رواية مهرة والامبراطور البارت الثالث 3 بقلم مي مالك
(الفصل الثالث)
نظرت لها الصغيرة بصدمة ثم قالت بنبرة شبه باكية :
"يعني أنا مش هشوف مامي تاني !!"
وقبل أن تجيب مهرة ، أنفجرت الصغيرة باكية بأنهيار وهي تشعر أن أحلامها الصغيرة الوردية أنتهت فهي أصبحت بلا أم
ضمتها مهرة إلى صدرها وهي تقول لها بسرعة :
"أنا جمبك متقلقيش ، أنا معاكي يا لوكة ، وبعدين مين قالك أنك مش هتشوفيها تاني دي هتجيلك في الأحلام وهتشوفك وتسلم عليكي ، وبعدين هي دايما شايفاكي من فوق في السما ، ووقت ما تحتاجي تكلميها تبصي للسما وتكلميها"
قالت الصغيرة من بين دموعها :
"وهي هتسمعني"
رفعت رأس ملك وهي تقول لها بحب :
"طبعااا ، وكمان أنا معاكي يا حببتي ، ماما قبل ما تروح عند ربنا قلتلي خلي بالك من ملك عشان أنا بحبها أوي ، وأنا هخلي بالي منك"
نظرت لها الصغيرة ثم قالت بحزن :
"طب ليه مش قالتلي أنها ماشية عشان أسلم عليها"
نظرت لها مهرة بحيرة وهي لا تعلم ماذا تقول ، لكنها قالت فجأة :
"أنتي عارفة أنا بقولك كدة ليه ، مش عشان أعرفك أن ماما مشيت وبس ، عشان تعرفي كمان أن بابا قد أيه كان زعلان عليها ، وزعلان عليكي عشان عارف أنك بتحبيها أوي ، عشان كدة كان متعصب ، هو مكنش يقصد يضربك ، هو بيحبك ، بيحبك أوي يا ملك عشان كدة كان زعلان عليكي"
نظرت لها ملك قليلاً ثم قالت وهي تمسح دموعها :
"لا بابى ضربني عشان أنا مش كتبت الــ Home Work"
"طب مين إلى غلطان أنتي ولا بابا"
قالت الصغيرة بطفولية :
"أنا عشان مامي قالت أن بابا مش بيغلط"
عقدت مهرة حاجبيها من المفهوم الخاطئ الذي أوصلته مريم للصغيرة ، لتقول :
"لا مفيش حد مش بيغلط ، كلنا بنغلط حتي مامي كانت بتغلط ، المهم مش أننا نغلط ، المهم أننا نعرف أننا غلط ونعمل الصح ، فاهمة حاجة"
هزت ملك رأسها بإيجاب لتقول مهرة بمرح :
"والنبي شكلك بتنيميني ومش فاهمة حاجة"
ضحكت الصغيرة بمرح ثم قالت بخجل :
"هو أنتي مين ؟"
أشارت مهرة إلى نفسها وهي تقول :
"أنا ....أنا مهرة أخت ماما زي بابا وعمتو ليان كدة"
"يعني أنتي عمتو مهرة"
"لا أنا خالتو مهرة"
عانقتها الصغيرة بفرحة وهي تصرخ :
"الله أنا كان نفسي يبقى عندي واحدة أقولها يا خالتو"
ضحكت مهرة بدهشة ثم قالت ملك مجدداً :
"ينفع تبقى توديني المدرسة عشان أوريكي لأصحابي وأغيظهم وأقولهم أني عندي خالتو حلوة وبتحط ألوان في وشها"
"الوااان ، ماشي يا لوكة أوديكي المدرسة"
"وحاجة تاني ، ينفع تبقى تسيبي شعرك كدة ، وتلبسي الجزمة إلى بتعمل صوت ، زي مامهات صحابي ، عشان هما دايما بيتريقوا عليا عشان ماما مش بترضي تيجي معايا ، ينفع أنتي تيجي معايا عشان أعرفهم أني خالتو حلوة أحلى من مامهاتهم ، بليززز يا خالتو بليززز"
"طب نامي دلوقتي ونشوف الموضوع ده بعدين"
نظرت لها ملك بفرحة ثم مددت جسدها الصغير على الفراش ، أغلقت مهرة الحاسوب ووضعته في درج الخزانة الصغيرة الموضوعة بجانب الفراش ، ثم قالت وهي تتظر لملك :
"لوكة ، مش عايزة تكلمي بابا قبل ما تنامي"
__________
كان يجلس على المكتب يعمل على مراجعة بعض الملفات قبل أن ينام ، دق هاتفه فجأة ، ليتناوله من على المكتب نظر إلى أسم أبنته المضئ على الشاشة ليجيب سريعة وهو يقول :
"ملك حببتي أنتي كويسة"
أتاها صوت صغيرته قائلة :
"أيوة يا بابي أنا كويسة ، وحشتني"
ليقول مازن بحزن :
"وأنتي كمان يا حبيبة بابي وحشتيني أوي ، كدة يا لوكة تسيبي بابا حبيبك وتمشي"
"متزعلش مني يا بابي أنا أسفة أنا بعد كدة هعمل Home Work على طول ومش هزعلك تاني"
"وأنا عمري ما هضربك تاني يا ملك أبداً أنا أسف يا حببتي حقك عليا ، أنا بس كنت مضايق ومقصدش أضربك يا حببتي متزعليش مني"
"أيوة مهي خالتو مهرة قالتلي أنك كنت زعلان عشان ماما راحت عند ربنا ومش هنشوفها تاني"
ظل يتأكد مما سمعه ....هل علمت بوفاة مريم !!
