رواية قرار حازم الفصل الثاني
#قرار حازم(الفصل 2) بقلمي : Chery Bentaleb
#اتصال حازميتصبب عرقا...يرتعش من الحمى...يهذي منذ ليلتين باسمها بخفوت ....ليلتان قضاهما حازم طريح الفراش بعد عودته الى منزله في تلك الليلة...حرارة ملتهبة اشتاحت جسده ليلتها ...فترجل من سيارته واخذ يسير تحت الامطار ...غير مكترث ببرودة الجو ...بل على العكس فتلك القطرات الباردة كانت كجمر بارد يطفىء لهيب نيران غريبة تلسع فؤاده.
لمسات حنونة تمرر على جبينه فوطة مبتلة منذ لحظات ....شبه مستيقظ شعر حازم بهذا اللمسات الحانية....ففتح عينيه بصعوبة ليطالعه وجه مضبب لم يتبينه للوهلة الاولى...لكن بعد عدة رمشات ادرك صاحبة الوجه فانتفض بخشونة
زمجر حازم بعنف وقد احتدت نظرات عينيه بشراسة ...فيما يتكىء بمرفقيه على السرير محاولا النهوض : ماذا تفعلين هنا يافتاة ؟...هل جننت كيف تدخلين غرفتي وانا نائم وبمفردنا ايضا؟
وقبل ان تجيبه الفتاة التي ارتدت للخلف رعبا من منظره الغاضب...دلفت والده مريم الى الغرفة
اقتربت مريم بسرعة نحو حازم وهتفت باحراج من الفتاة و نظرات معاتبة نحو ابنها : حازم.... بني اهدأ....ليلى كانت ت...
هتف حازم بغضب وهو يرمق والدته بحدة: لن اهدأ امي...ليس من الجائز ان تبق معي بغرفتي .
ثم التفت الى ليلى يحدجها بتقطيبة حادة ويردد بصوت خشن: دعيني مع والدتي بمفردنا...هذه اخر مرة تدخلين غرفتي وحدك قريبتي...تفضلي الان شكرا لك.
تبادلت مريم وليلى نظرات موحية...قبل ان تتوجه الفتاة للخروج بملامح شاحبة وهي تسترق النظر بهيام نحو حازم...وماإن اغلقت الباب ...حتى التفتت مريم نحو ابنها ولكن قبل ان تتفوه بكلمة كان حازم اول من بدأ الكلام
هتف حازم بصرامة : أمي ...كيف تتركين فتاة غريبة في غرفتي؟
اجابت مريم بملامح محرجة ونبرة متلعثمة: بب..بني...ليلى ابنة خالتك وليست غريبة ...وستتزوجان .
عاد حازم ينتفض بغضب وبهتف بخشونة : ابدا امييي!!!...هي ابنة خالتي فقط ...موضوع زواجنا هذا اخرجيه من دماغها ومن دماغ خالتي ومن دماغك امي.
مريم باصرار: ماذا تقصد حازم؟...هل ستظل اعزبا الى الابد ...لابد ان تتزوج يوما وليلى تحبك وهي قريبتك ايضا .
تناول حازم هاتفه و اجاب والدته باقرار : سأتزوج امي كوني اكيدة وقريبا جدا ...ولكن ليس من ابنة خالتي...هلا تركتني بمفردي لدي اتصال مهم يجب ان اجريه.
ربتت مريم بحنان على رأس حازم وهمست باهتمام : هل انت بخير بني ...هل استدعي الطبيب.
امسك حازم يد والدته يقبلها ثم اظاف بود: انا بخير امي لاتقلقي.
بعد لحظات خرجت مريم من الغرفة...وعندما تاكد حازم من اغلاق الباب ...امسك هاتفه محدقا اليه بابتسامة جانبية مشاكسة ...ثم اجرى اتصاله ...واخذ ينتظر و ينتظر و ينتظر...وكلما مرت اللحظات دون اجابة تحتد نظراته فيما يزفر انفاسه بغضب ...ليعيد الاتصال مرة ثانية و ثالثة ورابعة ولكن من دون اجابة .
