رواية غيوم ومطر الفصل التاسع 9 بقلم داليا الكومي
9- امطار بنكهة المراره
كيف لكلمة واحده تجعل من اقرب شخصين غريبين تماما ...فريده كانت جزء من روحه ... طلاقها كان اقسي عليه من قرارا لبتر عضو من اعضائه.. انها اغلى عليه من عيونه وهذا لم يكن مجرد شعار الم يهديها كليته من قبل ؟ هو يدرك جيدا كم حاول رتق شروخ زواجهم المهلهل ... لكنه كان يحارب وحيدا وفريده اعتادت الاخذ فقط لذلك حينما اختار الطلاق لم يكن لمجرد الثأر لكرامته الجريحه التى اهينت بقسوه وسمع بأذنيه كل حرف من حروف احتقارها له ...لا انه رجل ناضج ومسؤل عن تصرفاته ولا يمكن ان يلجأ الي الطلاق كرد فعل.. لا فالطلاق الان اصبح هو ملجئه الاخير بعدما ايقن تماما ان فريده لن تحبه يوما ابدا وانه يذوب عشقا في امرأة بارده لا تعرف معنى الحب...عذابه في بعدها لا يحتمل ويقتله لكن قربه منها اصبح يقتل كبريائه ..كان مخير بين العيش بلا روح في بعدها اوتحمل العيش ذليلا بقربها فاختار انقاذ كبريائه ...فالرجل بدون كرامه ماهو الا ممسحه باليه تمسح بها جميع الارضيات القذره ...نعم هو كان يغذي كبريائها علي حساب كبريائه ..ارادها ناجحه قويه لاتحتاج الي اي احد ولحسرته الشخصيه لم تحتاج حتى اليه .. قراره بالانفصال كان لوضع حد لعذابهما معا ...سيمنحها حريتها وكفي به اذلالا لنفسه في سبيل املا لن يتحقق يوما ..الحب ليس امرا مكتسبا مع الوقت اما ان يولد منذ اللحظة الاولي او لا ..انتظاره للمستحيل قضى عليه تماما وحوله لمثيرا للشفقه ... ليته يستطيع ان يمحوها من قلبه كى يتمكن من العيش بسلام ..حبها لم يكن اختيار لكن نسيانها فسيكون قرار...
قرأن الفجر نبهها الي الوقت ..قضت ساعات تتذكر الماضي الاليم .. الذكري كانت حيه ووجنتها تؤلمها من صفعة عمر القاسيه التى كأنها تلقتها اليوم وليس منذ اربعة سنوات ...يومها ذهبت جريحه الي منزل جدتها لم تكن تبكى بسبب الم الصفعه الجسدى لكنها كانت تبكى لان تلك الصفعه كانت السبب المباشر في ايقاظها من سباتها الطويل ..كم احتاجتها كى تعيد اليها صوابها ولكن للاسف كانت بعد فوات الاوان ..فبمجرد ان نبذها من حياته عمر عاد الي الامارات وصفي اعماله في القاهره ...كانت تسترق السمع الى اخباره من خلف الابواب ..لم تجرؤ يوما للسؤال عنه ولم يتحدث احدهم عنه امامها بإستثناء اسيل في بعض المرات القليله التى لم تكن تسيطر فيها علي لسانها الثرثار ...لكنها علمت انه نجح وبشده واصبح له اسم في دنيا الاعمال ..واليوم عاد مع خطيبه تفوقها مالا وجمالا وحياه .. نعم نوف حيه اما هى فمجرد تمثال من الشمع تخشي الشعور بالحراره لانها تعلم انها سوف تذوب كما الشمع ...اتجهت الي فستانها الملقي علي الارض وحملته قرب قلبها ..لو فقط كانت ارتدته في الوقت المناسب لربما كانت تجنبت سنوات الشقاء التى تمر بها الان ..انه دورها الان لتشرب من نفس الكأس التى سقتها لعمر ...انه الحب بلا امل..