رواية لحظة ضعف الفصل الثالث 3
رواية لحظة ضعف
الفصل الثالث
تحسن الطقس قليلاً يوم الأحد. وبعد تناول الإفطار، أبلغها بيتر أنهما سيتغديان عند والدته، قبل أن يأخذ نيكولا إلى مباراة رياضية بعد الظهر. ثم سيتناولان طعام العشاء معاً ويعيدان بعدها نيكولا إلى مدرسته.
-ولدي لم يعرف أمه أبداً. ويبدو أنكما بعد لقاء قصير قد ظهر بينكما تعاطف طبيعي. وأُصر أن لا يعرف نيكولا سبب زواجي منك.
-وهل عليّ أن أظهر كزوجة مُحبة ... وأُم؟
-نيكولا ولدي ... وسأفعل ما باستطاعتي لأحميه.
-وماذا عن تغييرك للنساء في حياتك؟ هل تستطيع حمايته من هذا أيضاً؟
-علاقاتي الخاصة .. تبقى كما هي .. خاصة.
-بإخفائه في مدرسة داخلية؟
-إن لك لساناً جارحاً.
-أنت تجبرني دائماً على إظهار أسوأ ما عندي! ولن أبقى خاضعة أو خائفة أرتجف من غضبك السريع. لقد قبلت الزواج بك كثمن علي أن أدفعه. ولكنني لن أقبل أن أكون كبش فداء!
-إذا كنت ترغبين في معركة، فستحصلين عليها .. دون روادع.
-لا أتوقع منك غير هذا أبداً.
-سنغادر عند الحادية عشر، وحتى ذلك الوقت سأكون في المكتبة!
واستدارت سارة وغادرت الغرفة، وصعدت إلى غرفتها. كان هنالك هاتف قرب السرير، وشعرت بحاجة ماسة لسماع صوت مألوف. وبأصابع مرتجفة أدارت قرص الهاتف، وانتظرت لترد عليها ترايسي. وبعد فترة طويلة، رفعت السماعة على الطرف الآخر، وسمعت صوتاً أثقله النوم، وسألتها سارة وكأنها تعتذر:
-ترايسي .. ألا زلت في الفراش؟
-وأين تتوقعين أن أكون في مثل هذه الساعة؟
-الساعة التاسعة الآن.
-وما هو الشيء المستعجل الذي دفعك للاتصال في هذه الساعة المبكرة .. هل تردين التأكد ـنني في المنزل؟
-لا .. لقد أردت فقط أن أطمئن عليك.
-حسناً أنا بصحة جدة .. هل أستطيع أن أعود إلى النوم الآن؟
-وهل تتدبرين أمرك جيداً في الشقة لوحدك؟ أليس هناك مشاكل؟
-ولا مشكلة يا أخت العزيزة. لو كان هناك لاتصلت بك، لا تخافي! والآن .. لأجل الله، هل هذا كل شيء؟ أنا أموت من البرد في الردهة!
-هذا كل شيء!سأتصل بك ثانية بعد أيّام، وسنلتقي لنتغدى معاً!
-أكيد .. والآن وداعاً ..
وانحدرت دمعة على خدها بعد سماعها السماعة تقفل. ومسحتها بغضب، إذ لايجب أن تشعر بالأسف على نفسها.
قبل الحادية عشر بخمس دقائق دخل بيتر عليها الغرفة.
-إذا كنت جاهزة، سنخرج، ارتدي ملابس دافئة. فالملعب قد يكون بارداً.
-واستدارت سارة ببطء لتواجهه، وسألته "الملعب؟".
-نيكولا سيلعب كرة القدم بعد الظهر .. أنسيتي؟
-أجل .. بالطبع.
-لقد وعدتني أن تتصرفي بتعقل؟
-سأتبنى أخلاقاً مثالية ... لأجل نيكولا فقط!
وتقبل بيتر هذا بصمت .. ثم استدار ليخرج قائلاً:
-سأحضر معطفي ..
واستقلا سيارة ب. م صالون فخمة، وأغلق لها الباب قبل أن يتوجه ليجلس خلف المقود. وسألته بدافع الفضول أكثر من دافع رغبتها في الحديث:
-أين تسكن والدتك؟
-قرب الخليج ..
-وهل سيكون أحد غيرنا هناك؟
-لا ...
تقريباً، مع توقف السيارة أمام المنزل، فتح الباب، ونزل نيكولا لاستقبالهما.
-أبي .. سارة! كيف حالكما؟
وفتح باب السيارة لسارة، فابتسمت له ابتسامة حارة حقيقية. وقال بيتر. "لندخل إلى المنزل" ووضع يده على كتف ابنه، وسار نيكولا إلى جانب سارة ووالده نحو باب المنزل.
