رواية حطام عشق الفصل السادس 6 بقلم سارة علي
الفصل السادس
تراجعت الى الخلف وهي تضع كف يدها على وجهها تنظر إلى أية بنظرات مصدومة ..لم تستوعب غزل ما حدث ، لقد ضربتها بكل جرأة أما أية فأخذت تنظر إليها بملامح جادة ونظرات حازمة لم يهتز منها قيد شعرة ...
أخفضت غزل عينيها أرضا وبدأ جسدها يرتجف لا إراديا بينما أخذت دموعها تهطل على وجنتيها بغزارة ..
شعرت أية بالحزن لأجلها فإقتربت منها ومسكتها من ذراعها وجذبتها نحوها تحتضنها برفق ..
بعد فترة كانت غزل تكفكف دموعها بينما أية تتطلع إليها بعينين حانيتين قبل أن تبتسم بدفء وهي تسألها :
" هل أصبحتِ أفضل الأن ..؟!"
اومأت برأسها دون رد لتردف أية بأسف :
" أعتذر منكِ لما فعلته ، لكنني إضطررت لفعل هذا .."
قالت غزل وهي تهز رأسها نفيا :
" لا تعتذري ، بالعكس أنا من يجب عليه الإعتذار .."
قالت أية بلهجة عذبة رقيقة :
" لا داعي لأن تعتذري ، أنا أفهمك جيدا وأفهم ما تمرين به .."
إبتمست غزل رغم حزنها المسيطر على ملامح وجهها وقالت بعفوية :
" أنتِ لطيفة للغاية يا دكتورة .."
ضحكت أية وقالت بمزاح :
" منذ لحظات كنتِ على وشك قتلي خنقا والأن تقولين عني لطيفة ...!"
منحتها غزل إبتسامة شاحبة ضعيفة وهتفت بها بإعتذار :
" لقد كنتُ في أوج غضبي وجنوني .. اسفة حقا .."
" لم أقل لكِ هذا كي تعتذري ، أنا فقط أمزح معك .."
قالتها أية بصدق لتكتفي غزل بإيماءة من رأسها قبل أن تهتف بها بعد لحظات :
" أنا جائعة .."
لمعت عينا أية وهي تقول :
" وأنا أيضا جائعة للغاية .."
صمتت غزل لتكمل أية :
"ما رأيك أن أجلب انا الطعام من أحد المطاعم القريبة ..؟!"
سألتها غزل بخجل واضح :
" ألن يتعبك هذا ..؟!"
" أبدا ..."
أجابتها أية بجدية قبل أن تنهض من مكانها وتخبر غزل أنها سوف تذهب الى المطعم كي تجلب الطعام لكليهما ..
.........................................................................................
بعد حوالي ساعة كانت أية تجلس أمام غزل على السرير وكلتاهما تتناولان طعاميهما بصمت ..
صمت قطعته أية وهي تسأل غزل :
" هل ستبقين صامتة هكذا ..؟!"
ابتلعت غزل لقمتها وهتفت بإضطراب :
" ماذا يجب أن أقول ..؟!"
حركت أية كتفيها وقالت بجدية :
" تحدثي ، قولي اي شيء .."
" كم عمرك ..؟!"
هتفت بها غزل فجأة لتعقد أية حاجبيها وهي تهتف بتذمر مصطنع :
" ما هذه الاسئلة المحرجة يا فتاة ..؟! على العموم سأجيبك ..ستة وعشرون عاما .."
" اووه أنتِ أكبر مني بثمان سنوات .."
قالتها غزل بذهول غير مصدقة ان هذه الفتاة الجميلة بوجهها الطفولي تكبرها كل هذا لتزم أية شفتيها بعبوس وتهتف بها :
" هل تقصدين أنني عجوز بالنسبة لكِ ..؟!"
ضحكت غزل بسرعة وقالت :
" أعتذر منك حقا ، لم أقصد هذا بكل تأكيد .."
ردت أية بصوت مرح ضاحك :
" أخبرتك مسبقا ألا تعتذري مني يا فتاة .. انا فقط امزح كالعادة .."
" يبدو أنكِ تحبين المزاح كثيرا...."
سألتها أية بفضول :
" وأنتِ لا تحبينه ..؟!"