ليقول لها بتوتر :
"هي مهرة قالتلك أيه !!"
"خالتو مهرة قالتلي أن ماما راحت عند ربنا وأن أنت كنت زعلان عشان كدة أتعصبت عليا ، وأن أنت بتحبني أوي ، وأن هيا هتيجي معايا المدرسة عشان أغيظ مامهات صحابتي وأقولهم أن خالتو حلوة ، وقعدنا نرغي كتيررر مع بعضينا وبقينا صحاب"
وصلها صوته المشرق :
"طيب يا حبيبتي نامي دلوقتي وبكرة نتكلم مع بعضينا ، هنتكلم كتير أوي"
"طيب ماشي تصبح على خير"
"وأنتي من أهل الخير يا حبيبتي ....لوكة"
"نعم يا بابي"
قال مازن بحب ونبرته الحنونه التي تظهر مع أبنته فقط :
"أنا بحبك أوي"
"وأنا كمان"
ثم أغلقت ملك الهاتف ونامت بجانب مهرة ، ليذهبوا الأثنان في نوماً عميقاً يتخلله بعض أحلام مهرة المزعجة ، بعد قليل دلفت بدور إلى الغرفة لتجد مهرة تحتضن ملك وكأنها خائفة من أن تقع أو يأخذها أحدهم منها ، أقتربت منهم بهدوء حتي لا توقظ أحدهم ثم حملت ملك وأخذتها إلى غرفتها فهي تعلم أبنتها حق المعرفة .....ما أن تشعر بالراحة في الفراش تتحول إلى طائر مجنح وتأذي أي شخص ينام بجانبها دون أن تشعر ....فقد جربت النوم بجانب مهرة من قبل والنتيجة أنها كانت سوف تفقد أحدى عويناتها بعدما لكمتها مهرة فيها دون أن تشعر ، لتخاف بدور أن ينام أي شخص بجانبها وتحثها دائما على النوم في فراش وحدها حتي لا تتسبب بعاهه مستديمة لأحدهن
___________
(اليوم التالي)
أستيقظت مهرة من النوم لتجد نفسها وحيدة في الفراش ولا أثر لملك في الغرفة ، نهضت وهي تشعر بثقل في رأسها ، فأمسكت رأسها بتعب ثم تحركت من الفراش ، توقفت قليلاً تحاول الأتزان ولكنها فشلت وجلست على الفراش مرة أخرى ، أمسكت رأسها بوجع وبعد عدة محاولات نهضت أخيراً وهبطت إلى الأسفل لتجد ملك تلعب على اللوح الهاتفي الخاص بها ، ذهبت إلى المطبخ لتجد بدور تقف مع المساعدة وتحضر معها الأفطار أو الغذاء لا تعلم ، نظرت لهم ثم قالت تحية الصباح لتقول لها بدور بسخرية :
"صباح الخير الساعة 3 العصر"
فركت مهرة عيناها وهي تقول بتعب :
"أيه ده هي الساعة 3 بجد"
"أه ياختي أه يا كسولة ، نفسي أعرف أنتي بتروحي الشغل أزاي"
"معلش بقى يا دودو أنتي عارفة أني بنام كتير في الأجازات"
لتقول بدور بعمليه وهي تقطع خضار السلطة :
"طيب روحي أجهزي بقى عشان فاضل كام ساعة ومازن يجي"
لم تتمكن من التغلب على دهشتها وهي تسأل :
"مازن مين ....مازن أبو ملك"
"أيووة كلم ملك الصبح وقالتله أنها عندي ، ولقتها بتقولي بابا عايز يكلمك ، كلمة من هنا وكلمة من هنا صراحة الواد حسيته متعلق ببنته أوي ، ولأن أنتي دماغك جزمة قديمة ومش هترضي ترجعي البت لأبوها لحد ما تسافري الأسبوع الجاي فعزمته عندنا عشان يشوف بنته ، وأديته العنوان وغالبا هو في الطريق"
أتسعت عيناها أكثر فأكثر وهي تهتف بحدة :
