اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الستون 60 والاخير بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الستون 60 والاخير بقلم عائشة حسين


الستون والأخير «الجزء الأول»
جلست سكن جوار عاليا الصامتة، تدثرت معها وشاكستها بحنو «بت يا عاليا بتبصي للحيط ليه؟»
إعتدلت عاليا في جلستها متنبهةً لها، فلكزتها سكن تحاول جاهدة العبور بها من تلك المحنة «تكونيش بتتخيلي سليم في الحيط يا بت؟»
صمتت عاليا ببؤس لا ينكشف،وغم لا ينزاح،سألتها سكن باهتمام وهي تنظر لتوهتها وحزنها «مكلمتيش سليم؟ هو مكلمكيش؟» هزت عاليا رأسها برفض مما جعل سكن تلومها «ليه يا عاليا؟ مش تكلميه تطمني عليه»
أخرجت عاليا من بين شفتيهًا نفسًا متهالكًا وقالت بصوت مبحوح «ملياش نِفس يا سكن وياريت يكون غيّر رأيه ويريحني من الهم الي على جلبي»
شهقت سكن بإنفعال واضح على ملامحها المتغضنة بضيق، قبل أن تهتف منزعجة من قولها «هم إيه؟ لسه برضو مصممة على الي فدماغك؟»
أجابتها عاليا وهي تستقبل الدموع على أطراف أناملها هامسة بمرارة «يا سكن أنا لا أنفعله ولا ينفعلي خلاص»
زعقت سكن فيها بغيظ «وإيه يجل نفعه؟ شيلي الوساوس دي من دماغك وجومي رني عليه»
همست عاليا بعناد قبل أن تعود لقوقعتها وتدفن نفسها في الصمت «مش هرن يا سكن معنديش طاقة لأي حاجة ولا جادرة»
مع آخر كلماتها انفجرت في البكاء فضمتها سكن لأحضانها تهدؤها«خلاص يا بت وحدي الله»
ابتعدت عاليا ومسحت وجهها بكفيها وانعزلت عن سكن وعن العالم من جديد
أيقنت سكن أن نصائحها لا تفلح وقولها لن يُسمع، وحده سليم يمكنه حل المُعضلة وإيقاف نزيف الوجع داخلها ومعالجة تلك الجراح بروحها، روحه المُحبة يمكنها أن تخترق الحواجز وتهدمها وتغوص لترمم وتعالج، بغياب سليم زاد حالها سوءًا وكلما تقدمت خطوة عادتها ببشاعة، تظنه تخلى فيزداد ألمها، تريد الفراق وقلبها يخشاه، إذًا الحل يكمُن في سليم ذاته.
هدأتها سكن واطمأنت لنومها ثم خرجت، نقّلت نظراتها بين الوجوه الحزينة والأجساد الساكنة، رأت الحزن راكدًا في وجه والدتها والنظرة شاردة ترقد فيها الدموع دون أن تتخلى وتهبط، وجَدّها متكومًا متكورًا فوق الأريكة غائبًا، تارة يبكي في رثاء وتارة يصمت في أنين، لا تدري لما انقبض قلبها بوحشة فوضعت راحتها فوقه ملتقطة أنفاسها ترطب حلقها متسائلة بقلق يخترق القلب ويطعنه «في إيه؟ جاعدين كده ليه؟»
لم يُجبها أحد، انعزلوا في تيه وتخبُط نأو بأنفسهم وبأثقالهم في عالم بعيد لا يُسمع فيه إلا صوت الألم وأبواق الحزن والدمار، زاد خوفها فأرادت الهرب لجنتها واحة الأمان خاصتها
اندفعت ناحية الباب وقلقها يتصاعد، وقفت مريم أمامها مانعة تُخبرها برجفة «متطلعيش يا سكن دلوك»
سقط قلبها في أحشائها، انتفضت تخبرها بما تنتويه «رايحه لحمزة»
رمشت مريم ثم أخبرتها بوجوم «حمزة مشغول» أبعدتها سكن برفق وكلها يرتعش «مشغول فأيه؟»
جذبت راضيها نفسها من التيه وتحدثت متذكرة تشديد حمزة بألا تخرج سكن «اجعدي يا سكن واسمعي»
زاد خوفها ورعبها فقالت غاضبة مفزوعة«بتمنعوني ليه؟ حمزة فيه إيه؟ طلعوني أشوفه؟»
أبعدتها مريم وثبتتها بكفيها قائلة بإختصار علّ سكن تستجيب وتصمت «خالك بره يا سكن»
لطمت سكن بزعر وصرخت بصدمة وخوف زاد أضعافًا مضاعفة «خالي، طيب طلعيني أطمن على حمزة»
أخبرتها مريم بهدوء متفهمة قلقها وخوفها فهي أيضًا تشاركها نفس الخوف على زوجها «مينفعش حمزة منبّه متطلعيلوش لو عرفتي»
اندفعت سكن زاعقة لا تطيع ولا تمتثل لأمر«يجول الي يجوله عايزه أشوفه»
توقفت عن المجادلة حين استمعت لصوت السيارات ورأت أضواء سيارة الشرطة عبر منافذ الباب العلوية، فجلست منهارة تخشى العاقبة، انكمشت مثلهم تتقاذفها الأفكار ككرة بعد مرور نصف ساعة.
طرق عمار الباب ففتحت مريم واستقبلته بتنهيدة راحة وضمة حنون مواسية، بينما وقفت سكن متعثرة تسأل بإرتجاف«حمزة كويس يا عمار»
ابتسم عمار مطمئنًا لها وهو يربت بحنو فوق رأسها «متخافيش كويس روحيله»
انطلقت راكضة، تعثرت ووقعت أرضًا على عتبة المنزل فكانا ذراعيه حماية لها وانتشال لجسدها، سألت بلهاث وهي تتأمله بخوف وذعر يلاحقها كصياد ماهر «أنت بخير»
ضمها لأحضانه وهو يجلس على عتبة المنزل منهكًا يلتقط أنفاسه المتعبة بروية، ابتعدت قليلًا مررت أناملها المرتعشة على وجهه غامض التعبير مطموس المشاعر، لا تتبين ما يحيطه الآن لذلك همست بدموع ليفتح عينيه وتفهم «حمزة» فتحتهما فاشتدت حيرتها وتاهت في دروب روحه،عادت لأحضانه بصمت حتى يُفصح .
بالداخل كانت ورد بالمطبخ تُعد طعام العشاء بمزاج رائق وقلب مُفعم بالفرح، تدندن، تمرّالذكريات فتبتسم حتى انتهت وخرجت تنادي ولدها «حمزة يلا يا حبيبي تعالى اتعشى»
تعجبت سكن من نبرتها الرائقة، رفعت رأسها فابتسم حمزة وسحبها للداخل ثم أغلق الباب خلفهما وجلس حول الطعام
مازح حمزة والدته «إيه العشا الرايج ده يا ورد» أجابته بابتسامة حنون وهي تعطيه خبزًا له ولزوجته الجالسة جواره ببلاهة تتابعهما ولا تنطق «من بعد عمايلك يا شيف حمزة»
تأمل حمزة محتويات الأطباق ثم سأل «فين العسل؟ كنت جايب معايا»
لكزته ورد منبّهة له «العسل جنبك مش مكفيك»
التفت حمزة لزوجته مبتسمًا، غمزها وقال بغرام «لاه مكفيني وزيادة»
سألتهما وهي تنقّل نظراتها بينهما بتوجس وإرتباك «هو حصل إيه؟ جالوا خالي كان هِنا»
قالت ورد بضحكة مضيئة دافئة«ولا حاجة صفينا حسابنا معاه وزين خده يوجب » بدلت ورد الكلام والتفتت لحمزة مُعاتبةً «مجولتش ليه لزين يتعشى يا حمزة» قال ببساطة «جولتله جلي مودة مستنياني»
سألتهما سكن ببلاهة ومازالت تتابع ولا تشارك يقلقها هذا الجو الغامض «أنتو كويسين»
نظر حمزة لوالدته نظرة رضا قبل أن يُجيبها بضحكة «زي الفل أنتِ الي مالك»
شردت قليلًا فنبهته ورد لها «وكلها يا حمزة ضريت على كده مش هتعرف تاكل»
قرّب حمزة الطعام من فمها فظلت على حالها تغلق فمها وتطالعهما بدهشة وشرود فسخرت ورد «هتاكلي ولا تاخدي علجة زي خالك»
قطبت في ضيق واستنكار فضحك حمزة قائلًا وهو ينظر لعبوسها «عايزه تاخدها زي خالها»
فرد حمزة كفه فضربت ورد بكفها فوقه كصديقين حميمين متفاهمين وهي تؤكد « شد حيلك يا حموزتها ومتجصرش»
التفت لها حمزة ونظر لعينيها هامسًا بهيام «خسارة العينين الحلوة دي يا ورد، لما تبوصلي كدِه يبجى تتباس متتفجعش أبدًا»
حملقت فيه سكن ثواني قبل أن شهق وترجع بجسدها للخلف مستفسرة «أنت فجعتله عينه؟»
قالت ورد متحسرة بمزاح «دي هي بس واحدة كان نفسي يكونوا التنين بس يلا»
شاكسها حمزة بمرح «أروح أزوره وأفجعلك التانية ولا تزعلي يا ست الكل»
رفضت ورد وهي تجاريه في مزاحه بسخرية «لاه يا ولدي خليله واحدة يشوف بيها الويل»
ضرب حمزة على كفها المفرودة يؤكد بضحكة رائقة «صُح يبجى بلاش»
رمشت سكن تحاول أن تستوعب ما قيل ومزاحهم الغريب ومشاكستهم، هدوء بالهم وفرحتهما والانتصار في نظراتهما فنهضت واقفة تعتذر بخفوت وتركض هاربة للأعلى.
بعد مدة دخل الحجرة فوجدها منكمشة زائغة البصر، ابتسم بحنو واندس بين الأغطية ملتصقًا بها يسألها «حبيبي ماله بجى»
ابتلعت ريقها ونظرت إليه تسأل «مخلتنيش أشوف خالي ليه؟»
داعب ذقنها وسألها بضحكة ساخرة «كنتِ عايزه تشوفيه؟» هزت رأسها مؤكدة وهي تراقب ملامحه فتهكم منها بضحكة «وشك جاب ألوان لما سمعتي أمال لو شوفتيه؟»
همست مُصرّحة «متخيلتش إنك تعمل كل دِه يا حمزة؟»
جذبها لأحضانه وضمها قائلًا «وأعمل أكتر من كدِه» سألته وهي ترفع رأسها «مبسوط؟» أجابها وهو يقرص خدها «أيوة يا حلوة ومش عايز أنام وجومي يلا وانسي »صمتت بتفكير فشجعها بحماس «بجالك كتير مرجصتيش جومي يلا عشان أنا فرحان »
انكمشت معترضة رافضة «لاه هنام»
تركها وابتعد قليلًا ينقر فوق هاتفه بإنشغال، نظرت إليه متعجبة تسأل«مش هتنام؟»
أجابها وهو يترك الفِراش ويقف أمام النافذة ينقر فوق هاتفه منشغلا به «لاه نامي لو عايزة أنا هسهر شوية»
طلبت بوداعة «طيب تعالى جنبي»
أصدر بفمه صوتًا رافضًا وهو ينظر من النافذة ويتابع النقر فوق الهاتف بإبتسامة.
تمددت مفكرة بشرود حتى جذبتها قهقهاته الرائقة المفعمة بالبهجة فاعتدلت تنظر إليه بشك قبل أن تطلب «تعالى يا حمزة»
قال بسرعة وهو يقلّب في الهاتف بإهتمام «لاه نامي أنتِ أنا دقيقة وهنزل أسهر مع أمي»
جزت أسنانها بغيظ وهي تتابعه، حتى قررت النهوض وقفت تنظر من النافذة فرأت جارتهم الجديدة تمسك بالهاتف وتتجول مبتسمة، كتمت سكن شهقتها ببطن كفها واستدارت تهتف بشبه صراخ «بجى بتكلم دي»
نقّل حمزة نظراته بينها وبين الهاتف مستنكرًا قولها وشكها «مين دي»
أشارت للخارج بالأسفل وهي تصرخ «الزفتة جارتنا»
وبخها بضيق من اتهامها له وشكها فيه «أنتِ مجنونة» سحبت الهاتف منه زاعقة «ما صدجت جولتلك هنام روحت جيت وجفت وكلمتها وبتضحك ورايج»
هز كتفه مستغلًا الأمر لصالحه يقول بإستهانة «ولنفرض بكلمها عادي أنتِ مش حابه تسهري معايا وتتكلمي وهي صاحية وعندها استعداد خلاص»
ضربته بقبضتها على كتفه في غضب واستنكار «كدِه يا حمزة ماشي هروح أبات عند أمي» قال بضحكة مستهينة «روحي يا حبيبي وماله»
فغرت فمها مندهشة قبل أن ترمي الهاتف أرضًا متعمدة وتخرج مغمغمة بسخط وتوعد
لعنها حمزة وهو يعود ويلتقط الهاتف.
وضع حمزة الهاتف بجيب بنطاله القصير وخرج يبحث عنها حتى وجدها جالسة جوار جدها في المندرة، كتم ضحكاته واقترب منها يهمس «هتنامي هنا»
أشاحت هامسةً بفظاظة«عشان تخوني براحتك»
ابتلع ضحكته وهمس وهو يجذبها «تعالي»سحبت كفها وعقدت ساعديها أمام صدرها في رفض، فاضطر لأن يحملها بين ذراعيه قائلًا «اهدي بلاش عكننة»
استنكرت قوله واتهامه الظالم «أنا بعكنن»
عاتبها بحنو وهو يصعد بها تجاه حجرتهما «معارفش مالك كامشة يكنش زعلانة على خالك؟» قالت بسرعة تنفي عن نفسها «مزعلانش عليه زفت أنا بس مش متخيلة أنت تضرب كده»
قهقه ثم قال بصوت خفيض أمام وجهها «وأكتر من كدِه تجربي»
همست رافضة قوله بزعر«لاه لاه أنا اتضربت كتير من كل الناس»
تأفف وهو يضعها فوق الفراش برفق منزعجًا من قولها «متفكرنيش»
سألته وهي تقف على ركبتيها وتحاوط عنقه «بتكلم البت دي ليه؟»
لوى فمه مستنكرًا يتغزل فيها «أكلمها ليه؟ في حد يبجى معاه الجمر ويبص للنجوم»
ابتسمت متنهدة بإستسلام وذوبان فاقترح «جومي غيري هدومك وبطلي نكد أنا مبسوط يا سكن» لثمت خده ونهضت بسرعة تلبي له طلبه فالليلة غير كل الليالي نال حقه وشفى غليله.
************
♡في قنا♡
دخل زين شقته مناديًا بمرح «بت يا ميمو» خلع معطفه وصفّر مكررًا ندائه، فانتفض جسدها أمام الحضور وضحكت برقة ووجها يتورد بخجل من تدليله لها وسماعهم ،نهضت مستأذنة وقد لمست في فرحته النصر المرتقب «عن إذنكم زين جه»
اندفعت خارج الحجرة بلهفة، ونبرته الرائقة توشي لها بسعادته، اقتربت منه فابتسم ضمها ورفعها عن الأرض قليلًا يخبرها بإشتياق «وحشتيني»
تناست وانشغلت لا ترى سوى سعاته ولا تشعر سوى بلهفته، سألته وهي تبتعد وتنظر لعينيه «حصل»
مال يقبلها بشغف وهو يهمس منتصرًا «حصل»
ضمته بقوة تبثه فخرها به وإعجابها بنجاح خطته وجهده «مبروك يا حبيبي الحمدلله أنا مبسوطة عشانك»
حمحمت ابنة عمه تُعلن عن وجودها قائلة بحرج «احنا هنا ممشيناش»
انتفضت مودة مبتعدة عنه، تُخبىء وجهها المتورد خجلًا وحرجًا، تلوم نفسها على نسيانها وانشغالها بفرحته وعودته لها سالمًا احتفظ بها زين داخل أحضانه رافضًا مغادرتها وهو يسأل «دول بيطلعوا امتى؟»
ابتعدت عنه مودة رغم رفضه، فاقتربت منه ابنة عمه وضمته تحت نظرات مودة المندهشة التي تحولت لغضب جارف وتوعد.. خرج خلفها زوجها فرحّب به زين وعانقه بمودة وتبعتهم المدللة التي ما إن اقتربت حتى هتفت بغنج «زينو وحشتني» حمحم زين بإرتباك وهو يتجه بنظراته لزوجته المبتسمة ولا يظهر عليها أي انفعال، حاولت أن تضمه المُدللة أسيل لكنه منعها بغلظة «ما تهدي يا بابا»
عقدت ساعديها معترضة تسخر بمكر «ما أنت كنت بتحضن وتبوس زمان ولا نسيت» همس زين لابنة عمه منزعجًا في حنق «جيباها ليه دي؟»
همست معتذرة له «شبطت والله ومعرفتش أتخلص منها»
مازالت مودة صامتة بصبر تتابع بغموض لا تمنح المدللة النصر ولا تتوج أفعالها الماكرة بتاج النجاح وهزيمتهت، قال زين بحنق «معلش يا أسيل مراتي بتغير وأنا محبش أزعلها» لوت فمها بتهكم ونظراتها تتجه لمودة في تلقائية «مش باين يا زينو»
قال بسخرية وهو يتّجه ناحية الصالون «اخليها ترنك علقة يعني عشان يبان»
جلست مودة جواره فضمها بذراعه وقربها منه في امتلاك مما أثار غيظ أسيل وغضبها منه.. مال زوج ابنة عمه محمد ناحيته، فترك زين زوجته واقترب يستمع لهمسه الذي فاجئه بتغزله الوقح في زوجته«إيه الحتة الفرعوني دي يا عم؟ وأنا أقول زين غطس فقنا ونسينا أتاريك ياعم واقع على حاجة مبهرة ملفوفة لفّ» لم يدري زين بنفسه وبعصبيته المفرطة إلا وهو يلكمه فجأة على وجهه، شهقوا متفاجئين فضحك زوج ابنة عمه مخففًا من الأمر، بينما عاتبته زوجته «قولتله إيه؟ لازم كدا » انطلقت تحذيرات زين «قولي لجوزك يسكت ويبعد عني ويلا مش مراتي ضايفتكم على تحت يلا »
تشبثت أسيل «الشقة تحت مش هتكفي أنا هبات هنا فأوضة الأطفال»
قال زين بوقاحة وهو يشملها بنظرة ساخطة «لا يا ماما أنا لسه عريس انزلي نامي فحضن أخوكي»
عاتبته مودة بأدب «زين ميصحش الي بتجوله والي بتعمله ده»
أسكتها زين بإشارة حادة «مالكيش دعوة»
ابتسمت ابنة عمه وطمأنتها قائلة «متقلقيش احنا كدا مع بعض متعودين»
نظر زوج ابنة عمه له هازًا حاجبه بإستفزاز فأشاح زين يتأمل زوجته وما ترتديه بقلق، زفر زين بضيق من ضحكات زوج ابنة عمه، ونهضت أسيل أخته زافرة بغيظ وخلفها ابنة عمه، أغلق خلفهم وعاد لزوجته التي دخلت حجرتها تبدل ملابسها، لعنهم زين داخله فقد كان يرسم أحلامًا وردية ليلته، قالت مودة بسخرية «مبوستش وحضنت ليه يا زينو»
كتم ابتسامته واقترب منها يضمها هامسًا «لا عيب»
ضربته على كتفه بقبضتها قائلة من بين أسنانها بغيظ «بس كنت بتحضن وتبوس الأول» قال بضيق «بقولك إيه متبوظليش الليلة بدل ما أنزل اطردهم دلوقت»
نظرت إليه بإمعان فلثم شفتيها هامسًا «خلاص بقا يا ميمو»
ابتسمت برضا وسألته وهي تداعب ياقة بلوفره الصوفي «هو جلك إيه عشان تضربه؟»
قطب في إنزعاج حينما تذكر سفاقة زوج ابنة عمه وتعمده استفزازه وإثارة غيرته فقال وهو يبتعد عنها «كبري دماغك قال الي قاله»
خلعت عباءتها المنزليه وحجابها ثم قالت في حماس «هجهزلك العشا بسرعة على ما تاخد دوش وتغير هدومك وتحكيلي كل حاجة واحنا بنتعشى»
ابتسم برضا فغادرت للمطبخ وعملت بهمة وحماس حتى انتهت، حملت صينية الطعام واتجهت لحجرة نومهما فاستقبلها وقد خرج للتو من المرحاض يجفف خصلاته «هناكل هنا؟»
قالت بدفء وهي تجلس أرضًا «أيوه الجو برد عليك بره»
جلس جوارها يمسك بكفها هامسًا «أنا خدت اجازة شهر هنروح نعمل عمرة وبعدها نسافر المكان الي تحبي تقضي فيه شهر العسل»
قالت بفرحة «عمرة بجد؟» هز رأسه مؤكدًا وهو يقبّل باطن كفها «أيوة عشان نعمل عمرة لأبويا وخالك وعمك»
ابتسمت وهي تضم وجه بكفها الآخر هامسةً بعاطفة «شكرًا إنك اتمسكت بيا لو مكنتش عملت كده وجربنا مكنتش هشوف جمال جلبك ده»
ابتسم وضمها يشاركها فرحته بنصره «دا أكتر يوم مرتاح فيه من سنين، حاسس إني جعان نوم وجعان أكل وراحة وفرحة، عايز أعمل حاجات كتير يا مودة ومبسوط أكتر إني مش هعملها لوحدي لا مع البنت الي حبيتها» رفعت رأسها مبتعدة عنه تخبره بحماسها وانتظارها له «من ساعة ما طلعت وأنا مستنية تيجي وأشوفك بعد ما ارتحت، متشوجه أشوف فرحتك بإنجازك وراحة جلبك»
همس وهو يلثم جبينها بقوة «بحبك والله» ابتعدت عنه؛ لتتناول طعامها وتشجعه على تناوله فسألها بحنان «تحبي أحكيلك؟»
قرّبت بعض الطعام من فمه وقالت برزانة «لو ده هيبسطك تمام إنما لو عليا مش فارج معايا غير فرحتك وراحة جلبك غير كده مش ضروري أعرف، ومتفكرش عشان هزعل لاه خالص، ضربته أو موته أو حتى رميته في الترعة هناك عادي»
ضحك زين مشاكسًا لها «حبيبي ميمو يا عاقل أنت» انشغل بتناول الطعام والثرثرة معها عن خططه للإجازة وشهر العسل ورغبته في زيارة كل الأماكن السياحية في مصر معها، أثنت على فكرته وشجعته بحماسها ورغبتها فيما قال.
انتهى العشاء فتدثرا فوق الفِراش يستعدان ككل ليلة لقراءة جزءًا من أحد كتب التاريخ، قسّما صفحات الكتاب كل واحد منهما يقرأ جزء بصوت عالي والآخر يستمع وأثناء قراءتها أوقفها قائلًا «مجرم قلبي»
سألته بإنشغال وهي ترسم فوق شفتيها ابتسامة رائعة «أمممم»
أجاب وهو يحك فروة رأسه «أنا حفظت الدعاء» اتسعت ابتسامتها وقالت مختبرة له بمرح «جوله الأول اتأكد مش مصدجاك»
حمحم في استعداد ثم قال وهو يغلق الكتاب «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»
فغرت فمها في ذهول مما نطق، فطالعها يستفسر ببراءة «إيه؟»
كتمت ضحكتها وربتت على كتفه مواسية له «ربنا يطلعك من بطن الحوت الي أنت فيه يا حبيبي يارب»
رفع حاجبه يسألها بحرج وابتسامة لطيفة تتراقص فوق شفتيه «مطلعش هو الدعاء؟» ضحكت بنعومة قبل أن تغوص بين الأغطية «نام و لما تطلع من بطن الحوت جولي يا زينو»
ضحك وجذبها ليصبح مستقر جسدها بين ذراعيه وهمس بشقاوة «واطلع ليه تعالي أنتِ معايا يا ميمو»
ضحكت برقة مستجيبة لطلبه فهتف قائلًا «الله يحرق خالك يا شيخه فراولة بنوتيلا»
*********
♡في اليوم التالي مساءًا بمنزل حمزة♡

وجدته منشغلًا ببعض الأوراق والحسابات فاقتربت منه وتربعت أمامه فوق الأريكة تلفظ اسمه مدللًا بنبرتها المغناج «حموزتي» رفع عينيه من على الأوراق وسلّم لها نظراته من خلف نظارته الطبية مُلبيًا بقلب يرفرف بين جنباته فها قد بدأت في العودة بعد أيام ثقال «عيون حموزتك»
أسندت خدها على قبضة يدها تطلب برقة «عايز أطلب طلب»
ترك الأوراق وأولاها جل اهتمامه وتركيزه «يا سلام تؤمري» ضمت كفيها ببعضهما وقالت وهي تسرح بخيالها تحت نظراته اللامعة «نفسي أبجى عارضة هدوم،موديل يعني»
ابتسم حمزة وهز رأسه بإقتناع كاذب مُثنيًا على قرارها وطموحها «حلو جدًا طموحة وبتفكري»
صفقت بحماس رغم توجسها من طريقته وقالت «شكرًا يا حموزتي» ثم أوضحت ببراءة متبرئة من أي شك فيها «هدوم محجبات عادي»
هز حمزة رأسه متفهمًا وهو يكتم ضحكاته داخله ويبتلع سخريته بصبر «تمام يا حبيبي وماله بس ممكن أخلص شغلي ولما نطلع أوضتنا نتناقش»
نهضت من أمامه فورًا متفهمة«هطلع استناك متتأخرش عارفة لو فضلت جنبك هتتلخبط»
أثنى على قرارها بإعجاب «شطورة سكني فاهمة حمزة» ثنى رقبته وملامحه تتغضن بألم فاقترحت وهي تتحرك خلف ظهره «هعملك مساج لكتفك ورجبتك»
فردت أناملها على كتفها تضغط برقة ثم تتحرك لرقبته فقال متأففًا « هو ده مساج وتدليك يا سكن دي زغزغه؟»
ضمته بذراعيها وهمست وهي تُلصق خدها بخده «أمال إيه هو كده ؟ » لملم الأوراق فسألته «مش هتكمل؟»
مال ولثّم شفتيها قائلًا «لاه كفاية لما أصحى الفجر هكمل يكون دماغي راجت»
سألته بابتسامة حنون «ايه مش مروجك يا دكتور البهايم»
شرح لها وهو ينهض واقفًا «بجرة مينفعش تكون جنبي وأشتغل»
أحاط كتفيها بذراعه وصعد لحجرتهما متسائلًا بمكر «جولتيلي بجى عايزه تشتغلي إيه؟»
أجابته بحماس «عارضة» دخل بها الحجرة وأغلق قائلًا بإستمتاع «فكرة خطيرة بجد تعويض مُرضي عن اللي فات»
تمدد فوق التخت واضعًا كفيه تحت رأسه بينما اقتربت هي تستفسر «جصدك إيه؟ مش فاهمة» سحبت نظارته الطبية من فوق عينيه ووضعتها جانبًا وهو يفسّر لها مقصده بمكر «جبتي معاكي عشرين جميص نوم وأنا جبتلك عشرة وأنا جاي غير البجامات » ضيقت عينيها فوق ملامحه تستمع بإنصات لما يحكيه فاستطرد بحماس «تلاتين جميص وجولي عشر بجامات يعملوا عرض أزياء فاخر والأوضة واسعة تروحي وتيجي فيها براحتك وآخر الليلة اختار الي عجبني وهيكمل الليلة فكرة تحفة»
شهقت بنعومة من تفسيرة الماكر وغمزاته الشقية لها ووقاحته، ضربت بقبضتها على كتفه منزعجة متوعدة «لاه فكرة جليلة رباية، كل ده بتشتغلني وبتاخدني على كد عجلي»
قال ساخرًا منها ومن أفكارها الجهنمية «أجولك انتقبي شيطانك يجولك عارضة اتهبلتي يا سكن؟»
ابتعدت عن الفِراش متأففة حانقة منه، فاعتدل يسند رأسه على كفه متسائلًا بغمزة «ها اختاري عارضة في الأوضة ولا مفيش خالص» طالعته بغيظ فأغراها قائلًا «تصدجي حعملك مسرح محصلش وأجواء هتعجبك»
فكرت قليلًا ثم نظرت لحماسة ورغبته في إرضائها والتفاهم بهدوء متسائلة ونظراتها تحتجز نظراته«هتفضل كدِه تسمع وتفهم وتريحني ياحمزة»
قال بحرارة وصدق نبع من داخله ونظراته الدافئة تعانقها بشغف وعشق «لآخر العمر» ابتسمت له بعشق قبل أن تقترب وتجاوره فوق التخت قائلة بكسل وهي تتثاءب «بجول ننام وبكره يحلها ربنا»
تحرك ناحية الوسادة يضمها قائلًا وهو يسحب الغطاء على جسديهما «تصدجي ده رأيي برضو أنا جاي من المزرعة متكسر»
انكمشت بأحضانه كقطة أليفة بينما هو يربت على خصلاتها بحنو حتى نامت.
