رواية عبث باسم الحب الفصل الثالث 3 بقلم رحمة سيد
عبث باسم الحب
الفصل الثالث :-
للحظات لم تستطع رهف التفوه بحرف، وكأن الصدمة حجمت طيات ادراكها، فلم تجد ما يسعفها للرد على الاخرى التي تقف تطالعها في تشفي وابتسامة سمجة جعلت رهف تتمنى لو تمزق شفتاها حتى لا تستطع الابتسام مرة اخرى!..
خاصةً حين ازدادت ابتسامتها تهكمًا وهي تتابع:
-يا حرام شكلك متعرفيش حاجة واتاخدتي على خوانة.
واخيرًا استطاعت رهف الخروج عن طوع حالة التيبس المصدوم من تواجد "غادة" في هذا الوقت تحديدًا ومباغتتها بطلب زوجها، فهتفت ببرود متعمد وهي تقابلها بابتسامة اكثر سماجة:
-لا يا حبيبتي متقلقيش عليا انا متاخدتش على خوانة ولا حاجة، انا عارفة كل حاجة ووافقت بمزاجي.
ثم ضيقت عينيها تَدعي تفحص غادة التي بهتت ابتسامتها على وجهها، واردفت:
-شكلك انتي اللي اتاخدتي على خوانة بصراحة.
كزت " غادة" على أسنانها، والغضب يحترق جليًا في عينيها، وفاح دخان هذا الغضب من حروفها حين راحت تردد في حدة:
-فين مروان، أنا عايزه جوزي.
فرفعت رهف حاجبها الأيسر مستنكرة:
-أنتي جايه تاني يوم جواز ليا وتقولي عايزه جوزي!
عادت تلك الابتسامة تتعلق بأطراف ثغر غادة التي استطردت في نغمة حملت نوايا شتى، لم تستطع رهف تمييزها، ولكن رن بأذنها الخبث الذي صدح فيها:
-انتي مفكره إن انتي عروسة بجد بقا وكده، شكلك متعرفيش اللي فيها وهتتصدمي بالواقع.
ثم أشارت نحو الداخل وأكملت باستفزاز:
-ياريت تنادي جوزي ضروري، يا... عروسة!
طحنت رهف ضروسها، وتأهبت لتناطحها برد فاحم، ولكن قاطعها حضور مروان الذي عقد ما بين حاجبيه في استغراب:
-غادة ؟!
نظرت له رهف ولكن لم تلحظ أي تواجد للصدمة من تواجد غادة على وجهه!
فيما قالت غادة في لهجة هادئة رقيقة مختلفة عن الاخرى التي كانت تحادث بها رهف مائة وثمانون درجة، فلم تستطع رهف كبت دهشتها من هذا التحول الجذري:
-صباح الخير يا مروان، بعد اذنك عاوزاك ضروري.
فسألها مروان بملامح متجهمة غير مقروءة بالنسبة لرهف:
-في إيه ؟
أشارت غادة برأسها للخلف نحو الشقة التي تقطن بها، متمتمة في خفوت:
-بعد اذنك عاوزاك في شقتنا.
اومأ لها مروان مؤكدًا موافقته برأسه، ثم توجه بنظراته نحو رهف قائلًا بهدوء:
-ادخلي انتي جوا يا رهف وانا شوية وجاي.
ثم استدار دون أن ينتظر ردها وسار خلف "غادة" متوجهان نحو تلك الشقة، بينما رهف مازالت تقف مكانها تحملق بالفراغ... ولمَ كانت تتوقع أن يرفض أصلًا ؟!
هل لأنهم بثاني ليلة زواج لهما مثلًا!..
-وانا مالي هما احرار هوجع دماغي لية.
غمغمت بها وهي تهز رأسها نافية ثم تحركت لتغلق باب المنزل بعنف غير مقصود، وغيظ كالموقد كان يشتعل داخلها، موقد تشكل من كونها أنثى هزمتها أنثى اخرى في حرب كيدية بدأت لتوها...!
