رواية السجينة وايدي العقاب الفصل الخامس 5 بقلم دينا عادل
السجينة .....وأيدي العُقابُ
*الفصل الخامس*
_بادلته "عهد" تلك النظرات الحادة وهي تلوح بيدها غير مبالية:
-حتى لو هتموتني أهو يكون أريح من اللي أنا فيه !
ابتعد عنها "زين" بجمود ثم قال :
-ما تلوميش حد غير نفسك ، أنتِ اللي جبتي رجيلك في السجن !
نظرت له نظرات غامضة وقالت بحنق:
-لو اتعاد بي الزمن تاني هعمل أكتر من كده كمان !
تعجب من حديثها وعلم أن جريمتها ليست عادية ،بينما تسألت "عهد" فجأة:
؟!-بس أنا جيت ازاي ،يعني ازاي عرفت توديني هنا كده عادي !
قال وهو يحرك أكتافه بنبرة عادية:
-شيلتك وجبتك هنا !
برقت "عهد" بعينها مرتدعة وقالت:
-نعم ؟!!!!
تعجب من حالة التحول التي أصابتها وسألها ببلاهة محتدة:
-في إيه مالك ؟
أخذت "عهد" تضرب بيدها على وجهها وهي توجه له الحديث:
-منك لله ،السجن كله هيتكلم عني دلوقتي !
نسي "زين" تلك المسألة تمامًا وتذكر أنه حملها وسط أنظار الجميع ،هو لم يكن يفكر برؤية الناس له ،ولكن بماذا كان يفكر !
تأفف بضيق ثم خرج من غرفتها وهو يضرب الباب بعنف ليحاول التفكير بتلك المسألة !
.............
عاد إلى السجن مجددًا وطلب من "سعاد" أحضار الجميع إلى ساحة السجن ،فتقدم بثبات ثم قال بصوتٍ عالٍ جداّ:
-اسمعوا كلكم ، أي حد هيتكلم عن زميلتكم هنا باللي حصل مش هيجراله كويس ، أيوة أنتم هنا موجودين عشان تأدوا عقوبتكم بس مش معنى كده لو لقيت حد تعبان أو مريض ومحتاج رعاية معينة أني هسيبه يموت أو يولع ، دي مش أخلاقنا وتأكدوا إني لو أي حد هنا حصله كده أو أكتر هعمل أكتر من كده كمان ،ومتنسوش إني السبب في اللي حصل لها ،لازم يكون في جانب إنساني موجود عندنا عشان محدش يتظلم ، بس أي حاجة تانية مش هسامح فيها ،فكل واحدة هنا تحط لسانها جوا بُقها وإلا هيكون عقابها عسير ، مفهوم ؟
سيطرت الدهشة على وجوه الجميع ومنهن من امتثل لكلامه ومنهن من أنكر ذلك الكلام وأصر على رأيه !
وبعد ذلك انصرف وأمر "سعاد" ان تلحقه وعنفها قائلًا:
-يا ريت يا هانم ، تبقى تبلعي لسانك شوية عشان المنظر ده ميتكررش تاني سامعة كويس !
أومأت برأسها في خوف بينما سألها بجدية كبيرة:
-ملف البنت دي موجود هنا ؟
هزت رأسها نافية ثم قالت موضحة:
-لا يا باشا "عهد" من ضمن الستات اللي واخدين مؤبد جديد ،يعني على آخر الأسبوع هيوصلك الملف بتاعها وبتاع نفس الحكم للباقي !
-لاء !
نطق بها وسط ترقب "سعاد" ثم أكمل وهو ينظر في الملفات التي أمامه :
-الملف ده لازم يجيلي في أقرب وقت مش هستنى كتير !
تأكدت "سعاد" أن ثمت هناك علاقة بينه وبين "عهد" فقالت بضيق:
-يا باشا يعني أنا في إيدي أعمل إيه الملفات دي مش أنا اللي بتصرف فيها !
