رواية نجمة الباشا الفصل الخامس 5 كاملة
رواية نجمة الباشا كاملة
من هنا
من هنا
الفصل الخامس:
مر اسبوعين منذ أوصلها سليم أمام منزلها دون ان ينفذ تهديداته بمحادثه أهلها وفضح أمر خروجها مع زملاءها الشبان، ومن وقتها لم يحادثها ولم يعيرها اهتمام كالسابق، بل يحاول معاقبتها بالتجاهل، فكرت في غل لأنه بالفعل يشعرها بالحزن والشفقة على الذات في غيابه.
هزت قدمها بعصبية وهي جالسة على فراشها تقضم أظافرها، مَن يظن نفسه هذا المتعجرف، هي أساسًا لا تتمنى سوى أن يخرج من حياتها نهائيًا!
كانت تردد لنفسها تلك الكلمات، ولكنها كأي أنثى تُظهر قشرة الرفض والبرود، إلا أن أسفل تلك القشرة كانت روحها تتراقص فرحًا راضية بحبه وتمسكه بها، دخلت والدتها غرفتها تقاطع افكارها بتذكيرها:
-نجمة اعملي حسابك بكره متروحيش حته عشان العريس جاي.
رمشت نجمة في ذهول متسائلة:
-عريس مين يا ماما؟!
-أنتي هتشليني يا نجمة، العريس اللي كلم أبوكي من طرف عمك!
بصي جهزي طقم لطيف عشان متدوخنيش بكره وحاولي تديله فرصة بلاش تطفشيه كالعادة.
انكمشت ملامح نجمة في انزعاج واضح قبل ان تردف مستنكرة:
-ماما ده شغال في الخليج، انتي هتسبيني اسافر الخليج؟
-ايوة يا اختي بالسلامة والقلب دعيلك، احمدي ربنا العريس يتيم يعني مش هتجلطي حد من عيلته!
اخبرتها والدتها ساخرة غير مهتمة بملامح نجمة المنذهلة من اجابه والدتها، ثم زفرت وشعرت بالغيظ يتولد داخلها أكثر وأكثر، لمحت هاتفها فطالت نظرتها له قبل ان تنتفض ممسكة به مقررة الاتصال بسليم في لحظة جنون تنوي غلق تلك الصفحة نهائيًا، هذا ما أقنعت به نفسها وهي تنتظر رده المتأخر.
بينما على الطرف الآخر كان سليم يتابع أسمها المُنير لشاشة هاتفه في تأني وتفكير فقد كان متخذ قرارًا بعدم الاقتراب منها وحفظ ماء الوجه بعد نفاذ صبره معها، ولكنه في الباطن كان منتظر أن تبادر هي بالحديث وأن تأتيه معتذرة عن جنونها، التوى ثغره في ابتسامة منتصرة منبعها يقينه أنها كانت ستتصل.
أجاب في نهاية المكالمة قبل أن تفصلها مباشرةً، ليخرج صوته أجش بارد ظاهريًا .. محترقًا بالشوق داخليًا:
-أهلاً نجمه هانم بنفسها بتتصل بيا!
لا تعلم ماذا دهاها لكنها صاحت في شراسة توقعها سليم تمامًا:
-أنا مش متصلة عشان جمال عيونك على فكره!
-أنا كنت متأكد إنك هتتصلي على فكره، وده يثبتلك كلامي.
-كلام إيه يا أبو كلام؟!
-إنك بتحبيني وبتحاربي مشاعرك ليا!
أطلقت نجمه ضحكة ساخرة لا تمت للمرح بصلة فهي ضحكة تحمل غضبًا مفخخًا داخلها، قبل أن تخبره في لهجة حازمة:
-بمناسبة المشاعر أنا متصلة أقولك إن جايلي عريس بكره وهوافق عليه فياريت تمسح رقمي من عندك وإياك تتصل بيا تاني !
-نعم يا أختي؟!!
أخبرها في صدمة يشعر بالبرودة تكتنفه قبل ان تفور دماءه صاعدة دفعه واحدة نحو رأسه تغلي، فأجابته مسرعة في تشفي:
-زي ما سمعت، يعني أنا لا بحبك ولا نيله.
قالتها بلامبالاة وهي تلعب بخصلاتها بين أصابعها، وقد لمعت عينـاها متلذذة بعقابه، سعيدة بخنجر الغيرة الذي غرزته داخله وها هي ترى أثار نزيفه في نبرته الهادرة بغضب أسود وانفعال عاطفي:
-بقولك إيه شغل العيال ده مش عليا، قسمًا بالله يا نجمة واللي خلق الخلق ما هتكوني لغيري!
رفعت نجمه حاجبها في تحدي وكأنه يراها وتمتمت في ميوعة متعمدة اشعاله:
-هو عافيه، أنا عايزة اتجوز العريس ده.
زمجر سليم في شراسة ووحش الغيرة داخله يزأر مترجمًا جنونه:
-أيوه عافيه، وننوس عين أمه اللي هيجيلك أنا هكسر رجله قبل ما يفكر يطلعلك يا نجمه سمعاني؟
تأففت نجمه في ملل متعمدة إغاظته:
-كلام متوقع من بني أدم عنيف همجي عايش وسط مجرمين!
وصلها صوت ألفاظه الخارجة قبل صوت قبضته العنيفة على سطح مكتبه متابعًا بصوت يتطاير منه ألسنة اللهب:
-هو انتي لسه شوفتي عنف وهمجية، أنا هوريكي الهمجية الحقيقية، حذرتك أكتر من مرة بس الظاهر إنك مفكراني بلعب وبهزر معاكي!