"أنتي برضو لسة بتتأثري بالكلام ده ، أومال لو مكنش حصل نفس الموقف مع مريم كنتي عملتي أيه"
التفتت لها بدور وهي تقول بدهشة :
"ومال مريم ومال الموضوع"
أنفعلت مهرة وهي تقول :
"مهي كانت بتعمل معاكي نفس الموضوع ، لما تبقى عايزاكي تساعديها وتديها حلول بين مشكلة بينها وبين جوزها تقرب منك وبعد ما تتحل بتبعد تاني ، وأنتي برضو لسة زي ما أنتي طيبة وبتصدقي ، أنتي مشوفتيش مازن عامل أيه في بنته ، واحد زيه المفروض ميشوفهاش تاني طلما بيعمل كدة في النعمة الي ربنا أدهاله"
لتقول بدور بأختصار برغم من وجعها مما قالته مهرة :
"يعني عايزة أيه يا مهرة ، أنا عزمت الراجل وخلصنا عاجبك تحضري العزومة تنوري مش عاجبك كلي في المطبخ أنا مضربتكيش على أيدك عشان تقابليه ، وياريت لو ناوية تقابليه تحطي لسانك جوا بقك عشان أنا مش هسمحلك تهيني الراجل قودام بنته ، مفهوم يا مهرة"
نظرت لها مهرة قليلاً وذهبت دون أن تتحدث ، صعدت إلى غرفتها وجلست على الفراش قليلاً تفكر فيما حدث هي لا تحب التجمعات ولا تحب الرجال ولا تحب وجودهم ....لكنها للأسف سوف تحضر العزومة ....ليس من أجل مازن ....بل خوفاً من والدتها فهي تعلم أنه مجرد ما أن تشعر بالسلام أتجاه أحد تحكي له كل شئ ....كيف نشأت ....وكيف تزوجت ....وكيف ربت طفلتي شقيقتها الراحلة ....وكيف زوجتها ....وكيف زوجت مريم ....وطباع طليقها أن لزم الأمر ....تعلم أن والدتها تشعر بالفخر بها هي وشقيقتها المتوفاه وتحكي عنهم لأي شخص ....لكن مازن لا وألف لا لن تسمح لوالدتها أن تقول ولو شئ بسيط عنها أو عن ماضيهم الذي لا يعلم مازن عنه شئ وبالتأكيد مريم لم تتحدث معه في الماضي أبداً
__________
(بعد ساعتان)
رحبت بدور بمازن الذي كان يحاول السيطرة على نفسه حتى لا يرقض ويبحث عن صغيرته ويأخذها بين ذراعيه ....أو يأتي بمهرة ويدق عنقها أو يكسر رأسها جراء ما فعلته ....كلها أفكار جميلة ومحببة لقلبه
فجأة ظهرت أمامه الصغيرة ببنطالها الوردي وقميصها القطني الأبيض ، ما أن أبصرته حتى ركضت وهي تصرخ بأسمه بفرحة ، تعلقت برقبته وهي تهمس في أذنه بأشتياق :
"وحشتني أوي يا بابي"
قال مازن من بين قبلاته المتفرقة على وجهها :
"وانتي كمان يا عيون وقلب وروح بابي"
بعد الكثير من الوقت الممتع مع بدور وملك ، هبطت مهرة أخيراً وكعبها العالى يعلن عن أقترابها ، تفحصها مازن من بداية شعرها الأسود الذي تركته منساب على ظهرها بلا أهتمام ....مروراً بالقميص القطني الأسود الذي به نقوش بيضاء ....وبنطالها الجلدي الذي لا يعلم كيف أدخلت نفسها به
لاحظت مهرة دراسته لهيئتها ، لتعقد حاجبيها في ضيق واضح وهي تحيه بأجبار ، ثم جلست على الأريكة المقابلة له وهي تضع قدم على الأخرى في غرور واضح