أجابتها غزل وقد تشنجت ملامحها كليا بشكل لا إرادي :
" بلى أحبه لكن .."
صمتت قليلا وقالت بعدها بشرود :
" لكن هناك من كان يكرهه بشده .."
" عمن تتحدثين بالضبط ..؟!"
سألتها أية بحيرة مفتعلة وقد أدركت بحسدها الذكي أنها تتحدث عن حبيبها لتهز غزل رأسها بسرعة وتقول بإختصار :
" ليس مهما ..."
لم تشأ أية أن تحرجها فهتفت بسرعة محاولة تغيير الموضوع :
" هل أعجبكِ الطعام ..؟!"
اجابتها غزل بجدية :
" أعجبني كثيرا ، شكرا لك .."
عادت الفتاتان تتناولان طعاميهما وكلتاهما تفكر في الأخرى رغما عنها ..
غزل تفكر في أية وشخصيتها اللطيفة المرحة وعذوبة كلماتها حيث بدأت تشعر بألفة غريبة نحوها وكأنها تعرفها منذ زمن .. ولم يكن تفكير أيه يختلف عن تفكير غزل ابداً فهي ايضا رأت في غزل فتاة صغيرة عفوية بحاجة الى رعاية واهتمام..
.............................................................................
في صباح اليوم التالي ..
جلس حسام على مائدة الطعام ليجد والدته تجلس في مكانها المعتاد ومقابلها تجلس كلا من سما وديما ..
سأل حسام والدته بصوته الهادئ الرخيم :
" أين ليث ..؟! لماذا لا يتناول طعام الفطور معنا ...؟!"
أجابته والدته بنبرة جادة :
" لقد تناول طعامه مبكرا وذهب الى الشركة ، يقول أنه لديه إجتماع مهم .."
اومأ حسام برأسه متفهما ثم عاد يتناول طعامه بصمت ... صمت قطعه رنين هاتفه ليخرجه من جيبه وينظر إليه قبل أن ينهض من مكانه بسرعة ويتجه خارج غرفة الطعام ..
أجاب حسام على الهاتف ليأتيه صوت أحد رجاله وهو يهتف به :
" لقد وجدنا طبيبا هناك يعمل في المشفى .. اتفقنا معه على أن يجلب لنا جميع أخبارها .."
" رائع ، أريد تقريرا مفصلا بكل شيء ...."
قالها حسام بجدية ليرد الرجل بإذعان :
" حاضر سيد حسام .."
اغلق حسام الهاتف مع الرجل ثم خرج من المنزل متجها الى الشركة ...
وصل الى هناك ليجد الجميع يعمل على قدم وساق ...
دلف الى مكتبه وهو يشعر بالضيق .. أخبر السكرتيرة ألا تسمح لأي أحد بالدخول إليه ..
جلس على كرسي مكتبه وأغمض عينيه محاولا أن يستريح قليلا ...
عادت ذاكرته الى الخلف وتحديدا الى اليوم الاول الذي رأه فيها ..
( اتصال سريع من ابنة عمه لمى تخبره فيه أنها قامت بحادث سيارة وأنها الأن في مركز الشرطة وتحتاج لقدومه .. خرج مسرعا متجها الى مركز الشرطة الذي توجد هي فيه ... وصل الى هناك ليتفاجئ بإبنة عمه تركض نحوه وتحتضنه باكية وهي تهتف بخوف :
" كادت أن تقتلني يا حسام ، أقسم لك أنها ضربتني ..."
أبعد حسام وجهها قليلا متسائلا بحيرة :
" عمن تتحدثين يا لمى ..؟!"
أجابته بذعر :
" إنها في الداخل مع المحقق .."
زفر حسام نفسه بقوة وقال محاولا تهدئتها :
" حسنا اهدئي يا لمى .. انا هنا ولن تستطيع أن تفعل لكِ شيئا ..."
ثم تقدم نحو غرفة الضابط وطرق على الباب ليسمح له الضابط بالدخول بعد لحظات ...
دلف حسام الى غرفة الضابط وعلى الفور ذهبت عيناه ناحية تلك الفتاة ليتفاجئ بفتاة صغيرة للغاية أقرب الى طفلة تجلس أمام المحقق وتتحدث بصوت خافت ..
