رواية السجينة وايدي العقاب كاملة بقلم دينا عادل
.......................
"السجينة....وأيدي العُقابُ"*الفصل الأول*
_حلَّ الهدوء في أركان ذلك المكان ،والجميع مترقب في قلق ،شفقة وشماتة ، جلس ذلك الرجل الوقور على كرسيه المخصص وعلى جانبيه رجلان آخران ، وفي أحد أطراف المكان نجد تلك الفتاة ذات الشعر الطويل والبشرة البيضاء النقية وعيناها الخضراء الحادة واقفة ممسكة بتلك المقابض التي أمامها مترقبة في صمت هادئ وكأنها تعلم مصيرها!
نظر لها ذلك الرجل بشامتة كبير وبسمة انتصار وكأنه واثق مما سيحدث لها ، بينما بادلته نظرات احتقاريه حادة وأشاحت بوجهها عنه !
بعد ما يقارب الخمس دقائق بدأ هذا الرجل الوقور بتحدث بشكلٍ جديّ قائلًا:
-بعد المشاورة الكبير والاطلاع عل جميع الدلائل والأوراق وبعد طلب تخفيف الحكم في مقابل دفع مبلغٍ وهو "15000" حكمت المحكمة حضوريًا على المتهمة "عهد عبد الكريم سليمان" بتهمة القتل بالسجن المؤبد ، رفعة الجلسة !
قام الرجل ومعه الرجلين الآخرين وسط حالة هرجة من الأصوات المختلفة بين الجميع ،فمنهم من صاح قائلًا:
-يحيا العدل !
وآخرون يهتفون ببكاء :
-حرام عليكم البت مظلومة مش ذنبها ،منكم لله
ومنهن بعض النساء التي أخذن يولولن في صياح شديد:
-البت ضاع شبابها ، ربنا على الظالم !
_أما هي فأدركتْ بعد سماع تلك الجملة أن ذلك الظلام سيحلُ بها بشكلٍ أبدي، لن تتذوق طعم النور في حياتها مرة أخرى ،أبت دموعها بالهطول فهي ليست نادمة لكنها تلعن ما يحل بها الأن وكيف ستستمر حياتها بعد ذلك اليوم أغلقت عيناها لتتعمد رؤية ذلك الظلام الدامس الذي سيستمر معها طيلة عمرها فأصبح كل ما بها....ظلام !
أمسك بها العسكري من يدها بقوة وضع بإحدى يدها "الكلابش" لتتصل بيده الأخرى وهو يجرها نحو الخارج وسط هتاف مختلف من الجميع ،بينما تقدم ناحيتها ووقف قبالتها ليقف العسكري مكانه من ضخامة هذا الرجل الذي أشار بأصبعه بابتسامة متشفية قائلًا:
-كان نفسي أشوفك متعلقة على حبل المشنقة ، بس تعرفي كده أحسن هتعيشي بقية عمرك كله محبوسة بتتعذبي وبتتمني الموت ومش هتلاقيه ، سلام يا ...سكر !
رحل من أمامها بينما نظرت له نظرات نارية ثم بثقت عليه ،فاستمع لها وابتسم باستفزاز وأكمل سيره وهو يحدث صفيرًا ببرود تام !
بينما تقدم ناحيتها ذلك المحامي وقال بنبرة تحمل الحزن الشديد:
-أنا آسف يا "عهد" كان نفسي يخففوا الحكم أكتر من كده إحنا دفعنا لهم كتير ومفيش فايدة الناس دول واصلين وأنتِ عارفة،حتى مخلونيش أقدر أثبت براءتك وإنك آآ...
قاطعته بنبرة جامدة خالية من كل شيء:
-مفيش داعي تقول حاجة ، متنساش إني مش بريئة ولا حاجة وقتلته فعلًا ومش ندمانة !
