رواية انا والطبيب قيس وقدر الفصل الثالث 3 بقلم سارة نيل
[أنا والطبيب]
الفصل الثالث -٣-
– هتروحي مني فين يعني يا قدر، أحسنلك تخرجي يلا هنا..
وارتفعت ضحكته البغضية تصمّ أذنها فخرجت من خلف هذا الجدار تركض بعزمها كُله غير آبهةٍ لجروحها وكدماتها فما يُعنيها الهروب من هذا الشيطان وإن كلفها الأمر ألا يبقى بجسدها شبرًا إلا جُرح وكُسر..
لكن كيف الهروب من الشيطان!!
يديه كانت تجذبها بكل قسوة تقبض على ذراعيها بعنف كاد أن يُحطم عظامها صرخت بألم وجحظت أعينها برعب ونبض قلبها المرتعب يكاد أن يصم أذنيها..
أقترب منها يُهسهس في أذنها بفحيح:-
– تعرفي أنا بستمد طاقتي منين قدر..!
بقت منكمشة على نفسها تُغمض أعينها التي ينجرف منها دموعها الحارّة ليُكمل فحيحة قائلًا بمرض:-
– من الرعب إللي شايفه في عنيكي ده، قمة اللذة وأنا شايف وحاسس خوفك..
بس تعرفي بردوه أنك مش سهلة يا قدر..
دي المرة الكام لمحاولة هروبك مني .. هااا..
كلمته الأخيرة أتبعها بصفعة قاسية اسقطتها أرضًا لتزحف بحماية للخلف ليعلو صراخه المجنون يشق الليل:-
– المرة الكام يا قدر انطقي .. متعرفيش عددهم..
إزاي متعديش حاجة مهمة زي دي ووصلات العذاب إللي بتاخديها بعد كل مرة…
وانحنى يهمس أمام وجهها مبتسمًا:-
– أنا بقى عارف عددهم … حاولتي تهربي ١٤ مرة غير نظرات الإشمئزاز إللي ماليه عيونك دي..
أنتِ مش ناوية ترحمي جسمك من الأذى صح..
وأنا بصراحة مش ناوي أرحمك علشان تعرفوا أنتوا وقفتوا في وش مين واتجرأتوا واتحدتوني..
وغمس كفه القاسية بخصلاتها يسحبها بشدة وقسوة وهو يجرها تحت مقاوماتها التي لا تنضب مادامت الروح تدب بجسدها..
– محدش هيرحمك مني يا قدر .. محدش يقدر يخلصك مني..
رفعت رأسها تنظر للسماء بتلقائية وأعين يغشاها الدموع .. نعم لم تنطق ولم تستنجد لكن قلبها وأعينها كانوا مُكللين بالرجاء واليقين بأنه من سيخلصها..
وفجأة وجدته يسحبها بسرعة نحو طرف المسبح ثم دون أن تستوعب كان يغمس وجهها أسفل المياة.
ظلت ترفرف بذراعيها وتتملل بقوة ورئتيها تستغيث مطالبةً بذرات الهواء فسحبها هذا الشيطان من خصلتها للأعلى..
شهقت تسعل بشدة وقد اكتسب لون وجهها لون الشفق وهي تسحب الهواء لرئتيها سحبًا ليغمس وجهها مرةً أخرى متلذذًا بعذابها ومن يراه للوهلة الأولى يجزم أنه مريض..
وعلى حافة الشُرفة كانوا يتراصون يشاهدون ما يحدث بشماتة وسعادة وافتخار..
تعالَ صوت أحدهم وهي ترسل لُه زجاجة صغيرة وتقول بتشجيع:-
– أحسن حاجة تعملها عاهة مستديمة، ماية النا”ر الحلّ في أنك تشوه جسمها ويسيب لها علامة تفضل فكراك بيها وكل ما تيجي تهرب تاني تفتكرك..
ولم تكن سوى “مُنى البحيري” التي لا تقل ملامحها شيطانية عن ملامحه….
نمت إبتسامة شيطانية على محياة وهو يتطلع للزجاجة ثم لقدر وردد بخبث:-
– عندك حق يا مُنى .. والله طلعتي زكية وبتفهمي..
