اخر الروايات

رواية قرار حازم الفصل الرابع عشر 14

رواية قرار حازم الفصل الرابع عشر 14

 صامتة....شاردة....عابسة ...خائفة....اجل خائفة....يدقق النظر اليها منذ ان غادرا الجريدة ليصطحبها الى منزلها....منذ ولوجها الى سيارته بهدوء بارد و نظرات هاربة ....وهي صامتة ولكن هناك لطخات خوف تسكن عينيها العسلية ....فانقبض قلبه خوفا هو الاخر....خوفها سيبعدها عنه ....خوفها قد يهدم كل مابناه خلال هذه المدة الماضية....خوفها سيغرق حبه لها في بركة ضحلة.


التزم حازم الصمت هو الاخر طوال الطريق....لم يشأ ان يضغط عليها ...ولكن لم يترك كفها الصغير البارد بعيدا عن قبضته المتشبثة القوية الرافضة و المرتعبة في نفس الوقت من صمتها وخوفها....يتحسس باطن يدها باصابعه الخشنة بلطف ورقة كأنها رضيع صغير.

واخيرا وصلا الى منزلها...فصف سيارته بهدوء....ثم التفت نحوها وكفها لايزال بقبضته...ثم حدجها بهيام ممزوج بقلق شديد...وهمس برخامة ونبرة حانية ...فيما يقبل كفها بنبل كالملكة وهي فعلا مليكة قلبه وحياته التي اصدرت فرامانا بتقييده في برج هواها العالي: حمامتي...حبيبتي....ما الذي يحرمني من صوتك وعينيك اليوم؟!...اخبريني حبيبتي...ماذا هناك؟!

زفرت رنا انفاسها برتابة ...متحاشية النظر اليه باصرار...وحاولت سحب كفها منه...لكن حازم تشبث به بقبضته الاخرى...يحوي يدها الصغيرة الناعمة بين كفيه ....ثم همست بتوتر ونبرة رسمية ...شاحبة الملامح: لاشيء....لم يحصل شيء...فقط متعبة من الزفاف...واريد ان ارتاح ...افلت يدي لو سمحت ....اريد الذهاب لاستريح من فضلك.

بقي حازم يحدق اليها بعمق...يحاول ان يسبر اغوارها الدفينة ...ولكن من دون جدوى....فبرودها وجمودها ابيا ان ينزاحا من وجهها ....فاضطر الى افلاتها حتى لا يزيد من الضغط عليها....ثم اقترب بهدوء ...مبتسما بشغف ...وانحنى نحوها يفك حزام الامام لها ....واستكان هناك مائلا قريبا من خدها الاحمر ....يمرر نظراته الهائمة النعسة بافتتان من جبهتها الى عينيها نزولا الى وجنتها مستقرا بمكر على شفتيها ....ليزفر بكبت ...يحرق خدها بانفاسه الساخنة.....يراقب ارتعاش رموشها وارتجاف عرقها النابض في رقبتها ....لتعود اليه طمئنينته حول تأثيره عليها رغم برودها الظاهر....فرفع اصبعه نحو وجنتها ومرره بحميمية ثم همس بخفوت مثير : ارتاحي حبيبتي....اتصلي بي ان احتجت لشيء حمامتي.

اومأت رنا بارتباك ...تكاد تختنق بانفاسها المكتومة من قربه المهلك وعطره الرجولي الجذاب يعصف بثباتها المنهك ...ثم فتحت الباب بسرعة ....فارة منه....فلحقها حازم وترجل بسرعة هو الاخر....يراقب خطواتها السريعة نحو منزلها...شاردا بقلق نحوها.

*******************

بعد ساعتين....في منزل حازم

هتفت رباب بتهكم ...مبتسمة نحو حازم بتسلية ماكرة: بني حازم....مابك عزيزي...لماذا هذا العبوس وانت شاب خاطب من فترة قصيرة فقط...ماذا سيحصل لك عندما تتزوج ؟!

التفت نحوها حازم بملامح جادة مصممة...ثم اجابها بمكر هو الاخر بينما يبتسم اليها بادراك : لانني خاطب فقط ولست متزوج خالتي ....لهذا انا عابس....اريد ان اتزوج بسرعة حتى ينير وجهي وحياتي برنا .

