اخر الروايات

رواية المتحول الوسيم الفصل الثالث عشر 13 بقلم سارة منصور

رواية المتحول الوسيم الفصل الثالث عشر 13 بقلم سارة منصور

الفصل الثالث عشر

ارتفع صوت قلبها ينبض بقوة ، لاتسمع سوي خفقانها ، ولا ترى عيناها سوي الضباب ،التفتت إليه وفكها السفلي يتدلى لأسفل .
عيناه المتصفحة الجريئة تجعلها تخجل من نفسها ، حتى شعرت بأن ثقتها أهتزت .
_ يعنى اللى سمعته صحيح . قالها رامي بجدية ، وعيناه تنظر اليها بجرائة .
نفسها تبرر داخلها ربما تملى عليها الكلمات حتى تصل الى شفتاها ، لكن ، توقفت بل شلت عن الحركة ، لم تُرد أبدا ان يعرف من أحد سوي منها ، بطريقة متدرجة .
لكنها تأخرت .
_ مخنث ..!
هتف بها رامي وعلى وجهه نظرة إستحقار ، ومن ثم أدار ظهره ومشي فى طريقه ، فاقترب أدم من ياسمين يمسك بيدها ،فكانت باردة ، شبه ضائعة ، فقد مرت الكلمة على أذناها كالصاعقة التى ألقت رعدها على كافة أنحاء جسدها .
أطمئن أدم وهو ينظر الى رامي وقسماته العنيفة ، وبرغم كلماته المؤذية لياسمين إلا أنها تركت فى نفسه الراحة ، فما كان يخشاه ويؤرقه طوال الأيام الماضية لن يعود ، بل ، اختفى الطريق الوعر من أمامه بسهولة .
وبعد ثوانى من الصمت والضياع ، رفعت بصرها الى أدم ، لتره يرنوا اليها بنظرات أخفاها الضباب عن عيناها ، دارت لتذهب الى البيت مسرعه ، ولم تشعر باليد التى تقيد يداها بعروق قلبه تمنعها عن الذهاب .
_ ابعد أيدك ، مش راحة ، ابعد .
هتفت بها ياسمين بعنف ، والدموع على وشك الهروب من عيناها ، لم يرد أن يترك يدها أبدا ، يرد فقط أن يبقي معها ، لكن عيناه وهى ترى حزنها البأس على رامي يجعله يغضب وينحرق بلذعة الغيرة النازفة .
فتركها .
مخنث !! الكلمة لا تترك أذناها عن التردد كالصدى داخلها ،فقد كان رامى أكثر ماكانت تخشي ردة فعله ، وبالفعل كانت الأسوء ، فقد وجهه اليها كلمة ، كانت تخشاها كثيرا من الأخرين ، ولم يأتى فى بالها أنها ستخرج من شفتاه يوما .
عاد اليها ثقل جسدها ، لا تستطيع النوم سوى ساعة أو ساعتين ، لم تتوقف تلك الخيالات عن الاتيان إليها .
الشئ الوحيد الذي يجعلها تستمر فى الحياة هى أحلامها، التى تأتى فيها والدتها ، تشعر بلمساتها ، حنانها .
كما كانت تفعل دائما ، قبل أن تذهب الى جوار ربها.
قامت من الفراش وهي تشعر بالمرض ،جلست فى شرفتها تنظر الى السماء والنجوم .. ثم ذهبت تجلس بجانب طاولة وأقبلت تخرج مشاعرها فى ورقة صغيرة...
(تعالت اصوات قلبي بالاشتياق
فكان مؤلما لى بوحدتي الصماء
التمعت عيني بقطرات الحب
تشتهى عناق تشتهى نبضات
أنّ لبشر يرى مابداخلي
من البوس والحزن ضاع عقلي
.... والمؤلم
طارت سنوات عمرى هباء
فى خلية الحياة وحيدة ...
أترانى ، ام انى لا أراك
هل تسمع نبضات قلبي
أم علتي وصلت لحد السماء )
..... وتمضي الايام ....
