رواية عبث باسم الحب الفصل الثاني 2 بقلم رحمة سيد
عبث باسم الحب
الفصل الثاني :-
لم تنطق رهف وإنما كانت تحدق بعينين مهتزتان في قناع زائف من الثبات، في عيناه التي بدت لها وحشية وهو يرمقها بنظرة حادة مُحذرة، فابتلعت ريقها بتوتر والخوف كالزلزال يهاجم دواخلها حتى فقد قلبها القدرة على الاستقرار والهدوء، ثم حاولت بصعوبة أن تُجلي صوتها الذي كان وكأنه يأبى الخروج:
-سامعة.
حينها عاد مروان خطوة للخلف، وكأنه يعلن هدنة في الحرب الصامتة التي دارت بين عيناهما، قائلًا في خشونة:
-اول حاجة لازم تعرفي إني متجوزك عشان أنا عايز أتجوز وأستقر، مش عشان أي أسباب تانية في دماغك.
ثم رفع اصبعان من أصابعه يشير لتلك الاهتزازة المستفزة في عينيها متابعًا:
-يعني الخوف اللي في عينيكي دا ملهوش داعي.
فحاولت رهف أن تهتف مناقضة ما تبوح به عينيها:
-أنا مش خايفة على فكرة.
ثم هزت كتفاها وأكملت وهي تتحاشى النظر لعيناه المترقبة:
-بس الطبيعي إني أكون متوترة زي أي واحدة من تجربة جديدة وحياة جديدة بالنسبالي.
-فعلًا ؟
تمتم بها مروان متهكمًا كداخل رهف والذي ناصر مروان فسخر منها ومن حروفها التي كانت مُغطاه بالثبات والثقة بينما وجهتها الأخرى مُصداه بالخوف الذي أصابها منذ ظهر مروان في منزلهم لأول مرة..
انتبهت لمروان الذي تنحنح وهو يخبرها بنبرة رجولية هادئة ثابتة:
-أنا عايز ابدأ معاكي حياة جديدة هادية يا رهف زي أي زوجين طبيعين.
صمت برهه ثم اكمل معترفًا وهو يهز رأسه:
-أنا عارف إننا جوازنا جه في ظروف مش حلوه خالص بالنسبالك، وإنك كنتي مضطرة توافقي عليا حتى لو في اعتراض من جواكي ناحيتي.
ثم حان كلامه قليلًا نحو الضفة التي انغرست فيها رهف مكتومة الأنفاس ولم تخرج منها حتى تلك اللحظة، فقال:
-لكن أحنا خلاص اتجوزنا، عايزك تنسي كل اللي فات، وهنبدأ صفحة جديدة، وكأن النهارده أول يوم هنعيشه.
-بس أنت أصلًا آآ......
كادت رهف تتمتم معترضة بالشيء الذي سيبهت مؤكدًا على بياض الصفحة الجديدة التي سيحاول كلاهما فتحها...
ولكن مروان قاطعها دون أن يجعلها تكمل:
-عارف هتقولي إيه، بس اعتبريه محصلش، عشان انا وانتي نكون مرتاحين.
لم ترضى كل الرضا بما قاله، ولكن شيء خفي انبعث من كلامه محررًا نفسها المُقيدة بسلسال الخوف قليلًا..
فسألها مروان مؤكدًا وكأنه يود التأكيد على الميثاق الذي خطه منذ دقائق فقط بينهما:
-هتقدري تعملي دا يا رهف ؟
كان يقصد هل ستستطع نسيان كل ما مضى، وطريقة زواجهم، وتبدأ معه صفحة جديدة، ولكنها اعتقدت أنه يقصد قدرتها على نسيان النقطة الاخيرة التي قاطعها فيها والتي تؤرقها، فهمست تهز رأسها في خفوت:
-هحاول.
لم تؤكد... لم توثق الرابط الذي يحاول خلقه بينهما، مازالت تُقدم قدم نحوه وتؤخر الاخرى!
هكذا فكر قبل أن ينفث الشيطان النار على بارود أفكاره؛ هامسًا له أن ترددها هذا ليس له إلا سبب واحد..!