ظل يتحدث مع بدور في أشياء عدة حتى حان وقت الغذاء ، ولسبب ما ترك مهرة تطعم ملك بنفسها وهي تقطع لها قطع الدجاج الذي قطعتها لها خصيصاً ثم تعطيها بعض الأرز فتطلب منها ملك العفو عنها لأنها أكتفت من الأكل ، لكن مهرة لا تستسلم وتغريها ببعض الشوكولاته بعد تناولها الطعام ، فتكمل ملك الطعام بأستمتاع ، ومازن يراقبهم بهدوء
__________
(بعد الغذاء)
جلس الجميع في بهو المنزل الخاص بأستبقال الضيوف ، كانت مهرة تشعر بالقلق حيال نظرات مازن الغير مفهومة ، إلى أن طلب فجأة أن يتحدث معها على أنفراد ، نظرت إلى بدور وهي تشعر بالتوتر ، أخذت نفس عميق ثم نهضت وهي تشير لمازن إلى الخارج :
"تعالى في الجنينة"
نهض معها دون أن يتحدث ، نظمت مهرة أنفاسها بصعوبة وهي تطمئن نفسها ....ماذا سيفعل ؟ ....فأنا شقيقة زوجته ....لا تقلقي نفسك يا مهرة فهو لن يفعل شئ
نظر لها مازن قليلاً وهو يلاحظ يدها التي تمسك في السلسلة الفضية التي ترتديها ومن الواضح أنها تفعل هذه الحركة كلما تشعر بالتوتر :
"هو أنتي هتسافري تاني"
أندهشت مهرة من سؤاله ....ما شأنه بسفرها !!
لكنها أجابت بهدوء :
"أيوة"
"أمتي"
شعرت مهرة بالقلق حيال أسئلته الغريبة والتي لا تعنيه ، لذلك قررت أنهاء الحديث قائلة :
"أستاذ مازن في أيه ، هات من الأخر مظنش أنك عايز تتكلم معايا على أنفراد عشان تسألني عن سفري"
"أممم ده فعلا حقيقي أنا مش عايز أسال عن سفرك أنا صراحة جي هنا مخصوص عشان حاجة معينة ....
أنظرت أن يكمل ....لكن من الواضح أنه أيضاً متوتر وكأنه ينوي على مصيبة
"مهرة تتجوزيني"
لا من الواضح أنها لم تكن مصيبة ....فهي فعلياً كارثة بالنسبة لمهرة ....ظلت تردد الجملة على لسانها على تستوعب ما قاله ....ضرب ...أهانة ....عقاب ....بكاء كثير جداً ....كثير إلى الحد الذي لا يحتمل ....ذلك القفص الحديدي الذي سجنت به لسنوات بأسم الزواج لن تدخله مرة أخرى مهما حدث
أخرجها مازن من دوامة أفكارها وذكرياتها البائسة وهو يهزها ببعض العنف وينطق بأسمها بدهشة من ردة فعلها الغير متوقع ....فهو توقع أن يرى لسانها الحاد مرة أخرى ....لكن صمتها لسبب ما أقلقه
"مهرة أنتي كويسة"
نطقها بقلق وهو يرى عيناها التي أتسعت على أخرهم وفمها الذي فتح قليلاً من أثر الصدمة ، ونفسها الذي تأخذه بصعوبة ، حتي أنه تخيل أنه رأي الدموع في عيناها ، نظرت له بصدمة وهبطت دمعتها تأكد له أنه لا يتخيل وأنها تبكي بحق
"هو أنا قولت حاجة غلط !!"
ودون سابق أنذار ركضت من أمامه ، وعادت مرة أخرى إلى المنزل ، شعرت بدور بالفزع من بكاء مهرة وركضوها بتلك الطريقة ، جاء مازن بعدها سريعاً ورائها وهي تركض حتي وصلت إلى أحدى الغرف ودلفتها ثم أغلقت الباب ، هدرت بدور بعنف :
"أنت عملت لها أيه"
أجابها لها بدهشة :
"ولله ما عملت لها حاجة ، أنا طلبت منها الجواز"
"جوااز !!"
