اخر الروايات

رواية الخبيئة كاملة بقلم ميمي عوالي

رواية الخبيئة كاملة بقلم ميمي عوالي 


الخبيئة

الفصل الاول

فى ليلة مقمرة تنتشر النجوم بكثرة فى سمائها فى منطقة مليئة بالمزارع المستصلحة على طريق الفيوم ، يقبع منزل أنيق باللون البرونزى الذى يزيده القمر بريقا والشمس وهجا، وكان المنزل يتكون من طابقين بخلاف الطابق الارضى والذى يعتبره قاطنيه كمكان لتجمعهم واستقبال زوارهم.

وفى إحدى غرف هذا الطابق يوجد غرفة مكتب لها حائط زجاجى بكامل الجدار يطل على ساحة كبيرة محاطة باشجار الفاكهة والزهور وبوسط الساحة بركة صغيرة مليئة بالاسماك الزاهية الألوان والتى تجعل من يراها يسبح بقدرة الخالق ، وأمام الحائط الزجاجى اريكة أنيقة ضخمة تطل على الجدار الزجاجى، وكانت دائما المكان المحبب لرءووف

رءووف نور الدين، ابن عائلة نور الدين التى تمتلك مئات الافدنة، والعديد من مزارع المواشى والخيل، ورءووف هو الابن الاكبر لهذه العائلة ويمتلك من العمراثنى وثلاثون عاما، تخرج من كلية الزراعة و تخصص بالإنتاج الحيوانى الذى أصر عليها رغم مجموعه العالى، الا انه أصر ان يتخصص فيما سيفيده ويفيد عائلته فيما بعد، وهو متزوج من ابنة عمه سارة التى أصر عليها والده وقد وافق عليها رءووف بما انه لم يكن يشغل قلبه اى فتاة اخرى، وكانت سارة بالنسبة لرءووف بمثابة كتلة من الجليد والغطرسة…. لاتهتم بأحد، ولا تستمع لاحد ولا تحب الا شخص واحد وهو سارة، وسارة فقط

وعلى الطرف الآخر نجد أخوة رءووف فلديه اخ واحد واخت واحدة توأمان علياء وعبد الله، كانا يصغران رءووف بثلاثة أعوام، تزوجت علياء من صالح وهو ابن عمهم ايضا وشقيق سارة ولكن الفارق كبير فصالح رجل ذو مرؤة وشهامة تخرج ايضا من كلية الزراعة كما رءووف فهو صديق رءووف وظله فى كل مكان وتزوج علياء بعد تخرجهم فورا فى يوم واحد مع رءووف وسارة، وبعد الزواج اعترف لعلياء بحبه لها منذ سنوات كثيرة، قضاها وهو يراقب كل لافتة من لفتاتها فقد بهرته برقتها وبرائتها وخجلها و جمالها الطفولى وفوق كل هذا وذاك رقة قلبها، فقلبها أرق من طفل وليد وتتعامل مع كل من حولها بحب واهتمام، ولذا فهى تنال حب كل من يتعامل معها

اما اخيهم عبد الله فهو الوحيد الذى شذ عن العائلة، فلقد استطاع ان يقنع والده بدخول الجامعة الأمريكية وبعد أن أنهى دراسته سافر إلى إمريكا للحصول على الدبلومة من هناك وعند قرب عودته فاجئهم بأنه تزوج ، وانه لن يعود وحده، وانه متزوج من إحدى زميلات الجامعة فى أمريكا ولكنه لم يعطى لهم اى تفاصيل عن زوجته واعدا اياهم بأنها ستكون مفاجأة سعيدة للجميع

وعندما تخوفت والدتهم السيدة كريمة وهى امرأة فى بداية عقدها الستون من هذه الزيجة التى لم يعلموا عنها شيئا فاجئهم رءووف بأنه على علم بها منذ البداية، فقد اخبره عبد الله بكل التفاصيل منذ البداية، ولكنهم أرادوا ان يعلن الخبر بواسطة عبدالله بنفسه، ولكن والدهم نور الدين وهو يكبر زوجته ببضعة سنوات قلائل، والذى يمتلك من الحكمة مايملأ مجلدات، فضل الصمت وعدم التعليق على زيجة ابنه، فهو لا يحب أن يحكم على الأمور من قشورها الخارجية.