ثم وقف بسرعة وعاد يضيف بجدية....نحو والدته: سأغادر امي واعود لاحقا...لاتقلقي ان تأخرت ....استأذن منكن.

وغادر بهدوء ....تاركا والدته رفقة خالته رباب وابنتها ليلى ....لتعود رباب وتهمس باصرار : مريم...حال حازم لايعجبني....تلك الفتاة بدل ان تسعده ...انظري الى ملامحه المتجهمة وستدركين العكس.

تنهدت مريم بسأم ...واجابت بايحاء: حازم يعلم ماذا يريد رباب...اطمئني .

فابتسمت رباب بغطرسة ...وهتفت بحماس ونبرة متهكمة: حسنا شقيقتي....انت تعلمين حازم عزيز علي.... لهذا اتمنى له كل السعادة كابنتي تماما بزواج سعيد مرتبطا بالفتاة المناسبة له.

******* ****************

بحلته السوداء الانيقة يتوجه نحوها مبتسما بهيام ....وسط تصفيقات الحضور و انغام الموسيقى تصدح في المكان بينما الانارة المتوهجة تضيء ليلة زفافهما ....فيما رنا تقف بجانب والدها ترتدي فستان عرس كالاميرات ....وتبتسم بسعادة نحو حازم....ثم فجأة تجد نفسها تراقصه وهو يعتصر خصرها بتملك ويأسر عينيها بنظراته المتوهجة....وبقيا يتمايلان طويلا....الى ان وجدت نفسها معه في غرفة نوم بمفردهما ....تجلس على طرف السرير بخجل.....ثم شعرت بحازم يجلس بجانبها ....يرفع عنها الطرحة ....ويهمس بخفوت : انظري الي حمامتي.

فرفعت نظرها اليه ليطالعها عينان لامعتان بتملك ....ثم فجأة وجدت نفسها تستيقظ صباحا في نفس الغرفة ....ترتدي ثياب رسمية ....فقفزت من السرير باستغراب....ثم توجهت نحو الباب وقبل ان تفتحه....دلف حازم بملامح صارمة وهتف بحدة : الى اين زوجتي؟!

فأجابته رنا بتوتر : الى عملي حازم.

وهنا قهقه حازم بسخرية...ثم دلف الى الغرفة مغلقا الباب بالمفتاح وهتف بخشونة يحدجها بحدة: لن تعملي بعد الان زوجتي.

"لاااااااا....."

فتحت رنا عينيها برعب...منتفضة ترتعش بشدة.... متعرقة الجبين ... لتجد نفسها في غرفتها وعلى سريرها....فاخذت تسترد انفاسها بارتجاف ....عيناها زائغة بانشداه....مستفيقة من هذا الكابوس ...لتنتفض مجددا من الخادمة التي تطرق الباب ....فحاولت ضبط نفسها ...وهمست بنبرة هادئة رغم ارتعاشها: تفضلي.

دخلت الخادمة مبتسمة باحترام....ثم همست برسمية: انسة رنا....خطيبك في الاسفل ينتظرك....والدتك ارسلتني لابلغك .

حدقت رنا نحوها بصدمة....وقد شحب وجهها بانشداه....ثم اجابت بتوتر : حسناا...سانزل بعد قليل .

غادرت الخادمة...لتتسمر رنا في فراشها...وذلك الكابوس لايزال يتجسد امامها...بنظرات حازم الخطرة المصممة و نبرته الخشنة الباردة...فارتعدت برعب خاصة مع وجود حازم بالاسفل ينتظرها...فزفرت بتنهد ...ثم غادرت السرير وهي ترتجف متوجهة نحو الحمام.

اما في الاسفل...هتف حازم باحراج : عذرا لهذه الزيارة في هذا الوقت المتأخر .

اجابه احمد بود : انت مرحب بك في اي وقت بني .

وبقيا يتحدثان لبعض الوقت...الى ان نزلت رنا اخيرا....فالتفت حازم نحوها وهب واقفا بلباقة ...مبتسما بلطف اليها...فيما تسير نحوهم رنا بهدوء وملامح شاحبة جامدة....الى ان وصلت حيث يجتمعون....فهتف حازم بلطف: مرحبا رنا.