********
في اليوم التالي ظهرًا
وقف حمزة أمام حجرة والدته يطرق متسائلًا بقلق «أمي أنتِ بخير؟»
تأففت ورد من إزعاجه لها وتحدثت بعصبية «جولت كويسة يا حمزة خليك مع مرتك ومتطجرش تاني» وقفت سكن جواره تسأله بعدما استمعت لقولها الغاضب «مالها مش طيجاك» ضربها حمزة على رأسها بخفة يوبخها على قولها «ايه الي مش طيجاني؟ ما تتربي»
حركت كتفها بلا مبالاة وهي توضح لها بتشفي «أنا مالي الي سمعته» ثم استندت على كتفه ومالت تهمس بدلال «حموزتي هي مش جالتلك خليك مع مرتك ما تخليك مع مرتك وركز»ابتسم قائلًا وهو يميل يسترق السمع من خلف الباب «أمي أهم»
ألصقت سكن أذنها بالباب هامسةً رغم استنكارها لأفعاله «حمزة مرت خالي بتكلم مين؟ »
قال بجدية «شكله أبويا»
كتمت ضحكتها وهمست هازئة «هتهزر أبوك إيه؟» أكد لها بهمس قلق «اهو بتجول يا حكيم»
كتمت سكن ضحكتها بباطن كفها وهمست «هو رجع ولا إيه؟»
فتحت ورد الباب فانتفضا واقفين ينظران لبعضهما بحرج وخجل، كتمت سكن ضحكاتها وانكمشت مختبئة خلفه بينما برر هو فعلته بتلعثم «كنت بطمن عليكي»
أمسكته ورد من أذنه وهتفت بغضب «بتتصنت عليا يا حمزة؟ هي حصلت؟ مش جولتلك روح لمرتك؟» أجابت سكن بوجه محمر في خجل «أنا جيتله » ثم أردفت ببراءة مزيفة«جولتله يا عمتي تعالى عيب ميصحش جلي لاه ملكيش دعوة»
توعدها حمزة بنظراته النارية المغتاظة فتركته ورد وأشارت لهما بغضب «على أوضتكم وإياك حد يجيلي منكم»
سألتها سكن بفضول «طب بتكلمي مين» زعقت ورد بنفاذ صبر «على أوضتكم»
أمسكت بذراع زوجها الذي همس بتوعد «ماشي بتبعيني» أغلقت ورد الحجرة بعنف فقالت سكن ضاحكة «أنت وأمك أحرار»
دخلا حجرتيهما فركض خلفها متوعدًا يقلدها بغيظ «جولتله لاه يا عمتي ميصحش» قهقهت قائلة وهي تعتلي الفِراش «هي جالتلك ركز معايا مرضتش خلاص »
اتجه ناحية الخزانة وسحب حجابًا ولاصق عاد بهما قائلًا متوعدًا في تهديد «والله ما أنا سايبك»
قفز وأمسك بها فتوسلته من بين ضحكاتها «خلاص يا حمزة»
قال منهزمًا ضجرًا «هجفلك بوقك ده وارتاح »
عاتبته بدلال «طيب هبوسك كيف»
«ده الي هامك» قالها وهو يغلق لها فمها بالاصق ثم ربط لها كفيها حتى لا تنزعه، جاورها برضا «كده أحسن»
حركت رأسها تصدر صوتًا غير مفهوم جعله يقترب وينزع اللاصق «عايزه إيه؟»
همست ببراءة «عايزة أشرب»
مال يسحب قارورة المياه فقفزت مبتعدة تفك وثاقها بأسنانها، اعتدل يتابعها دون رد فعل أو حركة، يصبر على أفعالها وجنونها بحماس.. رمت الحجاب أمام نظراته بإستهانة وخرجت من الحجرة مودعة «رايحه لعاليا سلام»
رمقها بنظرة باردة متخلية، قبل أن يمنحها استهانته واستحسانه لمغادرتها في نظرة عبثية لكنها فكت شفراتها مما آثارغيظها فقررت الإطمئنان على عاليا سريعًا والعودة له.
*********
منزل هشام طُرق الباب ففتح هشام وقف أمام الباب يستفسر «مين؟» قالت بسرعة وبنبرة مستهينة وهي تستند بظهرها على الجدار بلا مبالاة «جول لأختك يلا مش ناجصة عطلة» رمقها بنظرة منزعجة، مستنكرة وهو يسألها بسخرية ألقت في نظراتها عنادًا وتحدي «أيوة نعم أنتِ مين؟»
حركت المسبحة الرقمية بين أناملها وأجابت ببساطة «جولها صاحبتك مستنياكِ وهتفهم»
شملها بنظرة سريعة قبل أن يعرض عليها بأدب،ضائقًا بوقوفها هكذا «طيب اتفضلي استنيها جوا»
قالت وهي تنظر للشارع مستندة بظهرها للحائط من جديد «لاه مرتاحة كده» مط شفتيه بإستسلام وخطا للداخل يخبر أخته وبعدها عاد وهبط عتبات الدرج وتحرك ناحية الموتور خاصته فهتفت بتسرع « بيجولوا مرتك اتجننت عشان طلجتها لو كدِه ما ترجعها» اعتلى دراجته النارية وثبت مكانه متعجبًا، نظر حوله ثم سألها «أنتِ الي اتكلمتي؟»
أجابت بغيظ من بين أسنانها «الشارع مفيهوش غيري يا أذكى أخواتك»
تغضنت ملاحمه بضيق وغضب من جرأتها في الحديث معه وطريقتها فقال «وأنتِ مالك مصلحة اجتماعية حضرتك؟»
حمحمت بحرج ثم أوضحت بثبات «عادي أصلها صعبانة عليا فجولت أحاول مع إنك مش الي يتجننوا عليك يعني بس اهو » ضم شفتيه بغيظ شديد لكنه تمالك نفسه ابتسم قائلًا بفظاظة وتهكم « خليكي فحالك يا صاحبة أختي ومتتحشريش مش ذنبي إنك معندكيش نظر»قالت ساخرة وهي ترمية بنظرة متعالية «تصدج هفصل نضارة وأجولك» صمت قليلًا وسألها «بس مين جال إنها اتجننت؟»
سخرت منه في غلظة «ليه أجاوب سؤالك؟ روحلها وشوفها أسهل»
مط شفتيه متعجبًا من طريقتها وهجومها عليه، لكنه سألها «أنتِ بنت مين؟ »
خرجت أخته من المنزل تستأذنها «توبة خمسة وجاية» لعنت توبة صديقتها التي نطقت بإسمها للتو، فابتسم هامسًا بإعجاب وهو يستعد للمغادرة «توبة توبة»
رحل وتركها تتميز غيظًا من طريقته المستفزة الساخرة
*******
بعد مرور يومين
أثناء جلوسه في الحقل منتظرًا ريه، مرّت من جواره مُلقيه سلامًا عابرًا «السلام عليكم»
رد السلام دون انتباه لكن حين رفع رأسه ورأى تلك الغمامة السوداء سخر بصوت مسموع «توبة الحشرية يا اهلًا»
توقفت مكانها منزعجة، ضربت بقدميها الممر الترابي فثارت عاصفة ترابيه خلفها جلبت له السعال واستياء ملامحه من فعلتها، استدارت تسأل بغيظ«بتجول حاجة حضرتك؟»
توقف عن السعال قائلًا وهو يشيح برأسه بعيدًا عنها «مجولتش حاجة»
عادت خطوة وقالت بغضب «بس أنا سمعت» سألها بإبتسامة مستفزة وهو ينهض ويتابع بنظراته جريان المياه في الحقل «جولي أنتِ جولت إيه؟ »
تخصرت قائلة وهي تتابع تحركه في الوحل وعمله المتقن في فتح مجرى المياه «جولت حشرية»
ابتسم لا يمنحها نظراته ولا اهتمامه،يعمل بجد «أنتِ الي جولتي اهو»
رفع رأسه للشمس التي شارفت على الغروب وصمت فقالت بمرح وبساطة «اعتذرلي بجنديلين شامي(ذرة) أكلهم وأتأكد زرعتك فالحة ولا عفشة»
رمقها بدهشة قبل أن يتحرك تجاهها ويجلس مكانه لا مباليًا يصرفها بإشارة متعالية «روحي يا توبة محدش جلك هعتذر ولو عايزة شامي خدي»
نظرت جواره للقفة الخوص وابتسمت بظفر، قبل أن تقترب بهدوء وتسحبها من جواره تنظر لمحتوياتها مهللة «الله كمان مشوي وجاهز»
رفع حاجبة يسألها بضيق من فعلتها«حد أذنلك تخديهم؟»
أخذت واحدًا منها وأعادت القفة لمكانها، استدارت راحلة بصمت لا تهتم بإجابة سؤاله ولا يعنيها ما قال.
ابتسم هشام متعجبًا من أفعالها، استدارت تهتف بسخرية وتشفي «الشامي بتاعك مش حلو زرعتك زرعة خايب»
قطب بضيق من قولها الذي أثار عواصف داخله من حنق وغضب، تابع رحيلها حتى اختفت عن نظراته ولم يجرؤ على الرد أو الانتقام منها فعاد للعمل بهمة ونشاط مقررًا حين يعود أن يسأل عن الغمامة السوداء التي تمطر فوق رأسه الهم والكدر والتوبيخ.
********
قبل أذان المغرب
اتجهت ناحية الباب فتحته لتصطدم بهشام واقفًا بالقرب من باب المنزل، حمحم وتراجع غاضًا بصره في تأدب وهو يلتقط أنفاسه من تلك المفاجآة التي أصابت دقاته بالتوتر وأفكاره بالعجز والخِرف،بشجاعة سألها «عمتي جاعدة؟» رمشت بإرتباك وتخبط وهي تُجيبه «موجودة»
طلب وهو يعطيها ظهره مسيطرًا على انفعاله والتوتر الذي أصابه نتيجة رؤيتها فجأة «بلغيها إني جيت ومستنيها» مازالت تملك تأثيرًا عليه لا يستطع التخلص منه بسهولة ولا محاربته، تسقيه رؤيتها الندم وتحرقة بنيران الحسرة، كلما تعقدت حياته تعذب برؤيتها أكثر.
استدار قليلًا بجنبه يتأكد من وجودها حتى لا يُلقي كلماته للفراغ، يشعر إنه بحاجة لبوح يحتاجه ليشفى، قبل أن تتقهقر وتهرب من الموقف في رعب لا تعرف مصدره، ناداها بنبرة هادئة رزينة يحفها التوسل ويغمرها الرجاء«سكينة»
توقفت متصلبة، ابتلعت ريقها وأجابت بحدة وما حدث آخر مرة بينهما يقف عائقًا ويحفزها لردعه والإنتقام منه إن فكّر بقول شيء «نعم»
بنفس النبرة الهادئة الرزينة النادمة هتف بجدية «أنا آسف على كل حاجة»
صدمها اعتذاره وتفاجئت فوقفت بصمت، عقلها فراغ وأفكارها تتسرب كالرمال من بين الأصابع
صمت قليلًا بعجز يعلم أنها لن تسامحه بسهولة ولن يتخطاها هو أيضًا بسهولة
لكنه يحتاج للسماح كشربة ماء باردة وزادًا لرحلته التي قرر السير فيها
قال بتنهيدة شجن «عمي جلي إنك هتسامحي لو كنت صادج فندمي وأنا صادج» طأطأ رأسه بعدها بإنهزام
ترقرقت الدموع في عينيها، ووقفت تستمع لكلماته التالية صادقة الشعور في حيرة وشك،متسائلة هل يتلاعب بها أم يضغط عليها بذكر عمها لتفعل «أذيتك كتير ومكنتيش تستاهلي مني كده، ربنا يوفجك فحياتك »
تراجعت خطوتين تمسح دموعها وذكره لعمها طيب الأثر أثارت شجونها، لفت انتباهها تغير حال هشام واسفه الذي أدهشها ولم تصدقه ولن تققبله ربما يومًا ما تفعل، لكن اشتياقها لعمها فاق أي شعور وأي اندهاش طغى على الروح وامتلك الكيان،امتلأت النفس ونضح منها الاحتياج لرقة قلبه وكلماته ثمينة المعنى غالية الحروف، اصطدمت بجسد زوجها فشهقت بزعر سألها بقلق وهو يرى دموعها وإرتجافة جسدها «في إيه؟»
طغى القلق وارتبكت فتركها،تفشى الخوف في النفس وأرهقها وكتم فمها عن قول الحقيقة وتاهت المعاني واهتزت النظرات بلا تعبير، اتجه ناحية الباب مستكشفًا بشك وجد هشام واقفًا مكانه يركل الحصى بصمت ووجوم، هتف بحدة غلبته وعصبية سمة مقابلتهما «في حاجة يا هشام؟»
ابتسامة متوترة جادت بها ملامحه المثقلة بالهم قبل أن يوضح «ازيك يا دكتور؟ عمتي بعتتلي أجي أخدها» أجابه حمزة بجفاء ينتشر كالتصحر داخله كلما رأى هشام «ماشي هناديها» تخلل هشام خصلاته بأنامله
منزعجًا من طريقة حمزة معه وإن كان لا يلومه، كما شعر بالحرج من وقوفه هكذا وعدم الترحيب بوجوده هنا من الأساس.
أشتعلت نظرات حمزة الموجّهة لزوجته وتوعدها فانكمشت منتظرة،حرب باردة نشبت بينهما النصر فيها لغيرة تسحق قلبه،اندفع تجاه السلّم فرأى والدته تهبط مرتدية عباءتها السوداء تمسك بيدها حقيبة صغيرة، تراجع يفسح المجال لعبورها وهو يسأل «رايحه فين يا أمي؟» نظرت إليه بصمت ثم قالت بهدوء «مستنية هشام هييجي ياخدني أجعد معاهم كم يوم لغاية ما تسافروا وترجعوا»
قال بعناد من بين أسنانه والغيرة تتشعب في النفس وتطال كل ما يخصه «مش هسافر ولا هسيبك روحي وتعالي بس متجعديش هناك»
قالت ورد وهي تتحرك تجاه الباب تتفقد الطريق مترقبة مجيء هشام «مش بكيفك يا حمزة اسمع الكلام»
نظرت لسكن المنكمشة بصمت وشك ثم اتجهت للباب تنظر للشارع بإهتمام حتى وجدت هشام يجلس بعيدًا فوق جذع نخلة منهزم ومثقل بالهموم عادت للداخل تسألهما وقد وضحت الرؤية «مجولتوليش ليه هشام جه ومستني؟»
قال حمزة وهو يتحرك بعصبية لا يسيطر على إنفعال وكل ذرة فيه تعاند وتثور «كنت هجولك لجيتك نازلة»
قالت ورد بضيق معاتبة حمزة،تستدرجه«مدخلتش واد خالك ليه وسايبه في الشارع؟»
أجاب بلا مبالاة واستهانة هو ينظر لزوجته بغموض «مجاش فبالي»
هدرت ورد بغضب فيه«لاه يا حمزة جه فبالك بس أنت مش عايز، وأنا مش هيلدّ عليا (يعجبني) الكلام دِه الراجل على بابك من الأصول تدخله المندرة يستنى»
ضغط شفتيه ثم تنفس بصبر فقالت ورد مُحذرة له «ميحصلش منك تاني يا حمزة»
قال بإنفعال خرج عن سيطرته وصبره «متجبرنيش على حاجه، وهشام أنا مش عايزه فبيتي ولا يخبط على بابي يا ورد لما تحبي تروحي هوصلك بس ميجيش هنا»
ضيقت ورد عينيها على وجهه قبل أن تقول بهدوء ورزانة «ماشي يا حمزة وأنا هناك فبيتي كمان خليلك بيتك طالما مش هتستجبل ضيفي وتكرمه»
حاول التوضيح «يا أمي...
قاطعته قائلة وهي تترك المنزل معاتبةً «ولا كلمة مش دِه الي ربيتك عليه يا حمزة، اليد الممدودة بالخير متتجطعش والي يخبط على بابك متردوش، والي يجيك متجفلش بابك فوشه »
هبطت عتبات المنزل فاندفع هشام يعاونها بلهفة حين رأها قادمة، أخذ منها الحقيبة وأمسك بكفها في بشاشة، فقالت ورد بإبتسامة حنون «نزور الغاليين فطريجنا» هز هشام رأسه بالموافقة فأوضحت ورد «الي بينك وبين حمزة مش هيخلص فيوم وليلة يا ولدي»
تنهد بيأس قبل أن يُجيب متفهمًا «عارف وممكن ميخلصش يا عمتي»
استدرجته بفطنة «أنت جولت حاجة لسكن» أجابها ببساطة وحكى لها ما قاله فابتسمت بإستحسان تطمئنه لكنها انشغلت بما سيحدث بين العاشقين وغيرة حمزة التي لن تخمد الليلة.
عاتبته سكن وهي تغلق الباب لا تلتفت لعواقب ما ستنطق به «زعلتها ليه؟ كنت دخلته يا حمزة المندرة »
جن جنونه من قولها، اشتعلت نظراته كالجحيم سخر وهو ينتفض واقفًا يقيد مرفقها بقبضته ويهزها «والله ومدخلتهوش أنتِ ليه لما صعب عليكي»
أوضحت دامعة بندم «كان مديني ضهره وطلب مني أنادي عمتي» سألها وهو ينظر لعينيها بعمق يفتش ويبحث فرمشت متوترة وهي تمنحه النظرة بأخرى واثقة قوية ليست مهزوزة ليقرأ من صفحات النفس ما يريد ويتأكد «وكنتِ بتبكي ليه بجى يا مرتي؟»
ابتلعت ريقها وطأطأت رأسها تخبره بما قال لها لا تخفي عنه شيئًا وتوضح له سبب بكائها ليهدأ وتخمد ثورته وحين انتهت همست «فهمتني؟»
تركها بصمت نفضها بعيدًا وصعد للأعلى في وجوم، جلست متنفسة الصعداء قليلًا تفكر وبعدها صعدت خلفه، دخلت الحجرة وجاورته على الأرض تراقبه بصمت وهو يعمل وينقر في الأزرار بعصبية وغضب سكن ملامحه
استجمعت شجاعتها وسألته بحذر«أنت زعلان ليه دلوك يا حمزة؟»
صمت لا يُجيبها يتجاهله، فأغلقت اللاب توب بعنف جعله يهتف بغضب شديد«اتهبلتي»
نظرت إليه بعتب قبل أن توضح سبب فعلته «بسألك رد؟» هتف بها خوفًا من غضبه وشدته عليها «سبيني لوحدي شوية»
قالت بعناد متحدية وهي تنظر لعينيه بقوة «لاه هتضربني؟»
أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا ثم قال «عايزة مني إيه؟» أحاطت وجهه بكفيها وهمست ترجوه بحب ولهفة تعانق عينيه مسيطرة على نظراته«متزعلش كده»
زفر بضيق وهزيمة قبل أن يقترح بغيظ مما يحدث له وغيرته الشديدة عليها «أحبسك يا سكن؟» ضحكت من بين دموعها وقالت «ماشي موافجة بس تفضل معايا أو تحبسني فجلبك وتجبلي عيش وحب لغاية ما أشبع » تنهد متأثرًا بقولها قبل أن يسألها بجدية وهو يحتكر نظراتها عنده في ربوع قلبه المتيم بها «هتسامحي هشام؟»
قالت بسخرية وامتعاض «هو مش فارج معايا أصلا عشان أسامحه أو لاه ولا فدماغي هو عايز يريح ضميره هو حر،أنا مش شيفاه يا حمزة »
صمت قليلًا يخفي إرتياحه فقالت «حمزة بطل غلاسة بجالنا كتير بعيد عن بعض وفهموم لا عارفة أشبع منك ولا في روجة»
عاد بنظراته لها مبتسمًا يسألها «هتلبسي نقاب؟»
أكدت وهي تلثم خده برقة«هلبسه يا روحي»
همست بدلال «حمزة عايزة أرجص»
هتف حمزة موبخًا لها «هنشغل أغاني كيف يا بجرة؟»
نهضت بحماس وقفت أمامه تمسك بكفيه مقترحة «طبل أنت»
نهض معترضًا يقول بكبرياء امتزج بغروره «لاه أنا يا حبيبي مش هعمل حاجة»
♡بعد مرور مدة ♡
راقبته وهو يضبط ملابسه ويوزع عطره بسخاء، اقتربت وحاوطته متسائلة «رايح فين؟»
استدار يحيطها بعشق ويذيبها بقبله رقيقة ممتلئة بالشغف وهو يخبرها «رايح لأمي»
قطبت معترضة تطلب منه برقة «كلمها ومتطلعش ولا تروح هناك»
لثّم خديها ورقبتها وضمها بشغف موضحًا «أمي طالما مردتش يبجى عيزاني أروحلها، وبصراحة جالتلي أروح لمرت خالي وأنا مرضتش»
نظرت لملابسه وتنفست رائحته تطلب «خلاص إلبس حاجه تاني ومترشش العطر ده» سألها بإهتمام وهو يضم وجهها بكفيه «ليه يا سكني مش حلو؟»
دبدبت بقدميها هامسةً بغيظ «لاه عشان حلو، ريحتك يا حمزة لو مش مرتك وعديت جنبي هحبك»
ابتسم بعذوبة وهو يقرص خدها هامسًا «تكرهي إني أكون حلو فعنين الناس»
قالت بشرّ وهي تتأمله « أنا نفسي البنات تشوفك جرد أصلا بلا حلو»
فغر فمه بصدمة مما تفوهت به وجديتها، لتبتعد ساخطة بضجر «أنا ألبس نقاب واتخبى وأنت تجعد كدِه وتجبلي الضغط وميبجاش ورايا غير أهجج فالبنته من حواليك»
اقترب وضمها لصدره هامسًا بعاطفة «ولا عيني بتشوف غيرك ولا جلبي يرضى غير بيكِ»
استدارت تطلب منه برقة وهي توزع قبلاتها على وجهها ليوافقها على ما ستطلب «طيب خدني معاك»
أبعدها بحدة وهو يمنحها رفضه القاطع وضيقه من الطلب «لاه مستحيل»
تأففت مقترحة عليه«طيب أرنلك أنا عليها أو من أي تليفون»
تركها واتجه ناحية الباب قائلًا «لاه وبعدين اشمعنا يعني زيهم زي أي مكان»
وقفت أمام الباب تمنعه من الخروج موضحة «لاه هناك في آية الي كانوا عايزين يجوزوهالك»
ابتسم بإدراك وفِهم يسأل وهو يبحث في جيوب بنطاله عن ساعة معصمه «أخت هشام آيه؟»
قالت من بين أسنانها بحنق «أيوة»
سخر وهو يجذب الساعة من فوق الكومود ويلفها حول معصمه «أخت هشام هتلاجيها شبهه »
عضت شفتيها وقالت بغباء وهي تميل في دلال «هو هشام عِفش ؟»
رفع نظراته فجأة من فوق معصمه أحمرت عيناه وضاقت نظراته فوق وجهها بغضب عظيم وشرر يتطاير مدركة حين لسعها أنها أخطأت... أجابها وهو يبعدها عن الباب بحدة «هو مش عفش وأخته زيه طيب حاجة حلوة يا مرتي»
ابتلعت ريقها واقتربت تعتذر منه «حمزة»
وضع سبابته فوق شفتيها محذرًا بهدوء حذر«اششش، هروح وأرجع متتحركيش من الأوضة ورحمة أبويا يا سكن لو نزلتي ولا طلعتي مش هيعجبك الي هعمله فيكِ»
أغلق الباب ورحل صدره يغلي كمرجل يتذكر قولها فيستشيط غضبًا وتوعدًا، صلى العشاء وبحث عن سليم فلم يجده ثم غادر ناحية منزل خاله، طرق الباب ففتحت له والدته مبتسمة «مستنياني صُح» أدخلته وضمته هامسةً «مستنياك وحشتني يا حمزة» قبّل رأسها وظاهر كفها هامسًا بصدق «وأنتِ يا حبيبتي»
سألته وهي تُدخله حجرة الاستقبال «جيت يعني؟»
أجابها وهو يتأملها بإفتقاد وحنو «مجدرش يا حبيبتي أكسرلك كلمة ما عشت ولا كنت» ابتسمت آية لرؤيته وسماعها كلماته لوالدته «نورتنا يا واد عمتي»
نهض حمزة في أدب يبادلها السلام دون أن ينظر إليها «ازيك أنتِ يا بت الخال»
ابتسمت مشاكسة له «كويس عرفتني»
ابتسمت له ورد وأجلسته جوارها تربت على كتفه بفخر وهو يُجيب آية بمزاح ينتقم فيه من معذبته «بشوية تغشيش من عمتك عرفت»
اتسعت ابتسامة آية وهي تجلس مُرحبة «كويس، نورتنا يا دكتور أخبار سكينة إيه؟»
أجابها وهو ينظر لوالدته بإشتياق «بخير تسلّم عليكي»
أستأذنتهما وخرجت فمال حمزة ناحية والدته وهمس «آية طلعت فيها شبه منك كنتِ جوليلي»
ابتسمت ورد ومازحته هامسةً «روح سمع البوجين دول لمرتك وهسيبلك الباب مفتوح» قهقه قائلًا وهو يلثم كفها «ماشي» غمزته ورد مشاكسةً له «سكن شبهك وشبه أبوك مفيش أحلى من كدِه»
هز رأسه بتأكيد لكنه راوغ بمرح «بس لو شبهك كانت تبجى حاجه تانيه»
ضربته فوق كتفه معاتبةً في تهديد وتحذير «رايج شكلك، أنا أسجلك وأشوف جولك إيه لما تسمع مرتك البوجين »
قطع دخول زوجة خاله الحديث فنهض بأدب يستقبل تهليلها ومجيئها البشوش الذي خفف عنه «يا مرحب بالغالي واد الغاليين يا دي النور»
مد كفه فضربته معاتبة «تسلّم عليّ زي الغُرب يا حمزة»
نظر لوالدته فمنحته الإذن بمعانقتها وتقبيل رأسها بتقدير فأدمعت عينا السيدة وابتعدت داعية «ربنا يخليك يا ولدي»
عاتبها حمزة بمرح «كلكم هنا بتبكو، أنتِ وعمتي»
دخلت آية بصينية الضيافة تشاركه المزاح مؤكدة «متظلمش أمي يا دكتور هي يادوب بتبكي تلت مرات في اليوم»
ضحك حمزة على قولها وهي تناوله كوب النسكافية فشكرها وجلس جوار والدته يرتشفه بأدب وعقله بدأ يذهب لمجنونته، حمد الله على عدم وجود هشام فما قالته زوجته أجج غضبه ولن يتحمل رؤيته الآن.
استمرت الزيارة ساعتين ناقشته فيهما آية وتحدثت معه بأريحيه، أثنت على مطعمه وعمله، سألها هوعن دراستها..
كان الحديث معه شيقًا تمنت لو طال أو كرر الزيارة، غبطت سكينة على حظها وهذا الرجل، تأملته بإعجاب وانبهار كلما تحدث أو ضحك برزانة لم يفت نظرات ورد ما يحدث، تذكرت والده فترحمت عليه، حمزة يشبهه بروحه العطرة التي تترك أثرها ورائحتها في قلوب من حوله ربتت ورد فوق كتفه منبهة «حمزة روّح يا حبيبي لمرتك متتأخرش»
وقفت آية تقترح حتى يبقى ّ «هجهز العشا خليك يا دكتور اتعشى معانا»
نهض حمزة ينظر لساعة معصمة معتذرًا بضيق «معلش اتأخرت على سكن ومينفعش اتعشى وأسيبها بالهنا والشفا»
استحسنت ورد قوله الصادق وشعوره ناحية زوجته الذي لم يتصنعه ليردع لهفة آية بل كان طبيعيًا صادقًا، قبّل رأس والدته ورحل ونظرات آية تلاحقه حتى اختفى، بعدها تنهدت مبتسمة وغادرت لحجرتها داعية له ولسكن بالبركة والسعادة، ولها بزوج مثله.
وصل المنزل وصعد الحجرة ركضًا متمنيًا أن تكون نامت ولم تشعر بتأخره وغيابه كل تلك المدة.
