رواية يناديها عائش الفصل الرابع 4 بقلم نرمينا راضي
إن الإعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة.
1
*******
+
جّن الليل، و أسدل ستائره بألوانها السوداء المخملية، و أقبل القمرُ مختالًا مرتديًا عباءتهُ الفضيةَ، والصمت يتخلل الأجواء، ويزحف بخطاهِ الواثقةَ يسودُ الهدوءَ الكرةََ الأرضيةَ، تنامُ أعَين، وتبقى أعين البعض منها مجتّرة بالآلام، والبعض يأكل قلبه نار الشوق لحبيبه، و قِلة من الناس يقومون الليل بتناجي و خشوع.
1
وقفت هاجر في شُرفة غرفتها تستنشق بعض نسمات الليل العطرة، وهي تتأمل سطوع القمر بوجهٍ شاحب حزين، تستذكر ما حدث البارحة؛ حين أدركت و استوعبت فراق ابن عمها و حبيبها لها.
+
تنهدت بعمق لتردف بصوت حزين و عيناها معلقة على السماء
+
" ساعدني يارب.. أنا حاسة إن بدأت أيأس.. حاسة إن مبقتش قادرة أقاوم... حاسة إني ضعيفة أوي يارب"
+
مسحت على وجهها بتعب..لحظات و انتبهت لوميض من النور يشع من غرفة زياد المقابلة لشرفة غرفتها.
+
رجعت للوراء؛ لتتوارى خلف الحائط..فعلى الرغم من ردائها الفضفاض المحتشم إلا أنها تشتعل خجلًا إذا وقع بصرها عليه.. ظللت تتأمله من خلف زجاج النافذة، فوجدته يحطم كل شيء بغرفته و هو يصيح بكلمات غير مفهومة.. !
+
أغمضت هاجر عينيها بألم، و انحدرت الدموع من مُقلتيها بحزن شديد على حالته التي تسوء يومًا بعد يوم دون أن تعرف السبب، ظنت بأن مرضها هو سبب ابتعاده عنها؛ لذا اكتفت بالصمت وعدم البوح له بشيء.
+
همست بحزن وهي تغلق النافذة وتعود للداخل
+
"ربنا يهديك يا زياد.. أنت مكنتش كده.. ايه اللي حصلك بس... ربنا يهدي سرك و يصلح حالك و يرزقك باللي تعوضك عني و تعيشك الأيام الحلوة اللي أنا معرفتش أعيشهالك"
+
قالت جملتها الآخيرة، ثم انفجرت في البكاء بصوت عالي مزق أحشاء السكون..
+
وضعت يدها على فمها تكتم أصوات شهقاتها المتتالية..ثم اتجهت لتجلس على الفراش وهي مازالت تبكي بصمت..
كم تشتاق له ولمزحاته السخيفة التي لطالما أضحكتها و بشدة بخلاف باقي أفراد العائلة..
+
لم يخطر على بالها يومًا أن يبتعد عنها و يفترق كل منهما لواجهته، لطالما جمعهما نفس الطريق و الواجهة، لم تضع في الحسبان أننا مؤقتون في حياة بعضنا البعض.
+
مسحت دموعها ثم نظرت في ساعة الهاتف فوجدتها الثانية ليلًا.. ابتسمت ببساطة و نهضت لتفترش سجادة الصلاة ثم اتجهت للمرحاض لتتوضأ استعدادًا لمقابلة الله حبيبها.
+
توضأت هاجر جيدًا، و ارتدت ملابس الصلاة لتقف مستقبلة القبلة قائلة بابتسامة عذبة
+
" وحشتني أوي.. وحشتني أوي يا حبيبي.. بقالي يومين نفسيتي تعبانة و عاوزه احكيلك على حجات كتير أوي... بس هصلي ركعتين قيام الليل واحكيلك على كل اللي حاسة بيه
6
صلت هاجر ركعتي قيام الليل بخشوع..و سلمت عن يمينها و عن شمالها، ثم مسحت على وجهها برقة، و رفعت رأسها للاعلى قليلًا لتبتسم بحب قائلة
+
" أنا عارفة إن عزتك و جلالك عالم كل حاجة عن عبادك و عالم هما بيفكروا في ايه وحاسين بايه...بس أنا برتاح لما احكيلك على اللي جوايا..أنا عارفة يارب إنك الواحد الأحد اللي مش هتتخلى عن عبدك مهما حصل...أنت رحيم وحنين أوي يارب...خليك معايا دايمًا...أنا متأكدة إنك مش هتسيبني زيهم، أنا عندي حسن ظن كبير بك يارب "
1
تنهّدت بإرتياح ولزمت الصمت لثوان ثم تابعت بعيون دامعة و قلب متألم
+
" عارف يا ربنا.. أنا بحب زياد أوي... ايوه مكنتش بعبرله عن ده بكلام حب زي اللي بيطلبه مني لأن عارفة ضوابط الخطوبة.. وأنا بحبك ياربنا ومش عاوزاك تزعل مني... بس زياد كان بيزهق ويقولي أنتِ مش بتحبيني وكلام كتير كان بيوجعني... بس اللي مخليني أحبه أوي... إنه حنين.. هو طيب يارب و على نياته و متأكدة إنه بيحبني... بس معرفش ليه سابني... حتى مقاليش السبب
2
صمتت لتتنفس بعمق، فبكت ثانيةً بقلة حيلة ثم تابعت
+
" أنا تعبانة أوي يارب...مش عارفه الاقيها منين ولا منين...حجات كتير بقت داخلة في بعضها وكل حاجة ضدي...زياد سابني و التعب بيزيد عليا وده مأثر على دراستي و مشروعي مش هنجح فيه..أنا تعبانة أوي والله ياربنا...متزعلش مني بس أنا حاسة بضعف و يأس "
+
مسحت دموعها ثم فتحت المصحف لتتلو بعض الآيات..تهدهد بها قلبها..
+
فتحت هاجر المصحف بتلقائية فوقعت عيناها على تلك الآية
+
لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها
3
نمت على شفتاها ابتسامة مشرقة لتقول بنبرة سعيدة
+
"أكيد دي إشارة منك ياحبيبي"
+
نظرت للأعلى و هي تحتضن المصحف بعشق وسعادة وقالت
+
" آسفة يا حبيبي متزعلش مني..أنا لا يمكن أيأس تاني...أنت رحيم أوي يارب..خلاص يارب وعد مني هصبر على أي حاجة..أنا عارفة إن اللي بيصبر على البلاء ده ليه أجر عظيم...وأنا هصبر عشان أشوف اجري يارب، و كمان أنا راضية بأي حاجه المهم رضاك يا رحمن"
+
دوى صوت آذان الفجر في الحارة بأكلمها.. أستعدت هاجر لصلاة الفجر...لحظات وسمعت صوت طرقات رقيقة على الباب فابتسمت بخفوت تعلم أنه بدر شقيقها وقد جاء لتنبيهها بصلاة الفجر ولكن لايعلم بدر عن حوار أخته كل يوم مع الله..
+
فتحت هاجر الباب لتقابلة بابتسامة رقيقة فبادلها الابتسامة بحنان ثم قبْلها من جبينها قائلًا
+
-- عاملة ايه دلوقتي
+
أجابت بسعادة
+
-- الحمدلله على كل شيء..أكيد هبقى كويسة طول ما ربنا معايا