فلم يشعر مروان بنفسه سوى وهو يقبض على ذراعها في شيء من العنف يسألها بهسيس خافت خطير:
-لسه بتحبيه ؟
بوغتت حرفيًا من سؤاله وحركته المباغتة، لم تتوقع أن يطرحه اليوم... بل الان تحديدًا !!
يبدو أنه يحاول طي صفحة الماضي بكل لطخاتها...
مرت في عقلها لمحة سريعة من الماضي كانت نواة الكره التي تفجرت بين حروفها وهي تجيب مروان الذي كان متهافت لتلك الاجابة:
-أنا دلوقتي مابكرهش في حياتي قده، وأكيد أنت متخيل كويس حاجة زي دي.
بدأت أصابعه تنساب من على ذراعها ببطء، واجابتها كانت المياه التي اطفأت ذلك الحريق المشتعل داخله، فزفر بعدها مبررًا سؤاله المندفع في غضب:
-كان لازم كل حاجة تبقى على نور من أولها، عشان من النهارده مفيش أي حاجة هتستخبى بينا مهما حصل.
قال أخر كلماته بشيء من التحذير الذي استبطنته رهف المستعمة في صمت وتركيز لكل حرف..
فأومأت برأسها مؤكدة، رافعة كافة رايات الاستسلام لكل ما يُرضيه ويُريحها في حياتهما القادمة.. داعية الهدوء والسكينة ليغمرا حياتها التي عاث فيها الماضي فوضى ضارية..!
فارتفعت شفتا مروان في ابتسامة مرتاحة؛ معلنة نجاحه في "الحبو" في منطقة علاقتهما.
ثم أردف وهو يشير برأسه نحو الفراش، ملقيًا اشارة مُبطنة بين كلماته، لم تخفى عن رهف:
-يلا غيري هدومك و ننام شوية بقا عشان نرتاح من المجهود.
اومأت رهف برأسها ولم تنطق، ثم تحركت نحو الدولاب تنوي انتشال اقرب "منامة" محتشمة نوعًا ما تستطع ارتدائها بدلًا من قميص النوم الذي لا يستر شيئًا والذي جهزته لها والدتها مسبقًا..
وما إن لمحها مروان وقفت أمام الدولاب وكادت تفتحه، حتى تحرك نحوها وأصبح خلفها مباشرةً، فباغته رد الفعل باهتزاز جسدها تلقائيًا ثم تصلبه كالشمع ما إن مسها جسده الذي كان شبه ملتصق بها، ثم همسه الرجولي عند اذنها مباشرةً وأنفاسه تداعب جانب وجهها ورقبتها فتترنح نبضات قلبها مُثقلة بشعور غريب يدغدغ الأنثى داخلها مذيبًا عنها الجليد الذي يغلفها منذ بداية تلك الزيجة:
-رعشة جسمك كل ما أكون قريب منك دي ملهاش داعي لأني بقيت جوزك.
ردت رهف في صوت مرتعش مبحوح كجسدها الذائب أمامه:
-ماشي بس غصب عني لازم أتوتر لأني مش متعودة إن أي راجل يقرب مني.
فأحاط مروان خصرها بذراعه يحتوي جسدها الغض بجسده الصلب متعمدًا الاقتراب منها أكثر، يتحداها ليقتل تلك الرعشة المستفزة بجسدها وكأنه يعلن الرفض الذي لم تنطقه، فيما تهدجت أنفاسها هي مبتلعة ريقها بتوتر اكبر.
ليتابع هو في خشونة رجولية:
-بس أنا مش أي راجل، أنا جوزك، يعني من حقي أقرب منك في أي وقت وبأي طريقة وماحسش إنك خايفة وكأني هاكلك!
فناطحته بجملتها المُصرة رغم نبرتها التي كانت واهنة بعض الشيء:
-قولتلك انا مش خايفة.
قرر مروان أن يُغير الموضوع فسألها مستفسرًا:
-انتي كنتي بتعملي إيه؟
أجابت في تردد:
-كنت بجيب بيچامة عشان ألبسها.
قال مروان بحزم قاصدًا انتشالها من بقاع الرهبة والخجل المطلق تجاهه:
-متهيألي إنك عروسة، والعروسة ليلة فرحها بتلبس اللبس اللي متجهزلك على السرير دا .