اومأت رنا بجدية واجابت : اهلا .

فاضاف حازم موجها كلامه الى احمد باحترام: عمي...هلا سمحت لي بالانفراد برنا ...اود ان احدثها في امر مهم .

اجابه احمد مبتسما ببشاشة رغم قلقه : طبعا بني...تفضلا الى المكتبة وتحدثا هناك .

اشار حازم الى رنا بلباقة لترافقه ....هامسا برقة نحوها فقط : تفضلي اميرتي.

ارتبكت رنا بشدة من طلب حازم وهي التي ظنت انه سيكلمها امام والديها ليفاجئها بطلبه....فرافقته مجبرة ....تسير معه نحو المكتبة بخطوات رتيبة ملتزمة الصمت ....بينما يلحقها حازم خلفها بخطوتين فقط....يحدق اليها باصرار بالظفر بها مهما كلفه الامر.

وهناك بعيدا عنهما....هتف احمد مبتسما بتسلية نحو سعاد: حازم محظوظ برنا ....اذكر ان خطيبتي العنيدة كانت ترفض ان انفرد بها او حتى ان اكلمها عندما ازورها وتتحجج بالمرض و النوم .

قهقهت سعاد بمرح واجابته بمكر: ورنا محظوظة بحازم....اذكر ان خطيبي المجنون كان يقذف شرفتي بالحصى كلما رفضت ان اقابله.

وضحكا معا يتذكران خطوبتهما الغريبة و حبهما الاغرب الذي روض كلاهما لصالح الاخر ....ليعود احمد ويهمس بجدية شاردا نحو الممر حيث اختفى حازم ورنا: رنا تقلقني سعاد....انا اثق بحازم وهو رجل نبيل ويقدر ابنتنا ولكن عبوسها وشرودها الاخير يقلقني جدا .

اقتربت منه سعاد ...تفرد يدها على صدره بلطف ....ثم اجابته بادراك مبتسمة بحنان : هذا طبيعي حبيبي....قلق ابنتنا واضطرابها نابع من كونها تخوض اهم قرار بحياتها وهو الارتباط...لهذا هذا التخبط هو امر صحي جدا ....تأكد انها ستتخذ القرار المناسب لها ....فقط دعنا ندعمها و لانضغط عليها .

واضافت تغمزه بمرح: وان كان حازم ذكيا وماكرا كزوجي فسيفوز بها في النهاية.

اجابها احمد بتسلية ...ضاما اياها اليه بعنف محبب: ارجو له حظا موفقا....فالابنة ورثت عناد والدتها ولن يفوز بابنتنا بسهولة ...وستعذبه كما فعلت بي والدتها العنيدة.

بضع خطوات ويصلان الى المكتب....تحرك حازم بسرعة ما إن وصلا..وقام بفتح الباب بلباقة ثم همس برقة نحو رنا الشاحبة : تفضلي حمامتي.

دلفت رنا قبله بهدوء...ليلحقها حازم مغلقا الباب ....جاعلا اياه ترتبك من انفرادهما معا....ثم اقترب نحوها يقف خلفها تماما...وانحنى قليلا نحو اذنها يردد بخفوت مثير : اصبحت لا اطيق البقاء عنك حبيبتي.

ارتجفت رنا وسرت قشعريرة لاسعة في سائر جسدها ....تزفر انفاسها باضطراب....ليقوم حازم بالالتفاف امامها...ممسكا كفها بقبضته بلطف....وعاد يهمس برقة وهو يجذبها لتسير: دعينا نجلس رنتي.

وقادها الى الاريكة ...حيث جلست رنا بهدوء....تنتظر ان يجلس هو الاخر...فيما حازم لايزال ممسكا بكفها وهو وافق....ليقوم بالقرفصة راكعا عند اقدامها ....فحدقت اليه رنا بدهشة...بينما ابتسم هو بشغف يحدجها بعمق حار وهمس بحنان جارف ....قابضا على كفها الثاني بقبضته : اخبريني ماذا هناك طفلتي؟....ما الذي يقلقك حبيبتي!!...صارحيني يا شمسي لماذا اختفى الوهج من عينيك ؟!!...اخبريني طفلتي ماذا هناك؟!

