رواية جميلتي الفصل الثالث 3 بقلم ديانا ماريا
أحمر وجهها بشدة وحاولت التظاهر بالغضب: أنت بتقول إيه؟ أنت اتجننت؟
رفع حاجبيه فتابعت بإرتباك حاولت أن تخفيه خلف عصبيتها: هو أنت فاكر أنه كل الناس لسة تصرفاتها تصرفات أطفال زيك ولا إيه؟
حدقت إليه وقالت بنفاذ صبر وهى تشاور بيدها: أنا مش فاضية للعب العيال ده، ووسع من هنا عايزة أنزل.
نظر لها بإستخفاف وتنحى من أمامها فهبطت بسرعة حتى خرجت إلى الشارع حين نظرت خلفها وتأكدت أنها اختفت عن أنظاره أطلقت نفسا عميقا يعبر عن ارتياحها.
من حسن حظها أنها استطاعت الخروج من المأزق دون أن يكتشف أنها من كان وراء ذلك.
أحضرت الطلبات التي أرادتها والدتها بسرعة ثم عادت لأن أذان المغرب لم يبقى عليه سوى دقائق، كانت عائدة ورأته يقف قريبا من مدخل منزلهم، يقف متكئا على على الجدار وينظر نحوها بإبتسامة زادت من توترها، نظرت إلى الأرض وهى تقترب من منزلها وهو يتتبعها بنظراته، رفعت نظراتها لتحدق فيه بحدة حتى لا يضايقها أكثر من ذلك إلا أنها سرعان ما اتسعت عيونها بقوة حين فجأة أصابه كيس من مشروب التمر الذي يوزعه الناس أثناء الإفطار، شهق قاسم بقوة ونظر لنفسه بصدمة حيث اتسخ التيشيرت الذي يرتديه بأكمله.
حدقت به جميلة لثانية قبل أن تنفجر في الضحك بشدة، حاولت التحكم في ضحكاتها ووضعت يدها على فمها بسبب صوت ضحكها العالي إلا أنها لم تستطع وهى تراه ينظر لها مغتاظا وينظر لنفسه في ذات الوقت والضرر قد طال وجهه وبنطاله أيضا، سرعان ما رسمت إبتسامة على وجهها وهى تنظر له نظرة أن هذا هو ما يستحقه تماما وصعدت لمنزلها وهو يبحث عن من فعل به هذا ليتشاجر معه.
أمضت بقية اليوم كما المعتاد ثم ذهبت إلى صلاة التراويح كالعادة مع ياسمينا أنهما يحاولون الحفاظ عليها خصوصا أن العشر الأواخر قد اقتربت، بعد أن انتهوا من الصلاة جلسوا يستمعون لخطبة الشيخ حين انتبهت جميلة لشئ ما.
انتظرت حتى انتهى الشيخ ثم همست لياسمينا بصوت منخفض: شوفي مين اللي قاعدة هناك دي.
عقدت ياسمين تنظر إلى الناحية التي تقصدها جميلة بفضول: مين؟
نظرت لها جميلة بعيون لامعة: والدة وسيم.
حدقت إليها ياسمينا بمزيج من المكر والملل: وبعدين؟ مالها مامته يعني بتصلي عادي!
قالت بنبرة حاولت أن تكون عادية: أنا شوفتها قولت نروح نسلم عليها لأني بقالي كتير مشوفتهاش وكمان أقولها حمد لله على السلامة لأستاذ وسيم.
سخرت ياسمينا قائلة: يا حنينة! ومن أمتى الود ده كله؟
زفرت بقوة وردت حانقة: ياسمينا أنتِ مالك بقيتي تعلقي على كل كلمة ليا كدة ليه؟ أنا بقيت اتضايق على فكرة.
صمتت ياسمينا ولم ترد وهى مازالت ترمقها بنفس النظرة، أمسكت جميلة بيدها بنفاذ صبر: يلا تعالي.
ذهبتا ليجلسا بجانب سيدة ذات ملامح ترتاح لها العينان تقرأ القرآن في هدوء، نظرت بجانبها حين جلسوا جوارها.
أبتسمت لها جميلة: ازيك يا طنط عاملة إيه؟
أغلقت السيدة المصحف وقالت مبتسمة بترحيب: الحمد لله في نعمة، ازيك أنتِ يا جميلة عاملة إيه يا حبيبتي؟
ثم نظرت لياسمينا: وأنتِ يا ياسمينا أخبارك؟ فينكم يا بنات من زمان مشوفتكمش.
أبتسموا لها بمودة وردت جميلة قائلة: والله يا طنط زي ما حضرتك عارفة الشغل وشغل البيت وحاجات كتيرة، إحنا أول ما شوفناكِ قولنا نيجي تسلم عليكِ.
ثم صمتت للحظة وتابعت بنبرة خجولة قليلا: ونبارك لك على سلامة أستاذ وسيم.
