رواية الاربعيني الاعزب الفصل الثاني 2 بقلم اية محمد رفعت
تفاجئ “عاصي” بفتاة تجلس أسفل طاولته، عينيها تشبه الليل الساكن في ليلة سمائها صافية، خصلات شعرها البنية القصير يلتف حول رأسها على شكل دائري فمنحها مظهر بريء للغاية، وبالرغم من جمال تلك الحورية ذات الجمال الرقيق الا انه لم يرمش له جفن، وكأنه مسحور تجاه امرأة أخرى، فرفع عينيه ليتابع المارة بنظرةٍ متفحصة قبل أن يعود لسؤالها:
_من أنتِ؟ وماذا تفعلين هنا!
أجابته بصوتٍ هامس:
_كما ترى بعينيك أختبئ أسفل الطاولة حتى لا يراني هذا الارعن “قاسم خلدون”، أما إجابة سؤالك الأول فإجابته مقتصرة على الاجابة الاولى فأنا العروس الهاربة!
ابتسم رغماً عنه على جملتها الاولى وسبها لابن عمها دون خوفاً، فعاد ليسألها من جديدٍ:
_حسناً، ولماذا طاولتي بالتحديد؟
أجابته بابتسامة واسعة رسمتها بلباقةٍ، استطاع أن يلمسها “عاصي” بحديثها:
_لا أعلم، ربما لأنك تبدو رجل شهم، ستساعدني بالهروب من هنا، فليس من المنصف بالنسبة لك أن تتزوج فتاة من رجلاً لا تحبه بالقوةٍ، وهي تحب رجلاً أخر..
سألها ساخراً:
_وأين الرجل الأخر بذاك الوقت بالتحديد؟
رفعت كتفيها بطفوليةٍ:
_لا أعلم، من المفترض أن يكون هنا، ولكن لحينما يحدث ذلك لا تتخلى عني.. أرجوك ساعدني بالخروج من هنا..
تقوس جبينه بحيرةٍ:
_وكيف سأفعلها؟
قالت على الفور:
_كل ما أحتاجه منك هو جاكيت بذلتك الانيقة، وسارفقك للخارج وكأنني أحضرت للحفل برفقتك..
جز على شفتيه السفلية باسنانه وهو يهمس بسخطٍ:
_لابد وإنكِ تمازحيني يا فتاة، هل تعرفي من أكون؟
ضمت شفتيها معاً بحيرةٍ، فأعاد غطاء الطاولة سريعاً حينما دنا منه “قاسم”، ليشير اليه بحرجٍ:
_أعتذر سيد”عاصي” أعلم بأن هناك عقود لم توقع بعد،ولكن ما حدث لم يكن متوقعاً …
ربت على كتفيه بهدوءٍ:
_لا بأس، دعك من الامر وابحث عن ابنة عمك أولاً…..
أجابه باستياءٍ:
_تلك الفتاة ستقودني للجنون حتماً، كلما قررت اعلان خطبتنا تختفي كالشبح المتخفي..
كبت “عاصي” ضحكاته وهو يرأها تدلي برأسها من اسفل الطاولة وترمقه بنظراتٍ قاتلة، فحك طرف أنفه ليخفي ابتسامته وبجدية تامة قال:
_هل هربت من قبل؟
رد عليه بضيقٍ:
_سئمت من عد المرات التي هربت بها من المنزل…
ابتسم وهو يقول:
_لما لا تدعك منها وتبحث لك عن امرأة أخرى…
قال بابتسامةٍ بلهاء:
_ليتني استطيع ولكنني لم أحب غيرها..
ضحك بصوته كله وهو يرآها تحمل سكيناً التقطته من أعلى الطاولة وتشير به على عنقها وهي تردد بصوتٍ استمع له عاصي جيداً:
_الموت رحمة لي منك أيها الأرعن..
تعجب قاسم من ضحك عاصي، فاستوعب الاخير الامر، ليستعيد ثباته سريعاً وبملامح جادة قال:
_أتمنى ان تجدها بأسرع وقت، وربما تكتسب خبرة بكسب حبها تجاهك..
ودعه وهو يهم بالخروج للبحث عنها:
_اتمنى ذلك..
وما ان غادر قاسم، عاد عاصي ليجلس محله من جديد، وهو يهمس بصوتٍ منخفض:
_ذهب للبحث عن المشاغبة بينما تختبئ كالهرة أسفل الطاولة!
أخرجت رأسها اليه وهي تشير له باستعطاف:
_الفرصة مناسبة للخروج الان، الن تمنحني الجاكيت..
احتدت نظراته تجاهها، فقالت بحزنٍ مصطنع:
_هيا ساعدني وأعدك بأنك لن ترى وجهي مجدداً، أخرجني من هنا وسأتوالى زمام الامور..
تطلع لها بشكٍ، ولكنه لم يعتاد التخلي عن أحداً يطالبه بالمساعدة، لذا رضخ لها وخلع جاكيته ليكوره بغيظٍ وهو يقدمه لها، فلم يعتاد ابداً على التخلي عن جاكيت بذلته بمكانٍ هام كذلك، لا يعلم بأن تلك المشاغبة جعلته يجتاز فقط اول قوانينه أما القادم فسيجعله في حالة عدم استيعاب، ارتدت “لوجين” الجاكيت، فتنحى بمقعده للخلف ثم راقب الطريق من حوله ليشير لها:
_ اخرجي الان..
خرجت من اسفل الطاولة لتقف جواره ومن ثم تعلقت بيديه وخطاهما السريع يدنو من سيارته المصفوفة بالخارج، فصعدت جواره بالخلف، ومن ثم امر سائقه:
_انطلق سريعاً “علي”..
