رواية قلب ارهقته الحياة هدي وخالد الفصل الثالث وعشرون 23 بقلم هناء النمر
أنهت هدى وقتها مع عائلتها وهى فى قمة السعادة ، لقد احست بالاطمئنان عليهم فعلا ، ولم تشعر بذلك منذ فترة حتى عندما كانت تعيش معهم ، فقد تم تسديد دين والدتها كاملا ، واعتدلت حياتهم وتم تأمينها ، والسوبر ماركت الذى تم إنشائه أصبح يوفر معظم مصاريفهم ، الآن تستطيع أن تعود لدائرة آلامها هى فقط ، دون القلق عليهم هنا ،
وصلت بها السيارة لنفس المبنى الذى كانوا يسكنوه قبل سفر الأمير بعد العملية ، دخلت من باب الشقة ، وقابلته بإبتسامتها الساحرة من بعيد ، كانت تبدوا مختلفة تماما عن قبل يومين ،
هرولت إليه ، قابلها بملئ زراعيه، قبلته هى أولا ، لم تعرف اهتماما للواقفين من الخدم والأمن يخرجون الحقائب ، ولم يهتم هو الأخر من فرحته برد فعلها الجديد ، بادلها الاحضان والقبلات بدون اى كلام ،
تمعن فى عينيها جيدا ، بالفعل افتقدها طوال هذا الوقت ، فقد تركها بدون اى اتصال منه ، تركها لتستمتع بوقتها مع أهلها بدون اى شوائب تعكر صفو سعادتها ،
انحنى قليلا ، وضع يديه الأخرى تحت ركبتيها، ورفعها وضمها إليه واتجه بها لغرفته ، لم يعر اهتماما للطائرة المنتظرة ، أو الخدم الموجود ، أو السيارات المحملة بالحقائب، فقط أراد إرواء عطشه من هذه الأنثى التى ملأت كيانه ووقته وحياته،
وهى أعني بهدوء وبابتسامة راضية ، تحمل معنى الشوق الممزوج بالسعادة منذ بداية علاقتهما الشرعية .
قالت وهى طائرة على زراعيه لغرفته
...الطيارة ، والناس دى ...
...الطيارة بتاعتى، والناس موظفين عندى ، وأنا اللى أحدد الوقت مش هم ...
...هههههههه ، ياي ، انا بقيت جريئة اوى ...
...هههههههههههههههه ، وأنا مش عايز اكتر من كدة
************************
حطت الطيارة على اراضى المملكة ، فاجأها عندما عادوا بانتهاء أوراق تقدمها لإنهاء الماجستير فى الجامعة هناك ، ولكن بشكل منزلى ، لا تذهب للجامعة إلا للضرورة القصوى ، وخصص لها اثنان متخصصين لمساعدتها فى تجميع البحوث العينات الحية ، لتكمل ما أرادت بشكل جدى ، كانت سعيدة بحق لأيام طويلة ،
فبعد أسبوعين من وقتها قد تأكد الحمل ، بالطبع لا توصف سعادته أو سعادة الأمير الذى ارسل لها خادمة خاصة لترتاح أكثر ، لكن خالد قام بتغيير الخادمة ، فهو أعلم الناس بأبيه ، ويعلم أن هدفه الأول من الخادمة هو التلصص على جديد الأخبار ، وقد كان خالد حريص جدا على خصوصية علاقته بهدى .
مرت الأيام بأسرع وتيرة ممكنة ، هدى مهتمة بدراستها وقد قطعت فيها شوطا جيدا ،وبالطبع المال والسلطة يلغى كل العقبات ، وجنينها كان بصحة جيدة ، و تم التعرف على جنسه فى الشهر الرابع لها ، وكان لهم ما أرادوا،
لم يهدد استقرار نفسيتها إلا ارتباطها بجنينها الذى يزداد كلما زاد حجمه أو شعرت بحركته ، لم تعد قادرة على التفكير فى موضوع تنازلها عن طفلها ، فهو الآن ابنها ، جزء لا يتجزأ منها ، ولا تعلم ماذا تفعل الآن لتكون مع طفلها ولا تتركه ،
قررت فتح الموضوع مع خالد ، وإيجاد طريقة لاستمرار وجودها مع طفلها ، انتظرت عودته فى نفس الليلة ، فلم تعد قادرة على الانتظار أكثر ، عاد من الخارج واتجه لمكتبه لينهي بعض الملفات ،
قامت متوجهة لمكتبه ، طرقت الباب ودخلت ، بمجرد رؤيتها ، قام لها مبتسما ، أمسك بيدها واجلسها ، وعاد هو لكرسى مكتبه مرة أخرى
، كان يبدوا على وجهها الضيق وقد لاحظه بمجرد دخولها .
