رواية بين طيات الماضي سليم ومليكة الفصل الثالث وعشرون 23
الفصل الثالث والعشرون
علي أحد الطاولات
هتفت قمر بسعادة تهنئ سليم وياسر والفتيات علي نجاح الصفقة داعية لهم بأن يزيد الله نجاحهم ويحفظ مجهوداتهم
فأمن الجميع خلفها ومن ثم تركهما سليم ومعه ياسر للتحدث مع أحد الاشخاص
حضرت نورسين وتوجهت لطاولة الفتيات اللتان رحبا بها للغاية فقد تقربن كثيراً من بعضهن خلال الفترة الماضية
وبعد قليل من الثرثرة علي ملابس بعض النساء الموجودات وتصرفاتهن لاحظت مليكة أن قمر تكاد تنفجر غضبا من تصرفات ياسر ومزاحه مع الفتيات
فضحكت بأسي فهي أكثر من يعلم شعورها وتابعت مازحة
مليكة: خليكي هنا يا قمر مع نوري وهروح أجيبلكوا حاجة تشربوها
نفخت قمر وجنتيها هاتفة بغضب
قمر: ماشي أديني جاعدة أهه هروح فين يعني عاد
أومأت مليكة برأسها باسمة في حبور و توجهت
لإحدي البارات الموجودة لتحضر لها بعض العصير لتهدئ قليلاً ولكنها شاهدته......نعم شاهدته
ظلت تهز رأسها غير مصدقة لما تري فخُيل لها في بادئ الأمر أنه خيال من ذلك القلب الأرعن ولكن ما أكد ظنونها هو رؤيتها لياسر يقف معه..........شاهدته وتعرفت إليه بسهولة.....وكيف لا تتعرف علي ذلك الوجه الذي لن تنساه مادامت علي قد الحياة....... ذاك الذي لاطالما كان مصدر سعادتها وأمانها......ولكن إختلف كل ذلك الآن فأصبح هو سبب شقائها وعذابها أصبح هو سبب موت والدتها وحتي شقيقتها وحالتها الآن مع زوجها.........بدأت تشعر بالخطر الداهم الذي يحلق بها وإرتفع رجيفها بشدة كالإنذار وبدأت أجراس الخطر تنطلق في عقلها تحثها علي الهرب فوراً........حاولت الهروب فهي تعلم أنه إن شاهدها سيتعرف عليها وبسهولة فهي تشبه والدتها الي حد مرعب......ولكن قد فات الآوان الآن فقد شاهدها أمجد لا بل إستطاع التعرف عليها أيضاً.....وقف مدهوشاً يفتح عينيه ويغلقهما عدة مرات حتي يتأكد مما يري وما إن تأكد حتي جذب عاصم من يده وسار خلفها بسرعة فقد بدأت في العدو هاربة مبتعدة عنه فهي لن تقدر علي المواجهه........لا تستطيع
إنقبضت رئتيها وهي تخرج لحديقة هذا المكان الواسع....... لا ذرة هواء حولها لتساعدها علي التنفس ......إختنقت وآلمها صدرها وأخذت تحاول التنفس بصعوبة...... إستندت علي شجرة ما تقوي نفسها...... والدها هنا..........نعم إنه هنا الآن
دهش عاصم مما يفعله والده فهتف يسأل في دهشة
عاصم : في إيه يا بابا
هتف به أمجد بلهفة بعدما إغروقت عيناه بالدموع
أمجد : أختك ....أختك يا عاصم......أختك هنا
مليكة هنا أنا متاكد
أوقف عاصم والده ومن ثم تابع شاعراً بالأسي علي حالة والده
عاصم : ومليكة إيه الي هيجيبها هنا بس يا بابا
أشار أمجد ناحيتها بلهفة
أمجد: أهي هي الي بتجري هناك دي روح إلحقها يا عاصم
هم عاصم بالإعتراض فقاطعه أمجد برجاء متوسلاً
أمجد: علشان خاطري يا ابني
لمست نبرة والده قلبه فتركه وبدأ بالركض للخارج فهو أسرع من الده كثيراً........وأخيراً إستطاع الإمساك بها فأمسك بيدها التي إرتجفت إثر لمسته.......فقد أيقنت الأن بأنه لا يوجد مفر....حان وقت المواجهه وهي لن تهرب
