رواية بعد الانتظار الفصل الثاني كاملة بقلم براء الهواري
رواية بعد الانتظار " الفصل الثاني "
" المفاجأة "
استيقظت فريدة في صباح اليوم التالي أو بالأحرى لم تنم ، فكل ما نامته هو مجرد ساعات قليلة ، فقد قضت ليلتها أمس بالبكاء حتى تورمت عينيها ، بسبب ما حدث بعد عودتها من حفل الزفاف مع والدتها و شقيقتها ، نهضت من فراشها و ذهبت للمرحاض و من ثم عادت إلى غرفتها كي ترتدي ملابسها و حجابها ، استعداداً للذهاب إلى العمل ، خرجت من غرفتها و قد وجدت والدتها جالسه على أحد مقاعد طاولة الطعام بالصالة ، تقطع بعض الخضروات ، و كان يبدو عليها أنها أيضاً لم تنم منذ أمس ، فاتجهت لها فريدة و جلست على المقعد المقابل لها قائلة :
- صباح الخير يا ماما .
نظرت لها منى و قالت بحنو :
- صباح النور يا حبيبتي .
ثم عادت تُكمل ما تفعله ، حاولت فريدة أن أفتح أي مجال للحديث فقالت :
- هتعملي أكل إيه النهاردة .
- هعمل بسلة .
أرادت فريدة أن تخلق روح المرح فقالت :
- عارفه لو ماعملتيش شوربة .
إبتسمت منى و قالت لها بحنانها المُعتاد :
- هعملك شوربة يا حبيبتي ، عارفه إنك بتحبيها .
رسمت فريدة ابتسامة حزينه على شفتيها قبل أن تنهض و تُقبل رأسها قائلة بحب :
- ربنا يخليكي ليا يا ست الكل ، أنا هنزل بقى عشان أشوف سلمى و نروح الشغل مع بعض .
و كان أخر ما سمعته فريدة قبل نزولها هي دعوة والدتها لها بالتوفيق :
- ربنا معاكي يا بنتي و يوفقك .
****
ظلت فريدة واقفه داخل محطة المترو تنتظر وصول سلمى ، أخذت تنظر إلى ساعة يدها و في تلك اللحظة بالتحديد جاءت هي ، فنظرت لها فريدة قائلةً :
- اتأخرتي ليه ؟
سلمى :
- معلش أصل راحت عليا نومه ؛ بسبب السهر إمبارح .
ثم أردفت سلمى بقلق :
- مالك يا فريدة ؟!
حاولت فريدة التهرب من الحديث قائلةً بفتور :
- عادي مافيش حاجة .
نظرت لها سلمى بشك قائلة :
- أنتِ هتستعبطي عليا ، أكيد في حاجه .
ثم صمتت لثواناً و أردفت :
- باباكي اتخانق معاكي تاني ؟
تنهدت فريدة بحزن و تجمعت الدموع بمُقلتيها قائلةً :
- هو أصلاً هدفه في الحياة إنه يضايقني .
نظرت لها سلمى باستياء و من ثم تحدثت بنبرة حزينة :
- إيه اللي حصل ؟
كادت فريدة تتحدث و لكن جاء القطار " المترو "
فأردفت :
- هحكيلك الموضوع لما ننزل من المترو .
لم يمر وقت طويل حتى نزلتا من القطار فتحدثت فريدة قائلة :
- إمبارح فضل يزعق و يشتم فينا عشان اتأخرنا ، و يقول أنتوا راجعينلي الساعة 11 بليل و مش عايزاني اتعصب ، قاعد أنا مستني الهوانم لما يشرفوا .
اربتت سلمى على كتفها بحنان قائلةً :
- ما تزعليش يا فريدة ، صدقيني كله هيعدي إن شاء الله.
نظرت لها فريدة قائلةً بجدية :
- أنا خلاص قررت أوافق .
- توافقي على إيه ؟
- أنا فكرت كتير إمبارح فى موضوع أمجد و لقيت أن مافيش سبب أرفضه علشانه .
- فريدة بلاش تسرع ، و ماتخديش قرار و أنتِ في الحالة دي ؛ لأنه أكيد هيكون غلط .
- عايزاني أعمل إيه يعني يا سلمى ، ما أنا تعبت و مش قادرة استحمل أكتر ، و بصراحه أنا معنديش استعداد انتظر فارس الأحلام ده أكتر من كده .
- بس كمان ده مش سبب يخليكي تتسرعي و تختاري غلط ، أصبري كمان شويه يا فريدة ، انا حاسه أن ربنا هيحلها قريب .
تنهدت فريدة بارتياح قائلةً :
- و نعمة بالله .
****
كانت فريدة جالسة في مكتبها المشترك مع نهى و سلمى ، و بما أن نهى في " شهر العسل " فلم يتواجد معها سوى سلمى
- التصاميم دي لازم مستر أمجد يشوفها .
قالت فريدة جملتها فجأة ، فتعجبت سلمى و نظرت لها قائلة :
- و فيها إيه يعني ؟
- مش عايزه أروح المكتب عنده ، و لا عايزه أشوفه ، مش عايزه تفكيري يتشتت أكتر من كدة .
