رواية عشق مكبل بالقيود كاملة ( جميع الفصول ) بقلم رقية سعد
الفصل الأول
كانت الإضاءة موزعه بصورة متقنه .. بألوانها الساطعة المبهرة بينما المدعوين ينتشرون بعشوائية هنا وهناك في الحديقة الواسعة حيث وزعت الطاولات ونسقت بأيدي امهر المصممين المتخصصين لتصميم الحفلات ..
النساء يرتدين المجوهرات الثمينة البراقة والرجال يقفون بعنفوان وغرور ببدلاتهم السوداء الأنيقة يتكلمون عن عالم التجارة والمال وهي تنتقل بين الحضور كحلم صيفي هادئ بفستانها الكرزي وزينتها الرقيقة .. عيناها السوداء التي نافست سواد الليل تلتمع ببريق غامض بينما رموشها الكثيفة كأنها سهام تحيط بهما تهدد برمي كل من ينظر إليها .. فمها الصغير الممتلئ كان يوزع ابتسامته بسخاء على المدعوين .. ابتسامتها الظاهرية تخفي تحتها ألما كبير ومقدار اكبر من التعاسة
نظرت لزوجها حكمت كان يقف بهيبة ووقار يليق بسنوات عمره التي قاربت على الستين يمسك كأس العصير بيده و يتكأ على العصا بيد أخرى يتكلم بجديه وعمق مع مجموعه من رجال الأعمال ...
جلست على كرسي بعيد نسبياً عن المدعوين تراقبهم بصمت تعرف ما يدور بينهم من أحاديث مثل كل مرة يقيمون فيها حفلة .. بعضهم يرمقها باستحقار وبعضهم بتعاطف .. كيف لفتاة في الرابعة والعشرين من عمرها ترتبط برجل قارب على الستين .. زفرت بعمق وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم الذي توفي فيه والدها الحبيب .. كانت وحيدة لا تملك عائلة توفيت والدتها وهي في الثامنة من عمرها بعد أن ولدت شقيقتها ريام وهكذا أصبحت هي الأم لأختها الصغيرة تعد لها الرضاعة الصناعية وتنظف المنزل وتطهو الطعام لوالدها الحنون الذي كان يعمل سائقا عند السيد حكمت مالك القصر لازالت تذكر كلمات والدها وهو يقول بحزن
- اعرف يا بنيتي انك تتعبين من عمل المنزل .. وأنا لا استطيع أقدم لك المساعدة .. فسامحيني صغيرتي على تقصيري .
هتفت بقوة وهي ترمي المكنسة من يدها وتسارع بالارتماء في أحضان والدها
- لا تقول مثل هذا الكلام أبي .. أنا لا اتعب من الأعمال المنزلية أبدا كما إنني أحب أختي كثيرا وسعيدة برعايتها
ابتسم بحنان وهو يربت على رأسها قائلا برقة
- حفظك الله ورعاك من كل سوء وجعل أيام حياتك القادمة مليئة بالفرح والمسرات أنت وشقيقتك
مرت الأعوام وعاشوا بسعادة قانعين بما لديهم يلفهم الأمان و الدفء تحت كنف والدها .. في منزل صغير أمنه لهم السيد حكمت كان ملحقاً للقصر يقع في الجهة الخلفية منه .. إلى أن أتى اليوم الذي تراجعت صحته فرقد طريح الفراش .. كان عمرها آنذاك واحد وعشرون عاما .. لتفاجأ بعد عدة ايام بفاجعة موته مخلفا ورائه شابه في بداية العشرين وفتاة على أعتاب المراهقة .. لم تعرف ما عليها فعله الى من تلتجئ وممن تطلب النصح والرشد .. لا عمة لها ولا خالة .. لا أقارب من جهة والدها ولا من جهة والدتها .. انتهت أيام العزاء بسرعة ... وهي لا تزال تجهل ما عليها فعله حتما يجب عليها ترك المنزل لكن إلى أين ستذهب !!
جالسه في صالة منزلهم الصغير .. بينما شقيقتها ريام تجلس بغرفتها تستذكر دروسها عندما سمعت طرقات على الباب وقفت بتعب وهي تسأل من الذي يأتيهم بهذه الساعة ...
كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف مساء .. فتحت الباب لتفاجأ به واقفا بهيبة وهو يتكأ على عصاه قائلا بهدوء
- السلام عليكم رشا
أجابت بتلكؤ وخجل
- عليكم السلام سيدي
أفسحت المجال وهي تقول بارتباك
- تفضل سيدي أهلا وسهلا بك
دلف إلى الداخل بخطوات مدروسة بينما أبقت رشا الباب مفتوحا واتجهت لتقف بأدب وهي تسأله
- ماذا تشرب سيد حكمت
أجاب بلطف وهو يشير لها بالجلوس
- لا شيء يا ابنتي .. اجلسي أريد أن أتكلم معك بأمر هام
ابتلعت ريقها بصعوبة بينما تعالت دقات قلبها فاهو قد أتى ليطردها من المنزل وللحقيقة فهذا من حقه فقد قدم لهم الكثير .. لكنها تفاجأت بما قاله
- حسنا رشا أنا لن ألف وأدور معك سأبدأ الكلام مباشرة
تنفس بعمق وقال
- أنت تعلمين مكانه والدك لدي .. لم يكن مجرد سائق بل كان أخ وصديق منذ مرحلة المراهقة والشاب والى أن توفاه الله ونحن بعلاقة وطيدة ابعد كل البعد من علاقة عامل ومرؤوسه
أومأت بصمت منتظره إياه ليكمل
- لقد فكرت بأمركما أنت وشقيقتك
قاطعته بتسرع
- انا اعلم سيدي بأنني يجب ان اترك المنزل وابحث عن منزل أخر وأنا أرجو منك فقط ان تمهلني قليلا من الوقت ريثما أجد عملا وأستأجر مكان نعيش فيه و أعدك أننا لن نزعجك أبدا .
عم الصمت الثقيل بينهما قطعه بعد فترة قصيرة قائلا بهدوء :
- لقد أتيت بالفعل من اجل ذلك لكن ليس لأطردك
نظرت له بتساؤل ليقول بصلابة :
- ستسكنون معي في القصر
فغرت فاها ببلاهة ليردف مكملا تفجير قنبلته
- وبما إنني أعيش وحيدا كما تعلمين لذلك سأعرض عليك الزواج
شحب وجهها وبهتت ملامحها وهي ترد بتلعثم
- لكن .. لكن ..أنا ..أنا..
قال بوقار وهو يقف
- لا تعطيني جوابك الآن فكري جيدا وغدا أريد جوابك النهائي
تركها ورحل .. بقيت طوال الليل تجوب أنحاء المنزل بحيرة نظرت لشقيقتها التي كانت تنام بعمق و براءة .. تنهدت وهي تجلس جانبها تبعد خصلة من الشعر عن وجهها الخمري ابتسمت بمرارة وهمست بخفوت
- ربما كان ذلك هو الحل الامثل لحل مشاكلنا ... فانا وحيدة لا اهل لي ولا املك المال لأكمل دراستي و لا لاهتم بك سأضحي من أجلك أختي فدوما كنت راضية ومستسلمة لكل ما خطة القدر لي .. الحمد لله على كل شيء
وهكذا تزوجها لكن دون زفاف فقط اكتفى بحفلة صغيرة في القصر لإشهار الزواج بين اقاربه و أصدقاءه .. كان نعم الزوج والأب .. لقد أغدقهما بسخائه وكرمه عاملها كأميرة يلبي جميع رغباتها حتى وان لم تطلب .. وكم كانت صدمتها كبيرة في ليله زفافها فقد كانت ترتجف خوفا وخجلا منه لتفاجأ به يقول لها بأبوة خالصة جعلتها تبكي فرحا وامتنانا
- لقد جهزت لك غرفة منفصلة في الجناح الغربي من القصر ... انت ستكونين بمثابة ابنتي .. لقد تزوجتك لأحميك أنت وشقيقتك وأرجو ان يقدرني الله لأجعلكم سعداء وسيكون هذا سرنا الصغير