رمقت قدر الزجاجة بين أصابعه برعب وجفونها المحمرة متوسعة وحركت رأسها بنفي بينما الماء يُبلل جسدها وينساب من شعرها ووجهها…
تلوت محاولة الهروب وقد أصابها الفزع الأكبر لكن كان أقوى من محاولاتها البائسة وقد جثم فوق جسدها يقتل تحركها وهو يفتح الزجاجة ولم تتوقف محاولات قدر المجنونة للفرار وهمس هو بأذنها بظفر:-
– وشك الجميل مقدرش أشوه يا صبارتي ولازم أخليكِ فكراني عالطول … يبقى نضحي بكتفك الحلو ده…
ولم يمهلها وقت تستوعب مرضه وهو يسكب محتوى الزجاجة على كتفها لتشق صرخاتها سكون الليل:-
– لاااااااااااااااااااااا..
ليُسرع هو في تكميم فمها .. حتى حق الصراخ حرمها منه ليكون مصير هذه الصرخات الدامية بداخلها وبجوفها وقلبها .. صرخات وألم لا يُنسى..
شهقت بفزع وهي تنتفض من فوق الفراش بعد معركة ناشبة من التململات الجنونية..
ظلت تتنفس مسرعة وصدرها يعلو ويهبط من هذا الكابوس، عفوًا ليس كابوس وإنما ذِكرى .. ذِكرى لم ولن تنتهي..
التفتت حولها وهي تمسح وجهها البارد والذي يقطر منه عرقها لتجد الغرفة كعادتها سابحة في الظلام…
تمددت قدر مرةً أخرى وظلت أعينها تتأمل وشاردة في شعاع هذه الضوء الطفيف المتسلل وسط الظلمة حتى سقطت في نومٍ عميق مرةً أخرى..
______بقلم/سارة نيل______
في جوف الليل استيقظ قُبيل الفجر خرج من منزله الصغير المتواضع الذي يقع في طرف أحد الحارات ثم توجه للمنزل المجاور له وبعد طرقته المعهودة على سطحه فُتح له، ابتسم قيس ببشاشة قائلًا وهو يدلف للداخل:-
– كالعادة صاحي يا حاج..
ربت رضوان على كتف قيس وقال:-
– خلاص بقى بقالي سنين على نفس الحال يا ابني .. اتعودت وبقيت أقوم تلقائي..
جلس قيس بجانبه فوق الأريكة وأردف بحنين وهو ينحني يُقبل يده المجعدة:-
– ربنا يتقبل منك يا أبويا.
شعر رضوان بالحنين يملأ قلبه وربت على رأس قيس وقال باشتياق:-
– وحشتني يا قيس ووحشني كلمة أبويا منك يا ابني، سفرتك المرة دي طولت أوي..
تنهد قيس وقال:-
– أنت وحشتني أكتر يا حاج رضوان بس كانت معايا دعواتك وبركتك وفضلت على عهدك..
كان لازم أتغرب وأتعب واجتهد علشان ابني نفسي وأقف على رجلي وانجح ورجعت وكل المستشفيات بفضل الله بتتعارك عليا ببركت دعاك يا أبويا..
ردد رضوان بفخر ومن يرى الفخر الذي بعينيه والحنان الذي ينفجر على ملامحه يعتقد أن قيس حقًا ولده من صلبه وليس فقط صبي ابن جاره قام بتربيته والإعتناء به بعد وفاة والدته وتلهي والده عنه بعدما تزوج بإحدى السيدات الأغنياء والتي اشترطت عليه قبل أن تتزوجه بتركه لولده بعيدًا عن حياتهم ومجتمعهم المخملي الراقي، فقبِل لأجل أن يقتحم هذا العالم المخملي والذي حلم كثيرًا اعتناقه وقد جاءت له الفرصة وكان عليه اغتنامها غير آبهٍ بهذا الصبي الذي بالكاد تم التسع سنوات، ليقوم إمام المسجد الشيخ رضوان وزوجته بالإعتناء بقيس الذي تُرك وحيدًا في هذا المنزل الصغير وكان والده يكتفي فقط بإرسال القليل من المال مع حلول كل شهر وزيارته بضع دقائق..
وفي كل محنة منحة فقد أحسن الشيخ رضوان تربية قيس والإهتمام به وزرع في قلبه الرحمة والرِفق والإيمان وحب الله عز وجلّ فنشأ قيس في كنف والده رضوان الذي أصبح له كل شيء وتناسى الماضي ومراحل الألم التي مر بها..
وكان قيس للشيخ رضوان العوض بعد ولده الذي طرده رضوان من منزله والذي لم يبلغ أربعة عشر عامًا وذلك لأجل…..