فتح باب الحجرة فلفحه هوائها المنعش المُسكر، رائحة البخور الذي يعشق ممتزجة برائحة عطرها، تأمل الحجرة وهو يخطو للداخل بإعجاب، إضاءة خافتة تبعث على الهدوء والرائحة وهي جالسة أرضًا ممسكةً برواية تقرأها، حين دخل رمتها بإهمال ونهضت بلهفة ضمته بتوق وإشتاق معاتبة«اتأخرت»
تنفس عبقها وعبّق رئتيها قبل أن يبتعد ويخبرها «كنت بشوف آية حلوة ولا لا زي هشام» قطبت بألم اخترق قلبها، عبست تسأل بلوم «وشوفت إيه؟»
تحرك يبدل ملابسه بأخرى بيتيه مريحه وهو يخبرها «مخدتش بالي غير إنها شبه أمي» ضمت شفتيها وأطرقت بحزن عميق، فتابع دون أن يعطي لوجودها اهتمامًا بالنظر إليها «ولذيذة كمان ومجتهدة وشاطرة»
استدار يسألها «لو كنتي جولتيلي زمان إنها شبه أمي مكنتش رفضتها»
تأمل ما ترتدية بإعجاب قبل أن يبدل نظراته حين رفعت نظراتها تهمس بحشرجة «خلاص يا حمزة إحنا فيها اتجوز الشاطرة المجتهدة »
سألها بسخرية مريرة «وأنتِ هترجعي لهشام؟» دفعته بغضب ساحق صارخة فيه ودموعها تتساقط «لاه يغور فداهية أنا محدش يلمسني غيرك ولا أكون لغيرك مهما حصل» ابتسم ببهجة خاصة من صدق مشاعرها ودفء كلماتها وهي في أوج غضبها منه، ضمها واضعًا رأسها على صدره فضربته منفصلة بجسدها عنه تندفع ناحية الخزانة مقررة بإنهيار «مش هبيت معاك يا حمزة أنا ضايجتك بكلمة أنت ضايجتني بعشرة»
اتجه ناحيتها يهدؤها معتذرًا لها «أنا غلطان خلاص متزعليش الكلمة كانت مضيجاني»
صرخت به وهي تدفعه بقوة نابعة من حرقتها وخيبتها فيه«كلمة وأنت جولت كام ها،وأنا الي مستنياك أصالحك،شاطرة ومجتهدة ها وأنا يعني الي خيّبت نفسي وأذيتها»
احتوى جنونها بصبر وهدوء، ضمها يعتذر لها عن حماقته«آسف خلاص والله اهدي»
صرخت من جديد بهستيريا وهي تغلق عقلها وأفكارها «أبعد عني وسيبني أروح لأمي»
عاد إليها يخبرها بأسف «مجدرش أسيبك»
بكت بحرقة وهي ترتدي عباءتها فوق قميصها وتلف حجابها حول خصلاتها قائلة «لاه هتجدر وسيبني»
اندفعت ناحية الباب فمنعها أن تخرج متوسلًا بندم «خلاص يا سكن»
صممت على الخروج لكنه رفض السماح لها فسحبت هاتفه واتصلت بعمتها التي أجابت «أيوة يا حمزة»
قالت سكن من بين بكائها وشهقاتها المتتالية «جولي لولدك يسيبني أروح لأمي مش عايزة أجعد معاه»
زفرت ورد بحنق قبل أن تستفسر بصوتها الحنون «عمل إيه الواكل أمه؟ زعلك فأيه يا ماما؟» بكت سكن ثم مسحت دموعها وقالت «اسأليه وجوليله يسيبني»
منحته الهاتف وهي تواصل البكاء أجاب حمزة بإرتباك «أيوة»
وبخته ورد بغضب «عملتلها إيه؟ زعلتها ليه يا حمزة كده برضك تخليها تبكي كده»
صمت لا يجد ما يرد به عليها فأمرته ورد «خليها تروح لراضية أنت متستاهلهاش»
أجاب برضوخ وهو ينظر لزوجته المنتظرة «حاضر طالما هيريحها»
ابتعد حمزة وفتح لها الباب فركضت على الدرج بسرعة مغادرة لبيت والدتها مقررة المبيت فيه الليلة حتى تهدأ وترضى.
بعد مرور ساعتين من الانتظار الخانق راسل عاليا يسألها «سكن نامت يا عاليا؟»
أجابته وهي تنظر لصديقتها النائمة بقلق فوق الأريكة بعدما رفضت الصعود للحجرة «أيوة في المندرة»
«طيب أنا هاجي أشيلها وأخدها متصحيهاش»
«تمام يا دكتور»
ارتدت عاليا خمارها ونهضت تفتح له الباب، اصطدم في طريقه بجدته واقفة في بهو المنزل ما إن رأته حتى اندفعت تعانقه بمحبة قائلة «عبدالحكيم اتأخرت ليه يا ولدي؟»
بادلها حمزة عناقها بحرج وإرتباك وعاليا واقفة تتابع الموقف بحزن ونظرات دامعة، قبّلت الجدة خديه تصف اشتياقها له مما زاد من إرتباك حمزة «وحشتني كل دي غيبة يا عبدالحكيم»
حمحم حمزة يلملم بعثرته وارتباكه هامسًا «ازيك يا جدتي»
سحبته الجدة وجلست به فوق الأريكة القديمة تتأمله متسائلة «أوعاك تكون لسه زعلان مني يا ولدي أنا رايده مصلحتك بت خالك هي الي تنفعلك سيبك من بت السحارة»
انقبضت ملامح راضية التي هبطت الدرج تستمع لكلمات والدتها المؤلمة بضيق، صمت حمزة مُطرقًا بألم بينما تابعت الجدة بكراهية «متكسرش كلمتي وتغضبني عشان دي أنت عمرك ما عملتها»
اقتربت راضية وسحبت والدتها بالحديث قائلة «تعالي يا أما مش جولتي هتتسبحي»
لوّحت الجدة لها بضجر وبعدها التفتت لحمزة تغرقه بحنانها ووعودها لو أطاعها، فاضطرت راضية لسحبها عنوة قائلة «سيبي عبدالحكيم يريح من السفر ولما يصحى اتحدتوا»
قالت الجدة مندهشة مستنكرة «ريتي(شوفتي) الواد عايز يتجوز بت السحارة المجطوعة من سَدَرة(شجرة)
نهض حمزة متنهدًا قبل أن يدخل المندرة ويحمل زوجته النائمة بين ذراعيه ويخرج بصمت، عادت عاليا للمندرة ورحل هو بزوجته..
وضعها على الفراش برفق ودثرها ثم غاص جوارها بين الأغطية، مال على جنبه يتأملها معتذرًا حتى غرق في النوم.
استيقظت بعد ساعة لتجد نفسها في حجرتهما وفوق فراشهما، ربتت على كتفه توقظه «حمزة»
فرك عينيه واعتدل جالسًا يلبي «أيوة يا سكن»
قالت بضيق «ليه جبتني؟ وشلتني إزاي جدامهم كدِه»
أجابها وهو يمسك بكفها ويقبله «عادي المهم متناميش بعيد عني»
نظرت للساعة الجدارية وهمست بخيبة «الساعة لسه واحده»
تمددت مرة أخرى بصمت فسحبها لصدره وهمس بأذنها «أنا آسف مكنتش أجصد الي فهمتيه يا سكن متظنيش فيا كده، أنا شايفك أحلى واحدة فالدنيا وميهمنيش غيرك أنا لو عليا أخبيكي مطلعكيش لا لجامعة ولا لأي حاجة»
صمت متأثرة بهمسه الدافيء الحنون فتابع «اسم هشام مش عايزه يتذكر بينا خالص يا سكن، مش عايز أفتكر إني فيوم سيبتك ليه ولا فيوم كنتِ ليه و كان أجربلك مني »
صمت رافضة الإجابة أو الإستجابه لهمسه فهمس يعاتبها برقة «بتشتكيني لأمي يابت راضية أنتِ ببكاكي أشكيتيني لجلبي الي مهديش غير لما جيتي جنبه»
ابتسمت تعض شفتيها وهمسه يصل لقلبها ويغمره بالعشق، تذكر ما كانت تفعل وفعله، ابتعد قليلًا وكتب على ظهرها «سماح يا حلوة»
عاد ليلتصق بها ويهمس بمرارة «احكيلك حاجه» تابع بضيق وتنهيدة وجع تغادر أضلعه «جدتي جابلتني وكانت فكراني أبوي وحضنتني، دي أول مرة تحضني يا سكن مكنتش عارف أعمل إيه»
صوّب كلماته لخافقها فارتعشت تقاسمه الألم وتتذوق معه مراره الحدث، فاستطرد «جالت كلام عن أمي ضايجني يا سكن هي مبتحبنيش أنا عارف ومش هتحبني ولا تحب أمي»
استدارت، عانقت نظراته اللامعة بفعل الدموع المحتبسة وهمست برقة وهي تحاوط وجهه بكفيها «أنا بحبك ولو أطول ألملم كل الحب الي فالدنيا ويبجالك لوحدك هعمل كدِه يا حمزاوي»
ابتسم بعشق وهو يسترضيها بهمسه«متزعليش يا سكني»
اقتربت أكثر وهي تهمس بعاطفة «خلاص مش زعلانة» رفعت شفتيها ولثمت عينيه وعادت تهمس أمام نظراته التي تعشق مبررة فعلتها «وحشوني بجالي كتير معملتش كدِه»
سحبها لذراعيه ضمها بقوة وهو يهمس «شاوريلي على واحدة أحلى منك يا سكني»
همست بنعومة ورقة «مفيش أحلى مني عشان أنا بس الي حمزة عبد الحكيم بيحبني صح»
ابتعد يدفن وجهه في تجويف عنقها مؤكدًا «صح يا روح وجلب حمزة عبد الحكيم»
ضمته متنهدة تلعن كل شيء وأي شيء قد يفرقهما ويبعدهما، لا مكان لها سوى ذراعيه ولا أمان لها إلا بأحضانه ، جواره قلبه موطنها ومستقرها.
*********
ينعزل زين بإبنة عمه يقص عليها أنباء ما قد كان، فجلس زوجها جوار مودة يتجاذب معها أطراف الحديث بهدوء، نقل زين نظراته بينهما وبين ابنة عمه بتوتر وغيرة ملحوظة «محمد خف تعوم»
سخر منه في فظاظة قبل أن يواصل الحديث مع مودة «خف أنت مش ماسك ودن بنت عمك بقالك ساعة مش كنا بطلنا العادة الزفت دي»
عاد زين للحديث مع ابنة عمه ونظراته تتنقل على زوجته بعدم صبر وتريث، كلما ابتسمت أو ضحكت بنعومة استشاط غيظًا وتشتت ذهنه، يزجرها بنظراته لتتوقف لكنه تتجاهل في عناد مطالبة بالمساواة في الفعل.
هتف أحمد ليغيظ زين «مودة ماشاء الله شطورة ومثقفة وبتحب التاريخ»
ضرب زين بكفيه فوق الطاولة ونهض هاتفًا بغضب «لا دا أنا هقوم بقا دا»
ضربت ابنة عمه جبهتها بيأس واستسلام من مشاجرات زين وزوجها التي لن تنتهي.
جلس زين بينهما وضرب على ركبة محمد قائلًا «يلا على مراتك»
هتف محمد مستفزًا له وهو ينظر لمودة «بجد أحسنت الاختيار والله»
زعق زين بنفاذ صبر «قومي خدي جوزك وانزلي»
سحب محمد زوجته وهو يضحك بسخرية واستفزاز، عاتبته زوحته «يا ابني بتستفزه ليه»
أجابها محمد بتهكم «والله وابن عمك وقع وهطلع عليه القديم والجديد»
ضربته بخفه معاتبة له على قوله «قلبك أسود»
حين انفرد زين بزوجته هتف بغضب «قاعدة بتضحكي معاه ليه»
عقدت ساعديها وأشاحت بكبرياء ترد له بضاعته«عادي ما أنت بجالك ساعة مع بنت عمك ومتكلمتش المفروض أجف جنبكم أخدم عليكم مثلًا»
ضمها بذراعه لصدره مستفسرًا بصحكة «بنغير بقا ولا إيه؟»
نزعت ذراعه من على كتفها ونهضت واقفة تخبره بكبرياء «ولا إيه؟»
قالت بإستهزاء «جوم شوف أسيل فين كمان عشان تكمل»
غادرت لحجرتهما موضًحا بنفور«أسيل غتته زي أخوها»
خلعت حجابها متعجبة تثير غضبه بقولها الماكر «معجول مع إن الإستاذ محم دمه خفيف ومثقف جدًا أنا استمتعت بالكلام معاه»
ابتسم بتهكم وهدوء مُربك وهو يقترب منها بحذر «والله بجد طيب ما تنزلي وراهم» أعادت الحجاب فوق خصلاتها مستحسنة الفكرة «فكرة حلوة أنا نازلة»
دفعها بغضب فتوقفت مكانها تنظر لعينيه المشتعلة وكفيه اللتان تسحبان حزام بنطاله، رمشت متسائلة بقلق «أنت هتعمل إيه؟»
حرّك الحزام في الهواء تحت نظراتها قائلًا بوعيد «شايفك ناقصة رباية يا حبيبتي فقررت هربيكي بطريقتي الخاصة»
فغرت فمها مندهشة من قوله وهي تتراجع للخلف محذرة «زين»
ضرب في الهواء لتخويفها وهو يقول بسخرية «خليتي فيها زين واقفة تتغزلي فراجل غريب ومش هامك برنيل الطرشي الي واقف، ماشي يا مودة»
التقطت أنفاسه وبللت شفتيها محذرة بعصبية «زين أنت فاكر نفسك فالقسم مع المجرمين»
نظر للحزام بنظرات تشتعل فخرًا وهو يتقدم منها ببطء قائلًا بإبتسامة مستهزئة «الحزام عمره ما خيب يا مجرم قلبي»
وقفت مكانها متحدية بصلابة، تهدده بعناد «اعملها عادي وشوف مين يجعدلك فيها، كنت سبتني زمان لعمار »
ابتسم للذكرى ووقعها في نفسها الذي ظهر جليًا على ملامحها، قال وهو يقترب أكثر «أنا اضرب مراتي بنفسي محدش يمد إيده عليكي غيري»
وقفت بثبات أمامه، منتظرة أن يفعلها بتحدي وقوة قبل أن تستمع لصوت أسيل بالخارج تطرق الباب وتنادي «زين»
دفعته بغضب وهي تهتف من بين أسنانها«روح شوف ما احنا مش هنخلص أنا بجول أروح بيت أهلي أحسن »
رمى الحزام وجلس متأوهًا وهو يمسك بذراعه المصاب قائلًا «حاسبي يا مودة أنا ما صدقت خف الجرح شوية»
عادت متراجعة تجاوره مُكذبة قوله «زين متستهبلنيش دا أنت ضربت خالي وأنت دراعك واجعك»
قطب موضحًا «ما أنت ضربتك بترشق فقلبي يا مجرم قلبي»
أشاحت تخبيء ابتسامتها عنه فجذبها مقترحًا «بقولك تيجي نسافر ونسيبهم النهاردة»
عادت بنظراتها إليه مبتسمة تسأل «بجد»
أكد بهزة رأس «أنا أصلًا مش طايقهم»
نهض يزعم أنه يبحث عن ملابس في الخزانة لكنه سحب منها أساور حديدية واقترب منها مبتسمًا بتشفي،بسرعة كان يُلبسها إياها ومازالت هي في طور الصدمة تراقبه «إيه دِه» أجابها بهدوء وهو يبتعد ليُقيمها بنظرة سريعة راضية «تأديب» ثم تنهد بإستحسان قائلًا «شكلك عظمة بالأساور»
حدجته بنظرة مستاءة وهي تجلس مختنقة بالتوبيخ والكلمات، تأبي توسله وترفض أن ترجوه، صمتت بصبر،بينما ينقر هو فوق هاتفه بمتعة ويراقبها بإستمتاع منتظرًا رضوخها.
رن باب الجرس فتأففت منزعجة، ضائقة وهو صامت متجاهل كأنه لا يسمع حتى يئست وهتفت «زين فكني وافتح ممكن يفتكروا…؟»
ابتلعت باقي الكلمات بحرج وخجل، فضحك وقال بفخر «ما يفتكروا كله هيتضاف cvبتاعي»
زفرت بغيظ من تحكمه فيها ونوبات جنونه «زين أنا زهجت»
أجابها ببرود وهدوء مُغيظ نظراته تشتعل حماسًا«أنا مرتاح»
تنفست بعمق ثم وضّحت بضجر
«عايزة أجوم أجهز أكل»
ترك الهاتف والتفت لها يتأملها قائلًا
«عندي شروط»
سئمت ما يحدث وجلوسها مُعاقبة مقيدة بالأساور كالمجرمين «موافجة عليها كلها»
حدّق فيها قائلًا «لما تعرفيها؟»
تأففت وهي تحرّك كفيها قائلة«يا عم موافقة»
«تبقي روقة لمدة يوم»
دوى شرطه فوق رأسها كالصاعقة، تدلى فكها ببلاهة وعينيها تحدق فيه بذهول.
سخر وهو يعود لإسترخائه بعدما راقب ملامحها وردّ فعلها الصادم «شوفتي»
لكنها فاجئته بردها، وأبهرته بسرعة قرارها
«موافقة»
لمعت عيناه بنظرة شقية مستمتعة ومنتشية بنصره العظيم، أثنى عليها في كرم ومروءة
«جدعة يا مودة هو أنا بحبك من شوية»
رن هاتفه فأجاب الاتصال قائلًا وهو ينظر لمودة التي ملّت من أفعاله «تنوروا أكيد مع إني مكنتش عايز أشوفكم بس عادي»
أنهى الاتصال فتساءلت «مين جاي؟»
أجابها ببرود وهو يتمدد بأريحية فوق الفِراش «حمزة وأختك»
نهضت واقفة تهتف بذهول واستنكار «وبتجولهم كده ليه؟»
أجابها بهدوء مثير للغيظ «براحتي بيتي»
قالت في عناد وغضب «خلاص لما حد تبعك يكلمني هجوله كده يا زين»
أجابها بغمزة وإعجاب «بت أبوكي متسبيش حقك وأنا واد أبويا برضو وهعلقك بعدها الحق حق»
زفرت في وجهه بغيظ قبل أن تمد كفيها ناحيته ليخلصها من الأساور «طيب فكني أحضر حاجة بسرعة»
لثم كفيها متنهدًا وهو يخبرها بإبتسامة باردة «لا بما إنه جاي عايزه يجي ويشوفك كده ويوريني هيعمل إيه الي بتهدديني بيه ؟ وأبقي اشتكيله وعيطي وخليه يحميكي»
طأطأت رأسها بيأس وقهر من أفعاله قبل أن تنفخ بإستسلام وتنهض متجهة ناحيته تدلله كما يحب «زينو حبيبي ممكن تفكني ميصحش حد يشوفني كده»
هز حاجبه مستفزًا لها، محبط الشعور«يصح وعاجبني كده، بما إن الليلة باظت ومفيش روقه»
انحنت ولثمت شفتيه متوسلة برقة«عشان خاطري»
تنهد بهيام منطربًا بمزاج من قبلاتها المتفرقة على شفتيه «يييييه دنيا»
دفنت وجهها بعنقه وهمست معترفة «أيوة بغير عليك من بت عمك أنت حبيبي وده حقي»
حاوط خصرها وهمس وهو يبعد وجهها عن عنقه قائلًا بعاطفة «حقك طبعًا بس أنا كنت بحكيلها الي حصل وكنت هخليكي جنبي بس خوفت حد فينا يقول كلمة بدون حساب تجرحك ولا تزعلك وأنا خاطرك غالي عندي يا مودة»
همست بخجل وهي تلثم خده «بحبك»
غمزها مقترحًا بشقاوة «طيب ما تقولي الدعاء»
رجته بخفوت وهي تلفظ اسمه مدللًا «زينو عشان خاطري نشوف ضيوفنا وأوعدك هقول أدعية المصحف كله»
سألها بضحكة منتشية «وعد؟»
هزت رأسها ببراءة كاذبة وصدق زائف«وعد»
اعتدل جالسًا يفتش عن مفتاح الأساور حتى وجده وحرر كفيها، فتنفست براحة وابتسمت برضا ثم ابتعدت تدلّك مكانهما معاتبة «عاجبك كده»
أجاب بقوة دون ذرة ندم «آه عاجبني ويلا شوفي هتعملي إيه»
نهضت متأففة تغمغم بكلمات غير مسموعة وهي تغادر الحجرة، فاستوقفها قائلًا «سمعيني بتقولي إيه؟»
أجابته وهي على عتبة الحجرة «بقول إنك راجل توكسيك»
قفز ليمسك بها لكنها ركضت للمطبخ وتراجع هو لهاتفه الذي يرن، صاح يتوعدها «يمشوا بس الضيوف وهوريكي أنا التوكسيك هيعمل إيه»
#انتهى

‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ..

سبحوا الله فلعل في التسبيح نجاة

الستون الجزء الثاني
‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ..

سبحوا الله فلعل في التسبيح نجاة ❤️

*****
خرجت من حجرته واجمه يمزقها القلق على حالته، دخلت المطبخ وخرجت ممسكةً بكوب أعشاب فاستوقفتها والدتها مستفسرة «في إيه يا أبرار؟»
زفرت أبرار بخفوت ثم أخبرتها ودموعها تترقرق في ألم «سليم تعبان من بالليل يا أما» انتفضت السيدة واقفة تهرول تجاهها مستفسرة بقلق مزّق سكينة ملامحها «واه ماله سليم يا أبرار؟»
وضّحت أبرار بحزن وهي تستمع لصوت سُعاله الحاد «جه بالليل بيتنفض من بره يا أما وجسمه مولع ومن وجتها وهو ونايم مطلعش وتعبان»
ضربت على صدرها في جزع «يا ضنايا يا ولدي»
اندفعت السيدة تجاه الحجرة تهتف بإسمه في قلق امتزج بندمها «سليم»
اعتدل سليم جالسًا والتعب يشوش أفكاره ونظراته تتراقص بهلاك فلا يميزالأجساد بوضوح «أيوة يا أمي»
مزق السعال الجاف صدره وأنهكه فجلست جواره تستعطفه بحنو «جوم يا ولدي روح للدكتور»
رفض من بين سعاله الذي ينهش صدره بمخالبه فيضع كفه على صدره متألمًا «جبت علاج وهبجى كويس»
ربتت فوق رأسه بحنو ونظراتها تعتذر منه في حسرة ولسانها يتوسله «جوم يا ضنايا اكشف أحسن»
تمدد بإرهاق وتعب رافضًا الذهاب «بإذن الله هبجى كويس اطمني»
استسلمته حين رأته واهن الجسد، دثرته جيدًا ورفضت تركه تتابعه بإشفاق وتربت فوق رأسه بحنو، يمزقه السعال فيتأوه تعبًا وتتألم مثله في كبدٍ ومشقة.
نادى على أبرار فساعدته والدته بعلو صوتها «أبرار كلمي أخوكي»
جاءته راكضة فسحب من تحت وسادته ورقة مطوية بعناية ومنحها لها قائلًا «بعد إذنك يا أمي خلي أبرار تروح لعاليا تديها الورجة دي وتجعد معاها شوية»
سألته والدته بإرتباك ونظراتها تسقط فوق الورقة بقلق «ورجة إيه دي يا سليم؟»
طأطأ سليم رأسه لأن ما سيقوله سيحطم آمالها ولن يريحها «مش طلاق يا أمي»
غفل عن تنهيدة الراحة التي رافقت قوله وطمأنينة روحها التي توسدت نظراتها لكنه لم يُخطىء تفسير لهفة نبرتها حين قالت«همي يا أبرار وأنا هكمل خدي الزيارة الي في التلاجة وروحي لمرت أخوكي»
رفع سليم عينيه الذابلة لوالدته في استفسار فابتسمت والدته وأوضحت وهي تمرر أناملها فوق مسبحتها العتيقة «جبنالها زيارة وكنا رايحنلها بس تروح دلوك هي ولما تروج يا ولدي هنروحوا تاني» صمت يستوعب قولها وهو يجاهد السعال فتابعت بتفاخر وكبرياء«أحب أدخل هناك معاك يا سليم واتشرف بدخلتي عليهم وفيدي الشيخ الي جدروه»
انكب سليم يلثم كفها بشكر وتقدير «ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك يارب»
مسحت على رأسه معتذرة له بحنان «معلش يا سليم يا ولدي متزعلش مني أمك كنها كبرت وخرفت»
قبّل سليم كتفها قائلًا بسرعة «بعيد الشر عنك يا أمي محصلش حاجة»
ثم وصاها برقة وحبه ينبض في كلماته «بالله يا أمي عاليا مبجلهاش غيرنا أنا متعشم فيكِ خير تكونيلها زي ما كنتي لينا»
ابتسمت والدموع تترقرق في عينيها «عشمك فمحله بإذن الله يا حبيبي تجوم بخير ونروح نزورها ونشوف متى هتكون جاهزه تشرفنا وتزودنا خير»
ابتسم سليم بإرتياح وهو يهمس حامدًا الله شاكرًا في نفسه ورد وما تركته من أثر، وتغيير قلب والدته بمجيئها وحديثها.
ارتدت أبرار ملابسها وغادرت بعدما استأذنته، استقبلتها راضية بمحبة وترحاب حتى أدخلتها لعاليا الحجرة، صومعتها التي تجلس فيها زاهدة متعبدة، تبكي مرة وتحمدالله ألف وتصبر في يقين...
لمحت أبرار واقفة بإبتسامة حنون تُشفي العلّة وتدثر بالأماني والوعود، بادلتها الابتسامة المرتجفة وعينيها تغتنم منها ملامحًا تُشبه أخيها، تأوهت عاليا بخفوت ولم تعرف كم اشتاقته حتى وقف جزءًا منه أمامها يطلب الدخول، أذنت لها بسرعة استقبلتها بلهفة تتنسم فيها ريح الحبيب وأمان ذراعيه وحنانه الذي يطغي ويتوغل في النفس فتطيب الجراح وتصبح الصحراء واحة، عانقتها أبرار مُعزية وتقبلت عاليا متنفسة بقوة تبحث بين ذرات الهواء عن رائحته، تفتش عنها بين حنايا الضلوع وبرائحة أخته، ابتعدت أبرار وجلست جوارها بصمت رفيق ثم سألتها عن حالها فحمدت عاليا الله بصبر وقوة يقين، هتفت معتذرة لها «معلش يا عاليا سليم مجاش معايا عشان تعبان»
انتفضت بقوة خرجت من الجُب المظلم تسأل بلهفة «ليه؟ خير؟»
ابتسمت أبرار وطمأنتها «من ساعة ما مات عم حسان وهو حزين وبيبات بره لغاية ما خد شوية برد شداد وسيبته في البيت مبيجومش والكحة تعبت صدره»
وقفت عالقة بين كلماته ترمش والأفكار تتنازع، ما علاقة سليم بحسان وسبب حزنه الشديد عليه وهل يعرف أن والدها من فعلها، هل كان ينقصها إثمًا آخر لوالدها تحمله فوق عاتقها، ماذا عن مرضه وألمه ماذا هي فاعلة؟
أفاقت على دخول مريم بأكواب الشيكولا الساخنة، أنقذتها اللحظة من الصمت ثرثرت مع أبرار بحماس وطيبة وكانت من وقتٍ لآخر تقحمها في الحوار وتواجهها بالأسئلة لتشارك فاستحسنت منها عاليا المساعدة والإنقاذ.. حين انتهت الجلسة نهضت عاليا فسألت أبرار بحرج «سكينة موجودة؟» تبادلتا مريم وعاليا النظرات بإرتباك تخلصت منه مريم وأجابت «موجودة بس راحت جنا مع جوزها»
هزت أبرار رأسها بتفهم قبل أن تقترب وتضم عاليا وتدس الورقة بكفها هامسةً«من سليم يا عاليا»
ضمتها عاليا بقوة هامسةً لها بخجل «لسليم يا أبرار مني له وجوليله ألف سلامة» ابتسمت أبرار وعلّقت قائلة وهي تبتعد عنها «يوصل يا ستي وبزيادة كمان»
ضربت عاليا نظراتها في الأرض بخجل وتورد فانسحبت أبرار شاكرة حُسن المقابلة ولطفهم معها.
