رواية جوازة علي ورق الفصل السادس 6
قام ف الحال بعد أن تحولت ملامحه لبركان من غضب.... صعد إلى شقته ليجدها نائمة ف سلام .... شمر ساعديه وهرول إلى الحمام مسرعا ليحضر خرطوم المياه ثم اندفع إليها مثل الثور الهائج ... جذبها من شعرها بعنف وقسوة ثم صدمها بالأرض ... لتستيقظ من نومها مفزوعة ومصدومة من هذا التصرف الجنوني ... وتقول بذعر :
.... ف إيه...ف إيه. ...هتعمل إيه
ينهال عليها بعدة ضربات قوية وعنيفة في جميع أجزاء جسدها الهزيل دون التمييز بين وجه أو يد ..... يستمر بضربها وهو يصرخ بجنون قائلا :
..... بتخونيني أنا يا بنت سعيد .... بتتدلعي قدام الرجالة ... ليه حق أبوكِ يكسرك تلاقيكِ شمال من زمان وأنا ماعرفش.....
كان يردد هذه الكلمات بفمه ويداه مستمرة في توزيع الضربات عليها دون توقف ... بينما هي كانت تصرخ بشكل هيستيري من أثر الألم والوجع ...ثم تتكوم ف الأرض مثل الجنين محتضنة جسدها بيديها لعلها تتفادى لسعة الخرطوم القارصة .... وتصرخ بأعلى صوت :
..... حرام عليك ...والله ما عملت حاجة
تستيقظ ابنتهم الصغيرة ذات العامين وهي مفزوعة نتيجة لما يحدث ..... تهرول سريعا إلى امها وهي تبكي بخوف مستنجدة بها ...
بينما الزوج القاسي لا يرى ابنته الصغيرة من شدة غضبه وعصبيته ... لكي تنال الطفلة الصغيرة حظاً وفيراً من تلك الضربات ... لتزداد صرخاتها الضعيفة وتلتحم مع صرخات امها....
تحتضن رانيا ابنتها بشدة لكي تحميها من لسعات هذا الخرطوم الحاد تحاول الهرب بها بعيدا عنه ولكنها لا تستطيع الوقوف من شدة الضربات وقسوتها ... تبكي بنحيب مؤلم:
..... حرااااام عليك..... البنت هتموت يا مفتري ....
لتتحقق جملتها الأخيرة ف الحال .... فإذا بإبنتها الصغيرة تقطع النفس تماما و ترتخي عضلاتها في استسلام تام لمشيئة الله .....
تتركها رانيا على الأرض وهي واجمة وتقول :
..... اصحي يا حبيبتي .... فوقي يا ماما ... ماتعمليش فيا كدا عشان خاطري
يدرك زوجها هول الموقف الذي يعيشانه .. فابنته الوحيدة ماتت للتو بسببه ... وهو الذي قتلها بهذا الخرطوم الموحش....ينظر إليه نظرة مستنكرة ويقذف به بعيدا عن أنظاره ثم يهرول إلى جثة ابنته الملقاة على الأرض...يرمقها بفزع وهو يحملها قائلا :
.... أنتِ صحيتي امتى .... جيتي هنا ازاي ... أنا ماشوفتكيش ... ماشوفتكيش قدامي نهائي
لتجذبها منه رانيا بشدة فهي لا تصدق خبر موتها ... لتقول بتهتهته:
......أنا هوديها المستشفى دلوقتي... هوديها
تحملها بين يديها وتحاول الوقوف بها فتخونها رجليها وتسقط بها على الأرض ...لا تستطيع الوقوف نهائيا فجسدها كله إصابات دامية ...ولكنها لم تتوقف ...فقلب الأم لا يمل ولا ييأس لذلك زحفت على الأرض بكل طاقتها وهي تشد ابنتها بيديها الضعيفة في محاولة أخيرة منها لإنقاذها ...
ظلت تزحف بيد وتشدها باليد الأخرى وكلما زحفت أكتر كلما زاد كم الدماء المتدفق من بين رجليها ... فلقد كانت تنزف بكثافة أدت بها إلى الإغماء .....
بدأت حالة أم إيهاب في التحسن ... ولكنه كان تحسن بطي للغاية وله مضاعفاته السلبية.. فهذا المخدر دمر مركز الأعصاب لديها فأصبحت لا تقدر على التكلم بصورة طبيعية ولا تتحمل مسك أي شيء بيديها نهائيا.. فيداها ترتعش طيلة الوقت دون سبب...والمؤسف أنها أصبحت تبلل ملابسها دون أن تشعر بتاتا ........