والاسوء انه مطعم بالغيره ... عمر لم ينسى حبها فقط بل احب غيرها وربما بنفس درجة حبه السابق لها.. مؤسفا جدا ان الانسان لا يدرك قيمة ما يملكه الا بعدما يفقده .. لو يعود بها الزمن الي الوراء لكانت حملت عمر بين طيات قلبها كما كان يفعل معها ... علمت ان ايام النوم قد ولت وانها ستعانى الارق لما بقي لها من عمر فلا ينام الا خالي البال ... اسبوع يفصلها عن حلم عمرها الذى اكتشفت اليوم انه سراب ولا يستحق حتى ثمن الحبر الذي سوف تخط به شهادتها ...لو تستطيع ابدال الماجستير وشهادة الكليه بيوم واحد من حب عمر لما ترددت بل ولكانت هى الفائزه.... مدهش كيف يتبدل الانسان ويعيد ترتيب اولوياته فيكتشف انه قضي عمرا يبحث عن السراب ..اعادت الفستان بعنايه الي الخزانه وجمعت كل هدايا عمر لها بحرص ودللتها جيدا فهى الان كل ما تبقي لها منه وربما تكون احداها مازالت تحمل رائحته عالقة بها ...اليوم لاحظت نظرات عمر ابن خالتها لمياء الى رشا وهى تعلم انها مسألة وقت قبل ان تستسلم رشا لسلطان الهوى ...الجميع يواصل حياته ويعيش ببساطه اما هى فقد اعدت نفسها لسنوات العذاب القادمه فعلي كل حال هى تستحقها وبجداره...
............................................................................................- ماما ...ماما .. فين التايور الاسود بتاعى ...؟ عاوزه ابعته المغسله عشان المناقشه ....سوميه لاحظت توترها فهدئتها بلطف ..- اهدى يا فريده وبطلي توتر ...التايور راح المغسله وهيرجع بالليل ...نعم بالفعل هى متوتره ... اعصابها مشدوده وكأنها وتر مشدود علي اشده وسوف يقطع في أي لحظه الاحداث كلها تسبب لها التوتر عودة عمر مع مناقشتها كانت اشد من احتمالها ...المناقشه بعد غد وهى ليست مستعده بالمره ...هى وضعت نفسها في قالب من الثلج والشعور بالحراره يؤذيها للغايه... ربما يذيب الثلج من حولها فيجعلها عاريه وغير محميه... لابد وان تهدأ والا ستسبب التوتر للجميع ...لم يعد يشغل بالها الحصول علي درجة الماجستير واصبحت الرساله مجرد تمثيليه هى مضطره لحضورها اه لو تستطيع الاختفاء بعيدا عن الجميع ...
انها في صدد ذلك بالفعل ..الاعلان الذى قرأته في الكليه امس عن فتح باب البعثات الخارجيه سوف يمنحها المهرب الذى تريد..كانت تعلم ان البعثات الدراسيه لا تستغرق وقت طويل لانهاء اجراءات السفر فالترشيح قد تم وهى تعلم انها اختيرت من قبل رئيس القسم ...سوف تكمل الدكتوراه في الولايات المتحده .. لكن الحرب مع عائلتها ستبدأ منذ الان واعدت نفسها لها.. فمن سيسمح لها بالسفر مطلقه ووحيده ....؟ الجميع سيظن انها تتقدم في حياتها العمليه وتحصد الشهادات الشهاده تلو الاخري ...سيظنون انها مازالت تلك الانانيه التى اعتادت ان تكون وستترك منزلها ووالدتها وشقيقتها في سبيل تحقيق مجدا علمى يضاف الي رصيدها ...لكنه لا يعلمون انها ترددت طويلا في قبول البعثه بل وكانت شبه اكيده من الرفض فيكيفها غربه في وطنها ولم تكن تحتاج لوضع الاف الاميال بينها وبين من تحب لكن رؤيتها لعمر مع زوجته المستقبليه غيرت قرراها بالرفض ...لن تجلس لتراه متزوج ولديه اطفال من غيرها... لن تتحمل سماع خبر نوف حامل او نوف رزقت بطفل ....لن تستطيع مقابلة طفل صغير في أي مناسبة عائليه وتراه يحمل ملامح عمر .. طفل لم ولن يكون لها فهى اختارت الا تحمله له .....