حاول المحامي التحدث من جديد لكنها أوقفته بإشارة من يدها الحرة قائلة بنبرة آمرة :
تروح تبيع البيت عندي وتاخد الفلوس اللي دفعتها هنا يا "محمود"
ثم أكملت بنبرة مختنقة وهي تتنهد سريعًا:
-البيت ده خلاص مات زي ما أنا متْ !
تحركت سريعًا مع العسكري لتهرب من نظراته التي تتبعها وهي يهتف بنبرة منكسرة:
-فلوس ايه بس يا "عهد" ده أنتِ بنت حتتي ،انا اللي خذلتك ومعرفتش أعمل حاجة !
تنهد بضيق وهو يمسح على شعره ليحاول السيطرة على أعصابه ويذهب خارجًا لاعنًا ذلك المكان وهؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في ضياع مستقبل تلك الفتاة البائسة !
.....................................................
خرج من مبنى المحكمة واتجه نحو سيارته الفارهة وهو يشعر بنشوة بالغة ،بينما أوقفه ذلك الرجل قائلًا:
-يا "عاصم" باشا!
التفت ناحيته ووجهه حديثه قائلًا بإيجاز:
-عارف عارف يا متر ، فلوسك هتوصلك الليلة خلصنا!
اتسعت عيناه بسعادة لما سيحصل عليه من المال ثم قال:
-تسلم يا باشا ومتقلقش زي ما اتفقنا هيحصل!
أومأ برأسه في ضيق ثم تركه واتجه نحو سيارته وقادها بسرعة جنونية وكأنه يولد من جديد !
......................................................
استقل ذلك الرجل الضخم ذو العينين الضيقة باللون الرمادي والشعر الأسود الكثيف سيارته بعد إرهاق ،ثم انطلق بها وهو شارد الذهن تمامًا، أو ربما هذا حاله منذ أكثر من سنتين ،حتى سمع صوت رنين هاتفه فنظر إلى الشاشة وكأنه يعلم أنه سيتلقى ذلك الاتصال فـأجاب بملل :
-خير؟!
آته ذلك الصوت وهو يهتف بانزعاج :
-أنت اتجننت يا "زين" ، أنتَ ازاي تنقل من مكانك ومن غير ما تقولي كمان هانت عليك العشرة يا صاحبي !
تنهد "زين" بضيق ثم وهو ينظر أمامه قائلًا باقتضاب:
-"يوسف" انا مش طايق أتكم دلوقتي ، بعدين لما أهدى هبقى أتصل بيك أنا ، بس اعرف إني كده مرتاح سلام!
أغلق سريعًا دون انتظار كلمة أخرى من صديقه وألقى بهاتفه بإهمال ثم قام بإشعال سيجارة وزاد من سرعة قيادته !
............................................................
وصلت سيارة الترحيلات إلى سجن النساء ، لتنزل "عهد" منها بصحبة العسكري وورائها الكثير من النساء ،نظرت حولها بتفحص لتدرس جيدًا هذا المكان الذي سيحمل بقية عمرها ،أشفقت على حالها وعل كل يوم ذاقت به مرارة الحياة ورغم كل ذلك لم يشفع لها أحد !
تنهدت بضيق والعسكري يجرها ويهتف صائحًا بها :
-مدي شوية يا بت دي مش ناقصة لكاعة !
وقف العسكري في منتصف ساحة السجن ثم فك "الكلابش" من يدها وذهب ليقف بعيدًا فوقفت بهدوء وبجانبها النساء الأخريات وهي شاردة الذهن تتذكر ذلك اليوم المشئوم !
.......................................................................عودة إلى أحداث الماضي:
جلست بجانبه بتأفف بالغ قائلة وهي شابكة يدها:
-أفندم عايز ايه تاني؟ !
اقترب منها وأمسك بيدها قوة لتصبح في مواجهته قائلًا بصوت أشبه بالفحيح:
-بقولك ايه انا صبرت عليكي كتير ،ومش أنا اللي يتلوي دراعي يا بت فاهمة ولا لاء ، الليلة هيحصل سامعة !