شعر بالتجهم متبوعًا بشيء من الاعتراض والتردد يتشعبا بين ثنايا وجهها، فأكمل دون تردد بصلابة وإصرار:
-من يوم ما أسمك إتحط جمب أسمي، وخلاص كده أنسي أي حواجز او حرج بيننا.
فشعرت رهف حينها أن التوتر جعل أحبالها الصوتية كالعقدة لا تستطع فكها لتنطق بأي كلمة، ولم تكن تملك سوى تلك الايماءة الموافقة من رأسها..
فتحرك مروان نحو الفراش يبدأ هو بالخطوة الاولى ويُحدد لها باقي الخطوط التي ستسير عليها كالطفل..
ثم تمدد على الفراش، يضرب على الفراش برفق جواره مغمغمًا وهو ينظر لها مازالت واقفة:
-يلا غيري وتعالي.
فأومأت برأسها، ثم تشدقت بـ:
-تمام.
هز مروان رأسه مُريحًا جسده على الفراش مغمضًا العينان يتنهد في ارتياح..
بينما رهف ما إن أغلقت باب المرحاض عليها حتى بدأت تتنفس بصوت مسموع، تعلم أنه محق في كل ما يقوله ويفعله، ولكن ماذا تفعل في ذلك الحاجز النفسي بينهما والذي يأبى أن يزول بسهولة، ولكنها رغم ذلك تحمد الله أن مروان بدد مخاوفها وشكوكها، لتحاول هي المضي قدمًا في تلك الحياة الجديدة دون أي عرقلة من الماضي.
خرجت من المرحاض وتوجهت نحو الفراش، لتتمدد جوار مروان الذي أحس بحضورها، وقاوم حدقتيه التي كانت تجاهد لتفصل بين جفنيه هيئتها الجديدة حتى على خيالاته!..
بينما هي نظرت لأعلى الغرفة للحظات صامتة تحاول أن تستدعي النوم، وبالفعل بعد دقائق قرر النوم العطف عليها منقذًا إياها من بؤرة أفكارها.
****
صباح اليوم التالي...
تفرق جفنا "رهف" حين شعرت بشفتا مروان التي كانت تداعب كل إنش بوجهها كالفراشات الخفيفة، فتحركت رأسها تلقائيًا نحوه وما إن قابلت عيناها عينيه حتى رأت فيهما ما كان يلمح به منوهًا بالأمس..
احتضن كفه الخشن وجنتها الناعمة يتحسسها بحركة دائرية ماهرة رقيقة من إبهامه، وعيناه السوداء مُسلطة على عينيها في لهفة ملتاعة بالشوق مقروءة بين سطور عينيه، وأصابعه لا تكف عن العبث وكأنه يتعمد إرخاء أعصابها المشدودة لتذوب تمامًا في استسلام انثوي بحت.
أغمضت عينيها حين مال بوجهه نحوها مستسلمة لقبلاته الخفيفة التي بدت وكأنه يستأذنها متسائلًا عن أي رفض؛ رغم يقينه بحتمية الحدوث.
ورغم أنها لا تجد أي سبب عاطفي بين جنبات قلبها للاستسلام له، إلا أنها أيضًا لا تجد سبب للرفض، هو ليس بشخص سيء بل هو أفضل رجل قابلته؛ هو مَن أنقذها من وصمة سوداء كادت تلتصق بها مدى الحياة.
بالإضافة لكونه زوجها وهذا حقه شرعًا، لذا لم ترغب أبدًا أن تبدأ حياتها الجديدة بمعصية لله.
ولأول مرة وبسيطرة من عقلها استطاعت لملمة بقايا التردد المتناثرة بين ثنايا عقلها، ودفنها في أعمق نقطة داخلها لتكتم ذبذباتها التي تشوش على سيطرة عقلها.. لتستسلم راضية بكل ذرة فيها.
وقد كانت تعي أن استسلامها هو أول نقطة في صفحات الحاضر، وأنها ربما لو رفضت لكانت ضربت عكر شياطين أي رجل، وأخرجت منه أعتى شياطينه ألا وهو "الغيرة والشك"...
بينما شعر هو وكأن أعاصير متضادة تتضارب داخله؛ أن شيء مهتاج مشتاق يحرق أوردته بحثًا عن الكمال؛ كمال نيل حقه وصك ملكيته.