أوقف الشيخ رضوان استرسال الذكريات في عقله وطردها وهو يقول لقيس الذي يشعر بمقدار حزنه الدفين:-
– راضي عنك يا قيس ولسه ربنا هيعطيك ويعطيك يا ابني، أنت تستاهل كل خير لأنك تعبت واجتهدت واتعذبت وأكيد ربنا هيجازيك، وطول ما ربنا معاك كل حاجة هتبقى طوع إيدك..
قبل قيس رأسه وقال بإمتنان:-
– ربنا يبارك في عمرك يا أبويا ويرضى عنك..
ابتسم الشيخ رضوان بدفء واستقام بثقل نظرًا لتقدمه في العمر وقال وهو يُشير لقيس:-
– مش هتتقدم أنت وتصلي..
جذبه قيس للأمام برفق وقال برفض قاطع:-
– اتفضل يا إمامنا .. مستحيل أتقدم عنك ويلا أقم الصلاة علشان كدا قيام الليل هيفوتنا والفجر هيأذن..
ابتسم رضوان وهو يستقيم ليقم الصلاة وبجانبه قيس يؤدون ما تيسر لهم من قيام الليل..
أتت زوجة الشيخ رضوان وابنتيه يقفون خلف والدهم في مشهد ظلّ يتكرر سنواتٍ عديدة منذ أن كانوا أطفال وظلّ الحال كما هو حتى بعد سفر قيس الذي لم ينقطع عنها وكان يؤديها بمفرده، صورة متكاملة لم يُحذف منها إلا هذا الولد العاق ولم يتغير بها سوى الأعمار وظلت القلوب على حالها مع الله..
_______بقلم/سارة نيل_______
ضجة عاتية أصابت قصر “البحيري” بعد ما أصاب ابنة “جعفر البحيري” “مُنى البحيري” بعرض موطنها ووسط هذا الكم الهائل من الحراسة والأمان وهي بين أحضان أسرتها..
يقف جعفر بثبات وقوة رغم تقدمه في العمر لكن على وجهه شراسة وشر تجعلك تخشى المرور أمامه .. شراسة وعدم رحمة وإجرام جعل رجال أشداء أمامه يرتعشون رعبًا..
تجرأ رئيس الأمن يقول برعبٍ جلي:-
– جعفر باشا .. الكاميرات ملقطتش أي حركة غريبة والرجالة كلهم والله يا باشا كانوا في أماكنهم ومفيش أي حاجة غريبة حصلت..
ودون أن يرف له جفن رفع سلاحه نحو رؤوس هؤلاء الرجال وتتابع صوت الرصاص يصدح في الأرجاء لينتشر الصمت المخيف في المكان..
التفت نحو أبناءه الذين يركضون في شتى الجهات للبحث عن أي خيط يوصلوهم للفاعل، صرخ بعنفوان وغضب:-
– فارس .. فهد..
أتوا ينفخون بضجر بينما أردف فهد:-
– مفيش أي أثر فعلًا يا بابا..
هتف فارس من بين أسنانه بشر ووعيد يشابه والده في شراسته:-
– يا ترى مين اتجرأ وعمل كدا في أختنا..
تسائل جعفر بصوتٍ حاد:-
– فين عزيز..
زفر فهد وقال بسخط:-
– ابنك الكبير الغالي مختفي بيخلص شغلك إللي محدش يعرف عنه حاجة .. أهو ده أخرتها لما تخليه مسؤول عن كل حاجة .. عن القصر والحراسة .. شوف وصلنا لفين..
حد مجرم اتسلل للقصر وأختي بين الحيا والموت، دا علشان كل حاجة عزيز .. عزيز..
أيّده فارس وأردف بحنق:-
– فهد عنده حق وكأن مش عندك ألا عزيز باشا..
سخر جعفر بداخله من كلمات أولاده، لا يعلون مُكر هذا الثعلب الذي همس بغموض وخبث:-
– ميعرفوش أن مجرد أداة وألة أنا إللي بحركها وعملتها زي ما أنا عايز، عزيز البحيري مجرد لعبة في إيدي وكبش فدا مش أكتر..