كانت تجرى بسرعة على الجميع، لكن تمر على قلبها بخطوات السلحفاة العجوز .
شعرت بحاجة ماسة بالذهاب الى الطبيب، لكن ، لم يكن معها أى مال ، فاختارت أن تذهب الى عمها فى الليل الثقيل ، وقفت أمام غرفته الرئيسية ، ليتسرب اليها همسات بإسمها ، فاقتربت أكثر من الباب تلتقط الكلمات .
_ هتفضل قاعدة معانا هنا إزاى ، وفيه ثلاث رجالة .
... متقوليش انها فى محنة ، حاول تأجرلها شقة .....
...إتصرف ...
_ وطى صوتك ياريهام العيال هتسمع .
_ البت اللى اسمها ياسمين دى تطلع مين هنا ، لإما أنا اللى هتطلع .
وضعت ياسمين يدها على ثغرها بخوف ، وهربت الى غرفتها تبكي ، فكيف لها أن تخرج من البيت ، والى أين ، فهى لا تملك من حطام الدنيا سوي عمها .
****
وفى الصباح الباكر ..
وصل اليها طرق الباب لترتعد مما تخشاه وهى تنظر الي عمها بعيون راجية ألا يتركها ..
جلس كل منهما أمام الأخر ، الكل منهما لديه كلمات ، عالقة داخله ، ينتظر الأخر أن يفصح ، لكن الصمت كان سيد الموقف، حتى بدأ عمها ناجى عن التحدث وسؤالها بالإطمئنان عليها .
_ خدي يابنتي الفلوس دى ، لو محتاجة تشترى ،أى حاجة.
شعرت. ياسمين بالخوف وهى تنظر الى المال ، فهى لا تريد أن تكون حملا ثقيلا عليه ، وخاصة ً بعدما سمعت كلام زوجة عمها .
فقالت
_ أنا معايا ياعمي ، خليهم بعدين
وأصرت ألا تأخذ المال ...
تنهد عمها ناجي وهو ينظر اليها ، ويربت على ظهرها فقد فهم من كلامها أن المبلغ الذي سرقته من أدم لا يزال معها .
فعندما ذهب الى الطبيب ، أخبره أنها أجرت كل الفحوصات ، وقامت بدفع مبلغ كبير .
فعلم حينئذ أنها هى من سرقت المال من أدم ، وخشي أن يواجهها بالأمر ، كى لا تشعر بالاحراج من نفسها .
شعرت ياسمين بالراحة وعمها يخبرها أنه سيقوم بدفع تكلفة تعليمها حتى تتخرج ، والى ان تحصل على عمل ، وأنه يجب عليها فقط أن تتفوق فى دراستها .. فقالت ياسمين.
_حاضر ياعمي ، هسمع الكلام ، بس خلينى معاك وجنبكم هنا .
أنخلع قلبه وهو يرى الدموع تتساقط من عيناها ، فعلم أنها سمعت بحديثه مع زوجته البارحة ، فبكي على تلك الصغيرة التى تحملت كثيرا فقال وهو يحتضنها ...مشفقا عليها أكثر
_ أنا قولتلك أنك بنتى ، فى حد يسيب بنته .متقوليش كدا تانى ، أنا عمرى ما هسيبك ابدا أنسي كل اللى سمعتيه .
شعرت ياسمين أن أدم هو السبب فى ذلك الكلام الذي خرج من ثغر زوجة عمها .
فبقت أسبوعا كاملا فى غرفتها حتى جاءها العم عبده يخبرها ، بأمر هذا الرجل مرة أخرى ، فأسرعت إليه .
لترى صندوقا أصغر قليلا من الصندوق الضخم الذي وصل اليها مسبقا وباقة من زهور الياسمين .
حملته وهى تدخل الى غرفتها ، ويتولد داخلها بعض السعادة البسيطة ، قامت بفتح الصندوق بعد عدة محولات فقد كان مؤصدا بقوة ، وكانت تقطع الشريط بعنف حتى تعرف مابه.
وعندما قامت بفتحه ، وجدت سلوبيت ابيض بخطوط سوداء بقماش من الشيفون .