ما إن دلف هو الى الداخل حتى إلتفتت نحوه ترمقه بنظرات هادئة .. كان يبدو عليها البراءة والطفولة في آن واحد فسأل نفسه كيف لفتاة صغيرة كهذه أن تضرب لمى إبنة عمه والتي يتجاوز سنها الثلاثة وعشرين عاما ....
" أهلا ، تفضل .."
قالها الضابط بجدية ليرد حسام معرفا عن نفسه :
" حسام رشدان ، ابن عم لمى .."
وعلى الفور احتدت نظرات تلك الصغيرة ولاحظ حسام على الفور ذلك ...
ابتسم رغما عنه وكتم إبتسامته بصعوبة من منظرها الطفولي الغاضب قبل أن يستدير نحو الضابط مرة اخرى ويهتف بجدية :
" ماذا حدث بالضبط ..؟!"
" تفضل سيد حسام .."
قالها الضابط مشيرا الى الكرسي المقابل لكرسي غزل ليجلس عليه حسام وهو يرمق غزل بنظرات جانبية بينما تحدث الضابط :
" لقد اصطدمت سيارة الانسة لمى بسيارة الأنسة غزل .."
أشار حسام نحو غزل قائلا بعدم تصديق :
" هل تقود سيارة في سنها هذا ..؟!"
رفعت غزل حاجبها وقالت بصوت حاد بعض الشيء :
" عفوا ، ماذا تقصد بسنها هذا ..؟! انا في السابعة عشر من عمري .."
صرخ الضابط بعدم تصديق :
" قلتِ كم ..؟! هذا يعني أنكِ لا تمتلكين رخصة قيادة كما زعمتِ .."
تلعثمت غزل في حديثها وهي تجيبه بصوت متحشرج متقطع :
" أنا .. أنا بلى أمتلك ولكن .."
رد حسام ببرود :
" منذ متى والأطفال يمتلكن رخصة قيادة يا حضرة الضابط ، إنها تكذب بكل تأكيد ..."
رمقته غزل بنظرات متشنجة قبل أن تهتف بنبرة عصبية :
" ما علاقتك أنت ..؟! لماذا تتحدث نيابه عني ..؟!"
مال حسام نحوها قليلا وهتف بصوت قوي بارد :
" سأتحدث يا صغيرة حتى تكفي عن رمي بلائك عن الأخرين .. أنتِ لا تعرفين القيادة وبالتأكيد تسببتِ لإبنة عني بذلك الحادث بسبب هذا ..."
مالت غزل نحوه بدورها وهتفت بصوت جاد بينما عيناها الخضراوين لمعتا بشراسة :
" إبنة عمك تلك غبية ولا تجيد قيادة حمار وليس سيارة .."
" وهل هذا سبب كافي لإهانتها وضربها ..؟؟"
قالها حسام بصوت قاسي عالي قليلا لترد بلا مبالاة :
" هي من بدأت وتجاوزت حدودها معي .."
وفي نفس اللحظة دلف أحدهم الى المكان عرفه حسام فورا ...
إقترب الرجل من الضابط وقال معرفا عن نفسه :
" ساهر الراوي ، ابن عم غزل ..،"
ثم رمق حسام بنظرات جانبية قبل أن يسأل عما حدث بينما حسام يحاول إستيعاب ما يحدث فتلك الصغيرة تنتمي لعائلة الراوي ..ألد أعداءه ..
تكملة الفصل السادس ..
أفاق من شروده على صوت باب مكتبه ُيفتح فإعتدل مسرعا في جلسته محاولا إخفاء تجهم وجهه وضيقه ...
وجد ليث يلج الى الداخل ويتقدم نحوه هاتفا بجدية :
" أريد الحديث معك قليلا .."
تمعن حسام النظر في ملامح وجهه الصلبة بحيرة قبل أن يشير الى الكرسي المقابل له قائلا :
" تفضل .."
جلس ليث على الكرسي ونظر إلى حسام للحظات قبل أن يهتف بنبرته الجادة الرزينة :
" بعدما حققت إنتقامك المزعوم ، ماذا ستفعل يا حسام ..؟!"
حل الصمت المطبق بينهما للحظات .. حسام يفكر في جواب ملائم وليث ينتظر جواب يريح قلبه ..