بثقت في وجهه وحاولت التملص من قبضته قائلة بنبرة غاضبة:
-نجوم السما أقربلك مني مش هيحصل حتى لو هتموتني !
أعجب دومًا بمقاومتها له وهذا يجعله يجنّ أكثر بسببها ، أفلت يداه حول معصمها ثم نظر لها ببرود مستفز :
-أنتِ جيتي هنا بدل أمك يعني بمزاجك يا حلوة وخليتك ملكة زمانك وفي مكان متحلميش تطولي ضفره حتى ،وبإشارة مني هرميكي للكلاب اللي عندي تحت يقطعوكي ،فمتقدريش تقوليلي لاء !
نظرت له بتحدي وهي تقترب منه وتمسك بوجهه قائلة:
-الكلاب دي أحسنلي مليون مرة من واحد زيك يا ...يا باشا!
تركته وانصرفت صاعدة نحو غرفتها
بينما ابتسم وهو يفكر بشيطانية :
-وماله نخلي الكلاب برضه تقوم بشغلها !
........
جلست على السرير وهي تهز قدميها بعصبية وتفكر ، نعم قد حان وقت الانتقام ، الأن فرصتها الوحيدة ، لن تسمح له بأكثر من ذلك ، رفعت وسادتها ثم نظرت إلى تلك الصورة قائلة:
-حقك هيرجعلك ياما أوعدك حتى لو على رقبتي !
ثم قامت برفع مرتبة السرير لتأخذ تلك السكينة وتنظر لها بوميض وهي تلفها بشرٍ واضح :
-ده أنتَ اللي مش هتفلت من إيدي يا "حمدي" !
...........عودة
أفاقت من شرودها عندما سمعت الشرطية وهي تصيح باسمها قائلة :
-أنتِ يا زفتة يا اللي اسمك " عهد"
انفضت فزعة ثم قالت بنبرة متوترة من منظر تلك السيدة الممتلئة :
-.آآ.أيوة !؟
اقتربت منها الشرطية ثم ضربتها بخفة على كتفها قائلة بغضب:
-جرى إيه يا بت أنتِ بقالي ساعة بنده عليكي إيه طرشتي خلاص ، فوقي كده يلا وبطلي سرحان !
نظرت لها "عهد" بضيق ولم ترد عليها بينما زجرتها الشرطية قائلة:
-اسمك "عهد عبد الكريم سليمان" !
قالت باقتضاب :
أيوة !
نظرت لها الشرطية شزرًا ثم دفعتها إلى الخلف لتسقط أرضًا قائلة:
-جتك البلا !
أخذت النساء الموجودة ينظرن لها بنظرات ساخرة ضاحكة ومنهن من أشفق عليها ،بينما تضايقت "عهد" من فعلة تلك الشرطية وتوعدتها في سرها ووقفت من جديدة لاعنة لها
هتفت الشرطية قائلة للعساكر أمامها بنبرة آمرة:
-تاخدوا أول تلت صفوف على عنبر 110 وبعدين تيجوا تاخدوا الباقي على عنبر 57 ، وشوية الستات اللي في الآخر دول انفرادي يلا اتحركوا!
قاموا العساكر بفعل ما أمرت به وكانت "عهد" من ضمن عنبر "110" وحمدت ربها أنها لم تكن في انفرداي ولكنها لم تكن تعلم ما سيواجهها هناك !
بينما اتجهت شرطية السجن نحو مكتبها وجلست بتأفف قائلة:
-كل يوم على الموال المقرف ده
تحدثت زميلتها مؤيدة لها :
-اه والله يا "سعاد" إحنا بس اللي بنتعب وبيطلع عنينا مع شوية الهمج دول!
