رواية غريق علي البر كاملة بقلم نعمة حسن
لبارت الأول بقلمي،، نعمه حسن،،
نلتقي قدرنا غالباً، في الطّريق التي نلتجئ إليها هرباً منه.
في منزل بسيط بقريـة بجانب محافظة البحيرة.
تعمل "فرحه" بكد و إجتهاد قبل عودة والدها من "الحقل" و عودة أخواتها من الخارج.
عاد والدها من الخارج فأسرعت و ساعدته لينزع عنه ملابسه و من ثَم تتابع مجئ إخوتها.
دخلت "بدر" متذمرة كعادتها كل يوم عند عودتها من المدرسه و ألقت بحقيبتها فقابلتها "فرحه" بوجه مبتسم و ذراعين ممدودتين لتهرع إليهما "بدر" بين أحضان أمها التي لا تعرف سواها.
قبلتها" بدر"ثم قالت: فروحه طبخالنا إيه بقا ؟!
_طبخالك كل حاجه إنتي بتحبيها يا روح فروحه.. يلا إطلعي إغسلي إيديكي و وشك كدهون و تعالي.
=فورريره. قالتها "بدر" بحماس ثم وثبت للأعلي.
"السلام عليكم يا فرحتنا" طلّ "رضوان" شقيق" فرحه الأكبر ناطقاً بتلك الكلمات فإستقبلته بإبتسامه بشوشه صافيه و قالت: وعليكم السلام يا حبيبي يلا إنت كمان غسّل وشك و إيديك و تعالي.. أخوك فين؟!
_'رامي' طالع ورايا بس مش عارف'كرم' غطسان فين مش باين.
=دلوقتي يظهر.. يا أهلاً بالمعارك.
قالتها فرحه مشاكسه عند دخول "رامي"..
جهزت "فرحه" طعام الغداء و جلسوا يتناولون طعامهم سوياً وسط جو ملئ بالضحك و الألفه.
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
في بيت فخم جداً بحي راقي في القاهرة.
يجلس رجل الأعمال المشهور "أحمد إدريس" يتناول طعام الغداء برفقة شقيقته الوحيده "رضوي" التي بادرت بالحديث قائله بسخريه: أبله "نورا" كانت هنا من شويه!
ثم لوت شفتيها و قالت بنزق: كانت بتطمن عليا!!
نظر إلي شقيقته بإبتسامه و قال بصوته الرخيم:
و بعدين معاكي يا رضوي؟! مش قولنا بلاش كلمة أبله دي عشان بتضايقها!
قالت ساخطه: الله!! وهو أنا لما أحترمها أبقا كده بضايقها؟! هي بس اللي مأنزحه شويتين و مبتحبش تبان كبيرة في السن.
هز رأسه بملل و يأس و تابع: نفسي أعرف بتجيبي المفردات دي منين؟! و بعدين هي مش كبيرة هي عندها 33سنه بس.. إنتي اللي عشان بنت 18مفكره إن إحنا عجزنا خلاص.
قالت مصححه: لا يا حبيبي إنت لسه 32 سنه يعني شباب ده إنت أصغر منها.. و بعدين ده سن الشباب في أوروبا بيبدأ من ال60 يعني إنت بالنسبة لهم لسه بيبي!
ضحك ملء فمه و قال: طيب يا لمضه إتفضلي يلا علي مذاكرتك و أنا هدخل أنام شويه لأني خلاااص هلكاان!
دلف إلي غرفته و ألقي بجسده إلي الفراش و أغمض عينيه بإنهاك ثم غطّ في النوم.
ذهبت "فرحه" لمساعدة "بدر" في أداء واجباتها.. دخلت إلي غرفتها فوجدتها تستلقي إلي الفراش بإهمال.. قطبت حاجبيها و ذهبت إليها قائله: مالك يا بدر البدور نايمه كده ليه؟!
