اخر الروايات

رواية انا وانت يساوي الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة محمد

رواية انا وانت يساوي الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة محمد


الفصـل الثاني عشر

وقف ينفث أدخنة سيجارته مستندا إلى الجدار الخارجي للفندق، يده الأخرى في جيبه ونظارته الشمسية تخفي عيونه التي كانت تتبع تحركاتها بالمرصاد.
كانت تركض هنا وهناك خلفها أطفال وأمامها صغار، هذا عالمها الذي تنتمي إليه، هؤلاء هم رفاقها، فبرغم إرتفاعها عنهم عدة سنتيمترات إلا أنا قلبها وروحها تشاركهم أعمارهم.
أصابها الركض والحر بالتعب فاستجارت بظل شجرة وارفة تُلقي ظلالها فوق أرجوحة واسعة، جلست إليها تلتقط أنفاسها وتعيد قلبها إلى دقاته المنتظمة.
دعس فوق عُقب سيجارته واتجه إليها، دون حديث جلس إلى جوارها ودفع الأرجوحة للإهتزاز بقدمه الثابتة فوق حشائش الأرض.
سألها بعد أن استمر الصمت وطالت فترة تجاهلها لوجوده: لسه مضايقه ؟
- من إيه ؟
- من أهلك
هزت كتفيها بقلة إهتمام: اتعودت
استدار إليها مغتاظا من طريقتها، تجاهلها له زاد عن حده وتصرفتها معه أثارت حنقه، هتف فيها ثائرا: إيه اللي غيرك فجأة كدا ؟ .. بقيتي باردة ومستفزة .. إيه اللي حصل عشان تتحولي بالشكل دا ؟
رمته بنظرة جليدية ثم نهضت تحدثه ببرود يخفي خلفه ثورة وغيظ: مجنونة بقى تقول إيه
قبض كفيه بشدة، كبح نفسه من الذهاب خلفها وإلقاءها فوق ركبتيه مسددا صفعات متوالية فوق مؤخرتها حتى تصحو إلى نفسها مجددا.
اكتفى بمراقبتها تعود للهو مع سيف وأصدقاءه الجدد، وأخرج لفافة تبغ أخرى وبدأ في التدخين منفثا فيها غضبه العارم.
***
سرحت بنظراتها في ذرات الماء أمامها: آدم أنا عرفته بالصدفة .. كانت واحدة صاحبتي مامتها تعبانه بمرض ف القلب، كنت معاها لما جاتلها جلطه .. أخدناها المستشفى وكان آدم هو اللي استقبل الحالة ومسئول عنها .. كنت بأحس منه بنظرات إعجاب بس طنشتها.
كنت بأروح أقعد مع مامت صاحبتي بالنهار؛ عشان صاحبتي بتشتغل ورئيسها ف الشغل منع عنها الأجازات ورافض الموضوع حتى علشان والدتها .. وهي محتاجه الشغل لإنها بتصرف بيه على علاج مامتها وعلى نفسها .. خصوصا مصاريف المستشفى اللي زادت دي.
المهم يعني هي تقعد معاها بالليل وأنا بالنهار حتى هو كان بيزور مامتها بالنهار؛ مع إني اللي عرفته بعد كدا إن نبطشيته أصلا بالليل بس ما حطتش ف دماغي .. وكان كل ما يحاول يكلمني أصده وأقفل الكلام معاه، بعد كدا جه اليوم اللي هتخرج فيه مامتها وروحت معاها الحسابات عشان ندفع الفلوس، علشان لو فلوسها ما كملتش أكملها أنا بس اكتشفنا إن الدكتور تنازل عن الفلوس بتاعت العملية اللي عملها ودا شال هم كبير من على صاحبتي فقالت إنها لازم تروح تشكره وأخدتني معاها .. وكانت مامتها مستنيانا ف الأوضه بتاعتها، روحنا شكرناه وحسيت إنه بيبصلي بتركيز أوي .. فأضايقت من نظراته .. ما انكرش إن عينه زرقه تجنن ولا شعره كان سايح يهبل ولا جسمه الموزون اللي ما يناسبش دكتور -يعني اللي على طول كلهم بكرش- ولا سنه الصغير اللي عكس خبرته المهنية وحرفيته ف شغله.
قولت لصاحبتي إني هاستناها برا لحد ما تخلص كلام معاه وبعد شويه خرجت ورايا وبصتلي بخبث وقالتلي (يلا بينا يا جامد) .. أنا ما ركزتش معاها؛ عشان متعودة منها على كلام زي دا كتير .. روحت عادي وبعدها مافيش يومين بابا جه وقالي إن في واحد متقدملي وجاي إنهارده .. قولت وماله جهزت نفسي وكله تمام.
أدخل عليهم الصالون ألاقيه هو، آدم .. طبعا اتمسمرت مكاني والصدمة بانت على وشي .. كان فرحان من رد فعلي أوي وكان ماسك روحه بالعافية من الضحك اللي كان نفسه يضحكه .. فوقت وروحت قعدت وفضلوا يتكلموا فترة لحد ما ..
بابا قال: طب نسيبكم إحنا شويه
سابنا ولاقيت آدم جه قعد ع الكرسي اللي جنبي وفجأة لاقتني بأقوله: أنت جبت نمرة بابا منين؟
هو وقتها ماقدرش يمسك روحه أكتر م كدا وفضل يضحك وأنا متغاظه .. بيضحك على إيه العبيط دا ؟ هو أنا قولت نكتة ؟ بس فجأة اتقلب 180 درجة.
جاوبني بكل جدية: أخدته من صاحبتك بعد ما خرجتي وسبتينا آخر يوم ف المستشفى ..