تنهدت "سعاد" وهي تضع قدم فوق الأخرى وترتشف من كوب الشاي بطريقة مستفزة:
-بكرة هيجلنا مأمور جديد ويريح عنا شوية
مطت شفتيها وهي تلوح بيدها قائلة بحنق
-هتلاقي راجل كبير وهيقرفنا أكتر !
وجهت "سعاد" نظراتها نحوها وقالت بنبرة قلقة:
-تفتكري يا "سماح" ،يا رب يختي لاء ما هي مش ناقصة ، لازم حد يشيل عنا شوية خصوصا بعد ما مات المأمور اللي قبله !
نظرت "سماح" أمام تلك المرآة التي بيدها وهي تضح أصبع الروج المستفز قائلة بعدم اهتمام:
-بتحلمي يا "سعاد" برضه هيطلع عينا !
...............................................
وصل إلى منزله بعد يوم شاق وهو غاضب بعض الشيء ، استقبلته زوجته بابتسامة عذبة وقالت بنبرة حانية:
-حمدلله على سلامتك يا حبيبي ، تحب تاكل دلوقتي ؟
هز رأسه نافيًا ولم يعقب عليها بينما دخل وجلس على الأريكة وهو يفكر بشرود !
تعجبت من حالة زوجها فهو دائمًا يمزح معها ويداعبها ، لأول مرة تراه على تلك الحالة اقتربت وجلست بجانبه متسائلة:
-خير يا "يوسف" مالك يا حبيبي ساكت ليه !
نظر لها ثم أرجع ظهره إلى خلف وتنهد بتأفف:
-"زين" مش ناوي يرتاح وهيضيع نفسه أكتر ما هو ضايع! يا "سلمى"
اضطربت وقالت "سلمى" بنبرة قلقة:
-ماله أخويا يا "يوسف" عمل ايه تاني ؟!
أكمل "يوسف" وهو يشير بيده منزعجًا :
-البيه نقل من قسم الشرطة وارح يمسك في سجن النسا ، لاء وايه قسم قتل وإجرام !
شهقت "سلمى" ووضعت يدها على فمها ثم تنهدت بضيق:
-هو اتجنن ولا ايه هيستفاد إيه باللي بيعمله ده هيرجع اللي راح !
نظر لها " يوسف" بأسف وحزن على حال صديقه بينما وقفت "سلمى" قائلة بإصرار:
-أنا هقوم دلوقتي أروحله وأمنعه ، مش هسيبه يضيع أكتر من كده !
أمسك "يوسف" بيدها وأوقفها يمنعها قائلًا:
-أخوكي بيعمل اللي في دماغه مهما تقولي ومش هتستفادي حاجة ، لو كده كنت وقفته أنا ،ادعيله يا "سلمى" ربنا يهديه !
نظرت له "سلمى بحزن وتجمعت الدموع في عينها بينما ربت عليها "يوسف" برفق واقترب منها ليجد من يهزه في ساقه ويصيح بنبرة عالية :
بااااابي كل ده إتأخرت أنا جعت أوي!
نظر نحو تلك المشاكسة بغيظ ثم رفعها وحملها بين ذراعيه :
-همك على بطنك دايمًا يا رهوف، قدامي على سفرة !
قبّلته ابنته ضاحكة بينما ابتسم لها ونظر إلى "سلمى" غامزًا لها :
-بعدين بعدين !
ضحكت على كلامه واتجهت لتحضر السفرة وهي تدعو إلى أخيها بأنه يهديه الله ويصلح حاله !
................................................
وقف والدموع تتجمع بيعنه وقلبه يحترق من الداخل ثم بدأ بالحديث :
-وحشتيني أوي ، لحد دلوقتي مش عارف أتعود على بُعدك ،أنتِ مش عارفة بتحرقي قلبي ازاي كل ليلة وانا لوحدي وأنتِ مش معايا
جلس على الأرض وزاد بكاءه وعلت شهقاته قائلًا وهو يلوم نفسه:
-أنا السبب معرفتش أحميكي منهم معرفتش أجيب حتى حقك ،ضيعتك من إيدي سامحيني ، قتلوكي قدام عيني ومعرفتش أحميكي معرفتش !