لن تراه يهتم بزوجة اخري ...يهتم بكل تفاصيلها وتراه يحتويها بين ذراعيه وهى تدرك جيدا انها لم يعد لها الحق في المطالبه بذلك الحضن ...
الايام الماضيه كانت دربا من الجحيم وهى تسمع من الجميع عن الولائم التى تعد ابتهاجا بزواج الغالي عمر ...كلما التفتت كانت تسمع عن عزومه لغذاء او لعشاء علي شرف عمر....
جلست في صمت تنتظر مرور الايام وتعد تنازلي لوقت هروبها الابدى الي الولايات المتحده حيث لن تري عمر هناك او تسمع اخبار زواجه ....
............................................................................................
واخيرا يوم المناقشه ....اجهدت للغايه واعدت اللمسات الاخيره ..لاول مره تدير امر يخصها بنفسها ...رسالتها للماجستير كانت بعنوان..... " الحديث في علاج سرطان الدم لدى الاطفال .." الان تري ان أي نجاز حققته لم يكن يستحق العناء ...كانت تريد ان تبادل حياتها بحياة أي انثي سعيده...من يريد حياتى فليأخذها ويعطينى مكانها بعض السعاده ....مفاجأت اليوم كانت عديده ويصعب حصرها سلسلة المفاجأت بدأت بشخص طويل يحمل باقة ورود ضخمه تغطى وجهه بالكامل ويعترض طريقها بغباء .... ارادت ان تصرخ في وجهه فمزاجها لم يكن ليحتمل غباء الاخرين .... تحملت الي اخر طاقتها لكن ذلك الغبى كان مازال يعترض طريقها ويمنعها من المرور ارادت ان تركله في ساقه فربما يزيح تلك الباقه الغبيه من طريقه ويري امامه بصوره جيده ....وعندما لم يتحرك من طريقها صرخت بعصبيه شديده ...- شيل الزفت ده من علي وشك خليك تشوف طريقك زهقتنى....لدهشتها سمعت ضحكات مكتومه تصدر من خلف الباقه وكأن صاحبها يجاهد كى يخفيها ولكن عندما لم يستطيع التحكم فيها اكثر من ذلك استسلم ونحى الباقه جانبا وهو مازال يضحك..... المفاجأه احضرت الدموع لعيونها ...فصاحب الباقه الضاحك لم يكن سوى شقيقها محمد الذى فاجئها بحضوره من السفر ..بدون شعور القت نفسها بين ذراعيه بفرح غامر ... رؤيتها لمحمد اعطتها الكثير من الدعم ... قال لها باكيا ...- مكنش ممكن ابدا افوت يوم مهم زى ده ....اختى الصغيره بتناقش بزمتك كان ممكن ما احضرش....الدموع كانت تنهمر من عيونها بغزاره ..هى دعت عائلتها ليكونوا بجوارها ليشاركوها فرحتها لكنها لم تتوقع ابدا تلك اللفته المذهله من محمد ...لا بل وكان اول الحاضرين ... محمد مسح دموعها بحنان .. اخبرها ضاحكا ...- مش معقول هتناقشي بمناخير بالونه ... فريده بدأت تجفف الدموع وهى تبكى وتضحك في نفس الوقت ...كانت سعيده للغايه وسعادتها لا توصف ارادت شكره لكنها منعها بلطف ...- لا يا فريده انا اللي جيت اشكرك ...لو فاكره انى مش مقدر تضحيتك عشانى وعشان احمد تبقي غلطانه ...انا عارف كل حاجه يا فريده كويس وعارف كويس انتى عملتى ايه ...لولاكى ...مش هقول كان زمان احمد مات لا الاعمار بيد الله لكن انتى حسنتى حياته ومنعتى عنه الالم والحزن ..