سألته نجمة في برود تخفي توجسها:
-هتعمل إيه يعني؟
تنهد سليم تنهيده عميقة يتمالك بها أنفاسه المضطربة، وتحمل في جعبتها الكثير والكثير قبل أن يخبرها بنبرة خافتة مُخيفة:
-كل خير، خليها مفاجأة.
-على فكره متقدرش تعمل حاجة وقولتلك مش عايزة أشوف وشـ.....
اتسع فاهها عندما أغلق الهاتف بوجهها دون أن ينتظرها تكمل بقية جملتها، رمت الهاتف بعصبية على الفراش مرددة في نبرة مغتاظة:
-فاكر نفسه رئيس الجمهورية!
*****
في اليوم التالي ... في منزل عائلة نجمة...
كان والديها مجتمعين في حضور ذلك العريس "ننوس عين أمه"، حتى صدح صوت والد نجمه بابتسامة مُرحبة هادئة ينادي:
-هاتي الشربات يا نجمه.
داخل المطبخ كان نجمه تتحسس وجهها بتوتر علها تزيل قلقها وتوترها، توترها من الموقف الذي توضع فيه لأول مرة، وقلقها من رد فعل ذاك البربري، بدأت تشعر أن الحياة تشهر بوجهها جميع أسلحة الضغط العصبي خاصة بعد شجار والدها المعتاد مع صاحب المبني الذي يرغب في إخراجهم من البيت بحجة ان الإيجار القديم انتهى والغبي اختار هذا اليوم الشؤم من بدايتة لتجديد تهديداته الواهية ..!
تنفست بصوت مسموع قبل أن ترفع رأسها وتمسك بالصينية الموضوع عليها أكواب "الشربات" متجهه للخارج حيث أنظار الجميع سُلطت عليها كالمرصاد، بعد أن قدمت للجميع الأكواب اقتربت تجلس جوار والدتها ووالدها فقال العريس في ود:
-ماشاء الله ربنا يحميها.
حاولت نجمة رسم ابتسامة مجاملة على ثغرها، ولكن دون فائدة فكل ذرة في جسدها تنفر وتشعر بالخطأ من جلوسها معه وكأن سليم نجح في افساد حياتها بامتلاكه روحها.
أجبرت تلك الابتسامة اللعينة على وجهها لكنها قُتلت في مهدها حين صدحت طرقات عنيفة على باب المنزل، نهض والدها بسرعة يخبر العريس في هدوء مصطنع وقد ظنه المجنون صاحب المبنى:
-زي ما انت، هشوف مين ده اللي بيخبط بالشكل ده وراجع حالاً.
وبالفعل توجه نحو الباب والغضب على محياه والوعيد لكنه تجمد مكانه ما إن رأى عناصر الشرطة تداهم البيت، فسأل الضابط بتوتر فرض سيطرته:
-خير يا باشا في إيه؟
أشار الضابط بيده للعساكر من خلفه بالدخول قائلًا بصوت أجش:
-بعد اذنك كده يا حاج وهتعرف في إيه!
ابتعد على مضض ليدلف الشرطي الذي كان يتفحص المكان في ملل حتى لمح علبة من الشوكولا فوق الطاولة فنظر لأحد رجاله نظرة ذات مغزى، حرك لها الأخر رأسه بالفهم في صمت.
ابتعد الشرطي مستمرًا في التفحص حتى وصل للغرفة حيث يجلس الجميع وفي أعقابه شاهين والد نجمة تاركًا عناصر الشرطة ينتشرون في المكان من خلفهم، حاول شاهين تهدئة الذعر الخام المرتسم على نجمة هي ووالدتها لكن دون جدوى.
-تمام يا فندم لقيناه!
دخل أحد العساكر ممسكًا بعلبة الشوكولا المهداة من العريس، راقب الجميع الشرطي يفتح العلبة تحت أنظار الجميع المتعجبة ما عدا نجمة التي لديها شعور عن سبب ما يحدث لكنها تكذبه، فتحها الشرطي قليلاً مخرجًا مواد مخدرة تحت انظار الجميع المصدومة، قبل أن يقول آمرًا بما زاد صدمتهم أضعافًا:
-هاتوهم على البوكس!
شهقت نجمه في فزع وهي تمسك بوالدتها:
-هاتوهم إيه احنا عملنا إيه!!
-هو إيه اللي بيحصل يا باشا، احنا عملنا إيه؟
خرج صوت العريس المرتعب اخيرًا لكن الشرطي تجاهله وبالفعل تم سحب الجميع لسيارة الشرطة وسط اعتراضات وصياح من الجميع خاصةً العريس الهلع، ولم يستطع أي شخص تخمين ما يحدث سواها ولم يبرد الضابط نيران الخوف التي أحرقتهم بأي اجابة....!
وصلوا قسم الشرطة بعد وقت مر عليهم كالسنوات، وجلسوا جميعهم وملامحهم تحكي عن خوف طبيعي وجد مساره بين عروقهم وهم في انتظار أي توضيح، ودون أي مقدمات كان "سليم" يقتحم المكان بهدوء تام واضعًا يده في جيب سرواله يُطالعهم بنظرات متفحصة خاصة ذلك الأبله الذي تجرئ ليطلب يد مجنونته، حدجه بنظرات نارية متوعدة قبل أن يزمجر سليم بعصبية مفرطة مُخيفة:
-محمد، خدوه تحت.
امسك العسكري العريس من ياقته وسط اعتراضه ساحبًا له خلفه دون أن يعلم احد إلي أين؟
كانت رؤيه سليم بمثابة الرصاصة التي سقطت على قلب نجمه لم تتوقع للحظة أن يصل به التهور والغرور والهمجية إلى ذلك الحد....