ارتجفت رنا بانفعال....وبدأت الدموع تتحجر بعينيها ....فصدم حازم واقترب نحوها اكثر وهو لايزال مقرفصا امامها ...يواجه وجهها الشاحب الدامع بوجهه الصارم باهتمام عاشق: يا الاهي رنتي....ماذا هناك حبيبتي...ارجوك اخبريني .

وعندما وجدها تلتزم الصمت...ترتعش بشهقات على بوادر البكاء ....رفع ذقنها بلطف بكفه ...مبقيا يديها الباردتين المرتجفتين في قبضته الاخرى....وهمس بادراك بصوت خافت حاني ونبرة ممازحة ليشاكسها ويكسر صمتها : انا السبب اليس كذلك حبيبتي!!.... انت قلقة بسببي ؟!...هيا اخبريني ماذا فعلت وسأجعلك تقتصين مني كما تشائين حمامتي؟!!

وتركها تتنفس بهدوء حتى تضبط انفعالها....رابتا على ذقنها باصبعه بود ....فهمست رنا بعد لحظات بصوت متهدج ونبرة خافتة ....وقد رفعت عينيها المحمرة الدامعة نحوه تحدق اليه باستجداء ورفض متزاوجين : انا خائفة .

فاضاف حازم بتأكيد و نبرة حانية....مبتسما بتفهم : مني.

فانفجرت دموع رنا واجابته بانفعال : اجل...اجل....انا خائفة....انا خائفة منك.

ابتسم حازم بتفهم ....ودموعها تمزق قلبه عليها ...ثم همس بخفوت وهو يمسح تلك الدموع من على خديها برفق: وانا مرعوب حبيبتي.....ان كنت انت خائفة مني....فانا مرعوب منك.....ان كنت انت خائفة من الاقتراب مني....فأنا مرعوب من الابتعاد عنك....انا السجين هنا حمامتي ولست السجان يا سجانتي في برجك العاجي .

ثم اضاف بخفوت دافىء....محدقا اليها بهيام ....وكلا كفيه يأسران وجهها الدامع برفق : اتعلمين ان خوفنا هذا يسعدني جدا حبيبتي....خوفك مني يعني انني مهم عندك ولست بشخص عابر ...خوفك مني يعني انك تكنين....

واردف بنبرة متوسلة يمازحها ....مبتسما بتسلية ....وهو يعبر باصبعيه امامها : تكنين لي القليل ....فقط القليل من المشاعر وهذا القدر الصغير يكفيني ويغمرني بسعادة لا توصف.

ثم عاد يضيف بشغف :اما رعبي منك حبيبتي ...فهذا يعني انني سأفعل كل مايرضيك ويسعدك حتى ازيح خوفك مني....وانا اعدك بذلك حمامتي.

ثم ارتفع قليلا مستندا على ركبتيه ...وهمس امام وجهها بتحدي ماكر....وهو يحدجها بلهيب نظراته : رنتي التي عشقتها من اول نظرة هي امرأة قوية لا تخاف .

واضاف بعتاب مرح :امرأة تتحدى الصعاب و المخاطر حتى انها تسافر بعيدا وتتعرض لحادث في منطقة منعزلة ليلا في سبيل القيام بعملها.

ليعود ويقترب اليها اكثر...يكاد يلامس انفها بانفه وهو يشدد النظر اليها بعمق ....هامسا بنبرة اجشة مثيرة : رنتي تواجه ولا تتراجع....تتحدى ولا تخاف...تحديني حبيبتي....واجهيني حمامتي....ولكن لاتخافي مني ابدا حبيبتي.

وعاد يضيف باصرار ...بينما يحدق اليها بابتسامة عابثة : وانا ايضا سأتحداك واواجهك حمامتي .

حدقت اليه رنا بارتباك ....ارتباك ساخن وليس بارد ....تنظر الى عينيه العاشقة بدفىء تسلل اليها من خلال كلمات ولمسات ونظرات حازم المغوية المطمئنة لها بعض الشيء....لمحت تحديه في ملامحه الصارمة....فاستيقظ عنادها نافضا غبار الخوف ....وعادت تنظر اليه بتحد هي الاخرى ...فجفت دموعها واختفى الشحوب من وجهها ليحل محله وميض المواجهة .