- خلاص رُوحي للسكرتيرة و هي تدخله التصاميم .
نهضت و هي تقول :
- عندك حق .
خرجت فريدة مُتوجهه للسكرتيرة قائلةً بإبتسامة :
- صباح الخير يا جنى .
بادلتها " جنى " الإبتسامة قائلةً :
- صباح النور يا فريدة .
- جنى ، ممكن تدخلي التصاميم دي لمستر أمجد ؟
- حاضر .
تركت الأوراق على المكتب أمامها و توجهت عائدة إلى مكتبها ، و حين خطت قدمها خطوتها الأولى داخل حجرة المكتب رأت ما فاجأها ، إنه ذلك الشاب الذي حدثها بالأمس في حفل الزفاف ، يجلس على الكرسي المقابل لمكتب سلمى ، و حين التفت هو التقت العيون ببعضها لترتسم ملامح الدهشة على وجههما.
انتبهت فريدة لصوت سلمى و هي تقول :
- أعرفكم ببعض .
ثم أكملت و هي تُشير على فريدة لتعرفه بها :
- دي فريدة صاحبتي .
نهض و مد يده ليصافحها و لكن تلك المرة هي أيضاً مدت يدها و صافحته و و أعينهما متعلقةً ببعضها.
أكملت سلمى و هي تُشير له :
- ده كريم أخويا .
تفاجأت فريدة كثيراً مما قالته سلمى فهي كانت تعرف أن لها أخ يكبرها بعدة لأعوام ، و لكن لم تره مطلقاً و لم تهتم أن تعرف اسمه حتى .
نظر لها كريم و تحدث قائلاً :
- فرصة سعيدة ، بصراحة متوقعتش أشوفك تاني و خصوصاً هنا .
نظرت له و تحدثت مُجاملةً إياه :
- أنا أسعد .
ثم توجهت لتجلس على مكتبها ، و عاود هو الجلوس على كرسيه ، أما عن سلمى فنظرت لهما بتعجب قائلة :
- أنتوا تعرفوا بعض !
فأردف كريم :
- اتقابلنا إمبارح في الفرح ، لكن أنا مكنتش أعرف إنها صاحبتك .
تابعت فريدة عملها ، بينما عاد الحديث إلى مجراه بين سلمى و كريم .
نظرت سلمى لكريم قائلة بمرح :
- مقلتليش إيه الشئ الخطير اللي خلاك تيجي تزورني في شغلي لأول مرة .
كريم :
- حضرتك نسيتي مفاتيحك الصبح .
- و ده يستدعي أنك تيجي لي مخصوص ؟!
- أنتِ ناسيه أن ماما هتبات النهاردة عند خالتك ، و أنا هتأخر في الشغل شوية ، فقلت أعدي عليكي بدل ما تقعدي عند الجيران ، لكن واضح إن الحق عليا .
نظرت له بإبتسامة قائلةً بنبرة مرحة :
- لا يا عم تُشكر .
كان كريم يسترق النظرات لفريدة أثناء حديثه مع سلمى و و كانت أحياناً تفعل مثله أيضاً ، رغم أنها لا تعلم لماذا تفعل ذلك لكنه جذب انتباهها بطريقة غريبة .
****
حين جاء وقت الراحة اتجه أغلب المهندسين و الموظفين إلى الخارج و بقى القليل في الشركة كان منهم " فريدة " و " سلمى " ، جالستان في مكتبهما تتناولان بعض الأطعمة أثناء متابعتهما للعمل .
تحدثت سلمى فجأه قائلة :
- أما أنا قابلت واحد امبارح ، بس إيه قمر .
نظرت لها فريدة قائلةً بمرح :
- سلامٌ قولاً من ربي الرحيم ، أنتِ بتطلعي أمتى ؟
تحدثت سلمى مُتصنعه الجدية :
- بطلي هزار ، أنا بتكلم جد .
ضحكت فريدة و من ثم حاولت التحدث بجدية قائلة :
- و مين سعيد الحظ ؟
- أنا مش عارفه عنه حاجة غير أنه وسيم و لطيف و اسمه إياد .
ضحكت فريدة و لكن سرعان ما حاولت السيطرة على ضحكتها مُتصنعه الجدية و هي تقول :
- دي معلومات مهمه جداً .
- أنتِ شكلك بتستخفي بيا .
كتمت فريدة ضحكتها قائلةً بسخرية :
- لا أبداً لسمح الله .
- بصي هو أنا استلطفته ، و جايز أكون معجبه بيه ، حاسه أنه فارس أحلامي اللي بدور عليه .
نظرت لها فريدة بتعجب قائلةً بسخرية :
- كل ده عرفتيه من كام نظرة .
- كام نظرة إيه بس دا انا كنت قاعده جانبه طول
الطريق .
نظرت لها فريدة باهتمام و قالت بتساؤل :
- أزاي يعني ؟
- مش أنا إمبارح ركبت العربية مع نهى و رامي و احنا رايحين الفرح ، إياد بقى هو صاحب رامي اللي كان سايق العربية .
غمزت لها فريدة و تحدثت بمرح قائلة :
- ما بتفوتيش حاجه أنتِ .