سار أمجد في خطوات مسرعة ليستطيع اللحاق بابنته وابنه يسبقه قلبه الذي أخذ يحلق من فرط سعادته بلقاء طفلته الغائبة
وقف أمامها يتطلع إليها بشوق وحب بالغين
هاتفاً بلهفة وبصوت متقطع يتخلله الدموع
أمجد : مليكة إنتِ مليكة بنتي
تطلعت إليه بجمود كالصخر فهي لن تحن.......لن تميل إليه........وكيف تحن وهو من تركها هي و والدتها دون حتي أن يفكر بهما.......تركهما ولم يتعاطف مع بكائها ولا نحيبها ولا تشبثها بثيابه ولا بدموعها
إستقام جزعها وشبكت يدها أمام صدرها متحدثة بكلمات تقطر جمود وقسوة
مليكة : أفندم حضرتك مين
هتف بها بحنان وشوق كل تلك السنوات
أمجد : أنا أمجد....ابوكي....ابوكي يا مليكة...أنا....أنا بابا يا حبيتي
هم بإحتضانها......فعادت هي خطوتين للوراء واضعة يدها أمامها لمنعه ومن ثَم صاحت به بغضب حنق و حزن إمتلأ به صدرها وحُبست به روحها كل تلك الأعوام......بغضب أطفأ لمعة عيناها
مليكة : بابي ....بابي مش موجود......بابي مات من 20سنة
ضحكت بسخرية يتقطر منها قهراً كوي قلب ذلك الاب المعذب بفراق ابنته وتَمَزُق شمل عائلته
مليكة : بابي مات لما سابني أنا ومامي وأختي
تألم أمجد لحديث ابنته فهو يعلم أنها محقة يعلم أنه هو من تركها وتخلي عنها يعلم جيداً مدي حماقته ولكنه أدرك الأن مدي خطأه وهو الأن علي أتم الإستعداد كي يعوض عن خطأه
فهمس بخفوت إمتزج به الحزن مطأطأً رأسه خزياً
أمجد : يا بنتي انا......
صرخت به غاضبة بحدة
مليكة : متقولش يا بنتي أنا مش بنتك
بنتك اللي سيبتها من غير ما تفكر يا تري هتعمل إيه من غيرك..........بنتك اللي قعدت تتحايل عليك وتعيط علشان متسبهاش إنتَ وعاصم وتمشوا وبرضوا مشيت
تابعت بصراخ باكية
تعرف إيه عنها......هاه رد عليا تعرف إيه.......تعرف إن ماما تعبت بعد ما إنت مشيت وكانت بتموت علشان بتحبك وإنت إتخليت عنها.......وبناتك كانوا سامعين بودانهم قرايبنا وهما بيتفقوا هيعملوا فينا إيه لو ماما ماتت.........اللي يقولوا هياخدوا واحدة فينا بس واللي يقولوا يودنا ملجأ ......تعرف إيه عننا إنت.......تعرف إتبهدلنا أد إيه وحصل فينا إيه........تعرف بنتك دي كانت بتنام كل يوم وهي خايفة تقوم الصبح تلاقي نفسها في بيت تاني غير بيتها وفرقوها عن أختها.........تعرف إن بنتك دي إتبهدلت وإشتغلت من وهي في إعدادي علشان ميطلبوش من حد حاجة.......تعرف إن مامي ماتت من قهرتها وحزنها.......وبناتك بقوا يتامي ولوحدهم في وسط الدنيا اللي مبترحمش ضعيف وابوهم واخوهم عايشين.......تعرف إن بنتك تاليا ماتت..... بنتك ماتت وهي ملحقتش تستمع بحياتها...... ماتت وهي لسة بتبدأ حياتها..... ماتو قبل ما أعرف أعوضهم عن البهدلة والحوجة و وجع القلب...... ماتت قبل ما أعرف أداوي قهرها
ماتت وسابتني لوحدي هي كمان...... حتي هي الدنيا إستكترها عليا
بدت الصدمة جلية علي ملامح أمجد وشعر بغصة في قلبه فلم يكن يعرف بأن لديه طفله أخري والأن فقدها كما فقد شقيقتها الأخري أيضاً.......أ يكون هذا عقاب المولي علي كسرة قلب تلك الفتاة التي أحبته وضحت بكل شئ لتكن معه