وقتها حسيت إني عايزه أمسك فرقبتها وأقولها أديتهاله ليه .. طب ما قولتليش ليه ؟! .. كأنه عرف بأفكر ف إيه راح قالي: أنا قولتلها ما تجبلكيش سيرة عشان أشوف رد فعلك بنفسي لما تلاقيني هنا
ندى مغتاظة: وعرفته؟
ابتسم آدم: أيوه
- طب أشمعنه أنا؟
آدم بجدية وحنان في ذات الوقت: علشان من ساعة ما شوفتك دخلتي قلبي، ولما حاولت أكلمك وصدتيني عرفت إن دي اللي أقدر أأتمنها على حياتي، حسيت إني مش هأقدر أبعد عنك أكتر من كدا
صدمت من حديثه بشدة ومن كم الرومانسية التي يتحلى بها: بس أنت ما تعرفنيش كويس
اتسعت ابتسامته: ما أنا جيت ودخلت البيت من بابه أهو عشان أعرفك كويس
أردف عندما لم ترد: تحبي تعرفي عني إيه؟
صدمها الموقف ونسيت ما رتبته من أسئلة لمن يتقدم لخطبتها: مش عارفه .. أتكلم أنت
أومأ وبدأ يقص عليها ملخصا عن حياته بهدوء: اسمي آدم الحناوي 28 سنة .. دكتور تخصصي الباطنة خصوصا أمراض القلب وخلافه، مقطوع من شجرة لا أب ولا أم ولا أخوات .. عندي حته أرض ف أسيوط بلدي، بأشتغل ف المستشفى اللي شوفتيني فيها بمرتب 3000 جنيه غير طبعا العمليات
قاطعته بغتة: أنا ما يهمنيش مرتبك
جال ببصره في أنحاء المنزل نظر: واضح .. بس عشان أثبتلك إني أقدر أعيشك ف نفس المستوى تقريبا
أثار حنقها بكلماته، ظنه بها وأن عقلها صغير لتهتم بتلك الهوامش أجج غضبها: أنا لو رضيت بيك ووافقت عليك مش هيهمني حتى لو عشت معاك ف كشك
ابتسامة معجبة لمعت فوق شفتيه: وأنا لو ما كنتش واثق من كدا ما كنتش جيت؛ لإن الفلوس ممكن ف أي لحظه تروح .. وقتها لو كان عندي شك إنك ممكن تسيبيني، أنا ماكنتش تعبت نفسي ولا تعبتك بمجيتي
نظرت إليه بصمت تحاول فهمه وتحليله حتى قاطع تفكيرها متساءلا: وإنتي مش هتكلميني عن نفسك؟
- يعني أنت عايز تقنعني إنك مش عارف كل حاجه عني قبل ما تيجي تتقدم؟
-لا عارف .. بس أحب أسمع منك
- ندى ياسين السويفي عشرين سنة خريجة إعلام مش بأشتغل وعندي أخين أكرم أكبر مني على طول بـ 3 سنين وأحمد أكبر واحد وهو أكبر من أكرم بـسنتين .. وماما وبابا أنت عارفهم
تناولت رشفة من كوب العصير أمامها ونظرت لصديقتها مكملة: بعد كدا بدأ يجي كل يوم ونخرج سوا طبعا ف وجود أحمد أو أكرم معانا وبدأنا نجهز بيتنا .. كانت عندي شكوكي ناحيته وقلقانه إنه ما يكونش الصدر الحنين بتاعي؛ لإن من بعد أول مره جه فيها عمره ما قالي كلمة حلوة .. يعني كل كلامنا مقتصر على .. إزيك .. عامله إيه اخبار شغلك .. بتقضي وقتك إزاي .. كدا.
لحد ما جه يوم بابا تعب فيه جدا بسبب مشكلة ف الشغل ودخل العناية المركزة، وقتها لاقيته جنبي باستمرار ما بيسبنيش ولا لحظة .. قاعد ف المستشفى 24 ساعة .. فضل أسبوع كامل ع الحال دا، يهزر معايا علشان أضحك .. يكلمني عشان ينسيني اللي أنا فيه .. يفضل ورايا لحد ما أخلص أكلي عشان ما يحصليش حاجه .. كنت حاسه إن دا فعلا سندي
في الأسبوع دا قربت منه وحبيته بجد أكتر ما حبيته ف الأربع شهور اللي فاتوا بتوع الخطوبة، ولما خرج بابا من المستشفى بعدها بيومين جه وطلب نكتب الكتاب ويكون الفرح بعدها بأسبوعين .. بابا طبعا كان مستني الفرصة دي لإن بعد الأزمة اللي جاتله خاف يحصله حاجه قبل ما أتجوز .. فكان موافق جدا وماما كانت عايزة تخلص من هم الفرح .. عشان تتفرغ لبابا وصحته .. أكرم كان وقتها شغال ف الماجستير بتاعته وأحمد استلم شغل بابا لإن الدكتور منعه إنه يبذل أي مجهود .. فكانت الفترة دي تقيله أوي على قلبي لإني مش عارفه أخرج مع آدم خالص عشان مافيش محرم معانا.
المهم وافقت على كتب الكتاب وكنت هأطير م الفرح، كان الود ودي أتجوزه من دلوقتي .. بعد كتب الكتاب بقينا نخرج ونقعد براحتنا .. بقيت أسمع منه كلام ما تخيلتش إنه ممكن يقولهولي .. وبقيت اتكسف وأقوله خلاص ما تكملش .. مع إني كنت قبل كدا هأموت على كلمة واحدة منهم .. كانت بجد أسعد أيام حياتي من غير مبالغة .. وجه بقى يوم الفرح وكنت هأموت م الخوف وف نفس الوقت الفرحة مش سيعاني .. جه ياخدني من الأوضه في الفندق اللي فيه الفرح وأول ما شافني فضل يبصلي نظرة عمري ما هنساها .. كلها حب وحنية وشوق.
- بجد القمر دا خلاص هيبقى ليا أنا بس؟
خجلت ندى من كلماته فصمتت لكن عبرت وجنتيها وابتسامتها عن مدى سعادتها بأحرفه البسيطة.
آدم بحنان: طب يلا نروح للمعازيم اللي تحت دول؛ عشان أخدك ونطير على شهر العسل
أومأت ندى ذاهبة معه إلى أي مكان مادامت برفقته، انتهى العرس بكل ما فيه من رقص وضجة وانطلق العروسان إلى المطار؛ مسافرين إلى باريس لقضاء شهر العسل الذي كان هدية من والديها فرحة بذلك الابن الذي أنضم إلى عائلتهم حديثا.