ونعود إلى رءووف الراقد على اريكته المفضلة وهو يطفئ إضاءة الغرفة بالكامل حتى لا تشغله عن اكثر الأمور المحبوبة إلى قلبه…….وهى مراقبة القمر والنجوم فى صمت وهدوء دون أن يتطفل على خلوته احد، حتى سقط فى النوم وهو على نفس حالته، ليجد وهو بين صحوه ونومه باب الغرفة وهو ينفتح وينغلق بعنف وصوت صالح وهو ينهر اخته سارة

صالح : انتى لحد امتى يا بنى ادمة انتى هتفضلى بالجليطة وقلة الذوق دى

سارة وهى تنفخ وتقول بغطرسة : انا اللى مش فاهمة انت ايه اللى مضايقك

صالح باستغراب : ايه اللى مضايقانى! لما مرآة عمك اللى بتعاملك زى مابتعامل علياء بالظبط تطلب منك تبصى على اوضة عبدالله وتطمنى انها مش ناقصها حاجة، ولما تطلب منك ده وهى بتقوللك ياريت يابنتى، وانها عشان مش هتقدر تطلع السلم وانك كمان قال ايه هتفهمى اكتر منها، وانتى ولا عندك ريحة الدم ولا الاحساس وتقوليلها سورى ياماما…. ماليش فيه….. ايه ياشيخة…… ده انتى لو معاشرة كفرة مش هتعملى معاهم كده

سارة ببرود : بقولك ايه، لو انت زعلان اوى كده خلى مراتك تروح هى تبصلك عليها

صالح : هو انتى مابتفهميش للدرجة دى، بقى احنا قاعدين هنا عشان قربت تولد ومابنطلعش اوضتنا فوق عشان السلم بقى يتعبها، وانتى عاوزاها هى اللى تطلع، انتى جنسك ايه، وبعدين تعالى هنا… ايه الكلام اللى زى السم ده اللى انتى عماله تقوليه على عبدالله ومراته ده، مالك انتى اتجوز امريكانية ولا حتى هندية مسلمة واللا يهودية.. انتى مالك.. ايه اللى يدخلك فى اللى مالكيش فيه

سارة بحنق : اديك قلتها

صالح باستغراب : هى ايه دى

لترد سارة بعجرفة : مالكش فيه ياصالح

صالح وهو يحاول تهدئة نفسه : يابنتى…. ياحبيبتى….. هو انتى ليكى غيرى يخاف عليكى وعلى مصلحتك، انتى مش شايفة علاقتك بجوزك عاملة ازاى

طب انا هسألك على حاجة… انتى تعرفى رءووف فين دلوقتى، تعرفى عمل ايه فى شغله النهاردة، كسب واللا خسر، زعلان واللا فرحان

انا حاسس انك ف وادى وجوزك ف وادى تانى خالص ياسارة، خايف لا جوزك يضيع منك وتندمى بعد فوات الاوان

سارة بغرور : ليه أن شاء الله، مين فى جمالى وشياكتى اصلا عشان يروحلها ويسيبنى، وبعدين مانت عارف اللى فيها فبلاش تقلب فى اللى فات ياصالح

صالح : الجمال من جوة احسن ستين مرة من برة ياسارة، اهتمى بجوزك شوية، حسسيه انه متجوز بشر… مش لوح تلج، لو لفيتى الدنيا على كعوب رجليكى مش هتلاقى زيه، اغسلى مخك بقى من الهلاوس اللى مالياه دى وحافظى على بيتك وجوزك

سارة ببعض الغضب : بقولك ايه ياصالح، ارحمنى شوية من الحكم والمواعظ اللى كل شوية تجرجرنى وتسمعهالى دى…. ريح روحك انا ماليش طولة بال على الكلام ده، وياريت تخليك فى روحك

لتتركه وتذهب وهى تغلق الباب وراءها، ليستغفر صالح بصوت عالى وهو يطلب العون والهداية من الله ليتفاجئ برءووف وهو يقول بمرح وهو يطل برأسه من فوق الاريكة : يا اخى غاوى تجيب التهزيق لروحك

صالح بانتفاضة : بسم الله الرحمن الرحيم، هم بيطلعوا امتى

رءووف بنصف ابتسامة : يا آخى الله يسامحك انت واختك، وجعتولى دماغى وطلعتونى من احلى مود

ليبتسم صالح بخجل وهو يدور حول الاريكة ليجلس بجوار رءووف قائلا : معلش يا رءووف اصبر عليها شوية يمكن ربنا يهديها ويصلح حالها

ليعتدل رءووف وهو يقول بسخرية : الطبع غلاب يا ابن عمى وبلاش اقول بقية المثل احسن تزعل، وبعدين ينصلح حالها بقى واللا ماينصلحش … ماتفرقش معايا، هانت

لينكس صالح رأسه دون إجابة ليشفق رءووف على صاحبه فيقول : بقوللك ايه ياد ياصالح

ليرفع صالح رأسه باستفسار، ليكمل رءووف : طيارة عبدالله هتوصل بعد الضهر، ماتيجى ننزل من دلوقتى نسهر مع بعض ونروش وبعدين نبقى نطلع ع المطار