في النهاية أجابه حسام بنبرة ثابته واقعية :
" لن أفعل أي شيء .. أنت قلتها ، لقد حققت إنتقامي وإنتهي .."
قال ليث بنبرة خرجت حادة عصبية :
" وهل تظن أن رشاد الراوي وعائلته سوا يمررون ما حدث بسهولة ..؟!"
أغضبته نبرة أخيه تلك فقال بصوت غاضب لا مبالي :
" ليفعلوا ما يشاؤون ، يكفيني أنني لطخت شرفهم بالتراب ..."
رد حسام مقاطعا إياها بضيق جلي :
" فهمنا إنك انتصرت عليهم في معركة غير متكافئة من الأساس ، لكنهم لن يتقبلوا ما حدث بسهولة .."
" إلامَ تريد أن تصل يا ليث ...؟!"
سأله حسام بنفاذ صبر ليرد ليث بقلق نابع من قلبه الذي يشعر أن هناك خطرا كبيرا يحوم حول أخيه :
" أنا خائف عليك .. خائف مما سيفعلونه بك .."
زفر حسام نفسه بقوة وهو يفكر بأن أخيه معه الحق في خوفه عليه فهم لن يمرروا ما حدث بسهولة ..
لكن ليث لا يعلم أن أخر همه ما سيفعلونه .. هناك شيء في داخله إنطفئ ولم بعد يهتم لأي شيء وكأنه لا بجد شيئا مهما يخاف عليه .. إن كان قتله سوف يريحهم ليقتلوه وربما يرتاح هو أيضا ..
" لا تقلق يا ليث ، كل شيء سيكون على ما يرام .."
قالها حسام محاولا طمأنة أخيه لينظر إليه حسام بنظرات مشككة وقد شعر بتوتر أخيه و أفكاره التي ظهرت بوضوح على ملامح وجهه ..
قال أخيرا بصوته الرجولي الضخم :
" ليتك لم تفعل ما فعلته يا أخي .. ليتك لم تستعجل أبدا .."
شرد حسام في حديثه ورغما عنه أخذ يفكر فيها من جديد .. ماذا كان سيحدث لو تنازل عن إنتقامه ذلك و تزوج بها ...؟!
هل كان سيعيش مرتاحا ..؟! هل سيرتاح ضميره وهو متزوج من إبنة قاتل أبيه ..؟!
شعر ليث يتخبطه وضياعه فقال محاولا طرق الحديد وهو ساخن :
" ما زال أمامك فرصة كي تصحح ما فعلته ..."
سأله حسام بلهجة مضطربة :
" ماذا تقصد ...؟!"
أجابه لبث بهدوء وجدية :
" لماذا لا تتزوجها الأن ..؟!"
ضحك حسام بعدم تصديق مما يسمعه وقال بلهجة ساخرة :
" هل تمزح معي يا ليث ..؟! أتزوج من ..؟!"
رد ليث ببرود لا نهائي :
" غزل الراوي .."
أخذ حسام يضحك عاليا وهو يشعر بأن أحدهم ألقى نكتة فكاهية على مسامعه ...
توقف عن ضحكاته اخيرا ليهتف بصوت بارد متشنج :
" ليت الأمر كان بهذه السهولة يا ليث ... ليته فقط .."
لمعت عينا ليث بحماس وهو يهتف بفرحة :
" هذا يعني أنك موافق على الزواج بها ...؟!"
صاح حسام ليث به بحدة :
" ليث ..!! هل تظن بأن غزل أو عائلتها سوف ينظرون في وجهي بعد الأن .."
قال ليث محاولا إقناعه :
" ليس مهما عائلتها .. المهم غزل نفسها .. حاول معها ..."
صمت حسام قليلا مما جعل ليث يظن أنه يفكر في حديثه بجديه .. كان ليث يريد من حسام أن يتزوج غزل فهي لا ذنب لها بكل ما حدث ..
قال حسام أخيرا بنبرة باردة لا توحي بشيء :
" غزل في مصحة نفسية الأن .."
اتسعت عينا لبث بعدم تصديق قبل أن يهتف بإنفعال جلي :
" ماذا تقول أنت ..؟! مصحة نفسية ..؟! "
اومأ حسام برأسه ليرد ليث بغضب شاسع :
" أنت سوف تحمل ذنب تلك الفتاة طوال حياتك يا حسام .. ليكن الله في عونك على هذا الذنب الذي سوف تتحمله ..."