شعر بألم يغزو قلبه وهو يأنب نفسه ويكرر تلك الكلمات ثم استمع لرنات هاتفه ليجدها والدته انتباه القلق ورد سريعًا لتهتف والدته:
-أنتَ فين يا "زين" كل ده ؟!
وقف سريعًا ثم هتف بتلهف قائلًا:
-"مليكة" كويسة جرالها حاجة ؟!
أجابته والدته بنبرة هادئة:
-كويسة متقلقش هي بس كل شوية تسأل عليك وانا شوية وهنزل ،و"عفاف" الدادة لسة في أجازة ، قدامك كتير ؟
تنهد بارتياح ثم هتف بإيجاز:
أنا جي دلوقتي سلام!
أغلق معها ثم نظر نظرة أخيرة على قبرها وتنهد بحزن وعاد يرسم قناع الجمود وهو يمسح دموعه واتجه نحو سيارته ليعود إلى منزله سريعًا
..............................................................
جلست "عهد" على أحد السرائر الموجودة ضامة ركبتيها نحو صدرها وهي تنظر إلى هؤلاء النساء الغريبات بالنسبة لها ولم تكن واحدة منهن مطمئنة بالمرة !
حتى أتت إحداهن ناحيتها ثم لكزتها بخفة قائلة:
-مالك يا بت أنتِ مش على بعضك ليه وعمالة تبصي يمين وشمال !
ارتابت منها ومن نظراتها ومنظرها ذاك ثم قالت باقتضاب:
-ولا حاجة ،وابعدي عني لو سمحت !
ضحكت بسخرية عليها ثم هتفت بنبرة جامدة:
-بت أنتِ هتعمليهم عليا ولا إيه فزي قومي يلا ، شكلك مش مريحني !
تأففت من حديثها ثم قالت بصوت عالٍ:
-أوف ، عايزة مني ايه يا ست أنتِ ؟ ، سبيني في حالي بقى !
قامت السيدة واتجهت نحو أحدى السجينات ثم همست لها ببعض الكلمات ،حتى ابتسمت لها بتشفي ثم قامت معها واتجهت نحو "عهد" الشاردة ثم قالت لها بلهجة آمرة:
-قومي يلا يا بت اسمعي كلام "فتحية" واعملي اللي تقولك عليه يلا !
نظرت لها "عهد" نظرات نارية ثم هتفت بتهكم:
-ابعدي عني يا ولية أنتِ ،تكونيش فاكرة اشتريتي السجن ولا إيه ، حلي عني !
نظرت لها بصدمة وهي تحدثها بتلك الطريقة ،فلم يجرؤ أحد على تخطي الحدود معها ، بينما التفت الجميع ليشاهدوا تلك المعركة التي على وشك أن تبدأ بينما أمسكتها من يدها وشدتها نحوها بعنف قائلة:
-محدش يقول ل"نعمات" لاء فاهمة يا بت أنتِ ، امشي يلا معايا وإلا ما هيطلع عليكي صبح!
جرجرتها بعنف فلم تستطع الإفلات من يدها القوية والجميع يهتفن ويصفقن لهذا العرض ، اتجهت بها نحو المرحاض القذر المخصص للعنبر ثم رمتها على أرضيته قائلة:
-عايزة الحمام يبرق كده ولو جيت وملقتكيش عملتي حاجة هتشوفي مني سواد عمرك ما شوفتيه !
أغلقت عليها باب المرحاض بقوة بالمفتاح الملحق به حتى تمنعها من الرفض ، نظرت حولها باشمئزاز كبير والأن سالت دموعها بخنقة وتمنت من داخلها أن يخلصها الله من حياتها بالكامل !
...........................................