أندهش أكثر من الصدمة الذي أحتلت بدور هي الأخرى ، لكنها لم تعطيه فرصة فتحركت بخطوات سريعة إلى غرفة أبنتها
أما مازن فقال في نفسة :
"مجانين الناس دي ولا أيه ، هو الجواز عندهم حرام !"
نظر لملك التي كانت تتابع الموقف منذ بدايته ، تحرك وجلس بجانبها لتنظر له ملك قليلاً ثم تقول بضيق :
"بابي هو أنت مش بتحب البنات"
رفع مازن كتفيه وهو يجيب :
"أنا لا خالص ، ليه بتقولي كدة يا حبيبتي"
عدلت ملك نفسها لتقول لوالدها بحنق :
"أصلك كل ما تشوف بنت تخليها تعيط ، قبل ما ماما تروح عند ربنا كنت بتخليها تعيط ، وأنا ضربتني وخلتني أعيط ، ودلوقتي زعلت خالتو مهرة وخلتها تعيط ، أنت بتحب البنات تعيط يا بابا"
هز مازن رأسه وهو يقول :
"أمممم يعني أنتي طلعتيني مريض نفسي وبكره البنات وبفرح أما يتجرحو ويعيطو يابت"
أنهي جملته وهو يمسكها من خصرها ويدغدغها بمرح غير عابئة بمهرة وما يحدث معها بالأعلى
__________
(في منتصف الليل)
كانت تجري بلا هوداة تحاول الهروب ....تشعر به ورائها ....تشم برائحته القذرة حولها ....تسمع صوته اللعين يأمرها بالذهاب معه لحفلاته المدنسة ....يضحك بفرحة وهو يسمع صراخها من الوجع ....يشعر بالنشوة وهو يستمع لرجائها بالأفصاح عنها وتركها ....تسمع صوت حزامه الحاد وهو يوضع على جسدها ويذيقها من الوجع أنواع ....تشعر بأنها مازالت مكبلة في أطراف الفراش إلى يومها هذا ....تشعر بدمائها تمتزج مع لعابها وكأنه شئ عادي ....تشعر بجسدها يؤلمها ولا يوجد من يداويه غير الأيام ....ظلت تصرخ وتصرخ وتصرخ وهي تشعر بأحدهم يكمكم فمها ....تشعر بشئ يطبق عليها يمنعها من الحركة وكأنها شلت ....تريد أن تفتح عيناها وأن تفيق من هذا الكابوس الذي كان واقعها في يوم من الأيام ....تريد الأستيقاظ ....ظلت تحاول الصراخ إلى أن نجحت أخيراً وصرخت بكل قوتها تطالب بالرحمة ....صراخت بوجع وهي تناجي أحدهم لينقذها
فتحت عيناها بسرعة وهي مازالت تصرخ لتستفيق من ذلك الحلم الموجع ....ضربات قلبها أشبه بالطبول
وجدت بدور تفتح الباب وتدلف دون أستئذان وعلى وجهها علامات الحزن والفزع ، فتحت ذراعيها وحاوطت مهرة الذي أخذت تبكي وترتجف بخوف
تعرف ما بها جيداً ....وما يوجعها أنها ليس بيدها شئ لتفعله ....هذه مهرة ما أن تأتي أمامها سيرة الزواج أو فكرة أن توضع في ذاك القفص مرة أخرى ....تتذكر كل الماضي المؤلم والموجع الذي مازالت تحاول التعافي منه
ربتت بدور على ظهرها وهي تتلو بعض الآيات القرآنية ، إلى أن هدأت مهرة ونامت بهدوء مرة أخرى فهي أعتادت على تلك الأحلام المؤذية الذي أصبحت جزء من حياتها ، تطلعت اليها بدور بحزن وهبطت دمعه وحيدة على وجنتيها وهي تشعر بالحزن والشفقة على أبنتها التي تمثل القوة والجبروت وهي ضعيفة جداً ضعيفة إلى حد الشفقة ، نهضت من مكانها وخرجت بعدما تركت الأنوار مفتوحة فهي تعلم أن أبنتها لديها خوف غير من مبرر من الظلام
__________
(بعد عدة أيام)
"أنا موافقة على طلب مازن"
قالتها بدور في حين لم تتظر لها مهرة وظلت تفعل ما بيدها وهي تقول بسخرية :
"طيب تمام ألف مبروك عليكي"
"مهرة أنا بتكلم جد ، مازن كويس"
قلبت مهرة السكر لتذيبه في كوب الحليب الأبيض قائلة بهدوء :
"ما أنا عارفة أنه كويس ....بس كويس لبنته ولنفسه مش ليا ....هو كويس أنا إلى مش كويسة ...