ولم تفت تغيرات ملامحها حازم....فاضاف بذكاء : اجل ....هذه هي حمامتي القوية التي واجهتني من البداية وحلقت معي في السماء ولم ترهب او تخف بل ابتسمت وصاحت بشجاعة.

واردف بغرور ممازحا: طبعا لم تخف لانني كنت معها متشبثا بها ....وسابقى متشبثا بها الى الابد.

ثم صمت ...يناظرها بشغف...فاجابته رنا بايحاء وملامح حادة : انتبه فقد تخنقها وانت تتشبث بها

فارتسمت ابتسامة ماكرة على وجهه ....واجابها باصرار ونبرة مغوية متعمدا: والاكيد انني سأقع ان افلتها بسبب انتفاضة جناحيها المرتعبة ...لهذا انا اتشبث بها لاطمئنها لا لاخنقها حبيبتي.....فهل ستسمحين بوقوعي حمامتي لانك خائفة!

وهمس بدهاء يستغل عنادها ضدها...يواجهها بسلاحها.....مخترقا عينيها بنظراته المتوهجة : بجناحيك القرار لتمنعي كلانا من التعرض للاذى حمامتي....انت صاحبة القرار وليس انا...فقط قرار حازم منك يتحدى خوفك وترددك سينقذ كلينا حبيبتي....ولانك قوية اعلم انك ستتخذين القرار الحاسم .

وكما بارزها بسيفها.....حاربته بسلاحه ....فالتمعت عينا رنا بتحد....تحدي كان الغنيمة التي ارادها من خلال عراكه في صراع العشق الذي يخوضه مع عدوته الحبيبة....فارتفعت ابتسامته الماكرة رويدا كما يقترب اليها رويدا حتى اختلطت انفاسهما معا.....وهمس بنبرة عاشقة خطرة و نظرات هائمة شرسة: اتفقنا حبيبتي.

فعاد ذلك الخجل الحار يعتري رنا ....فهمست بتلعثم ....متراجعة الى الخلف بتوتر من قربه: حسنا....فلنخرج الان .

ابتسم حازم بلطف ولمحة ظفر تقفز الى عينيه....ثم استقام واقفا وهو يجعلها تقف معه...ممسكا بكفيها معا ...واجاب بصوت اجش مثير: تفضلي حمامتي.

وسار معها نحو الباب ....وعندما وصلا اليه ....توقف حازم فجأة والتفت نحو رنا ينظر اليها بعشق شرس حتى احمرت وجنتاها ....لتهمس رنا بارتباك :ممماذا!!....ماذا هناك؟!

اجابها حازم وهو ينخفض برأسه نحو وجهها مبتسما بمكر يغمزها بمشاكسة....ثم همس باغواء: انفذ اتفاقنا حبيبتي بمواجهتك....لهذا " أنا أعشق حبيبتي العسلية ولن افلتك ابدا "

وقام بتقبيل كفيها برقة ...وقد نجح في ارباكها بشدة....وكلامته العاشقة مع نظراته الشغوفة تعصف باعصاب رنا التي ارتعشت بتأثر ....فهمست بتحد مرتبك تواجهه : لن تمسكني بسهولة سيد حازم.

قهقه حازم بمرح ....فاربك رنا مجددا بسحر ضحكته ....فاغتاظت رنا منه وحاولت سحب كفيها من قبضته....الا ان حازم شدد من امساكهما بتحدي مرح ....وعاد يهمس بتحد عابث : لن اكون متساهلا مع شراستك حبيبتي...لهذا انا لن اتعب ابدا من مطاردتك حمامتي.

وبقي يحدق اليها بوله للحظات طويلة....بينما رنا تكاد تنفجر من شدة الاحمرار ....ليبتسم اخيرا بلطف ...ثم همس برقة: اتفقنا اذا رنتي...هيا دعينا نغادر ونلتحق بوالديك حبيبتي.