وشيء أخر كالمفرقعات كان يهز قلبه هزًا مهددًا بإنفجار مشاعره المكتومة.. ولكنه دكها دكًا بسيطرة مُذهلة معيدًا إياها لنقطة اللاظهور، عالمًا أنه لو حرر تلك المشاعر، ربما تتصادم بهالة الجمود التي تحيط بـ رهف فتعود سهامها لتنغرز بقلبه مدمية إياه.
ازدادت لمساته جرأة في ظل استسلام رهف التام، لتقترب شفتاه بحثًا عن شفتاها في قبلة لم تكن مجرد قبلة؛ بل كانت دمغة... دمغة لقلبها المرتجف معلنًا صاحبه ومالكه الجديد.
****
ليلاً....
كانت رهف في المطبخ تعد شيئًا للعشاء، فارتفع رنين هاتفها معلنًا وصول إتصال من والدتها..
أجابت رهف على الفور هاتفة في اشتياق:
-الو السلام عليكم.
-وعليكم السلام، ازيك يا رهف؟
ثم سارعت في لهفة واضحة كعين الشمس تسألها:
-عاملة إيه يا حبيبتي؟
فهزت رأسها تطمئنها بهدوء:
-انا الحمدلله يا ماما كله تمام، انتوا عاملين إيه؟ وبابا ؟
نظرت "ثناء" تجاه "عماد" الواقف في صمت أمامها منتظرًا أن تبثه الاخبار ليطمئن قلبه، فهو رغم كل شيء ومهما حدث يظل أب.
ثم عادت لتسأل رهف في نبرة مبطونة بالشك والقلق:
-احنا كويسين، المهم طمنيني عنك، عامله إيه انتي وجوزك؟ حصل حاجة عكس الطبيعي يا رهف؟ وبيتعامل معاكي حلو ولا عمل حاجة؟
فنفت رهف بحرج:
-لا يا ماما كل حاجة تمام متقلقيش زي أي اتنين متجوزين، واحنا كويسين مع بعض الحمدلله.
فتمتمت والدتها مرتاحة:
-الحمدلله يا حبيبتي، ربنا يهدي سركوا ويسعدكوا ويبعد عنكم كل سوء.
-امين يارب يا أمي.
تنحنحت والدتها ثم بدأت تخبرها مبررة:
-احنا كنا هنجيلك أنا وباباكي النهارده لكن حبينا نسيبكم اسبوع على الاقل تكون حياتكم استقروا وبدأتوا تتفاهموا مع بعض.
-فهماكي يا ماما.
-طيب انتي بتعملي إيه دلوقتي؟
أجابت رهف متنهدة وهي تنظر للطعام الموضوع على رخام المطبخ:
-المفروض هبدأ أحضرلنا عشا.
-ماشي يا حبيبتي مش هعطلك، روحي خلصي وانا هتصل بيكي كل يوم اطمن عليكي، واوعي لو حصل أي حاجة ماتقوليليش يا رهف أنا أمك يا حبيبتي.
-لا متقلقيش يا ماما، ان شاء الله خير ومش هيحصل حاجة.
-ماشي يا حبيبة ماما في رعاية الله.
-مع السلامة.
أغلقت ثناء الهاتف رافعة وجهها نحو عماد الذي هتف في زهو يهز رأسه:
-شوفتي بقا إن كلامي صح وإن نظرتي في شخصية بني ادم عمرها ما تخيب، وإن أنتي وبنتك اللي خوافين.
فهزت ثناء رأسها متنهدة ثم تشدقت بـ:
-الحمدلله يا عماد، أنا الفترة اللي فاتت مكنتش بدعي إلا إن ربنا يخيب ظني ويطلع ابن حلال.
غمغم عماد مرددًا بعدها:
-ربنا يهديهم لبعض ويجبر بخاطرها.
فرددت ثناء خلفه:
-آميين.
ثم بدأت ذكرى من الماضي القريب تقتحم عقلها مذكرة إياها بسبب خوفها هي و رهف تجاه مروان......
خلال اليوم الثاني بعد زيارة مروان لرهف قبل الزواج حين كان يعرض عليها بعض نماذج غرف النوم...