صمتت قليلاً ثم أكملت :
وبعدين هو في واحد كويس يتجوز تاني بعد ما مراته ماتت بأسبوعين"
" يمكن ليه أسبابه ، أتكلمي معاه وأسمعيه"
ضربت مهرة بيدها على رأسها وهي تشعر ببوادر شلل تحتلها ، برغم من كل ما هي فيه ....مازالت بدور تفكر في زواجها مرة أخرى ....بل وتدافع عن ذلك المدعو مازن _بجلالة قدره_
دق جرس الباب ، لتتحرك أحدى العاملات لتفتحه ثم صوت صراخ ملك بأسم والدها ، نظرت مهرة إلى بدور بعدم فهم ، لتقول بدور :
"ولله هو قالي أسبابه وعرفني هو عايز يتجوزك ليه ، وأنا قولتله أنك رافضة فهو طلب أنه يقنعك بنفسه أقوله لا ، فــ أنا جبتهولك وأنتم حرين مع بعض يا تقنعيه برفضك يا تتجوزيه"
وتحركت بدور إلى الخارج تاركة مهرة بعدما وضعتها في ذلك المأذق السخيف ، تناولت كوب الحليب الخاص بها على جرعة واحدة وخرجت لذلك المدعو مازن ، ما أن رأته حتي قالت له بوقاحة :
"أنت رجلك خدت على البيت ولا أيه"
ليجيبها مازن بسماجة :
"صاحبة البيت قالتلي أجي ، وبعدين مش عيب عليكي تقولي كلام زي ده ، ده أحنا ضيوف زي بعض"
سمعت ضحكة بدور الصغيرة ، لتترك مازن وتجلس على الأريكة بجانب بدور قائلة بهمس :
"مبسوطة أنتي بالبلوة إلى جبتيهالنا"
تحرك مازن وجلس مقابل لهما ، طالعته مهرة بأنزعاج ليقول لها بأستفسار :
"صحيح مجاوبتيش على سؤالي في موضوع الجواز"
"جواز أيه وانت مراتك لسة متوفيه من أسبوعين ، والمفروض بقى أنك زعلان ومجروح !!"
قالتها مهرة ولم تتمكن من أخفاء غضبها وحنقها ، وهي تنظر للبارد الذي يجلس أمامها وكأنه يلقي عليها أحوال الطقس ، ليفاجئها برده المستفز :
"أه ما أنا هتجوزك عشان تفرفشيني وتغيري لي على الجرح"
رفعت حاجبها من ذلك الساخر وهي تحاول كتم ضحكتها بأعجوبه ، لكن بدور لم تتحكم في ضحكتها التي فلتت جراء حديثهم ، نظرت لهم الأثنين لتجدهم ينظرون اليها أحدهم غاضب والأخر مبتسم ، لتتحرك من أمامهم وهي تقول :
"طيب أنا هسبكم براحتكم وأروح أعمل حاجة تشربوها"
وتركتهم وحدهم وكل منهم ينظر للأخر بتحدي واضح وكأن بينهم عداء قديم ، ليبدأ مازن الكلام :
"ببساطة يا مهرة أنا عايز أتجوزك عشان ملك ، أنتي غالباً بقيتي قريبة منها جداً ، وده مش طبع بنتي أنها تقرب من أي حد بسهولة"
صمت قليلاً يستجمع كلامته لتقول له مهرة :
"طالعة لأبوها ، قتمة"
"وممكن طالعة لخالتها الله أعلم"
وأنهي جملته بأبتسامة مستفزة ، ثم أكمل :
"مش موضوعنا دلوقتي بنتي طالعة لمين ، أنا دلوقتي بكلمك وبقولك أن أنتي إلى عملتيه في كام يوم أختي ليان معرفتش توصله في العمر إلى عاشته مع ملك"
"هي أختك دي فاشلة في كل حاجة ، حتي في التعامل مع الناس"
رفع حاجبيه من تلك المستفزة الباردة ، ليقول لها بغضب مكبوت :
"لاحظي أنك بتتكلمي عن أختي ، يعني تحترمي نفسك شوية ، وبعدين هي عملتلك حاجة !!"
