رواية جذريا كاملة بقلم مريم محمد
= لو سمحت دور تانى شوفلى أى حاجة اشتغلها و أنا موافق حتى لو هعمل قهوة أو شاى
هتف بها شاب فى مقتبل عمره يبدو أنه فى زهرة شبابه و لكن تلك الحياة لا تخلو من بعض القسوة
رد عليه آخر قائلاً ببرود شديد : ما قولنا مفيش هو ايه القرف ده أبعد عنى و إلا والله هنادى على الأمن يرموك برا
أنتفض الآخر من مكتبه قائلاً : شراكة ايه أنتَ فاكر ان الملاليم اللى ابوك ادهالى دى لما عملنا المشروع فلوس ولا ايه
و أحترم نفسك علشان أنا جبت آخرى و اتفضل ياريت من غير مطرود و ياريت وشك ده ملمحهوش فى اى حتة حواليا و إلا وقتها صدقنى هتندم
أقترب منه الشاب وهو يقول بهمس و سخرية : طب خلى بالك علشان محدش هيندم غيرك و أبقى أفتكر كلامى
يمهل ولا يهمل و متنساش ده الظلم ظلمات يوم القيامة
و على حين غفلة فُتح باب المكتب فجأة فأبتعد الشاب و الذى يدعى "أسامة" عن ذلك الرجل و نظر إلى الباب فوجد فتاة تقف و هى تنظر لهم بإستغراب غض بصره سريعًا و غادر دون كلام بينما تلك الفتاة ترجلت للداخل و قالت بإستغراب : بابى هو فيه ايه ؟
و مين ده ؟
نظر لها والدها بإرتباك و لكنه تمالك نفسه قائلاً : ده ولد كان شغال هنا قبل كده و مشى
تعالى بقى قوليلى حبيبة بابى عملت ايه فى الجامعة النهاردة
نظرت له الفتاة و التى يُطلق عليها "إيلاف" قائلة وهى تقلب عينيها بملل : مروحتش بصراحة الجو هناك بيخنقنى
ضحك والدها " حاتم السكرى " على صغيرته و التى ليس له أبناء سواها و قال وهو يمسد على خصيلات شعرها : مش مهم أنتِ كده كده مكانك معروف و هتمسكى الشركة اهم حاجة أننا عايزين الشهادة
هزت الفتاة رأسها وهى تبتسم و ما زال ذلك الشاب و الموقف الذى كان عليه مع والدها و حدته التى ظهرت بوضوح على قسمات وجهه فى ذاكرتها تُرى هل يُخبئ والدها العزيز شئ
نفضت تلك الأفكار من ذاكرتها و قالت لوالدها : بابا فيه رحلة فى الجامعة لمطروح هطلع معاهم
هز والدها رأسه وهو يقول : مفيش مشكلة المهم تاخدى بالك من نفسك كويس
أبتسمت لوالدها الذى تابع قائلاً : الكريدت كارد بتاعتك فيها فلوس ؟
أطبقت يديها على بعضهما و قالت بتوتر بسيط : يعنى كنت عايزة حضرتك تحولى شوية فلوس عليها
أبتسم و قال بهدوء : النهاردة هحولك مبلغ تانى مع إنى لسه محول من اسبوعين بس ماشى
" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا "
و دون أن يعى حاتم المسكين أرتكب فى حق نفسه ثلاثة من أبشع الخصال و الصفات التى من الممكن أن يتصف بها المرء
فقد أكل مال صديقه عليه و على ولده دون وجه حق و ظلمه و كذب على ابنته بشأن ذلك الشاب و ثالثًا ظن إن دوره فى حياة ابنته هو مجرد تحويل النقود فقط و لم يبالِ بشئ آخر
فلعله يفيق من غفلته قبل فوات الأوان ....
