رواية المتحول الوسيم الفصل الخامس 5 بقلم سارة منصور
توقف الزمن عندما مرت تلك الكلمة على أذناه ، فقد تمناها كثيرا ، لكن ، لما يشعر بطعنة تخترق قلبه وتترك له الألم .. الذي غطى عيناه عن العالم أجمع ...وترك له رؤية دموع والدته فقط ... تسير ..بغزارة ... أهى دموع الحسرة ..أم الفرحة .
تركت الطعنة فى نفس الوقت ، ألما شديدا لم يستمر سوى دقائق ،ومن ثم تلاشي ... افقده الاحساس بكل شئ ؟
أم أن قلبه انفطر كثيرا ولم يعد به أحساس بالدنيا .
تجمعت العائلة امامهم بملابس سهرة ، وعلى وجههم مساحيق التجميل ، يهتف البعض بعدم التصديق ،ولما ، والاخرون يضربون أيديهم فوق بعضها بزهول .
لم يرى ولا دمعة تسقط على جفونهم ، ولا حزنا ، ولما هو مندهشا منهم ، فهو الاخر لم تسقط منه ولا دمعه واحده . فقط هذا الشعور الغريب، الذي ينقل الى عالم لا تعرفه ورياح داخل قلبه تمر ذهابا وايابا،
الاشد غرابة أنها تشعره بالراحة ..
مازال جالسا على الارض وأمه بأحضانه دافنة وجهها فى صدره ، وهو ..ينظر حوله لاولئك الناس...يراقبهم .
وخاصة صاحب العيون الرماديه (أدم) ، الذي ينظر اليه بضيق وكأنه يريد أن يحطم وجهه .
وهل له ذنب ان أباه توفى فى يوم زفافه ، وأنقلاب الفرح الضخم الذى كان يصمم داخله بأحدث مدخلات الزفاف لأكثر من ثلاث شهور ... الى مأتم .
لن ينسي أبدا الدمعة الوحيده التى عبرت على خد عمه ناجى حتى شعر بمرارتها .. وكميه ألمها ..
وعن دمعة هذا الشخص الذي أمسكه واقامه من الارض وأجلسه على كرسيا .. ينظر اليه بشفقه .. ودموعه تجرى على خديه .
وهو يراقبه عن قرب ، العينان التي راى فيهما الرعب وعدم الامان طويلا ، الان يراهم تزرف الدموع
... دموع صادقة ، حزينة . لأجله !!!!
_ خليك قوى ياصحبي ، انت مسؤل دلوقتى عن أمك .. متضعفش قدامها عشان متتكسرش اكتر ، وأنا معاك لو أحتاجت أى حاجة ..
فى تلك اللحظة نزلت دمعة من عيناه الزرقاء ،وهو يرى لأول مرة يد اخرى تربط عليه ، وتقوم باحتضانه ...
اهو مرغوب بأن يكون صديقا لأحد ، اسيجد أحد يقف بجانبه .. أسيكون بين هاتين الزراعين فى كل مرة يحتاج اليهما .
****
اسبوعا كاملا ينام فقط فى أحضان والدته ، لايفارقها ولا تفارقه ، لايتحدثون مع بعضهم سوي قطرات دموعها التى أثارت عيناه بدموع الحزن عليها .. وعلى حالتها التى تدهورت ...
_ تعرفي ياسمين ، مكنتش أعرف أن هزعل عليه كدا يابنتي ، قلبي وجعنى عشانه .. مكنتش أعرف أنى هفتكر الحلو كله ..
...... الحاجه الوحيدة اللى مصبراني ، أنه مات قبل مايأذيك ويغضب ربنا يابنتي ... ساعتها كان ..... ظلم نفسه وظلمك معاه...
.... يلا ربنا يغفرله .....
_ عشان خاطرى متعمليش كدا فى نفسك ، معتيش تعيطي ... أنت بقالك فترة سخنة أوووى ومش بتبطلى تكحي ... أنت ختى الدوى ...ولا أجيبه ليك ..
_ خته ، خته ياحبيبتي ، أنا كويسة .... قالتها الام وهى تربط على كتفى إسلام ، وكلما تنظر اليه تسقط الدموع ، تريد أن تخبره أنها تبكى لأجله هو ، وعلى حياتها التى جرت مسرعه ، وطفولتها التى كانت بقبضت والدها المحكمة ...