نظر لها بحدة فتراجعت إلى الخلف بتوجس ثم قال:
-طب اطلعي برا !
ردت بإيجاز:
-تحت أمرك !
وبينما هي تشرع في الخروج قال مذكرًا:
-إياكي أسمعك بتتكلمي في حاجة كده ولا كده فاهمة !
هزت رأسها بسرعة ثم خرجت وهي تبرطم ببعض الكلمات !
بينما جلس "زين" على مكتبه وأخرج هاتفه ليقول بعد برهة:
-أيوة يا "يوسف" عايزك في حاجة مهمة ،اسمعني كويس ...............................
..................................
وبعد يومين خرجت "عهد" من المشفى وأتت محجوزة بسيارة الشرطة حتى لا يتحدث أحد بشيء عنها ،وتلقت الترحيب من معظم السجن لكن البعض منهن يعاملوها بغرابة وهي تلوم بسرها ذلك المأمور الذي عرضها لكل تلك المشاكل !
باشرت "عهد" عملها كباقي المسجونات تحت إشراف الجميع ومن وقت لآخر كان يأتي "زين" ويتابع بنفسه ما تفعله ويأمر "سعاد" بتكثيف العمل عليها لأنها لم تفعل شيئًا لمدة يومين ،فكانت تعمل بحنق لكن ببرود شديد أمامه وكأنها تخبره افعل ما شئت لم يعد الأمر يهمني !
....
وفي أحد الأيام سمع "زين" صوت طرقات على باب مكتبه فأذن للطارق بالدخول وهو في كامل تركيزه بعمله فلم ينظر من الداخل بينما أتاه ذلك الصوت قائلًا:
-جبتلك الملف يا سيدي !
ما لبث أن نظر له "زين" وهو يقول :
-تسلم ايديك آآ..
بحلق "زين" بعينه وهو ينظر للذي أمامه ويقول:
"مليكة" ؟ !!!
اقتربت منه واحتضنته بشدة وتقول بنبرة سعيدة:
-بابي إيه رأيك في المفاجأة دي
ابتعد عنها وذهب نحو "يوسف" وهو يقول بغضب:
-أنتَ اتجننت يا "يوسف" جايبلي البنت السجن ،يابني أنتَ متخلف ؟
حاول "يوسف" تهدئته وهو يقول:
-اهدى بس يابني ،بنتك فضلت تعيط لما عرفت إني جايلك ومحدش بيعرف يسكتها مهما نقول
نظر له "زين" بحدة وهو يشي بيده بعصبية:
-وأنت أهبل تسمع كلام عيلة صغيرة ،ما تعيط ولا تتنيل بس تجبها هنا وسط السجن مع ناس قتالين !
بكت "مليكة" بحزن ثم قالت بصوت خافت:
-خلاص يا بابا أنا هروح دلوقتي أهو متزعلش مني أنا كنت فاكرة إنك هتتبسط لما تشوفني !
نظر نحو ابنته الباكية وهو ينفخ بضيق ثم نزل إلى مستواها وقال بهدوء:
-يعني ينفع بنوتة حلوة زيك كده وشاطر تكون موجودة في السجن مع الناس الوحشة ؟
هزت رأسها بالنفي ثم قالت ببراءة:
-بس كنت عايزة أشوفك يا بابا ومكنتش هروح في حتة كنت هعقد معاك ،بعدين انا زهقت من البيت أوي وأنتَ مش بتخرجني في حتة !
شعر "زين" بالندم لأنه مازال يهمل ابنته ولا يعرف كيف يسعدها فضمها بلطف وقال:
-حقك عليا أنتِ عندك حق !
ثم مسح دموعها وقال بنبرة حماسية:
-خلاص هتقعدي معايا هنا بس من غير ما تبعدي عني ،ولما نروح هاخدك ونروح الملاهي !