وحذاء رياضيا بلون الابيض مع شريط لامع . وحقيبة زرقاء صغيرة
كلما تأخذ شيئا منه تجد شئ أخر بالاسفل ، حتى وصلت الى النهاية ، لترى ورقة مع جواب بداخله بعض المال .
( ربما تتسألين لما أرسل اليك الكتير من الزهور ، لا تتعبي نفسك فى تلك الاسئلة ، دعى الزهور فقط على أنفك وستخبرك ما تركت داخلى من قطرات الحب حتى وصلت اليها )
ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتاها الناعمة باللون الوردى ، فأقربت الزهور من انفها ، ليصل اليها رائحتها الجميلة ..
فقالت
_ مجنون ...!!
فأغلقت الورقة بطيها عده طبقات ، ونظرت الى المال وهى تتنهد ، فيدها تشعر بالعجز برغم الخجل ..
_ هرد جمايلك دى كلها ازاى ياسيف ..
ليه رامي مش زيك ...
شعرت بألم فى قلبها ، فأخرجت زفرة طويلة ، ثم وقفت أمام المرآة ، وهى تمسك بهذا السلوبيت .
ارتدته وهى تنظر الى المرآة باعجاب ، فجرى اليها الحماس ، فخرجت فى فناء المنزل . تشم عطر الهواء الذي كان مليئ براحة الياسمين .
وبعد إمضاء بعض الوقت مع الزهور ، قررت أن تذهب الى الطبيب الخاص بها ، فرجعت لتأخذ المال من غرفتها ، وما إن عادت ، لترى دراجة تمسكها لبني ، يظهر أنها قامت بشرائها ..، فالتمعت عين ياسمين بالخبث ، وأنتظرت لبني أن تصعد لأعلى ، وقامت بخطفها ، وذهبت مسرعة بها .
لم تتوقف عن الابتسام والضحك ، وهى تتخيل ردة فعل لبني .
فقد فكرت كثيرا أن تذهب اليها وتخبرها عن المال الذي تشك بأنها أخذته ، فخافت فى اللحظة الاخيرة أن تذهب وتخبر أدم ، فيأتى اليها من جديد ويوبخها بأنها لم تعد المال الى رامي ...
_ أأأأه ، يارمي .. طلعت نااار وأنانى .. نسيت أننا صحاب فى ثانية ، وحرقت دمى .
أنقلب وجهها الى العبوس وهى تتذكر ما مرت به معه منذ الصغر .
حاولت أن تطرد تلك الأفكار ، وتخبر نفسها أنها ملت من الحزن ..
وما إن وصلت الى الطبيب ، وجدت هالة تجلس على العشب وتقطف الزهور . أسرعت اليها ، وقاما بالترحيب ببعضهما .
_ كويس أنك غيرتي من نفسك ياياسمين .
_ أأه الحمد لله ، التغير مكنش سهل ، بس أديت لنفسي فرصة .
_ بصراحة أنت بنت جميلة ورقيقة .
نظرت ياسمين اليها طويلا وقالت .
_ وأنت كمان ياهالة .. جميلة ، ليه مابتديش لنفسك فرصة .
_ أديت كتير ، روحت لدكاترة فوق ماتتخيلي بس فشلت ، تعرفي ساعات بفكر أحول نفسي لراجل ، أنا بجد حاسه أنى فى جسم غلط، أنا بحب البنات ، وبنجذب ليهم .
_ وليه متقوليش أن الدكاترة هما اللى فشلوا ، وبعدين ياهالة التغير فى الخلقة حرام ، وبعدين هو الدكتور لبيب لسه مخلكيش تبدئ العلاج .
_ ماأنا باخد علاج ، بدأت فى العلاج الهرمونى ، ومفيش أى تحسن .
_ أكيد التحسن بيجي مع الوقت ، بس أنا حاسة أن صوتك بقي ناعم شوية عن الأول .
_ صوتى ايه ، أنا عاوزة نفسي من جوه اللى تتغير ..
_ اللى يشوف عزيمتك وأنت بتتكلمى أول مرة ، ميشفكيش دلوقتى .