لكن الان تحررت ، هتنهدت ... وقالت
_ ياسمين ...أنا هقول لعمك ناجي على كل حاجه ، وهو هيساعدنا ...
_ ابوس ايدك ياماما بلاش ، سبيني أختار حياتي
_ أنت .... قالتهاالام لتنفعل ببكاء ، ترك أثر فى قلبه هو الاخر .
علا صوت الجرس يدوى ، مسحت دموعها وقامت لتفتح الباب مسرعة.
تغيرت قسامتها وهى تنظر الى نجوة وزوجها عم اسلام الكبير .فكانت تعتقد أنه أخ زوجها( ناجى) ..
وبعد أن جلسوا أمام بعضهم .. قالت نجوة ..
_ منجلكيش فى وحش أبدا ياست رحمة ، البقاء لله يااسلام يابني ...
هتف العم
_ أنا بقول ليه يااكرم تزعل نفسك ، ايه ياعني لما خسرت 500 الف ، دا حتى الرجال اللى اسمه .....أأأه .... الإمام دا شريك ناجى أخويا خسر من البنك 50 مليون .. والراجل زي الفل ..
لايعرف أن بكلامه هذا فتح عمق الالم من جديد فى جسديهما ، تذكرت رحمة زوجها قبل وفاته ،عندما كان جالسا على فراشه يبكي ويصيح أن تعب عمره الذي أكل صحته ، ضاع فى ثوان . ووجع قلبها الذي نمي عندما وجدته غارق فى دموعه يتمتم بكلمه (ابني ) (اسلام ) ،و لا يستجيب لصوت صياحها ... ليصمت للأبد ،وتنقطع أنفاسه بحسرته ...
قالت نجوة
_ شهيد لقمه العيش ياحبة قلبي ، كان يطلع من الشغل بتاعه على شغله التانى والثالث ..
مضي وقت على صمتهم الطويل ، وعلى شهقات رحمة المتواصلة .. على حال زوجها وابنتها .. التى قطفها بصحته وعمره ، واردا أن يقتلع أوراقها ... لكنه مات زليلا ، متألما ..
قطع صمتهما العم وهو يقول ..بعد أن لكزته زوجته عدة مرات فى قدميه حتى يتكلم
_ ياست رحمة ... المرحوم قبل مايموت ، باع الشقة دى وقالى أنه محتاج الفلوس ضرورى ، وأنا أعطتله الفلوس لأن كنت ساعتها بدور على شقه لابني عشان يتجوز فيها .. وزى ماأنت شايفه أبنى لقى عروسة وعاوز يوضب شقته .
فلو ... يعني ...
لاحظ العم تغير قسمات زوجة أخيه رحمة الى الاحمرار الشديد ...
فأردف
_ هو أكرم مقلش ليكى ولا ايه ..؟
فجأة علا صوت شهقاتها تطالب بالهواء ، انخلع قلب اسلام عليها .. وهو يراها بتلك الحالة وهى تفقد وعيها تماما ...
****
عض على شفتيه حتى نزفت بالدماء، يحاول التماسك فهو الأخر يشعر أن اخر نفس سينهى حياته قريبا وهو ينتظر الطبيب ..
_ للاسف الحالة دخلت فى غيبوبة سكر ، وبنحاول على قد مانقدر ،الامر بيد الله ادعولها ..
_ ونعم بالله يادكتور ،ياعيني عليكي يارحمة ياحبيبتي ، هتروحي فيها وجوزك لسة ميت من كام يوم ..
هتفت بها نجوة ....
فرد عليها زوجها
_ اخرصي ياولية .... الست فى غيبوبة ... ان شاء الله تفوق ....
لم يشعر اسلام بقدماه وهى تسقط على الارض ، وعلى صوت صياحه بالبكاء يدوى فى ارجاء المشفي . فلم تعطيه الدنيا السعادة ، بل سحبت منه أوصاله التى كانت سبب فى الحياة ..
داخله يناجى ربه ..وشفتاه ترتعش بالخوف ، وقلبه يتمزق مع كل نبضة..
_ يارب مليش غيرها ، احفظهالى ليا .. أنا ممكن اموت بعدها .. مش هستحمل فراقها ابدا ...
...يارب ... يار ب...
تمضي الايام ، تاركه أوجعها تزداد، داخل كيانه تمزقة مع كل شهيق يدخل رئتيه .
