اخر الروايات

رواية انتقام حورية كاملة بقلم رولا هاني

رواية انتقام حورية كاملة بقلم رولا هاني






الفصل الأول من نوفيلا:إنتقام حورية.
بقلم/رولا هاني
إنهمرت دموعها الحارة علي وجنتيها لتلهبهما بلا رحمة ، بالرغم من قوتها و كبريائها الا إنها بدت ضعيفة كورقة الشجر الصغيرة التي داهمتها الرياح ، رفعت عنقها قليلًا لتنظر للخارج بنظرات مذعورة فإرتجفت بعنفٍ عندما إستمعت لصراخهم و شجارهم ، و ظلت تتوقع قيام شقيقها بقتلها بأي لحظة!
إلتمعت عيناها بوميضٍ قوي عندما رأت النافذة المفتوحة ، لما لا تنهي كل ما يحدث!؟..لما لا تلقي بنفسها من النافذة لينتهي عذابها الغير محتمل!؟
زحفت ببطئ لتقف علي قدميها بصعوبة بالغة ، ثم تقدمت من النافذة بخطواتٍ واهنة متعرجة و لكن منعها شقيقها من التقدم عندما إلتقط خصلاتها بقبضته بمنتهي القسوة صارخًا ب:
-مين اللي عمل كدة يا **** ، إنطقي يا بت.
وضعت يدها علي قبضته ثم نظرت له بتوسلٍ ليتركها و لكنه لم يرحمها.
صفعها شقيقها عدة مرات ثم صرخ مجددًا بإهتياج و هو يهزها بعنفٍ:
-هقتلك يا "حورية" لو منطقتيش.
إتسعت حدقتيها بقوة عندما رأت والدتها تلتقط حذائها لتنهال عليها بالضربات العنيفة غير مكترثة لتلك الجروح و الكدمات التي تملئ جسدها ، صوت صرخاتها الضعيفة عم المكان نتيجة لما تتعرضه علي يد أقرب الناس لها.
صاحت والدتها بإحتقان و هي تلطمها علي وجهها:
-إنطقي يا بت مين اللي عمل كدة.
لم يعطوها فرصة لتجيبهم من الأساس بل شاركهم والدها هو الأخر لينهال عليها بالضربات العنيفة بحزامه الجلدي!
نظرت لهم بقهرٍ لعلهم يشعروا بكم الالام التي تشعر بها ، و من وسط الألم الشديد الذي تشعر به بسببهم و بسبب ضرباتهم العنيفة ، و كلماتهم الجارحة ، و نظراتهم المؤلمة دار بعقلها عدة أسئلة ، لما لم تحتضنها والدتها لتكن في مؤازرتها!؟..لما لم يربت والدها علي كتفها ليكن بجانبها فقط!؟..لما لم يساعدها شقيقها في إعادة كرامتها و كبريائها الذي تم إهدارهما بأسوء الطرق!؟
لم تتحمل ما يحدث لذا دفعت والدتها بعيدًا عنها و التي كانت أشد قسوة من بينهم لتصرخ بحسرة و جسدها الهزيل يرتجف بشدة:
-"ليث الرفاعي" ، "ليث الرفاعي" اللي عمل فيا كدة.
ثم أخذت تنتحب بوهن و إزداد شعورها بالألم عندما رأت والدتها تنوح بقلة حيلة قائلة بخوفٍ:
-روحنا فداهيا ، وديتينا فداهيا يا "حورية" كدة هيطرد أبوكي من الشغل و نشحت وديتينا فداهيا.
هز شقيقها رأسه عدة مرات بإرتعادٍ خاصة عندما زكن بحجم الكارثة التي حلت علي رأسهم بسبب شقيقته ، و لكن نيران الإنتقام و الثأر كانت تتأجج بصدره لذا هتف بجمودٍ و هو يشير بسبابته لهم:
-انا مش هسكت دة لازم يتجوزها ، برضاه او غصب عنه هيتجوزها.
حذره والده بقلة حيلة بعدما إرتمي بجسده علي الأريكة ليقع جالسًا:
-لا يا "جهاد" يابني إحنا مش قده محدش يقدر عليه.
تدخلت الأم قائلة بصرامة لا تتحمل النقاش:
-لا إبنك بيتكلم في الصح ، إنتوا لازم تتكلموا معاه دي كدة هتجيبلنا فضايح و إحنا مش ناقصين.
أخذوا يتناقشوا حول تلك المصيبة بينما هي تتابعهم و قد لاح علي وجهها إبتسامة مريرة ساخرة ، إبتلعت تلك الغصة المريرة لتنظر صوب ذراعيها لتري تلك الكدمات الزرقاء التي باتت واضحة علي معصميها فتذكرت تلك الصورة المهينة التي كانت مكبلة بها فزاد شعورها بالقهر و الذل ، قلبت نظرها بالمكان لتجده خالٍ لا يوجد أي شخص به سواه ، لا يوجد سوي ظله المرعب الذي يخيفها فيجعلها بتلك الحالة المثيرة للشفقة ، تعلقت أنظارها علي ساقيها لتلاحظ تلك الكدمات التي تثير إشمئزازها فتذكرت حزامه الجلدي الذي كان يتهاوي علي جسدها بلا تردد و بلا رحمة.