_ فوكك ، خلينا فيك .
_ لا فيا ولا فيك ، خلينا نفرح شوية من النكد .
بقت ياسمين وهالة يقصون على بعضهما ما حدث فى الفترات الاخيرة ، يحكون ساخرين على حياتهم وما فيها من متاعب . فقالت هالة ..
_ تفتكرى ياياسمين هنبقي طبيعين في يوم من الايام .
_ مش عارفة ، بس الدكتور بيقول ، ان لازم اقنع نفسي أنى طبيعية .
_ بيقولى كدا برضه ، بصي استنيني لما أخلص عند الدكتور ونروح نلف مع بعض ، ماشي .
وبعد مرور الساعات وأنتهاء كلا من ياسمين وهاله من زيارة الطبيب ، أختاروا أن يذهبوا الى أحد المطاعم .
وعندما أنتهوا
جلست هالة خلف ياسيمن وهى تقود الدراجة ،ولم تتركها ،، وأخبرتها أن تُعرفها اين طريق بيتها .. حتى تقوم بزيارتها
وفى الطريق شعرت ياسمين بالإجهاد ، فأخبرتها هالة أنها من ستقود الدراجة .
وبقت ياسمين تعرفها الاتجاهات ، وفجأة تعطلت المكابح ولم تتوقف الدراجة عند النزول من المنحدر ، بقت الإثنتان يصرخا وياسمين تصيح بأنها عين لبني .. وهالة تخبرها من هى ..
وفجأة ظهر شاب يرتدي ملابس رياضية يقف فى منتصف المنحدر ، فازاد الصياح أكثر .
أشارت هالة لشاب لكى يبتعد ، فاسرع الشاب يبتعد عنهما ، لكن عاد مرة أخرى ووقف أمامهما ، فاصطدم بهم . وطارت أحدى عجلات الدراجة على الرصيف .
_ إيه دا ..إبعد يامنحرف ... هتفت بها هالة على قارعة الطريق وهى فى أحضان هذا الشاب الذي قام بإمساكها حتى لا تسقطت على الرصيف .
أما ياسمين فقد ألقت نفسها على الرصيف قبل الارتطام .
وبقت تنظر اليهما وتضحك ، على موقف هالة .. وهى تصيح فى وجهه الشاب .
فوقف الشاب امامها ، وقال
_ مكنش ينفع أسيب بنتين حلوين يقعوا على الارض .
_ بنت فى عينك أنا راجل ياض ، صدقيني ياسمين أنا فاهمه حركاتهم دى دا هو ما صدق ..
هتفت بها هالة وهى تشير الى الشاب بعيناها المستديرة التى تشبه لطافة الارنب ، ثم قامت بسحب ياسمين التى كانت تضحك برغم خدوش يدها التى تنذف . ويمشون فى الطريق ، وما أن ابتعدوا عدة خطوات ، علا صوت ضحكاتهم الساخرة ..
_ حتت موقف .. عيل تييييت .
_ اللى ضحكني أنك بتقوليله أنك راجل وصوتك كان مسرسع .
منظر الولد يضحك وهو بيبص لينا ..
_ اتنين بيتعالجوا نفسيا يعني تتوقعى ايه ، وبعدين ايه العجلة الخربانه دي .
لم يتوقف الاثنان عن الضحك حتى وصلت ياسمين الى المنزل ، فدخلت معها هالة تنظر الى المنزل بتفحص ، حتى وجدت شابا طويلا بعيون رمادية ، يهرع الى ياسمين .. ويمسكها من زراعيها ويقوم بتوبيخها .
_ كنت فيين كل دا ، أنا مش قولتلك .. مفيش خروج قبل المغرب بساعة .
_ ايه دا ... مين دا ياسمين ، وبيكلمك كدا ليه ، وبعدين ايه شغل الحضانة دا مغرب مين يابابا .. .
أنتبه أدم إلى تلك الفتاة التى ترتدي ملابس شباب ، فنظر اليها باستحقار ..وهى تتحدث معه بغضب ساخر.
_ عم عبده ... مين اللى دخل البنت دى هنا .
