رواية دمية بين يديه الفصل الثاني 2 بقلم سارة علي
الفصل الثاني
في احدى المستشفيات الخاصة ...
كان يركض داخل رواق المشفى محاولا الوصول الى غرفة العناية المشددة التي ترقد بها والدته بأسرع ما يمكن ...
وصل أخيرا ليجد ماهي اخته تبكي بصمت وزوجها معتز يربت على كتفها اما والده فيجري اتصالا هاتفيا مع الطبيب الخاص بوالدته ...
تقدم نحوهم وهو يلهث بقوة لتقترب منه ماهي وهي تهتف به بسرعة وبكاء يمزق نياط القلب :
" ماما عايزة تشوفك يا سليم .. يادوب تلحقها .."
دلف مسرعا الى غرفة العناية المشددة واقترب من والدته الممددة على السرير بوهن والعديد من الاجهزة الطبية مرتبطة بجسدها النحيل بلا حول ولا قوة ...
وكأنما شعرت بوجوده قربها ففتحت عينيها بسرعة وتأملته بحزن وهو يقترب منها فهذه أخر مرة سوف تراه بها ..
منحته ابتسامة ضعيفة وهي تهتف بإسمه بصوت خافت بالكاد يسمع :
" سليم .."
وقف بجانبها يسألها وكأنه طفل أضاع لعبته المفضلة :
" انتِ كويسة مش كدة ..؟!"
" سامحني يا سليم ..."
هتفت بها زينب بضعف قبل أن تقسو على نفسها وهي تتجه بيدها نحو يده تلمس كفه بحنو بالغ وتكمل بحشرجة :
" سامحني عشان هسيبك بدري ..."
لم يتحمل سليم ما يسمعه فهطلت الدموع من مقلتيه بغزارة شديدة وقد أدرك الأن أنه سيخسرها لا محالة ...
" متعيطش يا سليم .. انا مش عايزة اشوفك اخر مرة وانت بتعيط .."
قاطعها بقوة وهو يمسح دموعه :
" مش هعيط خلاص .. وانتِ هتبقي كويسه .. متقوليش كده من فضلك .."
قالت زينب بصوتها الذي لم يخلو من الدفء بالرغم من خفوته و إرتجافه :
" اسمعني يا سليم .. انت ابني الوحيد .. انت وماهي الحاجة الوحيدة الي طلعت بيهه من الدنيا ... انا قلت الكلام ده لماهي وهقوله ليك .. خليك جمب اختك مهما حصل .. انتوا ملكوش غير بعض ...متعيطش عليا بعد ما اموت ومتتمردش على ابوك مهما عمل ، ده ابوك وبيحبك وعايز مصلحتك .."
انحنى صوبها واحتضن كفها بكفه ثم هتف بصوت متحشرج مبحوح :
" خلصتي ..اولا ملوش لزوم الكلام ده لانك هتبقي كويسه ان شاءالله ... ثانيا انتِ عارفة انا قد ايه بحب ماهي وإنها اغلى حد عندي بعدم فملوش لزوم توصيني عليها .."
اومأت برأسها متفهمة قبل أن تكمل بوهن وقد لمعت الدموع داخل عينيها :
" هتوحشني يا سليم ... ابقى خد بالك من نفسك .. "
شعر سليم بتخبطها ووهنها فقال بلهفة وتوسل :
" متقوليش كده ارجوكِ ، انا هروح انادي الدكتور .."
ثم خرج مسرعا وصرخ بهم :
" هاتوا دكتور حالا ... وضعها تعبان جدا ..."
وبالفعل جاء احد الدكاترة بعد لحظات وخلفه عدة ممرضات ... ولجوا إليها ليجدوها قد توفيت بالفعل ... حاولوا إحياء نبضات قلبها عدة مرات بلا فائدة .. خرج الطبيب منكس الرأس من غرفة العناية ليسأله كمال بتردد :
" طمنا يا دكتور .."
" البقاء لله .."
صرخت ماهي بقوة وانهارت باكيه بينما اقتحم سليم الغرفة محاولا الوصول الى والدته وأفاقتها وهو يصرخ بإسمها ...
جذبه والده ومعتز بسرعة بمساعدة الطبيب بينما اخذ هو يبكي بقوة ... اتجه نحو اخته واحتضنها فأخذا الاثنان يبكيان سويا تحت أنظار كمال ومعتز الحزينه ...
ابتعد سليم عن اخته ليقترب كمال من ابنته ويحتضنها محاولا مواساتها بينما انزوى سليم بعيدا يبكي بصمت ...
اتجه كمال نحوه بعدما ترك ماهي مع زوجها ... تطلع إليه ليجد عيناه حمراوان من شدة البكاء .. جذبه إليه محتضنا إياه بقوة وقد هطلت دموعه هو الاخر الا ان سليم دفعه في نفس اللحظة وأخذ يرميه بنظرات كارهة ...
" انت السبب .. عمري مهسامحك ..."
ثم تركه ورحل غير مباليا بصراخ اخته عليه ولا محاولات معتز لإيقافه ....
وأثناء خروجه من المشفى اصطدم بجسد ضئيل لفتاة كانت تسير مسرعة بإتجاه المشفى ...
تراجع الى الخلف لا اراديا وكذلك فعلت الفتاة التي رفعت رأسها بعد لحظات نحوه لتلتقي عيناها الزرقاوين بعينيه السوداوين ...