يظل فى المشفي ولا يخرج .. منها الا عندما يأتى الامن ليخرجه ... يطلب رؤيتها ،ولو دقيقه واحدة ... لكن الرفض يأتى فى كل مرة ..
وبصعوبة تامه سمح له بالدخول لعدة دقائق ، تحت توصية كبيرة من عمه ناجى الذي أشفق على حالته ...
_ ماما ..متسبنيش .. أنا محتاجلك ... انت وعدتنى تفضلى معايا .. قالها وهو يمسك بيديها وتتساقط الدموع على تغطيته المعقمه ...
يراها كالبدر المضئ فى ليلة ظالمة ، تكون هى وجه السعادة تلطف بضوئها الساحر الممزوج بالامان ... برغم تدهور حالتها الصحية ، الا أنها فقط تزداد جمالا ، تطرق ذكرياته لها وهى تمنع والده من ضربه .. وتتلقى هى الضرب .. وعن أخبارها الدائم له .. أنها فتاة جميلة ..
فيتحطم قلبه أكثر ، وهو يخبره أنه لو لم يأتى لم تكن التعاسة حظها .، ولم يكن المرض يحوطها ...
تمنى لو يعود الزمن وتخرج روحه فى وقت ولادته ، كانت لتكون سعيده مع أبيه الان ...
***
طوال النهار والليل يبقي معها ، وفى جنون الليل يذهب الى غرفته المظلمه التى فرشت الدموع داخلها باشواك الماضي .. وبقي اثارها فى كل شئ .
فتح هاتفه المحمول ليري 100 رساله نصيه و300 اتصال لم يصله ..
كلها من شخصا واحد (رامى ).
(إنت فين يابني ، مختفى ليه )
(جتلك البيت ميه مرة ، وانت مش موجود )
(أدم قالى على والدتك ، أنا أسف ، هتخف وهتبقي كويسة متقلقش )
(روحتلك المستشفي ومش عارف أوصلك )
أغلق هاتفه ، وألقاه فى الجدار فتحطم ...
فى تلك اللحظة رن جرس المنزل عده مرات ،لايريد مقابلة أحد ، لكن ، يستمر الطارق فى النقر عليه ...
أقترب من الباب ، وبعيناه شعله ، لن تنطفئ أبدا ..
_ أنت فين يا اسلام ، أنتوا كويسين يابني . قالتها نجوة .. وعلى وجهها الخبث ، يحمل كلمات يعرفها جيدا .
_ لا مش كويسين ، نعم ..
انقلبت قسماتها الى الضيق وهتفت .. بص يااسلام ، أحنا مش مجبرين ننتظر أكتر من كدا أبني عريس وعاوز يفرح ...
رد عليها اسلام مقاطعا
_ أنا هسبلكم الدنيا أنا وامى عشان تفرحوا أكتر .
قالها وهو يلقي بمفتاح الشقه على الارض ، ويمشي بسرعة من أمامها تاركا البيت بالكامل .
مشي على الطريق العام ، لايري لايسمع .. فقط ذكريات حياته تمر عليه مرارا وتكرار ، لاشئ سعيد ..لم تفرح والدته ، بل لم يجد الفرح طريقها ابدا ،فقط أبتسامات كاذبة .. تعطيها له ... كيف لم يعرف أن وراء تلك الابتسامه الم ينذف بالوجع .
وصل الى البحر ، نظر اليه طويلا، حتى مر الليل باكمله على عيناه المستيقظة الغارقة بهالاتها السوداء ،حتى ارتفعت الشمس تخاطب قلبه الحزين .. بأن يصمد .. لأجل والدته .
رجع الى شقته ليري ان محتويات البيت كلها بالخارج .
والعمال يخرجون باقى الحاجات ، تسأل ما بال حقدها وسوادها ليجعلها تخرج كل أثاث البيت طوال الليل .
هل سمعت الكلمات التى قالها لها ولم ترى الوجع بكل حرف .
اتجهه الى خزانة والدته واخذ ملابسها فقط واتجهه فى طريقه ... لايعرف الى اين ...فقط يمشي عده ساعات ، ليري أنه وافقا أمام منزل عمه ناجى ..
_ ملقتيش الا هو ، تروحى عند الأسد برجلك ... هاهاه ، بس عندك حق ماانت ملكيش حد غيره .