وقبل حتى أن تتحدث بدأت عينيها تلمع من امتلائها بالدموع ، فتوقع خالد ما هى بصدده فبالنسبة له كانت مسألة وقت لا أكثر ،وتفتح الحوار فيه،
...فى موضوع كنت عايزة اكلمك فيه ، بس خايفة تدايق منى بس لازم نتكلم فيه ...
المقدمة كانت دليل كافى على ما كان يفكر فيه صحيح ، فقد أتاحت له الفترة الماضية أن يعلم بشخصيتها جيدا ، فهى ليست من النساء اللاتى يتنازلن عن أطفالهم بسهولة .
...عارف ياهدى ، عايزة ايه ...
...عايزة أفضل معاه ...
...ولو قلتلك انه مينفعش. ..
...شوف طريقة ، أتصرف ...
...أذاى ، تفتكرى هيسمحولك ويسمحولى. ..
...أنت أبوه وأنا أمه ، إحنا بس ...
لم يدعها تكمل كلمتها
...احنا ايه ، مفيش احنا عند فياض البدرى ، فى هو بس ، وده حفيده ، ومش هيتنازل عنه ...
...أنا مقولتش يتنازل عنه ...
...هو مش عايزه منك ياهدى ، الكل عارف ان ليان حامل ، وهتولد فى نفس ميعادك والطفل ده هيكون ابنها وده اللى هما عايزينه ومش هيغيروه ...
...وانت عايز ايه ؟
...أنا مش هقدر احميكى منهم ، انا مجرد موظف فى شركاتهم ، سلطتى وفلوسى معتمدة عليهم ، لو حبوا يعملوا فيكى حاجة ،مش هقدر امنعهم ، انا خايف عليكى انتى ...
هنا بدأت تفقد اعصابها تماما ، لم تعد قادرة على التحكم فى نفسها ، قامت من مكانها وهى تصرخ
...خايف عليكى ، خايف عليكى ، كل أما تتكلم تقول خايف عليكى ، انا مش عايزاك تخاف عليا ، انا عايزاك تتصرف وتخلينى مع ابنى ، حتى ولو خدامة ،ده ابنى ، ابنى انا ...
بدأت تنهار وتفقد قواها ، حاول الاقتراب منها ، فلم تسمح له ، وابتعدت عنه خطوتين ، جلست على الأرض تبكى وهى تقول
...أنا عايزاه ، عايزاه ، مش هقدر اسيبه ....
...ارجوكى ياهدى ، اهدى لو سمحتى ، انتى كدة هتتعبى ، انتى فى السابع ، خلاص قربتى تولدى ، وبعدها نشوف هنعمل ايه ...
...لا ، انت بتكدب عليا ، انت ضعيف ياخالد ، ضعيف ، ومش هتقدر تعمل حاجة ، هتسيبهم يخدوه ، حتى مش هتقدر تحميه ، تحمى ابنك ، بلاش انا ، هتسيبهم يخدوه ، عشان انت ضعيف ، وأنا بكره الضعيف قدام اهله ، بكره الضعيف ، فاهم ، بكرهك ، بكرهك ياخالد بكرهك ....
وهنا انهارت تماما ولم تعد قادرة حتى على حمل نفسها ، أغمضت عينيها ، ولم تعد تشعر بشئ ،
صرخ خالد على الخدم وهو يحاول افاقتها، حملها واتجه بها لباب الشقة ومنها للاسانسير، ثم سيارته ، واتجه بها للمستشفى ،
بعدما أخبره الطبيب أن حالتها غير مستقرة وضغط دمها منخفض جدا ، وايضا ضربات قلب الجنين مرتفعة ، وانقباضات الرحم فى اذدياد ، وهى عرضة الآن للولادة فى اى لحظة ،
اتصل خالد بوالده ليخبره بما حدث ،
وما هى الا دقائق معدودة حتى وصلت سيارة أسعاف خاصة بمستشفى اخرى ، تم نقل هدى اليها حتى تتسنى لهم الولادة دون تسجيلها،
************************
افاقت هدى بعد خمسة أيام ، وجدت نفسها فى العناية المركزة بالمستشفى، لم تعى الكثير غير أنها وحدها ولا يوجد مخلوق معها غير الممرضة ،
وضعت يدها على بطنها، فأيقنت انه غير موجود ، تمت الولادة ، لكن أين هو ،
سألت الممرضة عن الطفل وعن حاله ، فلم تفهم الممرضة عن أى طفل تتحدث ،
استدعت الطبيب ، الذى بدا عليه إدراك ما يحدث وطلب من الممرضة إعطائها حقنة معينة ، وبعدها دخلت هدى فى ثبات عميق ،
استيقظت بعدها بمدة معينة لم تعلمها ، لكن هذه المرة وجدت خالد بجانبها ، علمت بعد ذلك أنه أخبرهم فور استيقاذها، يتم الاتصال به ،
سألته هدى وهى فى قمة الاعياء
.... أخباره ايه ؟ هو فين ...