أحضرت رغد الطعام وجلست بجانبها لتطعمها في فمها بعطف كبير... ولكن أم إيهاب لا تستطيع تحمل عطفها بالمرة... فمع كل لقمة تدخل معدتها تتذكر نيتها السيئة تجاهها فتذرف شلالات من الدموع والحسرة أسفاً على هذه الفتاة الطيبة ذات المعدن الذهبي....
ترى رغد دموعها فتمسحها عنها سريعا وهي تربت على ظهرها بحنو حقيقي ... مما يزيد من ألم أم إيهاب وتأنيب ضميرها ...
يتقابل كلا من رغد وإيهاب خارج الغرفة ليبتسما الاثنان ف الحال ...ثم تقول رغد بإبتسامة :
.... لو سمحت عايزة مفتاح البيت عشان اجيب غيارات لطنط .....
يغتنم إيهاب الفرصة قائلا بود:
....طب ما تيجي نروح مع بعض
تبتسم رغد وتومئ برأسها. .... ليذهبا سويا والفرحة تختلج قلوبهما وتعشش بها... يقود إيهاب السيارة ببطيء شديد فهو يريد قضاء أطول مدة من الوقت بجانبها .... بينما تجلس رغد بجانبه وتشعر بأنها قد ملكت الدنيا بأكملها. ... ليتشجع إيهاب ويقول :
...... ايه رأيك لو نطول مدة الشهر شوية ... يعني عشان الظروف الجديدة اللي حصلت
تبتهج رغد رغما عنها لتتورد وجنتيها وتقول له بخجل :
.... مفيش مشكلة
يشعر إيهاب بسعادتها ويرقص قلبه فرحا .... أخيرا ستكتمل قصة حبه الغريبة وسيتحول لزوج حقيقي بعد أن كان زوجاً افتراضياً ....
تدخل رغد شقة أم إيهاب فور وصولهم لتحضير الملابس بينما يصعد إيهاب لشقته لتبديل ملابسه . ..وبعد انتهائه يتذكر فقدانه لشاحن هاتفه منذ أيام ... فيبحث عنه سريعا قبل أن يغادر بادئاً بغرفة الضيوف ... يدخلها على عجل ويبحث ف كل ركن فيها ليتفاجأ بعلبة بيضاء صغيرة ملقاة على الأرض بإهمال. ... ينحني لكي يحضرها ثم يندهش تمام ويقول بصدمة:
...... مخدر
يقف مذهولاً لبضع لحظات ثم يقطب جبينه وهو يهمس لنفسه:
.... معقول يا رغد .. أنتِ اللي بتحطي القرف ده لأمي. ......
يخبئها سريعا وينزل ف الحال إلى رغد التي تنتظره في شقة والدته .... تقول له بابتسامة فور رؤيته:
.... أنا أخدت لها أكتر من غيار عشان مانفضلش رايحين جايين
ليرد عليها بلا مبالاة ووجه عابس :
.... كويس ... يلا عشان مانتأخرش
تندهش رغد من طريقة كلامه الجافة فهو كان سعيدا للغاية منذ دقائق قليلة فقط ... ثم تعبس هي الأخرى وتركب بجانبه في صمت مطبق......
يمسك سعيد هاتفه ويجري اتصالا مهما من وجهة نظره ... يبحث عن الإسم ليجده ويضغط زر الاتصال ... ليأتيه صوت غليظ :
..... الو عم سعيد
..... بقولك إيه أنا عايز علبة تانية من المخدر ده
..... أنت لحقت تخلص اللي معاك
.... أنت مالك أنت مش هتاخد حقك يبقى تسكت خالص
..... ماشي يا عمنا هجهزالك واعرفك
يقفل سعيد معه وهو يغلي غضبا ... كيف تختفي هذه العلبة بهذا الشكل .... فهو يحتاجها لتنفيذ خطته الجديدة التي لا غبار عليها هذه المرة .... فهو بدل الخطة تماما...لماذا يختار الصعب بينما السهل أقرب وأسرع .. لماذا يؤذي إيهاب وابنته موجودة فهي الأولى والأحق فعندما يعطيها تلك الحبوب سيتبخر عقلها و يرتاح منها نهائيا ويطمئن قلبه أخيرا .... فهي متعجرفة من صغرها مثل نادية لذلك سوف يقُص هذا التعجرف بمقص الجنان والهلاوس......