كانت رهف في حالة مُثيرة للشفقة من إنفلات الأعصاب، وصدمة الجملة التي سمعتها من مروان تفتت أي تماسك قد يتشكل داخلها، ترددت كثيرًا ولم تدري ماذا عساها تفعل، وفي النهاية لم تجد مفر من اخبار والدتها بما سمعته، وبالفعل ركضت لوالدتها تفرغ في احضانها كل ما بجبعتها....
تلونت ملامح ثناء بداء الخوف والقلق الذي نقلته لها رهف عبر حروفها المُبطنة، ثم قالت بشك تسألها:
-انتي متأكدة من الكلام دا يا رهف ؟
اومأت رهف مؤكدة بسرعة وعيناها البُنية المشطورة بالدمع والخوف تناشدها بالتصديق:
-ايوه طبعًا يا ماما، والله العظيم سمعت بودني صدقيني.
فأسرعت ثناء تربت على كتف ابنتها وهي تستطرد قائلة لتسد فجوة الخوف من التكذيب التي كانت تكبر داخل رهف مع مرور الوقت، فهي لا تود خسارة رهف تمامًا وإنسداد كل الطرق الممكنة بينهما :
-مصدقاكي يا رهف، بس قصدي يعني يمكن انتي فهمتي غلط او كده.
عضت رهف على شفتاها مفكرة، ثم نطقت فارشة هياج أفكارها المشوشة أمام والدتها:
-مش عارفة يا ماما، بس خايفة.
ثم زفرت وهي تفرك جبهتها في إرهاق نفسي حقيقي:
-او يمكن أنا اللي من بعد اللي حصل بقت أقل حاجة تخوفني.
ربتت ثناء على كفها تحتضنه بين يديها هامسة في حنو تحاول بثها ذريعة الاطمئنان التي اهتزت داخلها اصلًا رغمًا عنها:
-متقلقيش يا حبيبتي، أنا هقول لأبوكي، وأنتي صلي استخارة كتير، وبأذن الله خير.
-باذن الله يارب.
وبالفعل بعد فترة، أخبرت ثناء عماد بكل ما قصته عليها رهف، فتغضنت ثنايا وجه عماد في قلق نوعًا ما، ولكنه جادلها قائلًا:
-طب وانتوا لية افترضتوا سوء النية يا ثناء ؟ مش يمكن كان بيقول لحد صاحبه بيطمنه إن الجوازة هتتم، ومثلًا حد كان بينصحه زي باقي الشباب فبيقوله إنه مسيطر على كل حاجة ومفيش حاجة تقلق او مشكلة بخصوص شخصية رهف.
-تفتكر كده ؟؟
سألته بعينين موخوزتين بالشك والقلق، راجية أن يكون كلامه هو الصحيح، فهز عماد رأسه مؤكدًا وأكمل:
-ايوه طبعًا، أصله إيه جو المخابرات اللي عاملينه أنتي وبنتك دا، وهنقعد كلنا ورا شك نفكر ونعقد نفسنا وماشوفناش من الراجل حاجة وحشة او تشكك وعارفينه من زمان.
فهزت ثناء رأسها في محاولة لإقناع الأم القلقة داخلها بكلامه:
-صح عندك حق يا حاج.
فتابع هو في نبرة حازمة يخبرها مشددًا على حروفها:
-عقلي بنتك، وفهميها إن ربنا هو دليلها ووكيلها، وإن مش كل حاجة بنسمعها بتبقى صح، وأكيد ربنا مش هيجيب حاجة وحشة، حتى لو في حاجة وحشة من وجهة نظرنا كبشر حصلت بس بنتعلم منها.
في طاعة وهدوء هزت ثناء رأسها ورددت:
-ونعم بالله.
عادت ثناء من ذكرياتها مغمضة عينيها، وأخيرًا وجدت الراحة مسكنًا لها بين ضلوعها، فهمست بصوت يكاد يسمع:
-الف حمد وشكر ليك يارب.
****
بينما على الطرف الآخر...
أغلقت رهف الهاتف وهي تضعه جوارها على رخامة المطبخ، ثم بدأت في اعداد الطعام، وهي تتذكر مروان الجالس في غرفة الاطفال يقرأ بعض الكتب؛ هوايته المفضلة، لحين انتهائها من اعداد الطعام.