لم يفهم ماذا به، والاهم من تلك الفتاة التي تعتلي سيارة سيده لاول مرة، ولكنه انطلق على الفور تنفيذاً لاوامر سيده، فما أن ابتعدت سيارته عن الفندق بمسافةٍ معقولة، حتى أمره بايقاف السيارة، ثم استدار تجاهها ليشير لها بصرامةٍ:
_هيا، انزلي انتي الآن بأمانٍ..
لعقت شفتيها بارتباكٍ وهي تسأله بصدمةٍ:
_هل ستتركني هنا بمفردي!
استدار تجاهها ثم قال بسخريةٍ:
_وماذا يفترض بي ان أفعل؟
رفعت كتفيها ببراءة مصطنعة:
_لا اعلم..
ثم قالت:
_ولكن على الأقل اعطيني هاتفك لاتصل بحبيبي عله يأتي الى هنا ليحميني..
جز على اسنانه بعصبيةٍ بالغة، على تلك الكارثة التي بلى نفسه بها، فجذب هاتفه من جيب بنطاله ليضعه أمامها بضيقٍ:
_تفضلي..
تناولته منه وهي تردد بابتسامة عابثة:
_شكراً لك آ…
ثم تساءلت باستغرابٍ:
_ما اسمك؟
قال بسئمٍ:
_لا يهم..
رددت بغضبٍ:
_انت فظ للغاية، ولكني أفضل منك..
ثم مدت له يدها وهي تقول بابتسامة سحرته:
_أنا “لوجين”…
ابتسم وهو يردد ساخراً:
_أعلم… بل مدعو الحفلة بأكملهم علموا اسم العروس الهارب!
كبتت غضبها غيظاً، فكادت بأن تتحدث مجدداً فقطعها حينما قال:
_هيا اتصلي به، لدي موعد هام..
جذبت الهاتف ثم حاولت الاتصال برقمٍ كتبته بعشوائيةٍ وهي تراقب انفعالات وجهه ثم قالت بايتسامة واسعة حينما استمعت لصوت المتصل:
_مرحباً، هل أنت “وسيم”؟
انعقدت تعابيرها بغضبٍ وهي تستطرد:
_مهلاً مهلاً، أيها الوقح لم اتعمد مغازلتك سألتك عن اسمك فحسب!
حسناً أغلق هذا الهاتف والا اقتلعت عنقك..
وأغلقت الهاتف ثم دفعته تجاه عاصي الذي يتطلع لها هو والسائق بصدمةٍ، فقالت وهي تتطلع له بخجلٍ:
_بحقيقة الأمر أنا ليس لدي حبيباً، تلك كانت خدعتي لتخرجني من ذلك المكان..
جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، وهو يرى تلك الفتاة القصيرة تتلاعب بعاصي سويلم، الذي لم يجرأ احداً على فعلها من قبل… فتطلع لباب سيارته ثم ردد بصوتٍ حاد:
_هيا إنزلي من سيارتي في الحال…
قالت بحزنٍ مصطنع:
_أتتخلى عني بتلك السهولة، ظننتك رجلاً شهم وستساعد فتاة بريئة بحاجة لمساعدتك ولكنك في حقيقة الامر مثل “قاسم” لا تفرق عنه كثيراً..
ثم تركته وهبطت من السيارة لتقف جانباً بحزنٍ مصطنع وهي تتصنع البكاء، مما جعله يلكم نافذة سيارته وهو يردد بضيقٍ شديد:
_اللعنة!
وفتح باب سيارته ثم هبط ليقترب منها ثم قال باستسلامٍ:
_حسناً سأساعدك… سادعك بمنزلي ثلاث أيام فقط حتى تدبري أمرك.. لا تحلمي بأكثر من ذلك..
صفقت بيدها كالطفلة الصغيرة وهي تخبره بفرحةٍ:
_لا تكفي، سأدبر أمري بعد ذلك… اعدك..
أومأ برأسه ثم قال بهدوءٍ:
_حسناً… اصعدي للسيارة..
صعدت “لوجين” لسيارته بإبتسامةٍ نصر، فتحركت بهما السيارة تجاه منزل شقيقته، وحينما توقفت اسفل البناية الراقية، قالت “لوجين” وهي تتطلع لاعلى البناية باعجابٍ:
_هل تسكن هنا!
لم يجيبها، بل قال بصرامةٍ:
_هل انتهيتي من جاكيتي!
فهمت مغزى حديثه، فخلعت جاكيته ثم منحته اياه، فلبسه على الفور ثم صعد الدرج وهو يقول بحدةٍ:
_اتبعيني…
صعدت خلفه حتى ولجت للمصعد ومن ثم توقف بالطابق المنشود، فخرج عاصي ومن ثم طرق الجرس مرتين متتاليتين، فقالت باستغراب:
_اليس لديك مفتاحاً لمنزلك؟
لم يجيبها وظل صامداً كشموخ الجبل، ففتح رفيقه باب المنزل ثم قال بصوتٍ مرتفع حتى تسمعه زوجته:
_لماذا تأخرت هكذا عاصي، الا تعلم أني انتظرك منذ ساعتين؟
لم يجيبه بل دفعه بقوةٍ حتى يفتح الباب على صراعيه، فولجوا سوياً للداخل، لتقف شقيقته هي وزوجها يتطلعون لمن تقف خلفه بصدمةٍ، وبأنٍ واحد قالوا سوياً:
_من تلك الفتاة؟
يتبع…