رواية غفران كاملة بقلم نسمة مالك
دائماً يكون الممنوع مرغوب، وكثيراً منا يجاهد ليصل لما يريد دون النظر لعواقبه الوخيمه..
في صباح يوماً جديد بمنزل كبير يظهر عليه الثراء..
أستيقظ "غفران" علي صوت ضحكات صغيريه..
"مالك خمس سنوات، ومكه ثلاث سنوات"جالسان فوقه كمحاوله منهم لإيقاظه..
اعتدل جالساً فجأه ليصرخا الصغيران بفرحة غامرة حين حملهما بحماية وأمان داخل حضنه يضمهما بقوه ويغرقهما بسيل قبلاته قائلاً بحب شديد..
"أحلى وأجمل صباح في الدنيا علي عيون حبايب قلب أبوهم"..
دار بعينه بأرجاء الغرفه بحثاً عن زوجته فلم يجد لها أثر، نظر لصغيره وهمس بخوف مصطنع..
"وديتو ماما فين يا مالك باشا؟"..
نظر له الصغير بابتسامه متسعه وتحدث ببراءه قائلاً..
"ماما زعلانه وبتعيط في المطبخ علشان عمو "هادي" باس خالتو "رغد" وهي لاء"..
كلمات عفويه نطق بها الطفل جعلت الدهشه تظهر علي وجه غفران،يعلم ان زوجته لا تتوقف عن البكاء يومياً لأسباب متعدده وجميعهم أسباب وهميه، ولكن اليوم أيعقل تبكي لهذا السبب؟!..
وزع نظره بين صغيريه وتحدث بحماس..
" اممم ماما بتعيط يبقي لازم نصالحها زي كل يوم"..
نهي جملته وحمل الصغيران وهب واقفاً متجهاً لخارج غرفته قابلته والدته " فاتن" بابتسامه مشرقه وبحب تحدثت..
"صباح الخير يا حبايب قلب نانا"..
أسرع غفران بإنزال الصغيران أرضاً ليركضا لداخل حضن جدتهما، واقترب من والدته قبل جبهتها وكلتا يدها قائلاً بحنو..
" طمنيني عليكي يا ماما عامله ايه دلوقتي"..
ربتت فاتن علي كف يده وتحدثت بتنهيده وهي تعاود ضم الصغيران..
"الحمد لله يا حبيبي أطمن بقيت احسن لما انتظمت علي دوا الضغط"..أشارت بعيونها علي المطبخ وتابعت..
"ادخل لمراتك شوف مالها ومين اللي زعلها ورضيها يا غفران"..
أخذ غفران نفس عميق وبأسف تحدث..
" من يوم ما اتجوزتها وانا برضيها و بحاول بكل الطرق أعرف مين اللي مزعلها يا ماما"..
أبتلعت فاتن غصه مريره وجاهدت لتمنع دموعها من الهبوط وتحدثت بابتسامه مزيفه قائله..
" حبيبي احنا الستات كلنا بنحب نزعل حتي لو من غير سبب علشان انتو الرجاله ترضونا ومافيش مانع انكم تحضنونا كمان"..
رفع غفران كلتا يده بستسلام قائلاً..
" آمري لله هرضيها واحضنها طلبتكم أوامر يا أم غفران"..
سار نحو المطبخ لكنه توقف سريعاً قبل أن يصتدم ب "رغد" زوجة شقيقه الأصغر التي خرجت مندفعه كعادتها وتحدثت علي عجل..
" أوعى يا جوز أختي، أخوك واقف تحت مع بتاع الديلفري هياخد منه البيتزا اللي نفسي فيها"..
نهت جملتها وسارت من أمامه بخطوات واسعه تشبه الركض، ليوقفها صوت فاتن الحنون..
"امشي علي مهلك يارغد يابنتي علشان اللي في بطنك"..
حرك غفران رأسه بيأس من جنان شقيقه وزوجته، ونظر لوالدته وتحدث بأسف..
" هتنزل تلاقيه واكل نصها وهتتخانق معاه ويفرجو عليهم الجيران زي العادة"..
ضحكت فاتن برزانه قائله..
"هما صحيح زي القط والفار بس ميقدروش يستغنو عن بعض عاملين زي روح وقلب واحد في جسدين، ربنا يحميهم ويسعدهم"..
أمن غفران علي حديثها بتنهيده حزينه..
"أمين يارب، وادعيلي ربنا يهديلي أم مالك وأتوفق في شغلي الجديد يا ماما"..
قالت فاتن بلهفه..
"عرفت هتتنقل فين يا غفران؟ "..
