجها وأجابت:- لأ ، أنا عايزة اشتغل ليل نهار ، نبقى نعمل الدعاية واحنا بنشتغل ، المواعيد جهزتوها ولا لسه؟!
اجابت سارة وهي تخرج دفتر ملاحظات صغير:- في حجز كتير الفترة الجاية ، أول حجز هيبقى بعد اسبوعين ، الجدول مليان مشاء الله..
أومأت للي رأسها وهي تتمنى أن لا يتذكر عقلها بخضم العمل تلك الأيام الحالمة بعاصمة الحب..
خرجت من المكان وهي تتحدث مع الفتيات لتشهق جومانة بصدمة عندما وجدت اطار سيارة للي مثقوب ويرتخي على الأرض...
تطلعت للي بذهول للسيارة ورأت شاب يبدو أنه هو الفاعل يواليها ظهره ويبتعد عن السيارة فتوجهت له بعصبية حتى اوقفته هاتفة:- أنت اللي عملت في عربيتي كده؟!
استدار الشاب لها وتطلع اليها بتفحص فأجاب بمغازلة:- هو القمر نزل في حارتنا ولا ايه؟!
هتفت للي بالشاب الذي يبدو أنه لم يتخطى سنواته العشرين ، فكرر الشاب كلمات المغازلة وهو يقترب الى للي ليجذبها سقراط بعصبية:- أنت اتجننت ياض انت ؟! مش عاملي اعتبار خالص...ماشي
جمع سقراط اصبعيه اسفل لسانه وصفر عاليًا ليجتمع حشد من الصبية وبدأو في لكن الشاب العشريني حتى ركض بعيداً...نظر سقراط الى للي بابتسامة وقال:- أي خدمة
ابتسمت له للي بشكر وقالت:- متشكرة أوي ، انت اسمك ايه؟
أجاب سقراط وهو ينظر لها بهيام:- سقراط أوي
تعجبت للي من الاسم ولكنها لم تحب احراج الصبي فقالت:- طب يا سقراط ، ماتعرفش مكانيكي هنا يصلحلي العربية؟!
نظر سقراط للسيارة وقال لها :- استريحي هنا ، ساعتين وعربيتك هترجع احسن من الأول كمان ، طول ما انا معاكي ما تقلقيش
اتسعت ابتسامة للي بامتنان واعجبها شهامة الصبي الصغير بينما هتف سقراط بالصغار وقال :- اللي يقرب لها يجيلي على ورشة أبويا ، دقيقة وراجع مش هتأخر
لوح لها سقراط قائلا ليطمأنها:- محدش هيجي جانبك ما تخافيش ، شوية وراجع...
هزت للي رأسها بأمتنان وعادت لمكان عملها الخاص بانتظار وصول الميكانيكي...
ركض سقراط بالطريق وهو يدندن مقطوعية شاعرية حتى وقف أمام ورشة والده وقال:- اباااااااا
ذعر الاسطى سمعه وهتف:- هتجيبلي صرع يا حمار !!
قال سقراط مبتسما :- أنا قررت اخطب
_____________________________اللهم حسن الخاتمة