في الطائرة ظل آدم يلقي على مسامعها كلمات تذيب القلب ولها بالرغم من بساطتها، تخرج من قلبه فتصل إلى قلبها دون تردد إلى أن وصلوا إلى جناح العرائس في فندق ضخم يقع في أحد أشهر مدن العالم .. باريس.
كان جناحا جماله لم يخطر لهما على بال، قد أعده القائمون على المكان تحت إرشادات والدة العروس ليخرج أجمل ما يكون، تناثرت وريقات الزهور فوق الفراش ووزعت الشموع العطرة في الأركان كما تدلت الزينات من السقف لتحيط الفراش.
آدم متبسما: تحبي تدخلي الحمام إنتي الأول ولا أنا ؟
أجابت ندى بسرعة: لا لا أنا هأدخل الأول
قهقه: ما تخفيش المايه مش هتخلص
سحبت ملابسها من الحقيبة على عجل وهرولت إلى الحمام، وقف آدم يتابعها بنظراته مبتسما من خجلها ورقتها الشديدة.
خرجت بعد دقائق مرتدية قميص نوم زهري يصل إلى ما بعد الركبة ظهره عبارة عن خيوط متشابكة، أرتدت فوقه مأزرا من نفس القماش الحريري الناعم، نظر لها آدم من ثم سحب ملابسه ودخل إلى الحمام.
وقفت أمام النافذة تحاول أن تهدئ من روعها وتلهي نفسها بذلك المنظر البديع للمدينة التي لطالما عشقتها، كانت مستغرقة في تأملاتها فلم تشعر بخروج زوجها من الحمام مرتديا بنطال بيجامته وفقط، اتجه إليها وضمها من الخلف مما أدى إلى إرتعاشها لقربه منها ومن رائحته التي نفذت إلى أنفها مزكمة إياها.
استنشق عبيرها عاشقا: كان نفسي أشم ريحتك دي من زمان
جمع خصلات شعرها على أحد كتفيها واقترب من رقبتها ليشبع أنفه من رائحتها الزكية الفواحة، أغمضت ندى عينيها محاولة إعادة دقات قلبها المجنونة إلى الإنتظام، كلماته فعلت بها الأعاجيب.
وشوش أذنها هائما في بحور عشقها: بحبك يا ندى قلبي
أدارها إليه ناظرا إليها بشغف وحب شديد، فتحت عينيها ببطء ترى تلك النظرات الولهانه في أباريق حبها، رأى نظراتها شديدة الغرام به فضمها إليه بقوة مستمعا إلى نغمات قلبها المجنونة، ابتسم بسعادة واقترب برأسه كما شفتيه وغابا في عناق طويل حتى حملها وسار بها متعلقة برقبته إلى السرير.
توقفت ندى عن الحديث بسبب دخولها في نوبة بكاء هستيري حسرة على تلك الأيام واللحظات التي أشعرتها بحبه، منذ ذلك الوقت توقف كلامه المعسول عن الإنسكاب في أذانها.
حاولت فريدة التخفيف عنها: طيب براحه خدي نفسك .. مش كدا يا ندى
انهارت وزاد نحيبها: تعبانه يا فريدة !، واحشني آدم اللي حبيته، مش عايزه آدم اللي بيحتقرني دا .. اللي لو إيده لمست إيدي بالصدفة يسحبها كأن لدغته عقربة
داعبتها فريدة بخفة علها تهدأ: ما هو تقريبا برج العقرب عامل شغله معاكي
ظهر شبح ابتسامة على وجهها: ما إنتي كمان برج العقرب ياختي ولا نسيتي
ضحكت: لا ما نستش ياختي، ماهو أهلك علموكي كدا أتريقي أتريقي .. بس الحمد لله إنك مش برج الدلو كان زمانه دلوقتي غرقان مش ملدوغ
شاركتها الضحك تاركة بقايا دموعها تجف وحدها: تصدقي صح
حدقت بها بغيظ مصطنع: ومن إمتى أنا بأقول حاجه غلط يعني ؟ .. بس لأغلط فيكي
ابتسمت: طب خليني أكملك
فريدة بجدية: لو مش عايزه نكمل دلوقتي وترتاحي مافيش مشكله .. نكمل بعدين عادي يعني
ندى بجديه مماثلة: لا هأكمل دلوقتي، كدا كدا أفتكرت كل حاجه وما فاضلش كتير أوي
هزت فريدة كتفيها منصاعة: اللي يريحك
أكملت ندى رواية قصتها فيما تحاول مغالبة الدموع التي كانت تريد الخروج من محجرها وتعبر عما يعتمر بداخلها لكنها تعلم أن الدموع لن تفيدها في شئ بل ستسبب لها ألما آخر فوق ألمها.
***
هبطت الطائرة في المدرج المخصص لها، أنهى إجراءاته متعجلا، لقد دب الإصرار أكثر في قلبه وعقله، سينجح في مهمته مهما كانت النتيجة وسيتمها على أكمل وجه.
خرج ووجد سائق وسيارة حديثة في إنتظاره كي يقلوه إلى المكان الذي يرغب، سلم السائق ورقة تحمل العنوان الذي يريد التوجه إليه.
أومأ السائق سريعا وفتح الباب الخلفي خافضا رأسه حتى ركب سيده ثم انطلق مهرولا يستقر في مكانه خلف المقود ويدعس على البنزين بعد أن تم تحديد هدفه.