أجابها غفران وهو يخطو لداخل المطبخ..
" هعرف انهارده بأذن الله ادعيلي يا ماما"..
رفعت فاتن يدها للسماء وبدأت تدعو له ولشقيقه ولاحفادها وحتي زوجات أولادها قائله..
" ربنا يرضيكم ويرضي عنكم ويوفقكم ويسعدكم يا حبايبي"..
ضمت أحفادها وتمتمت بصمت وعيون ترقرقت بالعبرات..
"ويهدي مراتك يا غفران يا أبني"..
" بالمطبخ"..
تقف "شهد الزيات" زوجة "غفران" وشقيقة "رغد" الكبري..
امرأة بأواخر العشرينات، خريجة ادارة أعمال، شديدة الجمال، جمالها يصل لحد الفتنه، علي نقيض شقيقتها التي لا تشبهها اطلاقاً،
فرغد جمالها مقبول ولكنها تتحلي بطباع حسنه وروح مرحة جعلت لها رونق خاص..
تجلس علي الطاوله بشرود، وعيون شديدة الأحمرار اثر بكائها الحاد.
تجهز شطائر النوتيلا التي يفضلها صغيرها كثيراً..
لتنتفض بفزع حين شعرت بيد غفران التي ألتفت حول خصرها وحملها لداخل حضنه ظهرها مقابل صدره..
دفن وجهه بعنقها يقبلها ببطء وبين كل قبله وأخرى يهمس لها برجاء..
"قوليلي مالك ياشهد؟"..
أغمضت عيونها بعنف وحاولت السيطره علي حدة بكائها وبضيق تحدثت..
"هيكون مالي يا غفران، زهقانه شويه مش اكتر"..
عدل وضعها داخل حضنه جعلها تنظر له ليتفاجئ بملامحها الشاحبه للغايه فأسرع بحملها داخل حضنه مرة اخري وتحدث بقلق..
"انتي كويسه، حاسه بحاجه تعباكي؟"..
تأملت ملامحه للحظات، وابتسمت ابتسامة باهته ودموعها تهبط علي وجنتيها بغزاره وبستغراب تحدثت..
" اللي يشوف لهفتك وخوفك عليا دا يقول أنك بتحبني وبتموت فيا يا غفران"..
نظر لها غفران بتفاجئ وبغضب همس بأذنها..
"برضو مش عايزه تشيلي الافكار دي من دماغك"..
دفعته بصدره بكلتا يدها قائله..
"دي مش افكار، دي حقيقه وانت عارف كده كويس، احنا مخدناش بعض عن حب، جوازنا جواز تقليدي ياغفران"..
احتضن وجهها بين يديه ونظر لعيونها وتحدث بابتسامه حانيه..
"وجوزنا دا جبنا منه احلي مالك ومكه في الدنيا، وبفضلك بعد ربنا بقيت بابا يا شهد واللي بنا بقي اكبر حتي من الحب".. تعمق النظر بعيونها مكملاً.." انتي شريكة حياتي وأم ولادي يا ام مالك"..
تأمل ملامحها بفتنان حتي توقف بنظره علي شفاتيها وابتسم بخبث وغمز لها بشقاوة وتابع بعبث..
" وبعدين وصلي أنك بتعيطي علشان عايزه تتباسي زي رغد"..
انسحبت الدماء من عروقها، وارتعد قلبها بفزع، جف حلقها، وبدأ جسدها بالارتجاف..
لتتعالي ضحكات غفران ظناً انها مازالت تخجل منه، فمال عليها مستنداً علي جبهتها وهمس بأنفاس ساخنه تلفح بشرتها..
"لسه بتتكسفي مني بعد 6سنين جواز يا شهد"..
نهي جملته وغمر شفاتيها بقبلة شغوفه يبث بها مدي تفهمه واحتوائه لها..
لم تبادله هي قبلته ببادئ الأمر، كانت جامدة المشاعر، ولكن
انصهر ثليج مشاعرها معه وانهالت عليه تقبله بحراره حين هيئ لها خيالها المريض بأنها تقبل شخص أخر كانت دوماً تتمني ان يكون هو زوجها..
.................................................
بمكان أخر..
فيلا الوزير "عزت البحيري"..
علي طاولة طعام مرتبه بعنايه تجلس"عهد" بجوار والدها تتناول الأفطار برفقته بصمت..
ليقطع عزت الصمت ويتحدث بنفاذ صبر..
"انهارده هيتغير طقم الحرس اللي مش عجبك كله يا عهد هانم"..
نظر لها بشرار وتابع بتحذير..
