رواية زوجتي الدميمة الفصل السابع عشر 17 كاملة - أميرة مدحت
شعرت "آسيا" بدقات قلبهـا تزداد، إبتسمت لـه بـ حُب وهي تشعر بأن الحيـاة ستبتسم لـها من جديد، بأن كل شئ سيعود على ما يُرام، هزت رأسهـا إيجابيًا وهي تمسح دموعهـا بـ ظهر كف يدهـا، بينمـا قال "ظافر" لهـا بصوتٍ مليئ بالحنان والرفق:
-يالا، أنا هاسيبك تنامي شوية عشان ترتاحـي، ولو أحتجتي أي حاجة قوليلي على طول، تمام؟؟..
أومـأت برأسهـا بصمت دون أن تنبس بـ كلمة واحدة، ربت على كتفهـا بإبتسامتـه الصَّغيرة ثم نهض من مكانـه، تمددت بجسدهـا وأغمضت عيناهـا بتعب واضح، دثرهـا جيدًا ثم أغلق الصندوق وأخذه متوجهًا نحو الخزانة، وضع الصندوق مكانـه ثم خرج من الغُرفة بعد أن ألقى عليهـا نظرةً أخيرة.
******
كان "شادي" جالس على الأريكة، كان في حالة غير طبيعية وهو يفكر في حديث "ظافر"، لقد فعل المُستحيل كي يصل إليهـا ويتزوجهـا، ولكن كل شئ أنتهى، إبتسم بتهكم وهو يحاول أن يستوعب ما حدث، زفر بإختناق وهو يدفن رأسـه بين كفيـهِ، ولكن سُرعان ما أنتفض من مكانـه على صوت دقات عنيفة على باب منزلـه، تحرك ناحية الباب ليفتـحه، تفاجئ حينما أقتحمت أفراد الشرطة للمنزل، تراجع للخلف بينما سأله أحدهم بنظرات حـادة:
-إنت شادي بكر العراقي؟؟..
رد بصدمة:
-أيوة أنا!
حدجـه بنظرات لا ترحم قائلاً بلهجة آمرة:
-هاتوه.
أرتفع حاجبيهِ بصدمة أكبر، لم يستوعب أمام أذرعهم التي جذبته بقوة ليقتادوه نحو الخـارج، حاول تخليص نفسـه منهم وهو يصرخ بذهول:
-إنتوا هتودوني فين؟؟.. أنا عملت إيـه؟؟..
واصلوا سحبـه نحو الخارج دون ترك الفرصة له ليبدل قميصه المنزلي، دفعوه نحو سيارة الشرطة، تابع أغلب قاطني المنطقة ما يحدث بدهشة ولكن لم يتحركوا لأن المسألة لا تخصهم.
******
بعد مرور ساعـتان ونصف، رغم شعورهـا بأن الحياة ستبتسم لهـا من جديد، إلا أن أشبـاح ماضيهـا مازالت تطاردهـا، أهتز بدنهـا بقوة وتشنجت عضلاتـها بصورة ملحوظة وهي تهاجمهـا ذكرى تشوههـا، ثم هاجمتهـا ذكرى تشويـه سمعتهـا، لتهاجمهـا ذكرى أُخرى وهي جالسة بمفردهـا حتى أنتهى بهـا الأمر إلى محاولة أنتحار، هاجمتهـا ذكرى شعورهـا حينما تلقت صدمة وفـاة والدتهـا، هاجمتهـا ذكرى شعورهـا حينما رأت عينين "ظافر" الصادمتين وهو يكتشف أنهـا أصبحت مشوهة، هاجمتهـا ذكرى وهي ترى من على بُعد حدوث جريمة قتل، هاجمتهـا كل الذكريات التي تبغضهـا.
