رواية جميلتي الفصل التاسع 9 بقلم ديانا ماريا
البارت التاسع
وقفت مصدومة تحدق به بعدم استيعاب: إيه؟
ضغط بيده على حاجز السرير وهو يرتفع قليلا من مرقده بغضب: بقول مش عايزة أشوفك يا جميلة ولا أسمعك بالمرة أنا مش فاهم أنتِ جاية ليه أساسا!
أصدر ضحكة ساخرة وهو يدير وجهه الناحية الأخرى فتابعت بشجاعة والدموع تملأ عينيها: وكمان أعتذر لك.
نظر لها بتقطيبة: تعتذري؟
أومأت برأسها وتابعت بنبرة مرتعشة وإندفاع: على اللي حصل يومها أنا نفسي أعتذر لك، أنا آسفة وندمانة...
قاطعها وهو يرفع يده ليوقفها عن الحديث بحنق: اوعى تقوليها! اوعى تقولي كدة! بتعتذري مني على إيه؟
مش مهم كسرة قلبي لكن محدش بيعتذر أنه رفض حد يا جميلة ولا وسيم منفعش قولتِ أرجع لقاسم!
تجمدت نظراتها عليه دون أن تنطق وكل ما فيها مصدوم لكلامه، قالت بإرتباك وتلعثم: اا...ااا إزاي؟!
أبتسم بسخرية وقال بتهكم: إزاي عرفت؟ ليه وهى دي حاجة بتستخبى؟ إزاي ميتعرفش في الشارع أنه وسيم الشاب الذكي الناجح متقدم لجميلة وبعدها هى رفضته! إيه منفعش فقولتِ ترجعي للبديل؟
قالت بغصة: أنت مش بديل أبدا، أنا منكرش أني كنت فاكرة أني معجبة بوسيم بس ده كان مجرد وهم لحاجة جديدة دخلت حياتي وعلى فكرة لما أتقدم لي أنا مكنتش مبسوطة ولا حاجة وكنت هرفضه سواء عرفته على حقيقته ولا لا.
ضحك وعينيه تلمع بالقهر والألم وقال بشدة: أنا مش بديل فعلا يا جميلة لما مينفعش وسيم هيبقى قاسم الإحتياط اللي أنتِ عارفة أنه بيحبك، أنتِ عارفة أنا حسيت بأيه لما عرفت أنه أتقدم لك وأنتِ موافقة تقابليه؟
أغمضت عيونها بقوة فتابع هو بألم ودموع تلمع في عينيه هى لا تراها: كأنه نار شعلت بقلبي، وقفت ابص لنفسي في المرايا وقعدت أسأل يا ترى هو أحسن مني في إيه؟ هو فيه إيه زيادة عني؟ كان ناقصني إيه؟ أيوا أنا يمكن تصرفاتي تعبتر تافهة شوية بس بعرف أتحمل مسؤولية وبحبك أكتر منه! في نفس اليوم اللي رفضتيني فيه تقبليه! ليه هو مش أنا!
فركت يديها ببعضها بينما تابع بحسرة: بس الأسئلة دي كلها مفيهاش ليه ولا ليها إجابة لأنه القلب لما بيختار مبيكونش عارف ليه ولا لازم يكون فيه ليه من أصله بس أنا كنت شايفه وشايفك مع بعض ومش شايف حاجة تاني قدامي.
أفلتت دمعة من عينيها وفتحتها لتنظر له، كان وجهه مجهد ونظراته متألمة للغاية.
قالت بتهور لتبرر له غير مدركة لما تقوله: أنا كمان كنت محتارة ومشاعري مشوشة أنا مقدرش أوافق لأنه ساعتها هكون بخدعك لكن دلوقتي الحيرة كلها راحت وأنا بقيت متأكدة من مشاعري، أنا عمري ما حبيت وسيم ولو شوية حتى كان مجرد إعجاب أهبل لكن أنا بحب..
صاح بها بشدة: أوعى تقوليها! دي مفيهاش كدبة ولا زيف أنت مبتحبنيش، أنتِ بس علشان عارفة أني أنا بحبك جاية لأني مضمون إزاي عايزاني أصدقك وأنتِ في نفس الجملة إنك كنتِ معجبة بيه!
ارتعشت وهى تجيب بألم: كلامك قاسي أوي، من أمتى وأنت كدة؟
اراح رأسه على وسادته وقال بدون شعور: يمكن خيبة أمل واحدة قادرة تغير الإنسان كله.