***
نهض آدم فجأة يتناول بنطاله ويرتديه فيما نظرة مرعبة قد تجسدت في عينيه، مفزوعة من تلك النظرة سألته مترددة بينما تلملم أطراف الغطاء حول جسدها: في إيه يا آدم؟
رمقها بنظرة الشرار يتطاير منها ثم أشار لها على جزء من الفراش قائلا: إيه دا؟
حدقت حيث أشار لا تفهم مقصده: هو إيه اللي إيه دا؟ مش فاهمة حاجه؟ ومش شايفه حاجه
كز على أسنانه محاولا كظم غيظه: ما هو أنا بردو مش شايف حاجه عشان كدا باسألك
فقدت السيطرة على أعصابها فهي لا تعلم عن ماذا يتحدث ولا تعجبها نبرة صوته، نظراته مملؤة باتهامات لا تعرفها ولا تدرك سببها، هتفت بعصبية بينما تنهض مرتدية روبها: مش فاهمه حاجه !.. ما تفهمني
بهدوء ظاهري فقط: مافيش دم ليه؟
تعجبت وقطبت جبينها: دم إيه؟ وليه؟
بدأ يفقد تحكمه في أعصابه: الدم اللي المفروض ينزل ع الملايه .. لو حضرتك فعلا أول مرة تتجوزي وكنتي بنت بنوت
صدمت من مغذى إتهامه: كنت إيه؟
قضت دقيقة كاملة تستوعب حديثه وما يقصده، أجابته بصوت هادر: نعم ؟؟، قصدك إيه يا آدم .. أنت بتطعني ف شرفي
على صوته صائحا: والله اللي شايفه هو اللي يجاوبك يا ست هانم
لم تستطع ندى الإجابة فقد تركها وغادر الغرفة مسرعا بعدما أرتدى كامل ملابسه على عجل، جلست مستندة إلى مقدمة السرير، تبكي إتهاماته التي ليس لها أساسا من الصحة، لا تعلم ما حدث .. كل ما تعرفه أنها لم تحب غيره ولم يمسك يدها سواه فكيف يتهمها في شئ كهذا ؟ .. في شرفها، كانت تظن أنه سيحميها ويصون عرضها تجده من يتهمها بإهداره ؟؟
مرت عدة ساعات على ذهابه، استحمت وأدت فريضة الظهر فقد كانت تتابع الآذان عن طريق تطبيق وضعته على هاتفها المحمول وذلك كان من ضمن استعدادها للسفر، عاد آدم ودخل قائلا بدون مقدمات ودون النظر إلى وجهها: قومي إلبسي عشان خارجين
أجابته دون النظر إليه هي الأخرى: مش عايزه أخرج
انفعل: أنا قولت هتخرجي يعني هتخرجي
نظرت له: على فين ؟
ردد بنبرة حادة حازمة: هنروح للدكتور عشان أفهم إيه اللي حصل
تعجبت من كلامها، سألته هامسة تُكذب ظنونها: وأروحله ليه ؟
أجابها مبعدا عينه عن الإلتقاء بنظراتها الثاقبة: عشان أعرف دي حالة طبيعية من الحالات اللي بتحصل عادي ولا فعلا خنتيني
اتكأت على مسند الأريكة فيما تنهض من فوقها، وجهت إليه نظرت كأنها قطعة من سجيل، بغضب جم صرخت به: خنتك ؟! ودكتور ؟!، أنت من كل عقلك جاي تاخدني لدكتور يكشف عليا ؟ مش مصدقني لما قولتلك إن أنت أول واحد ف حياتي ؟ إذا كنت حضرتك مش مصدق ف دي مشكلتك وأنت حر فيها لكن أنا مش رايحه لدكاتره
أحس آدم ببعض الذنب فهو يشعر أنه يظلمها في حكمه، ثقته بها أكبر من ذلك لكن رجولته ودماءه الصعيدية الجارية في عروقه تمنعه من فعل عكس ما ينويه الآن، أجابها بهدوء: ولو حضرتك ما جتيش معايا دلوقتي عند الدكتور هاتأكد إنك خنتيني وخايفة تنكشفي
صمتت قليلا تفكر في منطقية حديثه، إذا رفضت ستترسخ الظنون برأسه ويختلق حولها ما لذ وطاب من خيالات وسيناريوهات، وإذا قبلت أهانت نفسها وكسرت كبرياءها أكثر مما فعل بشكه، أجابته أخيرا بهدوء ليس لتظهر أكثر ثقة بل لفقدانها القوة الكافية للإتيان برد فعل أقوى: ماشي يا آدم، هأروح معاك
ارتاح آدم لقرارها فقد زاد شعوره ببراءتها أكثر، زفر مرتاحا، استدار كي يذهب لتبديل ملابسه لكنه توقف عند سماعه كلماتها التالية التي كانت كخنجر مسنون غرس في صدره على حين غفلة: بس لما الدكتور يقولك إن أنت أول واحد يا آدم هتطلقني وهترجعني لأهلي لإني ما اتشرفش بالعيشة مع واحد أتهمني ف شرفي وكمان .. ف ديني
انصرفت عنه ودخلت الحمام، اغلقت خلفها بابه لتفتح باب شلالات الدموع التي بدأت ولم تتوقف حتى الآن.
ربتت فريدة على كتفها بيد ومدت لها محرمة باليد الأخرى: بس في أنواع من غشاء البكارة بيكون من النوع المطاط يا ندى يعني مش بيتقطع وبيفضل كدا، يعني الست تفضل متجوزة سنين ومع ذلك كأنها بكر .. وفي ناس عشان ترتاح بتعمل عملية تفضه بـيها
زاد نحيب ندى مفسرة: ما هو المصيبة إن الدكتور قال له الغشاء بتاعي من النوع اللي بيتفض، وإن فعلا كان ليا علاقة سابقة مع واحد
صعقت فريدة: إيــــــــــــــــه ! إزاي دا ؟
من وسط نحيبها وشهقاتها: مش عارفه .. مش عارفه .. أنا لحد دلوقتي مش عارفه حصل إزاي وإمتى ومع مين .. أنا عمري ما شربت خمرة ولا مخدرات عشان مثلا أقول كنت مش ف واعيي لما حصل دا .. ولا عمري خرجت مع حد مش مُحلل ليا .. حتى مصطفى أنتيم أكرم عمري ما قعدت معاه لوحدنا كان بيبقى معانا حد
مدت لها كوبا من الماء: طب وحصل إيه بعد كدا ؟
عادت ندى بذاكرتها بعد إعلان الطبيب دليل جُرمها وتأكيده أنها أقامت علاقة مع أحد قبلا، كانت الصدمة متملكة من ندى؛ فلم تلحظ خيبة الأمل التي شعر بها آدم ولا نظرته المنكسرة التي حلت محلها أخرى غاضبة رمقها بها طوال طريق العودة إلى الفندق.