"بيبان يا مازن ، الفشلة بيبان عليهم ، زي المعقدين كدة ، يعني أنا أول ما شوفتك قولت عليك معقد"
ليرفع يده وهو يقول بحركة مسرحية :
"يا سبحان الله ، مش ممكن ، ده أنا كمان قولت عليكي كدة ، معقولة أحنا متفقين للدرجادي"
عدلت نفسها في جلستها قليلاً وهي تحاول التحكم في أعصابها ....فمن الواضح أنه ذكي ....يحاول أغضابها بردوده المستفزة
"أحممم عشان ننهي الموضوع ، أنا بنتي بتحبك وجداً كمان ، وكمان فكرة أني أربيها لوحدي دي مستحيلة عشان أنا مش بعرف أتحكم في أعصابي في أوقات كتير ، وأني أمد أيدي عليها مرة تانيه مينفعش يحصل تاني أبداً"
"ما أنت معاك أختك ، ما تخليها تربيها معاك"
رفع كتفيه وهو يقول بسخرية :
"للأسف أختي فاشلة ومش فالحة في حاجة زي ما أنتي قولتي"
تنهدت بتعب وهي تقول بنبرة باردة :
"بص بعيداً عن كلامك حضرتك إلى كله صح ، ومنكرش أن أنا كمان أتعلقت بملك ، وأن أنت وأختك أفشل من بعض ومش هتعرفوا تربوها ، بس أنا والجواز مش بنجتمع في جملة واحدة ، ومش هيحصل أبداً ، فالحل أن أنا أخد ملك وأربيها وتقدر تشوفها في أي وقت أنت عايزه"
لم يسيطر مازن على ردة فعله لينهض بغضب ويقول :
"حلاوتك ، ده في المشمش ، أنتي عايزة تاخدي مني بنتي"
رفعت مهرة حاجبها وهي تقول في نفسها :
"ده بيتحول !!"
ثم قالت لمازن بهدوء :
"أقعد يا مازن ، أحنا بنتكلم أنت شايفني خدتها وطالعة بيها على المطار"
جلس مازن وهو يقول بقلة صبر :
"وبكل أختصار عشان أنا مرارتي أتفقعت ، أنا موافق على كل شروطك وكل طلباتك في سبيل أنك توافقي يا مهرة ، وأنجزي وبطلي تعندي وتقولي مش موافقة ، لأن أنتي هتوافقي عشان أنتي كمان محتاجاني ، مهو مش معقول هتفضلي خايفة من طليقك ده العمر كله"
ظهرت الصدمة على صفحة وجهها وهي تقول بنبرة غريبة وهي تشير للمطبخ الذي به بدور :
"قالتلك صح ، أنا كنت حاسة ، وقالتلك أيه تاني"
"مقالتش غير أنك أتجوزتي وأنتي عندك 19 سنة ، وأن طليقك كان واطي وندل وأنتي بتكرهيه ، ومش بتحبي تقعدي في مصر عشان طلقكم مكنش على هواه ، ف أنتي خايفة ليلاقيكي ويعمل فيكي حاجة ، أكتر من كدة معرفش وميهمنيش أعرف"
نظرت له قليلاً وهو ظل صمتاً تاركها تفكر بهدوء ، هي قوية بما يكفي ....لكن ينقصها الأمان وهو سوف يمنحه لها ....أن كانت هي لا تثق في الرجال فهو غيرهم ....فهو متأكد من أنه يسطيع منحها الأمان الذي تريده
لتفاجئه بقولها :
"هنبقى أخوات"
نظر لها بعدم فهم ، لتوضح له :
"هنعيش في البيت زي الأخوات ، أنا هربي ملك وبس ، أنما أننا نكون زوجين طبيعين ده مش هيحصل"
لوي شفتيه دليلاً على عدم أهتمامه :
"عادي مش مهم الموضوع ميفرقش معايا"
"محدش هيتدخل في حياة التاني يعني لا أنت تسألني رايحة فين وجيا منين أو العكس"
"لو سألتك هيكون من باب العلم بالشئ مش أكتر"
"أنا بحب أشتري لبس كتير جداً ، وممكن كل أسبوعين تلاته تلاقيني رايحة أعمل شوبينج"
"مفيش مشكلة برضو طلما الموضوع مش هيأثر على ملك"
