رواية زوجتي الدميمة الفصل التاسع عشر 19 كاملة - أميرة مدحت
تململت بإجهـاد وفتحت جفنيهـا بتثاقل، تأهوت بخفوت وهي تشعر بوهن شديد، ضمت حاجبيهـا بإستغراب وهي تحاول أن تستوعب ما دار مؤخرًا، أبتلعت غصة عالقة في حلقهـا حينمـا جمعت خيوط الأحداث معًا، مسحت على خصلات شعرهـا بتعب وهي تقول بألم:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، سرطان الرئة!!!..
هزت رأسهـا نفيًا محاولة التماسك وهي تهمس:
-هعمل إيـه دلوقتي!!.. أنا حاسـه إن مُخي أتشل.
لم تمر لحظات إلا وفتح الباب بهدوءٍ حذر ليلج "كريم" إلى الداخل، إبتسم لهـا بعد أن رأهـا قد أستعادت وعيهـا ثم قال لهـا بصوتٍ عميق:
-صباح الخير.
نظرت لـه بدهشة وهي تهمس بعدم إستيعاب:
-صباح!!.. هي الساعة كام دلوقتي؟؟..
رد عليـهـا بإقتضاب:
-الساعة 9 الصبح.
أتسعت عيناهـا وهي تقول:
-أنا نمت كل ده هنا!!..
جذب مقعد بلاستيكي ثم وضعه بجوار فراشهـا ليجلس عليـهِ بهدوء، أجاب على سؤالهــا مرددًا:
-إنتي أعصابك تعبت، فـ كان لازم تاخدي مُهدئ، المهم إنك الحمدلله بقيتي كويسة.
تقوس فمهـا بإتسامة ساخرة حزينة، بينما هو بدا وجهه مشدودًا ونظراتـه شاردة، أمتزج خوفـه بقلقـه عليهـا لكنـه أخفى عن الجميـع حتى هي، تنفس بهدوء ثم فرك طرف ذقنـه برفق قبل أن يقول بجدية:
-على فكرة، أنا هبقى المسئول عن حالتك.
ألتمعت عيناهـا بالدموع ليقول لهـا بصرامة:
-إنتي ليه ضعيفة كده؟؟.. هو آه مرض خبيث، بس بالشكل ده إنتي بتعلني عن إستسلامك، أنا عاوزك تحاربي، وتنتصري عليـه يا إيمـان.
نظرت لـه بضعف وهي تتسائل بعدم وعي:
-هو أنا خلاص هموت؟؟..
رد عليهـا بـ بسمة هادئة قائلاً:
-أولاً بعد الشر عليكي، ثانيًا الموضوع مش خطير يعتبر، لأنك إنتي في المرحلة الأولى.
سألتـه بتوجس:
-خطوات العلاج هتبقى عاملـه إزاي؟؟..
سحب نفسًا عميثًا وزفره على مهل قبل أن يقول:
-أنا قرأت التحاليل بتاعتك، مبدائيًا عشان إنتي لحقتي نفسك لما جيتي هنا، لقيت أن سرطان الرئة عنك الخلايا بتاعتـه صُغيرة، فـ بشكل عـام هيتم علاج من النوع ده يا إمـا عن طريق الإشاعي أو الكيميائي.
هتفت بإهتمام:
-طب لو الخلايا بتاعتـه مش صُغيرة، إيـه إللي كان هيحصل؟؟..
أعتدل في جلستـه وهو يُجيبهـا:
-لأ، الوضع كان هيبقى حاجة تانية، كان الموضوع هيحتـاج وقت أكبر، وكـان الموضوع هيوصل أنك تعملي عمليـة جراحية، بس ربنا يُستر وأننا منوصلش للمرحلة دي.
سألتـه بإهتمام أكبر:
-طب أنا هتعالج بالكيميائي ولا الإشعائي؟؟..
رد عليهــا وهو يحاول السيطرة على نفسـه من حالة الحزن العميق التي بداخلـه:
-لسه هانشوف، هنشوف جسمك مُتقبل إيـه.
تابــع وهو يبتسم لهـا برفق:
-مش عايزك تقلقي، إنتي هتحاربي وأنا هبقى معاكي، وهتنتصري عليـه بإذن الله.