مرت دقائق، ودلف مروان المطبخ، ليراها واقفة أمام الرخامة معطية ظهرها له، والذي يتناثر عليه شعرها الأسود الطويل والذي تركته منسدلًا كعادتها لأنه لم يكن قد جف بالكامل من المياه، اقترب منها ببطء حتى أنها لم تلحظ تواجده خلفها، أصبح على بُعد خطوات قليلة منها، فنفضت رهف شعرها بتلقائية للخلف وهي تزفر بحدة، فباغتت قطرات المياه الخفيفة وجه مروان الذي أغمض عينيه وتلك القطرات سقطت كالندى على دواخله القاحلة لتسقي فيها رغبة مُلحة باستكشاف خصلاتها السوداء بيداه وتمريغ أصابعه فيه!
اقترب اكثر ليصبح خلفها مباشرةً، ثم وببطء نفخ عنذ اذنها حيث خصلاتها الملمومة، لتشهق رهف متفاجئة تضع يدها على قلبها وهي تردد في تلقائية تامة:
-حرام عليك خضتني.
فهمس في نغمة رجولية اثارت داخلها ذبذبات غريبة أربكتها:
-سلامتك من الخضة.
ثم لمعت عيناه حين وقعت على خصلاتها المبتلة نوعًا ما والتي إلتصقت برقبتها المرمرية البيضاء، فازدرد ريقه وعيناها تراقب تفاحة ادم التي تحركت، فانتقل لها داء التوتر على الفور، ولم يشعر هو بيداه التي تحركت تجاه رقبتها وأصابعه الخشنة تبعد خصلاتها الملتصقة بجلد رقبتها الناعم، نعومة تغري شفتاه المتلهفة وبإلحاح أن تستكشف نعومتها بدلًا من أصابعه..
لم يكن يدري أنه ودون شعور كان يتحسس رقبتها ببطء شديد ومُهلك وهو يزيل تلك الخصلات، بينما المسكينة مغمضة العينان ترتجف وملمس أصابعه العابثة لا يرحم أوتار أنوثتها فيتلاعب بها مذيبًا خلاياها ببطء...
بدأ يشعر أنه يسقط تدريجيًا من برج التحكم العقلي والسيطرة الذي كان يحبس نفسه به، فأخذ نفسًا عميقًا مستعيدًا سيطرته ثم ابتعد خطوتان للخلف معطيًا المساحة لرهف للتتنفس قليلًا...!
ثم تنحنح محاولاً اخراج حروفه بنبرة عادية وهو يقول:
-بتعملي إيه؟
فتمتمت رهف مجيبة بصوت مبحوح:
-بعمل عشا.
أومأ برأسه ثم استطرد مشاكسًا بابتسامة خفيفة:
-المهم يكون عشا حلو يرم العضم كده.
فهزت رهف رأسها نافية وهي تجيبه برقة:
-لا متقلقش ماما قالتلي هعمل إيه.
فأكمل مروان وقد بدأ يحرك أقدامه لخارج المطبخ:
-ماشي انا هروح اكمل قراية الكتاب اللي بقرأه عقبال ما تخلصي وابقي ناديني.
-تمام.
وبالفعل بعد وقت ليس بطويل إنتهت رهف من إعداد العشاء، وقدمته بشكل لائق على طاولة الطعام، ثم توجهت نحو الغرفة التي يقطن بها مروان ونادته ليأتي، وتناولا الطعام سويًا وقد كان لا يخلو من بعض العبارات العابرة كمحاولة مستمرة من مروان أن لا يترك للحاجز النفسي بينهما المساحة الكافية لينمو، بل يستمر ويستمر في حسره حتى يأتي الوقت الذي ربما يكون قد إقتلعه تمامًا خارج منطقة حياتهما.
بعد انتهاء العشاء، عاد مروان للغرفة يتسلى في قراءة كتابه في حين توجهت رهف لتصنع كوب من مشروب ساخن بعد أن اخبرها مروان بعدم رغبته في شرب أي مشروب...
وبالفعل إنتهت وحين كادت تأخذه متوجهه للخارج دلف مروان، لينظر للكوب متسائلًا في هدوء:
-دا إيه دا بقا ؟
فأجابته رهف مبادلة نفس النبرة الهادئة العملية:
-دا كاكاو باللبن، أنا بحبه وعلى طول بعمله، لو عايز ممكن أعملك.