كلما وضعت له حدًا وأقنعت نفسها أنه لن يتخطاه مهما زاد تهوره، يفاجئها هو بتخطيه وهدمه فوق رأس توقعاتها..!
تابعت عيناه الخاوية الهادئة تستقر فوق هيئتها المرتعبة حتى تقدم والد نجمه ووالدتها في وقت واحد يهتفون لسليم باستفسار متوجس:
-في إيه يا حضرة الظابط أحنا معملناش حاجة!
فأشار سليم برأسه نحو علبة الشكولاتة التي أحضرها العريس:
-علبة الشكولاتة فيها مخدرات!
شهقة الصدمة نحرت جوف جميع الحاضرين، فهز والدها رأسه نافيًا بهيستيرية:
-والله العظيم يا باشا دي هدية جابها الله يحرقه العريس معاه دي مش بتاعتنا!
-ايوة يا سعادة الباشا لو عايز تقبض على حد أقبض عليه هو،
أنا من الأول كان قلبي حاسس ان السفر ده وراه مصييه.
تدخلت والدتها المتوترة وهي تلقي بالاتهامات فوق المسكين الذي أوقعه حظه معهم، حينها تقدمت نجمه تصيح بشراسة وجرأة فاجأت الجميع:
-أنا متأكدة إنه مستحيل يعمل كده أكيد في حاجة غلط.
حينها أشار لها سليم برأسه بابتسامة صفراء دبت القلق بقلوب والديها:
-طيب يا شاطرة أنا شايف أنك تيجي معايا!
تدخل والدها المذعور يسأل في قلق تجلى على ملامحه:
-تروح فين يا باشا؟
هز سليم رأسه في هدوء وهو يشير له ولوالدها بالجلوس ومن ثم أجاب:
-لأ متقلقش يا حاج ده تحقيق فردي كلكم هتمروا بيه ورا بعض،
حضرتك أقعد ارتاح، انا مصدق ان مستحيل ناس محترمه زيكم تعمل حاجة زي كده، وان الكلب ده وقعكوا معاه.
ارادت نجمة الصراخ فيه وودت لو تمتلك من الشجاعة ما يكفي لتعترف لوالدها بطبيعة علاقتها به وانه كاذب، ولكن الخوف أخرسها، فماذا ستخبره:
ذلك الشرطي هو حبيب سابق يرغب في الانتقام مني؟!
خرجت من افكارها حين اومأت والدتها رأسها في حركات مضطربة وهي تقترب من والدها مؤكدة في امتنان:
-اه والله العظيم يا ابني احنا محترمين، منه لله البعيد ربنا يجازي ولاد الحرام ويحميك لشبابك يا ابني.
ابتسم سليم في خفوت قبل ان يلتفت لمطالعة نجمة مغمغمًا:
-هيجازيهم، هيجازيهم يا حجة!
رفع سليم يده مشيرًا لها بالخروج أمامه ففعلت على مضض من والدها القلق، سارت نجمه أمام سليم الذي دفعها للتحرك في صمت ما ان أغلق الباب وما إن ابتعدوا قليلاً عنهم حتى سألت نجمه بصوت حاد غاضب:
-تحقيق إيه أنت هتكدب الكدبة وتصدقها ولا إيه؟!
هز سليم كتفيه بلامبالاة وبرود جعلوا قلب نجمه ينتفض فزعًا بين ضلوعها خاصة حين أجابها:
-تفتكري المجرمين باخدهم فين؟!
على الحبس طبعًا.
تيقنت نجمه من صدق كلامه حينما وجدت نفسها أمام باب "الزنزانة" فعليًا، تلك اللحظة أحست نجمه أن كل شيء يدور من حولها سوى تلك الزنزانة التي تمثلت أمامها في هيئة وحش لكنها زمجرت في عناد متمسكة بفكرة عشقه لها:
-انت متقدرش تعمل كده وأنا مش هسمحلك تهني بالطريقة دي!
أشار سليم إلى أذنه ثم اردف متهكمًا:
-تسمحيلي ؟
طموحة أوي انتي يا نجمة!
ابتعدت نجمة عنه تحاول التراجع لكنه منعها ممسكًا معصمها في حزم فهتفت فيه صارخة:
-انت فاكرها سايبها أنا هوديك في داهيه لو قربت مني!
-جدعه، افتح الباب يا عسكري.
تسمرت نجمة مكانها بعيون منفرجة تتابع الباب يُفتح حتى قاطع سليم صدمتها بصوتٍ متسلِ :
-متقلقيش انا هاسيبك مع ستات جايين بتهم شبه تهمتك، مش هاوديكي مع قتالين قتلة.
تحرك بها خطوة ولكن نجمه تلقائيًا تعلقت بساعده تضغط عليه بقوة وكأنها تستنجد به هامسة في صوت مبحوح وحروف مرتعشة من الخوف:
-لأ يا سليم بالله عليك ما تسبنيش مع الناس دي ولو دقيقة واحدة.
رفع حاجبه الأيسر قائلًا في نبرة ماكرة:
-ليه ام دلال جوا هتدلعك أحلى دلع، اهي الست دي هتعجبك أوي لأنها مدوباهم عشرين القادرة.
علت انفاسها في هلع واخبرته في نبرة مهتزة من شفاها المرتعشة تناشد الحب داخله:
-أرجوك يا سليم بلاش تخوفني!
اتسعت ابتسامته الصلفة قبل أن يمسك يدها متعمد إثارة مخاوفها:
-أسف أنا بحب اخوف الناس اللي مش بترضى تتجوزني!
-لا لا أنا راضية اتجوزك!
حركت رأسها مؤكدة كلماتها، فأكمل سليم بنفس المكر الرجولي:
-هتتجوزيني حالًا؟!