"واياكي تفكري تعملي مع الحرس الجديد حركاتك المجنونه اللي عملتيها مع اللي قبلهم لان المرادي القائد بتاعهم في شغله مبيرحمش حد"..
تابعت عهد طعامها بشراهه وتحدثت بستفزاز قائله..
" انا مبتهدتش يا بابي، ومش همشي بحرس مهما عملت فارجوك بلاش تتعب نفسك وتجيبلي حرس"..
هب عزت واقفاً وتحدث بغضب..
" مش هتخطي خطوة بره البيت من غير الحرس يا عهد"..
ضحك ساخراً وتابع بثقه..
" المرادي انا عرفت أختار صح والمقدم" غفران المصري" مش هيسبلك أي فرصه للهروب منهم زي الحرسات اللي قبله"..
ضيقت عهد عيونها وتمتمت بصمت..
" أسمه غفران!! امممم جتلي برجلك وهكرهك في شغلك كله زي اللي قبلك يا هه غفران"..
تنهد عزت بتعب وبأسف تابع..
" أفهمي يا بنتي انا مهدد بالأغتيال من جماعات إرهابية "..
ابتسمت عهد بفرحه شديده وتحدثت بتمني..
"ياريت يا بابي يغتالونا ونموت شهداء ونروح الجنه عند مامي وأخواتي"..
أسرع والدها بحتضانها وتحدث بلهفه وخوف شديد قائلاً..
" بعد الشر عنك يا حبيبتي، انا معنديش غيرك ربنا يحفظك يابنتي"..
ترقرقت عيناه بعبرات حارقه وتابع بألم حاد..
"كفايه قتلو مامتك وولادي الرجاله الاتنين"..
مسح دموعه بعنف وتابع بثقه..
" بس المرادي انا مطمن لأن "غفران" من أكفأ وأمهر الظباط في الحرسات الخاصه وهو بعد ربنا اللي هيحافظ عليكي ويحميكي يا عهد لأنه تلميذي"..
ابتسمت له عهد ابتسامه متسعه تظهر جميع أسنانها وبوعيد تحدثت..
" ربنا يقدرني واخليه يستقيل ويسيب الداخليه كلها يا بابي"..
غافله انها ستفعلها ولكن لن تجلعه يترك عمله، بل ستفقده قلبه الذي لم ينبض بالحب الحقيقي يوماً..
........................................................
بمنطقه شعبيه..
بشقه صغيره للغايه مكونه من غرفه واحده، واثاث بغاية البساطه..
تجلس" هالة" فتاه تبلغ من العمر عشرون عام، حاصله علي شهادة الثانوي العام، وتزوجت قبل أن تكمل كليتها من عشق قلبها الوحيد "علي" يعمل سائق علي سيارات نقل عام"..
تجلس علي كرسيي متهالك بالشرفه..
امامها طاوله صغيره موضوع عليها بعضاً من اغراض البقاله، ممسكه بيدها ورقه تقرأ الطلبات المدونه بها وتضعها داخل دلو معلق بحبل وتسرع بإنزاله لخارج الشرفه..
وتعاود سحب الدلو مره أخري به النقود ثمن الاغراض التي وضعتها..
رفعت عيونها للسماء وتمتمت برضا..
"الحمد لله يارب علي كرمك وفضلك علينا"..
نهت دعائها وركضت نحو الداخل بلهفه حتي وصلت لزوجها النائم بعمق، ومنفصل عن العالم أجمع بغيبوبته بعدما تعرض لحادث قاتل ظل علي أثره فتره طويله داخل العنايه..
تخلي عنه جميع أقاربه حتي أشقائه، لتأخذه زوجته بصدر رحب وقلب عاشق وتعتني به بنفسها داخل منزلهم الصغير بعدما تم طرده من المستشفي لعدم مقدرتها علي دفع تكاليفها..
علي يقين هي أنه يشعر بها، تحدثه ولا تكف عن احتضانه وتقبيله بشتياق شديد وبفرحه غامرة تهمس بأذنه..
"علي يا حبيبي مشروعنا الصغير شغال عال العال"..
ضحكت برقتها التي تجعله يحرك أنامله للحظات وتابعت..
"قولتلك الشارع هنا محتاج بقال وادينا فتحنلهم بقاله في البلكونه عندنا يا علولي"..
عدلت وضعه لداخل حضنها تضمه كصغيرها وليس زوجها مقبله جبهته مرات ومرات وبتوسل شديد دعت من قلبها..
" يارب أشفهولي يااااارب، انت قادر تحي العظام وهي رميم، يارب اشفيلي علي ورد ليا روحي يارب"..
انتهي البارت..