هز مروان رأسه نافيًا، ثم أردف بابتسامة هادئة كالطفل حين يستأذن لينل شيء:
-لأ انا هادوق بتاعك الاول وأشوف هحبه ولا لا.
اومأت رهف مؤكدة، ثم استدرات وكادت تسكب له من كوبها في كوب آخر ليتذوقه، ولكنه اوقفها قبل أن تفعل بقوله مستنكرًا:
-استني انتي هتعملي إيه؟
فهزت كتفاها تجيب في تلقائية:
-كنت هحطلك في كوبايه تانية، أصل في ناس مابتحبش تشرب مكان حد.
نفى مروان برأسه ثم مد يده يتناول الكوب من يدها ورغمًا عنهم تلامست أصابعهم في ثانية سريعة ولكنها كانت كالشرارة الخافتة بينهما.
ثم سألها وهو يشير لأحد أطراف الكوب:
-انتي شربتي من هنا صح؟
اومأت رهف مؤكدة متوقعة أنه سيعكس المكان الذي شربت منه، ولكنه فاجأها حين شرب من نفس مكانها دون أن تلمح أي طرف للاشمئزاز او التقزز على ملامحه، بل كانت ملامحه مرتخية متلذذة وهو يتذوقه، وداخلها تتسائل عن سبب فعلته تلك!
أحست أنه يريد أن يخبرها أن لا خصوصية، لا تقزز بينهما، بل كل شيء وأصغر شيء سيتشاركونه سويًا..!
وحين رفع عينيه ينظر لها أحست للحظة أن شفتاه تطبع على شفتاها وليس مكانها فقط!...
فاندفعت الحمرة تفترش قسماتها البيضاء، ابتلعت ريقها بتوتر، ثم قطع هو هذا الصمت حين سألها:
-هو انتي حاطه سكر قد إيه؟
فأجابته هادئة:
-حاطه معلقة واحدة.
ليهز رأسه نافيًا يتصنع الاستنكار:
-لا مش معقول، دا مسكر خالص.
ثم ضيق عينيه محدقًا بها للحظة هامسًا:
-إيه دا استني كده.
وبحركة مباغتة وقبل حتى أن يصحو عقلها مدركًا مقصده، كان مروان يطبع قبلة سريعة سطحية على شفتيها المنفرجتين، قبلة قصيرة المدة ولكن كان لها الأثر الأكبر والأطول في غفوة مسكرة لذيذة لعقلها الذي بدا وكأنه توقف عن الاستيعاب مؤقتًا، فظلت ترمش للحظات محدقة به ببلاهه..!
بينما هو قال في ابتسامة جانبية تقطر رجولة ومكر:
-اه دلوقتي عرفت هو مسكر ليه
بدت رهف وكأنها استوعبت ما فعله للتو فرفعت يدها على الفور تضعها على شفتيها وكأنها تستكشفها إن كان قبلها فعلًا في حركة مباغتة عابثة داعبت شيء باهت داخلها !...
****
في اليوم التالي....
كان "مروان" في المرحاض يستحم، فيما كانت رهف تقوم بترتيب بعض الاشياء الخفيفة في المنزل، حين طُرق الباب عدة مرات متتالية، فعقدت رهف ما بين حاجبيها في تعجب من الإصرار والسرعة في الطرق، وصاحت:
-ايوه ياللي بتخبط ثواني.
توجهت نحو اسدال الصلاة الخاصة بها ترتديه مسرعة ومن ثم سارت نحو الباب، فتحته لتتفاجئ بسيدة شابة ذات ملامح متجهمة وعينان مهاجمتان يطفوهما الغضب..
فسألتها رهف بتعجب جلي:
-ايوه مين حضرتك ؟
فرفعت "غادة" حاجبها الأيسر مستنكرة وفي سخرية تامة ردت:
-حضرتي مين! دا على أساس إنك متعرفيش حضرتي.
هزت رهف رأسها نافية وبنبرة مماثلة من السخرية:
-لأ محصليش الشرف.
فباغتتها الاخرى باجابتها الصادمة التي ضربتها في مقتل:
-أنا مراته الاولى يا حبيبتي!...
****