اهتزت حدقتي حسام لا إراديا ورأها ليث ففهم أن أخيه بدأ يفقد صوابه قليلا ..
" لو كنت مكانك لقضيت ما تبقى من عمري وأنا أرجو تلك الفتاة أن تسامحني وتغفر لي ..."
ثم نظر إليه هازا رأسه بأسف شديد قبل أن يخرج من المكان تاركا حسام يحطم كل شيء يراه أمامه بعصبية مخيفة غير أبها بالموظفين من حوله ولا بما سيقولونه ...
...................................................................................
كانت تبكي بصوت عالي .. جسدها يهتز بشكل كبير .. عيناها مضطربتان بشكل مخيف .. تضرب جسدها ووجهها بشكل مرعب ...
صراخها ازداد إرتفاعا بشكل جعل الممرضات يسمعونها فهرعوا إليها بسرعة بينما اتجهت واحدة منهن الى مكتب أية تناديها ...
خرجت أية مسرعة من مكتبها واتجهت الى غرفة غزل لتسمع صوت صياحها من نهاية الممر ..
ركضت بسرعة الى غرفتها وولجت الى الداخل لتجد غزل محاطة بأربع ممرضات يقيدنها من أطرافها بينما غزل تدفع بجسدها يمينا وشمالا وهي تصيح بهم :
" إتركوني .. إتركوني .."
اقتربت أية منهن وأبعدتهم عنها وهي تصيح بهن :
" إتركوها .. هيا إبتعدوا عنها حالا ..."
ثم جذبت غزل إليها وهي تهتف بها بنبرة داعمة :
" لقد أبعدتهم عنكِ .. هيا إهدئي .."
انهارت غزل بين ذراعيها باكيه وهي تردد كلمات غير مفهومة لم تفهم اية منها شيئا سوى اسم حسام ...
شددت أية من إحتضانها وهي تحاول تهدئتها بينما أشارت للممرضات أن يخرجن رافضة سماع كلامهم بإعطائها إبرة مهدئة ..
كانت أية تشعر بالأسى الشديد لأجلها ، كيف لفتاة بهذا السن الصغير أن تتعرض لكل هذا ..؟! ظلت تحتضنها بقوة محاولة تهدئتها ببعض الكلمات اللطيفة ..
هدئت غزل أخيرا بين ذراعيها لتسألها أية بصوت متردد :
" هل أصبحت أفضل الأن ..؟!"
إبتعدت غزل ببطأ من بين أحضانها واومأت برأسها دون رد ...
" غزل ، هل يمكننا الحديث قليلا ...؟!"
سألتها أية بنبرة خافتة لطيفة لتجيب غزل بشرود :
" لا أريد الحديث مع أي أحد .. أريد النوم .."
اومأت أية برأسها متفهمة قبل أن تخبرها قائلة :
" نامي وارتاحي الأن ومتى ما إحتجتني سوف تجدينني أمامي .."
ثم نهضت من مكانها وخرجت من عندها لتجد ساهر أمامها ...
إحتدت ملامحها لا إراديا وهي تتخصر أمامه سائلة إياه :
" ماذا تريد ..؟!"
أجابها ساهر بتعجب ساخر :
" عفوا ..؟! هل أصبحت زيارة ابنة عمي بإذن منك ..؟!"
أخجلتها كلماته تلك فقالت بصوت جامد محاولا ألا تظهر خجلها أمامه :
" إعتبره هكذا فأنا الطبيبة المسؤولة عن حالتها ..."
" حسنا ، اذا اسمحي لي برؤيتها .."
قالت أية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :
" ممنوع .. لقد نامت منذ قليل بعدما إنهارت بشدة .."
" حقا ..؟! وكيف أصبحت الأن ..؟!"
سألها ساهر بلهفة وقلق شديدين لتجيبه أية بسرعة محاولا طمأنته :
" لقد أصبحت أفضل الأن .. لكن إتركها ترتاح قليلا .. من فضلك ..."
اومأ ساهر برأسه متفهما ثم هم بالرحيل لكنه تراجع عن رحيله وعاد ملتفتا إليها لتنظر إليه أية بحيرة ...