****
بينما داخل الشقة الاخرى...
بمجرد دخولهم سويًا، إندثرت قشرة الجمود والهدوء التي كانت تغطي ملامح مروان، وتأججت مشاعره الحقيقية المشحونة بالغضب والنفور وهو يسألها بصوت أجش:
-ممكن افهم إيه الضروري اللي انتي عايزاني فيه بقا.
عضت غادة على شفتيها للحظات تلعن تسرعها وإندفاعها في مواجهته، ثم دارت عيناها بعيدًا عن حصار عيناه السوداء الوحشية المُخيفة ذات النظرات القاتلة التي صار يرشقها بها مؤخرًا؛ وبدأت تتمتم في توتر :
-طب أنت متنرفز لية دلوقتي يا مروان، أنا عملت إيه؟
هز مروان رأسه مجيبًا في هدوء ظاهري خالطه التهكم الصريح:
-معملتيش حاجة خالص، بس متهيألي إني قايلك مش عايز أشوف وشك ولو بالصدفة، تقومي جيالي بيتي وتطلبي تشوفيني!
ابتلعت ريقها بازدراء ثم بدأت تبرر:
-لا أنت مش فاهم، أصل في حاجة.
نظر لها متسائلًا، فتنحنحت تبحث في باطن عقلها عن حجة يسهل تصديقها، وفي نفس الوقت تأخره عن رهف لتحرق أعصابها أكثر..
ليزجرها مروان بنفاذ صبر:
-ما تخلصي هنفضل واقفين طول النهار عشان تقولي عايزه إيه ؟
حينها لم تجد حلًا تلجأ له سوى التمثيل!
الفن الذي تجيده من صغرها عندما يُحاصرها الواقع؛ أمسكت رأسها وهي تغمض عينيها وتفتحها وكأنها تقاوم دوار شديد، ثم همست في وهن قبل أن تسقط ارضًا تدعي الإغماء:
-مروان الحقني.
هبط مروان على الفور نحوها يتفحصها مصدومًا، ثم بدأ يحاول جعلها تستعيد وعيها....
****
مرت ساعات قليلة...
كانت رهف تحاول شغل وقتها الذي تركه مروان فارغًا بمشاهدة التلفاز، تنهدت بعدها وهي تنظر للساعة في هاتفها، مرت أكثر من ساعة وهو مع تلك الماكرة المدعوة بزوجته..
تأففت وهي تمسك جهاز التحكم، لاعنة تلك الغصة الأنثوية التي تأبى مغادرة جوفها وتركها خالية البال..!
مر وقت قليل ثم سمعت طرقات على الباب، فنهضت متوقعة مَن هو الطارق، وبالفعل كان مروان الذي هتف هادئًا:
-السلام عليكم، عامله إيه؟
فأجابته بنفس السكون الذي كان يتلبسها:
-الحمدلله بخير.
ثم تحركت تسبقه لتتجه نحو غرفتهم، جلست أمام المرآة ثم بدأت تمشط شعرها في هدوء، دلف مروان للغرفة خلفها ليجدها تمشط خصلاتها، فسألها بينما يجلس على الفراش متنهدًا:
-اتغديتي ولا لسه؟
فردت نافية دون أن تنظر له:
-لا لسه.
فسألها مستفسرًا:
-لية ماتغدتيش كل دا ؟
هزت كتفاها ومن ثم همهمت في خفوت:
-عادي يعني اتلهيت وانا بتفرج على التلفزيون.
وقف مروان خلفها يسألها بينما ينظر لإنعكاس وجهها في المرآة ملاحظًا صمتها وسكونها الزائدان عن حدهما:
-مالك؟؟
هزت رهف رأسها نافية بلا مبالاة، متمتمة:
-عادي يعني مالي؟!