جلسوا في جناحهم صامتين كل منهما في أحد أقطاب الغرفة كأنهم إشارات متنافرة، لا ينبس أيا منهما بكلمة واحدة، لم يحاول أحدهما قطع حاجز الصمت القائم؛ فماذا تقول ندى وهي لا تستوعب ما قاله الطبيب، وماذا يقول آدم ليعبر عما يشعر به من غدر جاءه من الإنسانه التي أحبها بشدة أكثر من أي شئ بهذا العالم، وكأن الهاتف لم يتحمل هذا الصمت أكثر فكسره بصوته العالي معلنا عن وصل مكالمة لندى أفاقت ندى من شرودها ونظر آدم إليها فيما تبحث عن هاتفها بين فتحات الحقيبة وتخرجه مجيبة، مسحت بعض العبرات التي نزلت رغما عنها، أجابت بهدوء: أيوه يا ماما
انتفضت من مكانها فزعة وهي تصرخ: إيـــــــــــــــه ؟ إنتي بتقولي إيه ؟! إزاي دا حصل؟ .. طيب طيب .. خلاص أنا جايه
أغلقت الخط فلم يستطع آدم منع نفسه عن سؤالها: في إيه ؟
نظرت له والدموع تتجمع في مقلاتيها: بابا جاتله أزمة تاني ونقلوه المستشفى .. لازم أسافر دلوقتي
لما يستطع منع نفسه فبرغم كل شئ مازالت ندى قلبه فاقترب منها وهو يضمها إلى صدره، شدت عليه أكثر متمسكة بقربه منها كأنها تخاف أن يختفى أو يذهب بعيدا: أكيد طبعا هننزل حالا .. بس أهدي
تركها ليحجز على أول طائرة إلى القاهرة ولحسن الحظ يوجد مقاعد فارغة على الطائرة المنطلقة بعد ثلاث ساعات، استعدوا وانطلقوا إلى القاهرة.
ما إن وصلوا حتى ركضت ندى مسرعة إلى والدتها تضمها في محاولة لتطمئنها وتطمئن في ذات الوقت.
خرج والدها من المستشفى وعاد إلى منزله بصحبة الجميع، أقنعته زوجته بضرورة الذهاب إلى غرفته كي يرتاح وصعدت معه تاركة أكرم وأحمد مع ندى وزوجها.
أحمد: ندى ياريت تقعدي إنتي وآدم هنا .. البيت كبير وهيكفينا كلنا
رفعت رأسها المنكس متعجبة: ليه؟
أوضح أكرم: علشان أبوكي وأمك .. مين هيخلي باله منهم؟
أحمد: أنا الشركة ورايا ومشغول فيها على طول
أكرم: وأنا خلاص بأنهي ف الماجستير ماينفعش أقف دلوقتي دي مناقشتها كمان شهرين
تدخل آدم: خلاص ما تحملوش هم أنا وندى هنفضل هنا .. صح يا ندى؟
نظرت له مستغربة قراره لكنها أيدته: أه أه طبعا
بعد أن أصبحوا تحت سقف غرفة واحدة، استدارت إليه: أنت ليه قولت إننا قاعدين؟
أجابها آدم بهدوء بينما أتجه إلى حقيبته يرفعها فوق الفراش حتى يخرج ملابسه ويبدل ما يرتديه إلى شيء أكثر راحة: عشان ما يصحش تسيبي أهلك ف الظروف دي
جلست على مقعد طاولة الزينة نظرها متعلق بجانب وجهه المواجه لها: طب ما أنا هأقعد معاهم بردو بعد الطلاق .. ما طلقتنيش ليه وقعدت هنا معايا
أصابت جسده رعشة لكنه تمالك نفسه وحدثها ببرود أتقن ممارسته لسنوات عد لاحقة: تطلقي بعد جوازك بأسبوعين؟ .. بابكي لو سمع أصلا إن في بيني وبينك زعل الله أعلم هيحصله إيه .. نسيتي كلام الدكتور إنه مش لازم يسمع خبر يضايقه؟
نظرت له بتمعن، ترغب في الوصول إلى ما يثلج قلبها: وأنت يهمك بابا أوي كدا؟
نظر لها آدم مستغربا سؤالها: أكيد طبعا .. بالرغم م اللي عملتيه فيا بس ف الآخر الراجل ما غلطش ف حقي ف حاجه
زفرت: بردو مُصر إني خنتك؟
ثارت أعصابه من جديد لتذكره تصريح الطبيب، نهرها غاضبا: مالوش لازمه الكلام، إحنا هنفضل عايشين سوا لحد ما أخوكي ياخد الماجستير عشان ما نشغلوش بمشاكلنا .. وكمان لما باباكي يخف .. بعدها كل واحد يروح لحاله .. أنا تعبان وعايز أنام، أعتقد السرير واسع يقضيني أنا وإنتي وكل واحد ف جنب .. تصبحي على خير
تركها ونام على أحد جانبي الفراش مديرا ظهره إليها، نامت على الطرف الآخر تحاول أن تكتم دموعها وتستسلم للنوم.
استيقظ آدم من نومه الذي استغرق فيه كأنه لم ينام بهذه الراحه منذ أعوام وشعر برائحة زكية يعرفها تزكم أنفه فتح عينيه ليرى ندى نائمة بين ذراعيه ومطوقة إياه من خصره وقد اسندت رأسها إلى قفصه الصدري، تأمل وجهها .. كانت تشبه الملائكة لكنه تذكر خيانتها له، نهض بسرعة مكتشفا أنه من تسلل للطرف الخاص بها يبحث عن دفئها، استدار متجها إلى الحمام كي يضع رأسه أسفل صنبور المياه عله يفيق من سُكر عشقها.

حثتها فريدة على المتابعة: وحصل إيه بعد كدا؟
قهقهت ندى على لهفة صديقتها الملحوظة: أول مرة أعرف إن عندك فضول زينا
شاركتها فريدة: ههههههه عندي بس على طول بأقول لنفسي وأنا مالي .. إنما إنتي حكايتك دي ماينفعش فيها غير وبعديـــــــــن ؟!