هناك في مكتبها...حدقت رنا الى هاتفها باضطراب وهي تلمح رقم ذلك الغريب ...هاهو بعد يومين لم يظهر خلالهما ...يتصل اخيرا ويصر ...يومان تحتسب الدقائق و الساعات لظهوره لكنه لم يظهر...لم يظهر فانتابها شعور بالغضب و الخيبة ...الا انها اخرست ذلك الجنون الذي يعتريها وبررت انزعاجها باستبداده ليلتها وانه كان يهزأ بها وهو يهددها ...لهذا تغاضت عن ترقبها لظهوره وعادت لروتينها اليومي ....الى ان ظهر رقمه الان وهاهو يتصل مرة ،اثنتان،ثلاثة ،اربعة...تكاد تراه غاضبا بتقطيبته تلك وهي تتعمد ان لاتجيب بعناد وعتاب والكثير من الارتباك كمراهقة تتلقى اتصالا من معجب .
واتصال خامس ...ياالاهي ...انه لايتوقف...نفس الاصرار ....اتصالات متتالية غاضبة ...تقسم انها تشعر بهاتفها سينفجر في وجهها كما عايشت زمجرة صاحب الاتصالات تلك الليلة وهو يلقي اوامره عليها.
وفي تلك الغرفة....على ذلك السرير ...اشتدت قبضة حازم على هاتفه ...واعتلت وجهه ملامح غاضبة مرعبة ...فاصطك اسنانه بحنق ....ثم !!!
سكت الاتصال اخيرا...للحظات ...دقيقة ..اثنتان ...ثلاثة ...والتوتر يزداد بداخلها ...تنظر الى هاتفها بتوتر ...لتنتفض في كرسيها فجأة و رنين وصول رسالة يضرب مسامعها...فتناولت رنا الهاتف كالملسوعة وفتحت الرسالة ليطالعها كلمة واحدة غاضبة كصاحبها"أجيبيييييييي"
ليعود الاتصال مرة اخرى ...فازدرت رنا ريقها بارتجاف ...تكاد تختنق من انفاسها المرتعشة ...ورفعت الهاتف بيد مهتزة نحو اذنها لتجيب اخيرا على الاتصال .
بكل ضبط نفس صعب و لكن بنبرة حادة وكلمات متلكئة متوعدة: لماذا لم تجيبي على اتصالاتي؟
بعد لحظات...اجابت رنا بتلعثم ونبرة خافتة وصوته الصارم يعصف بتوازنها: اا..آسفة ...لم أسمعه.
كيف لهذه الرقة ان تسلب لبه وتطيح بصرامته؟...هو حازم الحازم الذي يهابه الجميع ...يكاد ان ان يذوي بسبب هذه النبرة الناعمة ...وبعد سكون لفهما معا...كلاهما يصغي الى انفاس الاخر التي تصله عبر الهاتف.
اجاب حازم بصرامة ونبرة آمرة: حسنا ...ستضعين نغمة خاصة بي ...كلما اتصلت بك... تتعرفين علي وتجيبي فورا...ولتكن نغمة قوية ولكن رومانسية.
ثم انتقل الى حديث اخر ....بعد ان الق قراره الذي لايقبل النقاش فيه...و عاد يهمس برخامة: كيف حالك ؟...لم اتصل بك ليومين لانني كنت مريضا ولكن لايزال قراري قائما رنا.
هتفت رنا بلاوعي وقلق: مريض!!!....انا اسفة ...لابد انه بسببي تلك الليلة ....كيف حالك؟
ابتسم حازم بسعادة لقلقها وبقي صامتا للحظات عمدا حتى يوترها ونجح في ذلك عندما ادركت رنا تهورها في سؤالها القلق عنه....ثم اظاف بنبرة اجشة وهمس خافت وصل رنا ولحسن حظها لم تصلها نظراته الحارة : ليس بسببك ...بل لاجلك رنا.
ولكن عاد واردف بهسيس شرس:بسببك اسبب المرض لمن يعترضك بسوء او يعترضني لاخذك مني .
يكفي ...تكاد تشعر بقلبها يصرخ ليقفز من صدرها ....لم تواجه عاصفة مشاعر كهذه من قبل.