تهرول إليه آمال مسرعة لتقطع حبل تفكيره وهي تقول :
..... الحقني يا سعيد ... رانيا محجوزة ف المستشفى
الجميع يلتف حولها بحزن شديد ... فشكلها صعب لدرجة قاسية ... لا يوجد بها مكان واحد سليم دون كدمات أو جروح .... فهي دُمرت داخلياً وخارجياً. .. تقترب منها آمال مشفقة عليها وعلى موت حفيدتها الصغيرة بينما أختها رحاب تتوعد لزوجها شر وعيد ... ثم يدخل ضابط شرطة ويقول :
.... لو سمحت أقدر أخد أقوالها
ليقول سعيد ف الحال :
.... أقوال ايه بس يا حضرة الظابط. ..
..... أقوال المصابة تقرير المستشفى بيثبت أنها حالة تعدي عليها وعلى بنتها الصغيرة
..... لا يا فندم دي وقعت من على السلم هي وبنتها وللأسف البنت ماستحملتش الوقعة وماتت
ثم يشيح بوجهه تجاه أم زوج رانيا الخائفة ويكمل قائلا :
..... حتى حماتها اهي قدامك أسألها هي اللي جابتهم بنفسها المستشفى
لتطمئن أم زوجها ف الحال وترمق سعيد بنظرة شكر وامتنان وتقول للضابط:
... أيوة يا حضرة الضابط هي فعلا وقعت من على السلالم هي وبنتها
يرمقهم الضابط بأسف دفين ... فهو يعلم أنهم يخبون الحقيقة ولكن صدمته تكمن في هذا الأب القاسي .... ثم يقول لهم بإصرار :
..... أنا برضه هرجعلها تاني واخد اقوالها لازم اسمع الكلام ده منها شخصيا
ليرد عليه سعيد :
.... هتقولك نفس الكلام طبعا ... معقول بنتي تكدبني وتكدب حماتها
تبتسم أم زوجها بخبث بينما تبكي آمال قهرا ....
وبينما يدير الضابط ظهره ويتجه نحو باب الغرفة لكي يرحل يتخلل لأذانه صوت أنثوي ضعيف يقول بوهن :
.... هو اللي ضربني يا حضرة الضابط وقتل بنتي كمان ....
يشهقا كلا من أم زوجها وسعيد .... بينما آمال ورحاب يساعدنها للنهوض لكي تستطيع التحدث بصورة أوضح .... يقترب الضابط منها ويقول محفزا:
..... مين هو ده ... اتكلمي متخافيش
لتقول له بصوت يكاد يكون مهموسا:
.... جوزي.. وعايزة كمان أعمل محضر في أبويا. ........
لتجحظ جميع الأعين الموجودة في الغرفة ويحتل الصمت أفواه الجميع .......
تحسنت حالة رنا كثيرا بعد جلسات القرآن المستمرة .... فهي الآن تشعر بوجودهما و بكل ما يحدث حولها ... تقول لها أمها بحزن:
..... أنا مش عارفة بس مين المؤذي اللي عمل فيكِ كدا ...
تصمت رنا تماما ... لتكمل امها :
.... بس أكرم ده ابن حلال مصفي .... لو شُفتِ كان قلقان عليكِ ازاي
تبتسم رنا ف حزن ... فهي تعلم أنه رجل بمعنى الكلمة ولكن للأسف امه العقربة هي التي تنغص عليها حياتها وبالذات ف موضوع الحمل والأولاد. ..
يدخل أكرم الغرفة عليهما ... فتتركهما والدتها وحدهما ف الحال .. يرقص قلب رنا فرحا فور رؤيته لتقترب منه وهي تحاول أن تحتضنه وتقول:
..... وحشتني
ليبعد يديها عنه قائلا بحزم :
...... أنتِ طالق
ثم يتجه لخارج الغرفة وهو يقول بسخرية :
..... الدولاب بتاعي عندك اهو ماتنسيش بقا تعمليلي عمل من أعمالك الحلوة
تصدم رنا وتجحظ عيناها بشدة ... هل ما سمعته حقيقة ... هل طلقها أكرم بالفعل ام أنها لا زالت تحت تأثير العمل وهذا كله حلم مفزع ......
خرجت أم إيهاب من المشفى ووصلت بيتها بسلام .... ساعدتها رغد لتفرد جسدها على السرير ....لترمقها بحب قائلة :
..... سامحيني يا رغد ... أنا ظلمتك جامد أنتِ وإيهاب
ابتسمت رغد قائلة :
.... سامحيني أنتِ يا طنط أنا السبب ف كل ده
يقف إيهاب عند باب الغرفة ويتابعهم في صمت ثم ينظر إلى رغد بقهر و يحدث نفسه قائلا :
..... طبعا لازم تحسي بتأنيب الضمير يا ست رغد ما أنتِ السبب فعلا
تجلس أم زوج رانيا حزينة على حال ابنها .. فالشرطة قبضت عليه بتهمة قتل ابنته وضرب زوجته ضرب مبرح .... زيادة على عقله الذي ذهب تماما من هول ما حدث أمام عينيه .....