قالها اسلام مخاطبا قدميه التى أتت به عند منزل عمه .
تنهد وهو يصعد الى المنزل ليقابل عمه ناجى ، الذي رحب به كثيرا .
_ والله كنت جايلك ، لسه من شوي عمك قالى أنك سبت الشقه وبعتها ليه استغربت جدا وقولت لازم أشوفك ..
_ هو قالك كدا ياعمي؟ ، ابويا اللى باعها له ، وانا دلوقتى معنديش حته أعد فيها .
شعر ناجي بالم الذي بحروف اسلام ، فتنهد بحزن وقال
_ بيت عمك هو بيتك الاول مش التانى كمان، أنت زي أدم عندى والله ، ومتقلقش الدكتور طمني على والدتك .. حالات كتير بيحصل كدا وبيقوموا على طول .. ادعيلها انت بس ياحبيبي
قالها ناجي وهو يربط على كتف اسلام ، الذي فاضت عيناه بالدموع الكسرة ..
فأردف ناجى
_ الواد أدم أتجوز وأوضته القديمه فاضيه .. خدها أنت وارتاح فيها ..
واى حاجه تعوزها قولى ....
...ياعم توفيق ....تعالا خد اسلام وديه اوضه ادم ..
... أنا ياحبيبي دلوقتى رايح شغل ضرورى ...
..... صحيح ... نسيت اقولك ...
أدم فتح صيدلية جديده ، فى منطقة المهندسين ، قولتله محدش هيمسك الحسابات غير اسلام ...
... أطلع أطلع لما أجى بينا كلام كتيير ...
...يلا ياحبيبي مع السلامه ....
لم يستطع اسلام الرد على كلام عمه ناجي ، فالفرق بينه وبين أبيه وأخوته كالسماء والارض .
وعيناه التى تنبعث منها الحنان الابوى ، الذي لم يشعر به أبدا ألقى فى قلبه الراحة ، وأن زاد خوفه من أدم الذي يقطن فى الاعلى مع زوجته لبني ..
حدث نفسه بأن ذهابه الى الصيدلية أفضل له وأن كان أدم بها، مع البقاء مع أعمامه الحاقدين الذين يراقبونه ليلا ونهارا ..
خرجت من فمه ضحكه ساخرة وهو يقول
_ الضباع مستنياني فى كل مكان أروحه ...
تنهد وأردف
...يارب أنا مش عاوز حاجه من الدنيا دي ، غير أمى تكون بصحتها ، هستحمل أى حاجه بس أمى ترجعلى ...
وفى الليل تقلب اسلام طويلا على الفراش ، ينتظر غبار النوم ينتشر داخل عيناه ،فلم ينم منذ شهر كاملا ، وبالفعل جاء النوم يملا جسده بالانهاك مع ثقل الليل .
وضاع منه فرصه ان يستمع الى المشاحنات التى تأتى من الدور العلوى بالصياح وتكسير الاثاث ،حتى انه لم يشعر بذلك الذي يقفز من شرفته العلوية الى شرفته بغرفته القديمة .... ويزفر بقوة ..
أستلقى على فراشه الكبير يتقلب فيه ويسب كل شئ .. حتى أنهكه التفكير ونام لتذهب روحه الى عالم الاحلام ...
تسللت شمس الصباح الى شرفته ترتسم على عضلات بطنه السداسيه ..
فاستيقظ قليلا .. يتقلب فى اتجاه اليمين . ليلمس جسدا نائما يمتلك رائحة نالت من قلبه وصبت داخله بالحنين ..
_ لبنى .... ياوحشه ... مش هسامحك برضه .. قالها وهو يقترب منه ويدخله فى احضانه وينفث على رقبته بهوائه الدافئ.. ويمرر يده على جسده ..
..... أيه دا أنت طولتى أمتى ...
فجأه أنفتح عيناه ، وقام من جلسته منتفضا بصدمه .. وهو ينظر الى أكثر وجهه يكره ....
_ ماما متسبنيش .... متسبنيش .. ماما ..
تمتم بها اسلام وهو نائما ... لتمر على أذن ادم كالضربه القاضية .، فنبض قلبه بجنون ، وأنتفض مسرعا الى شقته فى الدور العلوى ... وهو يكز على أسنانه ....بضيق حاد ...
***