تعلقت انظارها المغتاظة به لكنها أومأت برأسها موافقة تكاد تبكي كالأطفال حينما اتخذ خطوة للأمام، فتشدقت في قوة مرتعدة:
-حالًا بس مشيني وحياة امك!
كان يرغب سليم في معاقبتها أكثر ولكن الخوف السابح في عيونها اتاه بنتيجة عكسية، فوجد نفسه يتراجع ليقبض على كفها الصغير المستقر فوق ذراعه يتحسس فوقه في رقه، هامسًا لها في نبرة هادئة رغم خشونته:
-خلاص اهدي وحياة امي مش هدخلك.
استدار معها ساحبًا لها خلفه تحت أعين عناصر الشرطة المتسائلة والمجرمين المتعجبة، كانت تركض تكاد تسبقه وتجذبه هي خلفها، فشد على يديها يوقف تقدمها ثم ادخلها برفق نحو مكتبة.
أجلسها أمامه واعطاها كوب من العصير الخاص به، ثم جلس أمامها مستطرد في مشاكسة املًا في تخفيف ذبذبات خوفها:
-لما أنتي جبانه كده عامله نفسك بسبع رجالة ليه؟
زمت نجمه شفتاها ونظرت لأسفل دون إجابة، بينما استمر سليم يطالعها يحاول ازاله ضباب الغيرة المجنونة عن مخيلته.
عضت نجمة فوق شفتيها دون حديث فداخلها مضطرب متذبذب ما بين الخوف من مخالفته والعودة لكونه سليم المجنون بها، مع لمحة من الرضا المريب بفعلته السوداء.
ترجم سليم ذبذباتها كخوف مطلق وشعر بصدره يضيق لرؤيته الخوف يتملكها منه، حرك أصابعه فوق وجهه في حدة وقد طارت روح المشاكسات تمامًا من الموقف.
-أيه؟!
انتفضت نجمة المتسائلة بتلقائية في توجس تراقب تحركاته عن كثب وكأنه سيقفز عليها أي لحظة، عض شفتيه وقد اشعلت حركتها غضبه على نفسه وعليها لأنها من أوصلتهم لذلك الطريق فوجد نفسه يتهمها في حدة:
-مبسوطة دلوقتي وانا بثبتلك ان الضباط جبروت مش كده؟
فرحانه انك وصلتيني أعمل حاجة عمري ما تخيلت اني أعملها!
طالعته في صمت واستسلام لا تزال تشعر بالخطر والارتباك من اتهاماته، فازداد غيظه من صمتها الذي كان هو سببًا فيه وهتف مؤكدًا:
-أنا مش كده وعمري ما مشيت ورا رغباتي الشخصية وعلى فكرة كل مهنه فيها الشريف والفاسد،
لكن انتي مش عايزة تشوفي غير اللي يرضي جنونك وضغطتي عليا لحد ما وصلتيني لكده!
أخفضت نجمة بصرها ترغب في البكاء ولا تريد التفكير في صحة كلماته، ولا تريد اخباره انه برغم ما يحدث إلا انها متأكدة انه ليس بشخص سيء وانها تثق في انفعالاته فهو في أسوأ لحظات جنونه يحاكم نفسه قبل محاكمتها:
-أنا مجرد انسان يعني وارد أغلط أنا مش مثالي ولا نبي،
لكن أنتي وجودك في حياتي لعنة وغلطتي الوحيدة اني مش قادر أسيبك!
حرك أصبعه في الهواء يؤكد كلماته للفراغ فأغلقت عيناها باتت لا تعرف أيحادثها هي أم يحادث نفسه، لا تدري كيف تلبسها البرود وقتها لكنها ارتشفت كوب العصير دفعة واحدة ثم رفعت رأسها تتمتم في خفوت:
-رجعني عند ماما وبابا زمانهم قلقانين.
عم الصمت المكان حولهما حتى قطعه سليم حين هز رأسه مرتين عاجز عن فهمها أو فهم نفسه من الأساس، تحرك نحو الباب لكنه عادة مرة أخرى خاتمًا كلماته:
-الإنسان لما بيكون قدام متصيد للأخطاء مش بتطلع منه حاجة صح!
خليكي هنا انا هخرج اجبهم وانهي الحوار.
اخبرها سليم وهو يحارب شعوره بتأنيب الضمير فما حدث قد حدث وانتهى الأمر لكن نجمة السائلة في تردد اوقفته:
-طيب وال ... العريس؟
حينها تبخر كل شعوره بالذنب وتأجج على حافة ملامحه ذلك الوحش مسلوب التفكير المعمى بالغيرة:
-متختبريش صبري يا نجمة،
ولو صعبان عليكي، تحبي تونسيه؟
حركت نجمه رأسها نافية في عنف وبتلقائية تامة دون مبرر خرجت منها ضحكة بلهاء تفصح عن جنون المشاعر المضطربة داخلها، قائلة:
-لا ما يبقى وحيد عادي!
ارتفع حاجب سليم غير قادر على فك الإشارات التي تعطيها له تلك الشقية التي وقع صريع عشقها وكأنها لم تلاحظ مشهد خوار قواه ونفاذ صبره منذ قليل، تحرك في صمت مغادرًا لإصلاح جنونه مع عائلتها.
أما نجمة فكانت تشعر بأعاصير من فرط الانفعال والخوف الذي مرت به منذ لحظات ولكن في عبق تلك الانفعالات والمخاوف الجلية كان هناك فتيل اشتعل بين ضلوعها يُنير ما كانت تحاول اطفائه تجاه سليم..
فهناك رضا مريب بفعلته حتى وإن كان الجنون سمتها..