فرحت "مليكة" بشدة واحتضنت والدها بسعادة وهي تقول:
-هييييييييييييييه !
ابتسم بحنو بينما ربت عليه "يوسف" وقال:
-لسة زعلان ؟
وقف "زين" ثم ضربه بخفة:
-مقدرش يا صاحبي ،انا اللي غلطان إني مخرجتهاش الفترة دي !
ابتسم بخبث وقال وهو يغمز له بطرف عينه:
-واضح الملف بقى اللي شاغلك شوية !
تركه "زين" ولم يرد عليه بل نظر له نظرة حادة وهو يقول:
-خليك في حالك !
-خلتني أهو بس على فكرة في مفاجأة كبيرة في الملف اللي قدامك ده !
تعجب "زين" ثم قال بتساؤل:
-واللي هي ؟
تحرك "يوسف" نحو الخارج وهو يقول بلؤم:
-لا اعرفها أنت أحسن بس هتعبجك !
تركه بفضوله فاتسم نحو ابنته وحملها وقال:
-طب دلوقتي كده بقى تقعدي هنا لحد ما هتابع شوية حاجات وأرجعلك ،وعشان متزهقيش خدي موبايلي العبي فيه براحتك !
أومأت برأسها مبتسمة ثم أجلسها على الأريكة بينما هب هو ليتابع عمل المسجونات .....
في ذلك الوقت كانت "عهد" تمسح أرضية الطرقة الموجودة بالسجن فوجدته يقف أمامها دون ان يتحدث فعدلت من وضعيتها ثم قالت بتهكم:
-هو أنت مواركش غيري ولا إيه !؟
ابتسم باستفزاز وهو يعقد ذراعيه معًا:
-أنا حر أعمل اللي عايزه ،خليكي أنتِ في شغلك !
ردت عليه بنبرة غامضة تعجب لها:
صح أنتَ فعلا حر !
تابعت عملها ولكن بجدية كبيرة وكأنها تخرج ما داخلها بالعمل ،بينما نظر لها باستغراب ثم رسم الجدية على وجهه وتركها وهو يفكر بها ....
على الجانب الآخر سأمت "مليكة" وملت وهي تنتظر والدها فذهبت امام ذلك الباب الشفاف وهي تشاهد المنظر حولها عن كثب ،ثم دققت كثيرًا حتى لمحت تلك الفتاة حسنة المنظر وهي تعمل بتعب وبسرعة ، ثم شعرت بالعطش فنظرت حولها فلم تجد أي ماءٍ هنا ،فقررت أن تذهب نحو تلك الفتاة لتسألها عن والدها أو ربما يوجد لديها بعض الماء لتشربه !
ذهبت ببساطة نحوها ووقفت أمامها ولكن كان يفصلها أقضاب الحديد فكانت لا تستطيع الدخول هناك فنادتها بصوت عال ً نسبيا:
-يا طنط ردي عليا !
رفعت "عهد" إحدى حاجبيها وهي تنظر بتعجب نحو تلك الطفلة الصغيرة ،مطت شفتيها وهي تقول بهمس:
-إيه ده جت منين دي ؟ ،لا وبتقولي طنط الله يرحم !
اقتربت منها بفضول ثم سألتها:
-أنتِ مين ؟
ردت عليها "مليكة" قائلة:
-أنا اسمي "مليكة" وأنتِ ؟
ابتسمت لها "عهد" بعذوبة وقال:
-اسمك حلو أوي ،أنا يا ستي اسمي "عهد" ،أنتِ بتعملي ايه هنا ؟
أشارت نحو مكتب والدها وقالت:
-انا هنا مع بابي ، بس هو مش هنا واتأخر أوي وانا عطشانة
تعجبت "عهد" وهي تنظر نحو مكتب "زين" قائلة بشرود:
-هي الحكاية فيها بابي كمان !