ظله يقترب و روحها تحترق.
ظله يقترب و قلبها يتحطم.
ظله يقترب و جسدها يرتجف.
ظله يقترب و دموعها تتهاوي.
ظله يقترب و أنفاسها تتلاحق.
لم تحتمل رأسها المسكينة كل تلك الأفكار الشنيعة التي تراودها لذا فضلت الهروب من الواقع ، داهمها ذلك الدوار العنيف و أصبحت الرؤية لديها مشوشة لذا أطبقت جفنيها بإستسلامٍ ملحوظٍ ثم لم تشعر بإي شئ بعدها فقط إرتطم جسدها بالأرض بسبب سقوطها فاقدة الوعي.
___________________________________________
كان ينفث دخان سيجارته و بيده كأس من الخمر ، و شعور الإنتشاء يسيطر عليه ، ها هو قد نال مبتغاه من تلك التي تحدته بلا خوف ، إرتشف عدة رشفات من كأس الخمر الذي بيده ثم نظر لصورتها التي زينت شاشة هاتفه بشرودٍ ، كم كانت جميلة بالرغم من الحقد الذي يشعر به تجاهها!؟..كم سحره جمالها الهادئ!؟..خصلاتها البنية المسترسلة ، رماديتاها الحادتان ، شفتاها المكتنزتان ، أنفها الصغير ، وجنتاها المصابتان بحمرة طبيعية جذابة ، كانت كالأسطورة الخيالية تخبل العقل خاصة عندما رأها بذلك الفستان الأبيض ، كانت كالفراشة الخفيفة تتراقص بسعادة بذلك الحفل الخاص بشركته ،و لكنه هو من حطم غرورها و كسر كبريائها و عندما راودته تلك الأفكار إزداد فخره بنفسه و عنجهيته فتباهي بنفسه قائلًا بتكبرٍ:
-عشان تعرف مين هو "ليث الرفاعي"
كان هناك طرقات خفيفة علي باب مكتبه فأذن لمن بالخارج بالدخول فدلف حارسه الشخصي قائلًا بجدية و ملامحه جامدة:
-جُم برة يا باشا.
قهقه بقوة حتي أدمعت عيناه فقد حدث ما توقعه تمامًا هم من سيأتوا ليتوسلوا له ، كم تمني ليري تحطمها مجددًا!؟..كم يشعر بالنشوة المريضة كلما رأي عبراتها التي تغمر وجنتيها من قوة شعور الإذلال و القهر!
أمر حارسه الشخصي بالإنصراف ثم نهض من علي كرسيه ليتنفس بهدوء قائلًا بإنتصار:
-عشان تتعلم تفكر قبل ما تتحدي حد هي مش قده.
تعلق نظره علي إنعكاس صورته بالمرآة فلفت نظره تلك الخدوش البارزه علي عنقه و وجهه فإرتسم علي وجهه إبتسامة جانبية ساخرة و هو يتذكر مقاومتها الهزيلة له و حالتها المزرية التي إستلذ رؤيتها و كأن ما يمده بالحياة هو عذاب تلك المسكينة!
____________________________________________
لوت شفتيها للجانبين ثم تمتمت بنبرة لم يسمعها سوي زوجها:
-يا حظك يا بت يا "حورية" لو إتجوزك ، شوف ياخويا القصر عامل إزاي!
رد عليها والد "حورية" لينهرها بنبرته الحادة:
-إقفلي بؤك خالص خلينا نشوف المصيبة اللي بنتك حطيتنا فيها.
كادت "عزيزة" أن ترد عليه و لكن قاطعها صوت تلك الخطوات المنتظمة ، إنتابها بعض من القلق فإزدردت ريقها بصعوبة و هي تراه يتقدم منهم و ملامحه باردة غير مفهومة و بعد صمت دام لعدة دقائق و هم يتبادلوا النظرات السريعة صاح هو بنبرته الثابتة بعدما عقد ساعديه أمام صدره:
-خير؟
صرخ "جهاد" بعنفٍ و قد أعماه غضبه و إحتقن وجهه بالدماء بعدما برزت عروق نحره بوضوحٍ فلم يشعر بنفسه و هو يقبض علي مقدمة قميصه:
-بطل إستهبال و لو فاكر إننا هنسكت علي اللي عملته دة تبقي غلطان.
رفع "ليث" حاجبيه بإعجابٍ مزيفٍ ثم همس بنبرة تشبه فحيح الأفعي فجعلت "جهاد" يرتعد بعض الشئ:
-إنتَ قد اللي إنتَ عملته دة؟
إبتلع ريقه و هو يخفض كفيه ، لن ينكر فقد شعر بالرعب الغريب من هيبته و ثقته بالحديث ، كل شئ غريب بذلك الرجل و لكن ذلك لم يقلل من كراهيته لما فعله بشقيقته.