- هههههه ماشي ياستي، ولا قبلين .. فضلنا ع الحال دا شهرين لحد ما أكرم أخد الماجستير ويومها ماما أصرت تعمله حفلة .. إزاي ابنها ياخد شهادة زي شهادة الماجستير من غير ما تعمله حفلة؟ .. المهم يوم الحفلة كنت حاسه إني مش طايقه نفسي، خصوصا إن بابا خلاص خف وكدا آدم هيطلقني
- بعد كل اللي فكره فيكي عايزة تفضلي معاه؟
تنهدت: عذرته .. دا راجل مهما كان، غير إني بأحبه، المهم بقى كل ما أشم الخروف اللي بيشوه ف الجنينة أتعب وأحس أني .. سوري يعني .. هأرجع وأجري ع الحمام .. وبالليل فجأة وإحنا كلنا بنتكلم دوخت .. مصطفى هو اللي لاحظني وآدم كان واقف بعيد بيتكلم مع بابا وناس صحابه .. مصطفى جري عليا ولحقني قبل ما أقع ع الأرض وشالني بسرعة وطلعني على أوضتي .. وزعق ف الخدامين عشان حد يتصل بالدكتور
ضاقت عيون فريدة متشككة: إنتي إيه حكايتك مع مصطفى ؟ .. واخدين على بعض أوي
غمزتها: هههه بتغيري يا بيضا؟
تمالكت فريدة نفسها: غيرة إيه إنتي التانية ؟؟
- ههههههه ع العموم يا ستي ولا حكاية ولا رواية .. كل الموضوع إن أنا كنت على طول مع أخته الصغيرة وكنا شبه بعض ف حاجات كتير .. ولما حصلت الحادثة اللي ماتت فيها أخته مع باباه ومامته اعتبرني تعويض عنها وبقى يشوفني زيها بالظبط
تفهمت الوضع بينهما: اااه .. بس، هو آدم يعرف الكلام دا ؟
- آدم ؟ .. آدم كل ما يسمع اسم مصطفى قدامه يتعصب ويفضل يزعق ولما أحاول أحكيله يادوب أقوله "أصل مصطفى ..." ومن قبل ما اكمل يقولي "يوووه مصطفى مصطفى ربنا يخليهولك" ويسبني ويمشي، وأنا ما بقتش أحط ف دماغي بقى
نصحتها: بس خلي بالك آدم بيغير عليكي من مصطفى
أشارت إلى فؤادها بإبهامها: لو يدخل قلبي مش هيلاقي غيره .. قلبي بيدق باسمه على طول ومش حاسس .. عامل بينه وبيني حاجز .. كل لما أحاول أهده يرجع يبنيه من تاني
اسندت قبضتها إلى وجنتيها: هيــــــــــــــح .. فينك يا عم آدم تسمعلك الكلمتين الحلوين دول
- هههههههههه المهم الدكتور جه وكشف عليا وطلعت ...
قاطعتها صارخة: حـــــــــــااامل
حدقت بها مندهشة: وإنتي عرفتي منين يا مصيبة؟
تراجعت في جلستها ووضعت ساقا فوق الأخرى منتشية: من الأفلام، مش بتدوخي وبترجعي ونفسك مش رايحه للخروف .. يبقى أكيد حامل .. أومال عندك زُكام ؟؟
أكملت ندى ضاحكة: ماشي يا فَكيكه .. كان نفسي تشوفي صدمة آدم ولما الدكتور نقلني المستشفى عشان يتأكد إن كله تمام وعرف إن عمر الطفل شهرين .. يعني حملت من ليلة الدخلة فما يقدرش يقول إنه مش ابنه
ضربت كفا بكف: يا واد يا قوي، من أول ليلة ؟ ما شاء الله دا إنتي ما صدقتي بقى ههههههه
ضربتها بقوة قبضتها على كتفها: ما تتلمي يا بت .. دا جوزي بردو
- ههههههه ماشي يا جوزك .. كملي
شردت متذكرة كيف كانت فرحته عند علمه بحملها من قبل أن يخبرهم الطبيب أن عمر الجنين شهرين فقط، معنى ذلك أنه ليس لديه شك وأن شكه بها كان مجرد أمر طارئ خلال لحظة عابرة ذهبت لحالها، قررت أن تبدأ معه من جديد هي وهو وطفلهما فقط. حياة سعيدة مكتملة في نظرها فيكفيها حبيبها وشريك عمرها، وأيضا هدية الله لهما (طفل) يقربهما أكثر لبعضهما.
عندما عادوا إلى المنزل وانفردت مع زوجها في غرفتهما أخبرته عن أمانيها لكن رد فعله صدمها، قال آدم بحزم: ندى مافيش حاجه بينا هتتغير
بعدم فهم: يعني إيه .. مش فاهمة ؟
تنهد: يعني علاقتي أنا وإنتي هتفضل زي ما هي .. الفرق إننا مش هنطلق
لوت فمها ساخرة: وجاي على نفسك أوي كدا ليه .. ما تطلقني وتخلص
نظر إليها آدم نظرة ثاقبة: لو هتديني ابني وهيفضل معايا وتتنازلي عن حضانته؛ أنا ما عنديش مانع أطلقك .. من دلوقتي حتى
نظرت له مصعوقة: وأنت فكرك إني ممكن أسيب ابني ؟!، دا بعينك
أومأ متفهما: عشان كدا بأقولك هنفضل زي ما إحنا وابننا، بينا أنا وإنتي وتحت نظرنا من غير ما حد فينا يتحرم منه
حدقت به غير مصدقة، هل هذا من توقعت أنه سيحلق في أعالِ السماوات من سعادته بقرارها في العودة كما كانوا .. كرامتها أبت عليها أن تتحدث أو تذل نفسها أكثر، قررت أنها لن تحاول استعطافه أو إعادته إلى حبها؛ فإن كان يحبها حقا سيعود وحده وإن لم يكن فهذا قراره وستتحمله ولو ... مجبرة.