نظرت إليها "بدر" بـوهن بادٍ علي ملامحها و أشارت إلي موضع قلبها و قالت: الحته دي بتوجعني أوي يا "فرحه".
إنقباضه أصابت قلبها لشكوي أختها ذات الـ عشر ربيعاً و لكنها تجاهلتها و قالت: بعد الشر عليكي يا حبيبتي تلاقي بس من كتر الشقاوة و الجري في المدرسه.. يلا قومي عشان نكتب الواجب.
قاطع حديثهما نداء والدها بإسمها فـ نزلت للأسفل تتساءل عمّا يريد فوجدت" رجب"إبن عمها يجلس برفقة والدها فصافحته و قالت: نعم يابا.. تؤمر بحاجة؟!
_مش تسألي خطيبك يشرب إيه يا فرحه يا بتي؟!
نظرت "فرحه" إلي "رجب" و قالت بإبتسامة: تشرب حاجه يا رجب؟!
_آه.. إعمليلي شاي و سيبينا لوحدينا شويه!
أومأت بموافقه و ذهبت ثم أعدّت كوبان من الشاي و عادت تحملهما فإلتقطت أذنيها قول "رجب": يبقا علي خيرة الله يا عمي آخر الشهر الجاي ان شاء الله نعمل فرح صغير كده علي قدنا.. إنت عارف الظروف يا عمي و اللي نصرفه في الفرح و الكلام الفاضي ده نستثمره و يجيب فلوس أكتر.
لم ينتبهوا لتلك التي تقف تنصت لهما بأعين دامعه إلا عندما سقطت منها أكواب الشاي.
نهض" رجب"فجأه و هرول إليها قائلاً: مش تمشي علي مهلك!
رمقته بغيظ ثم أطلقت ألسنة اللهب خاصتها و قالت: بجد؟! هو إنت شايفني ماشيه أترقص؟! و بعدين فرح مين اللي آخر الشهر؟! خير؟! عندنا عرايس من بنات عمي و أنا معرفش؟!
قال بخيلاء: لا.. فرحنا.
رددت مستنكرة: فرحنا مين لا مؤاخذه؟!
_يه!! فرحنا أنا و إنتي يا مخبوله!
=ده اللي هو ازاي يعني؟! داهيه لتكون كنت بتتكلم عننا بردو لما قولت هنعمله علي الضيق و مش عارفه إيه!
_آه أومال بتكلم عن مين يعني؟!
=لااا يا رجب أنا ميمشيش معايا الكلام ده!! إذا كنت عايز تتجوز آخر الشهر يبقا تعمللي فرح و زفه و مغني و ليله كبيرة و تجيبلي عوالم كمان!
_يه!! عوالم؟؟!!!
=امممممم عوالم.. هي زهرة أختك أحسن مني في حاجه؟! ده محسن كان جايبلها 4عوالم و جوز مغناوتيه و فضلوا طول الليل يرقعوا دن دن دش جمب وداني.
_و إنتي عايزاني أجيب عوالم؟! عايزة الناس كلها تقعد تبحلق فيهم و أنا أشيل الذنب؟! عايزانا بنبتدي حياتنا و أحنا بنغضب ربنا؟!
قالت مستهزءه: و إنت لما كنت واقف تنشف للرقاصه أم عين و عين عرقها مغضبتش ربنا؟! و لما روحت بنفسك جيبتهم من الموقف برجليك اللي إن شاء الله هتنشل يوم القيامه دي مغضبتش ربنا؟! ولا إنت عايز توفر علي قفا فرحه و خلاص!
إحتد النقاش بينهم كعادتهم فتدخل والدها قائلاً: خلاص يا فرحه إطلعي إنتي فوق دلوقتي.
رمقت ذاك الذي يغلي و يزبد بغضب عارم ثم تركته و خرجت إلي "الحقل" الخاص بهما.. إفترشت الأرض الخضراء و سحبت شهيقاً قوياً و كأنها تريد أخذ كل هواء الأرض داخل صدرها ثم زفرته محمل بكل ما يعتمل به صدرها من ضغط و ألم و فقد و إحتياج.