قامت ياسمين بسحب هالة من أمام أدم ، وذهبت مسرعة الى غرفتها ..
فقالت هالة
_ مين الولد دا ..فاكر نفسه مين عشان يكلمك بالاسلوب التييت دا
_ ابن عمى ، اللى حكتلك عنه ..
_ أدم ...بتهزرى ..، والله خسارة فيه الحلاوة اللى فيها ، أنا تخيلته من كلامك ضبع جربان .
ضحكت ياسمين على كلام هالة الساخر ، وجلس الاثنان مع بعضهما ، حتى أرتها ياسمين الملابس التى تأتى اليها ، والزهور .
_ شكلهم حلو أووى ياسمين ، شكل الواد دا هيموت عليك ، أنا لو منك أتجوزه .
_ ههههههه مش لدرجادي ، أنا حاسه أنه بيشجعنى ، أما من نحية الحب ، بصي هو مجرد ...هااا مش عارفة اقولك ايه .
بعد مرور الساعات وقفت هالة تستعد للمغادرة ، فأخذتها ياسمين تودعها عند فناء المنزل ، لترى أن أدم جالسا على مقعدا فى الحديقة ، وينظر اليهما بنظرات خاطفة .
فى تلك اللحظة.
ظهر نفس الشاب الذي اصطدم بهما ، فأشاوا الي بعضهم بصدمة ..
_ أنت ...؟؟؟ ايه اللى جاب هنا ..
_ مش دا بيت ناجى ...
مالو برأسهما بايجاب .، فقالت .
_ يبقي بيتي ..
نظر الاثنان له بغرابة ، فوقف أدم ينظر اليه بشوق جارف ويهتف
_ نادر ....!!
ابتعدت ياسمين وهالة عند بوابة المنزل ، وهى تقول ..
_ أأأه أنا دلوقتى افتكرت ، دا بن عمى... نادر ، أنا كنت بقول شوفته فين قبل كدا.
_ هو أنتوا كلكم حلوين ازاى كدا ...
ابتسمت ياسمين ، وجاء فى خاطرها فى تلك اللحظة كلمة رامي لها ..( أنتم كلكم حلوين كدا ، معندكش أخت بنت )
تنهدت بحزن .. فأخبرتها هالة أنها ستذهب وقاموا بتوديع بعضهما ...
رجعت ياسمين وهى تنظر الى الاخين وهما يتعانقان بحرارة .
فقال نادر وهو يشير اليها
_ هى دى ياسمين اللى حكتلى عليها ، ازيك ياياسمين ..أنا نادر .. فاكرانى .
شعرت ياسمين بالاحراج وهى تنظر الى أدم ، اعتقدت بأنه اخبره باشياء مخجلة ، فلم ترد عليهما وصعدت الى غرفتها .
***
جاء الصباح محملا برياح مملوءة بالاتربة ، قررت أن تذهب الى الجامعة ، فحاولت الخروج مبكرا بدون علم ادم ، وتسللت بدون أن يراها العم عبده أيضا .
وخاصةً ان طوال الليل كانت لبني ، تطرق الباب بعنف ، بسبب دراجتها التى رأتها محطمة .
وبعد ان وصلت الى الجامعة ، جلست أمام المبني الخاص بكلية الهندسة ، تنتظر موعد المحاضرة ، مرت ثلاث ساعات عليها وهى تنظر الى العشب والورود الحمراء التى تزين مدخل الجامعة .
لمحها سيف وهو يمر على الطريق المؤدي الى مبناه ، فاقترب منها والجميع ينظر اليه .. وما أن رأته أنتفضت واقفة ووجها يتلون خجلا .
فقال لها وهو يرنوا اليها باعجاب
_ زهرة الياسمين ...
....تعرفي انك أحلا من الزهور نفسي اقول كدا لشخص اللى اختر اسمك
ابتسمت وهى تراه ينظر اليها باعجاب ، فأردف
_ هتخلصي امتى محاضرات .
_ على الساعه ثلاثة .
_ بصي ساعة ماتخلصي ، انتظريني هنا ، هوريك حاجة مهمة .