ختمت الحديث: ومن ساعتها لحد دلوقتي وإحنا على الحال دا بس بعد ولادتي بكام شهر جاله شغل ف أمريكا، سافرنا وماما وبابا جم ورانا عشان أتعلقوا بسيف أوي .. وكدا كدا أكرم وأحمد كل واحد مشغول بحياته
تعجبت فريدة: يعني عمر ما حصل بينكوا حاجه أو قربتوا من بعض من ساعتها خالص؟
زفرت بقوة: خـــــــــالص بنام ف نفس الأوضة .. على نفس السرير وضهر كل واحد فينا للتاني .. بس آخر فترة حسيت أنه فاض بيا .. بقيت أدخل معاد النوم معاه الأوضة ينام وأنا أصلي واقرأ قرآن بعدين أروح أنام شويه جنب سيف ف أوضته .. دا لو جالي نوم يعني، وبعد ما أصلي الفجر مع سيف أرجع أنام أنا وهو جنب بعض
- هو سيف بيصلي؟ وكمان الفجر؟
ضحكت لدهشتها: أه يا ستي، ولو يوم صليت من غيره أو ما صحيش معايا بيبقى يوم مش فايت
هتفت بسعادة: أربع سنين وكدا ؟، بجد ما شاء الله تربية ولا أحسن، ربنا هيكرمك ما تقلقيش بسبب سيف دا
- آمـــين يا رب العالمين
عادت للموضوع الأصلي: ولسه لحد دلوقتي مش عارفه إيه اللي حصل ؟
فهمت مقصدها: والله أنا هتجنن يا فريدة، عقلي هيطير مني .. مش فاكرة أي حاجه توصلني للي حصل
قاطعهم صوت سيف وهو يركض بإتجاههم صارخا فيما مرام تتبعه على مهل: مامي مامي
هتفت مرام فيهما بحنق: بقى الواد مقطع نفسه مامي مامي، وأنتوا قاعدين ترغوا هنا؟
فريدة: حقك على راسنا يا ست مرام
هزت مرام رأسها بتكبر مازح: تقبلته تقبلته
ضمت صغيرها: وحشتك أوي كدا يا سيف؟
سيف متشبثا بها: طبعا يا مامي .. إنتي حبيبتي
تقدم منهم آدم بعد أن أنهى قراءة أحدث المقالات في المجال الطبي: يا سلام يا سلام الحب ولع ف الدرا .. وأنا ماليش كلمة حلوة يا سي سيف ؟
نظرت ندى إليه متسائلة: أومال فين أكرم ؟
هز كتفيه جهلا: مش عارف، أخده مصطفى وخرجوا ولما سألتهم قالوا وراهم مشوار .. قال في حرامي عايزين يمسكوه باين
انتفضت فريدة بفزع: ربنا يستر ما يودوش نفسهم ف داهيه
أصاب مرام أيضا الرعب كشقيقتها: ربنا يحفظهم
ندى بعدم فهم: هو في إيه ؟
نظرت إليها فريدة: هأحكيلك بس الأول نروح ناكل لأحسن العشا خلاص قرب وأنا هفتانه بعيد عنك
ابتسم آدم: القاعدة قدام البحر بتجوع
ابتسمت فريدة ناظرة إلى ندى: والقاعدة مع مراتك بتجوع أكتر .. يلا بينا
أمام مكتب الاستقبال داخل فندق قابلوا باريهان، كانت واقفة تنتظر مفتاح غرفتها لمحتهم فتوجهت لندى بابتسامة منافقة: إزيك يا نادو عامله إيه ؟
كانت ندى تعلم حقيقة مشاعرها وأن لطفها المصطنع من أجل كسب شقيقها ليس حبا فيها: الحمدلله يا باريهان إزيك إنتي؟
هزت باريهان رأسها ناشرة خصلاتها الناعمة في هالة جميلة حولها: نو نو، إحنا مش إتفقنا تقوليلي باري بس وأنا أقولك نادو؟
حدثت مرام نفسها سرا: يا شيخة إتلهي وإنتي عاملة زي الخلة اللي راشق فيها زتونة كدا
ندى بملل: معلش نسيت يا باري
غمزتها باريهان: أيوه كدا .. أومال فين أكرم ؟ ماشوفتوش
أجابتها: خرج مع مصطفى ف مشوار
نظرت لمرام نظرة جانبية حتى تتأكد من سماعها للحوار: أهــا، أصله قالي إنه هيخرجني بالليل .. ع العموم أنا هأطلع أرتاح لحد ما يجي .. تشـــاوو
غادرت باريهان دون أن يرد سلامها أحد، صرح سيف مقطبا ببراءة: أنا مش بأحب دي يا مامي
أشار بأصبعه الصغير إلى ظهر باريهان، سعدت مرام بقوله فانحنت إلى مستواه وأمسكت ذقنه ثم طبعت قبلة طويلة على خده الممتلئ: حبيبي أنت يا سيفو، أبقى قول لخالك الكلام دا بقى
لكزتها فريدة في ذراعها وعينيها ترسل إليها حمما تذكرها بما أتفقتا عليه، لاحظت ندى الحركات الجانبية مما جعلها تعلق: هههه إنتي بتحبيه ولا إيه يا مرومه ؟
خجلت مرام وتأتأت في الرد: أنا؟ أنـ... ا.. ا
ضحكت ندى من إرتباكها: خلاص خلاص، أنا فهمت أصلا من ا ا ا دي
جذب سيف طرف ثوب فريدة حتى تنتبه إليه: إنتي اسمك إيه؟
انخفضت إلى مستواه حتى تجيبه لكن سبقها صوت تعرفه جعل خفقات قلبها تزداد: فريدة
سيف مفكرا كأنه يتذوقه: حلو
نظر مصطفى إلى فريدة معلقا: أنا بأقول كدا بردو
تساءل أكرم: واقفين بتعملوا إيه هنا؟
أجابته شقيقته: كنا هندخل نتعشى دلوقتي
دمدمت مرام محدثة سيف: بأقولك يا سيف ما تشوفلنا اسم دلع لفريدة أحسن مش لاقينلها حاجه خالص
وضع سيف أطراف أصابعه فوق ذقنه وذم شفتيه مفكرا: إممـــــــــــــم
داعب خصلات شعر صغيره قائلا بمزاح: بتقولك اسم دلع مش اخترع الذرة يا دكتور سيف