لولاكى انا كنت سبت الكليه ويا عالم كنت هرجع ليها امتى ... لولاكى كان زمان ماما مرضت بكل امراض الدنيا ويمكن رشا مكنتش كملت تعليمها ...يبقي بتشكرينى علي ايه ....؟ انا اللي مفروض اشكرك .... انتى تعرفى ان عمر كان بيدفع مصاريف كلية رشا لحد ما خلصت ...؟ طيب تعرفي انه هو اللي جابلي الوظيفه في مستشفي ابو ظبي العسكري ...؟ كفايه كلام في الماضي ركزى في مناقشتك وتألقي انتى تستاهلي يا حبيبتى... يا الله كم منحها محمد الدعم الذى كانت تحتاج اليه ....ربما كانت انسحبت وتركت القاعه ولم تكمل اليوم فهى كانت بلغت الحد .... عمر مازال يطوقها بصنيعه ...علي الرغم من دنائتها معه الا انه تعامل بأخلاقه لا أخلاقها هى ...باقى المفاجأت توالت تباعا ... فوجئت بحضور نور التى دخلت الي القاعه علي استحياء ...لم تكن تتوقع ان يحضر احدا من عائلة خالتها منى لكن حضور نور غير مفاهيمها تماما...خلف نور دخلت خالتها منى شخصيا وهى تتأبط ذراع ووالدتها...خالتها تجاوزت مرارتها وحضرت لتهنئها ...كم كانت تشعر انها صعلوكه حقيره امام كرم اخلاق خالتها ....نظرات الفرح علي وجه نور لدى رؤيتها لمحمد كانت مفضوحه بصوره كبيره ...فريده خشت ان يتوقف قلبها من مفاجأة رؤيته فالمفاجأه كانت شديده للغايه ...والدتها لم تتمالك نفسها وصرخت من الصدمه فمحمد اخفى حضوره جيدا وفاجأ الجميع ....
رؤيتها لمحمد ورؤيتها لخالتها اثارت شجنها للغايه..فمحمد تكبد عناء السفر من اجل دعمها وخالتها صفحت عن اسائتها لوحيدها وحضرت تستند علي ذراع والدتها في اثبات صريح علي ان الدماء لا تتحول ابدا لماء ... دموعها الغزيره تسببت في تلطيخ وجهها بلطخات سوداء من كحلها شديد السواد الذي اختارت وضعه اليوم ...الكحل الداكن كان كل زينتها لليوم وهاهى افسدتها ...اتجهت الي دورات المياه كى تصلح ما افسدته الدموع ... بعد محاولات مضنيه تمكنت من تنظيف وجهها فالكحل اثبت انه من نوع جيد وازالته بصعوبه ...غسلت وجهها جيدا واعادة هندامها الي وضعها السابق ربما رؤيتها لمحمد هى ما اعادت الدم لوجهها الشاحب او ربما فركها لوجنتيها لازالة الكحل عنهما هى ما اعادت اللون اليهما لكن النتيجه ان وجهها استعاد بعضا من حمرته المفقوده ...اعادت وضع كحلها ولمعت شفتاها بمرطب وردى شفاف يحميها من الجفاف فرهبة الموقف اليوم تسبب جفاف جسدها بالكامل ...حجابها الوردى تناغم من وجنتيها الورديتان وبلوزتها الورديه التى اختارت ارتداؤها تحت تايورها الاسود ...القت نظره اخيره علي هيئتها وعندما اطمئنت الي مظهرها استعدت للتقييم القادم...على باب الخروج اصطدمت بفاطمه صديقتها ...سلسلة مفاجأت اليوم مازالت تعمل بكامل طاقتها ..رؤيتها لفاطمه ادهشتها للغايه فهى لم ترها منذ اخر سنة الامتياز ...فاطمه كانت متأنقه كعادتها ...بادرت فريده بتحيه حميمه ... - مبروك يا فريده فرحتلك والله انا كنت جايه القسم عشان احضر محاضره شفت بانر مناقشتك بالصدفه قررت اهنيكى ...ما شاء الله عليكى خلصتى الماجستير وهتترقي مدرس مساعد وانا لسه يدوب هدخل الجزء الاول ... انا كمان اخدت نيابة اطفال بس انت بقي عارفه الصحه وحبالها الطويله ... ظهور فاطمه الغير متوقع اربكها اجابتها بارتباك ...- ربنا يوفقك فاطمه اكملت بحقد ...- لكن السنين مش باينه انها بتمر عليكى ده انتى احلويتى عن زمان ...ايه اتجوزتى تانى ...؟