اقترب مروان منها ثم وقف خلفها مباشرةً لينحني لمستواها، أحاط جسدها بذراعاه برفق ثم بدأ يُبعد خصلاتها السوداء عن رقبتها الناعمة، ليطبع عليها قبلة دافئة عميقة كانت كلسعة الكهرباء التي جعلت خلايا رهف تنتفض في ارتباك لذيذ فطري، بينما يصلها همسه الرجولي الذي يثير فيها نزعة الأنثى رغمًا عنها:
-وحشتيني.
لم تستطع حينها إخضاع عقلها الذي كان في حالة استنكار تام لكل ما حدث الساعات الماضية، فحاولت ابعاد مروان وهي تردد متسائلة في ارتباك به شيء من الضيق الخفيف:
-أنت استحميت؟
للحظة لم يستوعب مروان سؤالها الغريب في الوقت الأغرب، ثم ابتعد وبدأ يتشمم ملابسه مغمغمًا في استغراب:
-هو انا للدرجادي ريحتي وحشة!! دا انا لسة مستحمي الصبح.
نهضت رهف لتصبح أمامه تواجهه بكلها، ثم تابعت وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى:
-أنت فاهم قصدي كويس يا مروان.
وكأنها بنظرتها رمت نرد الاستيعاب مبعثرة التصلب العقلي الذي أصاب مروان للحظات معدودة..
فالتوت شفتاه بما يشبه الابتسامة والتي لا تمت للمرح بصلة، ثم تشدق بإجابة ملتوية :
-لأ متقلقيش أنا مستحمي.
لم يُريحها ويعطها الرد الذي كانت في انتظاره؛ لم يخبرها صراحةً إن كانت تلك الخبيثة زوجته قد استرقت حقها الطبيعي في قربه؛ في أولى أيام زواجهما ام لا.
ثم تحرك نحو الفراش يمسك بهاتفه بشيء من التجاهل، بينما هي تهز قدماها من هدوءه المستفز، ولم تحكم السيطرة على لسانها حين اندفع قائلًا:
-بس المدام شكل عفاريتها مش راضية عن الجوازة دي.
رفع مروان عينيه عن هاتفه ببطء محدقًا بها بنفس الهدوء، ثم تركه ونهض مقتربًا منها كأسد على وشك إلتهام فريسته، حتى وقف أمامها، وبنظرة صلبة تليق بالقذيفة التي إنطلقت من وسط حروفه، تابع:
-ترضى ولا مترضاش، أنا الراجل وأنا حر أتجوز مرة اتنين تلاتة اربعة.
رفعت رهف حاجبها الأيسر في اعتراض مكتوم سمع صياحه من بُنيتيها؛ حين ذكر التعدد وكأنه شيء أكثر من عادي، وربما يفعله في أي وقت.
ليردف بعدها بلهجة أكثر جمودًا بها شيء مُبطن من التحذير:
-وأعتقد إننا أتفقنا إنك هتتجاهلي موضوع جوازي دا تمامًا وكأنه محصلش عشان أنا وانتي نكون مرتاحين.
صاحت رهف منفعلة وذاك المشهد يتكرر في عقلها فيزيد من شرارة إنفعالها:
-أنساه ازاي انت مش شايف هي بتعمل إيه، بكل بجاحة جايه تاني يوم جواز تقول عايزه جوزي.
فقال مروان في خشونة يحذرها:
-على فكره لو مش واخده بالك هي لسة مراتي.
-امال اتجوزتني ليه لما هي لسة مراتك ودا الطبيعي وحقها والدنيا جميلة؟!
زمجرت رهف بها في استنكار حقيقي وحاجة مُلحة للإجابة، وثباتها قد أُصيب بعقم في ظل كل هذا الغموض الذي فُرض عليها.