____________________________
جلست فى منتصف الصغار وهى تبتسم و تقول : السلام عليكم
رد الصغار قائلين : و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أبتسمت تلك الفتاة بصفاء شديد و قالت : مبارك علينا كلنا الثلاثون حسنة
ظهرت حماسة الأطفال على وجوههم وهم يبتسمون براحة بينما تابعت الفتاة قائلة ببسمة تتسع شئ فشئ : عارفين النهاردة هنتكلم عن ايه ؟
رد الصغار جميعهم قائلين : هنتكلم عن ايه يا جويرية؟
أبتسمت جويرية و قالت : هنتكلم عن الصحابى عمار بن ياسر و الجنة
نطق أحد الصغار قائلاً بإستغراب : طب ازاى هنتكلم عن الاتنين فى وقت واحد
أبتسمت جويرية و قالت بصبر : تعالوا أقولكم أزاى
طبعًا احنا عارفين ازاى الصحابة رضوان الله عليهم كانوا بيتعذبوا علشان أسلموا مع سيدنا محمد و آمنوا بالله و أحنا حكينا قصة سيدنا بلال قبل كده
عمار بن ياسر أسلم هو و والدته و والده فكانوا بيتعذبوا يعنى سيدنا عمار بن ياسر مش كان بيتعذب لوحده لأ
ده كان بيتعذب و شايف والدته بتتعذب قدامه و والده كمان و الرسول صلى الله عليه و سلم مكنش عارف يعمل ايه علشان ربنا مأذنش بالهجرة لسه
فالرسول كان بيعدى عليهم عارفين كان بيقولهم ايه ؟
ترقب الأطفال فى صمت بينما تابعت جويرية قائلة :
كان بيقولهم
" صبرًا آل ياسر إن موعدكم الجنة "
يعنى قصاد العذاب اللى هما بيتعذبوه ده هيدخلوا الجنة يعنى هما استحملوا الأذى ده علشان آمنوا بالله و علشان عارفين إن وعد ربنا حق و إن فيه جنة فربنا جزاهم الجنة علشان هما كانوا حابين الجنة و عايزين يدخلوها بأى طريقة
قاطعها احد الأطفال قائلاً بسرعة : طب احنا نعمل ايه علشان ندخل الجنة ؟
أبتسمت جويرية لبرائته و قالت : فى ايدينا حاجات كتير نعملها زى
أننا نصلى كل الصلوات فى وقتها و نصوم رمضان و نتصدق بفلوس او بهدوم للفقراء و أهمها أننا نؤمن بالله طبعًا و نعمل خير كتير و نقرأ قرآن و نحفظه و ندعى لنفسنا و لغيرنا و نبقى بارين بأهلنا و نسمع كلامهم يعنى ممكن لو لقينا ماما بتعمل حاجة نعرض عليها مساعدة و ممكن نرفق بحيوان بدل ما نضربه
شايفين رحمة ربنا بينا ازاى ؟
ابتسم الأطفال و قد بث فيهم ذلك الحديث حماسًا شديدًا بينما قاطعها احد الصغار قائلاً : طب لو مش معايا فلوس أو هدوم اتصدق بيها اعمل ايه ؟
اخد من بابا ؟
أبتسمت جويرية بحب و قالت : ينفع تاخد من بابا و ينفع كمان تبتسم فى وش زميلك أو الناس اللى فى الشارع و لما تلاقى حد زعلان تبتسمله و كمان تقوله كلمة حلوة تطيب بيها خاطره
هز الفتى رأسه بهدوء و تابعته جويرية بصمت و لكنه تابع قائلاً وهو يقترب من جويرية : أنا كنت عايز افرح بابا ينفع تقوليلى على هدية أجيبها ليه ؟
أبتسمت جويرية و قالت : طب ما تسأل ماما على الحاجات اللى بابا بيحبها و اعملها
نكس الصغير رأسه بحزن و قال بدموع مكبوتة : معنديش ماما
حزنت جويرية و تألم قلبها لأجله لكنها قالت ببسمة : ايه رأيك تجيبله شوكولاتة و تديله بوسة و تقوله أنك بتحبه
نظر لها الصغير و الذى يدعى " أُبى" وهو يمسح أثر دموعه قائلاً بتفكير : طب و كدا هو هيفرح
هزت جويرية رأسها و قالت بصوت منخفض : أحنا نستنى لما كلهم يمشوا و نجيب الحاجات و أنتَ تديهم لبابا ايه رأيك؟
هز الصغير رأسه بحماس وهو يحتضن جويرية و يقول : انا بحبك أوى
____________________________
عاد أسامة إلى منزله بخفىّ حنين وهو يتنهد بثقل شديد بات أمر العمل يؤرقه و ها هو متخرج منذ اكثر من عامين و نصف و عمل بوظيفتين و لكنه لم يكمل فيها و منذ ذلك الوقت لم يعمل و أصبح كل شئ عبء ثقيل عليه ديونه تتزايد يومًا بعد يوم و جدته و مرضها و أدويتها و حاجيات منزلهم و الفواتير أشياء ة أعباء ثقيلة لا تنتهى
فاق من شروده على يد توضع على كتفه نظر لتلك اليد فوجدت جدته تقف خلفه تقول ببسمتها المعهودة و التى يحبها منذ نعومة أظفاره : هون علي نفسك يا حبيبى
أبتسم بألم حاول إخفاءه وهو يقول : متقلقيش انا كويس
قوليلى الدوا خلص ولا لسه ؟
نظرت له جدته بهدوء و قالت : لسه يا اسامة لسه باقيله كام يوم
هز رأسه وهو يدعو الله أن يهديه و يرشده سمع الأذان فخرج من بيته متوجهًا للمسجد و بعد الصلاة قال له صديقه بمزاح : شايل طاجن نورا ليه ؟
نظر له أسامة وهو يقول بعدم فهم : انتَ بتقول ايه
نظر له صديقه عبدالله وهو يقول بشرح : هو انتَ مش جدتك اسمها نورا ؟
و هما بيقولوا شايل طاجن ستك
فأنا قولت شايل طاجن نورا ليه
ايه اللى مش مفهوم !!
دفعه أسامة برفق و قال : متهزرش تانى يا عبدالله ياريت
ضحك عبدالله و قال بخبث : براحتك ده انا حتى كنت جاى أقولك انى لقيتلك فرصة شغل
نظر له أسامة بسرعة و قال : هتشتغل مساعد فى سنتر أحمد اخويا بياخد دروس هناك و قالى أنهم محتاجين مساعد ايه رأيك؟
و اهى حاجة لغاية ما تلاقى شغل كويس
هز أسامة رأسه وهو يبتسم و يربت على كتف صديقه و لكن قطع حديثه الذى لم يبدأه صوت صرخات و كأنه عرف مصدر الصوت