غادرت مريم وتركت عاليا بصحبة الورقة تتلمسها برقة وتلثمها بنعومة، تتنفس رائحتها مفتشة عن عبقه فيها ليطمئن قلبها، ابتسمت وهي تفتحها وتفضها بلهفة وشوق، قرأت الكلمات بصوته وبنبرته الرخيمة التي تقبّل المسامع وتريح القلب
إلى: عالية المقام ومنية القلب والروح
اشتقت وإن كنتِ لا تفارقيني.
لن آتي لزيارتك حتى توتيني موثقًا من الله أنني لن أرى في عينيكِ التي أحب ما رأيت.
أحبك وسأظل ولن يغير قراري شيء ولن يبعدني عنكِ أحد، وإن لم تكوني لي فوالله لن أكون لغيرك ما حييت.
لا تُثقلي على النفس بإعراضك واتبعاك الظنون والهواجس، لا تتركي قلبي المتيم بك يحترق في نيران الوحدة، خذي بيده وشدي عليه ولن يخذلك يا نجمة سقطت من السماء فكان مستقرها القلب.
سليم.
لثمت اسمه عدد مرات ما اشتاقت وبكت، طوت الورقة بعناية وضمتها بكفها متنهدة وهي تمسح دموعًا غافلتها وسقطت.
أمسكت بهاتفها وراسلته قائلة
رأيت ما رأيت ولم ترى الحب يا شيخ؟
كذّب فؤاد عاليا وصدق فؤادك وحبك ، لن ترى سوى ما كتمه الفؤاد وتلظى به، لم يكن إعراضي عنك سوى إقدامًا ولهفة ارتدت ثوب الحياء منك، عاليا لا تريد زوجًا سواك، النجمة تريد مجاورة القمر أبد الدهر...
ابتسمت وختمت رسالتها ممازحة «بالله عليك أنا شغل الفصحى ده مجدرش عليه أنا حاسه إني ففيلم فجر الإسلام يا سليم.
وصلته الرسالة فضحك ملء فمه بسعادة غافلت المرض وتربعت فوق ملامحه المُجهدة الندية بحبات العرق، راسلها قائلًا «مساء الورد بحب الكتابة والورق قدر حب ليكِ يا عاليا ومبحبش رسايل التليفون»
مازحته «خلاص اتجوز الورق يا شيخ سليم،أو نشوفلنا حمام زاجل يوصلنا الرسايل»
قهقه مستمتعًا بمشاكستها لأول مرة معه وهو يكتب من بين دفقات السعال «اكتبيلي كتير على التليفون يمكن أحبه يا عاليا»
ابتسمت وراسلته «هفكر، خف بسرعة يا شيخ وتعالى متغيبش عني تاني»
ابتهج القلب ورفرف في سعادة ومازحها بمرح «ما تقولي وحشتني»
كتبت «يوحشنا الي فارق بس الي مفارقش لحظة يتقله متغبش»
«بحبك يا عالية»
مازحته مصححة «بالألف يا شيخ»
كتب لها « زادك الألف علوّ ورفعة وسبحان من جعلك فأعلى مكان في القلب ولو إن الضم يليق بيكِ أكتر»
تنهدت برضا وراحة لأول مرة تستشعرها منذ وفاة والدتها «بحبك يا شيخ بالفصحى والعامي»
«الله يصبر الشيخ لغاية ما يجيلك أو تجيله»
أنهى المراسلة وارتشف كوب الأعشاب بحماس وهمة ثم تناول الدواء وتدثر استعدادًا للنوم والراحة.
************
جاء حمزة وبصحبته سكن التي ترى شقة أختها لأول مرة، رحب بهما زين بشدة وبلفتة طيبة منه بارك لسكن على سيرها من جديد «أخيرًا مشيتي وجيتي ونورتينا يا خالة العيال» ابتسمت سكن بخجل وشكره حمزة على لفتته الكريمة، أما مودة فهمست له بتورد «شكرًا» فأجابها «يكش يطمر يا مودة هانم»
جلست سكن جوار أختها التي سحبتها بعد قليل وخرجت فانفرد حمزة بزين قائلًا «مكلمتش سليم؟»
أجابه زين منتبهًا لكلماته «ليه هو مبيجيش لعاليا»
هز حمزة رأسه برفض وهو يخبره ببحثه عنه وهاتفه المغلق على الدوام «لاه مبيجيش ومختفي عن الجامع جولت يمكن تعرف حاجة»
هرش زين فروة رأسه وقال بتفكير وكدر أصاب ملامحه «لا والله»
سأله حمزة بجدية يقاسمه القلق «ممكن يكون رجع فكلامه؟»
عارضه زين بفهم وتنّحية لهذا الإفتراض «لا لا معتقدش هو أكيد في حاجة»
اقترح حمزة بإهتمام «بجولك إيه أبجا تعالى ونروح نزوره ونشوف وبالمرة نعرف لو حاجة نجصاه في الشقة أو ترتيبات الفرح»
سأله زين وهو يمنحه سيجارًا «ناوي تساعده ولا إيه؟»
أجاب حمزة وهو يتناولها منه ويقترب لإشعالها «ليه لا؟ يهمني عاليا تكون مبسوطة ومرتاحة بس أكيد بطريقة غير مباشرة يا زين»
ابتسم زين معجبًا بالفكرة مستحسنًا القول يعرض مساعدته«تمام وأنا معاك»
ثم أردف بسخط متذكرًا كلمات حمزة له من قبل«ولا هتقولي مالكش دخل»
ربت حمزة على كتفه ضاحكًا يمازحه «ده أنت جلبك أسود بجى»
هتف زين بإستهزاء «من بعض ما عندكم يا حبيبي»
اعتذر حمزة برفق «ياعم مجصدش جلبك أبيض»
قال زين وهو ينفث من سيجاره «بقولك أنا مسافر عمرة تيجي معايا أنت ومراتك؟»
قطب حمزة بتركيز وتفكير عميق ثم قال بحماس «تمام مفيش مانع نعمل عمرة»
سحب حمزة نفسًا من سيجاره قائلًا «بس أنا في حاجة شغلاني وعايز أفهمها بجالي مدة وأكيد حلها عندك أنت متفوتكش حاجه لو مكانش ليك يد فيها »
انتبه له زين وسأله «إيه؟»
ابتسم حمزة وقال بانتظار شغوف «عمار» ثم أردف حمزة «سمعت كلام كده وعايز من الآخر عملت فالواد إيه؟»
تحرك زين من مكانه ونهض ليغلق الباب بحذر قائلًا «تمام هحكيلك»
عاد ليجلس ويقص عليه ما حدث تفصيلًا حتى انتهى فصفق له حمزة وأثنى على صنيعه «يا ابن اللذين عاش والله»
قال زين بسخط «أمال أسيبه يمشي ورا خاله ويروح فداهية ويلبسنا فالحيط معاه»
سأله حمزة بإهتمام «واقتنع؟»
ابتسم زين وأجابه بمكر ومض بنظراته «جبته قدامي وخيرته هيمشي مظبوط ويسيبه من خاله وابنه ويراعي لأخواته تمام هساعده واخلصه من المصيبة دي مش هيسمع وهيكمل خلاص هحبسه، كل حاجه عندي هجيبه والبسه القضية ويترمي في السجن »
سأله حمزة وهو يرفع حاجبه الأيسر «هو خاله كان بيستغله فعلًا»
أجابه زين بجدية «أيوة و كان مُعرّض يتمسك فأي وقت ومكنتش هعرف أعمله حاجة،غير التحريات والمراقبة وأنا مكنتش عايز اسمه يظهر خالص بأي شكل، فكان لازم أتصرف وأبعده فحكيتله كل حاجه وفهمته شغل خاله واستغلالهم ليه ووريته الورق والتحريات وفهمته إن القبض على خاله مسألة وقت ممكن خاله يورطه محدش عارف.. وهددته بطريقة غير مباشرة إني هبلغ أخو مراته والباقي هو عارفه فسمع وفهم و بدأ يفوق من تأثيرهم ويفهم واهو اتصلح حاله»
ربت حمزة على كتفه شاكرًا ممتنًا «جدع يا زين»
أوضح زين بسخرية «عايز مودة ومكنتش هسيبها ومش ناقص يبقى خالها وأخوها»
تفهم حمزة قوله وهز رأسه بإستحسان قبل أن تطرق مودة الباب وتستأذن الدخول، توددت سكن لزين بإبتسامة رائقة شفافة أغاظت حمزة «جوز أختي»
أجاب زين بإبتسامة خشنة مترقبة «عايزة إيه يا خالة العيال شامم ريحة مش حلوة»
ضحكت برقة ونظرات حمزة تتوعدها وتردعها لكنها تجاهلت وأكملت «إيه رأيك تشتري البيت الي جنبنا؟»
اتسعت ابتسامة زين وهو يحك ذقنه قائلًا «أي بيت؟»
أجابت وهي تتحاشى نظرات زوجها المشتعلة وتتجاهلها «الي جنب بيت حمزة»
ابتسم زين وقال وهو يهز رأسه بفطنة «قصدك البيت الي ساكنه فيه البشمهندسة ندى؟»
هزت رأسها بتأكيد وأمل فسألها زين بضحكة متهكمة «دي معزة وخدمة ولا عايزة تخلصي منها عشان الدكتور»
قال بضحكة مستمتعة حين أحنت رأسها بخجل وحرج «معييش فلوس»
رفعت رأسها متوددة تقنعه «فك الكيس يا جوز أختي وخده عشان مودة تكون جنبنا»
هرش زين مؤخرة رأسه مُفكرًا ثم قال «عايزة تخلصي منها على حسابي؟»
سألها حمزة بحذر «عرفتي منين عايزة تبيعه؟ ما يمكن متبعهوش»
قالت بتحدي وثقة «هتبيع سمعتها بتتكلم فجولت أجول لزين هو أولى»
صارحها زين بإبتسامة مُربكه «مش أنتِ الي هتطفشيها؟»
امتقع وجهها وارتبكت فضحك زين وقال يرحمها من الحرج «كملي أنت فطريقك ولما تزهق وتقرر تبيع هشتري»
اتسعت ابتسامة سكن وشكرته بسعادة فعرض عليها المساعدة «أنا في الخدمة وأبقي ابعتيهالي عندنا شقق في العمارة دي»
نال زجرة غاضبة من مودة فتراجع قائلًا ببراءة كاذبة «ايه؟ بساعد حرام»
ابتسم حمزة ونهض مستأذنًا «نمشي احنا بجى»
وقف زين معترضًا رافضًا «لا هتتعشوا معانا»
اعتذر حمزة بأدب وهو يسحب زوجته من كفها «لا هنتعشى ونجعد شوية على الكورنيش ونمشي»
اقترح زين عليهما «طيب ننزل معاكم نسهر هناك ونتعشى ونرجع»
خطا حمزة للخارج رافضًا بأدب «لا مرة تاني تصبحو على خير»
رحل حمزة بزوجته فأغلق زين الباب واستدار يفرك كفيه بحماس وهو ينادي مودة «روقه»
اختفت مودة لدقائق ثم عادت إليه مبتسمة بنصر جلب الشك لنفسه، ضمته وقبلته هامسة بدلال «حبيبي نبدأ بأيه»
غمزها زين وهو يضمها لصدره «أي حاجة الله يحرق خالك»
ضمته مودة بعمق ورضا غريب لتبتعد على رنين الجرس، هتف زين بحاجبين منعقدين وهو يتركها؛ ليفتح الباب «دا مين ده دلوقت.؟»
فتح الباب ليجد ابنة عمه وزوجها وأخته أسيل وريناد ووالدته يحملوا بعض الأطباق التي تحتوي على مقرمشات وبعض المسليات.. نظر زين لدخولهم مندهشًا ومودة تكتم ضحكاتها،
كان أول من تحدث أسيل التي قالت «ليه الرضا ده يا زين عزومة وسهرة وأكل من بره تأثير مودة جامد كدا»
سألها ببلاهة «نعم؟»
أجابت مودة ببراءة وهي تلف ذراعها حول ذراعه في كيد «نورتونا والله حالًا الأكل يوصل»
سأل زين متفاجئًا «أنا مطلبتش أكل»
تركته مودة وجلست جوار والدته ترمي له قبلة في الهواء وهي تؤكد «حبيبي أنا طلبت من بيت المشويات، أول ما جولتلي كلمي الجماعة وخليهم ييجوا يسهروا معانا طلبت علطول»
حملق فيها زين بذهول قبل أن يزفر مستعيدًا ثباته، ويبتسم شاكرًا «حبيبتي يا ميمو متحرمش منك»
لثمت كفها وألقت القبلة له فابتسم وجلس مُرغمًا يحرقها بنظراته المتوعدة، بدأت الثرثرة والحديث بين الأطراف، تعالت الضحكات،حتى وصل الطعام فغادرت مودة تأتي بالأطباق ولحق بها زين متعللًا وقف خلفها وانحنى مهددًا «وحياة أمك ما هعديها أنا تلبسيني فألفين جنيه وسهرة للصبح»
استدارت تكتم ضحكاتها قائلة وهي تداعب ذقنه«أنت كدها يا زينو وبعدين هما يعني هيزورونا كل يوم»
قال بجدية كاذبة «مكانش ينفع تتصرفي بدون إذني يمكن مش معايا فلوس»
قالت بإبتسامة لطيفة «أنا معايا»
علا صوته وهو يستنكر ممسككًا ذراعها بقبضته «نعم يا ست مودة هتصرفي عليا وعلى أهلي»
انطفأ وهج نظراتها وخبتت شعلة شقاوتها، عبست موضحة بحزن «مجصدش، وهي الفلوس الي معايا بتاعة مين ماهي من فلوسك»
زفر يسيطر على غضبه وعصبيته قبل أن يفك وثاقه ويهمس معتذرًا «متزعليش»
تخطته وعبرت ممسكة بالأطباق قائلة بجمود«عادي»
شدّ خصلاته واقترب يقطع طريقها متوددًا بحنو «ميمو»
وقفت مكانها فهمس «متطلعيش كدا»
قطبت بغير فهم لمقصده فمال ولثم شفتيها برقة ثم رفع نظراته يتأمل تورّد وجهها وصفاء ملامحها من الحزن وهمس «اطلعي كدا»
ابتسمت وقد فهمت مقصده،فهمس لها وهو يأخذ منها الأطباق «لو مشيوا الصبح برضو ما هسيبك هطبق يومين أنا قتيل الليلادي »
خرج ووزّع الأطباق ليبدأوا تناول الطعام بعد انتهاء العشاء، جلسوا أمام التلفاز لإتمام بقية السهرة وتبادل الدردشة والحديث.
""*********
دخلت أبرار لتجده خلف مكتبه منهمكًا في الدراسة، سألته عن حاله وصحته فأجاب ببشاشة ورضا، وقفت أبرار أمامه مستفسرة بفضول وهي تحتكر نظراته«سكتّ يعني ومسألتنيش حصل إيه؟»
سألها بإبتسامة واسعة وهو يوليها اهتمامه «حصل إيه؟»
ابتسمت بتسلية وهي تقترب أكثر قائلة «عاليا بعتالك حاجة معايا مش عايزها؟»
انتفض واقفًا بلهفة غلبته، ابتسم وسألها في فضول «حاجة إيه؟ فين»
اقتربت أبرار وضمته في صمت فبادلها العناق الحنون، لكنها أبت أن تتركه حتى توضّح «الحضن دِه متوصي عليه من عاليا يا سليم، جالتلي أديهولك وأجولك ألف سلامة»
تأوه بخفوت وهو يهمس بإسمها بين طيات نبرته المتعبة «حبيبتي يا عاليا»
ابتعدت أبرار موضحة بغمزة «كده وصّلت الرسالتين فالخدمة يا شيخ»
تنهد شاكرًا ونظراته تلمع ببريق يخطف القلوب وهو يشكرها «شكرًا يا ست البنات»
سألته بإهتمام «محتاج حاجة؟ أعملك حاجة تشرب؟»
أجابها فورًا وهو يفتش عن هاتفه «لا يا حبيبتي» التقط أنفاسه حين وجده، رفعه مفتشًا عن اسمها حتى عثر عليه وراسلها «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»
ابتسمت عاليا حين وصلتها رسالته فأجابات فورًا والابتسامة تفترش ملامحها «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ»
سألها وهو يجلس خلف مكتبه يولي الرسائل جلّ تفكيره «ازيك يا عاليا»
أجابت والابتسامة تتسع لتتحول ضحكة «ازيك أنت يا شيخ»
سألها بلهفة «أنتِ بعتيلي حاجة مع أبرار؟»
راوغت ووجهها يتورد خجلًا «أنا لاه مبعتش»
سألها يؤكد عليها «متأكدة؟ »
توفقت عن الكتابة مفكرة ثم كتبت تتملص من الإعتراف «لاه مش فاكرة جوي فكرني كدِه» انقلبت ابتسامته لضحكة مستمتعة وهو يكتب بوضوح «وصلني منك حضن؟»
ضحكت بتسلية قبل أن تكتب معترفة «تمام يارب يكون وصل كامل»
أجابها برقة دغدغت قلبها العاشق «الناقص هكمله لما أشوفك يا عاليا»
سألته متهربة منه «هتيجي متى يا سليم»
أجابها «خليها مفاجأة»
سألته وهي تتنهد بهيام «بقيت أحسن على العلاج؟»
كتب لها بصدق «حضنك الي بعتيه كان فيه الشفا»
مازحته بشقاوة استشف منه طبيعتها المرحة «تعالى أشوفك يا سليم وأطمن عليك أتأكد من إنك مش محتاج تغيّر العلاج»
قهقه بعذوبة قبل أم يمسد لحيته ويكتب مستمتعًا بشقاوتها «ماشي يا دكتورة عاليا مش همانع التغيير لو فيه صالحي كل الي يجي منك هحبه زيك»
كتبت هاربة منه وخجلها يزداد «تصبح على خير يا شيخ»
«وأنتِ بخير يا كل الخير والرضا»
غاصت عاليا بين الأغطية مبتهجة القلب في حالمية، تُقبّل صورته الموضوعة على الهاتف وتحتضنها ثم تغوص في نوم عميق.
**********
وقفت سكن تعدّل من وسادتها وهي تنظر لعينيه الغائمة بمشاعر غامضة وتحلّق فيها الأسئلة «حمزة» همست بها مترددة فأجاب وهو يتسطح فوق الفِراش بإنشغال «ها»
سألته وهي تجاوره استعدادًا للنوم «فيك إيه؟ إنت زعلان؟»
رمقها بنصف نظرة وهو يخبرها بضيق «شوفي إنتِ بجى»
سألته بحذر وهي تجلب وجهه ناحيتها بأناملها «عشان البيت»
قال وهو ينظر لعينيها بتيه «مفهمتكيش، مجولتليش ليه؟ وبتتكلمي مع زين عادي»
استنكرت قوله في اندهاش «ده جوز أختي وبعدين ما أنت بتكلم مودة»
أشاح متنفسًا بضيق فهمست تسترضية «خف غيرة أنا مش هطير»
لوى فمه متهكمًا من قولها «لما تخفي أنتِ وبعدين ولا أنا هطير»
أعطته ظهرها رافضة كلماته «إن كان عاجبك والله»
سحبها لأحضانه وضمها بذراعيه هامسًا «عاجب يا مفترية»
رن هاتفها فابتعدت تستكشف، وجدتها ورد فاجابت بفرحة «أيوة يا مرت خالي»
«ازيك يا سكن عاملة إيه يا بتي»
عاتبها سكن بحزن «لو بتك متسبنيش كل دِه وتبعدي»
ضحكت ورد قائلة «ما أنا سايبه ولدي ومسيبكاش لوحدك لاه معاكي حموزتك»
همست «أنتِ غير»
ثم ارتفع صوتها بقولها التالي «أنتِ وحشتيني متعودتش تبعدي وولدك بيشوفك وأنا محرومة من شوفتك»
ابتسم حمزة ومازحها بضربة خفيفة معترضًا «أمك جنبك»
رفعت له زيتونيتها صافية وهي تقرّ «هي أمي وعايزة أشوفها»
اشتكته لعمتها «عاجبك ضربني»
هتفت ورد بقوة مستهجنة«يضرب مين يا بت يا خايبة؟ لو عملها تاني تمشي وتسبيه إن كان هو واد عبدالحكيم أنتِ بت صالح»
ضحكت سكن بتألق وهي تناظره بكبرياء قبل أن ترجوها بمودة ونبرة ذات دلال «وحشتيني يا ورد تعالي أشوفك»
ضحكت ورد قائلة «دلوك عرفك ولدي جراله إيه وكان ينزل جنا ويجيني حاله مجلوب ليه»
ضمها حمزة بقوة بين ذراعيه وهو يؤرجح جسدها مُقبلًا رأسها بشغف كأنه يؤكد حقيقة قول والدته .
هتفت ورد منهية الاتصال «هاجي أشوفكم جبل ما تسافروا»
قالت سكن بلهفة «هستناكي من الفجر جدام البيت»
أنهت الاتصال واستسلمت لذراعي زوجها الذي أفصح عما داخله قائلًا «كنت خايف اتجوز واحدة متحبش أمي، أكتر حاجة كانت مخوفاني جوي بس الحمدلله اتجبرت بيكِ يا سكني»
سألته بإهتمام «هنسافر فين يا حمزاوي؟»
أجابها بجدية وهو يداع بأنامله غرتها المتساقطة «هنروح عمرة بإذن الله مع زين ومودة وبعدها وبعدها أسبوع تركيا»
قالت بفرحة «بجد يا حمزة»
أكدّ قائلًا «أيوة بس الأول نسافر نطمن على إبراهيم وأخواته واخليه يجي يجضي رمضان هنا معانا ويكون تحت عيني في المذاكرة، كلمني وزعلان وأنا مجدرش أسيبه امتحاناته جربت وأنا متعود بكون معاه وبسهر جنبه»
ابتعدت منتفضة تسأل بحنق «تسهر جنبه طيب وأنا»
ضربها بخفه «دلوك هتسهري تذاكري يا جزمة معاه»
دلّكت موضع الضربة برأسها مبرطمة «ماشي»
وجهها قائلًا وهو يتمدد «يلا نامي بطلي رغي»
**********
في الصباح جلست أمام المنزل تنتظر مجيء ورد كما أخبرتها، نظراتها تفتش حولها ثم تعود لكفيها بصمت وشرود، بعدما تركها حمزة وذهب لمباشرة عمله في المزرعة.
لمح هشام سكن جالسة فترك عمته واعتذر منها بأدب ثم رحل وخطت هي ناحية المنزل بتؤدة، رفعت سكن رأسها ورأتها قادمة فركضت تجاهه تستقبلها باللهفة والشوق.
ضمتها بقوة فتأرجح جسد ورد وعاتبتها «هجع يا ملكومة»
ابتعدت سكن عنها وقبلت خديها قائلة «هسندك»
عاتبتها ورد ببشاشة «حد يجري كده؟ صغيرة أنتِ» ضمتها سكن مرة أخرى تبثها شوقها «مجدرش أشوفك واستنى مكاني»
شددت ورد من احتضانها مبتسمة ممتنة وشاكرة لقلبها، ابتعدت سكن تلف ذراعها حول ذراع ورد وتسير معها تجاه المنزل قائلة «أول ما هتدخلي حمزة هييجي متأكدة»
سألتها ورد بإهتمام «عاملين إيه مع بعض؟» قالت سكن بضحكة رائقة «ولا حاجة خناج شوية وصُلح شوية»
هزت ورد رأسها بيأس منهما، بينما تبدلت ملامح ساكن حين رأت الجارة تقف أمام المنزل مترددة تبحث بنظراتها عن شيء
جزت سكن على أسنانها وتوترت فابتسمت ورد ملاحظة لما يدور بعقل الصغير التي هربت أفكارها كما نظراتها تجاه الجارة المتطفلة.
ما إن لمحتهما الفتاة حتى ابتسمت، رحّبت بها ورد «اهلا يا بتي»
نظرت الفتاة لسكن المتحفزة، الجاهزة لإنقضاض كقطة شرسة فحمحمت وبادلت ورد السلام متجاهلة سكن ثم سألت «دكتور حمزة موجود؟»
أول من تكلم كانت سكن التي أجابت من بين أسنانها «فشغله»
ارتبكت الفتاة من ملامح سكن ونبرتها فقالت «ممكن رقم تليفونه»
أجابت سكن بسرعة «ليه خير؟ »
قبل أن تجيبها كان حمزة يقفز من فوق الحائط القصير الذي يفصل المنازل عن الأراضي الزراعية ويقترب.. قالت ورد وهي تتخطاهما للداخل وتتجاوز المشاجرة التي ستحدث ببرود ولا مبالاة «الدكتور جه»
عقدت سكن ذراعيها أمام صدرها متحدية تنظر إليه بحدة، بينما استدارت الجارة تهديه أروع ابتساماتها، ابتسم هو بتردد وارتباك، مدّت الجارة كفها له فاضطر حمزة لمد كفه بحرج وضيق، لكن سكن سارعت وفردت كفها بين كفيهما وأمسكت بكف الجارة مبتسمة «حمزة مبيسلمش»
«ازيك يا دكتور لسه كنت بسأل عليك»
قالتها الجارة وهي تسحب كفها من كف سكن وتتجاهل ما حدث ونظرات سكن وقد زادت لون عينيها قتامة
«خير اتفضلي» قالها حمزة بإبتسامة حذرة ودودة وهو يبتعد خطوة ليقف جوار زوجته التي استحسنت فعلته ولفّت ذراعها حول ذراعه ومالت عليه بدلال.. طالعتها الجارة بنظرة ساخرة قبل أن تخبره «كنت محتاجة مساعدة آسفة ملقتش غيرك»
تخلت سكن عن هدوئها وقالت بشراسة نمرة داهمها خطر «هي المساعدات دي مبتخلصش؟ رايحه جاية يا دكتور حمزة»
نظرت إليه الجارة بإستنجاد ليتدخل لكنه صمت هو أيضًا لا يروقه ما يحدث فقالت الجارة بهدوء بار مُغيظ«آسفة بس أنتم أقرب جار ليا وبصراحة أحيانا مبعرفش اتصرف»
قالت سكن بفظاظة وهي ترمقها بنظرة مستهجنة «طالما عايشة لوحدك اتعودي تتصرفي لوحدك»
ابتسمت الجارة تخبيء حرجها متسائلة «أختك دي يا دكتور»
ابتسمت سكن ابتسامة صفراء ساخرة تؤكد «لاه مرته» أردفت الجارة بتطفل يثيرالغيظ «شكلك صغننة فسنة كام»
أجابها حمزة تلك المرة متخليًا عن صمته وهو ينظر لزوجته مبتسمًا «ثالثة ثانوي»
قالت الجارة وصدرها يغلي من شدة الغيظ «صغيرة عالجواز وعليك يا دكتور»
حك حمزة ذقنه وأجابها بإبتسامة تتسع على وجهه كلما نظر لسكن «خوفت وردتي لو استنيت عليها، غيري يجطفها فجطفتها أنا لحضني»
ابتسامة مهزوزة رسمتها الجارة على فمها وفيض غيظ من نظراتها الموجهة لسكن السعيدة بكلماته التي تدلله الآن بنظراتها وتهمس باسمه مدللًا فوق مهد شفتيها ممتنة «حمزاوي»
التفت للجارة واعتذر بأدب «معلش جاي تعبان من الشغل بعتذر لو تحبي أتصلك أشوفلك عُمال بالأجرة تعمل الي تحبيه»
شكرته الجارة بحرج وانسحبت تكتم زمجرة الغضب في صدرها..
دخل المنزل فتعلقت سكن برقبته تقبله على خديه بسعادة «شكرًا يا حموزتي»
صاحت ورد وهي ترتشف من كوب اللبن الممسكة به «حموزتك هججلك «طفشها» البت أكيد لولا ما راضية عنه»
أنزل حمزة ذراعيها برفق بعدما لثمها على جبينها وخطا ناحية والدته بجناح اللهفة يضمها بشدة مستوحشًا فراقها وابتعادها عنه «وحشتيني يا حبيبتي»
اندفعت سكن تجاهه بغيرة حمقاء « وأنا يا حموزتي» فنظر إليها حمزة بنظرة شفافة وهو يهمس «في حتة فجلبي محدش يملاها غير أمي يا سكن»
ربتت ورد فوق ذراعه مبتسمة هامسةً بشجن «فيك ريح حبيبي يا حمزة بضمتك الجلب ترد فيه الروح»
ابتعد حمزة مستفسرًا «إيه الأخبار هناك»
التقطت سكن النظرة الشقية بعينيه فحذرته بغيظ «جول الي فعنيك يا حمزة واسأل وشوف هيحصلك إيه»
قهقه حمزة يزعم البراءة «ايه مسألش عن بت خالي ومرت خالي»
دهست أسنانها بشفتيها في حنق وغيظ قبل أن تبتسم وتبادله المشاكسة بما لن يستطع عليه صبرا «وأنا هسأل عن واد عمي برضك»
انتفض واقفًا يتأفف من صنيع مكرها وكلماتها، اندفع ناحيتها بغضب فركضت هاربة منه تخبره من بين ضحكاتها «أنت الي بدأت هتضايجني هضايجك بزيادة»
عاد لوالدته بينما ركضت هي للأعلى.