تابعت مليكة بألم
مليكة: ماتت وهي لسة بتبدأ حياتها من جديد
ماتت بعيد عني
أظلمت عيناها وصرخت به بألم يكسر قلبها قبل أن يكسره
مليكة: أنت اللي موتها يا أمجد يا راوي أنت اللي قتلتها زي ما قتلت أمي
صاح بها عاصم بخزي
عاصم : يا مليكة إسمعي
إلتفتت إليه صائحة به بكل غضب وقسوة
مليكة : وإنت........يا عاصم ياخويا.......يا راجلنا يا كبير.......مجيناش علي بالك ثانية مفكرتش فينا طيب مقلقتش علينا
صرخت فيهما باكية
مليكة: هاه ردوا عليا مفكرتوش في مرة كدا إننا ممكن نكون موتنا مثلاً أو محتاجنلكوا
وإنت يا بابي بلاش إحنا......بلاش ولادك مش إنت كنت بتحب مامي أوي موحشتكش محستش في مرة إنك نفسك تشوفها أو تتكلم معاها حتي
طأطئا أمجد وعاصم رأسيهما خجلاً فصرخت هي بغضب إجتاحه حزم
مليكة : بنتكوا ماتت زي أختها وأمها بالظبط إنسوني وكأنكوا مشوفتونيش
تركتهم وركضت الي سليم الذي كان يبحث عنها بعينيه فوجدها تركض ناحيته
هتف بها بقلق ما إن شاهدها تبكي راكضة إليه بتلك الهيئة
سليم : مليكة إنتِ كويسة
نست وقتها كل شئ......... نست أنه يكرهها ويعتبرها سيئة......نست أنه قد طلب منها الإبتعاد عنه وعدم الإقتراب أبداً
وإرتمت في أحضانه تتشبث به بقوة وأخذت تبكي
إحتضنها سليم بقوة مربتاً علي رأسها في رقة بالغة وهمس بها بحنان يعتريه القلق
سليم : إهدي يا مليكة......في إيه .....إيه اللي حصل
همست به في خفوت متوسلة
مليكة: سليم ممكن نمشي من هنا.......عاوزة أرجع البيت ممكن
تابع بقلق
سليم : حاضر بس فهميني فيكي إيه
أردفت متوسلة في آلم
مليكة : عاوزة أروح
أحضر سيارته وأخذها وذهبا بعدما إعتذر من ياسر......عاصم- الذي لاحظ تغيره -والجميع متعللاً بأن مليكة مريضة قليلاً
ظلت تبكي طوال الطريق فتركها سليم ولم يتفوه بحرف
وصلا الي المنزل فصعدت الي غرفتها فوراً دون التفوه بحرف
إرتمت علي فراشها وهي تبكي في حرقة وقهر
بعد وقت قصير صعد إليها سليم ليفهم ماذا حدث ولما تبكي بشدة هكذا
طرق الباب ففتحت مليكة وهي تنظر أرضا
فهمس بها بهدوء بعد أن رأي أنها مازالت بثياب الحفل..... فقط أطلقت لشعرها العنان من أسر حجابها فعلم أنها كانت تبكي
فسألها بهدوء
سليم: مليكة إنتِ كويسة
أومأت برأسها في هدوء
هتابع هو بقلق
سليم: ممكن أفهم إيه الي حصل في الحفلة وخلاكي تطلبي إننا نمشي بسرعة كدة
بدأت دموع مليكة في الإنهمار مرة أخري ولم تتفوه بحرف
فأردف بحنان مهدئاً
سليم : مليكة إهدي كفاية عياط وقوليلي في إيه
كانت نبرة الحنان التي كست صوته في تلك اللحظة مثل القشة التي قصمت ظهر البعير فإرتمت بين ذراعيه باكية بقوة وإرتفعت شهقاتها وأخذ جسدها الصغير في الإرتعاد
زفر سليم بعمق وإحتضنها بدوره هامساً بحنان بصوته الأجش عله يهدئ من روعها قليلاً
سليم : إهدي يا مليكة إهدي
همست بتوسل ورجاء يقطر من صوتها كاد يحطم قلبه