بينما بدأ الغضب يندلع في بؤبؤي عينيه، واحتدت نبرته وهو يقول واضعًا حدًا لذلك الحوار الذي بدأ يخرج عن زمام سيطرة العقل والهدوء:
-اولًا اعرفي انتي بتتكلمي ازاي يا هانم، ثانيًا تقريبًا أنا لسة من كام ثانية قايلك إني راجل وحر، والشرع محلل ليا الجواز بدل مرة اربعة كمان، ومافيش حاجة تمنعني.
ثم إلتقط هاتفه وتحرك ليخرج من الغرفة متجاهلًا حقها في الرد.
فأمسكت رهف بالفرشاة التي كانت تمشط بها منذ قليل لترمها على الفراش بعنف وهي تغمغم بما يشبه الهذيان:
-ما أنا اللي عملت في نفسي كده أنا استاهل، كان في إيدي أتجوز واحد أكون أنا الست الوحيدة في حياته من غير ما تطلعلي واحدة ترازي فيا وتحرق دمي.
وفي نفس الوقت كان مروان يقف أمام باب الغرفة يتنفس بعمق عله يستطع تنفيث دخان الغضب الذي تصاعد داخله.
سيكون هو المُسيطر والمتحكم في تلك العلاقة؛ لن يسمح مرة أخرى أن يكون هين لين وحين ترتفع الأمواج من أمامه يكون هو أول مَن يُضرب بها، يجب أن يكون أعلى من كل الأمواج..
لن يكون مروان الطيب الخلوق فتعتقده أخرى أنه ضعف شخصية فتتجرأ عليه لدرجة أن تود وشمه بالعار طيلة حياته.. ولكن كل هذا سيكون تحت ظلال الهدوء.
وحين سمع رهف تغمغم بتلك الجملة، وكأنها أعادت تحرير كافة شياطينه التي كان يحاول حبسها في أبعد نقطة داخله، فاندفع للداخل مرة اخرى وبحركة مباغتة كان يجذب رهف من ذراعها بقوة نحوه فشهقت بفزع، فيما استطرد هو بلهجة عنيفة حادة يسألها مستنكرًا:
-هو مين دا اللي كان ممكن تتجوزيه؟
لم تتوقع رهف أن يكون قد سمع جملتها التي نفذت للمرة الثانية مخترقة هالة تحكمها الواهية، وإنكمشت للخلف مصدومة مرتبكة من هجومه المفاجئ، ثم حاولت إرغام لسانها المعقود على النطق، لتخرج حروفها متلعثمة:
-لأ أنت فاهم غلط.
تجاهل جملتها وهو يحاوط خصرها بذراعه بشيء من العنف، وجذبها نحوه حتى ألصقها به وتقاربت وجوههم حتى تشاركا لهاث الأنفاس، ضغط مروان على خصرها وهو يجذبها نحوه أكثر وكأنه يؤكد ملكيته الحصرية لها، ثم همس بنبرة تملكية بحتة تشع عنفًا:
-دا قدرك، أنتي بقيتي بتاعتي ومراتي خلاص، ياريت تقبلي الواقع بكل اللي فيه زي منا قبلته.
كان يقصد أن تتقبل ماضيه والذي لم يكن سوى زواجه، كما تقبل هو ماضيها وغض النظر عن كله.
ولكن الجملة وصلت لرهف على محمل اخر، أحست أنه بكلماته ذات المغزى الجارح يتعمد إهانتها والتقليل من شأنها مستخدمًا في ذلك السلاح الأسود المُسمى بالماضي!..
فرمشت عدة مرات وقد إختنقت أنفاسها وكأنها تحارب غصة تود التحول لبكاء، تركها مروان مبتعدًا عنها ليغادر الغرفة صافعًا الباب خلفه بعنف،
وتهاوت هي على الفراش محيطة وجهها بكفيها تأخذ شهيقًا وزفيرًا لتقتل هجوم البكاء المُلح على عينيها.
****
اليوم التالي صباحًا....