***************
ارتدى سليم نفس الملابس التي رأته بها يومًا فغردت على مسامعه بإعجابها، تطيّب ونظر على نفسه في المرآة نظرة رضا وبعدها خرج فنهضت والدته ما إن رأته في استعداد قائلة «الله أكبر عليك يا شيخ»
ابتسم سليم وسأل أبرار الواقفة تصفّر بعفوية كالأطفال «حلو يا أبرار؟ هيعجب عاليا» دارت أبرار حوله وقالت بإنبهار ملأ نظراتها الحنون «هو أنت لسه هتعجب يا شيخ البت جلبها اتأخد منها وخلاص»
ابتسمت والدته ونادته لتتعكز عليه فلبى متلهفًا، أمسك بذراعها وخرج بها ليذهبان.
ودعتهما أبرار وأغلقت الباب، داعية له بصدق.
بعد قليل كان سليم يضع حقائب الزيارة أمام منزل عمتها عدا واحدة احتفظ بها معه ليدخل بها، استقبلهما عمار بترحاب شديد وكذلك فعلت راضية بكل حفاوة وسرور، بينما تسللت مريم للأعلى في لهفة لتخبر المنعزلة بحجرتها في الأعلى..
دخلت تلتقط أنفاسها بصعوبة فاعتدلت عاليا تسألها بقلق «مالك يا مريم؟»
ابتسمت مريم لتطمئنها وقالت وهي تجلس على طرف الفِراش «سليم وأمه تحت يا بت»
قفزت عاليا من جلستها متخلية عن هدوئها تتأكد «أمه ولا أخته»
ابتسمت مريم تشاركها فرحتها ببلوغ مرادها وتحقق أمنيتها «لاه أمه»
نهضت عاليا واقفة ترتب ملابسها فسحبتها مريم للأعلى حيث شقتها قائلة «تعالي معايا فوج عندي عباية حلوة سودة هتعجبك البسيها متلبسيش من الي معاكي»
رفضت عاليا في حرج منها «لاه يا مريم كويسين الي معايا»
لكن مريم لم تسمع لها ولم تتوقف تابعت الصعود ممسكة بها في تصميم وعزم وهي تقول بمودة «لاه مش كويسين»
فتحت الباب وأدخلتها قائلة بحزم رفيق «البسي وظبطي نفسك وانزلي»
وقفت عاليا مكانها في خجل، فضمتها مريم قائلة «احنا مش اخوات ولا إيه يا بت؟»
ضمتها عاليا في امتنان ومودة شاكرة لها معروفها معها واهتمامها وحتى فرحتها بمجيء والدة سليم تلك الزيارة التي تُعلن بها السيدة تقبلها زوجة لابنها وإرتضائها بها لتكمّل عائلتهم وتصبح فردًا منه.
ابتعدت مريم عنها وقادتها تجاه الحجرة حيث خزانة الملابس، سحبت العباءة وقدمتها لها بطيب نفس وابتسامة بشوش تحفزها وتشجعها «يلا بسرعة عشان متتأخريش»
«وهشوفلك خمار مناسب» فتشت حولها حتى عثرت عليه وقالت بزفرة رضا «كنت كويته للطواريء الحمدلله جاهز يلا همي مش عايزين نتأخر من أولها على حماتك»
عانقتها عاليا دامعة العينين قبل أن تنسحب تجاه المرحاض وتبدل ملابسها..
وقفت مريم تنتظرها حتى خرجت، وجّهتها للحجرة قائلة بإهتمام «تعالي ألفلك الخمار»
استسلمت عاليا بصمت لأيادي مريم وبالها مشغول، متوترة وخائفة من تلك الزيارة، لا تعرف هل ستروق لوالدة الشيخ أم لا؟ طمأنتها مريم التي شعرت بخوفها «اطمني أم الشيخ كويسة وطيبة أعرفها من بعيد»
هزت عاليا رأسها ومازال القلق يسيطر عليها وخوفها من المواجهة يزداد.. سمعت مريم نداء عمار وطلبه عاليا فشجعتها «يلا يابت والله أم الشيخ هتنبهر»
ابتسمت عاليا بتردد قبل أن تهبط السلّم بإرتجاف تتبعها مريم التي تبث فيها القوة بالكلمات.
استلمتها نظرات والدة سليم التي أحاطتها حتى وصلت إليها مع وصول ورد، تبادلت عاليا النظرات مع زوجة عمها لدقائق قبل أن تقترب ورد منها وتهمس «ارفعي رأسك يا بت و ادخلي عليهم بجلب جامد منتيش جليلة ولا ناجصة» ابتلعت عاليا ريقها ورفعت ذقنها في كبرياء وشموخ قبل أن تقترب بصحبة ورد، نهضت والدة سليم قائلة «اللهم صل عالنبي، الله أكبر»
ضمتها بحنو بالغ وعاملتها برقة ثم أجلستها جوارها معزية مواسية بكلمات دافئة،سلّمت ورد عليها بكبرياء «يا مرحب بأم الشيخ سليم حصلتلنا البركة وزاد بيتنا نور»
عانقتها والدة سليم بمودة وهي تهمس بالشكر في أذنها لصنيعها معها وإفاقتها لها ، ابتعدت ورد عنها متقبلة الشكر بإبتسامة متفهمة ومراعية ثم جاورت عاليا، تثني عليها وعلى جمالها وأدبها وأخلاقها بفخر.
بينما ظلت والدة سليم تتأملها بإعجاب وفرحة.
صوته الهاديء الرزين وصلها من الحجرة الصغيرة المُعدّة لاستقبال الضيوف فارتعشت بشوق وتحركت نظراتها تجاه الباب متمنية لو يطلب رؤيتها، وصلها صوت ضحكته الهادئة التي تشبهه فارتبكت أكثر وابتسمت بخجل وهي تفرك كفيها بإضطراب واضح لنظرات والدته الخبيرة وورد المستحسنة لما يحدث.
خرج عمار من الحجرة قائلًا «سليم بيسأل عن عاليا» انتفضت قبل أن ينهي كلماته، فضحتها لهفتها لنظرات الجميع المراقبة فابتسمت والدته وشجعتها «روحي يا بتي»
نهضت فورًا متنهدة براحة، طرقت باب الحجرة فأذن لها بابتسامته الحنون الدافئة التي تعيد لها توازنها وتحرر قلبها من أوجاعه وهمومه فتطلقه حرًا طليقًا في فضاء العشق «تعالي يا ست البنات»
تقدمت ببطء ونظراتها تنخفض أرضًا في حياء، جلست بالقرب منه في زاوية بعيدة عن أعين الجميع، سرى بينهما صمت قصير قطعه في تأمله لملامحها والاطمئنان عليها والشبع منها، همس وهو يفرد كفه بينهما في دعوة مسّت شغاف قلبها «عاليا»
تسلل كفها المرتعش لكفه فتخلل أناملها بأنامله هامسًا بعاطفة «وحشتيني يا ست البنات» ضم كفها بكفه قويًا حتى تهدأ خفقات قلبه قليلًا بينما هي تكاد تذوب من شدة خجلها.. مازحها هامسًا «مخدتش علاج جولت طبيبة الجلب والروح هتجوم بالمهمة، ها يا دكتورة هتكرريلي العلاج ولا هتغيريه»همست وهي ترفع نظراتها الشفافة إليه «سليم»
قطبت متسائلًا «إيه؟ مفيش علاج؟»
ابتسمت فأضاء وجهها وتأوه هو بعشق، اعتذر منها «معلش غبت عنك غصب عني وجت تاني هحكيلك»
تحررت أخيرًا من خجلها وركلته دافعة بلهفتها وخوفها ليطفوان على السطح «خفيت يا شيخ»
سألها وهو يغمرها بنظراته «أنتِ شايفة إيه؟» أخفضت نظراتها خجلة لا تقدر على مواجهته اللحظة وهي بكل هذا الشوق.
ما أعظم صبره عليها ورفقه بها، حين تصمت لتتماسك يصمت مثلها مبتسمًا يكتفي بتأملها ومراقبتها، وحين تتحرر من خجلها يترقب وينتظر بلهفة ومحبة، يستمع لها بإنصات وعناية..
سحب من جواره حقيبة بلاستيكية ومنحها لها قائلًا وهو يحك لحيته «مكنتش عارف أجبلك إيه؟ جبتلك زي ما بجيب لأبرار»
لمعت عيناها بنظرة متألقة، ودقات قلبها تتراقص على إيقاع أنفاسه وكلماته، ثم أخرج من جيب بنطاله مبلغًا ماليًا وقدمه لها قائلًا «خليهم معاكي يا عاليا»
رفعت نظراتها مندهشة تستفسر فأوضح بإبتسامته الحنون ورقة مشاعره التي احتضنت وجعها وحاجتها «يمكن تحتاجي حاجه، عارف الوضع اتغير وحياتك اتجلبت فجأة فهكون مبسوط لو طلبتي مني الي تحتاجيه ومتطلبيهوش من حد،وخلي دول معاكي»
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تنظر لابتسامته وتستمع لكلماته التي أرق من النسيم، شعوره بها وبما تعانيه وتفهمه كان أكبر من حفنة أموال، تساقطت دموعها غزيرة ومازالت نظراتها عنده ارتجف بقلق واقترب يسألها «غلطت فحاجة؟ بتبكي ليه ؟ » كانت كلماته صادقة لم تتسلل للقلب بل اقتحمته عنوه وفرضت سطوتها عليه، شعوره أعظم من حروف وصلها بختم كلماته، رمقها بضياع يريد الاقتراب منها وزرعها بأحضانه ولملمة دموعها لكنه يشعر بالحرج، نقّل نظراته بينها وبين باب الحجرة المفتوح بضياع ثم ترك المال جانبًا وحرر كفه من كفها ورفعهما لتضمان وجهها عوضًا عن جسدها وهمس «بتبكي ليه؟»
لملم لها دموعها بأنامله منتظرًا برفق إجابتها الضائعة كإبرة في كومة قش من المشاعر المختلطة وغير الواضحة.
هتفت بمرح تخفف من حزنه وخوفه عليها «الفلوس كام يا شيخ»
ابتسم وهو يواصل مسح وجهها «مش عارف معدتهمش»
قالت بمرح «أجل من متين جنيه مش هجبل»
نظر لعينيها ووقف عندهما هامسًا بآسف وحزن خيّم على ملامحه الجميلة وعاث في روحه الفساد «عاليا أنا يمكن مجدرش أعيشك زي ما كنتِ عايشة، أنا...
صمت يبتلع ريقه وقال بإبتسامة مهزوزة «الشيخ سليم على كدُّه يا عاليا وبيجاهد في الماجستير»
همست بإبتسامة خجول «الحمد الله إني على كدّ الشيخ سليم»
ابتسم بتردد قبل أن يوضح لها «يمكن تتعبي معايا شوية يا عاليا، حياتنا بسيطة ويمكن..
قاطعته متسائلة بمشاكسة «هتشيلني حديد ولا إيه يا سليم»
ابتسمت بحنو قبل أن تحتوي شتاته وتطمئن قلبه ببضع كلمات في حكمة ورزانة «مش عايزة حاجة يا سليم كفاية عليا أنت ، وأنا حياتي أبسط مما تتخيل، ركز فمذاكرتك ومتشلش هم حاجة»
أبعد كفيه عن وجهها وصمت فاقتربت منه قليلًا وهمست «هات الفلوس ولا رجعت فكلامك»
تناول المال ووضعه بكفها المفرود مبتسمًا فأغلقت عليهم مصارحة له «شكرًا يا شيخ دي أول فلوس أخدها من ساعة الي حصل»
همس مرتبكًا «هو أنا مش هاخد العلاج بتاعي»
قالت ضاحكة بتسلية «لاه المرة الجاية العلاج الي بعتهولك ممتد المفعول»
نادت عليه والدته فنهض واقفًا بتلبية سريعة، رجته عاليا «متتأخرش عليا يا شيخ»
ابتسم قائلًا «بإذن الله»
خطا للخارج وهي خلفه، ودّعت والدته وودعته بنظراتها وركضت بحقيبتها البلاستيكية للأعلى لتعرف ما الذي جاء.
ابتسمت دامعة حين أفرغت الحقيبة من محتوياتها التي لم تكن سوى حلوى وبطاطا مقلية ومقرمشات، تسطحت على جنبها وصفّتهم جوارها على الجانب الآخر من الفِراش تطالعهم بعين الامتنان والحب، ضمتهم لصدرها في عناق ترى فيه سليم بقلبه وروحه المحبة الصافية، انسابت دموعها دون استئذان تُغرق صفحة وجهها، اعتادت أيام الدلال أن تشتري كل ما تشتهيه نفسها دون حساب، اعتادت أن تمتلىء خزانتها بهم وحقائبها بالأموال أما الآن فهي لا تشتهي سوى الطمأنينة ولا ترغب سوى في أمان النفس، لا تفتش سوى عن الحب ودفء الأيام وونس لليالي.. اليوم أمدها بما تحب وربت على قلبها الموجوع، دثرها بالطمأنينة وغزى الروح برقته واحساسه.
فجأة شعرت بإفتقادها لجدها ورائحته
وصحبته، شعرت بالندم يتسلل لنفسها فهي نسيته في غمرة الألم وانغمست في وحل الضياع بأنانية لابد أنه يعاني، كيف تجاهلت؟ لملمت الحلوى وخبأتهم ثم نهضت مقررة الذهاب إليه.. لكن أولًا ستصنع له الطبق الذي يحب وتتناوله معه.. دخلت المطبخ بحماس وعاونتها مريم في صمت، تمُدها بما تحتاجه وتوجهها إن شردت حتى انتهت وسكبت الحريرة الساخنة في طبق مزخرف اختارته وفقًا لمزاجها الرائق، تناسب ألوان نقوشه الأمل الوليد بصدرها.
خرجت به متجهة ناحية منزل حمزة حيث يقيم جدها بالمندرة، وجدتها مغلقة فطرقت الباب وانتظرت حتى فتح لها حمزة فقالت معتذرة منه «معلش عايزه أشوف جدي»
ابتسم حمزة ببشاشة ومازحها قائلًا وهو ينظر للطبق «أوعي صاحبتك تأكله منك»
ابتسمت تجاريه في مزاحه «فوتني على المندرة علطول وبسرعة»
دخلت عاليا المندرة لتجد جدها جالسًا فوق الأريكة التي يتخذها مخدعًا له بصمت حزين وبؤس يملأ النفس ويحفر أخاديد واسعة في وجهه.
أدمعت بندم، تلوم نفسها على انغماسها في الحزن ونسيانها له، من المؤكد أنه يعاني ويتعذب أكثر منها فإن كان رفعت والدها فهو ولده وفلذة كبده.
خطت للداخل والعذاب يملأ نظراتها التي تضمه بحنو، وضعت الطبق فوق الطاولة الصغيرة التي تتوسط المكان وجلست جواره تهمس له «وحشتني يا جدي»
كلماتها كصاعقة كهربائية أعادته للحياة من جديد يتنفس، نظر إليها يتأملها لدقائق يستعيد ذاكرته المسلوبة ويقف على أعتاب الواقع شامخًا بقبضته حفنة من تراب الشوق «عاليا» همسها وهو يتأملها فاتسعت ابتسامتها ورفعت من على وجهها أستار الحزن القاتمة، بمرحها المعتاد والذي صافح الروح من جديد همست بعتابها الرقيق «كدِه يا جدي نسيت عاليا، جاعد هنا مع حمزة وسايبني هو أنا مش زيه ولا عشان هو واد عبد الحكيم»
لم تقصد إيلامه وإن فعلت فكان لنفسها قبله، هي المنبوذة بنسبها الملعونة بخطايا الأب، ضغطت على جرحها بالملح فتأوهت بحزن عاصف وتألمت بوجع، ماذا انطفأ بروحها؟ وجعل مرحها يخطو في ظلام النفس مستوحشًا، نسي الطريق وكيف يرقص منتقيًا الكلمات... نظراتها اعتذرت عن إخفاقها، أمسكت بكفه وقبّلته فارتعش الجد وطأطأ رأسه يبكي كطفل ضائع أشد ما يحتاج إليه أن يلتقي بمن يحب، ضمته عاليا معتذرة له عن بشاعة العالم وظلام النفوس، تحرر الرجل من ثقله وبكى بشدة، اعتذر لها عن سوء تربيته وضعفه ووهن نفسه أمام جبروت الفساد.. تركته يفرغ ما في قلبه حتى يهدأ، استمعت بإنصات وتفهمت بصبر، عاملته بقلب جُبل على المنح والعطاء، وربتت كأم رؤوم وهو طفلها الضائع المطارد من الهم، مسحت له دموعه وملّست على رأسه بحنان ثم استعادت مرحها وهمست «عملتلك الحريرة الي بتحبها»
صمت قليلًا ثم مط شفتيه وقال «وفين العيش يا عاليا»
همست له بمرح وضحكة تراقصت على ثغرها «عيش راضية مش مليح وناشف باظ منها الخبزة الي فاتت، هنسرج من عيش مرت عمي»
راقب حمزة ما يحدث بسعادة، وإعجاب
أحب علاقة عاليا وجده والتواصل الروحي بينهما، ابتسم حين استطاعت بكل صبر احتواء جدها والعبور به حاملة حزنه على عاتقها بتفهم لمنطقة أمان ، أعجبه منها طريقتها في التعامل واستماعها له ثم لملمتها كل الوجع بضحكة عابثة وطبق حريرة... دخل المطبخ وأحضر لهما رغيفًا من الخبز، وجدها تقف حائرة في خجل وحرج فمنحه لها مبتسمًا «خدي يا بت العم»
ابتسمت بشكر واستدارت لتذهب به لكنها توقف مكانها واستدارت توصي حمزة بخجل «خلي بالك من جدي يا حمزة معدش ليه حد غيرنا دلوك، جدي مش محتاج غير إنك تتكلم معاه وتسمعه وتطلعه من الي هو فيه»
أومأ بتفهم شاكرًا لها فأردفت بحكمة «عارفة إنك بار بيه وبتحبه بس يمكن الغربة عملت بينكم مسافة اتمنى تتخطاها معاه»
وقبل أن تغادر ابتسمت بمرح وشاكسته وهي ترى صديقتها تهبط درجات السلّم وتقترب«اعتبره زي سكن، الي عملته معاها والي وصّلتها ليه يتدرس والله دي كانت بجرة، وهخليه يجولك يا حموزتي»
اتسعت نظرات سكن التي استمعت للحديث، وصرخت بها «بتتنمري عليّ يا بت يا عاليا»
كتمت عاليا ضحكتها وركضت للداخل وسكن خلفها تقذفها باللعنات والشتائم متوعدة،أغلقت عاليا الباب الفاصل بين المندرة وباقي المنزل فهتفت سكن وهي تطرق «ماشي هجيبك برضك»
أحاط حمزة خصرها وذهب بها للأعلى ضاحكًا «عملالي مشاكل إنتِ بحموزتي دي» عاتبته بدلال ورقة «يعني مجولهاش»
نصحها حمزة بلين ورفق «لاه نخليها فأوضتنا بس يا سكني»
ضمته موافقة له على رأيه بينما انشغل هو بحالة جده ونصائح عاليا له وتخطي الفجوة ليصبح مقربًا أكثر من جده.
**********
في اليوم التالي استعدا للسفر، وقفت أمام المرآة تضبط النقاب لكنها فشلت مما جعله يقترب منها وينهاها «أنا هلبسهولك»
نثر عطره حول جسده واقترب منها يلفه ويضبطه لها كما تعلّم، قضى وقتًا ليس بقليل وهو يشاهد فيديوهات تعليميه ليتعلم ويفعلها لها هو بنفسه.
يحرك يديها وعلى وجهه ابتسامة ممتعة رائقة تغازل القلب المتيم به، فوق ملامحه ارتياح غريب وشغف لذيذ جعلها تهمس «كأنك بتلبسني طرحة فرح»
دللها بنظرة متألقة وابتسامة أكثر روعة وهو يميل ويلثم شفتيها هامسًا «بحب أعملك كل حاجه بنفسي، وأول مرة فكل حاجة حلوة ولها ذكرى يا سكني وحابب صورتي دايما مع كل ذكرى»
شعرت بالاختناق قليلًا كون الأمر جديدًا عليها لكنها تجاوزته مستمتعة بالنظر إلى عينيه الآن ونظرته الفريدة لها، غاصت بكيانها تستمع لهمسه «شكرًا إنك وافجتي وريحتيني يا سكن»
همست وعينيها تلتهمه بحب «أنا فالدنيا عشان أريحك يا حبيب سكن»
ضمها معتصرًا جسدها بين ذراعيه قبل أن يبتعد ويمسك بكفها هاتفًا «يلا سكني»
تشبثت بكفه وغادرت معه ودّع والدته ورحل بعدما أوصى عليها عمار الذي طمأنه ممتنًا لتلك الثقة.
في المحطة جلست منتظرة أنا يجلب لها عصير القصب الذي تحبه والذي أصرّت أن يغادر ويشتريه لها.
شعرت ببعض الاختناق كون أن النقاب جديدًا عليها ولم تعتاده، فتنفست بعمق محاولة السيطرة على توترها من ضيق أنفاسها..
أمامها وقف شابًا سمجًا يغازلها بضحكاته، يتابعها بإهتمام، اقترب منها يعرض خدماته بوقاحة «محتاجة حاجة يا آنسة»
رمقته بنظرة مختنقة بالاشمئزاز قبل أن تصرفه بغضب «لا شكرًا»
نهضت واقفة وتحركت ليرحل، لكنه ظل مكانه يهتف «طب أي خدمة»
زجرته بنظراتها الحادة فضحك قائلًا «العنين دباحة والله» نقرت فوق هاتفها تستعجل زوجها، فمرّ المتطفل من أمامها في تصميم وهو يهتف بضحكة «أمال الي تحت النقاب إيه بس؟»
رفعت رأسها وانحبست أنفاسها في صدرها حين سمعت صوته الرجولي الغاضب «تعالى أوريك الي تحته»
قبض حمزة الذي ألقى ما بيده أرضًا بلا مبالاة وغضب، ثم سحب الشاب من ملابسه واشتد بينهما العراك، ليتجمع كل من في المحطة يجاهدون لتخليص الشاب من بين براثن حمزة لكن لا فائدة واصل ضربه بعنف وغضب حتى توسله الشاب معتذرًا له «خلاص يا عم»
تقدّم رجل كبير في السن يستعطف حمزة «سيبه ده عيل غلبان»
قال حمزة وهو يلكمه بقوة على فمه «غلبان مش غلبان يتربى»
كلما حاولت سكن الاقتراب منه، عنفها بنظرة نارية وحذرها من الاقتراب فابتعدت عنه في خوف وحذر.
بعد عناء مع رأس حمزة الصلد والتعامل الحذر مع غضبه، ترك الشاب وجلس على المقعد جوارها قائلًا «هاتي مية»
منحته زجاجة المياه فارتشف منها وأعادها لها في صمت، يرتب بعثرته ويعيد هندمة ملابسه وهيئته، يستعيد رباطة الجأش والثبات.. وصل القطار فنهض ممسكًا بكفها في حماية ونظرات الناس تراقبهما في فضول بعد ما حدث..
جلسا في صمت استرخى على مقعده وأغمض عينيه، تذكرت الشجار انطلقت ضحكاتها تمزق السكون وتطعن الصمت.. فتح عينيه مندهشًا، زجرها بنظرة غير راضية فكتمت ضحكاتها ونظرت للنافذة
بعد قليل مالت وهمست «أنا مالي بتعاقب ليه»
قال من بين أسنانه «لسه ضارب واحد عشان عنين حضرتك تجومي تضحكي»
همست «ضحكتي مش حلوة اطمن»
رفع حاجبه للأعلى مستنكرًا يهتف بدهشة «مين جال كِده؟»
أجابته وهي تضع رأسها على ذراعه «أنا»
قال بجدية تناقض دفء كلماته «طيب جلبي ليه لما تضحكي بيفارج صدري ويروح لعندك»
مازحته وهي ترفع له نظراتها العاشقة «اسأله»
غمغم بإستياء وضجر «النقاب زود عنيكِ حلاوة،الأول الي يشوفك كان يحتار إيه أحلى فملامحك دلوك هيشوف الأحلى ويضيع زي ما واد عبد الحكيم ضايع»
همست وهي تمسك كفه تتلمس باطن كفه بأناملها الرشيقة الناعمة «وواد عبد الحكيم يضيع ليه وأنا ملكه»
ثم عاتبته بلين «عدمت الواد العافية»
تمتم بغيظ «كويس مفجعتلوش عينه»
زفرت محذرة له «حمزة »
رن هاتفه فأجاب حين طالع الشاشة ورأى اسم المتصل: الووو
هتف زين بسخط
*اهلا بالبلطجي الي عامل مشاكل، هو أنا مش هرتاح منكم.
سأله حمزة بلا مبالاة وبرود
-عايز إيه...
سأله زين بحدة
*بتضرب ليه؟ أنت عارف الواد ده منين؟ لو كنت صبرت شوية كمان كان جاب اهله وعملوا منك سيخ شاورما.
ببرود أجابه حمزة
-عادي وبعدين أنت إيه بتنام بعين مفتوحة، أنا خايف يكون حد معانا في الجطر.
سخر زين بمرح
*لا القطر مش تبعي ضربته ليه؟
أجاب حمزة ببساطة
-عاكس خالة العيال أسيبه.؟
أجاب زين بإقتناع
*لا كنت كلمتني جيتلك وروقناه زي عمك.
انطلقت الضحكات المستمتعة منهما قبل أن ينهي زين الاتصال
توصلوا بالسلامة.
أعاد حمزة الهاتف لجيب معطفه ومال ناحية سكن مبتسمًا يتودد إليها بشغف «سكني ما تجوليلي كلام حلو»
********
انتظر في القاهرة حتى خرجت تأشيرة العمرة
ولحق بهما زين ثم سافروا جميعًا إلى السعودية لأداء العمرة
أنتهت العمرة الأولى وغادرا للفندق،جلست أمام النافذة الزجاجية الواسعة تنظر للبيت الحرام متأثرة تدعي بخفوت وفرحة لا تترك صدرها بل تستوطنه وتعمّر فيه، بكت ثم مالت وهمست أمام نظرات زوجها المُراقبة «دا أكتر ما اتمنيت يا حمزة»
ربت فوق رأسها بحنان وعينيه تصطفيها بالنظرة والحب، ثم مال وهمس متنهدًا «ادعيلي يا بت الخال»
لمعت عيناها تسأله وذراعه اليمنى تطوّق كتفيها «بأيه»
أجابها وهو ينظر للكعبة المشرفة «بيكِ فكل زمان ومكان»إلتقطت أنفاسها المتسارعة انبهارًا وشغفًا وهمست له «آه من عينيك يا حمزة بتوعد وتوفي وتمني وتحقق »ابتسم متنهدًا مُحبًا لغزلها، يعشقه منه ويفضله، ضحكتها على ابتسامته تعثرت في بعض الدموع المتساقطة وقد امتزج فرحها بتأثرها واختلط لينتج مزيج رائع اللحظة .
احتار بشدة فيما سيقول، منشغل بترتيب كلماته التي تتبعثر رغمًا عنه، حزم أمره مستغلًا اللحظة الخاصة و صفاء نفسها وهدوء سريرتها ، ابتسم بتردد قبل أن يستأذنها «سكن عايز أعمل حاجة ومش هعملها غير لما أجولك، مش حابب مجولكيش»
صمتت بتركيز، نظراتها تتفحصه وتغوص في قاع نفسه مستكشفة، ظل هو مترددًا يبتلع ريقه بإرتباك، يدعو الله داخله أن توافق، أنقذته بإبتسامتها الحنون لملمت بعثرته بحنوها وطيبة قلبها وسماحة نفسها، تعلقت الدموع بأهدابها وهي تبتسم هامسةً «أعملها عمرة يا حمزة أنا موافجة» أمسك بكفها وضمه مؤكدًا بتأثر «أنتِ حبيبة الجلب والله يا سكن»
أوضحت شعوره بحكمة «وأنت أصيل ومن بيت أصله طيب يا حمزة ومتنساش المعروف ولا تهون عليك العشرة بسهولة، هوّن عليك يا حبيبي أنا موافجة»
سألها ببراءة طفل يخشى فقدان ما يحب «مش هتبكي ولا تزعلي ولا تخاصميني صح؟»
ضحكت وهي تندفع لحضنه مؤكدة«مش هعمل كل دِه يا حبيبي بس هغير غصب عني»
ربت على ظهرها متفهمًا يهدؤها ويطعمها الحب بأنفاسه الحانية وكلماته العميقة «لاه متغيريش حمزة جلبه ليكِ لوحدك والله بت الخال»
**********
بعد مرور أسبوعين بعد عودتهم اجتمعوا بمنزل راضية على العشاء.