قطب سيف: ما أنا بأفكر أهو
مصطفى: طب فكر يا ابن الدكتور
آدم بمزاح: ماله ابن الدكتور يا ضغوف
عض مصطفى بطانة شفتيه: هي وصلتلك أنت كمان ؟ شكلي كدا هأتعشى بأكرم إنهارده
ضحك أكرم: وأنا مالي، أنت اللي وشك بيقول إنك ضغوف .. مش ذنبي
قاطعهم سيف صارخا بفرح: لاقيتها .. هأقولك يا ديده
قهقه مصطفى: ديده ؟ .. ديده على وزن حديده
ظهر تعبير مشمئز على وجه ندى: تصدق إن دمك تقيل أوي
آدم ناظرا لندى بانتصار: قولت كدا ماحدش صدقني
سيف غاضبا من مصطفى ورفع أصبعه أمامه: ما تتريقش على اسم ديده
أدعى مصطفى الجدية بينما يؤدي تعظيم الضباط قائلا: تمام يا فندم
ثم نظر إلى فريدة مكملا: أنت تُــأمر يا قمـــــر
لاحظ أكرم نظرات فريدة النارية لمصطفى: أنا بأقول ندخل نتعشى، بدل ما في حد كدا عارف نفسه نلاقيه سايح ف دمه
تحسست ندى معدتها: يلا أحسن أنا وفريدة هنموت من الجوع
سيف معدلا بحنق: ديده
ضحكت أمه: خلاص سمتها ديده؟ .. ديده ديده يا سيدي ولا تزعل
أنضمت هند إليهم على طاولة الطعام، انشغل كل فرد منهم في تناول وجبته، لقد كان يوما طويلا مجهدا على أغلبهم، سألت فريدة بقلق: لاقيتوه؟
لكت ندى لقمة صغيرة في فمها: أه صحيح عملتوا إيه؟
استغرب أكرم: وإنتي عرفتي منين؟
ندى: فريدة حكتلي الحكاية وإحنا جاين ع الفندق
توقف مصطفى عن تناول طعامه وحدق في فريدة يحاول أن يستشف سبب قلقها، هل كان عليه هو أم على ذاك المحتال؟
أجاب مصطفى بجدية مترقبا رد فعلها: مالاقينالوش أثر
زفرت بينما ارتخت كتفيها كأن حملا ثقيلا قد سقط من فوقها: الحمدلله
لاحظها مصطفى، فهتف بغضب: شكلك تعرفي مكانه ومخبية علينا؛ عشان ما نمسكش حبيب القلب
رفعت رأسها وأطلقت صوبه نظرات نارية: عن إذنكوا .. هأطلع أصلي العشا عشان ما يروحش عليا
غادرتهم فريدة ولحقت بها هند متججة بنفس عذر شقيقتها، نقل سيف بصره بين وجههم على التوالي قبل أن يستفسر ببراءة شديدة: هي ديده زعلت ليه؟
رفعه آدم فوق قدميه: ما زعلتش ولا حاجه هي بس راحت تصلي .. تيجي نروح نصلي إحنا كمان ؟
سيف بفرحة: يلا
انطلق آدم بصحبة سيف مبعدا إياه عن التوتر؛ لأنه حساس ولديه من التوتر الذي يراه بين والديه ما يكفي ويفيض، وجهت ندى حديثها إلى مصطفى حالما تأكدت من إبتعاد زوجها وطفلها: ماكانش له لازمه الكلام دا يا مصطفى
التفت إليها بعصبية زائدة: يعني ما شوفتيش فرحت إزاي لما عرفت إننا ما لاقنهوش ؟؟
حاولت توضيح موقف فريدة: عشان خافت هي ومرام إنكوا تلاقوه تعملوا فيه حاجه وتروح أنتوا ف داهيه .. يعني خافوا عليكوا أنتوا .. مش عليه
نظر أكرم إلى مرام يتأكد من صحة كلام شقيقته: خوفتي عليا يا مرام ؟
حاولت الثبات أمام نبرته الحانية: باريهان سألت عليك .. ياريت تبقى تشوف خطيبتك كانت عايزاك ف إيه
نهضت منصرفة وتركت نظرات أكرم تلاحقها، لقد ألقت تلك الكلمات عمدا حتى تذكره بأنه ليس خالِ الوفاض كما يظن، هناك أخرى بحياته وطالما هي موجودة فلن تعبر عن مشاعرها أبداً.
ندى لأخيها: معاها حق يا أكرم، ياريت قبل ما تفكر ف مرام .. تقفل كل حاجه قديمة الأول
- ماما وبابا فين؟ مش هيتعشوا؟
مستسلمة لتغيير دفة الحديث أجابته: لا اتعشوا ف أوضتهم؛ بابا مشي كتير إنهارده ع البحر لحد ما تعب وقرر يستريح .. وماما معاه طبعا
عاد أكرم للتركيز على صحنه دون أن يعقل أي كلمة من إجابة شقيقته على سؤال، فقط ردد ببلاهة: طيب
شرد مصطفى في سعادته الخاصة لمعرفته بمدى خوف فريدة عليه، لقد كان غاضبا حين أتى على ذهنه أنها تحب هشام، لكنه تأكد الآن من حبها له وحده .. وبدأ يفكر في طريقة ملائمة لمراضتها دون أن يفسد الأمور معها أكثر من ذلك، فلقد تعب من كثرة الخلاف بينهما.
***
هاتف أحمد والديه يخبرهم عن موعد وصوله، طلب منهم أن يكون الجميع دون استثناء واقفين في بهو الفندق لاستقباله، تعجب والديه لهذا الطلب ولكن لم يملك أيا منهم حق الإعتراض.
وقف الجميع بإنتظاره والحيرة على وجوههم، فإذا خص إخوته استقباله فما شأن أشقاء سكرتيرته، أتضح الأمر كاملا عندما وصل برفقة شخصين طال غيابهما.
هتفت إيمان حالما رأت بناتها الثلاث واقفات أمامها محاولة كبت شهقات دموعها: وحشتوني يا بنات
أسرعت الفتيات للإرتماء في حضن أمهن دون أي تردد 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close