ثم خرجا معا من المكتبة....الا ان رنا ابقت احدى كفيه في قبضة حازم دون ان تعي ذلك....وسارت معه نحو والديها في الصالة....فيما حازم يبتسم لتشابك يديهما بسعادة.....الى ان وصلا حيث والديها ....فافلتها حازم باحترام ....ليهتف نحوهما بلباقة : اعتذر مجددا لهذه الزيارة المفاجئة ....سأغادر الان عمي ،حماتي...طابت ليلتكما.

ثم اضاف بينما يلتفت الى رنا ...يحدجها بوله للحظات قبل ان يعود ويلتفت الى والديها ....هاتفا بمرح : ارجو ان تنتبها للانسة رنا في غيابي .

اجابه احمد بغيرة ابوية مضحكة: طبعا حازم....لا تحتاج لتوصينا بالاهتمام بابنتي رنا .

واضاف يفتح ذراعيه بحنان جارف يحدق الى رنا بعاطفة ابوية شديدة: تعالي الي طفلتي.

اندفعت رنا نحو والدها باحتياج ....واستكانت بين ذراعيه ...فيما يضمها احمد بتملك ....جاعلا سعاد تحدق الى حازم وكلاهما يبتسم بتسلية وتفهم لهذه الغيرة الابوية.

ليهتف حازم مبتسما بادراك نحو احمد ....وردد باحترام : انا اكيد من ذلك عمي....لهذا سانام مرتاح البال لكون الانسة رنا في رعاية والديها الحريصين عليها.....طابت ليلتكم.

وتحرك ليغادر ....فاقتربت سعاد من الاب و ابنته .....وهتفت بتسلية مبتسمة بمرح فيما تبعد رنا عن حضن والدها : صغيرتي رافقي خطيبك الى الباب ....عزيزي اتركها لتودع خطيبها لقد تكبد مشقة زيارتها في هذا الوقت المتأخر.

ابتسم حازم بامتنان لسعاد....بينما احتقن وجه احمد بغيرة مضحكة....اما رنا فاحمرت باحراج وتوجهت بخطوات خجولة مبتعدة عن حضن والدها الآمن الدافىء....يتخللها شعور بالخوف الفطري من انفصالها عن والدها .....وكأن هذا المشهد الصغير هو تجسيد لحدث كبير ستواجهه وتعايشه ان تزوجت يوما.....وتوجهت نحو حازم بملامح متوترة.....تفهمها هذا الاخير الذي ابتسم اليها بحنان....وسارا معا نحو الباب .

اما احمد فهتف بسخط بعد ان ابتعد حازم ورنا : لقد فرغ حضني من وجود ابنتي .

قهقهت سعاد بتسلية....وارمت في حضنه تتمرغ كقطة كسولة ...بينما تشدد ذراعيها حول خصره وتهمس باغواء : انا موجودة حبيبي....ساملأ فراغ حضنك عزيزي.

عانقها احمد بحب ....ثم همس بمشاكسة مبتسما بمرح: يبدو ان الام تغار من ابنتها

اجابته سعاد باغاظة وهي تندس اكثر في صدره : كما يغار الاب من صهره.

وهناك عند عتبة الباب....التفت حازم نحو رنا .....يرمقها بحرارة...وهمس بصوت رخيم خافت مغوي ...فيما يداعب انفها بلطف :سانام مرتاح البال وانت بعيدة عني لانك تحت سقف منزل والديك ولكن ملتاع القلب لانك بعيدة عني وعن سقف منزلي حبيبتي .

رمشت رنا بارتباك من نبرته المغوية ....ليزيد حازم من ارباكها وهو يلتقط يدها و يقبل اصبعيها السبابة و الاوسط بحميمية وهو لا يبعد عينيه الشغوفة عن عينيها الجاحظة ....ثم قرب اصبعيها تلك وحطهما على شفاهها المرتعشة ...ثم همس بايحاء جريء: هذا مؤقتا لاننا مخطوبان حبيبتي ولكن بعد ان نتزوج ....

وغمزها بعبث ....فشقهت رنا بخجل شديد وهمست بتلعثم : طا...طابت ...ليلتك.

وقامت بغلق الباب مباشرة ....تصلها قهقهات حازم المتسلية ....فاستندت على الباب ....تشعر بضربات قلبها تهدر بجنون .....فيما تستنشق انفاسها باضطراب من هول انفعالها العاطفي المتأثر بحركات حازم المغوية .