صالح بفزع : واسيب علياء تبات لوحدها وهى تعبانة كده… لالا ياعم

رءووف بابتسامة : جدع ياد، بقوللك ايه

صالح : قول

رءووف وهو يزيح صالح من جواره ويتمدد مرة أخرى على وضعه القديم : خد الباب فى ايدك وانت خارج

ليضحك صالح وهو يتجه الى الباب ولكنه توقف مرة أخرى عندما سمع رءووف يقول : وابقى خد بالك من صوتكم يازفت، انا هفضل نايم هنا، صحيح اللى اختشوا ماتوا

ليقول صالح ضاحكا وهو يغلق الباب من ورائه : حط قطن فى ودنك ياخويا

رءووف ببعض السخرية : يعنى هبقى انا واختى…… ده حتى نبقى عيلة نحس، كفاية انا

ليزفر أنفاسه بحنق وهو يتذكر زوجته التى منعت نفسها عنه منذ الليلة الأولى لزواجها وهى تصرخ بوجهه وتصرح بعدم حبها له، وانها تحب رجلا اخر ولكنهم قد أجبروها على زواجها منه، ليتركها رؤوف حفاظا على كرامته ورجولته بعد ان وعدها ان يعطيها حريتها بعد عام من زواجها حتى لا توصم عائلته بالعار باقى عمرها ان طلقها ليلة زفافها

وكان ينتظر ان تبادل شهامته بعرفانها لجميله، ولكنها واجهت موقفه بغرور وتحدى وصلف، ولولا احترامه لوالده ولذكرى عمه ماكان تركها تحمل اسمه يوما واحدا

اخذ يراقب السماء حتى ذهب إلى النوم مرة أخرى حتى داعبته أشعة شمس الصباح فنهض من مكانه حتى يستعد لاستقبال اخيه

…………………

فى المطار

يقف رءووف وصالح فى انتظار خروج عبد الله وزوجته من صالة الوصول حتى وجدوا عبدالله يجرى عليهم بمشاغبه ويحتضن صالح بمرح، ثم القى بنفسه بين ذراعى شقيقه بشوق ولهفه، ووجدوا وراءه فتاه جميلة محجبة أنيقة هادئة ترتسم على شفتيها ابتسامة ودودة لتمتد يد عبدالله وهو يشير اليها وهو يقدمها إليهم قائلا بفخر: حليمة…..اخت حنين مراتى

ليرحبا بها وهم تحت تأثير المفاجأة، فكانوا يظنون انه سيحضر بصحبة زوجته وليس اختها وتفاجئوا بمظهر حليمة ايضا فهى ذات حجاب طويل وملابس فضفاضة انيقة، من يراها لا يصدق ابدا انها قادمة من امريكا التى تعتبر تلك الملابس تخلف ورجعية

عبدالله ضاحكا : مالكوا…. سهمتم كده ليه، كنتوا فاكرنى هاجى ساحب خواجاية

ليشعر رءووف بالاحراج فيقول : لا ياحبيبى مش القصد، بس الصراحة كنا فاكرينك جاى مع حنين مش اختها

عبدالله : هفهمك كل حاجة فى وقتها، ثم وهو يحتضن أخيه مرة أخرى : وحشتنى يابن نور الدين

وينطلقوا بعد ذلك فى طريق عودتهم إلى المزرعة فى جو من البهجة والمرح، ليكتشفوا ان حليمة مصرية حتى النخاع تتحدث كاولاد البلد بمرح شديد دون مغالاة او الخروج عن حد اللياقة

……………….

فى المزرعة

ما أن توقفت السيارة حتى خرج عبدالله مهرولا وهو يتجه الى احضان والدته ووالده الذى وجدهما يقفان أمام الباب بانتظاره ثم احتضن اخته بحنان شديد وهو يجدها فى أواخر حملها منتفخة ومتعبة وزوجة اخيه التى حياها باماءة من رأسه فهو دائما ماكان يكره عجرفتها وكان من المعارضين بشدة فكرة زواجها من أخيه لعدم توافقهما معا وبادلته هى التحية بلمعة اشتياق بعينيها سرعان ما انطفئت عند رؤيتها لحليمة

فقد هبطت حليمة من السيارة خلف أخيه وهى تتبادل الحديث مع رءووف وصالح ولكنها ذهبت من فورها وراء عبدالله وانتظرت ان يقوم بتعريفها على بقية عائلته

عبدالله وهو يقدمها لوالديه : و دى بقى ياماما تبقى حليمة اخت حنين مراتى اللى قلتلكم عليها