وعندما طال صمتها ...ابتسم بعبث وعاد يظيف بمكر: لماذا لم تتصلي بي لتطمئني علي؟...هل هكذا تشكرينني لانني اوصلتك لمنزلك ؟
ماهذا الرجل؟؟؟...غريب متسلط ...حنون...مشاكس....يرميها من موج الى اخر...في لحظات ترتعب منه وتخجل منه و تبتسم بسببه.
اجابت رنا بهمس خافت ونبرة مرتعشة: كن...كنت ساتصل بك .
وتداركت نفسها لتضيف باضطراب...وملامح الحمرة تكسو وجهها: من اجل سترتك ...انها معي .
همس حازم بحدة: هل قمت بغسلها؟!
اجابت رنا بسرعة ونبرة مرتجفة رقيقة : اجل..اجل طبعا....انها نظيفة لاتقلق .
زمجر حازم بخشونة فجأة...بينما تشتد قبضته على الهاتف وعيناه تتوهج بشرارات حادة: مابه صوتك؟
رنا ببلاهة ونبرة خافتة: مابه صوتي؟؟
حازم بخشونة: هل انت مريضة؟
رنا بتلعثم ونفس النبرة الخافتة: لا..لست مريضة.
فعاد حازم يهتف برخامة ونبرة اجشة : لماذا نبرتك رقيقة هكذا وناعمة؟؟
احمرت رنا خجلا وتأثرا بايحاء حازم ...هذا الاخير الذي صمت للحظات شاردا بهيام في رقتها التي اختبرها منذ يومين فابتسم بسعادة ....ولكن لم يدم ذلك طويلا فقد اكفهرت ملامحه فجأة... وعاد يهتف بغضب : هل تكلمين الجميع بهذه النبرة الرقيقة على الهاتف؟
ثم قفز من فراشه بسرعة بينما يضيف بزمجرة خشنة: هل مكتبك منفرد ام تتشاركينه مع ...
"رنا المدير يريدك في مكتبه ...اسرعي يا كسولة"
جحظت عينا رنا رعبا وهي تترقب ذلك الهتاف ولم تنتظر طويلا...فحازم كاد يصم اذنيها وهو يهتف بحنق: من هذا ؟؟
اجابت رنا بسرعة ونبرة مرتعشة ...بعد خروج زميلها: ان...انه ...انه زميلي.
حازم بخشونة ونبرة متملكة:زميييييلك؟!!!....وكيف يرفع التكلفة بينكما ويناديك باسمك !!!....ويمازحك ايضا!!!....سأكون عندك خلال ساعة ارسلي عنوان جريدتك.
ولم يمهلها الوقت بينما يقفل الهاتف ويرميه بعنف على السرير هادرا انفاسه بغضب...ويتوجه ليستعد بسرعة حتى يقابلها.
وهناك في المكتب ....حدقت رنا الى هاتفها برعب من هذا الحازم الذي اقتحم حياتها بهذا التملك ...بزهو انثوي لم تشعر به يوما مع كريم وهذا الحازم يلفها بهذا الاهتمام و الحصار....بكثير من الحنق لانه اغلق الهاتف في وجهها بفظاظة....ورغما عنها بقيت تعد الدقائق الفاصلة حتى تراه مجددا ...بكثير من الشوق الغريب ...الا أن المشاعر تحولت الى التوجس مع دخول صديقتها سمر الى المكتب باكية بعيون منتفخة.
رنا باهتمام وهي تهرع نحو سمر و تربت على وجنتيها بحنان: عزيزتي سمر مابك ؟...لماذا تبكين؟
سمر بانفعال ونبرة متلعثمة: لقد سئمت منه ومن تحكامته الظالمة...انه يريدني ان اترك عملي ...تخيلي رنا ...عملي الذي اعشقه...يريدني السيد زوجي ان اتركه فقط لانه يأمر بذلك.
رنا باستغراب: ولكنكما كنتما متفقين على عملك منذ البداية...ماذا حصل ليغير رايه؟
هتفت سمر بحنق بينما تتوجه نحو مكتبها وتجلس ملقية جسدها بتعب: لانه مستبد....لانه رجل شرقي متملك ...يأمر و يطاع .