ترى هل المشكلة به أم بها لتشعر بمثل هذا الشعور؟!!
مر اسبوعين منذ أوصلها سليم أمام منزلها دون ان ينفذ تهديداته بمحادثه أهلها وفضح أمر خروجها مع زملاءها الشبان، ومن وقتها لم يحادثها ولم يعيرها اهتمام كالسابق، بل يحاول معاقبتها بالتجاهل، فكرت في غل لأنه بالفعل يشعرها بالحزن والشفقة على الذات في غيابه.
هزت قدمها بعصبية وهي جالسة على فراشها تقضم أظافرها، مَن يظن نفسه هذا المتعجرف، هي أساسًا لا تتمنى سوى أن يخرج من حياتها نهائيًا!
كانت تردد لنفسها تلك الكلمات، ولكنها كأي أنثى تُظهر قشرة الرفض والبرود، إلا أن أسفل تلك القشرة كانت روحها تتراقص فرحًا راضية بحبه وتمسكه بها، دخلت والدتها غرفتها تقاطع افكارها بتذكيرها:
-نجمة اعملي حسابك بكره متروحيش حته عشان العريس جاي.
رمشت نجمة في ذهول متسائلة:
-عريس مين يا ماما؟!
-أنتي هتشليني يا نجمة، العريس اللي كلم أبوكي من طرف عمك!
بصي جهزي طقم لطيف عشان متدوخنيش بكره وحاولي تديله فرصة بلاش تطفشيه كالعادة.
انكمشت ملامح نجمة في انزعاج واضح قبل ان تردف مستنكرة:
-ماما ده شغال في الخليج، انتي هتسبيني اسافر الخليج؟
-ايوة يا اختي بالسلامة والقلب دعيلك، احمدي ربنا العريس يتيم يعني مش هتجلطي حد من عيلته!
اخبرتها والدتها ساخرة غير مهتمة بملامح نجمة المنذهلة من اجابه والدتها، ثم زفرت وشعرت بالغيظ يتولد داخلها أكثر وأكثر، لمحت هاتفها فطالت نظرتها له قبل ان تنتفض ممسكة به مقررة الاتصال بسليم في لحظة جنون تنوي غلق تلك الصفحة نهائيًا، هذا ما أقنعت به نفسها وهي تنتظر رده المتأخر.
بينما على الطرف الآخر كان سليم يتابع أسمها المُنير لشاشة هاتفه في تأني وتفكير فقد كان متخذ قرارًا بعدم الاقتراب منها وحفظ ماء الوجه بعد نفاذ صبره معها، ولكنه في الباطن كان منتظر أن تبادر هي بالحديث وأن تأتيه معتذرة عن جنونها، التوى ثغره في ابتسامة منتصرة منبعها يقينه أنها كانت ستتصل.
أجاب في نهاية المكالمة قبل أن تفصلها مباشرةً، ليخرج صوته أجش بارد ظاهريًا .. محترقًا بالشوق داخليًا:
-أهلاً نجمه هانم بنفسها بتتصل بيا!
لا تعلم ماذا دهاها لكنها صاحت في شراسة توقعها سليم تمامًا:
-أنا مش متصلة عشان جمال عيونك على فكره!
-أنا كنت متأكد إنك هتتصلي على فكره، وده يثبتلك كلامي.
-كلام إيه يا أبو كلام؟!
-إنك بتحبيني وبتحاربي مشاعرك ليا!
أطلقت نجمه ضحكة ساخرة لا تمت للمرح بصلة فهي ضحكة تحمل غضبًا مفخخًا داخلها، قبل أن تخبره في لهجة حازمة:
-بمناسبة المشاعر أنا متصلة أقولك إن جايلي عريس بكره وهوافق عليه فياريت تمسح رقمي من عندك وإياك تتصل بيا تاني !
-نعم يا أختي؟!!
أخبرها في صدمة يشعر بالبرودة تكتنفه قبل ان تفور دماءه صاعدة دفعه واحدة نحو رأسه تغلي، فأجابته مسرعة في تشفي:
-زي ما سمعت، يعني أنا لا بحبك ولا نيله.
قالتها بلامبالاة وهي تلعب بخصلاتها بين أصابعها، وقد لمعت عينـاها متلذذة بعقابه، سعيدة بخنجر الغيرة الذي غرزته داخله وها هي ترى أثار نزيفه في نبرته الهادرة بغضب أسود وانفعال عاطفي:
-بقولك إيه شغل العيال ده مش عليا، قسمًا بالله يا نجمة واللي خلق الخلق ما هتكوني لغيري!
رفعت نجمه حاجبها في تحدي وكأنه يراها وتمتمت في ميوعة متعمدة اشعاله:
-هو عافيه، أنا عايزة اتجوز العريس ده.
زمجر سليم في شراسة ووحش الغيرة داخله يزأر مترجمًا جنونه:
-أيوه عافيه، وننوس عين أمه اللي هيجيلك أنا هكسر رجله قبل ما يفكر يطلعلك يا نجمه سمعاني؟
تأففت نجمه في ملل متعمدة إغاظته:
-كلام متوقع من بني أدم عنيف همجي عايش وسط مجرمين!
وصلها صوت ألفاظه الخارجة قبل صوت قبضته العنيفة على سطح مكتبه متابعًا بصوت يتطاير منه ألسنة اللهب:
-هو انتي لسه شوفتي عنف وهمجية، أنا هوريكي الهمجية الحقيقية، حذرتك أكتر من مرة بس الظاهر إنك مفكراني بلعب وبهزر معاكي!