قبض عليها حمزة واقفة أمام طبق كبير ممتليء بالأرز تتناوله بنهم وجوع شديد «سكن»
رفعت وجهها الملطخ ببقايا الطعام مُجيبة ببراءة «نعم»
استنكر حمزة فعلتها وأمسك بها ينهرها «سايبة الأكل هناك وجايه هنا تاكلي»
اعتذرت منه بأسف وهي تنظر للطعام بإشتهاء «ريحته يا حمزة حلوة وأحسن من أكلك»
ضم شفتيه في غيظ من قولها «أحسن من أكلي كمان دا أنتِ ليلتك..»
ضحكت مقاطعة بشقاوة وهي تخبره بخفوت «ليلتي حمرا يا حموزتي»
خبأ ابتسامته وضربها بخفة خلف رأسها قبل أن يسحبها للخارج معه، أوقفته راضية رافضة ما يحدث «سيبها يا ولدي»
رفض وهو يغادر بها للمرحاض، يغسل لها وجهه الملطّخ بالطعام وهو يستنكر «سكن كنتِ بتاكلي بوشك كله؟ »
رفعت وجهها متنفسة بعمق وهي تخبره بإستياء مما يفعله «أنت مالك أكل بالي أكله»
نظر لوجهها مبتسمًا يتأمل ملامحها وعينيها التي تمتليء بالشقاوة هامسًا «شبه الجطط بالي أنتِ عملاه فنفسك ده»
ابتسمت هامسة بدلال «والجطط وحشين؟» غمزها هامسًا بشغف « مفيش أحلى من كدِه» سحبها يجفف لها وجهها وبعدها خرج يمسك بكفها.
جاء زين ومودة وعاليا وسليم لتكتمل الأمسية، فرشت مودة الأرض ورصّت الأطباق مثنية على صنيع مريم «تسلم يدك يا مريوم بس ليه تعبتي نفسك»
قالت مريم بمودة «مفيش تعب ولا حاجة وبعدين عمتي ساعدتني وسكن شوية وعاليا»
جلست سكن جواره وعاليا ومودة أمامهما مراقبتين بينما راضية على الرأس تفتتح الغداء بهمتها وحماسها.
اختارت سكن أفضل معلقة ووضعتها أمامه لأنها تعرف حرصه في اختيارها وانتقائه لها، وقرفه الشديد... تناولها وشرع في الطعام وهو منشغل بمبادلة زين الحديث، الحديث الذي لم يشغله قط عن انتقاء وحصر حبات الزبيب من طبق الأرز ووضعه أمامها لمعرفته المسبقة أنها تحبه وتفضله.
هتفت عاليا وهي تراقب فعلته بسخرية «لمّه محدش بيحبه في الرز غيرها من يومها بجرة» لكزتها سكن بضجر
بينما انتبه حمزة لفعلته التلقائية فنظر إليها وجدها غارقة في الخجل على غير عادتها، همست موضحة «جبتلي كل الزبيب يا حمزة»
نظر لما وضعه أمامها ليجد حفنة كبيرة جعلته يبتسم، غمغمت راضية «اللهم صل عالنبي، الله أكبر عليكم»
عاد للطعام من جديد وكلما رأى ما تحبه وتفضله قربه منها لتنال أكبر قدر، بينما تسخر مودة تلك المرة «محدش ياكل غير سكن ولا ايه يا دكتور»
أجاب زين وهو يحمل البطة التي تتوسط الطعام منحها لمودة قائلًا «خد يا حبيبي أنت تأكل الي يعجبك والي مش عاجبه الحبس يشيل من الحبايب ألف»
ضحك الجميع على قوله، ليشير زين ناحية طبق كبير ممتلىء بقطع اللحم قائلًا بتهكم«خدي يا عاليا نصيبك جوزك مش هياخد، واحنا مش هنسيب حاجه لحبيب عمته»
تناولته عاليا هاتفة بمزاح «لا هاخده لو انشغلنا شوية هيأكله كله لسكن»
فجأة صمت الجميع على قول الجدة الغاضب ونهرها حمزة بغضب وعنف «جيت ليه يا عبد الحكيم، مش جولتلك متخطيش البيت طول ما أنا عايشة»
أصابته غصه ولم يدري أهي بسبب توقف الطعام بحلقه أم بسبب كلمات جدته المفاجأة التي أصابته بالحرج، بسرعة ناولته سكن الماء وهي تحيطه بنظرات دافئة حنون تلملم ما تبعثر من أفكاره وتعيد إليه ثباته
أردفت الجدة وهي تقترب وتلكزه بعصاها على أعين الصامتين المترقبين بإشفاق «اتجوزت بت السحارة، سحرتك وجوّتك علي يا حكيم، ربنا ياخدها زي ما خدتك مني» ارتبك حمزة بشدة وطأطأ في حرج وحزن ولكزات العصا تؤلمه كأنها في القلب
كان أول من تصدى وصرخ بإنفعال سكن، التي وقفت رافضة ما يحدث والدموع تترقرق بعينيها «دِه حمزة يا جدتي مش عبدالحكيم، عمتي مش سحارة دي ست الناس كلها ربنا يخليها لينا وميحرمناش منها سندنا وضهرنا»
صرخت الجدة مستنكرة نافرة «مين أنتِ يا بت؟ وعمتك مين الي ست الناس يا ملكومة الله فسماه لو شوفتها لأموتها»
اندفعت سكن تُبعد العصا عن حمزة تقف حائلًا بينهما تستقبل هي كل شيء
نهض حمزة رغم رفض زين الذي أمسك بكفه في مؤازرة حنون مشفقًا عليه متفهمًا يخفف من حرجه بالدعم ، ضم زوجته وقبّل رأسها بتقدير ثم اقترب وانحنى يقبل كف جدته التي استقبلت صنيعه بنفور ونظرات مشمئزة رافضة أوجعته
أجلى صوته وقال بصوت خرج ثابتًا قويًا تحيطه الابتسامة «أبوي عمل الصح يا جدة، فخور أنا إن أمي بت السحارة الي بتجولي عليها ولو هتمنى أهلى مكنتش هتمنى غيرهم، أمي بكل حلاوتها وطيبتها وأبوي بحبه ليها ونبله وشهامته وجوّته»
نهرته الجدة دون وعي «غور من جدامي يا واد السحارة»
ابتسم حمزة والتفت يعتذر للجميع وبعدها انسحب ورحل، وهي خلفه تناديه «حمزة» دخل بين الأشجار التي زرعها وقف، استدار مبتسمًا برقة يسألها وهو يتأمل لهاثها «جايه ورايا ليه؟» ضحكت برقة وقد فهمت ما يقصده ويشير إليه، اقتربت هامسةً «كل ما تزعل هتلاجيني وراك بصالحك وأراضيك»
ضيق عينيه وشرد مُفكرًا يسألها بمرح«دافعتي عني للمرة الكام دلوك؟»
ارتمت بين ذراعيه مستغلة السياج الذي صنعه بالأشجار المتراصة والظلام في تلك البقعة وأغمضت عينيها هامسةً «التانية، التالته، المليون مش مهم»
سألها وهو يحيطها بذراعيه يستقبل دعمها ومواساتها «أمال إيه المهم»
رفعت وجهها وهمست بنظرة متألقه وقلب يدق مُعلنًا العشق «إنت أهم ما في الدنيا وخاطرك أهم من كل الناس، متزعلش يا حمزاوي»
ضم ذقنها بأنامله وهمس «وأزعل ليه وسكينة الصغيرة بتدافع عني كل مرة وتجف لأي حد يجيب سيرتي»
تقلصت ملامحه وانتبه يراقبها وأنفاسها تعلو وتهبط بإنفعال، تنهيداتها الناعمة تتوالى وهي تنظر إليه بتلك النظرة الرائعة...سألها وهو يضربها بخفة «مالك يا بت.؟»
همست من بين أنفاسها اللاهثة بعاطفة ونظراتها تتبع عينيه كقبس من نور «مالي إيه بس يا واد خالي بحبك»
تعلقت برقبته تضمه، ليبعدها مُخفيًا تأثره «طب ما عادي من يوم ما عرفتك وأنتِ بتجوليلي بحبك»
ابتعدت وسألته بقلق «إنت شايف إنهم واحد كل مرة ياحمزة.؟»
أحاط خصرها بذراع وقربها منه لتلتصق بجسده، رفع كفه يمرر أنامله على وجهها كأنه يستكشفها من جديد «كل واحدة أحلى من التانية وليها طعم مختلف»
ضحكت برقة قبل أن تستطيل على أطراف أناملها وتداعب أنفها بأنفه هامسةً «أحساسي بيك كل مرة بيختلف يا حمزاوي، ياريتني أعرف أوصفه لك ياحبيبي بأكتر من كلمة بحبك»
«سكن» خرجت حروفه مرتجفة متأثرة بها، ابتسمت لارتباكه واقتربت تلثم خده بقبلاتها الناعمة بينما هو مغمض العينين تاركًا لمساتها ودف أنفاسها يتغلغل داخله يلمس كل ما فيه ويمر على روحه ويمسح أي وجع .
رن هاتفه فانتفض، أبعدها وهمس حين طالع شاشته «ده زين شكلهم بيدوروا علينا»
ضمها مرة أخرى ثم ابتعد يستعيد ثباته وتوازنه ويجيب على الهاتف قائلًا «أنا في الجنينة تعالوا هناك نعمل شاي وجول لمودة تجيب فرش»
بعد دقائق انضم لهم الجميع متجاهلين ما حدث عمدًا، تحلقوا يتناقشون ويثرثرون،يحددون موعد زفاف عاليا وسليم ضحكاتهم تملأ المكان وتطرد الوحشة.
مال حمزة وهمس لسكن الملتصقة به رافضة تركه «الليلة أنتِ بتاعتي»
همست بإبتسامة نضرة «وكل ليلة يا حبيبي» سألها مُعاتبًا صنيعها فيه وحرمانه منها «مش هتنامي من العشا وتسبيني زي كل ليلة؟»
همست بسرعة تتبرأ من ظنونه وشكّه فيها«لا مش هيحصل يا حمزاوي»
عاد بنظراته وانتباهه للجمع وهو يهمس «هشوف»
******

الستون الجزء الثالث
في اليوم التالي
مال حمزة وهمس في أذن والدته ببعض الكلمات التي جعلتها تبتسم وتمنحه نظرة رضا رائعة وتسترخي بسلام تطالع سكن بنظرة جديدة ، جلست سكن جوارهما تسأل بغيظ وهي ترى توحّد الابتسامة بينهما وبشاشة النظرات،وهمسهما المستمر منذ الصباح ، توجست منهما خيفة «مالكم مش مرتحالكم أنا يارب متكونوش بتتفجوا عليا»
ضحك حمزة وضمها لصدره موبخًا لها «هنتفج عليكي ليه يا بجرة؟» سألته وهي تنقّل نظراتها بينهما بريبة «في إيه؟ بتجولوا إيه مش عايزيني أسمعه؟» زجرها بنظرة خاطفة يوبخها على حشر أنفها بتصنع يريد الهرب من مواجهتها الآن حتى يتأكد من ظنونه وبشرى والدته «أنتِ مالك؟ دِه سر»
تأففت منزعجة في غير اهتمام من قوله ،تُلقيه بعيدًا فهي تعرف مزحه من جدّه التقطت حبة برتقال من أمامها ومنحتها له مطالبة بوداعة «حموزتي جشرها وشيلي البذر» تناولها حمزة بصمت وبدأ في تقشيرها وتقسيمها لفصوص، يمتص البذور ويمنحها لها حتى شبعت بعدما تناولها خمس برتقالات، ابتسم حمزة قائلًا «بالهنا والشفا أجشرلك تاني؟»
تابعتها ورد بفرحة غريبة وابتسامة كزينة للفرحة التي تخالط نظرتها الشفافة الآن
تثاءبت سكن قائلة بكسل «لاه هنام»
أشار لساقه في رحابة وحنو بالغ «نامي يلا شوية يا حبيبي»
لكن ورد اعترضت «لاه خدها فوج الكنبة ناشفة عليها يا ولدي»
أطاع حمزة بتفهم، سحبها من كفها وصعد بها للأعلى، ارتمت فوق الفِراش بقوة فحذرها بإنزعاج شديد وقلق وهو يقترب ويساعدها «سكن بالراحة يا بابا»
مطت شفتيها مستاءة من كلمته، تمددت فوق الفِراش فسحب الدثار على جسدها قائلًا «نامي هشتغل جنبك عاللاب توب»
تشبثت بكفه هامسةً بدلال «لاه تعالى نيمني فحضنك سيبك من الشغل»
مرر كفه فوق رأسها موضحًا برقة «احنا لسه صاحيين مش هنام»
زفرت بضيق من اعتراضه وقالت وهي تُبعد الدثار بقدميها متعنتة كالصغار «لاه حتى لو منمتش تعالى جنبي عشان أعرف أنام»
استسلم لطلبها بحنو، جاورها ضامًا لها بين ذراعيه فهمست «حمزة لما أصحى جبلي عصير جصب»
قبّل جبينها هامسًا «حاضر لما تصحي نطلع واشتري الي تحبيه ونفسك فيه»
ضمته أكثر بذراعيها وهي تهمس بخفوت قبل أن تسقط في النوم «أحلى حمزاوي»
هدهدها حتى نامت ثم تسلل وتركها ليعمل حتى تستيقظ..
في المغرب ذهب بها للقرية المجاورة طلب منها أن تشتري ما تريده بشرط واحد أن تذهب معه لمعمل تحاليل وتُجري تحليلًا ضروريًا، سألته عنه فأجاب بمراوغة ودهاء «شاكك عندك أنيميا يا سكن فهشوف»
ابتسم فبقرته لا تنتبه لتأخرعادتها الشهرية ولا تهتم ويقسم أنها حتى لا تعرف حتى مواعيدها .. قادها للمعمل، سحب منها عينة الدم وبعدها خرج بها متجولًا اشترى لها من تريده وعاد بها.
منح والدته إشارة التمام وجلس أمام المنزل معهم ينظر لساعته من وقتٍ لآخر بقلق وشغف، يلتقي بنظرات أمه فتبتسم براحة وطمأنينة ويشرد هو في أفكاره وقلقه.
بعد مرور ساعتين انسحب متعللًا غادر ليأتي بنتيجة التحليل، ليعود بعد نصف ساعة، كان الجمع قد انفض وحدها والدته في انتظاره أمام النافذة وسكن تضع رأسها على فخذ ورد غارقة في النوم.
دخل المنزل يستقبله سؤال والدته المترقب لإجابة تعرفها لكن لا ضرر من التأكد ومقاسمته الفرحة التي انتظرتها طويلًا لتراها بنظراته وتشعر بإنطباعها على روحه «ها يا أبو عبد الحكيم؟»
تنفس بعمق قبل أن تتسع ابتسامته ويهز رأسه مؤكدًا بعدم تصديق وفرحة «حامل»
هللت ورد وحمدت الله «الحمدلله ألف حمد وشكر ألف مبروك يا حبيبي ربنا يتملها على خير» فتح حمزة الورقة يقرأ النتيجة مرة واثنان وثلاث، بنظراته مرة وبصوته مرة، يرددها على مسامعه وهو يضحك ضحكات متقطعة، رفع نظراته لوالدته الدامعة مرة أخرى يهتف «سكن حامل يا أمي» فتحت له ورد ذراعيها تدعوه ليسكب فرحته داخل أحضانها، فاندفع بلهفة تجاهها، بكت ورد من شدة السعادة،استمعت لدقات قلبه العالية وأنفاسه اللاهثة بفرحة فبكت أكثر داعية له.. قبّل رأسها وابتعد يمسح عينيه من أثر الدموع، فنهضت سكن من على فخذ عمتها متسائلة «في إيه؟ مين مات تاني؟»
ضحكت ورد من بين دموعها فقال حمزة موبخًا وهو يدللها بنظرة خاصة فاق بريقها الحد «والله بجرة ولا دريانة»
قطبت بغيظ وضيق وهي تتثاءب في تعب موضحة لهما «جسمي مكسر وبنام كتير زهجت والله» قهقه حمزة موضحًا لها «لسه تسع شهور يا حلوة»
جعّدت ملامحها بغير رضا ولا فِهم وهي تنهض واقفة تسأل «جبت التحليل؟»
رن هاتفه فسحبه وأشار لها لتصمت، فغادرت للمطبخ منتظرة أن يُنهي الاتصال، بينما انسحبت ورد تصلي شكرًا لله على مِنَحِه وعطاياه.
وقفت أمام الطاولة تلتهم الطعام بشهية مفتوحة وجوع غريب يفترسها على فترات ، وقف خلفها ملتصقًا بها يضمها لصدره واضعًا ذقنه على كتفها بتنهيدة مفعمة بالمشاعر، فسألته وهي تتناول الطعام دون توقف «مجولتليش جبت التحليل؟»
أجابها وكفيه تتسللان لبطنها وتُبسطان فوقها وهو يهمس برضا «جبته»
تعجبت من تمريره لكفه على بطنها، سكنت قليلًا بين ذراعيه متوقفة عن إلتهام الطعام تهمس بإسمه بنبرة خافتة مجهولة المشاعر«حمزة»
لثّم عنقها وغمغم «أمممم»
سألته بإرتباك وترقّب ونبضات قلبها تعلو «ده تحليل إيه؟ »
ضحك برقة هامسًا أمام أُذنها«خمني يا أخرة صبري»
أغمضت عينيها ثواني تتنفس بقوة ثم فتحتهما تسأله بذهول «أنا حامل يا حمزة؟» استدارت تتأمل ملامحه تقرأ الإجابة قبل أن ينطقها لسانه تمنت رؤيتها بعينيه أولًا ككل شيء، فرأت بهجة خاصة وسعادة ليس لها مثيل، تعلقت برقبته غير مصدقة تبكي من شدة فرحتها بما رأت وأحست فضمها بقوة متأوهًا يهمس مشاركًا لها فرحته بالقول «هبجى أب ومن مين؟ منك أنتِ يا سكن ودي أحلى حاجة» هزتها كلماته وتغلغلت داخلها لتتجذر وتنبت بساتين من زهر ، بكت فربت على ظهرها مواصلًا الهمس «لف ودار دكتور البهايم وفالنهاية سكنه كانت فجنا مستنياه، ذريته منها وحبه الكبير ليها»
ابتعدت تمسح دموعها هامسةً «الحمدلله عشان تتربط بيا ومتتجوزش عليا ولا تشوف غيري» ضربها بخفة على مؤخرة رأسها يلعن شيطانها «ده الي هامك يا بجرة» أحاطت عنقه ولثمت شفتيه برقة مؤكدة «أيوة بس تبجى بتاعي أنا ملكي»
سخر منها بمرح «هو أنا فدان أرض»
سألته وهي تبتعد عنه «عمتي عرفت؟»
أجابها بضحكة متهكمة «جبلك أنتِ»
تركت ذراعيه واندفعت للخارج، بحثت عنها فوجدتها فوق سجادتها، جلست أمامها متربعة تنظر لعينيها بقوة نظرة مستسلمة مُبهجة نظرة من بلغ أمانيه ورأى أحلامه حقيقة تتجسد ، ربتت ورد فوق رأسها بحنو مباركة لها «مبارك يا سكن هتمليلنا البيت عيال» سحبت سكن كفها من فوق رأسها ولثمته بعاطفة وهي تهمس بمرح وانفعال«هجبلك عبد الحكيم تاخديه وتسبيلي حمزة خالص»
شهقت ورد قبل أن تضحك وتضربها قائلة «واه سلم واستلم يعني؟»
أجابت سكن بضحكة رائقة «أيوة حمزة يبجى بتاعي لوحدي» وقف عاقد الذراعين يستمع لهما بسعادة خاصة، بدون مقدمات اندفعت سكن لأحضان عمتها باكية،تخبرها فضمتها ورد بحنو مشاركةً لها البكاء، الأفكار تنقسم بينهما كما الفرحة، نالت ورد فرحتها الخاصة أخيرًا وأمنيتها ونالت سكن سكينة القلب والروح، والحب الذي تمنته،حمزة عبد الحكيم الكئيب الصموت شَغَل عقلها يومًا فطلبت من مودة أن توقظها لقيام الليل في قلبها ما تريده بشدة لكنها ليلتها استيقظت في جنح الليل تهمس بإسمه منقادة لمشاعر خفية تنبت وتترعرع،توضأت وافترشت سجادتها ثم صلّت وفي سجودها همست بما لا يعرفه سوى قلبها وربها «يارب يكون ليا،يارب عيزاه هو..حمزة يارب»في الصباح نسيت وأخذتها دوامة الحياة ومرّت الأيام، نسيت لكن الله لا ينسى دعوة قلب صادق أحسن به الظن،فنالت ما تمنت وأكثر.
تركهما حمزة وبقيّ متفرجًا يشاهد بتأثر، يفهم سكن وما تريد قوله لوالدته بهذا الحضن ويشعر بوالدته مثلها..
ابتعدت أخيرًا سكن تهمس «لو فضلت طول عمري أشكرك مش هوفيكي حجك، كفاية رجعتي حمزة جنا»
استدعته بعاطفتها فاقترب حمزة وجلس خلفها ضمها بقوته هامسًا «ياريت حمزة كان يعرف إن روحه وراحته فجنا مكانش هيجعد يوم واحد بعيد عنك»
التفتت إليه سكن تتدلل «من هنا ورايح متعملش فحياتك غير تدلعني وبس»
سخر منها حمزة في سخط «على أساس محرومة من الدلع هو أنا من يوم ما عرفتك ورايا غيرك»
ابتسمت ورد داعية لهما «ربنا ما يحرمكم من بعض ويهنيكم ويتم حملك على خير»
مررت سكن كفها على بطنها بإنبهار لا تصدق أنها تحمل قبسًا من روحه، في أحشائها ستمتد جذوره وتنال بعضًا منه ومنها،وقرة عين لعمتها الصابرة
نهض حمزة يخبرهم بفرحة «هروح أبشر عمتي»
نهضت سكن قائلة تتمسك بذراعه «خدني أشوف فرحة أمي بحبيب عمته»
سحبها حمزة من كفها وغادرا لتبقى ورد وحدها تزرف دموع الفرحه دون توقف.
فرحة ورد كانت طاغية، القت الزغاريد دون توقف متناسية أمر عاليا وحزنها، تُعلن فرحتها للجميع، خرجت عاليا تسأل فاستقبلتها راضية بالخبر، لم تخيب عاليا الظن ضحكت بتفهم وشاركتهم الفرحة مهنئة حمزة وسكن.
********
اتفقت عاليا مع سليم وأبرار على الخروج لانتقاء وحجز فستان الزفاف وصالون التجميل، عرض عليها حمزة توصيلهما وكذلك رغب عمار وأصرّ لكنها رفضت، أرادت أن يكون الأمر عاديًا يشبهه ويليق بظروفه، أن تخطو أول خطواتها معه وحدهما دون مساندة، أن تكون رفيقة الدرب والرحلة كما يحب أن تكون، ولو أراد السير على قدميه حتى يصلوا لوافقت بطيب نفس واختارت بملء قلبها مشاركته.
انتظرتها أبرار حتى ارتدت ملابسها، خشيت السؤال عن سكينة ولو بلغت أمنيتها برؤيتها عنان النفس وجاورت الرغبة، تريد أن تُطفيء جذوة الندم بماء العفو، نظراتها تفتش تلقائيًا متمنية أن تحالف الصدف القدر، ويعانق الجود تعاسة وفقر حظها.
نفخت فهي تريد رؤيتها وتخشى العواقب واندفاع سكن الذي تعرفه وسياط اللسان، لكنها تدرك طيبة قلبها أيضًا.
جاءت عاليا ووقفت جوارها تُعلن استعدادها «يلا يا أبرار»
دخلت سكن كعادتها تنادي بصخب «راضية»
توقفت الكلمات في الحلق وسكن القلق الحشا وتمرّغ فيه، نظرت للواقفتين بصمت.. مشاعر متقلبة متلظية في جحيم التردد، تقهقرت متراجعة خطوة، اثنان.. عاليا ترجوها بنظراتها القبول وكسر الحاجز واستقبال لأبرار يليق بأصل سكن وتربيتها فعلى أية حال أبرار ضيفة في منزلهم، أما أبرار فصامتة تتنفس برعب وتنزوي بتردد
الكلمات تحتشد ثم تتفرق بعصا الخوف الغليظة.. تفتح فمها لتُلقي اعتذارًا،تريد استغلال الفرصة التي تمنتها لكنها تغلقه وتصمت، وعاليا تنظر إليها بشفقة وحزن، ما عادت أبرار غريمة ولا عدو.. هي شق روح الفؤاد وأخته، جارة قلب حبيبها دخلت هنا لأجلها هي وهي مَن تتحمل مسئوليتها بالكامل حتى عن مشاعرها.
اصطدمت بجسد حمزة خلفها، استدارت وقد وصل ريحه لأنفها، نظراتها تستنجد وقلبها يمد ذراعه، ابتسم برقة وداعب خوفها بأنامل تفهمه، منحها النظرة التي تحب والدعم الذي يوفره دائمًا في متاجر الروح لأجلها، ابتسمت ضاحكة فوجهها بنظراتها منتظرًا له.
تقدمت سكن بجفاء، سلّمت عليها مُرحبة
بابتسامة خالية من الحب قليلة المشاعر ومتآكلة الأطراف كورقة قديمة
«أزيك يا أبرار»
تمنت صفعها وتخيلت ذلك ألف مرة لكنها مقيدة،فخطيئة أبرار كانت أبشع من سما،كانت هي الأقرب لها،مازالت تنكر عليها صمتها وخذلانها له،تلك التي اقتسمت معها ملابسها وطعامها يومًا كيف خانت؟كيف سولت لها نفسها أن تشاهد فضيحتها وتشارك بالصمت.
هي ليست ملاك لتسامح أو تغفر،لولا حب عاليا لسليم ما تقبلتها في منزلهم.
مدت أبرار كفها بإرتعاش، سلّمت عليها متحاشية الالتقاء بنظراتها في خجل وحرج وخوف واضطراب .
سلامًا عابرًا يفتقر للود معدوم المشاعر بنفس متعالية.
حرّكت عاليا نظراتها لسكن في امتنان وتفهم، فلن تطالبها بأكثر من ذلك ولن تثقل عليها، بعض الجروح تبقى للأبد.
تمنت عاليا لو احتضنت سكن اللحظة معتذرة لكنها تخاف أن ينعكس ذلك على مشاعر أبرار سلبًا فأجّلت ذلك.
هتف حمزة «عاليا محتاجة حاجة؟»
أجابته بابتسامة ممتنة «شكرًا يا دكتور»
انسحبت سكن، سحبها زوجها واتجه بها ناحية الحديقة التي يعمل على زراعتها جلس على جذع نخلة يضمها لصدره بصمت..
أما عاليا فأمسكت بكف أبرار في حماية ومؤازرة وخرجت بها لتلتقي بزوجها الذي ينتظرهما.
حيّته عاليا بنظراتها قبل أن تصعد للسيارة وتنتظر حتى تمتلىء، طأطأت رأسها تُخفي ابتسامتها الرقيقة حينما تذكرت مواقفهما سويًا في نفس الموضع، اليوم سيجلس الشيخ جوارها بكل الحق وكل الحب، رفعت نظراتها فالتقت بنظراته التي تشاركها اللحظة الذكريات ليضفّران منها شعورًا واحدًا يختلج في قلبيهما .