تجسدت المشاهد بوضوح في مخيلتهـا وكأنهـا حدثت بالأمس القريب، تلاحقت أنفاسهـا وارتفع صدرهـا علوًا وهبوطًا بصورة مُقلقة، بدت كمن يقاوم شئ، كادت أن تختنق في نومهـا، أنتفضت للأعلى محركة رأسهـا للجانبين بعصبية أشد وهي تصرخ بـ:
-لألأ، كفايـة، مبقتش قـادرة، لأ.
فتحت عيناهـا فجأة وهي تعتدل في جلستهـا صارخة:
-لأ.
لهثت "آسيا" متلفتة حولهـا بنظرات خائفة، مرت عليـها عدة لحظـات وهي تمسح وجههـا بتعب، دخل "ظافر" الغُرفة وسـار نحوهـا بخُطى سريعة، سألهـا بقلق:
-إنتي كويسة؟؟..
نظرت لـه بألم ولم تجيبـه، تنهد بحرقة قبل أن يذهب للجهه الأخرى، ليتمدد بجوارهـا، أمسك يدهـا برفق هامسًا لهـا بـ بسمة عذبة:
-تعالي، نامي وأنا هفضل جمبك.
عادت تتمدد ثم أغمضت عيناهـا، هي تشتاق للنوم براحةً كبيرة ولكن من أين تأتي الراحة!!.. دثرهـا جيدًا وأخذ يمسح على خُصلات شعرهـا بحنوٍ مثير وهو يقرأ بعض من آيـات القرأنية ليبث في نفسهـا الراحة، دقائق وكانت غاصت في نومٍ عميق، بينما ظل بجانبهـا لا يريد أن يتركهـا في حالتهـا تلك، انحنى برأسـه ليُقبّل جبينهـا قُبلة عميقة وبدون شعور منـه وجد ذاتـه قد نـام بعد أن أطمئن عليهـا.
******
-إنت تعرف الشخص ده؟؟..
سؤال.. مجرد سؤال سألـه وكيل النيابة بجدية وهو ينظر لـ "شادي" الذي يبدو عليـه أنه لم يستوعب ما حدث، ألتفت "شادي" برأسـه لتُصيبـه الصاعقة وهو يراه، بلع ريقـه بصعوبة وهو يُجيب بخفوت:
-أيوة أعرفـه.
سأله مباشرةً:
-يبقى مين؟؟..
رد عليـه بجدية:
-واحد من رجالة أبويـا.
أشـار وكيل النيابة للعسكري بالخروج، وبالفعل خرج بعد أن أمسك بالمتهم ليخرج معـه، تسائل بجدية مرة أخرى:
-تعرف واحدة أسمهـا آسيا شوكت؟؟..
إبتسم بحزن وهو يجيبـه:
-آسيا، طبعًا أعرفهـا، ممكن أنسى الدنيا كلهـا لكن منسهاش، دي تبقى أول بنت حبيتهـا.
صمت وكيل النيابة قليلاً وهو يتأمل ملامح ذاك الشخص، هتف بصوتٍ جـاد:
-علاقتك مع أبوك عامله إزاي؟؟..
رد بسخرية:
-كأني معنديش أب حضرتك، بقالنا زمن متكلمناش، حتى هو عايش في القصر بتاعـه وأنا عايش يدوب في شقة بتاعت والدتي الله يرحمهـا.
هتف وكيل النيابة بهدوء:
-يعني آخر مرة شوفتـه إمتى؟؟.. وتعرف إيـه عنـه؟؟..
رد وهو يهز كفيـهِ:
-معرفش كتير، غير أنه بيسافر كتير، أحيانًا بيطول وأحيانًا لأ، أغلب سفره بيبقى في أنجلترا، يعني بنسبة 99 % بيسافر هناك، شغلـه يعني حياتـه، بالنسبة آخر مرة شوفتـه كان من 4 شهور، جه قالي أني أرجع القصر بس رفضت، عشان شغلي جنب بيتي وأنه بيسافر كتير فمش هفضل قاعد لوحدي في قصر كبير.