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
أيقظه من نومه رنين هاتفه المرتفع فأجاب بصوت ناعس: أيوة يا نورا؟!
_معقول يا أحمد لسه نايم؟!
=هي الساعه كام دلوقتي؟!
_الساعه 8ونص.. لسه ساعه علي ال meeting يدوب تلحق تجهز و تيجي عشان نكون في إنتظارهم.. دول أتراك يا أحمد و أهم حاجه عندهم الإنضباط في المواعيد.
قلب عينيه بملل و قال: خلاص بقا يا نورا فلقتيني أتراك أتراك.. مالهم يعني الأتراك ما هم ناس زي أي ناس.
قالت بضيق: إيه فلقتيني دي؟! إنت بتجيب الكلام ده منين؟!
_خلاص يا حبيبتي.. نص ساعة و هكون موجود.. سلام.
أغلق الهاتف زافراً و تمتم بداخله: مش عجباكي فلقتيني؟! أومال لو سمعتي متأنزحه بقا هتقولي إيه؟!
بدّل ملابسه سريعاً ثم إتجه إلي الفندق المقام به الإجتماع.. تقدم من الوفد التركي و صافحهم ببرود يلائم لون بشرتهم ثم جلس و بدأوا يتناقشون حول أعمالهم و مشاريعهم المشتركه إلي أن إنتهي الإجتماع بالإتفاق معه علي السفر إلي "تركيا" لزيارة مقر شركتهم و مشاركتهم إفتتاح مجموعة الشركات الخاصه بهم.
كانت فرحه تطمئن علي إخوتها كعادتها يومياً قبل الذهاب إلي النوم.. مرت بغرفهم جميعاً ثم ذهبت إلي غرفتها التي تشاركها بها "بدر" أثناء النوم فإستمعت إلي أنينها.
هرولت إليها فوجدتها مسچاه علي الأرض.. صرخت بفزع و رفعتها عن الأرض مناديه بإسمها و لكن لم يأتها جواب.
ذهبت سريعاً إلي غرفة"رضوان" فأيقظته بهلع ثم ذهب معها لرؤية شقيقته و هوي قلبه أرضاً عندما رآها هكذا.
حملها سريعاً و ذهب بها إلي المشفي برفقة "فرحه".
فحصها الطبيب بعناية ثم نظر لهم بإستياء و قال: للأسف أنا شاكك في حاجه و يا رب متكونش صح.. بس هنستنا الأشعه و بعدها نشوف.
بعد مرور بضع ساعات قضاها كلاً من فرحه و شقيقها رضوان في إنتظار ظهور نتيجة الأشعه..
رضوان: ها يا دكتور طمنا الله لا يسيئك.
الطبيب: للأسف شكوكي إتأكدت ده تلف في صمامين في القلب و للأسف الحاله متأخرة و لازم العمليه تتعمل في أقرب وقت و للأسف مينفعش تستني تعملها في مصر.. لازم تسافر تركيا!
رضوان و فرحه: تركياا؟؟!!
أومأ الطبيب قائلاً: حاليّاً، بقت عمليات القلب المفتوح بتتسمّي بعمليات القلب التقليديّة، و ده لظهور نوع جديد من العمليات اللي بتتعمل على القلب من غير فتح تجويف الصدر، باستخدام الروبوت الجراحي، إسمها عمليات القلب طفيفة التدخُّل.. و النوع ده من العمليات مش بتتعمل غير في تركيا و حالة بدر لا تحتمل أي تأخير يعني لازم بكرة تكون مسافرة عشان علي أقل تقدير بعد بكرة تدخل عمليات و متنسوش إنها لما تسافر المستشفى هناك لسه هيعملو لها فحوصات و تحاليل هتاخد وقت فياريت تنجزوا.
أومأا رضوان و فرحه و غادرا المشفي بحيرة و ضيق.