حدق لها ببرود: أمشي يا جميلة مبقاش فيه بيننا حاجة تتقال خلاص.
انهمرت دموعها وهى تحدق له بعجز قبل أن تلتفت لتغادر وهى تضع يدها على فمها وتبكي، وغادرت الغرفة ولم تره ودمعتان تنحدر على وجهه وهو يغمض عيونه بقوة.
خرجت من الغرفة ثم استندت على الحائط الذي بجانبها وهى تبكي بألم وحزن، لقد خسرته للأبد لم يكن متألما من الرفض بقدر تألمه مما حدث يومها، لن يصدق أنها تحبه بالفعل لشخصه أبدا مهما فعلت كما أن كلامه كان جارحا للغاية وقاسي عليها.
فجأة سمعته صوته يأن بصوت عالي من الألم فعادت بسرعة للغرفة، كان يحاول أن يمد يده لقدمه.
قالت بقلق: في إيه؟
قال بألم وهو يتأوه: رجلي بتوجعني أوي مش قادر.
حاول النهوض ولكنه عاد وارتمى على السرير وهو يصرخ بقوة: نادي الدكتور بسرعة.
هزت رأسها رأسها بإرتباك وركضت خارج الغرفة تنادي على الطبيب ثم عادت معه ومع ممرضة، فحص قاسم الذي يتألم بسرعة تحت أنظار جميلة التي تبكي بهلع وهى تراقب ما يحدث أمامها.
فحصه الطبيب بسرعة ثم طلب تحضير إبرة مهدئة من الممرضة بسرعة وحقنه بها، أتى الجميع أثناء ذلك فقالت والدته بذعر: في إيه يا دكتور؟ أبني حصل له إيه؟
قال الطبيب بإستعجال: الكسر بتاعه التهب ومحتاج راحة وهنعمل إشاعة تانية على الرجل علشان نتأكد أنه مفيش حاجة جديدة فيها.
كانت جميلة مسحت دموعها حتى لا ينتبه والداها لشئ ولكنها لاحظت والدتها تحدق بها بتركيز مما أربكها.
سأل والدها الطبيب بعد أن نام قاسم من أثر المهدئ: طب هو هيقعد في المستشفى أد إيه يا دكتور؟
هز الطبيب رأسه وهو يحدق لقاسم: لا هو هيقعد فترة لأنه كسر الرجل بتاعته شديد ومحتاج يرتاح راحة تامة وميقومش من السرير على الأقل لأسبوعين.
حين عادوا للمنزل دلفت والدتها ورائها قائلة بجدية: جميلة عايزاكِ في موضوع مهم.
قالت جميلة بإرهاق: نعم يا ماما؟
قالت والدتها بعد أن أغلقت الباب ورائها: إيه حكايتك من وسيم؟
أحمر وجهها بشدة وقالت بتعلثم: ح..حكاية إيه؟
رفعت حاجبها وهى تبتسم: يعني هتخبي عليا؟
تنهدت جميلة بشدة وهى تجلس على سريرها وقالت بإحباط: ماما أنا مش قادرة أتكلم دلوقتي.
جلست بجانبها بحنان وهى تضع يدها على كتفها وتضمها: سؤال واحد بس وعايزة إجابته، بتحبيه يا حبيبتي؟
أجابت جميلة بصوت خافت: أيوا لكن خسرته من زمان.
سألت والدتها بذهول: ليه؟
صمتت جميلة وهى تضم نفسها لوالدتها ففهمت وقالت بتفهم: خلاص براحتك يا حبيبتي، لازم ترتاحي علشان بكرة وراكِ مناقشة مهمة.
بعد قليل ذهبت من عندها وتركت جميلة لوحدها وهى تسترجع الحديث الذي كان بينها وبين قاسم وبكت بشدة خصوصا من قسوته عليها ولكن هل يمكنها أن تتفهم هذه القسوة؟ أيمكن أن تكون نابعة فقط من الألم؟
في اليوم التالي أتت لها ياسمينا باكرا وسردت لها ما حدث وهى تبكي.
قالت ياسمينا بإنزعاج: هو الواد ده غبي؟ طب مقدرة أنه قلبه مكسور لكن أنتِ قلبك من حجر يعني!
لم ترد جميلة فتابعت ياسمينا بتوبيخ: وبعدين تروحي تقولي له أنتِ كنتِ معجبة بوسيم؟ أنتِ من غير عقل خالص؟ حرام عليكِ يا جميلة طب ياريتك حتى كان أسمك ذكية يمكن كان ليكِ من أسمك نصيب!