بوجه مُلطخ بالحزن الذي شق قلبها شقًا واجدًا طريقه فيه؛ كانت رهف تعد الإفطار بخطى آلية، تعلم في قرارة نفسها أنها تؤدي مجرد واجب كزوجة ولولا ذلك لما كانت غادرت غرفة الاطفال التي أخذتها ملجأ مؤقت لها.
دلف مروان للمطبخ، ومن ثم صدح صوته الأجش هاتفًا:
-صباح الخير.
لم تلتفت له حتى وهي تجيبه في وجوم:
-صباح النور.
إنتهت من إعداد الفطور، ووضعته على المنضدة الصغيرة الموضوعة في وسط المطبخ، ثم تحركت متوجهه نحو الخارج، فأوقفها سؤال مروان المستفسر:
-انتي مش هتفطري معايا ولا إيه؟
فهزت رأسها نافية بنفس النبرة الواجمة:
-لأ انا فطرت خلاص، أفطر أنت.
ثم أكملت طريقها متجهة نحو غرفة الأطفال، ليتنهد مروان بقوة، ثم نفض رأسه وهو يبدأ في إفطاره؛ مقتنعًا أنه بذلك يحرص على بناء أرض صلبة له في تلك العلاقة، حتى يسير كل شيء حسبما يريد وتحت سيطرته.
في حين دخلت رهف غرفة الأطفال مرة اخرى، جلست على الفراش تستند بذارعيها على فخذيها وهي تهز أقدامها بقوة وداخلها مُهتاج من ذلك الهدوء المُستفز وكأنه لم يقل او يفعل أي شيء بالأمس..!!
وفي اللحظة التالية إتسعت عيناها حين وقعت على "دمية" تعرفها جيدًا موضوعة على الطاولة الصغيرة المجاورة للفراش، نهضت كالملسوعة تنتشلها بسرعة لا تصدق عينيها، تتحسسها وكأنها تتأكد إن كانت حقيقة ام أن عقلها المشوش بين الماضي والحاضر يختلق صورًا خيالية!..
لا تدري حتى مَن الذي أتى بتلك الدمية إلى منزلهما هي ومروان، فهذه هي المرة الأولى التي تنتبه لها، ولكنها خمنت أنها ربما تكون والدتها التي تولت مهمة القيام بنقل جميع اشيائها واثاثها لمنزلها الجديد.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها وهي تنظر لتلك الدمية؛ سبحان مقلب المقلوب، فبالأمس كان قلبها ينبض حبًا لذلك الشخص، واليوم ذكراه الماضية تكاد توقف سير دقاتها مُميتة هذا القلب.
كادت تتركها وهي تتنهد، ولكن فلتت نبضة مرتعدة من قلبها حين لمحت "مروان" الذي لا تدري متى جاء أمام الغرفة وبالتأكيد رآها وهي شاردة بهذه الدمية، وحاولت طمأنة نفسها أنه بالتأكيد لم يرى هذه الدمية من قبل ولا يدري مَن صاحبها.
ولكن إتسعت عيناها رعبًا حين مد يده ينتشل الدمية من بين يداها مزمجرًا بغضب أرعبها:
-الزفتة دي بتعمل إيه هنا ؟!
هزت رأسها نافية بسرعة:
-معرفش يا مروان والله.
فصرخ فيها بعروق بارزة تنتفض غضبًا، والغيرة الحارقة جعلت اوردته تغلي في تلك اللحظات:
-يعني إيه متعرفيش امال مين اللي جابها هنا.
هزت رأسها نافية تردد وكأنها لا تجيد سوى النطق بتلك الكلمات:
-صدقني أنا معرفش، أنا آآ....
قبض على ذراعها في عنف مقصود جاذبًا إياها نحوه جعلها تتأوه ألمًا وهي تنهض لتصبح أمامه مباشرةً، على مرمى عيناه السوداء المُخيفة التي كانت تصرخ بغضب أهوج يهدد ببطش كل مَن أمامه.