سألته نجمة في برود تخفي توجسها:
-هتعمل إيه يعني؟
تنهد سليم تنهيده عميقة يتمالك بها أنفاسه المضطربة، وتحمل في جعبتها الكثير والكثير قبل أن يخبرها بنبرة خافتة مُخيفة:
-كل خير، خليها مفاجأة.
-على فكره متقدرش تعمل حاجة وقولتلك مش عايزة أشوف وشـ.....
اتسع فاهها عندما أغلق الهاتف بوجهها دون أن ينتظرها تكمل بقية جملتها، رمت الهاتف بعصبية على الفراش مرددة في نبرة مغتاظة:
-فاكر نفسه رئيس الجمهورية!
*****
في اليوم التالي ... في منزل عائلة نجمة...
كان والديها مجتمعين في حضور ذلك العريس "ننوس عين أمه"، حتى صدح صوت والد نجمه بابتسامة مُرحبة هادئة ينادي:
-هاتي الشربات يا نجمه.
داخل المطبخ كان نجمه تتحسس وجهها بتوتر علها تزيل قلقها وتوترها، توترها من الموقف الذي توضع فيه لأول مرة، وقلقها من رد فعل ذاك البربري، بدأت تشعر أن الحياة تشهر بوجهها جميع أسلحة الضغط العصبي خاصة بعد شجار والدها المعتاد مع صاحب المبني الذي يرغب في إخراجهم من البيت بحجة ان الإيجار القديم انتهى والغبي اختار هذا اليوم الشؤم من بدايتة لتجديد تهديداته الواهية ..!
تنفست بصوت مسموع قبل أن ترفع رأسها وتمسك بالصينية الموضوع عليها أكواب "الشربات" متجهه للخارج حيث أنظار الجميع سُلطت عليها كالمرصاد، بعد أن قدمت للجميع الأكواب اقتربت تجلس جوار والدتها ووالدها فقال العريس في ود:
-ماشاء الله ربنا يحميها.
حاولت نجمة رسم ابتسامة مجاملة على ثغرها، ولكن دون فائدة فكل ذرة في جسدها تنفر وتشعر بالخطأ من جلوسها معه وكأن سليم نجح في افساد حياتها بامتلاكه روحها.
أجبرت تلك الابتسامة اللعينة على وجهها لكنها قُتلت في مهدها حين صدحت طرقات عنيفة على باب المنزل، نهض والدها بسرعة يخبر العريس في هدوء مصطنع وقد ظنه المجنون صاحب المبنى:
-زي ما انت، هشوف مين ده اللي بيخبط بالشكل ده وراجع حالاً.
وبالفعل توجه نحو الباب والغضب على محياه والوعيد لكنه تجمد مكانه ما إن رأى عناصر الشرطة تداهم البيت، فسأل الضابط بتوتر فرض سيطرته:
-خير يا باشا في إيه؟
أشار الضابط بيده للعساكر من خلفه بالدخول قائلًا بصوت أجش:
-بعد اذنك كده يا حاج وهتعرف في إيه!
ابتعد على مضض ليدلف الشرطي الذي كان يتفحص المكان في ملل حتى لمح علبة من الشوكولا فوق الطاولة فنظر لأحد رجاله نظرة ذات مغزى، حرك لها الأخر رأسه بالفهم في صمت.
ابتعد الشرطي مستمرًا في التفحص حتى وصل للغرفة حيث يجلس الجميع وفي أعقابه شاهين والد نجمة تاركًا عناصر الشرطة ينتشرون في المكان من خلفهم، حاول شاهين تهدئة الذعر الخام المرتسم على نجمة هي ووالدتها لكن دون جدوى.
-تمام يا فندم لقيناه!
دخل أحد العساكر ممسكًا بعلبة الشوكولا المهداة من العريس، راقب الجميع الشرطي يفتح العلبة تحت أنظار الجميع المتعجبة ما عدا نجمة التي لديها شعور عن سبب ما يحدث لكنها تكذبه، فتحها الشرطي قليلاً مخرجًا مواد مخدرة تحت انظار الجميع المصدومة، قبل أن يقول آمرًا بما زاد صدمتهم أضعافًا:
-هاتوهم على البوكس!
شهقت نجمه في فزع وهي تمسك بوالدتها:
-هاتوهم إيه احنا عملنا إيه!!
-هو إيه اللي بيحصل يا باشا، احنا عملنا إيه؟
خرج صوت العريس المرتعب اخيرًا لكن الشرطي تجاهله وبالفعل تم سحب الجميع لسيارة الشرطة وسط اعتراضات وصياح من الجميع خاصةً العريس الهلع، ولم يستطع أي شخص تخمين ما يحدث سواها ولم يبرد الضابط نيران الخوف التي أحرقتهم بأي اجابة....!
وصلوا قسم الشرطة بعد وقت مر عليهم كالسنوات، وجلسوا جميعهم وملامحهم تحكي عن خوف طبيعي وجد مساره بين عروقهم وهم في انتظار أي توضيح، ودون أي مقدمات كان "سليم" يقتحم المكان بهدوء تام واضعًا يده في جيب سرواله يُطالعهم بنظرات متفحصة خاصة ذلك الأبله الذي تجرئ ليطلب يد مجنونته، حدجه بنظرات نارية متوعدة قبل أن يزمجر سليم بعصبية مفرطة مُخيفة:
-محمد، خدوه تحت.
امسك العسكري العريس من ياقته وسط اعتراضه ساحبًا له خلفه دون أن يعلم احد إلي أين؟
كانت رؤيه سليم بمثابة الرصاصة التي سقطت على قلب نجمه لم تتوقع للحظة أن يصل به التهور والغرور والهمجية إلى ذلك الحد....
كلما وضعت له حدًا وأقنعت نفسها أنه لن يتخطاه مهما زاد تهوره، يفاجئها هو بتخطيه وهدمه فوق رأس توقعاتها..!