هتف وكيل النيابة منتظرًا ردة فعلـه:
-وإذا قولتلك إن وصلتلي مستندات بتأكد أن والدك بيشتغل مع شركات الأجنبية دي في تجارة غير مشروعة، هتقول إيــه؟؟..
هب واقفًا وهو يقول بصدمة:
-إيـــــه!!!..
ضغط وكيل النيابة على زر بجانبـه، فـ لحظات وكان يدخل الرجل الأعمال الشهير "بكر العراقي"، وعلى ملامحــه الغضب والقسوة، وقف أمام مكتب وكيل النيابة وهو يصيح بغضب جامح:
-إنتوا إزاي تجبوني بالطريقة دي؟؟.. إنتوا ناسين أنا أبقى مين؟؟..
نهض وكيل النيابة قائلاً بحدة:
-أهدى يا بكر باشا، إنت لسه شوفت حاجة، ياريت تهدا عشان تقدر تستقبل المصايب إللي مستنياك؟؟..
*******
وقفت "إيمان" أمام أحد المشفيات وهي تشعر بالرهبة، فـ مُنذ أيام وهي تشعر بالتعب الشديد، هاجمهـا دوار عنيف ولكن تماسكت، ظلت واقفة لعدة دقائق مغمضة العينين حتى سمعت صوت تعرفه جيدًا، فتحت عيناهـا لتنظر له بدهشة قائلة:
-كريــم!!.. إنت بتعمل إيـه هنا؟؟..
رد عليهـا بإبتسامة:
-كنت جاي للدكتور مصطف صادق، هو عاوزني في شغل وإنتي؟؟..
ردت عليـه بوهن:
-جايه بردو للدكتور مصطفى بس عشان أستلم التحاليل.
نظر لهـا بقلق متسائلاً:
-تحاليل إيـه؟؟..
همست بخفوت:
-بعدين هقولك.
قالتهـا وهي تتحرك للداخل وكذلك هو سـار خلفهـا، وقلبـه يخفق برعب، ولا يعلم السبب، وصلا إلى غرفة المكتب الخاصة بـ طبيب "مصطفى صادق"، طرق "كريم" على الباب ليسمع الأذن بالدخول، فـ دخلا بخُطى هادئة، ليبتسم الطبيب لهمـا ثم جلسوا جميعًا بتوتر، هتف الطبيب بجدية:
-كويس إن إنتوا الأتنين جيتوا مع بعض.
سألتـه "إيمان" بتعب:
-التحاليل طلعت مش كده؟؟..
ناولهـا الطبيب الملف، فتحتـه بحذر وحاولت أن تفهم ما المكتوب ولكن فشلت، فهتفت بخوف:
-أنا مش فاهمة، هو أنا عندي إيـه بالظبط؟؟.. يعني الأعراض إللي ظهرت عليا في الفترة الأخيرة دي إيـه؟؟.. صحيح هي ظهرت قبل كده بس هي زادت أوي معايا اليومين دول ؟؟..
هتف الطبيب بجدية:
-حضرتك لازم تستحملي إللي هقولـه وتواجيـه.
هتف "كريم" بقلق شديد:
-في إيـه يا دكتور؟؟.. قلقتنـا!!..
هتف بأسف:
-للأسف الأستاذة إيمان طلع عندهـا مرض السرطـان، سرطان في الرئة.
هبت واقفة وهي تهمس:
-سرطـان!!!..
نهض "كريم" بصعوبة وهو ينظر لهـا بنظرات مصدومة، دق قلبـه بعنف وهو يشعر بأنه في كابوس، كابوس وسيستيقظ منـه، وضعت يداهـا على وجههــا وهي تشهر بأن الأرض تميد بهـا وبالظلام يقترب منهـا، ترنحت بقوة فـ أمسكهـا "كريم" وهو يقول أسمهـا بخوف:
-إيمان، إيمان متعمليش في نفسك كده، إيمــان.
لم تستمع إليـهِ حيثُ سقطت مغشيًا عليهـا بين ذراعيـه راهبة لعالم ليس في أي نوع من العذاب أو الألم.