فريده اجابتها بالنفي ...انها تريد الخلاص من فاطمه ...مازالت تحملها ذنب طلاقها ومع انها تدرك جيدا انها المذنبه الوحيده لكن رؤيتها لفاطمه تؤلم معدتها وتؤلم ضميرها ...اعتذرت منها بلطف وتعللت بالجمع المنتظر لكن حجتها اثارت المزيد من حسد فاطمه التى حسدتها علي انهاء درجتها العلميه قبل بسنوات ... علي المنصه الصغيره الموجوده في ركن القاعة اعدت فريده نفسها للاجابه علي اسئلة لجنة المناقشه التى كانت تستعد للجلوس في اماكنها ... عيناها تجولت في الحاضرين بقلق ...والدتها ... محمد.. احمد ...رشا ... نور ...ريما ... خالتها منى... خالتها لمياء... حتى فاطمه الجميع يبتسمون بفرح وينتظرون تتويجها لكنها افتقدت جدتها شريفه .. ليتها تتمكن من الحضور فوجودها هام جدا بالنسبة اليها ...ربما بحضورها ستعلم انها سامحتها علي جريمتها في حق عمر ...جدتها هى الوحيده التى علمت التفاصيل المخزيه ولذلك كانت تتمنى حضورها فربما تستطيع الاستمتاع بانجازها الذي يتحول الي سراب ...عيناها راقبت الباب لمره اخيره والمفاجأه الرابعه صدمتها ...فعند الباب كان يوجود صديق طارق زوج اسيل الذي تطفل علي خلوتها يوم الزفاف ...ماذا كان اسمه ..؟ سألت نفسها وحاولت التركيز ...نعم انه يسمى عماد الباشمهندس عماد رضوان لكن ماذا يفعل هنا يا تري ...؟ علي كل حال انه اقل المفاجأت في الاهميه... وضعت رأسها في اوراقها تتفحصها وعدلت من وضع مكبر الصوت ... سألت نفسها بسخريه .." هل تلك اللحظه تستحق كل عنائها السابق " ... الوقت حان ومشرفها قدمها للحضور بفخر ...كان يثنى علي عملها الجاد وعلي تميزها ...اعتبرها مصدرا للفخر ...وجدت نفسها تسحب الى دائرة المناقشه وبالتدريج اندمجت وبدأت في الاجابه علي الاسئله ...كذبت عيناها عندما لمحت عند الباب جدتها شريفه تدخل الي القاعه ...ما سبب لها ضيق في التنفس حتى كادت ان تفقد الوعى كان وجود عمر معها وكانت تستند عليه بحريه...عمر حضر وعلي وجهه نظرات سخريه شديده .. كان يسخر منها وتفاهة احلامها ..حمدت الله انه لم يصطحب نوف معه والا لكانت الغيره قتلتها وعجزت عن اكمال مناقشة رسالتها...راقبت عمر وهو يساعد جدتهم علي الجلوس براحه بجوار بناتها ثم ينسحب الى الخارج دون ان يلتفت الي الوراء ...اخيرا انتهت المناقشه ونالت درجتها العلميه كامله....وسط تصفيق حار من الجمهور ومحمد اصر علي دعوتهم للغذاء خارجا ابتهاجا بفريده.. احتفال ؟؟ فريده حدثت نفسها بمراره اي احتفال هذا وهى تشعر بالفشل ... لكنها مضطره لاستمرار ارتداء القناع ..