تابعت عيناه الخاوية الهادئة تستقر فوق هيئتها المرتعبة حتى تقدم والد نجمه ووالدتها في وقت واحد يهتفون لسليم باستفسار متوجس:
-في إيه يا حضرة الظابط أحنا معملناش حاجة!
فأشار سليم برأسه نحو علبة الشكولاتة التي أحضرها العريس:
-علبة الشكولاتة فيها مخدرات!
شهقة الصدمة نحرت جوف جميع الحاضرين، فهز والدها رأسه نافيًا بهيستيرية:
-والله العظيم يا باشا دي هدية جابها الله يحرقه العريس معاه دي مش بتاعتنا!
-ايوة يا سعادة الباشا لو عايز تقبض على حد أقبض عليه هو،
أنا من الأول كان قلبي حاسس ان السفر ده وراه مصييه.
تدخلت والدتها المتوترة وهي تلقي بالاتهامات فوق المسكين الذي أوقعه حظه معهم، حينها تقدمت نجمه تصيح بشراسة وجرأة فاجأت الجميع:
-أنا متأكدة إنه مستحيل يعمل كده أكيد في حاجة غلط.
حينها أشار لها سليم برأسه بابتسامة صفراء دبت القلق بقلوب والديها:
-طيب يا شاطرة أنا شايف أنك تيجي معايا!
تدخل والدها المذعور يسأل في قلق تجلى على ملامحه:
-تروح فين يا باشا؟
هز سليم رأسه في هدوء وهو يشير له ولوالدها بالجلوس ومن ثم أجاب:
-لأ متقلقش يا حاج ده تحقيق فردي كلكم هتمروا بيه ورا بعض،
حضرتك أقعد ارتاح، انا مصدق ان مستحيل ناس محترمه زيكم تعمل حاجة زي كده، وان الكلب ده وقعكوا معاه.
ارادت نجمة الصراخ فيه وودت لو تمتلك من الشجاعة ما يكفي لتعترف لوالدها بطبيعة علاقتها به وانه كاذب، ولكن الخوف أخرسها، فماذا ستخبره:
ذلك الشرطي هو حبيب سابق يرغب في الانتقام مني؟!
خرجت من افكارها حين اومأت والدتها رأسها في حركات مضطربة وهي تقترب من والدها مؤكدة في امتنان:
-اه والله العظيم يا ابني احنا محترمين، منه لله البعيد ربنا يجازي ولاد الحرام ويحميك لشبابك يا ابني.
ابتسم سليم في خفوت قبل ان يلتفت لمطالعة نجمة مغمغمًا:
-هيجازيهم، هيجازيهم يا حجة!
رفع سليم يده مشيرًا لها بالخروج أمامه ففعلت على مضض من والدها القلق، سارت نجمه أمام سليم الذي دفعها للتحرك في صمت ما ان أغلق الباب وما إن ابتعدوا قليلاً عنهم حتى سألت نجمه بصوت حاد غاضب:
-تحقيق إيه أنت هتكدب الكدبة وتصدقها ولا إيه؟!
هز سليم كتفيه بلامبالاة وبرود جعلوا قلب نجمه ينتفض فزعًا بين ضلوعها خاصة حين أجابها:
-تفتكري المجرمين باخدهم فين؟!
على الحبس طبعًا.
تيقنت نجمه من صدق كلامه حينما وجدت نفسها أمام باب "الزنزانة" فعليًا، تلك اللحظة أحست نجمه أن كل شيء يدور من حولها سوى تلك الزنزانة التي تمثلت أمامها في هيئة وحش لكنها زمجرت في عناد متمسكة بفكرة عشقه لها:
-انت متقدرش تعمل كده وأنا مش هسمحلك تهني بالطريقة دي!
أشار سليم إلى أذنه ثم اردف متهكمًا:
-تسمحيلي ؟
طموحة أوي انتي يا نجمة!
ابتعدت نجمة عنه تحاول التراجع لكنه منعها ممسكًا معصمها في حزم فهتفت فيه صارخة:
-انت فاكرها سايبها أنا هوديك في داهيه لو قربت مني!
-جدعه، افتح الباب يا عسكري.
تسمرت نجمة مكانها بعيون منفرجة تتابع الباب يُفتح حتى قاطع سليم صدمتها بصوتٍ متسلِ :
-متقلقيش انا هاسيبك مع ستات جايين بتهم شبه تهمتك، مش هاوديكي مع قتالين قتلة.
تحرك بها خطوة ولكن نجمه تلقائيًا تعلقت بساعده تضغط عليه بقوة وكأنها تستنجد به هامسة في صوت مبحوح وحروف مرتعشة من الخوف:
-لأ يا سليم بالله عليك ما تسبنيش مع الناس دي ولو دقيقة واحدة.
رفع حاجبه الأيسر قائلًا في نبرة ماكرة:
-ليه ام دلال جوا هتدلعك أحلى دلع، اهي الست دي هتعجبك أوي لأنها مدوباهم عشرين القادرة.
علت انفاسها في هلع واخبرته في نبرة مهتزة من شفاها المرتعشة تناشد الحب داخله:
-أرجوك يا سليم بلاش تخوفني!
اتسعت ابتسامته الصلفة قبل أن يمسك يدها متعمد إثارة مخاوفها:
-أسف أنا بحب اخوف الناس اللي مش بترضى تتجوزني!
-لا لا أنا راضية اتجوزك!
حركت رأسها مؤكدة كلماتها، فأكمل سليم بنفس المكر الرجولي:
-هتتجوزيني حالًا؟!