لتنشرح اسارير كريمة وهى تفتح ذراعيها لاحتضانها : اللهم صل على النبى، الله اكبر، تعالى ياحبيبتى فى حضنى، لترتمى حليمة بأحضان كريمة وقبلتها ثم قبلت كف يدها

ليتبادل الجميع النظرات فيما بينهم وازداد اندهاشهم عندما كررت مافعلته مرة أخرى مع نور الدين

ثم ذهبت لتقبيل علياء برقة وحنو وهى تربت على بطنها داعية لها بالسلامة، ثم استدارت لتحيى سارة التى نظرت لها بعجرفة ومدت لها اطراف كف يدها قائلة : انا سارة مرآة رءووف ثم استدارت وتركتها وذهبت إلى الداخل وسط خجل حليمة من الموقف، ولكن كانت يد عبدالله وهى تشير لها لتتقدمه معه إلى الداخل كفيلة بأن تخرجها مما هى فيه

جلس الجميع فى بهو المنزل يتحدثون ويرحبون بعبدالله وزوجته وهو يروى لهم عن زواجه من شقيقة حليمة

عبدالله : حليمة وحنين والدهم الله يرحمه كان الدكتور بتاعى اللى مشرف على الدبلومة بتاعتى وحليمة كانت بتدرس برضة فى نفس الجامعة بتاعتى بس تخصصها زيك يا رءووف… انتاج حيوانى

وكانت عاملة بحث عن أعلاف الحيوانات وكيفية تطويرها والرجوع بيها للطبيعة

رءووف باعجاب : هايل، على كده هنلاقى حد معانا بدالك ياسى عبدالله

عبدالله ضاحكا : ماتستعجلش على رزقك، على الله ماترجعش تقوللى خللى اخت مراتك تحل عنى

كريمة : معقولة برضة، ودى تيجى، دى هتنورنا

حليمة وهى تخرج لسانها لعبدالله وتقول بمرح : متشكرة ياماما تسلميلى يارب

عبدالله بمشاغبة : والله انا عملت اللى عليا وحذرتكوا، اصطفوا بقى سوا

كريمة : طب ياحبيبى مراتك ماجاتش معاكم ليه، احنا كنا فاكرينك جايبها معاك

عبدالله : "حنين لسه ماخلصتش دراستها، فاضللها سنة، وحاليا ماكانش ينفع تيجى معايا، وعشان كده جبت معايا حليمة رهن

ليضحك الجميع فيما قالت علياء : المهم كمللنا اتجوزتوا امتى وازاى

عبدالله وهو ينظر لحليمة : الحقيقة حليمة أنقذت حياتى

لتشهق كريمة قائلة : ليه يابنى كفى الله الشر

عبدالله : كان فى واحد هناك فى الجامعة كان مناهض للعرب عموما والمسلمين على وجه التحديد وكان دايما يتشاكل معايا لحد مافى مرة وانا خارج من الجامعة اتفاجئت بحد بيترمى عليا وبيزقنى جامد وقعنى على الارض وهو فوقيا على ما استوعبت لقيت ان حليمة هى اللى زقتنى بعيد لان الولد ده كان هيدهسنى بعربيته، الحقيقة نجتنى وكسرت دراعها

نور الدين وهو ينظر اليها بحب : الحقيقة يابنتى انا مش عارف اشكرك ازاى

حليمة بخجل : اى حد مكانى كان هيعمل كده، وبعدين انا كنت دايما بشوفه عند بابا وعارفه انه عربى

عبدالله : لما وديتها المستشفى ووالدها جه وعرفت انها بنته ابتدت علاقتنا تقوى شوية بشوية واتعرفت على حنين وحبيتها لحد ما والدها اتوفى الله يرحمه وكانوا عاوزين ينزلوا مصر ومايكملوش الدراسة بتاعتهم، بس انا عرضت على حنين تفضل معايا ونتجوز ولما نخلص دراستنا ننزل سوا

سارة بعجرفة : اتجوزتها رد جميل يعنى

رءووف بغضب : سارة… خدى بالك من كلامك

عبدالله بهدوء : لا يامراة اخويا……. حب، اتجوزتها عن حب، ولو لفيت الدنيا كلها عمرى ماهحب ابدا غيرها

لتنتفخ اوداج سارة من الغضب وهى تتركهم وتتجه الى الاعلى، ليستأذنهم صالح ويذهب خلفها بانفعال لم يستطع مداراته تحت مراقبة رءووف الذى قرر ان يرد سارة عن عجرفتها فذهب وراءهم هو الاخر إلى غرفة نومه بالأعلى ولكنه قبل ان يفتح الباب سمع مالم يكن يتمنى سماعه ابدا 




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close