سكرتيرة القسم استدعتها لتوقيع بعض الاوراق وفي طريق عودتها لمحت محمد ونور يتحدثان كانا يختفيان خلف حاجز رخامى ورغما عنها سمعت حديثهم ...محمد كان يتحدث بحزن واضح ونور كانت تبكى ...محمد قال بحزن ...- خلاص يا نور كفايه تستنى ...انا بحلك من وعدك ليه ...دموعها منعته من الرحيل ...الم يكن ينتوى ان يخبرها تلك الجمله ثم يرحل ...لكنه لم يستطع الرحيل ...تلك الجمله كانت اقسى ما استطاع قوله يوما..كلماته قتلته قبل ان تقتلها لكن فريده كانت علي المحك..الم يطلب من نور سابقا ان تصبر علي امل ان تحل امور فريده وعمر ولكن رؤيته اليوم لفريده منكسره جعلته يقرر ... فعمر عاد وسيتخذ زوجه فكيف به ان يكون بتلك القسوه ودونا عن كل بنات العالم يختار شقيقة عمر ...هو مجبر علي الاختيار ...لابد وان يختار احدى احب الانثيين الي قلبه وايلامها فاختار نور ...ففريده نالت نصيبها من العذاب سابقا ...اما فريده فلم تتمالك دموعها وسمحت لها بالانهيار ...كانت تعلم ان محمد حان دوره في التضحيه ...فهى دائرة مفرغه لا خلاص منها لكنها قررت كسر الدائره برحيلها ...اليوم ستعلن للجميع بعد الوليمه التى يعد لها محمد عن قرار رحيلها للخارج ...ابتهلت في صمت ان تصمد نور فقط لساعتين ... عادت بأفكارها الي عمر ..فهو اختفي تماما بعد ان اوصل جدتها... كان يبتسم ببرود وكأنه يقوم بواجب ثقيل ...انسحبت للخلف بصمت ... لحظة نور ومحمد الخاصه لا ينبغي التطفل عليها ...اصطدمت بباقة ورود عملاقه تقف خلفها...الباقه كانت بجوار باقات التهنئه المقدمه اليها من زملائها ومن العائله لكنها شعرت بإختلافها علي الفور ...حتى بدون قراءة البطاقه المرفقة بها علمت مصدرها...كانت وكأنها تسخر منها بأصابع مرتعشه التقطت بطاقه التهنئه...قرات كلمات بسيطه لكنها عرتها امام نفسها علي البطاقه الصغيره كتب بخط لا يمكن ان تنساه .." يارب تكونى حققتى اللي نفسك فيه ..." حتى بطاقته التى كانت تعلم جيدا الغرض منها حملتها بحرص ووضعتها في حقيبتها مع بعض الوردات .. اه لو تستطيع حمل البوكيه بأكمله لما كانت ترددت.. لكن السؤال الذي ينهش عقلها لماذا حضر ...؟ انه لم يكن يعنى تهنئتها في ملاحظته بل كان يتعمد السخريه لكنها سبقته في السخريه من نفسها واحتفظت فقط بالملاحظه لانها تحمل خط يده ...كانت مجبره لانهاء بعض الاوراق قبل مغادرتها مع العائله للاحتفال لذلك اتجهت الي مبنى الموظفين لانهاء التوقيعات الضروريه ...ما ان خرجت من بوابة المبنى حتى فوجئت بعمر يستند علي سياره جديده فارهه لم تري مثلها من قبل وكان يبدو في كامل اناقته ووسامته ...يا الله كم اشتاقت اليه ..حمدت الله علي انها كانت تضع نظاراتها الشمسيه فما اقرب الدموع اليها اليوم.. انتبه اليها واعتدل علي الفور اما هى فترددت بين اكمال طريقها وتجاهله اوالتحدث اليه ... لكنه انقذها من حيرتها وبادرها بلهجه خاليه من التعبير...- مبروك