تعلقت انظارها المغتاظة به لكنها أومأت برأسها موافقة تكاد تبكي كالأطفال حينما اتخذ خطوة للأمام، فتشدقت في قوة مرتعدة:
-حالًا بس مشيني وحياة امك!
كان يرغب سليم في معاقبتها أكثر ولكن الخوف السابح في عيونها اتاه بنتيجة عكسية، فوجد نفسه يتراجع ليقبض على كفها الصغير المستقر فوق ذراعه يتحسس فوقه في رقه، هامسًا لها في نبرة هادئة رغم خشونته:
-خلاص اهدي وحياة امي مش هدخلك.
استدار معها ساحبًا لها خلفه تحت أعين عناصر الشرطة المتسائلة والمجرمين المتعجبة، كانت تركض تكاد تسبقه وتجذبه هي خلفها، فشد على يديها يوقف تقدمها ثم ادخلها برفق نحو مكتبة.
أجلسها أمامه واعطاها كوب من العصير الخاص به، ثم جلس أمامها مستطرد في مشاكسة املًا في تخفيف ذبذبات خوفها:
-لما أنتي جبانه كده عامله نفسك بسبع رجالة ليه؟
زمت نجمه شفتاها ونظرت لأسفل دون إجابة، بينما استمر سليم يطالعها يحاول ازاله ضباب الغيرة المجنونة عن مخيلته.
عضت نجمة فوق شفتيها دون حديث فداخلها مضطرب متذبذب ما بين الخوف من مخالفته والعودة لكونه سليم المجنون بها، مع لمحة من الرضا المريب بفعلته السوداء.
ترجم سليم ذبذباتها كخوف مطلق وشعر بصدره يضيق لرؤيته الخوف يتملكها منه، حرك أصابعه فوق وجهه في حدة وقد طارت روح المشاكسات تمامًا من الموقف.
-أيه؟!
انتفضت نجمة المتسائلة بتلقائية في توجس تراقب تحركاته عن كثب وكأنه سيقفز عليها أي لحظة، عض شفتيه وقد اشعلت حركتها غضبه على نفسه وعليها لأنها من أوصلتهم لذلك الطريق فوجد نفسه يتهمها في حدة:
-مبسوطة دلوقتي وانا بثبتلك ان الضباط جبروت مش كده؟
فرحانه انك وصلتيني أعمل حاجة عمري ما تخيلت اني أعملها!
طالعته في صمت واستسلام لا تزال تشعر بالخطر والارتباك من اتهاماته، فازداد غيظه من صمتها الذي كان هو سببًا فيه وهتف مؤكدًا:
-أنا مش كده وعمري ما مشيت ورا رغباتي الشخصية وعلى فكرة كل مهنه فيها الشريف والفاسد،
لكن انتي مش عايزة تشوفي غير اللي يرضي جنونك وضغطتي عليا لحد ما وصلتيني لكده!
أخفضت نجمة بصرها ترغب في البكاء ولا تريد التفكير في صحة كلماته، ولا تريد اخباره انه برغم ما يحدث إلا انها متأكدة انه ليس بشخص سيء وانها تثق في انفعالاته فهو في أسوأ لحظات جنونه يحاكم نفسه قبل محاكمتها:
-أنا مجرد انسان يعني وارد أغلط أنا مش مثالي ولا نبي،
لكن أنتي وجودك في حياتي لعنة وغلطتي الوحيدة اني مش قادر أسيبك!
حرك أصبعه في الهواء يؤكد كلماته للفراغ فأغلقت عيناها باتت لا تعرف أيحادثها هي أم يحادث نفسه، لا تدري كيف تلبسها البرود وقتها لكنها ارتشفت كوب العصير دفعة واحدة ثم رفعت رأسها تتمتم في خفوت:
-رجعني عند ماما وبابا زمانهم قلقانين.
عم الصمت المكان حولهما حتى قطعه سليم حين هز رأسه مرتين عاجز عن فهمها أو فهم نفسه من الأساس، تحرك نحو الباب لكنه عادة مرة أخرى خاتمًا كلماته:
-الإنسان لما بيكون قدام متصيد للأخطاء مش بتطلع منه حاجة صح!
خليكي هنا انا هخرج اجبهم وانهي الحوار.
اخبرها سليم وهو يحارب شعوره بتأنيب الضمير فما حدث قد حدث وانتهى الأمر لكن نجمة السائلة في تردد اوقفته:
-طيب وال ... العريس؟
حينها تبخر كل شعوره بالذنب وتأجج على حافة ملامحه ذلك الوحش مسلوب التفكير المعمى بالغيرة:
-متختبريش صبري يا نجمة،
ولو صعبان عليكي، تحبي تونسيه؟
حركت نجمه رأسها نافية في عنف وبتلقائية تامة دون مبرر خرجت منها ضحكة بلهاء تفصح عن جنون المشاعر المضطربة داخلها، قائلة:
-لا ما يبقى وحيد عادي!
ارتفع حاجب سليم غير قادر على فك الإشارات التي تعطيها له تلك الشقية التي وقع صريع عشقها وكأنها لم تلاحظ مشهد خوار قواه ونفاذ صبره منذ قليل، تحرك في صمت مغادرًا لإصلاح جنونه مع عائلتها.
أما نجمة فكانت تشعر بأعاصير من فرط الانفعال والخوف الذي مرت به منذ لحظات ولكن في عبق تلك الانفعالات والمخاوف الجلية كان هناك فتيل اشتعل بين ضلوعها يُنير ما كانت تحاول اطفائه تجاه سليم..
فهناك رضا مريب بفعلته حتى وإن كان الجنون سمتها..
ترى هل المشكلة به أم بها لتشعر بمثل هذا الشعور؟!!