أشاح مبتسمًا حتى جاء رجل عجوز صعد ليجاورعاليا في مزاح، لكنها هتفت بشراسة وحدّة غلبتها «في ايه يا عمي العربية فاضية اهي»
ضحك الرجل وغيّر وجهته في صمت وهو يراقب ما يحدث، صعد سليم ليجاور عاليا فمال الرجل وهمس«اشمعنا الشيخ عشان حليوة ؟»
توردت عاليا بحياء وصمتت احترامًا له، فتحدث سليم بحنوه المعتاد «لا يا عم عشان أنا جوزها»
انطلقت من الرجل ضحكة خافتة وهو يقول «واه اتجوزتها عشان مرضتش تجعدك جارها المرة الي فاتت؟ ده الشيوخ طلعوا واعرين؟ »
ضحك سليم مؤكدًا مجاريًا الرجل العجوز في مزاحه «واعرين يا عم وميسبوش حجهم جالت مجعدش عشان راجل زي أي راجل وأنا اتجوزتها هي عشان مبجاش زي أي راجل»
ضمت شفتيها في حياء وحرج من كلماته،قلبها يعزف لحن عشق من كلماته التي خصها بها وفخره بإرتباطه بها، بينما ضحك العجوز باستمتاع وقال «كلام كبير جول اتجوزتها عشان يهنالك الجعاد جارها»
ضحك سليم مؤكدًا بلين «صُح يا عم»
فرد كفه لتمسك به وهمس لها «عالية المقام مختارتش حد يجعد جارها واختار سليم ميجعدش غير جارها »
عاد الرجل العجوز مسترخيًا في مقعده يتابعهما بعين التقدير ولسان يلهث بالدعاء لهما، مبتسمًا لأجل العشق الي ينبض في نظراتهما، مستمتعًا بمراقبتهما.
اختارت عاليا أقل الفساتين تكلفة مراعية ظروفه لا تثقل عليه بطلباتها، يكفيها من الدنيا هو وصحبته.. صمت هو متفهمًا، يقرأ أفعالها التي تواريها عنه وتخبيء مضمونها.. رغم ضيقه من فعلتها لكنه صمت ولم يناقشها أو يجادل، لن يُفسد اليوم بعتابه ومناقشة لن تُجدي.
لم يقتصر الأمر على فستان زفافها بل كل شيء قامت باختياره، شعر بالضجر من أفعالها وقبولها بأشياء عادية ربما لا ترقى لذوقها من الأساس..
بداخل مطعم صغير منزوي يتيح لهما الحديث والجلوس بأريحية، فرك ما بين عينيه متنفسًا بعمق، متهربًا من نظراتها حتى لا تكشف ضيقه، لكنها اقتربت منه وسألت وبداخلها قلق من أن يكون اكتشف أمرها «سليم تعبان نروّح»
نظر لعينيها يسأل بعتب ضاق بكتمانه «ليه يا عاليا؟»
راوغت بابتسامة لطيفة عذبة المشاعر «ايه هو الي ليه؟»
قاطعتهما أبرار وجلست جوارهما حول الطاولة تسأل «طلبتوا»
انتبه سليم توه لأبرار ولمعة الحزن بعينيها اعتدل ومال بجزعه ينظر لعينيها ويمسك بكفيها يضمهما متسائلًا «مالك يا بابا زعلانه ليه؟ نفسك فحاجة؟ عايزة حاجة مجبتيهاش؟» تابعت عاليا ما يحدث بإنشداه، نظراتها مسلطة عليهما بترقب.
نظرت أبرار لعاليا قليلًا ثم وجّهت نظراتها لسليم وصمتت، ارتبك سليم من حركتها العفوية وفهم دلالتها فنظر لعاليا التي تبرأت بخوف أوجعه «معملتش حاجة والله»
سحب كفه الأيسر ووضعها على وجهه مستغفرًا، عاليا تظن أنه يتهمها أنها السبب، أرّق مضجع أمانها بنظرته غير المقصودة لها فحزن قبلها وقلبه.. همس سليم وهو يربت على وجنتها«أبرار متجلجنيش عليكي»
انكمشت عاليا بقلق حتى أنها فتشت في الوجوه حولها تبحث عن طمأنينه بينهم، تحركت خطوة بكرسيها للخلف مبتعدة عن سليم الذي شعر بها وأغمض عينيه متنهدًا، ثم فتحهما على وجه أخته ودموعها التي أثارت الفزع في نفسه فنهض متخبطًا «حصل حاجة ولا إيه؟»
قالها وهو يمسح لها دموعها بكفيه فقالت بصوت مبحوح عاصف بالهم «اجعد طيب»
جلس فهمست له معتذرة «معلش يا سليم بوظت عليك فرحتك»
ضم كفيها بحنان «مفيش حاجة اتكلمي بس وطمنيني»
استأذنتهما عاليا متعللة بحاجتها للمرحاض، فمال بجزعه وأمسك بكفها رافضًا ينهاها بحدة «اجعدي يا عاليا»
نظر لأخته مستنجدًا بعاطفته، تفهُمها، فسحبت عاليا كفها «هروح الحمام يا سليم»
غلبته حدته فهتف «هنقوم نمشي لو أنتِ مجعدتيش وهي متكلمتش علطول»
تردد أبرار قليلًا من مصارحته بما حدث مع سكن أمام عاليا، لكنها استجمعت شجاعتها وقالت «قابلت سكينة وأنا عند عاليا» اندفع بحدة«زعلتك؟ حد زعلك أو قالك حاجة هناك؟»
انتفضت عاليا مدافعة لا تروقها نبرته ولا تحفزه فنبهته «سليم»
تجاهل تحذيرها له وواصل السعي لمعرفة ما سبب الحزن لأخته.
أردفت متخذة قرارها «عايزة امشي»
تحركت أبرار تجاه عاليا لشعورها بالخطأ.. ضمتها معتذرة لها «اجعدي يا عاليا متزعليش»
هدأت عاليا لكنها جلست متحفزة نفس تحفزه، في أهبّ الاستعداد لأي كلمة أو هجوم منه،لاحظ سليم ذلك فخصها بهمسه المتوعد «ماشي يا عاليا»
أشاحت بلا مبالاة غير مترددة في أن تدافع عن أهلها وصديقتها إن احتاج الأمر
اعتذرت أبرار كثيرًا وبكت موضحة سوء الفهم «معلش يا عاليا اتعودت لما أزعل أو اتضايج احكي لسليم علطول ولأننا مش في البيت زاد ضيجي، فبكيت»
لم تتخلى عاليا عن تحفزها ولم تركل غضبها سريعًا بعزة نفس وأباء رفعت ذقنها وصمتت منتظرة الباقي، وجّهت أبرار كلماتها لسليم «محدش زعلني يا سليم، سكينة سلمت عليا لما جوزها أذنلها، هي مكانتش راضية ولا عايزة وسلمت غصب عنها بطريجة زعلتني من نفسي عشان أنا الي عملت كده فنفسي»
التقطت عاليا أنفاسها وصمتت، لكنها مازالت تشعر بالغضب من كلمات أبرار، ماذا تريد من سكن؟ أن تتقبلها هكذا ببساطة؟ أن تنسى وتمرر الأمر؟
مسح سليم دموع أخته وأوضح بحنانه «طبيعي يا حبيبتي وعادي ميهمكيش، متزعليش حجك على جلبي أنا، لو سلامها عليكي هيزعلك تاني متسلميش وخليكي بعيد عنها ولو شوفتيها متسلميش»
عضت عاليا شفتيها بغيظ وحنق من قوله الذي جلب السخط لنفسها ، اندفعت تهتف بتصميم «عايزة أمشي لو سمحتوا الكلام خلص»
رفعت أبرار نظراتها لعاليا متوسمة فيها التفهم، رغم لين عاليا إلا أنها أشاحت مصممة محترمة وجودهم في مكان عام ، هدّأ سليم أخته واحتواها ثم نهض قائلًا «تمام يلا بينا»
تحرك سليم دون أن يتفوه بكلمة، مشلول الفكر عاجز الروح عن احتواء الأمر والموقف الصادم من أخته وزوجته وتحفزها، داخل الحافلة اختارت عاليا أن تبتعد عنه، جلست جوار النافذة وسمحت لأبرار أن تجاوره، انشغلت بأفكارها تطالع الطريق وشيء ما في نفسها يدفعها للبكاء بحرارة فتمنعه، وربما تريد الصراخ وترك جسدها لأنياب الكسرة تنهشه، حزينة بائسة تتوارى عن الأنظار، لا سند لا عائلة ولا أم... لا أم.. لا أم.. أعتنقتها أفكارها كحدث مأساوي ، بانهزام وبلا غاية سوى الوجع، حتى أذعنت شفتيها وتحركت تهمسها بخفوت، تتلوها على مسامعها وصداها في الروح يتردد، أمها لا تنتظرعودتها لتضمها مباركة، لن تسألها عن سر حزنها، لن تخبرها أنها هي زوجته ويحبها أيضا فلتغفر له حبه لاخته وتعلقه بها، لن تسمعها وتواسيها.
نبّهت أبرار أخيها لحالة عاليا المزرية، وبكائها، دموعها التي أغرقت خمارها.. تأملها في جزع لولا وصولهم لبدّل الأماكن رغمًا عنها... في الطريق سارت جواره بصمت غائبة عمن حولها، لاتنتبه سوى لعثرات الحياة في نفسها يتحدث فلا تجيبه حتى أوصلها للمنزل ورحل.
جاءتها ورد بعد ساعات اختلت بها تقوم بدورها كأم، تسألها عن حالها وما ينقصها وعن خروجها مع سليم وكيف كانت..
فهمت ورد أن شيئًا ما حدث تخفيه عاليا وتحتفظ به فصمتت بصبر وتفهم تحتوي دون ضغط و تؤازرها دون فضول للمعرفة
*******
في اليوم التالي جاء سليم يطلب رؤيتها، منذ ما حدث وهي لا ترد على رسائله ولا اتصالاته، وخزه قلبه فقرر المجيء إليها ليعرف ويتناقشان بهدوء.
جاءته قوية شامخة، بنظرة تلمع ذكاءً، وملامح تشربت عزة النفس وارتوت منها،
رحبت به وجلست متأهبة للنقاش والجدال، مستعدة حتى للتخلي إن أراد.
فرد كفه كعادته لكنها ظلت على وضعها ثابتة كالطود لا تنحني لرغبة ولا تخضعها مشاعر، سحب كفه في لوم وحزن قائلا «زعلانة جوي كدِه»
صمتت تهز ساقها البركان داخلها يوشك على الإنفجار، فهمس بحرج يعلن أسفه «أختي غلطت وأذت مجدرش أنكر، وأنا غلطت يا عاليا حجك على جلبي »
أوضحت عاليا بعزة نفس دون أن تنظر إليه «مرت حمزة أختي يا سليم مرضاش عليها أي حاجة والي جولته فحقها غلط يا شيخ لأنها مغلطتش مع أختك بالعكس إحنا متربيين نعرف الأصول،بت عمتي جات وسلمت، وتأكد لو كانت عملت حاجة لأختك مكنتش هجف ساكتة الحق حق»
برر سليم بحزن خطأه «أبرار بتي جبل ما تكون أختي يا عاليا روحي فيها »
ابتسمت بإنكسار وحزن هامسة «بس ميبجاش على حسب حد روحه فيك يا شيخ» تأثر بشدة من تصريحها الذي داعب نبضات القلب، اعترفت له بمكانته عندها وحبها في عتاب رقيق أوجعه.
أردفت عاليا توضح بصلابة «بت عمتي هي الي جات وسلمت رغم كل حاجة بكل احترام ، فمتجبرهاش وتجبرني على حاجة أكبر وحط أبرار مكان سكينة وأعكس الأدوار وجولي»
همس بتوتر وضيق «يا عاليا»
قاطعته وهي تنهض من مكانها منهية الحديث «الحق حق يا شيخ وأنت أولى من يطبجه، يوم المشكلة حمزة واد عمي احترم الي عملته ومضغطش عليك بأكتر من كده ولا جه ناحيتك مع إن أختك كانت تستحج وأنت عارف، فليه عايز تضغط على بت عمتي بيا وبالوضع الجديد ولو معملتش تبجى هي غلط وأنت صح،
لما جيت تناسبنا اشترينا الجديد منك وبعنا الجديم والي كان، بس برضو جلب بت عمتي ملناش سلطة عليه»
تحركت خطوتين وهي ترمي كلماتها « زي جلبي الي مكانش ليا سلطة عليه لما حبك واختارك والي منك أذى أجرب الناس ليا»
«يعني مجبش أختي تاني يا عاليا؟»
قالها ونظراته ممتلئة باللغط، فسارعت بضيق من سوء فهمه «يبجى أنا وجتها مجيش عندك ولا حد منهم يروح عندك يا سليم حسبتها غلط»
ثم أوضحت له بصبر وهي تحبس دموعها «الي يجي على راسنا من فوج أنت بجيت واحد مننا، وأنا مرتك كرامتك من كرامتي وعمري ما أجبل حاجه تأذيك ولا احنا هنعملها، بس يا واد الناس سيب الجلوب للي خالجها يجلبها، وارمي السماح واعذر الي ميجدرش، وطاطي للريح تكسب الود»
انسحبت بعدها وتركته يتنهد بحزن ويرحل بتوهة
*********
جلست سكن جوار عاليا الصامتة تسألها «بت يا عاليا مالك؟ »
ابتسمت عاليا قائلة «مفيش يا بت»
سألتها سكن بحماس مشتعل وهي تتأملها «عملتي ايه مع شيخنا؟»
أجابتها عاليا وهي تنهض من أمامها متهربة من نظراتها، تتفقد حقائبها «مفيش عادي»
اقتربت منها سكن وقالت بتردد كبير وارتباك «عاليا أنا هروح العفش بتاعك بس غصب عني مش هتعامل مع أبرار سامحيني»
ابتسمت عاليا مقدرة لها مشاعرها متفهمة، قالت محتوية حزنها «لو مش عايزة تروحي جبل ما أروح مش هزعل لإني مش هجبل متجليش يابت وأنا هناك»
ضمتها سكن بقوة قائلة بتحشرج «لاه هروح محدش هيفرشلك غيري وهجيلك»
اعتذرت منها عاليا «متزعليش يا سكن نصيبي جيه فأكتر ناس مبتحبهمش»
ابتعدت سكن ممازحة وهي تمسح دموعها «المهم أنتِ تحبيه يا أختي مش أنا» ثم أردفت بحزن كامن بين ضلوعها «مش هعرف يا عاليا اتجبلها تاني ولا نرجع دي كانت أعز أصحابي وأنتِ أكتر واحدة عارفة ولا هعرف انسى، جتتي الضرب معلّم فيها لغاية دلوك يا بت ولولا حمزة مكنتش أعرف كان هيبجى ايه مصيري دلوك»
ضمتها عاليا قائلة «ربنا يخليهولك وميحرمكوش من بعض»
استأذنت سكن فجأة من عاليا «طالعة ورجعالك؟»
سألتها عاليا بقلق وهي ترى سرعتها بعين القلق «رايحه فين تعالي ساعديني»
«جيالك تاني»
خرجت من الباب وهبطت مسرعة، رأها حمزة تركض على الدرج دون وعي أو حساب فنهرها بحدة ونظراتها تتابعها «سكن اعجلي شوية وخدي بالك»
تزامنت ضحكاتها مع خطواتها الملهوفة تجاهه وكأن شعورها به ورغبتها فيه هي من أحضراه اللحظة إليها لتفعل ما تريد فعله وسرى على أفكارها خاطرًا ، وقف نهاية السلّم يستفسر عن سر لهفتها تلك ففتحت ذراعيها وألقت بنفسها في أحضانه فضمها متعجبًا، وراضية تتابعهما بابتسامتها المندهشة دائما، ووقف عمار يتابع المشهد هو الآخر وقد اعتاد طريقة أخته مع زوجها ومعاملته لها كطفلة مدللة.
«لجيت نفسي عايزة أحضنك حضن كبير وأجولك شكرًا يا حمزة، لما افتكرت الي فات ولجيتك حاضر فيه كله، بصيت على الي عدى وطلعت منه وعلى النهاردة والي أنا فيه، معرفتنيش يا حمزة اتكتبلي على يدك عمر تاني اسم تاني وحياة تانية حلوة فكان لازم أجري أجولك بحبك وربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك أبدًا»
سيطر على انفعاله بما قالت وهمست، خبأ تأثره في حرج وأبعدها عنه محمحمًا، من بعيد سألت سكن والدتها «لو حمزة مرجعش يا راضية كان هيحصل إيه»
غمزها بعينيه يردعها عن جنونها، لكنها ابتعدت منتظرة إجابة والدتها «كان زماني بزورك في الجبانة يا سكن»
انقبض حمزة وتشائم، عبس بحزن لكنها اقتربت وفكت عبوسه وعقدة حاجبيه بأناملها هامسةً «الي يدي حياة يستحق إيه يا حمزة»صمت فضحكت وأكملت «يستحق الحياة الي ادهاني أعيشها ليه»توترت نظرات حمزة وارتبك من جرأتها وإفصاحها أمامهم، رغم تعوّده على تهورها وحبها غير المحدود لكنه حزن لأنه لا يملك حق التعبير عن مشاعره اللحظة ولا الرد بما يليق عليها والإحتفاء بكلماتها التي تلثم الروح وتنعش النفس، بل عليه أن يتحلى بالصبر ورباطة الجأش والجدية..
همس بما لا يصل لسواها «هنفخك في البيت»
دخل زين اللحظة يطلق فمه بالسخرية والتهكم «حلوة وصلة الغزل دي بس مكانها فأوضتكم اكبروا»
أحاط حمزة كتفي سكن وقربها منه في مؤازرة وحماية لها من تهكم زين قائلًا بغمزة «اصغر أنت زينا شوية»
جلس قائلًا باستهزاء يسلّم على راضية وعمار «لا يا شيف أحبوش»
دخلت مودة فسارعت سكن بضمها واستقبالها بلهفة وحب، قبل أن يشير زين لحمزة الذي اقترب منه وجاوره «خير يا كبير يا عاجل»
حك زين ذقنه ومال يطلب «عايز أكلة سمك متنوعة زي بتاعة القاهرة شد حيلك بقا، عايز قاع البحر كله»
ابتسم حمزة قائلًا بصوت عالي عن قصد «عايز أكلة سمك جامدة ليه يا حضرة الضابط؟»
نفض زين جانب معطفه متأففًا يصب على مسامع حمزة اللعنات «أبو دي عيلة متسترش الله يحرقلك عمك»
قهقه حمزة
بينما انسحبت سكن مع مودة للأعلى وتركتهما.
*********
راسلها في المساء معترفًا بخطئه «عاليا»
أجابت فورًا «نعم يا شيخ؟»
كتب معتذرًا لها عن سوء تقديره للأمور وما حدث منه «أنا غلطان يا عاليا، يمكن حبي لأبرار طغى فسامحيني والتمسيلي أنتِ كمان العذر، وشكرًا لأنك كنتي عيني الي شوفت بيها، اتعلمت منك كتير ولسه بتعلم اغفريلي جهلي وإسرافي فحبي لأختي وسامحي سليم لأنه ميجردش على زعلك وخصامك متساويش دنيته من غيرك»
صمتت طويلًا تقرأ مترددة فكتب يرجوها «أنا غلطان يا عاليا وفهمت كلامك عن صاحبتك ومجدره»
مسحت دموعها المنسابة بكفها وكتبت «حصل خير يا حبيبي، أنا عارفة إن جلبك كبير وطيب يا سليم فعز عليا يطلع منك أنت الغلط»
«والله مفيش حاجة تساوي كلمة حبيبي الي كتبتيها يا غالية، موازين الدنيا متشيلهاش بس ميزان جلبي يتاجلها بكنوز الدنيا ويدفع فيها العمر»
كتبت وهي تواصل مسح دموعها «أطال الله عمرك بصحبة من تحب يا شيخ»
كتب سليم برقة «مفيش أحلى منك صحبة وونس تأنس بيه الروح يا عاليا ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك»
«ولا منك يا سليم»
«لا إله إلا الله»
«محمد رسول الله»
******
انتفضت من نومها حين وصلها صوت مريم لها «عاليا جومي سليم تحت وبيجول عايزك ضروري وبسرعة»
وقفت مكانها مندهشة من مجيئه دون موعد، أو إعلامها بذلك وبتلك الساعة التي من المفترض أن يبدأ فيها عمله بالمعهد الأزهري، لفّت حجابها بعشوائية لا تُرضيها فتأففت ونزعته وأعادته من جديد..
ضربت جبهتها بإدراك ثم اتجهت ناحية الخزانة وسحبت عباءة ملائمة ارتدتها وعدّلت حجابها وهبطت درجات السلّم، مفكرة في الأمر الذي دفعه لأن يأتيها الآن ويقف على بابها مُطالبًا بحقه في رؤيتها على وجه السرعة.
دخلت الحجرة تحمل في صدرها سلام نفسي وهبه الله لها وأعانتها الأيام على اقتنائه، وجدته واقفًا يعطيها ظهره يضع كفيه في جيبي بنطاله بسكون، تنفس الهواء الطازج الذي يحمل رائحتها واستدار على سلامها «السلام عليكم ورحمة الله»
أجابها «لكِ الحب وإليكِ الشوق ومنكِ الرضا يا عالية المقام»
ابتسمت برزانة لا تمنحه من روحها إلا القدر البسيط ومن لهفتها معشار ما عندها، حكيمة في السير تجاهه، بهية الطلة بنظرات لا تنحني... منحت نفسها تهويدة عشق بالنظر إليه وتأمله فهالها ما رأت من ضعف وإرهاق يحتل الجفون، وذبول لا يليق بروحه الخضراء، مما دفعها لأن تسأل بقلق لم تحاذر من إظهاره «سليم أنت كويس؟»
أجابها وعيناه تبتسمان «لا يا عاليا مش كويس»
أشارت له بقلق حقيقي أحاط نظراتها الموجّهة له «أجعد يا سليم»
أجابها بثبات وهو يملّس على ذقنه «مش هجعد جاي أجولك حاجة وأمشي لشغلي»
قطبت مستفسرة بخوف وقلق، لا تعرف ما سيقوله والذي دفعه لأن يترك كل شيء خلفه ويأتيها، قلبها ينتفض بخوف ميزته من بين مشاعرها المتراكمة بفوضى في نفسها، ككومة ملابسة تحتاج منها جهدًا لتفصلهم وتستخلص النظيف من غيره فتعم الراحة في نفسها.
تلعثمت رغمًا عن أنف قوتها «خير يا سليم»
الخجول المراعي دائمًا اقترب وضمها بين ذراعيه بقوة غير عابيء ولا متهم لا يرى سوى عتاب عينيها التي يحب ولا يفقهه سوى أنّ هجر ليلتين كان كافيًا ولا يقدر على أكثر، تتزاحم المشاعر وتختلط لكن واحدًا سيطر بقوة فهمس به «حجك عليا يا عاليا أنا آسف»
همست باسمه في شتات، فأردف لا يتخلى عن جسدها «الرسايل مش كافية، والكتابة مش هتريحني وتريحك، ريحتك فارجت صدري فخوفت وجيت أخدها تاني منك، أنا غلطت»
انهمرت دموعها دون حساب، تستمع لكلماته ولا تصدق عدم هوانها عليه وتنازله أكثر من مرة معترفًا بخطائه دون مكابرة أو عناد.. ابتعدت عنه فمسح لها دموعها هامسًا «بالله عليكِ يا عاليا لما بكيتي في العربية كرهت نفسي ألف مرة وخدت عهد على نفسي منزلهمش تاني»
قبّل رأسها مكررًا اعتذاره «متزعليش يا صاحبة التفاحة، على راسي أنتِ وناسك ولو عايزانا نعتذر لصحبتك لخاطر عينيكِ نعملها ولخاطر قلبك أتنازل »
همست ودموعها لا تتوقف ولا شعورها به يتوقف عن التدفق لنظراتها «سليم محكتش حاجة لحد ولا عمري هحكي حاجة عنك لأي حد، الي بينا مبيطلعش وأنا مستحيل أزعّل حد منك ولا أجللك فعنين حد عيزاك دايما كبير فعنيهم زي ما أنت»
ضمها مرة أخرى فلا كلمات ستسعفه ولا أفعال يقدر عليها، وإن كان يريد الثغر البهي الذي يرمي الكلمات كأيادي ترمي الورد، يريد تقبيله في شكر وعناقه في شغف ومنحه التحية بكل الشوق الذي يسكن قلوب العاشقين.
ابتعد عنها قليلًا يسألها قبل أن يرحل «خلاص راضية يا عاليا؟»
قالت بمرح وهي تبتعد عنه «راضية بره دجيجتين وهتاجي تجولك خبر ايه يا ولدي»
ضحك بخفوت وهو يتجاوزها مُذكرًا إياها «حساب اختيارك للفستان الي أجل من جيمتك فبيتنا يا عاليا»
رحل تودعه بابتسامتها الحنون، تضع كفها على قلبها كأنما تُخبيء عن الأعين الفراغ الذي حلّ بصدرها حين رحل وأخذ قلبها معه تلك المرة.
غادر وترك خلفه بضع شطائر والمزيد من الحلوى وورقة مكتوب عليها «بما إني جيت الصبح فدِه فطورك يا عاليا أنا الي عملته بنفسي وجهزته بالهنا والشفا»
غادرت الحجرة للأعلى حيث مستقرها، تشيعها كلمات مريم «سيدي على الحب»
ابتسمت عاليا بخجل وشيعتها راضية بالدعوات.
*******
ليلة الحنة الخاصة بعاليا، اجتمعن بمنزل راضية يغنين ويرقصن ببهجة، للتخفيف من حزن عاليا الواضح في نظراتها وإلهائها، قررتا سكن ومودة المبيت معها للدردشة والثرثرة حتى الصباح حتى لا تختلي بنفسها وأفكارها وتغوص في الحزن
أصرّت مودة على زوجها أن يبقى لكنه رفض لا يريد ترك والدته وأخته وحدهما، فودعها ورحل.. أما حمزة فغضب بشدة ورفض فلماذا تبيت بعيدًا في حين يمكنها البقاء حتى يناموا وتأتي إليه، لكنها عاندته بغنج وتمنعت بدلال فقرر أن يبقى بالخارج ولا ينام حتى تأتيه، سيزعجها حتى تفعل هاتفها قائلًا بأمل« مش هتيجي عايز أجولك حاجة قبل ما أنام يا سكن»
خرجت من الحجرة وأغلقت خلفها تهمس متأففة من ملاعبته لها«ياحمزة مش هعرف عايزه ايه.؟» قال بوداعة كاذبة وجدية «هجولك حاجه مهمه»
جلست على الدرج ترفض مغادرتها وعناده «لاه مش هينفع»
استطردت برجاء وهي تكتم ضجرها من أفعاله الصبيانية «حمزاوي نام أنا مشغولة مع البنات ومش فاضية»
صرخ بغيظ وحنق منها «خلاص غوري يا سكن مش عايز حاجة»
استسلمت له تخشى خصامه وإغضابه
«طيب خلاص متتحمجش نازلة اهو»
ابتسمت بإنتصار وهو يقترب من باب منزلهم منتظرًا قدومها، فتحت الباب بحذر متسللة على أطراف أناملها حتى لا تستيقظ والدتها وجدتها، فتحت الباب فدخل مبتسمًا أغلقت الباب بهدوء واستدارت.. لتجده واقفًا بإنتظارها اقتربت منه تهمس وهي تخبيء عنه ابتسامتها«ها جول بسرعــ....»
قبل أن تنهي كلماتها كان يحتضنها بقوة، يغمرها بين ذراعيها متنهدًا براحة اندهشت أول الأمر من فعلته لكن سرعان ما تبسمت وبادلته ضمته بنفس الإشتياق والشغف «هو ده الي عايزني علشانه»
همس بهيام «جه على بالي أحضنك ياساكن ومعرفتش أنام غير لما اعمل كده»
همست وهي تتملص من بين ذراعيه
«طيب مش تسيبني وكفاية»
رجاها بحنو وهو يغرقها بشوقه«لاه استني شوية يا جلب حمزة»
زفرت قائلة في تحذير «لو اتجفشنا؟»
ابتعد يستفسر منها بتهكم
«هو أنا مش جوزك ولا ايه.؟» ثم عاتبها بحنق وغيظ من عنادها وهو يمسك بكفها ويسحبها«هتبيتي هنا ليه...؟ تعالي معايا»
رفضت متوسلة «عيب يا حمزة أسيبهم وأمشي دلوك»
وقف يستفسر منها بغضب مكتوم
«ايه هو الي عيب يا بت المجانين أنتِ »
ابتعدت عنه منزعجة من كلماته فجذبها مرة أخرى وضمها..فتوسلته «سيبني يا حمزة واعجل» ابتعد ملتهمًا ثغرها في قبلة طويلة فدفعته ملتقطة أنفاسها تعاتبه «لو حد نزل دلوك»
أجابها بلا مبالاة «ميهمنيش غيرك»
نهرته بجدية كاذبة «اتأدب بجى يا أخي هتجبلي الكلام» كمم فمها محذرًا «جلي أدبك وهشيلك وأخدك وهتعرفي كيف الأدب وجتها» هددته بابتسامة متلاعبة «هصرخ يا حمزة وهتبجى فضيحة»
ترك كفها وابتعد، استدار يفتح الباب ليغادر بصمت ليستوقفه همسها الناعم بعدما تراجعت في ندم «حموزتي»
حينما استدار ألقت بجسدها بين ذراعيه تبادله الشوق والحب بأكثر منه « بحبك يا حمزاوي» همس بنصف ضحكة «وأنا لاه» همست مستمتعة بوجودها داخل أحضانه «أنت متربتش يا حمزاوي ومغلبني معاك» ضحك في سخرية هامسًا «لاه ورد كنت مشغولة»
ابتعدت عنه حين خرجت والدتها من الحجرة متثائبة تدقق النظر في جسديهما متسائلة «مين؟»
فتحت الباب ودفعته للخارج وهي تجيب والدتها «ده حمزة يا أما كان عايز حاجة»
لثم أطراف أصابعه ووضعهم على شفتيها هامسًا «سكن لو عرفتي وجدرتي متبيتيش تعالي هستناكي يا حبيبي»
همست بطاعة متأثرة بأفعاله قلبها لا يطاوعها على تركه وحيدًا ولا تعذيبه «حاضر يا حمزاوي»
ودّعته وأغلقت الباب ملتقطة أنفاسها وصعدت للأعلى راكضة.