قال ساهر بنبرة خرجت عادية فهو كان متهيأ لها منذ فترة :
" دكتورة أية ، إسمحي لي أن أعتذر منك عما بدر مني من كلام مزعج في ذلك اليوم .."
حملقت أية به بدهشة ، هل إعتذر منها ..؟! هل هو جاد فيما يقوله ...؟! كيف لشخص بارد ومغرور مثله أن يعتذر منها بهذه البساطة ..؟!
تنحنت قائلة بإختصار فهي لم تستوعب إعتذاره بعد :
" قبلت إعتذارك ..."
اومأ ساهر برأسه ثم تحرك بعيدا عنها ...
...........................................................................
بعد انتهاء نوبة غضبه الشديدة جلس حسام على مكتبه وهو يلهث بقوة ..
يشعر بأن قلبه سوف يتوقف من شدة الألم الذي يشعر به ..
سحب هاتفه الذي أخذ يرن بإلحاح من فوق الطاولة وأجاب على المتصل ليأتيه صوت رجولي قائلا :
" نحن ننتقم بشكل مختلف يا حسام رشدان .. لا نُدخل النساء في مخططاتنا .. نحن أرجل منك في هذه النقطة .. انتبه على أرواح مَن حولك فضلا وليس أمرا فأنت لن تعرف الضربة من أين سوف تأتيك ..."
ثم أغلق الرجل الهاتف لينظر حسام إليه بتخبط وشعور داخله تكون بأنه هناك شيء ما سيحدث ..
لحظات قليلة وجاءه إتصال من رقم غريب يخبره :
" أنت حسام رشدان ، لقد تعرض أخيك لحادث سيارة وهو الأن في طريقة الى المشفى .."
يتبع
أفاق من شروده على صوت باب مكتبه ُيفتح فإعتدل مسرعا في جلسته محاولا إخفاء تجهم وجهه وضيقه ...
وجد ليث يلج الى الداخل ويتقدم نحوه هاتفا بجدية :
" أريد الحديث معك قليلا .."
تمعن حسام النظر في ملامح وجهه الصلبة بحيرة قبل أن يشير الى الكرسي المقابل له قائلا :
" تفضل .."
جلس ليث على الكرسي ونظر إلى حسام للحظات قبل أن يهتف بنبرته الجادة الرزينة :
" بعدما حققت إنتقامك المزعوم ، ماذا ستفعل يا حسام ..؟!"
حل الصمت المطبق بينهما للحظات .. حسام يفكر في جواب ملائم وليث ينتظر جواب يريح قلبه ..
في النهاية أجابه حسام بنبرة ثابته واقعية :
" لن أفعل أي شيء .. أنت قلتها ، لقد حققت إنتقامي وإنتهي .."
قال ليث بنبرة خرجت حادة عصبية :
" وهل تظن أن رشاد الراوي وعائلته سوا يمررون ما حدث بسهولة ..؟!"
أغضبته نبرة أخيه تلك فقال بصوت غاضب لا مبالي :
" ليفعلوا ما يشاؤون ، يكفيني أنني لطخت شرفهم بالتراب ..."
رد حسام مقاطعا إياها بضيق جلي :
" فهمنا إنك انتصرت عليهم في معركة غير متكافئة من الأساس ، لكنهم لن يتقبلوا ما حدث بسهولة .."
" إلامَ تريد أن تصل يا ليث ...؟!"
سأله حسام بنفاذ صبر ليرد ليث بقلق نابع من قلبه الذي يشعر أن هناك خطرا كبيرا يحوم حول أخيه :
" أنا خائف عليك .. خائف مما سيفعلونه بك .."
زفر حسام نفسه بقوة وهو يفكر بأن أخيه معه الحق في خوفه عليه فهم لن يمرروا ما حدث بسهولة ..
لكن ليث لا يعلم أن أخر همه ما سيفعلونه .. هناك شيء في داخله إنطفئ ولم بعد يهتم لأي شيء وكأنه لا بجد شيئا مهما يخاف عليه .. إن كان قتله سوف يريحهم ليقتلوه وربما يرتاح هو أيضا ..
" لا تقلق يا ليث ، كل شيء سيكون على ما يرام .."
قالها حسام محاولا طمأنة أخيه لينظر إليه حسام بنظرات مشككة وقد شعر بتوتر أخيه و أفكاره التي ظهرت بوضوح على ملامح وجهه ..