...كويس الحمد لله ، هو فى الحضانة ...
...ليه ؟ مش بتقول كويس ...
...أيوة كويس ، بس مولود فى السابع ، محتاج شوية اهتمام ...
حاولت تعتدل وهى تقول
...عايزة اشوفه ، ودينى ليه ...
... هو مين . ؟... كان هذا الصوت صادر من عند الباب ، كان الأمير فياض بنفسه .
وجه خالد له الكلام بعتاب ... اتركها ياأبى ، إيش تريد دالحين ، بعدها ضعيفة ، ماراح تتحمل. ..
...أخرج لو سمحت ياخالد ، أبى أتكلم معها ...
... لو سمحت ياأبى ...
...قلت أخرج ياخالد ..
تطلع خالد لهدى بضعف وقلة حيلة ، ثم تركها وخرج ، كل هذا وهى تتطلع بعينيها بينهم لعلها تفهم شئ عن ابنها ، لم تفهم شئ ولكن انقبض قلبها فقط .
اقترب منها الأمير ووقف أمامها فى قمة التكبر والغطرسة،
...عايزة اشوف ابنى ، هو فين ؟
...اتكلمنا فى هاالموضوع ياهدى ، هاى الطفل ما سار ابنك ، هاد ابن ليان ، وهو عندها ، واتكتب باسمها ...
اعتدلت هدى بضعف وهى تقول
...يعنى إيه عندها ، يعنى هو مش هنا ...
..،لأ ، المفروض اتكلمنا واتفقنا من وقتها ، إيش تريدى ، انتهى الموضوع ...
...مش عايزة حاجة ، ابنى وبس ...
...قلتلك ، ما سار ابنك ، اعتبريه ماكان ، ما تضطرينى اعمل معك شئ ما راح تحبيه ...
...أعمل اللى انت عايزه ، مبقتش تفرق ...
...لأ تفرق ياهدى ، لما يكون المقصود والدتك ، راح تفرق ...
...مالها أمى ، مالك ومالها ...
...مثل ما هسجنك بقضيتك القديمة ، راح اسجنها بمديونيتها اللى ابتعتها من أصحابها ، وراح اضيعلك خواتم البنات واحدة واحدة ، ما راح أغلب فيهم ، إيش رأيك فى هاد ...
...الشيكات اللى على أمى اتقطعت ...
..الشيكات معى ، اللى اتقطع ماهو حقيقى ، مزور ...
بدأت دموعها تنهار شلالات على خدودها وهى تقول
...أنتى مش بنى ادم ...
...احرصى لسانك ، وإلا راح اقصهولك ، الاختيار ليكى ، أما تعودى بلدك معززة مكرمة ، ومعك مصارى تكملى بيها بقية حياتك ، أما تموتى هنا فى سجنك وتبعتك بقية اهلك ...
وتركها منهارة وخرج من الغرفة ، دخل خالد بعده فوجدها على هذه الحالة ،
بمجرد أن حاول الاقتراب منها ، رفعت يدها له وهى تقول
....مكانك ، كفاية كدة ، مش عايزة اشوفك تانى ، روح لحالك ...
...هدى ...
...قولتلك روح لحالك ، وعلى رأى ابوك ، الموضوع خلاص انتهى ...
خرج خالد ودموعه تلمع فى عينيه ، فوجئ بأبوه يقف أمام باب الغرفة ، رفع عينيه له وهو يقول
..،هيك ارتحت ...
... وما راح يكون لك أى صلة بهاى البنت مرة تانية ، وإلا راح اسوى تهديدى إلك وإلها ، بتفهم هاد ...
يتبع