اكثر ما تتمناه الان هو التحكم في دموعها فأخر ما تريده هو ان يري دموعها التى تهدد بالنزول في اي لحظه... اجابته بحزن ...- مبروك ليك انت كمان ...ارادت تهنئته بالخطوبه فهى بالفعل تتمنى له السعاده...عمر هز رأسه بدون اهتمام كأنه ينهى الحديث الذي يبتلعه رغما عنه .... هى سترحل حالا وتتركه لكنها مدينة له علي الاقل بالشكر ...ان كانت مازالت لا تملك الجراءه وتعتذر عن سوء خلقها معه لسنوات لكنها علي الاقل تستطيع شكره...هو ايضا كان يضع نظاراته الشمسيه لذلك لم تستشف تعبير وجهه وهى تستجمع الحروف لتنطق بجملة الشكر الواجبه ... قالت اخيرا ...- عمر ...عمر شكرا علي تكفلك بمصاريف كلية رشا وكمان عشان العقد اللي انت وفرته لمحمد ....عمر تأملها مطولا ثم قال بسخريه... - وانت بتشكرينى ليه ؟ انت مش معنيه بالموضوع ده ابدا ...ده موضوع بينى وبين خالتى وعلي وجه الدقه ده كان وعد وعدته ليها وانا لايمكن اخلف وعدى ابدا ...لكن انت مش طرف ابدا ...فريده اطرقت برأسها ارضا عمر يواصل تعريتها امام نفسها ...هو لم يكن يضعها في حسابه وهو يتكفل بإخوتها لكنه كان يفي بوعده ....الغضب عاد اليه وكأنه كان يخفيه بصعوبه تحت قناع البرود ...كانت تدرك جيدا انه يضغط علي نفسه كى يتحدث بهدوء يخالف ثورته المفاجئه...قال بحده شديده ...- اوعى تكونى فاكره انك تستاهلي المبالغ اللي انا دفعتها فيكى ...ولا تفتكري انى دفعت مصاريف كلية رشا عشان خاطر سواد عيونك ...للاسف انا مأخدتش منك غير جسمك ...ومظنش ان المرات اللي امتلكتك فيها تستاهل المبالغ اللي دفعتها
امثالك ليهم اسم لكن انا بحترم المكان اللي احنا فيه وصلة القرابه بينا ومش هقوله ....فجأه انهى هجومه وركب سيارته ...دموعها التى اطلقت لها العنان شكلت حاجز سميك منعها من رؤية طريقها لكنها لمحت فاطمه تراقبها من بعيد اثناء هروبها الذليل...
عندما عادت الي المجلس الملحق بقاعة المناقشه بعد ان انهت اوراقها شاهدت فاطمه تتطفل علي جلسة العائله ...انها اصبحت تكره رؤيتها عندما كان لديها الوقت لمراجعة الامور بعد طلاقها علمت ان فاطمه لم تنصحها باخلاص يوميا وانها كانت السبب المباشر في تنغيص حياتها لكنها لا تحملها الذنب فهى من كانت غبيه وضعيفه واستمعت الي سمها لكنها علي الرغم من ذلك لا تطيق رؤيتها الان ...ارادت طردها لكنها للاسف لا تملك الجراءه لفعل ذلك ..بعد لحظات من وصولها عمر انضم اليهم ...كان في ابهى صوره ..ملت عيونها من وجهه الوسيم ...كان يرتدى بدلة اخري تكاد تماثل في اناقتها تلك التى ارتداها يوم زفاف اسيل ...ولكن ما زلزل الارض تحت قدميها كان اعلانه الدرامى ...اعلن بصوت هادىء كأنه يقر امر عاديا جدا ...قال بهدوء ...- يا جماعه نوف عازمه الجميع علي الغدا في مطعم الفندق اللي هى مقيمه فيه ...وقبل ان تستطيع الصراخ بإنهيار او حتى الاعتراض عمر اعطاها هاتفه المحمول وقال ...- كلمى نوف
فريده وجدت نفسها امام الامر الواقع ارادت القاء الهاتف المسكين ارضا ...