وما زاد من هلعها في تلك اللحظات هسيسه المرعب وهو يهمس أمام وجهها بلهجة خطرة:
-انتي لسه بتفكري فيه؟ واحشك؟
هزت رأسها نافية بقوة، تشعر أن قلبها سينفجر في اللحظة التالية من كثرة الضغط عليه..
-لا طبعًا أنت ازاي تفكر كده.
بينما مروان كان في وادٍ آخر، كان يعاني ويلات تجربة سابقة أحيت رهف أشباحها في تلك اللحظات لتبدأ بمطاردته فتخرج اسوأ ما فيه.
فدفعها على الفراش بعنف ثم انحنى نحوها يضرب على الفراش عدة مرات بعصبية مفرطة مزمجرًا بما يشبه الجنون:
-امال عايزاني أفكر ازاي لما اشوف حاجة كان هو جايبهالك انتي لسه محتفظة بيها وجيباها بيتنا، بيت جوزك يا هانم يا محترمة.
ثم نظر لوجهها المرتعد بدموعها الحبيسة في عينيها، ليقترب بجسده منها وملامحه كلها تنضح بالإجرام، كز على أسنانه وضغط على باطن يده بعنف وكأنه يحاول مقاومة نفسه...
بينما هي تتراجع للخلف في قلق حقيقي، هامسة بحروف مُشردة خرجت بصعوبة:
-مروان أنت هتعمل إيه!
أنقذها الهاتف في اللحظة التالية حين بدأ يرن بإصرار دون توقف، فاضطر مروان أن يبتعد عنها متوجهًا نحو هاتفه..
بينما هي تتنفس محدقة في اثره وكأنها لا تصدق أنه لم يلتهمها حية!
في نفس الوقت الذي كان مروان قد رأى المتصل والذي لم يكن سوى حماه " والد غادة " فبدأ يتنفس بعمق مغمضًا عيناه يحاول استحضار التعقل والهدوء.
وبالفعل تم، فأجاب المكالمة المُصرة، بصوت أجش قائلًا:
-السلام عليكم.
فأتاه صوت حماه الذي كان به شيئًا من التهكم:
-وعليكم السلام، أخيرًا قررت ترد عليا يا مروان.
-معلش يا عمي عريس بقا أنت عارف.
قالها مروان في سماجة متعمدة، فأحس أن "فايز" يعصر على نفسه مائة ليمونة ليتابع ولم تخفى عن مروان لهجة التهكم:
-اه طبعًا، مبروك يا عريس!
-الله يبارك فيك يا عمي، مش هقولك عقبالك بقا أحسن حماتي تدعي عليا.
-أنا عايز أقعد معاك يا مروان، لازم نتكلم في حاجات كتير.
دفع فايز بمغزى تلك المكالمة سريعًا بنبرة جامدة، فهز مروان رأسه وكأنه يراه، ورد:
-اه طبعًا طبعًا هنقعد ونتكلم براحتنا، بس معلش يا عمي اعذرني أصلي مسافر شهر عسل بكره.
وقبل أن ينطق فايز كان مروان يكمل ببراءة لا تليق به في الوقت الحالي ابدًا:
-بس اوعدك اول ما أرجع تكون أنت اول حد أشوفه.
لم يكن أمام فايز سوى الرضوخ والموافقة فغمغم موافقًا على مضض:
-ماشي يا مروان بس ياريت متتأخرش ومتنساش.
-اكيد.
-سلام.
-مع ألف سلامة.
أغلق مروان الهاتف، وشيء ماكر يشبه الابتسامة كان يتعلق بحبال ثغره، وعيناه تحمل لمعة تنبئ بنجاح مخططه..
سيتأخر في تلك المقابلة التي يعلم جيدًا ما الذي سيدور بها، ثم حين تصير رهف "حامل" سيأتي بها ليُفجر قنبلته في وجوه الجميع....