صمتت رنا وبقيت تحدق الى صديقتها بشرود ...تتذكر مواقف قريبة شبيهة تعرضت لها منذ دقائق قليلة سابقة ومنذ يومين تحديدا وذاك الغريب الحازم المدعو حازم يلقي عليها اوامره ...فعادت تزفر بارتباك تحتد بملامحها رافضة ان تتعرض لموقف مشابه لموقف صديقتها المنهارة امامها بسبب رجل متملك مستبد.
بعد ساعة...كان حازم يصف سيارته امام الجريدة ...ويترجل بهيبة ...يجول بنظراته قبل ان تقع عيناه على تلك الناعمة ....التي تنتظره على باب الجريدة...فاغلق الباب بروية وتوجه نحوها بخطوات ثابتة يرمقها بتوعد و اشتياق و تصميم ...وغضب.
بقيت رنا متسمرة مكانها ...تحدق نحو ذلك الحازم بصرامة هي الاخرى ....ينظران الى بعضهما في اتصال بصري متناقض بين حدة و رقة ...متشابه بين اشتياق و شوق .
بضعة خطوات قليلة ...ووقف حازم امام رنا لايفصلها عنه الا القليل ...يحدق اليها بصمت مركزا عينيه الحادة نحو عينيها المتحدية ولكن لم يفته لمحة الارتعاش بحدقتيها فابتسم بخطورة و هتف بنبرة صارمة: لماذا تقفين هنا وحدك؟....كنت ساتصل بك اولا حتى تنزلي الي.
ثم عاد يهمس بخفوت ...يرمقها بنظرات عاشقة : كيف حال كاحلك ؟....هل زال الالم؟
اجابت رنا بتلقائية بنفس نبرتها الرقيقة التي تذيب اوصاله: بخير شكرا لك.
ثم حمحمت بحرج وعادت تهمس باضطراب بينما تناوله سترته: تفضل سترتك سيدي.
اخفض حازم نظره نحو السترة ليعود ويرفعه نحو رنا ويهمس برخامة : لقد قلت لي انك قمت بغسلها اليس كذلك؟
رنا بحرج: اجل ...انها نظيفة لاتقلق .
زفر حازم انفاسه ببطىء وهتف بأمر: ارتديها الان.
حدقت رنا نحوه باستغراب واجابت بارتباك: عفوا!!....لماذا....انها لاتمطر الان؟
رسم حازم ابتسامة لعوب على وجهه للحظات قبل ان يعود ويحدق نحوها بعيون ثاقبة حادة ويهتف بأمر : ارتديها .
ولا اراديا ...قامت رنا بارتداء السترة مجددا بينما الاحمرار يكسو وجهها بشدة وهي تفر بعينيها من حازم الذي يراقبها بتسلية و سعادة .
وبعد لحظات عاد حازم يهمس بنبرة خافتة مثيرة ويحدق نحو رنا بحرارة: اخلعيها.
لتعود رنا وتخلع السترة باضطراب تكاد تقع وهي تشعر بساقيها يحملانها بصعوبة ...وهذه القشعريرة تمر على جسدها فتثير فيها مشاعر مثيرة غريبة مخيفة ولكن ممتعة.
وناولت السترة لحازم بيد مرتجفة لاتجرأ على النظر نحوه....وكانت محقة فحازم يحدق نحوها بعيون متوهجة متملكة يريد ان يخفيها عن انظار الجميع...وهو يراقبها من قليل بجسدها الصغير تغرق في سترته الواسعة باعثة في صدره نيران مستعرة .
فعاد يهمس بأمر وهو يمسك السترة منها ويتلمس كفها الصغير بقبضته الصلبة: لايكفيني خطوبة...سنعقد قراننا .
ليقطع أمره صوت رجل غير بعيد يهتف بمرح:"رنوش"
فيلتفت نحوه بحدة يحدجه بنظرات قاتمة...بينما ترفع رنا عينيها اخيرا وتحدق نحو كريم باضطراب.