لتقول لها ابنتها :
... يعني إيه أخويا كدا ضاع خلاص
تبكي امها قائلة :
.... المحامي بيقول حتى لو ما اتسجنش هيتحول لمستشفى الأمراض العقلية
..... معقول أبو رانيا مش قادر يخليها تتنازل عن المحضر .....ما طول عمره كسرها إيه الجديد يعني
تتنهد الأم قائلة :
.... قادر إيه بس ... دي عملت فيه محضر عدم تعدي ... والضابط منعه من الدخول عندها تماما
ثم تبكي بحرقة قائلة :
.... يا حبيبي يا ابني ... يا خسارة شبابك اللي ضاع
تشعر ابنتها بتأنيب الضمير ... لا على رانيا وابنتها بل على أخيها وسندها الوحيد في هذه الحياة ......
تتصل رحاب برغد لتخبرها بما حدث لرانيا ... تبكي رغد بحرقة وتنهار تماما .. يسمع إيهاب نحيبها ويأتي مسرعا :
..... ف إيه يا رغد ... بتعيطي كدا ليه
..... بنت رانيا أختي ماتت
يتأثر إيهاب كثيرا لحالها .. فهو لا يتحمل بكائها إطلاقا...يقترب منها ويجذبها إليه بشدة لتستقر ف حضنه وترتوي من هذا الحنان الذي طالما افتقدته طيلة حياتها... ظلا هكذا دون أن يتفوها بأي كلمة ... فكلا منهما يستمد طاقته من الآخر لتكتمل روحه ... فهما ناقصان دون بعضهما .......
اجتمع الجميع ف المشفى حول رانيا لمواساتها عدا سعيد ... فهو ممنوع من زيارتها بأمر من النيابة .... ولكن وجودهم لا يفرق مع رانيا في شيء. .. فهي فقدت للتو قطعتين من قلبها أمام عينيها ....ابنتها وجنينها الذي كان ينمو ف أحشائها دون علمها .... هل تستطيع المواساة إصلاح ما تم فسده ... استرجاع ما فُقد منا غدرا .....
تقترب منها رغد وتمسح على رأسها بشفقة:
..... قدر الله وما شاء فعل ... بنتك ف الجنة يا رانيا ... في مكان أحسن وأرحم بكتير من هنا
رانيا صامتة تماما .... واجمة وملامحها باهتة حتى دموعها جفت وانتهت ...
تبكي رغد لحالها كثيرا ... لا تستطيع تحمل منظرها البتة... وأكثر ما يحزنها أنها كانت تعلم جيدا أن مصيرها سيكون بهذه القسوة ... فالتنازل عن الحقوق والهوان بها نهايتها مأساة بلا شك .....
تخرج من الغرفة لتجد إيهاب واقفا مع زوج رحاب أختها. ... تذهب لتقف بجانبه فهو ملاذها الوحيد ومصدر أمنها .... ليقول لها مطمئنا :
..... أنا اتكلمت مع الدكتور وبيقول أنها محتاجة جلسات تأهيل نفسي ف أسرع وقت
تنهدت بحزن وأومأت برأسها ... فجميعهن يحتجن لهذه الجلسات بعد أن دمرهن هذا السعيد. ....
يقابل سعيد نفس الشخص ويأخذ منه علبة المخدر .... يضعها ف جيب بنطاله ثم يتركه ويتمشى شاردا ف الطرقات .... لا يجد مكان يسعه كأنما هذا العالم أصبح لا يناسبه.. يضيق عليه حتى يكاد يخنقه.... لم يتوقع أن يفقد سيطرته على بناته إلى هذا الحد ... فابنته الكبرى قدمت فيه بلاغا بعدم التعدي .... كيف تجرؤ على هذا الفعل المشين ... كيف يضيع تعب السنين الفائتة هباءً ....
أخرجه صوت هاتفه عن شروده... ليجيب قائلا :
.... حاضر أنا جايلك ف الطريق اهو
يأخذ سيارة أجرة ويذهب سريعا إلى موعده السري .... المكان الذي طالما ذهب إليه كلما ضاقت به الدنيا .... ليصل إلى المبنى السكني ذي العلو الشاهق ... ثم يصعد السلم مهرولا إلى أن يقف أمام باب الشقة المُبهم ... ليطرق عليه عدة طرقات متتالية .... لينفتح الباب وتظهر هي من خلفه .... تفتح يديها على آخرهما ليرتمي هو بين أحضانها بلهفة ويقول :