"وكمان هشتغل"
هز رأسه بهدوء :
"معنديش مشكلة بس يكون في نطاق البلد ، يعني مش ترجعي شغلك إلى برة مصر وتقوليلي أنت وافقت على شغلي ، يا تشتغلي في فرع شركتك في مصر ، يا أما تشوفي أي شركة تانيه تشتغلي فيها"
"تمام و ....أنت عرفت منين أن أنا بشتغل في شركة"
أبتسم لها بهدوء ثم نظر إلى المطبخ ، لتفهم مهرة أن بدور فضحتها
"بصي يا مهرة أنا عارف عنك حاجات كتير ، سواء في طريقة تصرفاتك من ملك ، أو في الماضي والحاضر بتاعك من خالتو"
حاولت الهدوء وهي تقول بنبرة متوترة :
"بعيداً عن أنها خالتي أنا مش خالتك أنت ، وبعيداً برضو عن ملك إلي خلتها تراقبني من غير ما أخد بالي ، بس المهم دلوقتي أنت تعرف عني أيه بالظبط"
بدأ مازن في سرد أحداث حياتها الخاصة بالعمل الذي سردتها له بدور بالتفصيل ، فهو يعلم أنها درست الهندسة بعد الزواج ، وتخصصت في مجال الكمبيوتر وبعد الأنتهاء من دراستها أنفصلت عن زوجها ، وعملت بلندن ثم سافرت إلى فرع الشركة بألمانيا ، ثم أنتقلت قبل عدة أشهر إلى إيطاليا في سنتان فقط
صمت قليلاً ثم قال بمرح :
"أنا صراحة كل ده ميفرقش معايا ، إلى فرق معايا أوي طفولتك المتشردة والغير مبررة ، هما كلهم مقتنعين أنك طلعتي بنت بالغلط وأن أنتي أصلا راجل"
لم تتمكن من أخفاء صدمتها ظلت تقنع نفسها أن لم تفضح على يد خالتها ، لتقول له بفضول :
"هيا قالتلك أيه بالظبط"
"يووووه كتير أنك مثلاً كنتي بتضربي العيال في الشارع ولا أجدعها راجل وأن العيال كانت بتخاف منك ، وأن شعرك مكنش بيطول زي البنات لا ده أنتي دايماً قصاه ، وأنك كنتي بتحدفي الناس من البلكونة بالبيض في الشارع ، ده غير طبعا الكتاكيت إلى كنتي بتقتليها وأنتي صغيرة ، وأثناء عدم وجود راجل البيت إلى هو جوز خالتك كنتي أنتي الراجل ، وصراحة أنا مضحكتش في حياتي قد ما ضحكت وأنا بسمع هبلك وأنتي صغيرة"
"هبلي ميرسي يا أبن الأصول"
"طيب تمام بما أنك وافقتي على الجواز نكتب الكتاب أمتى"
"كتب كتاب !! ، على فكرة أنا لسة موافقتش"
ليصحح لها عباراتها :
"قولتي شروطك وأنا وافقت يعني أنتي موافقة"
تنهدت بقلق وهي تقول :
"سبني كام يوم أظبط موضوع شغلي ، وأجيب حاجتي من إيطاليا"
ليقول لها بعملية :
"طيب تمام وأنا هاخد ملك عشان تعرفي تظبطي أمورك بهدوء وكمان عشان ترجع لمدرستها ، خدي وقتك وأهدي مش لازم السربعة أنا مش مستعجل ، أينعم هو جواز من غير جواز بس أسمها حياة جديدة ولازم تجهزيلها"
أكتفت بأيماء رأسها ، تحرك مازن إلى المطبخ ، لتناديه مهرة ، التفت لها لتقول :
"فكرة الجواز كانت مستحيل تدخل دماغي من تاني ، لولا ملك لأني عارفة كويس يعني أيه بنت من غير أم ، وأن لولا بدور كان زماني موصلتش لأي حاجة من إلى وصلتلها ....أنا وثقت فيك فياريت تكون قد الثقة بدل ما تندم"
ليجيب عليها بنبرة قوية :
"بعيداً عن أن أنا مش بتهدد ، بس مفيش حاجة تخليني مصدر خوف لواحدة خلتني مصدر أمان ليها"