تنفس ببرودٍ قبل أن يتسائل بنبرة عادية تصيب المرء بالإستفزاز:
-إية المطلوب؟
رفع "توفيق" والد "حورية" عينيه ليرمقه بغلٍ و حقدٍ لم يستطع إخفائهما و لكن حاول الهدوء بكل الطرق ليتوسل له بنبرة شبه منخفضة:
-أبوس إيدك يا باشا إحنا مش قد الفضايح ، إتجوزها يا باشا و إحمينا من الفضايح.
ثم أطرق رأسه ليرمقه "ليث" بنظراتٍ منتصرة ملحوظة ، ثم تقدم ناحية تلك الأريكة الرمادية الفاخرة ليجلس عليها و هو يضع ساقًا فوق الأخري بشموخه المعهود و بتكبره المعتاد ، ثم أشار بيده لحارسه الشخصي الذي فهم مبتغي رب عمله سريعًا ، لذا تقدم من "جهاد" بخطواتٍ شبه سريعة ليباغته بعدة لكمات عنيفة لم يستطع "جهاد" الصمود أمامها ليقاوم و بالطبع لم يستطع كلا من "توفيق" و زوجته التدخل.
لم يهتم "ليث" لما يحدث فقط صاح بعدة كلمات موجزة وضح بها ما يريده و بالطبع سيطر علي نبرته الغرور:
-موافق ، بس بشروط ، اولًا انا عايزها إنهاردة تكون في بيتي هنكتب الكتاب و بعدها تسيبوها ، ثانيًا انا مش عايز أشوف وشوشكوا تاني هو بمجرد ما هنكتب الكتاب إنتوا هتمشوا من هنا و تنسوا إن كان ليكوا بنت إسمها "حورية" ، ثالثًا و دة أبسط حاجة هي هتلبس فستان فرح و هو كدة كدة جاهز و موجود.
و بعد إتمام جملته مباشرةً توقف حارسه الشخصي عن ضرب "جهاد" ، بينما نظرت له "عزيزة" بذهولٍ و كأنه كان يخطط لكل شئ ، فستان الزفاف و الزواج و كأنه يعلم بما سيحدث!
أطرق "توفيق" رأسه بقلة حيلة ثم همس بخنوعٍ:
-اللي تشوفه يا باشا.
ركضت "عزيزة" تجاه إبنها ثم أسندته لينهض من علي الأرض متأوهًا بقوة أثرًا لما تلقاه من ضربٍ عنيفٍ ، تعلق أنظارهما علي "توفيق" عندما أمرهما بصرامة قائلًا:
-خليكوا هنا مع الباشا لغاية ما أروح أجيبها من البيت.
ثم إنطلق خارجًا ليستعد للذهاب لبيته لإحضار إبنته المسكينة!
____________________________________________
أين ذهبوا!؟..لما صوت صراخهم المفزع توقف!؟..لعقت شفتيها بصعوبة بالغة بسبب جفاف حلقها ، نهضت جالسة علي الأرضية الباردة فخرجت شهقة عالية من بين شفتيها بسبب الالامها النفسية و البدنية ، قلبت نظرها بالمكان و الخوف يسيطر عليها ، تشعر بوجوده ، تشعر برائحة عطره التي تخنقها ، تري ظله بكل مكان ، نبرة صوته القاتمة لا تغيب عن أذنيها!
إنتفضت بإرتعابٍ عندما إستمعت لنبرة والدها البغيضة تقول:
-يلا يا هانم عشان نكتب كتابك علي "ليث" باشا.
لم ترفض ، لم تصرخ ، لم تحاول منعه!..بالرغم من حالة الوهن الشديدة التي تشعر بها الا إن عقلها لم يتخلي عن أفكاره الشيطانية التي ستطفئ جزء من نيران الإنتقام التي تتأجج بصدرها بعنفٍ ، لذا نهضت ببطئ لتسير تجاه والدها ثم اومأت له عدة مرات قائلة بهدوء مصطنعٍ:
-اللي تشوفه يا بابا.
اومأ "توفيق" ببعض من الرضا ثم قبض علي كفها ليجرها خلفه بينما هي إنساقت معه كالبهيمة و رماديتاها مشتعلتان بصورة واضحة فأصبحتا قاتمتين بصورة مرعبة ، و كأن الشر يشع من رماديتي تلك الصغيرة!
____________________________________________
يمر الوقت لا تشعر بأي شئ سوي به ، نبرته الكريهة ، رائحة عطره التي باتت تكرهها ، تحاول بكل الطرق تحاشي النظر له تجنبًا لذلك الإنهيار الذي ستتعرض له من خلال رؤيتها له ، رمقته بنظراتها الحاقدة و الكارهة فبادلها هو بنظراته المستفزة ، فأشاحت هي بوجهها بعيدًا عنه حتي لا تطبق علي عنقه لتخنقه قاتلة إياه!
و بعد ما يقارب الساعة هتف المأذون بنبرة هادئة بعدما تم بالفعل عقد قرآنهما:
- (بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير).
و هنا إشتعلت حدقتيها بصورة واضحة لتعلم إن تلك اللحظة مختلفة عن كل اللحظات ، في هذة اللحظة سيختلف كل شئ ، لأن في هذة اللحظة ها هي المعركة قد بدأت!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close