سارعت ياسمينا تقول حتى ترفع الحرج عن جميلة: حمدا لله على سلامته أكيد حضرتك فرحانة أنه رجع.
نظرت لهم بسعادة: الله يسلمكم يا بنات والله أنا فرحتي مش سيعاني الحمدلله.
ردت جميلة بدفئ: ربنا يفرحك دايما يا طنط.
قالت ياسمينا: إحنا شوفناه أمبارح وأحنا راجعين من الصلاة.
أومأت والدته بفخر: هو رجع من تلت أيام حبيبي والحمد لله خلاص هيستقر هنا هو خلص دراسته واشتغل وخد الخبرة اللي محتاجها من هناك ورجع علشان يفتح شغل خاص بيه هنا ويبقى معايا.
أبتسموا لسعادتها الواضحة لكنها فجأة تنهدت بتفكير فعقدوا حاجبيهم يرمقون بعض بحيرة قبل أن تسألها جميلة: مالك يا طنط؟
قالت والدة وسيم بتمني: دلوقتي بس فاضل أشوف له عروسة وأجوزه علشان اطمن عليه وأشوف عياله زي ما بحلم.
تبادلوا النظرات وياسمينا تنظر بإبتسامة كبيرة لجميلة التي حدقت لها بتحذير حتى لا تلفت الأنظار.
ربتت جميلة على كتفها: أن شاء الله خير يا طنط.
أبتسمت لهم: ابقوا طمنوني عليكم دايما يا بنات.
نهضوا بعدها وغادروا، توالت الأيام ولم تكن آخر مرة تقابل بها جميلة والدة وسيم إذ كانت تراها في كل مرة تذهب بها إلى صلاة التراويح وبعد إنتهاء الصلاة تجلس معها وتتبادل الأحاديث، لاحظت ياسمينا تطور الأمر بقلق وعدم رضى فقررت أن تحدث صديقتها في أسرع وقت.
حين كانوا عائدين قالت ياسمينا بجدية: جميلة عايزة أتكلم معاكِ في موضوع.
قالت جميلة بعفوية وهى تنظر لها بإبتسامة: موضوع إيه؟
توقفت ياسمينا عن السير فتوقفت جميلة أيضا أمامها: أنتِ مش ملاحظة أنه أنتِ قربتي جامد من والدة وسيم؟
ضحكت جميلة لتذكرها وقالت بإستغراب: أيوا بس دي حاجة حلوة يا ياسمينا مالك كدة بقا؟
عقدت ياسمينا ذراعيها: بجد دي حاجة حلوة؟ ليه؟
عقدت جميلة حاجبيها بحيرة: ليه إيه؟
وتابعت بنفاذ صبر: هو مش أنتِ عارفة اللي فيها ولا إيه؟
قالت ياسمينا بعبوس: علشان عارفة اللي فيها بكلمك جميلة أنتِ صاحبتي من زمان أوي وعلشان كدة لما أشوف وضع أحس أنه غلط عليكِ لازم أقولك!
ردت جميلة بتعجب: قصدك إيه؟
حدقت إليها ياسمينا بعدم رضا: قصدي أنه افرضي بعد كل ده وكل الأحلام اللي أنتِ عايشها مجاش أتقدم ليكِ؟ ولا كان بيفكر فيكِ زي ما بتفكري فيه؟ افرضي لما يجي يختار، يختار واحدة تانية غيرك؟
صُدمت جميلة من كلام صديقتها وكأنه إحتمال لم تفكر به أو يخطر على بالها قط، حين رأت ياسمينا حالتها اقتربت منها ووضعت يدها على ذراعها بعطف: جميلة أنا مش قصدي أكون قاسية عليكِ الموضوع كان في البداية باين هزار أو حنين بإعجاب سابق لكن لما حسيت انك خلاص اتعلقتي بيه والموضوع اتطور أوي كدة لدرجة أنه بقيتي مخصوص تروحي الجامع علشان تشوفيها وده غلط مقدرتش أسكت أنتِ صاحبتي وواجب عليا انبهك علشان لو فضلتي تحلمي من طرف واحد وجه يوم حصل العكس هتدمري ودي كان غلط مني أني أجاريكِ فيه من الأول بس لازم أحذرك قبل ما قلبك ينكسر طالما مفيش دليل أنه هو بيبادلك نفس المشاعر.
اختنقت جميلة بدموعها وقالت بصوت متحشرج: خلاص يا ياسمينا فهمت!
حدقت إليها ياسمينا بحنية وشفقة: أنا آسفة يا جميلة بس كان لازم أحط الإحتمال ده في بالك وأحذرك علشان تبقي عاملة حسابك بدل ما كل حاجة تطلع على الفاضي في الآخر.
لم تتحمل جميلة أكثر من ذلك فأبتعدت عنها وهى تقول بحنق: قولتلك خلاص فهمت!
استدارت حتى تذهب وياسمينا تنظر لها بحزن حين صرخت جميلة فجأة وهى تقع على الأرض وياسمينا تنظر لها بذهول.