عاودت النظر لها وقالت بهدوء:
-وازاي مامتك تسيبك تيجي هنا أصلًا؟
نكست "مليكة" رأسها بحزن وقالت والدموع تلمع بعينها :
-أنا معنديش ماما عشان هي راحت عند ربنا !
حزنت "عهد" عليها ثم أمسكت بيدها من خلف القضبان وقالت:
-طب خلاص متعيطيش أنا أسفة ،بصي يا ستي روحي هناك عند الأوضة دي هتلاقي مطبخ كبير قولي للست اللي جوا تشربك وبعدين ارجعي بسرعة عند مكتب بابا عشان ميزعلش منك !
-بتعملي إيه هنا يا "مليكة"؟؟؟
قالها "زين" بصراخ بينما انفضت كل من "مليكة" و"عهد" وتركت يدها بسرعة فركضت نحو والدها وقالت بخوف:
-عطشت يا بابا وأنت سبتني لوحدي فروحت أسأل طنط دي عليك أنت أتأخرت اوي عليا !
نظر لها نظرة أرعبتها وقال:
-روحي دلوقتي على مكتبي وحسابي معاكي بعدين !
امتثلت لطلبه وذهبت بسرعة تحت نظراته بين عاود النظر نحو "عهد" التي قالت بسرعة :
-قبل ما تقول حاجة،أنا معملتش حاجة غلط وبنتك صغيرة لسة فمش فاهمة حاجة وهي كانت عايزة تشرب وانا حتى قولت لها تبقى ترجع تاني على مكتب سيادتك ، حتى أسألها !
نظر لها بغضب ثم تركها وذهب نحو غرفة ابنته بينما تنهدت "عهد" وعاودت عملها وهي تفكر بتلك الفتاة الصغيرة وب "زين"
.....................................
في المساء بعد أن نامت "مليكة" إثر إرهاق شاق من فسحة والدها جلس "زين" على الأريكة المجاورة وبيده ملف "عهد" ثم فتحه بتركيز شديد وهو يقرأ كل شيء عنها:
-الاسم :"عهد عبد الكريم سليمان"
السن:23 سنة
-أكملت الثانوية العامة فقط
-عزباء
-تقطن في حارة شعبية بحي بولاق
ثم نظر نحو التهمة التي ارتكبتها لتتسع عيناه بشدة كبيرة وهو يقرأ قائلًا:
التهمة: قتل رجل الأعمال الشهير "حمدي السامري"
نظر إلى نقطة ما بالفراغ واضطربت ضربات قلبه بشدة وأخذت أنفاسه تعلو وتهبط بسرعة غير مصدق ما قرأه الآن !
.....................
كانت "عهد" تنظر إلى القمر من النافذة العالية في عنبرها شاردة تمامًا ،حتى قطع عليها الشرود صوت العسكري يقول بهمس:
-أنتِ يا بت
التفت له وقالت باقتضاب:
-حاضر هروح اتخمد !
ضيق العسكري حاجبيه وقال بصوت منخفض:
-تعالي معايا البيه المأمور عاوزك !
تعجبت "عهد" في ذلك الوقت المتأخر لماذا يريدها ،تأففت بضيق ثم ذهب مع العسكري حتى وصلت إلى مكتب المأمور فوجدته جالسًا بإرهاق فقالت وهي تنظر نحوه بنبرة حانقة:
-أفندم يا باشا عاوزني في ايه !
وقف "زين" قبالتها وأشار للعسكري بالخروج ثم اقترب منها بهدوء بعد أن أخذ نفسًا عميقًا وقال:
-أنا عايزاك تسامحيني على كل اللي عملته معاكي بعترف إني غلطان ، بس حابب أسألك سؤال
"عهد" وهي تنظر له مصدومة:
-اتفضل
قال مرة واحدة بهدوء رزين:
-قتلتي "حمدي السامري" ليه ،وايه علاقتك بِه ؟؟!!!!!!!!!!
......................يتبع غدًا
توقعاتكم