واستقبلت السيدة لاندرسون، الكبيرة، سارة بالترحاب، وكان الغداء لدهشتها رسمياً. ولاحظت سارة أنه لولا وجود نيكولا لوجدت نفسها غارقة بين اثنين يهويان البروتوكول. وسألتها السيدة لاندرسون:
-أنت أصغر سناً من ابني بعدة سنوات .. أليس كذلك؟
-أنا في الثالثة والعشريين سيدة لاندرسون.
-تبدين أصغر سناً .. بيتر يناديني .. ماما . وعليك أيضاً أن تفعلي هذا.
-شكراً لك ..
-كنت موظفة في مستشفى كما عرفت؟
-أجل كمعالجة فيزيائية.
-وهل كانت صداقتك مع ولدي طويلة الأمد؟ حتى يوم الخميس من الأسبوع الماضي لم نسمع، نحن عائلته، أية إشارة بخصوصك.
ومد بيتر يده وشبك أصابعه متعمدا بأصابعها، ثم نظر إلها بحرارة:
-يكفي أن سارة الآن زوجتي، ولهذا سأصر على أن تجنبيها هذا الاستجواب.
-أليس مقبولاً مني أن أرغب في معرفة المزيد عن كنتي؟
-أقترح أن توجهي أسئلتك لي ...
-أنا مهتمة فقط بسعادتك، وسعادة نيكولا.
وضحك بيتر قائلاً:
-أمي .. أنت فضولية .. اعترفي بهذا!
-وماذا لو كنت؟ ألا يحق لي؟ لقد رافقت العديد من النساء في العديد من المناسبات، واحتفظت بعلاقتك مع العديد منهن، ومع ذلك بقيت خلف الستار بولا لاندريس. لقد اعتقدت دوماً أنك ستتزوجها.
-جدتي .. أنت تحرجين سارة.
جاء التعليق أمام دهشتهم من نيكولا، وأرادت سارة أن تقول له أنها بعيدة عن الإحراج!
-نيكولا .. أتتحداني؟
واستدارت إلى ابنها بغضب "بيتر؟" فقال بيتر:
-هناك علاقة تعاطف بين سارة ونيكولا، ويعتبر أن من حقه الدفاع عنها.
-حقاً؟ وفظاظته معي، أليس لها عقاب؟
وأحست سارة بالعاطفة تتجمع للتفجر، فأسرعت لتلافيها:
-هذه الحلوى لذيذة جداً .. هل هي وصفة خاصة بك سيدة لاندرسون؟
ورمقها بيتر بنظرة ساخرة، مما جعلها ترد عليه بنظرة متحدية، ولم تعد إلى ذكر الطعام ثانية.
كانت الساعة الثانية عندما ركبوا السيارة واتجهوا نحو المدينة. وظلت سارة خارج حديث الوالد وابنه، ماعدا عندما حاول نيكولا إشراكها، بعدها وصلوا إلى الملعب وحمل نيكولا حقيبة ملابسه الرياضية واختفى ذاهباً إلى غرفة الملابس. فقال بيتر:
-أنت بارعة في تجنب الأحاديث.
-لقد تحدثت مع نيكولا ..
-تماماً .. ولكن ليس معي. لابد أنه سيلاحظ أن هذا غريب، من زوجين متزوجين حديثاً؟
-فهمت .. علي أن أبدو واقعة في حبك حتى فوق رأسي.
وتحركت إلى الأمام ودفعت يدها متعمدة في ذراعه وتابعت:
-لو تعلقت بك وحدقت بعينيك بحب، هل يرضيك هذا؟
-احذري!
وظهر التحذير في لهجته، فضحكت سارة، ومدت شفتاها في إغراء متعمد.
-ولماذا يا حبيبي؟ ماذا بإمكانك أن تفعل أمام العديد من الناس؟
وأمسكها بكتفيها وأدارها نحوه، ثم جذبها نحوه معانقاً بشدة.
-متى ستتعلمين أن لا تثيرينني؟
واستطاعت أن تفلت منه وتمتمت:
-أكرهك، والأكثر أنني أكره أن تستغلني.
-إذاً استمري بكرهي، على الأقل هذا شعور صادق.
-وهذا الشعور الوحيد الذي ستثيره بي أبداً.
-نيكولا أصبح في الملعب .. لنقف جانباً لنتفرج عليه.
وسارت سارة معه، غاضبة من قبضة ذراعه على خصرها، ورغبت بلهفة أن تنتزع نفسها منه وتطلق سراح الغضب المحبوس بداخلها، ولكن وجود نيكولا، إضافة إلى الناس الآخرين، منعها من ذلك.
ولخمسة عشر دقيقة، راقبت سارة اللعب بصمت، ثم دفعها ما تعر به من ألم لقبضة بيتر على ذراعها أن تتكلم عبر أسنانها:
-أنت تؤلمني!