صوت نوف الرقيق تسرب الي اذنيها ...كانت تقول بنعومه ...- هلا حبيبتى كيفك ان شاء الله بخير ..هديك اليوم ما كنت بعرف انه عيد ميلادك واليوم حابه اعزم كل العيله ...مبارك عليكى النجاح يا قلبي ...بالله ما تحزننى واقبلي دعوتى ...ابغي اتعرف عليكم ...منتظرتكم
من نظرات وجهها عمر ادرك ان نوف انتهت من دعوتها ...مد يده لاستعادة هاتفه ...اصابعه لامست اصابعها في حركة عفويه ...هى شعرت برعشه شديده احتلت جسدها اما هو فظهر الامتعاض علي وجهه ... لمسها يقززه ويجعله يشعر بالقرف وللاسف هذا ما تستحقه بالفعل ...ارادت رفض الدعوه ...ارادت البكاء وحيده ...ارادت وارادت لكن جدتها كانت الوحيده التى استاطعت ان تقرر...محمد ووالدتها شحب وجههما للغايه وخالتها منى ونور تحول وجههما للاحمر وهى اصبحت بيضاء مثل الاموات وترتعد ...اما عمر فكان يتكلم بهدوء وسيطره خرافيه علي النفس وكأن الامر لا يعنيه البته...جدتها قالت بصرامه بلهجة لا تقبل النقاش ... - بلغ خطيبتك ان عزومتها مقبوله....
لم يكن امام فريده الان الا تنفيث غيظها في فاطمه ...انها تعلم انها متطفله وستصحبهم الي الغذاء اذا لم تتدخل وتوقفها عند حدها ....ليس فقط بسبب رغبتها في التنفيث ولكن ايضا لن تحتمل تشفي فاطمه فيها عندما تري نوف ربما هى الان علمت بخطوبة عمر لكنها لن تسمح لها برؤية نوف شخصيا اخيرا استاطعت القول بوقاحه ...- اعذرينا يا فاطمه لازم نمشي ...عندنا مناسبه عائليه..
اخيرا فريده استاطعت اتخاذ اللازم لاحراج فاطمه ونبذها خارج محيط حياتها ...هى ادركت بعد فوات الاوان ان فاطمه كائن طفيلي يتغذي علي الاخرين ويمتص كل ما يستطيع امتصاصه...لو لم تردعها لكانت صحبتهم في عزومتهم الغبيه تلك ....شاهدت فاطمه وهى تنظر اليها بدهشه ثم تنسحب الي الخارج ... ما ان تنفست الصعداء برحيلها لتجد المهندس عماد ينضم اليهم ...يوم المتطفلين العالمى ولكن ماذا يفعل هنا علي أي حال ....؟
علمت فورا اجابة سؤالها عندما اقترب منهم عماد ووجه حديثه الي محمد قائلا ... - انا المهندس عماد رضوان صديق طارق ...يشرفنى اطلب منكم ايد الدكتوره فريده ....
محمد تلعثم بشده ولم يستطع النطق ...عيناه جالت في القاعه يبحث عن الدعم ...راقب عمر بطرف عينه ليري تعبيرات وجهه لكنه صدم بوجه جامد خالي من التعبير ...نظر الي والدته فوجدها تحنى رأسها وتخفيها ارضا بعيدا عن نظرات اختها وابنها ... ونور رمقته بنظرات عتاب قتلته لكنه الان المسؤل الوحيد عن اجابة طلب عماد الذى لا يعرف كيف يجيبه لدهشته الشديده تدخلت شريفه لتقول في حزم ...- شرفنا البيت يا بنى في أي يوم .... عماد ابتسم في ابتهاج وقال - ان شاء الله لما طارق يرجع من شهر العسل هاجى معاه ...هو عنده كل المعلومات عنى واي استفسار انا تحت امركم ....فريده هوى قلبها في ارجلها ومادت الارض من تحت قدميها عندما اكملت شريفه حديثها في خبث تام ...- اكيد.. طارق راجع بكره خليه ياخد موعد من عمر عشان يرتب اموره ...عمر كبير العيله ولازم تخطبها منه ....