نظرت له بأمل قائلة:
-يعني في أمل؟؟..
رد عليهـا بتأكيد:
-طبعًا في أمل.
تنهد بعمق قبل أن يقول:
-دلوقتي إحنا هنطلع من هنا على المستشفى بتاعتي، عشان نبدأ العلاج، مش عايزين تأخير.
هزت رأسهـا إيجابيًا وهي تهبط من على الفراش قائلة:
-طب لحظة أروح الحمام أغسل وشي، وبعدين نتحرك.
أومأ لهـا برأسه فـ تحركت بخُطى سريعة نحو المرحاض حتى دخلت وأغلقت الباب، أغمض عينيـهِ وهو يقول برجاء ممزوج بالألــم:
-يارب، يارب أشفيهـا، وأبعد عنهـا التعب ده يارب.
دفن رأسـه بين كفيـهِ وهو يُضيف بنبرة تمزق القلوب:
-قلبي واجعنـي أوي عليهـا يارب، نفسي أخُدهـا في حُضني وأقولهـا هنحارب سوا، بس صعب أعمل كده.
همس بدعاء قائلاً بحرقة:
-يارب أديني الصبر وقوة التحمل فإني لما أشوفهـا وهي بتتعذب وبتتوجع بسبب العلاج، أديني القوة يــارب.
******
-ليــه؟؟.. ليـه يا ظافر بعت العربية؟؟.. العربية دي إنت طلع عينك عشان تجيبهـا وتدفعها كاش بدل الأقساط، العربية كانت غالية أوي، إنت حتى ملحقتش، أشترتهـا من 3 شهور بس!!..
قالتهـا "آسيا" بضيق وهي تنظر للحقيبة بحُزن، أقترب منهـا ليمسك كفهـا بين راحتيـهِ قائلاً بصوتٍ عميق:
-يعني عيزاني أفضل راكب العربية، وأسيبك كده حاسه بالوجع؟؟..
تابـع بصوتٍ أكثر عُمقًا مرددًا:
-العربية ممكن أشتريهـا تاني، لكن إنتي لو لفيت العالم كلـه مش هلاقي ضفرك.
عاد ينظر للحقيبة وهو يقول:
-دول 300 ألف جنية، الـ 250 بتوع تمن العربية، والباقي سحبتــه من البنك، ده كل إللي معايا.
نظرت له بذهول مرددة:
-أنت كنت أشتريت العربية بكام؟؟..
تنهد وهو يجيبهـا:
-كنت أشترتهـا بـ 325 ألف، إلي أشتراهـا صديق ليا، كانت عجبـاه جدًا، فـ لما قولتلـــه على الظروف وإني بفكر أبيع العربية، قالي أنه هو إللي هيشتريهـا، وتمت البيعة.
أشـار بيده قائلاً:
-متنسيش أن المفروض أدي لإيمان حقهـا، إللي هو المؤخر وكده يعني، ده غير بسمة محتاجة 15 ألف أو أكتر، ده على حسب كلامهـا عشان العيادة الجديدة إللي بتفتحهـا..
سألتـه بلهجة مرتجفة:
-هي عملية التجميل هتكلف كام؟؟..
رد عليهـا بحيرة:
-الدكتور إللي كلمتـه قالي سعرهــا من 70 لـ 100 ألف جنية، على حسب لما وصفتلـه أن التشوه ده فين، هو هيقول السعر نهائي لما بس يشوفك الأول ويشوف التشوه، على العموم حددت الميعاد معاه، هيبقى بعد 10 أيام.
صمت للحظات قبل أن يسألهـا بحذر:
-هو التشوه ده فين بالظبط؟؟..
أشارت بيدهـا من بداية عنقهـا الذي تخبئـه بالوشاح إلى قبل الصدر بقليل، أقترب منهـا ثم مد يده نحوهـا، شرع يحلّ وشاحهـا فـ أنكمشت وأغمضت عينيهـا بقوة، تخل من الوشاح وجذبهـا إلى أحضانــه، أحتواهـا بين ضلوعـه فبدأت تهدأ قليلاً.
دقيقة.. وكان تراجع عنهـا، حاوط عنقهـا بكفيـهِ، وتوهجت عينـاه بوميض العاشقين وهو يهمس لهـا:
-أنا هفضل جمبك، ماتخفيش.