لا يعلم انه قام بايقاظ فضولها ، فبقت طوال اليوم شاردة ، تتسأل بما يريد أن يريها . لكن تلك التسؤلات كلها تلاشت وهى تجلس فى المحاضرة فى المدرج السابع وترى رامي يدخل أمامها ، ويرمقها بنظرات لا تختلف عنها .
جلس فى المدرج الأخير فبقي مقابلا لظهرها ، يراقب كل تصرفاتها ، ولكن جلس وراءها بعض الشباب يحجبون الرؤية عنه ..
صدمت ياسمين وهى ترى زملاءها الشباب والبنات من ايام المتوسط ،ممن هم فى فرق أخرى وجامعات مختلفة عنها ، يجلسون خلفها ، يهمسون ، ويضحكون بصوت هامس يصل اليها واضحا .
تنصت لكلمات تذبحها لكن بقت تحاول أن تركز مع المحاضرة .
كلما يتحدث الأستاذ الدكتور ، ترفع يدها وتسأل وتجاوب ، وتظهر لهم أنها لا تعيرهم أى أهتمام
_ اسمك ايه ، ياطالبة.
هتف بها الاستاذ الدكتور أمام الطلاب وهو يرى أن ياسمين تملك عقلا كبيرا بتفوق وتتجاوب معه ، بأسئلة ذكية للغاية .
هتفت بأعلا صوتها الذي ينبع بداخله الثقة ،حتى هى لم تصدق نفسها وجرائتها
_ زهرة الياسمين ...
هنا ظهر صوت زملاءها الذين يجلسون خلفها يضحكون بأعلا صوت بسخرية مريرة ، جعلتها تغمض عينها بألم ، وتطلب القوة من الرحمن .
فهتف الدكتور ..
_ اللى بيضحك وراء .. قم ياخويا أنت وهو تعالوا هنا ، منشوف بتضحكوا علي ايه ..
وقف الشباب يرمقون ياسمين ويهمسون لها بافظع الكلمات ، وهم يذهبون الى الدكتور .
_ اكتب اسم أنت وهو هنا ..
فى تلك اللحظة وقفت ياسمين وهتفت ،.
_ مش فى القسم هنا يادكتر ، فى جامعات تانية، واسمهم ....
أقبلت ياسمين تهتف بكل أسم لديهم ..
فانفعل الدكتور وامتلئ وجهه بالغضب وقام باحراجهم وقام بطردهم شر طرده . وأردف ..
_ أى حد مش فى القسم يخرج بكرة ..
وقفت الفتيات زملاءها ، وقاموا باطلاق السباب لها وخرجوا من القسم . وقال الدكتور .
_ .... زهرة الياسمين ... بعد كدا تعدى فى الدسك الاول لانك هتكون القائد فى الفرقة الاولى .. اى حد عاوز يوصل ليا حاجه هى هتكون المسؤلة ، ماشي ياسمين ، متغبيش بقي .
أمالت ياسمين رأسها بايجاب ، وقد نبض الحماس داخلها ، وهى ترى أن باقى الفرقة يتهافتون عليها بالتعريف عن نفسهم ، ويطلبون صدقاتها .
لمحت ياسمين نظرة خاطفة رمقها بها رامي وهو يخرج من المدرج ، لم تعرف أن تترجمها .
***
خرجت ياسمين من المدرج وخطت فى الطريق ذاهبة الى المكان الذي اخبرها سيف أن تنتظره فيه ، وفى الطريق تجمع عليها الشبان والفتيات زملاءها ، فقامت فتاة منهم بلكزها فى كتفها ، والاخرى بلكمها فى وجهها ، وبقت تنظر اليهم ياسمين ولا تعرف كيف تتصرف بتجمعهم حولها .. ليظهر صوت ذلك الشاب الذي هو صديق أدم ... وهو يقول أمام الجميع ، من طلاب فرقتها و بعض الطلاب الاخرين .