مليكة: سليم أنا عارفة إنك بتكهرني و مبتحبنيش وعارفة إنك عاوزني أمشي من كل حياتك خالص بس لو سمحت علشان خاطري
ثم هزت رأسها يمنة ويسرة متابعة بتوسل أكبر
لا لا أقولك علشان خاطر مراد متسألنيش أي حاجة أحضني ...أحضني جامد وبس ومتسبنيش ممكن
ودت لو تصرخ به بتوسل أكثر وتخبره وقتها بأنها لا تريد إتساع الأرض ....فقط كل ما تريده هو ضيق حضنه
تنهد بعمق وإحتضنها بقوة .....كأنها قطة صغيرة خائفة.....كانت ناعمة وهشة..... أيقظت بداخله كل غريزة الرجال لحمايتها
إحتضنها بشدة لتشعر بكفيه تمر علي ظهرها
دفئ بحر صدره الواسع أيقظ كل نيرانها علي رجل تخلي عنها تاركاً إياها يتيمة في مواجهة حياة قاسية........شعر بإزدياد شهقاتها فإحتضنها ثانية بقوة أكبر يركنها الي صدره الدافئ راغباً في محو كل آلامها التي لا يعرف سببها
حاولت الهدوء فتمسكت بقميصه بكلتا يداها تحاول منع دموعها من الإنهمار بصعوبه لكنها لم تستطع فإنفجرت لتغرق وجهها وتعالت شهقات بكائها وهي تغرق وجهها بصدره......بكت كثيراً جداً....بكت كل ما كبتته بقلبها طوال حياتها.....بكت إحتياجها وخوفها ...... بكت حبها وكرهها وغضبها
بقيت تبكي وقتاً طويلاً وهو يحتضنها بكل صبر سامحاً لها بإغراق قميصه الأبيض بدموعها السخية
يغرق يديه في بحر شعرها الهائج يتنفس رائحته
من غير أن يمنع نفسه..... يعلم أنه حقير لإستغلالها هكذا ولكن رائحتها تجذبه...... تجذبه تماماً كما تجذب النيران البعوض دون إراده منه ......عطرها مسكر ودافئ مثلها.....كانت المسك....وكأنها تتفنن في فتنته حتي وبدون قصد ...... جسدها الضعيف يطلب حمايته .......لا يعرف لما تفعل به هكذا...... لما توقظ بداخله نمراً بقي حبيساً لسنوات لبرودة إحتلت كيانه .......ما الذي جعلها تجعله يعيش نشوة تسكره وهو يغمض عيناه يستقبلها بشوق دون أن يزعجه هذا كعادته عندما ترمي امرأة بنفسها عليه...... ولكن فتاته مختلفه هي لم ترمي بنفسها عليه إنما فقط نزلت دموعها ليعرض هو حضنه لها مجاناً وهو شاكراً لها
أيضاً .......ربت علي خصلاتها الناعمة هامساً برقة في صمت بصوت لم يصلها
إهدئي..... إهدئي يا جنتي وناري...... إهدئي يا نعيمي وعذابي..... ظلا علي هذا الوضع فترة من الزمن هدأت خلالها شهقاتها العالية وتحولت لمجرد نهنهات خافت تخرج منها بين الفنية والآخري ......فقادها للفراش كي تخلد الي النوم
تمسكت به أكثر ودفنت رأسها في صدره وكأنها تحاول أن تختبئ عن العالم أجمع
فهمست بألم بين بكائها وهي ترجوه بعيناها
مليكة : سليم متسبنيش
نظر إليها وكان بداخله حرب
صمت لبرهة ثم حملها في هدوء بين ذراعيه ونام بها علي الفراش شد عليهما الغطاء جاذباً إياها بين ذراعيه مسح وجهها في حب وحنان وطبع قبلة حانية علي رأسها
سليم: ششششش خلاص إنسي كل حاجة ونامي
أنا معاكي أهو
رفعت يدها لتحيط خصره وتقربه منها أكثر لتستشعر الأمان الذي يعطيه لها دائما علي الرغم مِن كل ما يحدث بينهما إلا أنه مصدر أمانها
ظلت متشبثة به هكذا طوال الليل لم تتحرك ولو لثانية وووو ****واتمنا لكم قرائة ممتعه انشاءالله