عادت سكن واختفت مودة تراسل زوجها
الذي يعاتبها «مش عدل تسبيني أنام من غيرك يا ميمو»
(معلش يا زينو الليلة بس عشان عاليا ونفسيتها، جلبك كبير)
«أنا مبعملش حاجة لله وللوطن أنا عايز تعويض»
(عارفة، ومتأكدة إنك موافجتش غير علشان هتأخد قصاد موافجتك تعويضات مش تعويض)
«أحبك وأنت فاهمني يا مجرم قلبي»
(هتعوض إزاي بقى؟)
«خليها مفاجأة يا زينو»
(يا مسهل الحال يارب)
«تصبحي على خير»
(وأنت بخير خلي بالك من نفسك)
«نايم تحت فأوضتي محبتش أطلع وأنتِ مش فوق»
(طلعت رومانسي يا زينو)
«من يومي بس أنتِ الي غشيمة ومبتعرفيش تطلعيها»
(ماشي لما أرجع أشوف الكلام ده بنفسي)
«تصبح على خير يا مجرم قلبي»
(وأنت بخير يا حبيبي)
عادت مودة وجاورتهما فوق الفِراش يثرثرن بحماس وطاقة، يضحكن ويغنين ويرقصن حتى نمن بتعب وإرهاق.
في أذان الفجر تسللت سكن من جوارهما بحذر وانتباه، تشعر بالشوق لأحضان زوجها وإفتقاد لدفء ذراعيه وحنانه، وشعورها با نفاسه قريبًا منها..
راسلته لعلمها أنه يستيقظ لأداء صلاة الفجر «انزل افتحلي»
على الفور كان يلبي بلهفة، فتح الباب وخرج متجهًا ناحية منزلهم، انتظرها على الباب حتى خرجت وسحبها من كفها هامسًا «مجدرتيش على بعدي صح»
أكدت بجدية «صح يا أبو ورد مجدرتش»
دخل بها وأغلق الباب، صعدا للأعلى بدلت ملابسها و جاورته منكمشة بأحضانه حتى عادت للنوم من جديد بهدوء وراحة.
*******
اليوم التالي مساءً
أوصلهما عمار بسيارته للمنزل، وانتظر ورد التي قررت البقاء لتطمئن عاليا وتمنحها الأمان الكافي لتتخطى تلك اللحظات ولا تشعر بالغربة،
أغلق سليم باب الشقة بهدوء فانتفضت مغمضة العينين في ترقب، وقف أمامها يسأل بروح شفافة تطفو «عاليا ينفع أشيلك صح؟»
ابتلعت ريقها ورمشت تستفسر ببلاهة «ايه؟» سحب نقابها من على وجهها وابتسم هامسًا «ماشاء الله لا قوة إلا بالله» مال وطبع قبلة فوق جبينها هامسًا برقة «ربنا يباركلي فيكِ يا عاليا ويحفظك، تبارك الخلاق العظيم»
نظر لعينيها بقوة حد الغرق والغوص وهو يهمس «وإن نسيت الحمد عنيكِ الحلوة هتفكرني يا عاليا»
ابتسمت بخجل وامتنان لرقة مشاعره، أغمض عينيه وسحبها يضمها بين ذراعيه، يحتويها بكيانه ويظللها بحبه، مُطارد من اللهفة وينهره الشوق على صبره... استسلمت لذراعيه مطمئنة تبادله على استحياء حتى ابتعد عنها وحملها حيث حجرتهما، وضعها فوق الفِراش برفق وجلس جوارها، تأملها متذكرًا حسان فترحم عليه ودعى له في قلبه.. ارتفعت دقات قلبها وارتجفت في خوف، تذكرت والدتها فتضافر الواقع مع ما تشتهيه من خيال وتغزله بأمانيها الحلوة
شردت مبتسمة في تخيلاتها حتى أفاقت على لمسته لذقنها ومطالبته بها حاضرة معه، نظرت لعينيه تتمسك بحبل ابتسامته الحنون لتنجو من أفكارها، تسلقتها ووقفت تطالع ما حوله ببعض التيه، سليم حبيب القلب، لحن الحياة وعزف القدر في حكايتها، أمنية ألقتها في سجدة وتمتمة باسمه في الثلث الأخير، هو بطل خيالها الجامح وهبة الله ليقينها الصادق، هو برعم الثقة وعوض الصبر الجميل.. لكن أين والدتها؟ لترى هذا العشق الذي يتدفق من نظراته الآن؟ لتسمع تمتمته باسمها كأنه يحيا بحروف اسمها..؟ أين هي لتضمها وتخبرها أن حلمها تحقق والمحنة أنجبت حبًا غزير.. تشتاق لأحضانها ونصائحها للملمة أفكارها.
فرد سليم كفيها وانحنى يقبلهما برقة ثم مرّغ وجهه بهما يستنشق عبيرهما ويداعب بشفتيه خطوط العمر ويصافحها، يعد ويمني ويرسم حدود مملكته.
رفع وجهه يتأملها من جديد مبتسمًا، لا يصدق أنها هنا بقربه له ومعه، يفترشان طريق العمر بالأمنيات.
مرر كفه على خدها برقة متلمسًا قبل أن يهمس «وحشتيني يا عاليا، ووحشتني اللحظة دي، علمتيني كيف اتمنى ويتحقق» ثم ضمها بقوة وقربها من خافقه يهمس «الحمدلله يا أمنية العمر وربيعه»
شرع في تحريرها من طرحتها مستفسرًا «ست البنات خايفة من سليم ليه؟»
هزت رأسها تبرىء نفسها من ظنونه «لا مش خايفة» كاذبة الخوف يتسرب لأوردتها بسرعة ويحيل هدوئها لفساد، هتف «مجولتليش على النقاب يا عاليا؟»
سألته بدهشة تربعت عرش نظراتها «اتضايجت؟ حبيت افاجئك بيه»
ابتسم مقدرًا فعلها مباركًا صنيعها «لاه بالعكس»
همست مطأطأة «مش عايزة عين تشوفني بعد كِده غيرك»
همس وهو يحرر خصلاتها الطويلة على ظهرها «مهما شافوكي محدش هيشوفك بعنيا يا عاليا ولا حد يجدر يشوفك بعيني » همست غائبة في تأثير همسه الرقيق وهدوء نبرته «ليه شايفني كيف؟»
مال ولثّم خدها مستشعرًا ملمسه ونعومته تحت شفتيه هامسًا «شايفك متوصفكيش حروف، ولو وصفتك مفيش معجم يفسر، حروفي عاجزة وحروفهم جليلة، محتاج ألف حرف ومليون معنى وياريت يكفيكِ»
عضت شفتيها بخجل من همسه قبل أن تهمس بصوت مبحوح تُلقي فرمان«سليم الطرحة بس»
تنهد باستسلام قبل أن ينهض من جوارها ويبتعد قائلًا «ماشي الطرحة بس، هغير هدومي وأنتِ اجهزي وتعالي نصلي »
تحررت من فستانها، مسحت وجهها من مستحضرات التجميل وارتدت قميصًا ومئزره وفوقهما إسدالها تسللت لتتوضأ ثم خرجت لتجده بالصالة يفرد السجادتين وينتظرها..
تقدمت منه ببطء ونظراته تمسك بيدها وتقودها حيث يجلس، وقف يكبر ويؤمها بخشوع وهي جواره..
تستعذب صوته فتبكي، سجد طويلًا جدًا وبعدها واصل حتى انتهى وسلّم..
مال برأسه ينظر إليها متنهدًا قبل أن يفرد ذراعه ويدعوها لحضنه.
تمدد بعدها ووضع رأسه على حجرها هامسًا وهو مغمض العينين في استرخاء مفعم برائحة وجودها ونكهة قربها يستقي الحب من لمساتها الخجولة على لحيته ، ابتسم في صمت يمنحها حرية التعبير والمساحة لإظهار مشاعرها، تمرر أناملها في خصلاته السوداء الناعمة ، ثم أحاطت لحيته النامية بكفيها الناعمين تضم وجهه برقة وهي تهمس «سليم إنت نمت»
فتح عينيه ورفعهما للأعلى ينظر إليها هامسًا بشقاوة وهو يقبّل باطن كفها «نوم والنهاردة يا عاليا لاه متحلميش »
ابتسمت تسأله متجاهلة ما يقصده «نايم كدِه ليه يا شيخ؟»
أخبرها بإبتسامة دافئة وهو ينظر أمامه «بستعوب إنك معايا أخيرًا وجنبي»
قالت بإمتعاض وهي تهمس مفصحةً له «هتفضل كتير تستوعب أنا جعانة يا سليم بجالي يومين مكلتش»
اعتدل جالسًا يخبرها بحنان «جومي غيري الإسدال وتعالي ناكل»
زمت شفتيها وأشاحت معترضة بحياء «لا مش هجلعه أنا مرتاحة كدِه»
ابتسم سليم وهو يتأملها بعشق ويشاكسها بحنو «طيب 130جميص يا عاليا هيتلبسوا متى؟»
حملقت فيه وهي تُسرّب من بين شفتيها شهقة ناعمة متفاجئة بقوله تستنكرعليه «أنت عديتهم؟»
قطب مُفكرًا قبل أن يبتسم ويخبرها بحمحمة «مجصدتش هي جات كدِه»
نهضت واقفة منزعجة تبرطم بحياء «خيبت أملي فيك يا شيخ والله»
اتسعت ابتسامته وهو ينهض ويقف يجاريها في مزاحها «لا والله أنتِ كدِه الي هتخيبي أملي»
زمت شفتيها وأشاحت مبتعدة عنه،تستنكر «مكنتش فكراك كده»
ضحك قائلًا وهو يتبعها «لا أنا كده وأكتر»
تخطته مغادرة للحجرة فتبعها يسأل «مش هتاكلي»
انكمشت بإسدالها تحت الغطاء مرتعشة تفكر بقلق فيما سيحدث «لاه لاه أنا تعبانة وهنام أجفل النور واطلع»
استهجن طلبها واقترب منها يسألها «أطلع أروح فين ماليش مكان غير هنا؟»
تمدد جوارها فانتفضت معترضة ترتجف بخوف «لاه أنا متعودتش حد ينام جنبي روح الأوضة التانية يا سليم لو سمحت دلوك»
ربت سليم بحنو ورقة فوق رأسها يطمئنها «عاليا متخافيش»
زاد توترها وارتباكها، تذكرت اللحظة والدها ومجونه، لمساته القبيحة مثله ورائحته العفنة التي أصابت روحها بالعطب سقطت دموعها غزيرة واختنق صوتها فابتعد عنها مندهشًا يسرقه القلق من رضا النفس «خلاص متبكيش همشي»
حاول ضمها لكنها دفعته بعيدًا عنها والمشاعر القديمة المدفونة تحيا وتقف على أرض الحدث لاعنة لها إن خضعت
رمقها بنظرة مزعورة قبل أن يبتعد وهو يبثها الطمأنينة بكلماته «خلاص نامي وارتاحي شوية»
خرج وترك لها الحجرة فازداد بكاؤها وأنينها، ظل سليم جالسًا بالخارج في هم وحزن تعصف به الأفكار،يتحرك تجاه الحجرة بتردد، يتأمل حالتها ويقترب فتردعه نظراتها، نهضت وأغلقت الباب ليتوقف عن المحاولة، التقط مصحفه من أمامه وفتحه ليقرأ فيه هاربًا لملجئه.
هاتفت عاليا زوجة عمها ورد التي انعزلت بحجرتها بعد عودتها منتظرة اتصالها بعدما همست لها قبل رحيلها أنها موجودة يمكنها مهاتفتها في أي وقت والحديث معها إن احتاجت.
ولم تخيّب ورد ظنها ابتهجت حين سمعت صوتها، عانقت روحها بكلماتها وربتت بكف الحنان على قلبها المتألم، غذتها بالطمأنينة واحتوتها بفهم، كانت أمًا وصديقة ودرعًا حاميًا لها من هجمات الألم
تنفست براحة حين أنهت الاتصال، منحتها ورد ما تحتاجه من دفقات الحنان والطمأنينة ودثرتها بتفهمها ونصحتها بقلب حنون، فاستعادت ثباتها ورممت صدع قوتها لكنها لا تملك الشجاعة الكافية للخروج ومواجهته ، خلعت عنها إسدالها وجلست تستمع لتلاوته بخشوع حتى انتهى وأغلق مصحفه..
نهض ليطمئن عليها، دخل الحجرة فوجدها جالسة بصمت، ما إن إلتقت نظراتهما وقرأت الإعجاب والانبهار بنظراته حتى هربت نظراتها منه في خجل وتوتر، جلس جوارها يهمس والقلق ينازع كل المشاعر «بجيتي أحسن؟ منمتيش ليه؟»
فركت كفيها بتوتر لا تجد إجابه واضحة تمنحها له وخجلها الشديد يقف حاجزًا بينها وبين الاعتراف بإنتظارها له وندمها على ما فعلت في حقه وضياعها وخوفها.
أمسك بكفها البارد وهمس وهو يتخلل أناملها بأنامله يمنحها طمأنينة النفس في كلمات «من يوم ما وجّعتي على دماغي التفاحة وأنا بدعي متكونيش لغيري وتكوني نصيبي وجبري بعد الكسر، كنت شايفك بعيدة جوي إيدي مهما طوّلت مبتطولكيش» أخذ نفسًا مرتجفًا،بينما كتمت هي شهقة البكاء متأثرة بقوله الذي سكن القلب ووجد فيه متكأ ومكان، أردف بإبتسامة حنون «متخافيش مني، جومي اتعشي وارجعي نامي وأنا هنام فالأوضة التانية»
اقتربت منه ببطء وعانقته شاكرة معتذرة له «سامحني يا شيخ غصب عني»
ربت على ظهرها برقة واحتواها متنعمًا بحضنها في تفهم، فابتعدت عنه مضطربة الدقات منزعجة ومشتتة الأفكار.. سحبها من كفها فنهضت على استحياء تمسك بمئزرها وتقبض عليه خشية أن يتحرك ويكشف شيئًا من جسدها ، جلست جواره أمام الطعام، رغم شدة الجوع شهيتها مغلقة وزاهدة، القلق يشتت ذهنها ويتسرب لأوردتها فتتألم وترتجف، أطرافها باردة وحنينها لوالدتها يزيد ويتشعب ممتلكًا الروح، ليتها هنا جوارها تشعر بالوحدة دونها، تمسح جبينها وتشرد بصمت فتنتبه على همسه «عاليا» تبتسم وتدس الطعام بفمها عنوة حتى اكتفت وابتعدت، حملت الطعام وغادرت به للمطبخ حفظته بالبراد ووقفت مكانها دامعة، غسلت وجهها تحت المياه الجارية وتنفست تستعيد رباطة جأشها لاهية غافلة عن نظراته المتألمة لأجلها وضياعه الذي يشبه ضياعها، هو لن يقترب قرر أن لا يفعلها حتى تعتاده ففاجأته بخوفها الشديد ورعبها الغريب.
نظر لعينيها يسكب الحنان في روحها سكبًا قبل أن يسحبها للخارج ويجلس بها أمام التلفاز مخيرًا لها «تسمعي إيه؟»
أجابت بخفوت «أي حاجة ممكن مسلسل تركي» لبى لها طلبها دون مناقشة أو جدال، سألها عن القناة التي تريدها فأعلمته بها، آتى بها لها وصمت يستمع معها بصبر ويناقشها في قصته والأحداث حتى تنشغل وتندمج معه.
وضعت رأسها على كتفه متثائبة وأغلقت عينيها براحة وطمأنينة حتى سحبها النوم لعالمه، ابتسم سليم بحنو وأغلق التلفاز وبقيّ مكانه صابرًا حتى تغرق في النوم حتى يمكنه بعدها حملها لحجرتها بهدوء.
بعد قليل حملها ووضعها فوق الفِراش و دثرها جيدًا ثم لثم جبينها بحنو وخرج ليقيم الليل كما تعوّد.
*******
في اليوم التالي مساءً
لكزتها سكن التي جاورتها مستفسرة بشقاوة «ها إيه الأخبار»
قطبت عاليا مراوغة بخجل «أخبار إيه؟»
جلست مودة التي أنهت ترتيب الحجرة وتنظيفها وإطلاق زخات المعطر في جوانبها، وهمست هي الأخرى «استعبطي يا عاليا»
عضت عاليا شفتيها وصمتت شاردة الذهن متحيرة، تلملم أفكارها وتتحدى خوفها وحيرتها لكن عبثًا تحاول فقررت البوح لهما ومشاركتهما العلة فمن لها غيرهما؟ هي مازالت تخجل من ورد «كل واحد بيبيت فأوضة»
نظر الفتاتين لبعضهما بصمت وقلق تشاركها قبل أن توبخها سكن ممازحة «ليه يا بجرة أمال ١٣٠جميص دول لإيه»
مسحت عاليا وجهها بتوتر لم توّفته عينا مودة فاحتوتها مهوّنة عليها «مفيش مشكلة يا عاليا بس فهمينا ليه؟»
نظرت لوجهها في المرآة بحسرة تتأمل ملامحها الشاحبة وعينيها التي فقدت بريقها ووضحت «مش عارفة خايفة وجلجانة» أغمضت عينيها ووضحت بإنكسار «مش عارفة أفرح يابت حاسة كل حاجة ناجصة وحياتي غريبة تايهة، بنام أكتر ما بصحى عشان مفتكرش أي حاجة»
صمتت الفتاتين عاجزتين عن الرد لا تفهمان سر معاناة عاليا ولا خوفها فكانت سكن أول من تحدث وطمأنتها ببعض التهكم «طيب متزعليش خدي تجربتي عظة يا اختي حمزة حمّض جنبي»
ضحكت عاليا وابتسمت مودة قائلة « أنا بجى معايا واحد ميجدرش عليه لا عفاريت ولا أي حاجة والله»
ضحكن على قولها ثم سألتها مودة «أخبار أمه معاكي إيه؟»
أجابتها عاليا بصدق وامتنان «كويسة جوي والله وأبرار طيبة مش مخليني محتاجة حاجة ولا بعمل حتى كوباية عصير لنفسي»
لكزتها سكن ممازحة بضحكة شقية وهي تقف أمام المرآة لترتدي نقابها وتضبطه «طيبة زي أخوها الي منشفة ريجه يا هانم وجاعد مكتوم وهيطج أكيد»
غمزت مودة لسكن ثم وضحت بتفهم وحكمة «سليم عاقل وفاهم ومظنش زعلان وبيحب عاليا»
طأطأت عاليا رأسها وهمست مغلوبة على أمرها «والله غصب عني يا سكن مش بيدي» ندمت سكن على ما تفوهت به واقتربت تضمها معتذرة عن حماقتها «بهزر يا بت والله على يدك الي كان بيني وبين حمزة، روجي كله هيتعدل خدي وجتك بس من غير ما تبعدي يا عاليا وتبني بينك وبينه حيطان يتعبك هدها»
أثنت مودة على قول سكن وأردفت «سكن معاها حج يا عاليا اتكلمي وفهميه الي عيزاه منه وجوليله محتاجة وجت وفي الوجت دِه قربي متصديش وتنفري لغاية تاخدي عليه»
زفرت بحيرة لا تعرف هل ستتخطى وتنفذ قولهم أم ستعود لإنعزالها وصمتها وعزوفها عن مواجهته والحديث معه، كلما حاول التقرب منها بأي شكل تصده، كلما تحدث معها أجابت بإختصار وتهربت منه.
أعلنوا عن موعد الرحيل فودعتاها الفتاتين ورحلتا، دخل سليم بعينين غارقتين في الحيرة طالعها بنظرة شوق وابتسامة حنون وهو يسألها «كويسة يا عاليا؟»
هزت رأسها وهي تخشى النظر لعينيه وتتهرب في لوم لنفسها وحسرة تبلغ آفاق الروح، سألته بإرتباك «محتاج حاجة أعملهالك؟»
ابتسم وأجاب رضا «لا ياست البنات هدخل أذاكر شوية لغاية موعد القيام لو احتجت حاجة هجوم أعملها ارتاحي شوية»
تحرك تجاه الحجرة الصغيرة المجهزة بمكتبة صغيرة ممتلئة الأحشاء بالكتب القيّمة ومكتب صغير فوقه حاسوب والركن الآخر منها سجادة مفروشة وحامل مصحف، اتجه للنافذة المفتوحة استند على حافتها يتنفس الهواء الطازج بعمق وهو يهمس بوحشة وإفتقاد «فينك يا عم تايه ومش فاهم» أغلقها حينما تسلل البرد لصدره فسعل، عاد لمكتبه وجلس خلفه تائهًا لا تمنحه فرصة للحديث ولا تفتح بابًا بينهما وهو لا يفك طلاسمها.
ارتدى نظارته الطبية وبسمل قبل أن يفتح كتابًا أمامه ويغرق فيه. رفع رأسه يأذن للطارق بالدخول ظنها أبرار لكنه تفاجيء بها تبتسم بتردد وتطلب الدخول الآمن لصومعته الباردة، اتسعت ابتسامته ولم يتحرك حتى لا تقلق وتفرّ هاربة، بقيّ مكانه يأذن لها «اتفضلي»
حلّ الدفء وانتشر بدخولها، الحجرة الباردة أضحت دافئة وحميمية وضعت كوب الشيكولا الساخن أمامه هامسةً بإرتباك «الجو برد عملتلك حاجة تدفيك»
نظر للكوب إبتسامة حنون يشكرها على إحساسها به «تسلم يدك يا ست البنات بس معملتيش لنفسك ليه؟»
أزاحت خصلة ضايقتها خلف أذنها وهمست «هشرب بره عشان متتعطلش»
أراح ظهره للكرسي موضحًا «خلصت جزء هاتي كوبايتك وتعالي شوية هنا ولا نشرب مع بعض»
حمحمت بخجل وهي تبتسم هامسةً «هجيبها» خرجت فنهض وفتح النافذة من جديد وقف أمامها ممسكًا بالكوب ينتظر مجيئها حتى جاءت على استحياء وقفت جواره، رفعت الحجاب على خصلاتها واستندت على حافة النافذة متسائلة «حلو؟ »
قطب حائرًا ينظر لعينيها بهيام فهمست تنبهه «سليم لو محتاج سكر أجبلك»
حمحم منتبهًا من شروده وتأمله لها وقال بإرتباك «لا تمام أنا مش بفضل غير معلجة واحدة سكر يا عاليا»
ابتسمت قائلة وهي تعود بنظراتها للفضاء حولهما «أنا بحبه جوي وعادي ممكن تلاجيني بأكل فيه من غير أي حاجة»
ابتسم لها قائلًا بحب «فداكِ، أبرار زيك وأمي عشان صحتها متتعبش كانت بتجفل عالسكر»
ضحكت برقة وهي توجّه له نظراتها مستفسرة «أممم ناوي تعملها معاي»
نظر إليها طويلًا برقة قبل أن يهمس «لاه هعمل حاجة تانية»
قطبت مستفسرة ونظراته تخترق الحصون وتهدم الحواجز«إيه؟»
ارتشف من الكوب وأشاح بنظراته قائلًا بإبتسامة «بعدين هجولك لما يجي وجتها» ابتعلت ريقها وصمتت، أنهى كوبه فانسحبت لحجرتها وتركته وحده لأفكاره.
*******
في اليوم التالي
دخل الشقة ليجدها في المطبخ، ضيّق حدقتيه يتنبأ بما تفعل الساعة وحدها وبإنشغال تام، غائبة عما حولها، وجدها تضع حبات السكر أوسط كفها وتأكله بنهم
ابتسم لرؤيتها تفعل تلك العادة وقد خلعت عنها ثوب الخوف والحرص.. تحرك تجاهها ببطء ونظرات مسلطة عليها «عاليا» همس بها بنبرته الودودة الجميلة التي تُضفي على الحروف سحرًا وعلى الاسم جمالًا فريدًا فتودّ لو نطقه مرات ومرات، رفعت وجهها تُجيبه بإرتباك بعدما أغمضت أناملها على حبات السكر الباقية في أمان، بينما بقيت حبات من السكر حول شفتيها وفوق أنفها توشي بفعلتها وتفضح طفوليتها وبراءة الأفعال «بتعملي إيه؟»
فكرت قليلًا ثم اهتدت للإجابة فقالتها بسرعة وانتصار «بسخن أكل»
ضيّق حدقتيه فوق وجهها يمنحها الاختيار قبل القبض عليها متلبسة «بتسخني أكل متأكدة»
أكدت بهزة رأس وضحكة متكسرة تلملم شظاياها لتثبت «أيوة»
استدارت متهربة من نظراته شديدة العمق ومن أسره الذي لا فكاك منه، وقف خلفها ينظر للرخامة المتناثر فوقها حبات السكر بعشوائية وعلبة السكر المفتوحة كفعل فاضح لكذبها.
«كنتِ بتحطي سكر للنمل ولا إيه؟»
حمحمت تخفي إبتسامتها في حرج وهي تخبره ببؤس مزيف ومزيج من شفقة «صعب عليا النمل والله قولت أوكله»
أحاط خصرها ثم أمسك بكفها المضمومة ورفعها أمام نظراته يحاول فتحها «طب ما أوكله أنا»
ارتبكت من قربه منها وكلماته، أنفاسه المضطربة التي تقبلها الآن، فتحت كفها فهمس بآسف كاذب «مرت الشيخ بتكدب»
قطبت بآسف وخجل مما يحدث وإرادتها التي تضعف وعزمها الذي يلين، استمتاعها بقربه ورغبتها المزعجة بألا يبتعد «الي بيكدب بيتمد على رجله عندنا»
حملقت بذهول فابتسم مؤكدًا «جدامك حللين يا أوكل أنا النمل يا تتمدي على كدبك»
وجدت منفذ هربها قالت بفرحة «وكل النمل طبعًا» اتسعت ابتسامته وكرر سؤاله «متأكدة»
منحته السكر وتجاوزته مؤكدة «طبعا خد يا شيخ الله معك»
حك ذقنه النامية مفكرًا ثم ابتسم وأمسك بذراعها وسحبه لصدره وانحنى برأسه يهمس أمام أذنها بعاطفة «النمل مش هياكل السكر تاني غير من على يدي، فلما يحب ياكله يجولي»
أدركت مقصده الآن وغبائها، رفعت وجهها ترمش بعينيها فهمس بإبتسامته التي تداعب الروح «ها تتمدي على الكدب ولا تكملي أكل من على يدي»
همست بإسمه في تردد و رجاء «سليم»
أجابها وهو يميل ويلثم موضع السكر المتناثر حول شفتيها وخدها، لا يقدر الابتعاد وإهمال حاجته للقرب منها، لا يستطيع تجاهل رغبته في ملامسة ثغرها هو بطعم السكر... تخشب جسدها بصدمة وزادت خفقات قلبها، تائهة ومتوترة، مصافحة أنفاسه متعة ولمساته الناعمة تخضعها وترجوها برقة الاستسلام، تدعوها للذوبان معه بشغف، أحاط خصرها حين لمس لينها، كاد يغرق لولا همسها وابتعادها المفاجىء «هسخن الأكل»
وابتعدت وانسحب هو لحجرته ومكان انعزاله.

تمت 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close