قال أخيرا بصوته الرجولي الضخم :
" ليتك لم تفعل ما فعلته يا أخي .. ليتك لم تستعجل أبدا .."
شرد حسام في حديثه ورغما عنه أخذ يفكر فيها من جديد .. ماذا كان سيحدث لو تنازل عن إنتقامه ذلك و تزوج بها ...؟!
هل كان سيعيش مرتاحا ..؟! هل سيرتاح ضميره وهو متزوج من إبنة قاتل أبيه ..؟!
شعر ليث يتخبطه وضياعه فقال محاولا طرق الحديد وهو ساخن :
" ما زال أمامك فرصة كي تصحح ما فعلته ..."
سأله حسام بلهجة مضطربة :
" ماذا تقصد ...؟!"
أجابه لبث بهدوء وجدية :
" لماذا لا تتزوجها الأن ..؟!"
ضحك حسام بعدم تصديق مما يسمعه وقال بلهجة ساخرة :
" هل تمزح معي يا ليث ..؟! أتزوج من ..؟!"
رد ليث ببرود لا نهائي :
" غزل الراوي .."
أخذ حسام يضحك عاليا وهو يشعر بأن أحدهم ألقى نكتة فكاهية على مسامعه ...
توقف عن ضحكاته اخيرا ليهتف بصوت بارد متشنج :
" ليت الأمر كان بهذه السهولة يا ليث ... ليته فقط .."
لمعت عينا ليث بحماس وهو يهتف بفرحة :
" هذا يعني أنك موافق على الزواج بها ...؟!"
صاح حسام ليث به بحدة :
" ليث ..!! هل تظن بأن غزل أو عائلتها سوف ينظرون في وجهي بعد الأن .."
قال ليث محاولا إقناعه :
" ليس مهما عائلتها .. المهم غزل نفسها .. حاول معها ..."
صمت حسام قليلا مما جعل ليث يظن أنه يفكر في حديثه بجديه .. كان ليث يريد من حسام أن يتزوج غزل فهي لا ذنب لها بكل ما حدث ..
قال حسام أخيرا بنبرة باردة لا توحي بشيء :
" غزل في مصحة نفسية الأن .."
اتسعت عينا لبث بعدم تصديق قبل أن يهتف بإنفعال جلي :
" ماذا تقول أنت ..؟! مصحة نفسية ..؟! "
اومأ حسام برأسه ليرد ليث بغضب شاسع :
" أنت سوف تحمل ذنب تلك الفتاة طوال حياتك يا حسام .. ليكن الله في عونك على هذا الذنب الذي سوف تتحمله ..."
اهتزت حدقتي حسام لا إراديا ورأها ليث ففهم أن أخيه بدأ يفقد صوابه قليلا ..
" لو كنت مكانك لقضيت ما تبقى من عمري وأنا أرجو تلك الفتاة أن تسامحني وتغفر لي ..."
ثم نظر إليه هازا رأسه بأسف شديد قبل أن يخرج من المكان تاركا حسام يحطم كل شيء يراه أمامه بعصبية مخيفة غير أبها بالموظفين من حوله ولا بما سيقولونه ...
...................................................................................
كانت تبكي بصوت عالي .. جسدها يهتز بشكل كبير .. عيناها مضطربتان بشكل مخيف .. تضرب جسدها ووجهها بشكل مرعب ...
صراخها ازداد إرتفاعا بشكل جعل الممرضات يسمعونها فهرعوا إليها بسرعة بينما اتجهت واحدة منهن الى مكتب أية تناديها ...
خرجت أية مسرعة من مكتبها واتجهت الى غرفة غزل لتسمع صوت صياحها من نهاية الممر ..
ركضت بسرعة الى غرفتها وولجت الى الداخل لتجد غزل محاطة بأربع ممرضات يقيدنها من أطرافها بينما غزل تدفع بجسدها يمينا وشمالا وهي تصيح بهم :
" إتركوني .. إتركوني .."
اقتربت أية منهن وأبعدتهم عنها وهي تصيح بهن :
" إتركوها .. هيا إبتعدوا عنها حالا ..."