_ متحول .... مش رادي برجولتك تقوم محول نفسك لبنت ، عمرك ماهتتغير هتفضل طول عمرك ولد . بس .... مخنث
تعالا صوت الجميع بالضحك أمامها ساخرين ، متفاجئين ، مصدومين .
وهى .... فقط تائهة لا تصدق ماتراه ، من خبث القلوب ، ووحاشة صدورهم بالغل .
تسألت مع نفسها ..
( ليه .، بتعملوا كدا ...) ( أنا مخترتش أكون ..) (أنا مش متحول أنا مش مخنث ) أنا أنا ...ياسمين . ( ليه ياأدم عملت كدا ، واتفقت معاهم ) ( دا أنا بنت عمك ) ( ليه كلكم وحشين )
من ينظر اليها يراها قوية صامدة تنظر اليهم بجراءة ، لا يرى الصراع الذي بداخلها ، لا يسمع صرخاتها الصامتة، لايشعر بانياب حقدهم تذبح قلبها ، حتى نزف ولم يعد يحتمل ..
لم تتوقف الفتيات عن وكزها فى كتفيها وباقى جسدها ، وشد شعرها ، اقترب هذا الشاب الساخر ، يرفع يده أمامها ويصفعها على وجهها .
تلك الصفعه لم تكن مؤلمة ، ولم تكسرها ،بل كانت مداوية ، جعلتها تفق وتنظر الى تلك الذئاب التى تريد نهش عظامها ، رفعت ببصرها الى هذا الشاب بنظرات غاضبة ، لتركله بسرعة خاطفة فى مؤخرتة حتى أنحنى ظهره من الألم ، فتجمعت الفتيات عليها يعنفوها بالضرب .
وإقترب منها الشاب مرة أخرى يرفع يده عليها ، لتقوم بايقافه يد اجتمع فيها غضب العالم كله حتى قامت بلوي يده وكسرها ، فلم يصرخ من الالم بل من الصدمة وهو يري صديق عمره أدم واقفا أمامه بعينان فهد على وشك افتراس جسده .
سدد له أدم لكمات قوية بسرعة خاطفة فى كامل وجهه، ولم يشفع لقطرات الدماء التى تتسرب من أنفه ووجهه ، ولم يكتفى أدم بذلك ، فجعله يسقط على الارض و يركله فى بطنه.
أقتربت فتاة جريئة تضرب ياسمين على وجهها ، معتقدة ان أدم لن يقترب منها لانها فتاة ، فكان الاسوء لها انه قام بكسر يدها الاخرى .
خلع أدم معطفه ووضعه علي ياسمين ، وقام بسحبها الى سيارته .
كانت تنظر اليه بغرابة وعيناها مليئة بالضباب ، من هو هذا الذي أنقذها ،من هو الذي قام بتحريرها من أيديهم .
لم تعرفه الا وهو يجلس فى السيارة يخرج منديلا ، ويقوم بمسح وجهها وترتيب شعرها بلمسات ليست غريبة عنها .
ويقول بنبرته التى جعلت جسدها ينتفض ..
_ متخفيش ، أنا معاك .
تلاشي الضباب لتصفى الرؤية تدريجيا على عيناها ، لترى أدم ينظر اليها بتلك العينان الغاضبة ..
جاء الليل بعلو القمر يرتسم داخل السماء بضوءه الشديد ، التى أخفته السحب عن عيناها ،واخفت النجوم عن رؤيتها ، لمحت ذلك الرجل الذي يأتى اليها بالصناديق يقف أمام بوابة المنزل ، لكن فى تلك المرة لم يكن معه أى صناديق ،
أعطها ورقة صغيرة ...
ذهبت الى غرفتها .. وقامت بفتحها ... تقرأ مابداخلها
(عيناك سرابا لبئر يسحبني
اخطو اليك وارادتى ليست ملكي
فى الدنيا قالوا ان لكل داء دواء
فكان حبي لك دائى وانت لى كنت دوائى
قالوا ان الحواس خمس
وانا اخبرهم ان الحواس سبع
فالحب فى اذني ينصت لهمسك
الحب فى قلبي يخفقك باسمك
الحب فى عيني يرى سحرك
الحب فى انفاسي يلثم رائحتك
الحب فى شفتاى تعانق شفاهك
الهواء فى رئتي يمتلأ بحبك
الحب فى يدي يشعر بخفقك)
كانت تعيد قراءة الرسالة أكثر من عشرات المرات وتترك فى قلبها أثرا .. ، حتى شعرت ان الرسالة ليست لها ...
