اخر الروايات

رواية الاربعيني الاعزب كامله بقلم اية محمد رفعت

رواية الاربعيني الاعزب كامله بقلم اية محمد رفعت



ها قد حل الخريف المشرق لتلك الأشجار العملاقة، حيث تنتظره بفارغ الصبر من الحين للأخر لتتخلص من ورقاتها البائسة كالمرء التعيس الذي يتخلص من أحزان قلبه الغائمة، كحال الأربعيني صاحب ذاك القصر المرتب، زواره يقسمون أن سيده رجلاً عسكرياً يتحكم بقواعده بحزمٍ وصرامة، ربما لا يعلم أحداً المخبئ خلف ذاك القاسي الذي التاع قلبه حرقةٍ لا يقو عاشق تحملها، تسللت خيوط الشمس من خلف الستار لتنير غرفته ذات الطلاء الأسود الداكن، ليكسو صمتها المخيف صوت رنين المنبه المعتاد سماعه بالنسبة إليه، فرفع ساعديه ليوقف رنينه المزعج، ثم أزاح غطاء الفراش لينهض عن سريره الوثير، ومن ثم اتجه لحمامه الخاص، ووقف مقابل مرآته ليزيل شعر لحيته الزائد، ومن ثم صفف شعره الأسود الذي يكسوه بعض الخصلات البيضاء التي زادت من وسامة وجهه القمحي، عينيه البنية كانت تتوهج بتحدٍ سافر لضوء الشمس المذهب، فكانت تحاوط حدقتيه البني خط خفيف من العسل المسكوب، انتهى مما يفعله ثم خرج ليختار أحدى بذلاته الداكنة المعتادة بالنسبة اليه، ثم هبط ليترأس تلك الطاولة الكبيرة بمفرده، لم يشعر يوماً بمللٍ يهاجمه، وهو يعيش بمثل ذاك القصر بمفرده لأعوامٍ، في عزلة اختارها هو لذاته، انتهى من تناول طعامه في تمام الثامنة والنصف كالمعتاد اليه ثم احتسى فنجان قهوته بالتاسعة الا ربع مثلما اعتاد، ليغادر قصره في تمام التاسعة متجهاً الى شركته، هبط “عاصي” من سيارته ذات الطراز القديم ليتجه لمكتبه، فهرع اليه السكرتير الخاص به وهو يفتح مفكرته الصغيرة ويخبره بمواعيده الهامة:
_لديك اجتماع هام بعد ساعتين من الآن سيدي، وبالمساء عشاء عمل في فندق **مع السيد “قاسم خلدون” ..
أومأ بخفة برأسه وهو يشير له بحزمٍ:
_دعنا لا نضيع وقتاً إذاً، فلتحضر لي الملفات الهامة..
أجابه على الفور:
_في الحال سيدي..
ثم أسرع لمكتبه ليختار له الملفات الهامة قبل أن يغادر الشركة، بينما ولج “عاصي سويلم” بكامل هيبته لمكتبه الخاص، فوضع حقيبته على المكتب ومن ثم القى بثقل جسده الرياضي على مقعده وعينيه تبحران بهيامٍ بتلك الصورة الصغيرة، المعلقة على طرف مكتبه الخاصة، لم تكن مجرد صورة عادية بل سجنه الذي يتسع به عاماً بعد الأخر حتى بات يعتاد ظلامه القاسي، قرب “عاصي” الصورة اليه وعينيه البنية تتعلق بتفاصيل وجهها الذي يحفظه عن قلبٍ محب، ادمعت عينيه وهو يدفنها بصدره بتمني لو كانت مازالت لجواره تشاركه ذاك العشق القاتل بين أضلاعه، نعم غادرت من رغب بها، تاركة عذاب يبتلعه يوماً عن يوم، لم يشعر بالرغبة للاقتراب من أي امرأة سواها، لذا اصبح رجل الاعمال الاعزب المرغوب من الفتيات، والاغلب يظنونه يطمح بالمزيد من الثروة والمال لذا استكفى بوحدته ليحقق طموحاته الصاعدة، لا يعلم احداً بانه فقد قلبه مع من رحلت، فتح عينيه على مهلٍ وهو يهمس لصورتها بابتسامةٍ يجاهد لرسمها:
_صباح الخير حبيبتي، أرى ابتسامتك مشرقة اليوم وكأنكِ تعلمين بأن اليوم عيدي الأربعون..
ثم استطرد بألم:
_أجل، اليوم اتممت الاربعون بدون وجودك لجواري…. وبالتحديد اتممت عشر سنوات بدونك….
لم يشعر بتلك الدمعة الخائنة التي انسدلت على وجهه، وبات يخرج ما يضيق بصدره:
_عشر سنوات وأسبوعين وثلاث ساعات تقريباً… عمراً كامل أطال بي وأنا أعُد الأيام بترقبٍ للقاءك….
ومن ثم قال:
_أحياناً أتساءل إن لم يكن قتل النفس محرماً ماذا كنت سأفعل؟ … هل كنت لألحق بكِ أم أن العيش على ذكرياتك يمنحني قوة لأبدأ من جديد وصورتك تلاحقني فتمدني بقوةٍ أجهل سرها حتى تلك اللحظة..
ومرر اصابعه على شفتيها قائلاً:
_لا أعلم… ولكني أفتقدك كثيراً…. في كل ثانية يجلد قلبي المسكين حينما لم يجدك لجواره… ولكن عل اللقاء أصبح قريباً…
وترك الصورة عن يديه ثم ارتدى نظارته التي زادت من وسامته ليبدأ عمله الذي انتهى بعدما انهى اجتماعه الهام بموظفين شركته، ليتجه لسيارته ليعود للقصر حتى يبدل ثيابه لاجل موعده المسائي، فما أن رآه السائق حتى فتح باب السيارة الخلفي بوقارٍ، صعد “عاصي” بالخلف ثم أخرج هاتفه الذي دق للمرة الثالثة، ابتسم حينما رأى اسم رفيق دربه وزوج اخته الوحيدة، فما ان فتح الهاتف حتى استمع لصوته المتعصب:
_أخبرني لماذا تحمل الهاتف اذا كنت تتجاهله اذاً؟
ابتسامة ماكرة زينت وجهه الجذاب، ومن ثم اتبعها قوله الخبيث:
_أراك تبالغ قليلاً، أعلم إنك تحدثت مع “مصطفى” السكرتير وأخبرك هو بانشغالي باجتماعاً عام… اليس كذلك؟
أتاه رده اللازع:
_بالطبع تحدثت معه، أتعلم أصبحت أتصل به أكثر من اتصالي بزوجتي… بنهاية الامر أنا مجبر هنا فصديقي المتعجرف لا يبالي بي ولا بمكالماتي الهامة له.
احتضن مقدمة انفه بيديه وهو يجاهد الصداع الذي سيتسبب له، لذا قال بصرامةٍ:
_بربك يا “عمر” اخبرني ماذا هناك حتى تنغلق محاضراتك التي لا تنتهي تلك..
تنحنح وهو يردد بمرحٍ:
_كأني بلغت قليلاً ولكن لا يهمني ما يهمني الان أن تأتي بالمساء، فأختك ترغب في مفاجأتك بعيد ميلادك وشددت بأن أتي بك للمنزل بالمساء والا أفصح بالمفاجآة التي تعدها لأجلك.
ابتسم ساخراً:
_وقد فعلت!….
ثم استطرد بمللٍ:
_حسناً حسناً، سأتي حينما أنتهي من مقابلة عمل هامة..
وأغلق الهاتف وهو يردد ساخراً:
_أحمق…
ثم جذب حاسوبه ليلتهي به قليلاً، فابتسم حينما وجد صورتها تستحوذ على لابه الخاص كما تستحوذ عليه هو شخصياً، فغامت عينيه بذكراها الهائمة
##
_أخبرني متى بالتحديد ستتفرغ لي، أنت دائماً مشغول “عاصي”!
ابتسم وهو يخبرها بحنانٍ:
_كيف أنشغل عنكِ حبيبتي وأنتي دائماً ما تقتحمين غرفة الاجتماعات بغضبٍ اعتاد عليه موظفين الشركة المساكين..
لوت شفتيها بسخطٍ:
_عليهم الاعتياد قليلاً فبالنهاية بعد الزواج سيقتسمونك معي.
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يشير لها بمكرٍ:
_مهلاً “هند” أشم رائحة حريق تنبع من داخلك، دعنا نذهب للطبيب لنطمئن بأن الامور على ما يرام..
جزت على أسنانها غضباً ومن ثم جذبت اوراق الملفات التي تملأ مكتبه لتلقيها بوجهه وهي تردد بعصبيةٍ:
_ستلتهمك تلك النيران يا “عاصي” وسترى…
عاد من شروده حينما قال السائق:
_سيدي،لقد وصلنا أترغب في زيارة مكانٍ أخر!
أفاق من دوامة ماضيه والبسمة الفاترة مازالت مرسومة على وجهه، فهبط ومن ثم اتجه لغرفته، ليختار بذلة سوداء انيقة، ثم اغتسل ليستعد بلقاء “قاسم خلدون” رجل الاعمال الشهير، فتلك الصفقة تعد من أهم ما ستحققه شركة “عاصي سويلم” بالشراكة معه، وقف أمام مرآته المطولة ليعدل من جرفاته الرمادية،ثم نثر البرفنيوم الخاصة به على بذلته، ولحيته النابتة، ليلقي نظرة أخيرة على ذاته قبل أن يتجه للاسفل، استقل “عاصي” سيارته التي تحركت به فور صعوده للفندق المنشود، ليجد قاسم باستقباله هو وابيه وعمه، الجميع يرحب به بهيبةٍ وقار، ليشير له قاسم على تلك الطاولة الضخمة التي أعدت خصيصاً اليه، ليجذب الجرسون احد المقاعد التي احتلها بهيبته الوقورة، جلس الاب والعم وقاسم مقابله ليبدأ بالحديث:
_هنيئاً لنا بشراكة مثل شراكتك سيد “عاصي”..
اكتفى برسم ابتسامه صغيرة له، واستكمل” قاسم” قائلاً:
_لذا سأستغل تلك المناسبة الهامة لتصبح الفرحة فرحتين بخطبتي أنا و”لوجين”… ما رأيك عمي؟
بدأت الصدمة جلية على وجه عم قاسم، الذي ابتلع ريقه بصعوبةٍ ملحوظة، ومع ذلك حاول السيطرة على انفعالاته وهو يجيبه:
_كما تشاء ابني… سأخبر “لوجين” لتستعد في الحال…
شعر “عاصي” بأن هناك خطباً ما بين العم وابن اخيه، ولكن لم يعنيه الامر كثيراً، فالمهم بالنسبة اليه انه تمم الصفقة الهامة، فاراد ان يغادر فور اعلان الخطبة حتى يذهب لشقيقته التي تنتظره، انتاب الحفل حالة من الهرج والمرج، لتردد على الالسنة عبارة واحدة “اختفت العروس!”..
كان الامر غريب بعض الشيء وبالاخص غضب”قاسم” الذي بدى للجميع اعتياده على هروبها الدائم من خطبته التي ألتغت اكثر من مرة، رفع “عاصي” كوب العصير ليرتشف منه، عل ريقه الجاف يزداد رطوبة قليلاً، فكاد بأن يسعل حينما توقف العصير بحلقه، لتتجه عينيه لاسفل الطاولة حينما شعر بيد تشدد على بنطاله، فوزع نظراته لجواره، وما ان تأكد بانشغال الجميع بالبحث عن العروس، رفع بمقدمة حذائه غطاء الطاولة الابيض الطويل، ليتفاجئ بمن تختبئ أسفلها!
….

يتبع…


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close