وفي هذا الأثناء كانت سيارة سوداء بأحدث طراز تدلف للقصر ويهبط منها شاب على مشارف الأربعين من عمره وسار حتى توقف أمام جعفر البحيري والذي مدّ يده له بكبرياء فانحنى يُقبلها بإذعان واستقام ودعني أخبرك بأنه إذا أحببت أن ترى نسخة أخرى عن جعفر البحيري في الإجرام والشراسة والجنون فانظر إلى “عزيز البحيري” الوجه الأخر للشيطان…
لم يتمهل جعفر وكان كفه القاسٍ يهبط على جانب وجه عزيز فوق لحيته التي عزاها بعض الشيب بقسوة جعلت أعين الجميع تتسع، اقترب جعفر يضع فوهة سلاحه عند حلق عزيز يغرزه بقسوة وهو يقول بفحيح أمامه وجهه:-
– حماية القصر من مسؤوليتك ومع ذلك بكل سهولة حد قذر دخل ووصل لأوضة نوم بنتي ومخلاش حتة في جسمها سليمة وشوهها…
لو بنتي حصلها حاجة مش هيكفيني عمرك يا عزيز أنت فاهم…
توسعت أعينه بصدمة وتفاجُئ انجلى على وجهه القاسٍ متسائلًا بعدم فهم:-
– مني .. إزاي .. وحصل أيه .. طب هي عاملة أيه دلوقتي..
رمقه جعفر بغضب وهو ينصرف بصحبة أبناءه قائلًا بأمر:-
– يلا على المستشفى…
بعد مرور القليل من الوقت كان عزيز يقف بشموخ أمام الطبيب المسؤول عن حالة مُنى يتسائل عن حالتها فأخذ الطبيب يُخبره..
– بصراحة يا عزيز باشا حالة مُنى هانم صعبة، في جروح صعبة في جسمها كذا طعـ..ـنة ونزفت كتير غير إن نص ضهرها إللي فوق اتشوه بماية النا’ر..
جحظت أعين عزيز وسرعان ما ضيقهم بحدة وشيءٌ ما أضاء بعقله بينما كرر بشر:-
– ماية نا”ر!
______بقلم/سارة نيل______
– هنعمل أيه دلوقتي يا دكتور سامي، لازم نبعد قيس .. أنت هتقوله وتديله خبر عنه..
التفتت سامي بغضب يقول:-
– أنت بتقول أيه يا دكتور ماهر، أنت عايز قيس ينتهي .. دا إللي بيقف في طريقهم بيخلصوا عليه، وأنا مرضاش الأذية الكبيرة دي ليه … حرام..
تسائل ماهر بحيرة:-
– طب هنعمل أيه دلوقتي، قيس مش هيسكت ومش هيبعد عنها لأنه حطها في دماغه..
أسند مدير المشفى الطبيب سامي ذراعه على سطح المكتب وأخذ يفرك جبينه ثم أردف:-
– أحنا أهم حاجة عندنا دلوقتي يا دكتور سامي أننا نبعد قيس عن غرفتها النهاردة..
هو جايلها النهاردة ومش عايزينه يتصادف مع قيس أبدًا..
توسعت أحداق ماهر متسائلًا بجزع:-
– هو جاي النهاردة..
– أيوا..
ردد بشرود:-
– ربنا يستر..
_____بقلم/سارة نيل_____
صفّ قيس سيارته ودلف داخل المشفى وهو يشعر بطاقة تغمره، على الفور توجه نحو غرفة قدر..
ولج لداخلها وكالعادة قابله الظلام الذي يكون أقل حدة بالنهار عن الليل..
ألقى أنظاره فوقها ليجدها مُمدة تستند على ظهر الفراش الحديدي بينما تنظر أمامها بهدوء..
ابتسم وهو يدور حول الفراش قائلًا ببشاشة:-
– صباح الخير يا قدر..
وكالعادة الصمت كان إجابته، ابتسم وقال بينما يضع شيء ما فوق وحدة الأدراج بجانبه:-
– بصي أنا النهاردة يوم مميز جدًا عندي، علشان كدا أنا جايبلك معايا حاجة أيه .. مش هتصدقيها..
أصل النهاردة بعد ما جيت من صلاة الفجر لقيت أمي رحيمة الله يبارك في عمرها بتعمل فطار أيه..!!
أحسن حاجة بحبها وكانت وحشاني أووي وأنا مسافر .. ألا وهو فطير مشلتت فلاحي معتبر..
ففطرت وعمرت نفوخي..
وطبعًا افتكرتك معايا متقلقيش وخليت أمي رحيمة تعبي فطير .. أنا عارف أن أكل المستشفى هنا ملهوش طعم وأكيد مش هيبقى زي أكل أمي رحيمة..