ثم جذبت غزل إليها وهي تهتف بها بنبرة داعمة :
" لقد أبعدتهم عنكِ .. هيا إهدئي .."
انهارت غزل بين ذراعيها باكيه وهي تردد كلمات غير مفهومة لم تفهم اية منها شيئا سوى اسم حسام ...
شددت أية من إحتضانها وهي تحاول تهدئتها بينما أشارت للممرضات أن يخرجن رافضة سماع كلامهم بإعطائها إبرة مهدئة ..
كانت أية تشعر بالأسى الشديد لأجلها ، كيف لفتاة بهذا السن الصغير أن تتعرض لكل هذا ..؟! ظلت تحتضنها بقوة محاولة تهدئتها ببعض الكلمات اللطيفة ..
هدئت غزل أخيرا بين ذراعيها لتسألها أية بصوت متردد :
" هل أصبحت أفضل الأن ..؟!"
إبتعدت غزل ببطأ من بين أحضانها واومأت برأسها دون رد ...
" غزل ، هل يمكننا الحديث قليلا ...؟!"
سألتها أية بنبرة خافتة لطيفة لتجيب غزل بشرود :
" لا أريد الحديث مع أي أحد .. أريد النوم .."
اومأت أية برأسها متفهمة قبل أن تخبرها قائلة :
" نامي وارتاحي الأن ومتى ما إحتجتني سوف تجدينني أمامي .."
ثم نهضت من مكانها وخرجت من عندها لتجد ساهر أمامها ...
إحتدت ملامحها لا إراديا وهي تتخصر أمامه سائلة إياه :
" ماذا تريد ..؟!"
أجابها ساهر بتعجب ساخر :
" عفوا ..؟! هل أصبحت زيارة ابنة عمي بإذن منك ..؟!"
أخجلتها كلماته تلك فقالت بصوت جامد محاولا ألا تظهر خجلها أمامه :
" إعتبره هكذا فأنا الطبيبة المسؤولة عن حالتها ..."
" حسنا ، اذا اسمحي لي برؤيتها .."
قالت أية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :
" ممنوع .. لقد نامت منذ قليل بعدما إنهارت بشدة .."
" حقا ..؟! وكيف أصبحت الأن ..؟!"
سألها ساهر بلهفة وقلق شديدين لتجيبه أية بسرعة محاولا طمأنته :
" لقد أصبحت أفضل الأن .. لكن إتركها ترتاح قليلا .. من فضلك ..."
اومأ ساهر برأسه متفهما ثم هم بالرحيل لكنه تراجع عن رحيله وعاد ملتفتا إليها لتنظر إليه أية بحيرة ...
قال ساهر بنبرة خرجت عادية فهو كان متهيأ لها منذ فترة :
" دكتورة أية ، إسمحي لي أن أعتذر منك عما بدر مني من كلام مزعج في ذلك اليوم .."
حملقت أية به بدهشة ، هل إعتذر منها ..؟! هل هو جاد فيما يقوله ...؟! كيف لشخص بارد ومغرور مثله أن يعتذر منها بهذه البساطة ..؟!
تنحنت قائلة بإختصار فهي لم تستوعب إعتذاره بعد :
" قبلت إعتذارك ..."
اومأ ساهر برأسه ثم تحرك بعيدا عنها ...
...........................................................................
بعد انتهاء نوبة غضبه الشديدة جلس حسام على مكتبه وهو يلهث بقوة ..
يشعر بأن قلبه سوف يتوقف من شدة الألم الذي يشعر به ..
سحب هاتفه الذي أخذ يرن بإلحاح من فوق الطاولة وأجاب على المتصل ليأتيه صوت رجولي قائلا :
" نحن ننتقم بشكل مختلف يا حسام رشدان .. لا نُدخل النساء في مخططاتنا .. نحن أرجل منك في هذه النقطة .. انتبه على أرواح مَن حولك فضلا وليس أمرا فأنت لن تعرف الضربة من أين سوف تأتيك ..."
ثم أغلق الرجل الهاتف لينظر حسام إليه بتخبط وشعور داخله تكون بأنه هناك شيء ما سيحدث ..
لحظات قليلة وجاءه إتصال من رقم غريب يخبره :
" أنت حسام رشدان ، لقد تعرض أخيك لحادث سيارة وهو الأن في طريقة الى المشفى .."
يتبع