ابتعدت جميلة عنها وهى تجيب بحزن: معرفش هى طلعت مني كدة فكرت لما أقوله كدة هيصدق أني بحبه بجد والتاني كان مجرد إعجاب وهمي ملوش لازمة.
حدقت لها ياسمينا وكأنها مجنونة: يعني لو كان العكس ساعتها رد فعلك كان هيبقى إيه؟
تنهدت جميلة بتعب وضيق: اللي حصل بقا يا ياسمينا!
ربتت على كتفها بمواساة: اللي حصل حصل يا حبيبتي دلوقتي بس ركزي في مناقشتك ولما تعدي على خير إن شاء الله نفكر في الموضوع ده.
قالت جميلة بإحباط: حاسة أنه المناقشة دي مبقتش تهمني يا ياسمينا، مبقاش ليها لازمة بالنسبة ليا.
قالت ياسمينا بحكمة: جميلة يا حبيبتي أنا متفهمة ألمِك وأنه لسة جديد بس ده مستقبلك، تفتكري إيه يعني اللي هيتحل لما تتخلي عن الحاجة اللي بتحلمي بيها دلوقتي؟
قومي يا حبيبتي اجهزي مبقاش غير ساعة ونص وربنا يحل كل حاجة من عنده.
نهضت جميلة بدون حماس وارتدت ملابسها، وقعت عيونها على شئ محدد فقالت لياسمينا بتفكير: بس هنروح أنا وأنتِ مكان الأول يا ياسمينا.
عقدت ياسمينا حاجبيها بإستغراب: مكان فين؟
لم ترد جميلة وهى تنظر لنفس الشئ بإبتسامة باهتة.
قالت ياسمينا بقلق: أنا مش عارفة دماغك دي هتودينا فين! إيه اللي جايبنا المستشفى دلوقتي!
قالت جميلة بعزم وهى تحمل باقة الورود الذابلة بين يديها: دي حاجة أنا حاسة بضرورة أني أعملها وهتريحني.
زفرت ياسمينا: طب بسرعة علشان منتأخرش إحنا فلتنا من باباكِ ومامتك بالعافية.
حين وصلوا لغرفة قاسم نظرت لها جميلة بتوتر: لازم أتأكد أنه نايم الأول ومعندوش حد هنعمل إيه؟
هزت ياسمينا رأسها بحيرة ولكنهم ابتعدوا بسرعة حين فُتح الباب، زفروا براحة شديدة حين تبين أنها الممرضة.
سألتها ياسمينا عن حالة المريض وقد أخبرتها أنهم أقرباء له، أخبرتها الممرضة أن وضعه على حاله وهو نائم الآن.
أبتسمت جميلة بإرتياح حين سمعت ذلك، حدقت لها ياسمينا: أنا هستناكِ هنا، أدخلي وأطلعي فورا.
أومأت جميلة برأسها وهى تتحفز ثم دلفت بهدوء للغرفة، كان نائما ويبدو عليه آثار التعب، تقدمت ببطء من السرير وهى تحدق له بإبتسامة ثم انتبهت لنفسها واستغفرت الله قبل أن تضع على الطاولة التي بجانبه باقة الورود الذابلة، ثم ألقت عليه نظرة أخيرة متألمة مع إبتسامة باهتة، تنهدت بعمق ثم خرجت من الغرفة وغادرت مع ياسمينا لمكان مناقشة الماجستير.
كانت متوترة ولكن شجعها الجميع وحثها على الهدوء والاجتهاد، بدأت مناقشتها بإرتباك ولكن سرعان ما تابعت بثقة وحماس وهى تراقب أساتذتها يراقبونها بإهتمام وإعجاب.
حين انتهت وأعلن الأساتذة أنهم منحوها الدرجة وحصلت على الماجستير، صفق الجميع لها بفرحة ووالديها ينظرون لها بفخر، كانت سعيدة وهى تحدق في الجميع ولكن تشعر بشيء هام أو بالأحرى شخص بدون فرحتها غير مكتملة.
حين كانت تجول بنظراتها في أرجاء الغرفة بإبتسامة، توقفت نظراتها بصدمة على باب القاعة وتوقفت أنفاسها لثانية وتجمدت إبتسامتها على شفتيها وهى ترى قاسم يقف على باب القاعة، مستند على عكازيه الإثنين بيديه ويحمل في يد منها باقة من الورود الحمراء الجميلة المتفتحة وينظر لها ويبتسم!