كشف قيس عن الطعام وهو يضعه أمامها بينما يقول بترقب وهو يراقب ملامحها الهادئة ويعلم بعدم إستجابتها يقينًا:-
– يلا دوقي فطير الحاجة رحيمة وقولي رأيك قبل ما حد يجي ويكتشف الجريمة دي..
ظلّ الحال كما هو لم يلقى منها أي ردة فعل، وغابت تنظر للطعام بصمت حتى بدأ اليأس يتسلل لقلب قيس لكنه صُعق حين رفعت يديها وقربت الطعام منها وأخذت تُقطّع الفطيرة وتغمسها بالعسل ثم ترفعها لفمها تتناولها بصمت وظلت على هذه الحال بينما يشاهدها قيس بأعين متوسعة حتى شبعت وحملت باقي الطعام تضعه فوق وحدة الأدراج مرةً أخرى..
توسعت إبتسامة قيس هامسًا بإمتنان:-
– الحمد لله يارب وأنت راضي عني مفيش حاجة تعجز عليا بإذنك يارب..
مدّ يده لقدر وقال:-
– منديل امسحي بيه .. وبالهنا على قلبك يا قدر.
تناولته منه بهدوء وقد أصبح شعور الأمان يتسرب لقلبها بوجود هذا الطبيب الذي يختلف عن جميع الأطباء المتواجدون هنا..
أخرج قيس من حقيبة ورقية صغيرة دفتر متوسط الحجم باللون الأبيض ومتناثر فوقه فراشات كثيرة متباينة الألوان وقلم ملون يعلوه فراشة صغيرة..
وضعه فوق ساقها ثم أردف بهدوء:-
– دول هدية مني لكِ يا قدر..
لو مش هترتاحي بالكلام، تقدري تريحي نفسك بالكتابة .. ممكن تكتبي إحساسك أو ترسمي حاجة في خيالك أو تحكي عن شخص بتحبيه، أو حتى تشغبطي بدون أي هدف..
ممكن يبقوا تحت مخدتك أو تحت مرتبة السرير لو خايفة حد يشوفهم..
بس إللي عايزك تعرفيه متخافيش يا قدر أنا موجود ومش هسمح لأي مخلوق يإذيكِ وقبل ما أكون أنا موجود فاعرفي وكوني متيقنة إن ربنا موجود وأرحم بيكِ من أي حد .. استندي عليه بكل قوتك وخلي عندك يقين كبير وصدقيني مش هيخذلك أبدًا.
كانت تتحسس الدفتر بشرود وأصابعها ترسم حدود الفراشات وقبل أن يُكمل قيس حديثه كانت طرقات خفيفة تتصاعد على سطح الباب وبحركة تلقائية جعلت قلب قيس يُحلق في سماء السعادة حين سارعت قدر في تخبئة الدفتر أسفل الوسادة..
شعشعت أعينه بالأمل وأذن للطارق بالدخول ولم تكن سوى ممرضة أخبرته أن الطبيب سامي يريده بمكتبه..
حرك رأسه بإيجاب واستقام يقول:-
– تمام .. قوليله جاي..
التفت نحو قدر وقال مبتسمًا:-
– مش هغيب وهرجع عالطول، وخليكِ مطمنة أنا ههربلك هنا كل إللي هتحتاجيه..
كتب وكل الأكلات إللي بتحبيها وأي حاجة محتاجها..
بقت قدر شاردة لتنمو على شفتيها إبتسامة هادئة رقيقة وللمرة الأولى بعد مرور الكثير تشعر بهذا الشعور..
لوهلة فقط شعرت ببوادر رياح لينة رطبة تقترب من قيظها والذي سرعان ما تبدد كل هذا وحل الظلام القاتم على هذه الغرفة بعد أن اقتحمها بهيئته التي تبث الرعب في نفسها، هيئته المليئة بالقسوة والشراسة والعنف والجنون…
اقترب منها لتتضح ملامحه أمامها وهو ينحني نحوها مبتسمًا بمكر وسط الظلام ليشحب وجه قدر ويصفر لونها وهي ترى الشيطان أمامها بإبتسامته الحقيرة التي تجعل قلبها يجفل رعبًا، انحنى يحاوطها هامسًا بفحيح خبيث:-
– أيه يا قدر موحشتكيش .. عزيز جوزك حبيبك مش وحشك ولا أيه يا صبارتي…
الرابع من هنا