فترك ذراعها بغضب. وبعد أول جولة، تجاهلت سارة الرجل القوي الواقف بقربها، وانغمست في اللعبة، وأخذت تهتف لنيكولا وفريقه، حتى أنها عانقته مهنئة بعد انتهاء اللعب واغتساله وتغيير ثيابه.
واقترح نيكولا، منتشياً بالنصر، أن ينضموا للفريق في مطعم صغير للاحتفال. وهذا ما فعلوه، واستغرق الاحتفال ساعة من الزمن. وبدأت سارة تتخوف من العشاء مع بيتر بوجود نيكولا فالمحافظة على مظهر مرح بوجوده سيكون تمثيلاً مزعجاً لها. وتمنت لو تنتهي هذه الأمسية، على الأقل لوحدها مع بيتر ستتمكن من العودة إلى حالتهما العادية! العداء.
بعد السادسة بقليل ذهبوا إلى مطعم جميل حيث الطعام كله يوناني. وتركت سارة الاختيار كله لبيتر قائلة بنعومة ظاهرة:
-حببي .. قد أكون تزوجت يونانياً، ولكنني لا أعرف شيئاً عن أطعمتكم التقليدية. وأنا لا أكره شيئاً بالنسبة للطعام. وما تختاره سيعجبني. وطوال الأمسية أعطت سارة اهتمامها الكامل لنيكولا. شاركته الحديث باهتمام ظاهر لتطوير صداقتهما. التي كانت تنمو بشكل بيتر. وكان شاباً غير معقد، ومتناقض تماماً مع شخصية أبيه.
وفي السابعة والنصف بالضبط خرجوا نحو السيارة، وقاد بيتر المسافة القصيرة نحو مدرسة نيكولا الداخلية. وأنزله أمام باب المدرسة، ثم تابع سيره نحو المنزل.
وشعرت سارة عندها بالتعب، وبمشاعر غريبة. أكثر من أ شيء آخر، أحبت أن يأخذها بيتر بسرعة إلى المنزل حتى تستطيع أن تأخذ حماماً ثم تسترخي في الفراش. ولكن العودة إلة ذلك المبنى ذو الطابقين يعني فقط مواجهة صدام آخر مع زوجها، وكانت تكره مواجهته وتحمل ما يسببه لها. فوجدت نفسها تقول:
-هل نستطيع زيارة الشقة ... شقة ترايسي؟ لقد تركت بعض الأشياء هناك أود أخذها.
-أنت لا تريدين العودة إلى المنزل ... أليس كذلك؟ ممما تخافين؟
-لا شيء .. أنا مازلت مسؤولة عن أختي. وأرغب في رؤيتها، أتمانع؟
-أتصور أن ترايسي تتدبر أمورها من دونك.
-ألن تأخذني؟
-إذا كانت هذه رغبتك.
صف من السيارات كان متوقفاً أمام مدخل الشقة، تعالى صوت الموسيقى الصاخبة وهما يصعدان السلم نحو الباب، وقال بتر بسخرية "هل هناك حفلة؟" ومطت سارة شفتيها متسائلة. وبعد بضع دقائق من القرع على الباب، فتحت لهما فتاة بماكياج صارخ، وجذبتهما إلى الداخل بابتسامة عريضة. ثم أشارت نحو غرفة الاستقبال.
-إلى هناك يا أحبائي. هل أنتما مدعوان؟
-أنا شقيقة ترايسي.
-أوه حسناً .. كل شيء على ما يرام إذاً.
معالم غرفة الاستقبال كان لا يمكن تمييزها بسهولة بسبب الأجساد المتراخية في كل مكان، أزواج على أقدامهم يرقصون، بينما آخرون يجلسون أو يتمددون فوق الأرض. الجو كثيف بدخان السجائر، ورائحة المشروب. وكان واضحاً أن الحفلة مستمرة منذ عدة ساعات، على الرغم من أن الساعة لم تتجاوز الثامنة.
وفتشت سارة الغرفة بنظرها، فوجدت ترايسي بين ذراعي شاب، واحمرت وجنتاها للطريقة التي كانا يتصرفان بها، وأرادت أن تطفئ الأنوار وتطرد الجميع، وترتب المكان، ثم تطلب إيضاحاً لما يحصل من ترايسي ... ولكنها لم تفعل، بل التفتت إلى بيتر قائلة ببأس:
-سأتكلم مع ترايسي ثم نذهب!
وتركته سارة وأخذت تشق طريقها بين الأجساد الراقصة نحو زاوية الغرفة. ولم تكن دهشة ترايسي زائفة، ولكن سلرة فضلي نسيان الطريقة التي استقبلتها بها شققتها، وبدل أن تخلق إشكالا معها. استدارت بكل بساطة عائدة إلى حيث يقف بيتر. ولم تتوقف بل أمسكت يده وتابعت سيرها إلى الباب.