_معقول كل الحاجات دي متكونش جاية ليا ، وجيت هنا غلط . بس كاتب زهرة الياسمين ..
ممكن تكون كناية ...
تنهدت وهى تنظر الى الرسالة ... وتردف ..
_ لازم اتكلم مع سيف ..
****
مر يومين كاملين لم يتحدث معها أدم ، يقوم بتوصيلها الى جامعتها ، أمام الجميع ، ولم تأتى الجراءة لأحد حتى يرفع عيناه فى عيناها .
قدم اليها هاتفا جولا بدون كلمة واحدة .
نظرت اليه لتراه انه ليس الهاتف الذي سحبه منها منذ أخر مرة ،بل هاتف جديد .
أخذته مرغمة فقد كانت بحاجه الى جوال معها .
باقى الطلاب كانوا مصعوقين مما سمعوه، لكن ، كلما ينظرون اليها ، يروا فتاة جميلة مثل الأميرات فكانت الغالبية معها يحترمونها ويقدرونها ، وفئة قليله بقت حاقدة بنظراتها فقط، لا تعلم أهو بسبب جمالها أم تفوقها عليهم أم بسبب انها كانت ....
لم تعد تشعر بالخوف ، لم تعد تخشي من نظرات الناس ، بقت تمشي رافعة الرأس ، لا تعرف كيف تغيرت ..
. لا تعلم كيف أصبحت تريد أن تتفوق على الجميع، لا تعلم كيف أصبحت تحب نفسها أمام مرآتها .
لم يتوقف رامي عن الذهاب الى الجامعة ، ولم يتوقف عن النظر اليها ، علمت فيما بعد أنه لم يحضر ماحدث لها من تعنيف ، بسبب عرض كاميرات المراقبة على الشرطة ، لأن عمها أثر على سجن الطلاب الذين قاموا بمهاجمتها . وبالفعل لم يتركهم حتى جعلهم قامو بدفع الثمن غاليا هم وعائلاتهم .
استمرت الايام تجرى كالخيل ، أصبح هدفها هو دراستها حتى صار التفوق مركزها ، وبقي اسمها يلمع فى دفعتها .
اقترب الامتحان وبقت ايام قليلا على الاختبار .
وعند أخر محاضرة قام رامي بايقافها وهى تسير خارج المدرج ، وطلب منها أن يتحدث معها ، ارادت أن ترفض لكن ، لم تستطع بسبب ......
فوقف الاثنان فى مواجهة بعضهما
_ حولت نفسك ليه ، ليه دخلت العالم دا .
_ أسمع يرامي ، أولا أن محولتش نفسي ، أنا أتولدت بعيب خلقى ، وبسبب الظروف ، بقيت اسلام ، وبعدين صلحت نفسي . ومتحولش تحاسبني على حاجة مش بايدي ...
_ مخنث !!!
التفتت ياسمين وابتعدت عنه ،بعد ان قام برمى تلك الكلمة ، لكن أوقفها وهو يقول
_ عاوز فلوسي .
توقفت عن الخطى .. والتفتت اليه .. وقد تحقق تخوفها
_ هرجعهم ليك فى اقرب وقت . اصبر عليا شوية
_ لا مش هصبر ..
_ أنا معيش فلوس دلوقتى ، وبصراحة مش هعرف أكون المبلغ دا غير بعد فتره . ياريت تعمل اعتبار لصحوبية اللى كانت بينا قبل كدا .
التمعت عين رامي بالخبث فقال .. وهو يرفع حاجبا عن الاخر .
_ انا عارف تردهولى بسرعة ازاى
ضيقت عيناها وهى تنظر الي عيناه الزيتونية ، وتتنبأ بشئ لن يعجبها .
....يتبع ....


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close