تطلعت هيا الى عينيه الباكيتين بحيرة قبل ان تهتف بإعتذار مرهق :
" انا اسفة ..."
لم يجبها سليم بل سار مبتعدا عنها تاركا إياها تتابع أثره بحيرة قبل ان تتجه نحو الطابق الخامس حيث ترقد والدتها هناك بعد خروجها الإنعاش ...
لقد قاموا بعملية غسيل المعدة لها وأنقذوها في اللحظة الاخيرة ...
وصلت هيا الى الطابق الخامس لتجد سيلين تجلس على احد الكراسي الموضوعه في الممر الذي توجد به غرفة والدتها ...
اقتربت منها لتنهض سيلين من مكانها فتحتضنها هيا بقوة وهي تربت على ظهرها كدعم لها ...
................................................................................
في صباح اليوم التالي ...
وقفت هيا امام والدتها تنظر اليها بعتاب لكنها لم تشأ أن تتحدث معها وتزعجها فهي استيقظت لتوها وبحاجة الى مراعاة نفسية ...
تحدثت والدتها بوهن :
" هنعمل ايه يا هيا ..؟! كل حاجة ضاعت ..."
صمتت هيا ولم ترد بينما قالت سيلين بترجي :
" متقوليش كده يا ماما ومتتكلميش اصلا فالموضوع ده .. انتي لسه تعبانه .."
قالت مادلين بدموع :
" ياريتني كنت مت وارتحت .."
زفرت هيا نفسا قويا لتجد والدتها تقول بنبرة باكية :
" اتصرفي يا هيا .. اعملي اي حاجة .."
"انا لقيت الحل ..."
لمعت عينا والدتها وهي تسألها بلهفة :
" ايه ..؟!"
أجابتها وهي بالكاد تسيطر على دموعها التي تراكمت داخل مقلتيها :
" احنا هنروح الصعيد ، عند أعمامي .."
جحظت عينا والدتها بعدم تصديق وقالت وهي تحاول النهوض من مكانها :
" انتِ اتجننتي ..؟! نروح فين ..؟!"
أجابتها هيا بقوة وإصرار :
" نروح الصعيد .. هما اكيد هيساعدونا ..."
" انتِ عايزة تموتيني .."
صرخت بها والدتها بإنفعال لتحاول سيلين تهدئتها بينما قالت هيا بجدية:
" يا ماما اهدي من فضلك .. احنا مفيش حل قدامنا غير ده .."
" انتِ ناسية انوا اعمامك دول مش بيطيقوني .. يشوفوا العمى ولا يشوفوني .."
" لا مش ناسية .. بس مقداميش حل تاني ..."
قالتها هيا وهي بالكاد تسيطر على دموعها لتردف والدتها بتحذير :
" انسي الموضوع ده نهائي .. انتِ فاهمة ..؟!"
اومأت هيا رأسها على مضض قبل ان تخرج من الغرفة وفي داخلها عقدت العزم على تنفيذ ما خططت له ..
.............................................................................
بعد مرور ثلاثة ايام ...
دلف سليم الى المنزل بعد غياب استمر لمدة ثلاثة ايام ... وجد والده هناك يجلس على الكنبة في صالة الجلوس وعلى بعد مسافة منه يجلسا كلا من ماهي ومعتز ...
اقترب منهما ليرمقه والده بنظرات باردة قبل أن يسأله بغضب مكتوم :
" وأخيرا شرفت .."
نهضت ماهي من مكانها واقتربت منه تحتضنه بقوة وهي تهتف بدموع :
" كده تقلقنا عليك يا سليم .. تغيب طول المدة دي .."
نهض كمال من مكانه واقترب منه لتبتعد ماهي قليلا عن سليم بينما يهتف كمال به بقوة :
" كنت فين ..؟!"
ارتبكت ماهي من غضب والدها الواضح فهتف محاولة تلافي الموضوع :
" سليم اكيد تعبان دلوقتي .. سيبه يرتاح شويه ..."
" كنت فين يا سليم طول الثلاث ايام اللي فاتوا ..؟!"
سأله كمال ضاغطا على حروف كلماته بعصبية واضحة ليرد سليم ببرود :
" كنت عند واحدة صحبتي ..."
لم يشعر كمال بنفسه الا وهو يصفعه على وجنته لتشهق ماهي بصدمة بينما ينظر معتز إليهما بحزن فالمشاكل بدأت دون أن تنتهي ..
نظر إليه سليم بحقد ولم يعلق بينما حمل كمال هاتفه وقال موجها حديثه لماهي :
" انا محتاج اخرج شوية ... متخليهوش يخرج من هنا الا بإذني .."
هم بالتوجه نحو الباب الخارجي الا انه توقف في مكانه وهو يستمع لصوت سليم الساخر :
" ايه هتروحلها ..؟! مش قادر تستنى شوية ، على الاقل ينشف تراب قبر مراتك ..."
التفت كمال نحوه بعد لحظات يرميه بنظرات نارية بينما سألته ماهي بتوجس :
" انت بتقول ايه يا سليم ...؟! وبتتكلم عن ايه ..؟!"
رد سليم بقوة :
" بتكلم عن مراته التانيه .. جيجي هانم ..."
يتبع