ثم غادر حازم بعد ذلك ....لتختفي ابتسامته سريعا ويحل محلها عبوس و تجهم حاد فرغم ماحققه مع رنا ودحض خوفها منه نوعا ما ....لكن انتابه القلق من ترددها ....وفي سيارته بقي لدقائق هناك في الخارج....شاردا بنظرات عميقة مصممة يتطلع الى منزلها ...اما رنا رغم ان بعض خوفها من حازم قد انزاح بعد كلامهما ولكن بقي شعور مريب يقبض على قلبها منه....فتوجهت بعد مغادرته نحو غرفتها بسرعة.

بعد بعض الوقت
ما اغرب ان نستمد قوتنا وتحدينا من عدونا وهو امامنا .....ثم تتدحرج تلك القوة في غيابه ليحل محلها ذلك التردد و الافكار المضطربة المشوشة......واجهته وهو بقربها منذ ساعة ولكن ما اختفى وغادر .....اختفى معه وهج التحدي وسكنها بدلا عنه ضباب التردد.....وكأن حازم هو سلاحها ضده .....حازم هو من يشحنها لتواجهه .....وفي خضم افكارها ....طرقت سعاد الباب....ثم دلفت مبتسمة بود....وجلست على السرير بجانب ابنتها....تحتويها بين ذراعيها بأمومة ...وهمست بعد برهة بتفهم ونبرة حانية.... فيما رنا تريح رأسها على كتفها بارهاق وتشوش نفسي: عندما تعرفت بوالدك اول مرة ...انتابني شعوران متناقضان ....خوف و الفة....خوف من الالفة التي تنتابني نحو رجل لا اعرفه ويلاحقني باصرار عنيف....والفة من رجل اقتحم حياتي فجأة فارضا علي عشقه المجنون....حاربته بعناد فحاربني باصرار...تحديته بشراسة فتحداني بتصميم....حاربنا بعضنا طويلا....وكلما طالت معركتنا شعرت بنفسي اعتاده في حياتي اكثر.

واضافت بمشاكسة ...مبتسمة بشرود تسترجع ذكرياتها مع احمد: كنت اعشق مناكفته واغضابه....واتسلح بعناد كالصخر فافقده صوابه لينقلب علي سلاحي فيتمسك بي والدك اكثر مرددا انني كما روضته وجعلته يستخدم كل الاساليب لمراضاتي وهو الشاب المغرور فهو سيروضني و يجعلني ملكا له.

ثم اردفت بجدية واعجاب مع الكثير من الغرور الانثوي: اتعلمين صغيرتي....لقد احببت تمسك والدك بي...رغم كل ما فعلته حتى يبتعد لم يفعل بل زاد اصرارا على الحصول علي ....وهذا جعلني اشعر انني المنتصرة لا هو.

زفرت رنا بتنهد مرهقة من تضارب مشاعرها وهمست بتشوش بينما تتشبث في حضن والدتها كدرع: لكن انا لست انت امي....انا لست بقوتك وشراستك ....رغم محاولاتي بمواجهته ولكن امام اصراره ينتابني الخوف منه.

احتضنتها سعاد بأمومة طاغية واجابتها بحنان متفهمة خوفها : وحازم ليس والدك صغيرتي...كل ثنائي ينجذبان الى بعضهما لانهما على نفس القدر من القوة ....لهذا فانا ووالدك حاربنا بعضنا بنفس الشراسة....كما تفعلين انت مع حازم وكلاهما ليس اقوى من الاخر بل متساويان.

واضافت مبتسمة بمرح: صغيرتي....حازم مرن جدا مقارنة بوالدك ....والدك كان يرافقني الى محاضرتي ويجلس بجانبي مانعا ايا كان من الجلوس في الصف معنا .

ابتسمت رنا وهمست: وماذا كنت تفعلين امي؟!