_يا بنتي الله يهديكي بطلي عياط و إفهمي..إنتي مفيش عندك ورق تسافري بيه و الورق هياخد كام يوم علي ما يطلع و مش معقول بردو هنستني لحد ما الورق يطلع عشان تسافري معانا.
قالت فرحه ببكاء:و إنت عايز حته من قلبي تبقا في حالة زي دي و انا بعيد عنها؟!
قال رضوان:يا حبيبتي إفهمي..أنا هسافر الليله لأن ورقي جاهز من أيام سفرية الكويت و إنتي هتستني لما"رامي" يخلصلك ورقك و تحصلينا و هو طبعاً مش هينفع يجي معاكي لأنه متخلف عن الخدمه العسكريه بسلامته..والله العظيم انا لولا عارف إن بدر مش هتسكت من غيرك مكنتش خليتك تحصليني خصوصا إنك هتيجي لوحدك.
جهزت فرحه حقيبة "بدر" و ودعتها بالكثير من القبل و الأحضان المصحوبه بالدموع.
بعد مرور أسبوع...
ودّع "أحمد"شقيقته بعد أن أوصاها بنفسها خيراً و قال:خالتو هتيجي كمان ساعه عشان تقعد معاكي متغلبيهاش و بلاش لماضه و أنا إن شاء الله كلها يومين و ارجع.
إحتضنته و قالت:تروح وترجع بالسلامة.
و غادر منطلقاً نحو المطار إلي تركيا.
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
_خلي بالك من نفسك يا فرحه..و متقلقيش أنا هستناكي في المطار..و بدر بتبعتلك بوسه كبيررره و بتقولك هي بقت كويسه الحمدلله.
=طيب و بدر هتسيبها لوحدها؟!
_متقلقيش هنا المستشفي أمان و كل حاجه مترتبه أصلاً المستشفي مش بعيد عن المطار و هي إتصاحبت علي الممرضات و بيلعبوا معاها كمان..إنتي نزلتي مصر؟!
=أيوة وصلنا من ساعة..و الطيارة بكرة الساعه 7إن شاءلله.
_إن شاء الله..تيجي بالسلامه.
في صباح اليوم التالي إستعدت"فرحه"للسفر و رافقها شقيقها إلي المطار حتي صعودها إلي الطيارة و إقلاعها ثم عاد أدراجه.
دخلت"فرحه"إلي الطيارة تجول بعينيها في أنحاء الطيارة حتي وقع بصرها علي مقعد فارغ علي يمينها..ذهبت إليه و حدثت ذاك الذي يجلس بزهو قائله:بعد إذنك.
رفع نظارته عن عينيه و هز رأسه بتساؤل فقالت:عايزة أقعد جمب الشباك.
نظر لها بتعجب و تجاهلها فأعادت نداؤها:لو سمحت.
تحدث بضيق و قال:نعممممم!لو ده مكانك إتفضلي إقعدي من سكات و خلصينا.
قالت بصوت عالي نسبياً:إنت بتتكلم كده ليه يا أفندي إنت؟!بقوللك عايزة أقعد جمب الشباك!
صرخ بها بنفاذ صبر قائلاً:تقعدي جمب الشباك إيه يا بتاعه إنتي هو إحنا راكبين أوتوبيس؟!إترزعي في أي حته خلينا نخلص!
جلست بجانبه علي مضض و ظلت ترمقه بنظرات جانبيه حانقه ثم أسندت رأسها إلي الخلف و أغمضت عينيها.
إتسعت عينيها بفزع عندما إستمعت إلي صراخ كابتن الطيارة و قد أعلن حالة الطوارئ على متن الطائرة ثم قال: "ليس لدينا وقود"، وتابع: "لدينا مشكلة تقنية كبيرة"، ثم صرخ مخاطباً برج المراقبة: "ساعدونا.. نحن نسقط".
مستنيه رأيكوا و كومنتات كتيير يا وحوش الكون
غريق_علي_البر