كان كل هذا كثيراً عليها، معاركها مع زوجها الشرس، والمرأة الشرسة بشكل مماثل والتي هي والدته، ثم هذا. وتمنت لو أنها تموت.
في طريق العودة إلى المنزل كان الصمت الكامل مسيطراً، وحالما دخلا من الباب إلى الردهة الأماميةـ سارعت سارة نحو السلم. ولكن بيتر أوقفها ليسألها:
-هل ترغبين في شرب شيء قبل النوم يا سارة؟
-لا .. لا أريد ..
-ولا شيء منعش!
-لا! .. هل تستطيع أن تتركني لوحدي الآن؟
كانت تتكلم صارخة تقرباً، والدموع الغاضبة تطل من عينيها.
-إذاً اذهبي إلى الفراش، فأنت بحاجة إلى نوم مريح.
وتصاعدت المرارة في فمها حتى كادت تشرق:
-وهل عندي فرصة لهذا ... ؟
-لست دون شعور أبداً.
-ولكنك اغتصبتني منذ ثمان وأربعين ساعة، وضربتني، وعرضتني لكل أنواع التصرفات الفاسقة، والقسوة لأنني تزوجتك .. يالهي! لو أن أمك تعرف كم أكرهك، فقد ترتاح .. وهنيئاً لك ببولا .. لا أعرف بقية اسمها. صدقني السنتان لن تمرا بسهولة!
ودون أن يتكلم، حملها بن ذراعيه. وصعد بها الدرج، تاركاً إياها تقاوم ما شاءت، ودخل غرفة النوم وألقاها على السرير:
-أمامك ثلاث دقائق لتخلعي ملابسك وحدك، وأنصحك أن لا تضيعي لحظة منها.
-لن أغير ملابس طالما أنت تقف تراقبني.كل جزء من جسدك مألوف لدي، أم نسيت؟
-أحتقرك،
-أنت لست أقل من شيطان، وأنا أكره كل ثانية أضطر أن أقضيها معك!
-هناك زمن طويل أمامك قبل اطلاق سراحك. أتكرهين أن أغير لك ملابسك؟
-لن تفعل؟
والتوت بين قبضتيه دون طائل لتتخلص منه، وعندما وصلت يداه إلى أزرار قميصها، فقدت السيطرة على أعصابها، فهاجمته بجنون تضربه بقبضتيها على صدره، وذراعيه، وكتفيه كأنها حيوان قد علق في زاوية. وأمسك بيديها:
-توقفي عن هذا!
وأطلقت تنهيدة ألم ممزوجة بالغضب والأسى.
-أنت تقاتلن كالقطة المتوحشة، كل هذا لإثارة غضبي، والنتائج لم تكن أبداً سعيدة، أليس كذلك؟
-أنا لا أشعر بالخوف أبداً لفكرة عدم إسعادك.
-لا .. فلديك روح المقاومة، أنا موافق معك .. ربما هذا في مصلحتك!
-على الأقل أنا صادقة في علاقتي مع الناس. إذا كرهت، فأنا أكره إلى أقصى حدود الكره.
-وهذا ما هو ظاهر. وماذا عن الحب يا سارة؟ أيستطيع أي رجل أن يكون متأكداً من إخلاصك؟
-إذا كان يستحق.
-وماذا يشمل هذا؟
- الحب .. والإخلاص.
-هه ... هذا قد يستأهل العناء.
-أنت مخلص لامرأة واحدة؟
وضحكت ضحكة غير مصدقة:
-أوه ... ها! حسب ما قالت والدتك! لقد عرفت الكثيرات، ولن تستطيع الاستقرار مع واحدة. والمسكينة بولا تنتظرك منذ سنوات.
-لو كنت أريد الزواج ببولا لفعلت.
-وبدلاً من ذلك تزوجتني. في وقت كنت تستطع أن تصر على شيء أقل توريطاً لك، اخترت أن تتزوجني .. لماذا يا بيتر؟
-لقد ناسبني هذا.
-ولكنني معنية أيضاً. لدي مشاعر، أنا لست دمية يا بيتر تستخدمها متى أردت!
-إخلاصك لترايسي كان سبب قبولك عرضي ... والبديل لم يكن ممكناً ... أليس هذا صحيحاً؟
-وعلي الآن أن أقدم دفعة ثانية من ذلك الدين.
-أيتها الفتاة الصغيرة المسكينة، انتبهي حتى لا تبدأي التعود على الأمر، وهذا سيكون كارثة عليك، أليس كذلك؟
ونظر إلى عينيها ساخراً وهو يجذبها نحوه. وشعرت سارة برعشة تهز كيانها لكلماته التي تسبب لها العذاب