قهقهت سعاد بتسلية واجابت بمرح: كنت اضع جدارا من الكتب يفصل بيننا وعندما تنتهي المحاضرة ادفع الكتب فتقع على والدك الذي يغيظني بابتسامته السمجة وهو يلملم الكتب بهدوء ثم يحتضنها بلؤم لانها كتبي ويرافقني الى المنزل ليوصلني....ولا يناولني الكتب الا اذا اعترفت له بحبي....ولكنتي كنت ارفض بشراسة واهدده بوالدي بأنه يعرقل دراستي محتفظا بكتبي....فيناولني اياها مجبرا .

واضافت غامزة رنا بشقاوة: فتقوم والدتك العنيدة بالخروج من سيارته صافعة الباب بغطرسة...وصرير سيارته الحاد الغاضب يضحكني لانتصاري عليه.

ضحكت رنا من حرب والديها ....وسعاد تضحك معها هي الاخرى....وبعد لحظات هدأت رنا ...ثم همست بجدية وملامح شاحبة: ولكن امي ....ابي لايزال يفرض عليك القيود والسائق الخاص بك دليل على ذلك....ماذا لو فرض علي حازم تسلطا اسوء ؟!!

ابتسمت سعاد بتفهم ....ثم اجابت بحكمة الام وتجربة العاشقة وهي تحدق الى ابنتها بجدية: صغيرتي...قارني بين مشاعرك نحو حازم وبين رفضك بسبب خوفك منه....ايهما تستطعين التخلي عنه لصالح الاخر؟.....ايهما سيسعدك؟ ....هل ستختارين الابتعاد عن حازم ؟...ام هل ستواجهين خوفك منه حتى لاتخسري مشاعرك نحوه فتندمين لانك تراجعت بسبب خوفك هذا....واجهي خوفك ولا ترضخي له.....عيشي التجربة للنهاية ولاتتركيها في منتصفها فتندمي على تراجعك....كوني قوية لانك قوية رنا.

واضافت بمشاكسة ونظرات قوية ماكرة: ومع ان والدك لايزال يفرض علي القيود حبا وتملكا منه علي....الا انني اراوغه بسلاح حبه وتملكه لي صغيرتي....فأحصل منه على ما اريد وبرضاه ايضا وهو مبتسم بوله نحوي.

ثم اردفت بجدية : حبيبتي...لاتقارني قصتك مع حازم بقصتي مع والدك....فمهما بدت بعض القصص متشابهة الا انها مختلفة عن بعضهما.

ثم قبلتها بحنان ....وغادرت الغرفة...تاركة رنا شاردة متخبطة في مشاعرها....تتذكر لحظاتها مع حازم عندما حلقا معا ....عندما فاجأها باحتفال رأس السنة...عندما تسليا معا في الملاهي....ثم تعود وتتذكر صداماتهما الاولى وكيف خطبها رغما عنها فتتجعد ملامحها بقلق خاصة وسمر ونوال مثالان حيان امامها عن مايمكن ان تتعرض هي له ايضا من تسلط حازم كما زوجيهما المتسلطين ....وبقيت طويلا تفكر الى ان انتفضت فجأة على رنين هاتفها...فتناولته لتجد رسالة من حازم....فابتسمت ...ابتسمت بحنين وظلت محدقة بدفىء الى هاتفها للحظات طويلة ....لتتنهد اخيرا بنفس طويل مطبقة جفنيها بهدوء ....ثم فتحت الرسالة بحماس الليالي السابقة .....لتجد :"صورتك لاتفارق مخيلتي وعيناي حبيبتي.... نوما هنيئا حمامتي"

متضاربة المشاعر...متخبطة بين قلق ينخز عقلها و حب يساند قلبها....ارتمت رنا على فراشها بهدوء....وبقيت شاردة طويلا ...الى ان نامت اخيرا بملامح مجهدة من التفكير.

اما في الجانب الاخر....حازم هو الاخر جفاها النوم ....يشغل باله قلقها رغم لقائهما بمنزلها منذ ساعات وتصريحه بحبه لها محاولا دحض شكوكها الا ان اضطرابها وشحوبها خاصة دموعها ....جعلته يشعر الان بهذا القلق هو الاخر....ليهمس بتصميم محتد الملامح باصرار: بقي القليل ...فقط بضعة ايام قصيرة استغلها لتفوز بها ...بضعة ايام طويلة حتى تكون لك حازم فحاصرها.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close