نظرت لها سلمى بثقه و غرور مصطنع :
- عيب عليكي .
- المهم بس سيبك من أحلامك الوردية دي و تعالي نكلم نهى .
قالت سلمى بضجر :
- إيه المعامله دي يا فريدة .
أمسكت فريدة بهاتفها و هي تقول :
- احنا نكلم نهى نطمن عليها على الأقل هي عايشة على أرض الواقع ، و خليكي أنتِ في عالم الأحلام بتاعك ده.
- صباحية مُباركة يا عروسة.
ضحكت نهى و تحدثت بسعادة قائلة :
- الله يبارك فيكي يا حبيبتي ، عقبالك.
- إيه الأخبار مبسوطة ؟
- بصراحة هطير من الفرحه ، و مش قادرة اصدق أني خلاص مع رامي في بيت واحد.
- ربنا يسعدكم كمان و كمان .
- حاسة إن ما فيش سعادة أكتر من كده و الله .
- هترجعي من شهر العسل أمتى ؟
- شهر ! ده هو أسبوع و مش كامل كمان ، هنرجع قبل ما الأسبوع يخلص عشان نلحق نرتاح من السفر قبل ما ننزل الشغل .
- تتعوض في وقت تاني إن شاء الله.
- إن شاء الله .
- خدي سلمى عايزه تكلمك .
ثم أعطت فريدة الهاتف لسلمى لتحدثها :
- و حشتيني يا نهى .
تحدثت نهى بمرح :
- أنتِ كدابه على فكرة .
- ليه بس كدة !! .
- أنا كنت لسه معاكي إمبارح ، لحقت أوحشك يعني.
تحدثت سلمى بمرحها المعتاد :
- لأ ما أنتِ هتوحشيني بعد كده فأنا بقولها لك
مُقدماً يعني.
ضحكت عليهما فريدة فهما دائماً هكذا ، بينما قالت سلمى :
- عاملة إيه مع رامي.
اجابتها نهى بسعادة :
- الحمد لله مبسوطة أوي ، عارفة يا سلمى أقسم بالله أحسن حاجه عملتيها في حياتك إنك عرفتيني على رامي .
قالت سلمى بمرح :
- يلا يا ستي عدّي الجمايل و بعدين رامي ابن خالتي يعني مش أي حد ، بس أنا بردو أدتلو الغالية يعني على الله يقدر.
ثم أردفت بجدية تلك المرة قائلةً :
- بقول لك يا نهى هو مين اللي كان سايق لكم العربية إمبارح .
- ده أياد صاحب رامي .
- ما أنا عارفه انه أياد صاحب رامي ، تعرفي إيه
تاني عنه ؟
تحدثت نهى بخبث :
- اممم هي الصنارة غمزت ولا إيه ؟!
- بطلي هزار و جاوبي على سؤالي .
- بصي أنا مش عارفة معلومات كتيرة عنه ، بس كل اللي أعرفه انه من عائلة مستواهم المادي عالي ، و والده عنده فندقين واحد فى القاهرة و التاني في الغردقة ، و هو بيدير فندق القاهرة ، و هو كان صاحب رامي في الجامعة .
- كل ده ومش عارفه عنه معلومات كتير أومال لو عارفه.
- أنا قلتلك اللي أعرفه عنه و دي حاجات ظاهريه يعني، لكن هو كشخصيه معرفش عنه حاجه ، بس أنا متوقعه أنه يكون محترم لأن رامي مش بيصاحب أي حد ، و كمان ده انتيمه فأكيد زيه يعني .
****
عادت فريدة إلى منزلها بعد إنتهاء العمل فوجت ريماس تقلب البيت رأساً على عقب بحجة أنها ترتبه ، و وجدت والدتها تعد الطعام في المطبخ ولكن يظهر عليها الأرتباك الشديد ، وحين سألت فريدة عن سبب كل ما يحدث سمعت إجابة اربكتها أو بالأحرى أغضبتها.
" جايلك عريس "
زفرت في ضيق عند سماعها تلك الجملة و هي تقول في نفسها
" ألم يملوا من كثرة رفضي للخُطاب ؟ ألم يفهموا وجهة نظري ؟ أنا لن أتزوج بتلك الطريقة القديمة ، لقد عشتُ طفولتي و شبابي و أنا أُعاني من قسوة أبي و تحجر قلبه ، لقد عشتُ عمراً طويلاً ولم أستطع فيه أن أحب والدي ، و لم يكن لي أخ ليُشعرني بالحنان والأمان ، ولذلك عشتُ عمري بالكامل و أنا أنتظر فارس أحلامي الذي سينتشلني من بحر القسوة الغارقتُ أنا فيه و يملأ وريدي بنهر حنانه الفياض و تُحصني ضلوعه و أنا أغفى بأحضانه و مهما حدث أنا لن استسلم و لن أتزوج غير ذلك الرجل الذي لا أعرفه حتى الآن و لكن يراوغني شعور منذ فترة بأنه أقترب ، أقترب موعد القاء و أشعر أنه سيظهر أمامي قريباً " .
الفصل الثالث من هنا