انسابت دمعـة حبيسة من طرف عينيهـا، كادت أن تدخل وتعود لتلك الذكريات التي تحاول جاهدة نسيانهـا، ولكن قبل أن يحدث ذلك، كان أراد هو أن يخرجهـا من تشتهـا ويعبر عن عشقـه لهـا، فـ بلا تفكير كان أحنى رأسـه على شفتيهـا طابعًا قبلة عميقة، أنحبست أنفاسهـا وأتسعت حدقتاهـا، شعرت بدقات قلبهـا التي تدق الطبول، تراجع برأسـه قائلاً بصوتٍ شبه لاهث:
-بحبك يا آسيا.
وضعت يديهــا على صدرهـا وهي تشعر بإزدياد دقات قلبهـا، أحتضن وجههـا براحتيـهِ ليقربهـا إليـه من جديد معاودًا تكرار قبلاتـه المشتاقة لهـا، همست فجأة في شئ من الخوف:
-بلاش يا ظافر، بلاش.
كان يتفهم مقصدهـا، فـ همس لهـا بعد تراجع برأسـه:
-أنا حبيت روحك يا آسيا، مش شكلك.
أبعد يدها عن صدرهـا، فـ هبط القميص قليلاً ليظهر المزيد من التشوهـات، همس لهـا بدفئ:
-مش ده إللي هينقص حبي ليكي.
أنسابت عبراتهــا وهي تقول بصوتٍ متقطع:
-ظافر، أنـا..
ضـاع حديثهـا وهي تراه قد أحنى رأسه يقبل تشوهاتهـا تحديدًا، نهج صدرهـا علوًا وهبوطًا من فرط المشاعر، ضمهـا إليـهِ ليلصقهـا بـهِ قائلاً بصوتـه العميق وهوو يطبع المزيد من القبلات على عنقهـا:
-أنا حبيتك زي ما إنتي.
حدق في عينيهـا قبل أن يهمس بوعدٍ صادق:
-مفيش حاجة هتقدر تفرقنـا يا آسيا، وإنتي شوفتي ده بنفسك، الظروف كانت حطتني في مكان صعب أخرج منه ومع ذلك رجعنا لبعض تاني.
ختم كلمته الأخيرة بـ قُبلة عميقة.. شغوفة.. حنونة.. وهو يضمها إليه أكثر، أرتوت "آسيا" لبرهة من عواطفـه الجياشة التي أذاقهـا لهـا بالتتابـع، تناسى كلاهمـا للحظات ما وقف عائقًا بينهمـا، أستجابت لـه ليسحبهـا إلى عالم العشق والغرام.
******
بعد مرور عشرة أيـام..
كان قد تم فتـح عيادة "بسمة"، وبدأت العمل كـ طبيبة نفسية.. فهذا هو حلمهـا منذ الصغر، بدأ العمل يُسير على ما يرام بفضل الدعايا، وقفت "بسمة" أمام النافذة لتستنشق نسمات هواء العليل، إبتسمت بسعادة وهي ترى حلمهـا قد تحقق، ذلك الحلم الذي بذلت مجهودًا فيـه بطريقة لا توصف حتى تصل إليـه، همست بشرود:
-حلمت وتعبت لغاية ما وصلت.
أتسعت إبتسامتهـا وهي تعود إلى مكتبهـا، وقبل أن تجلس كانت دخلت "ندى" بعد أن طرقت على الباب، سألتهـا بجدية:
-في حد جه يا ندى؟؟..
هزت "ندى" رأسهـا إيجابيًا وأخبرتهـا المزيد من المعلومات عن ذاك الشخص أو المريض، حتى قالت "بسمة" بجدية:
-طب دخليـه.
دقيقتين.. وكان يدخل ذلك الشخص الذي يبدو عليـه الكثير من التوتر، وقفت "بسمة" وهي ترحب بهِ بـه ببسمة صغيرة قائلة:
-أهلاً يا أستاذ شـادي.
أقترب "شـادي" منهـا حتى وقف أمام مكتبهـا قائلاً بصوتٍ حاول إخراجـه بدون أي توتر:
-أهلاً يا دكتورة بسمة.