عاد إلى منزله وهو يشعر بالتعب في جميع أنحاء جسده ،وما إن فتح باب المنزل حتى وجدها تركض ناحيته وتتشبث به قائلة وهي تبكي :
-برضه بتتأخر عليا ، مش قولتلي مش هتأخر عنك تاني !
نزل إلى مستواها ثم مسد على شعرها بحنو وضمها بقوة:
-آسف يا حبيبة قلبي بس كان عندي شغل مهم أوي!
ابتعدت عنه قليلًا ثم نظرت إلى عينه وقالت بعد برهة:
-أنتَ روحت لمامي صح ؟!
تفاجأ من كلامها ثم هتف قائلًا وهو يرفع أحدى حاجبيه :
-وإيه بقى اللي عرفك ؟
ظهر الحزن في عيناها ثم أشارت نحو عينه قائلة:
-عشان عنيك كلها دموع يا بابي ، وأنتِ مش بتعيط غير لما تروح تزور مامي !
ابتعدت عنه بضيق وقالت معاتبة له:
-وبرضه مخدتنيش معاك ،وعدتني إنك هتوديني
تنهد بثقل وحملها بين ذراعيه ثم أخذها داخلًا وجلس بها على الأريكة ثم قال :
-أنتِ مش كان عليكي واجب تعمليه ومذاكرة، وأنا روحت فجأة ، لما تخلصي هبقى أخدك ولازم تسمعي الكلام !
نظرت إلى أسفل ثم قالت بعدما تجمعت الدموع بعينها:
-بس هي وحشتني يا بابي
شعر بالأسى نحو ابنته وضمها إليه أكثر ثم قال وهو يمسد عليها قائلًا بنبرة حزينة:
-وحشتنا كلنا يا "لوكا" ، بس اتفقنا منعيطش تاني وإن لو عيطنا مامي هتزعل مننا
مسحت دموعها سريعًا وأومأت برأسها ثم هتفت مشيرة لوالدها :
-وأنتَ كمان يا بابي متعطيش عشان متزعلش منك !
ابتسم لبراءتها ثم قبّلها حب
-أخيرًا جيت يا "زين"
هتفت بها والدته وهي بكامل زينتها ومستعدة للخروج ،فنظر لها "زين" ببرود ثم قال :
-آسفين عطلناكي !
نظرت له بحنو وتقدمت منه قائلة:
-حبيبي مش قصدي بس ما أنت شايف بنتك متعلقة بيك ازاي ومش بتسكت غير معاك !
أومأ برأسه ولم يعقب بينما اتجهت نحو باب المنزل قائلًا:
-أنا جهزتلك الأكل كله اتغدى وأكل بنتك ! ، سلام
تركته وحيدًا مع ابنته التي يعشقها وهو يراه نسخة مصغرة من زوجته ، تنهد بإرهاق وهو يشعر أنه وحده من جديد هكذا اعتاد ان يكون وحده !
............................................................
في اليوم التالي
أشرقت الشمس عليها وهي مازالت تعمل ، شعرت بتعب شديد في جميع أنحاء جسدها وتمنت لو تنام قليلًا وبعد قليل من الوقت انتهت من التنظيف حتى فُتِح عليها الباب ونظرت لها "نعمات" بغضب وهي تنظر إلى أركان المرحاض قائلة بنبرة متهكمة:
-مش بطال بس البطء ده مش هياكل معايا ابقى شهلي شوية بعد كده ، يلا فزي قومي عشان الطابور برا يلا !
تركتها ببرود فقامت "عهد" على مضض وهي تلعن تلك الفتاة ،وذهبت لتنظف نفسها سريعًا وهي تشعر بالنعـــاس!
.............................
أنهى كامل حلته الرسمية ثم مشط شعره الناعم ونظر نحو ابنته النائمة ببراءة بحنان بالغ ، أتجه نحوها وقبّل رأسها بهدوء وأحكم عليها الغطاء واتجه نحو خارج الغرفة
_خرج من غرفته ليجد والدته جالسة على السفرة تتناول الإفطار في هدوء شديد ، تنهد بضيق ثم هتف ناحيتها متعجلًا:
-صباح الخير!
نظرت نحوه وقالت وهي ترتشف من كوب الشاي:
-صباح النور يا حبيبي مش هتفطر ؟!
أجابها نافيًا وهو يتجه نحو الباب قائلًا بنبرة ضيقة:
-مليش نفس ، "سلمى" هتيجي تاخد "مليكة" عندها شوية عشان متعطلكيش تاني عن شغلك!
لم يمنحها الفرصة للرد بينما أغلق الباب بقوة ليجد من ينادي عليه مرددًا:
-"زين" باشا ، يا أستاذ "زين"
التفت إلى الخلف ليبتسم بعذوبة وقال:
-صباح الخير يا عم "مينا" ، مش قولنا تقولي "زين" بس ولا إيه ؟
ابتسم "مينا" بحب وربت على كتفه وقال:
-حاضر يا ابني ،ده أنتِ ابن الغالي الكبير ، أنا قولت أصبح عليك قبل ما تروح شغلك !
ثم أعطاه كيسًا مغلفًا وقال:
-عارف إنك مفطرتش خد السندوتشات دي وكلها بسرعة لو ليا معزة عندك
نظر له "زين" بامتنان كبير ثم احتضنه شاكرًا:
-تسلملي يا عم "مينا" ربنا ما يرحمنيش منك ويديم المعروف بينا !
.................................................
وصل "زين" إلى المقر الجديد لعمله وهو يتفحصه جيدًا ،نزل من سيارة الشرطة وبرفقته الكثير من العساكر ، وتم هناك إعداد استقبال كبير له ، دلف إلى داخل سجن نسا بشموخ ، وأخذ الجميع ينظرون له بصدمة كبيرة خاصة "سعاد" فلم تصدق أن هذا سيكون المأمور الجديد ، أمعقول رجل شاب بهذا الجمال يعمل هنا !؟
وقف "زين" في بداية الساحة وأمامه جميع المسجونات في طابور منظم ،بينما استوعبت "سعاد" نفسها وتوجهت ناحيته قائلة بترحيب كبير:
نورت السجن يا سعادة البيه !
أومأ برأسه ببرود وقال بنبرة جدية جامدة:
-الطابور جاهز ؟!
أجابته سعاد وهي تهز برأسها:
-كله جاهز يا باشا ، تحب تتعرف على المسجونات الأول ، ولا نعمل الطابور ؟!
هتف بنبرة جامدة وهو يوجهّ نظراته نحو المسجونات بتفحص :-لاء ، الطابور الأول !
اتجهت "سعاد" لتقوم بعمل الطابور اليومي لكنها انفضت عندما وجدته يصيح بها قائلًا:
-استني !
توقفت جامدة ثم نظرت له بتساؤل بينما أكمل بنبرة غاضبة:
-هو مسموح هنا للمساجين يناموا على راحتهم ولا إيه ؟!
نظرت له بتعجب بالغ ولم تفهم مقصده بينما توجه "زين" نحو إحدى المسجونات وهو ينظر لها نظرات نارية تحمل الشر الكبير !
.....
لم تقدر "عهد" على التحمل الوقوف في الشمس الحارقة وهي تشعر بنعاس لم تستطع مقاومته فأخذت عيناها تغفل بدون قصد ولم تشعر بأي أحد حولها ،بل حتى لم تأخذ ببالها بما يحدث حولها ،حتى انفض جميع جسدها بارتعاد أثر ذلك الصوت الغاضب المزعج بالنسبة لها :
-فاكرة نفسك جاية تنامي في بيتكم ، ده أنتِ ليلتك سودة يا هانم !!!!!!!!!!!!!!!!!!!................
.............................................
رأيكم يا جماعة عايزين تفاعل حلو يا رب البداية تكون حلوة ،والباقي هيسخن لسة