اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم عائشة حسين

♕الثالث والخمسون♕
‏ " اللهم يا كافل العباد وواهب الأرزاق وموزع العطايا ارزقنا نوراً في القلب وضياءً في الوجه وعافيةً في البدن وسعةً في المال والعلم والعمل وحُسن الصفات وصلاح الأعمال والنوايا ، اللهم سترك وعفوك وودك وحُبك وقربك ورضاك ولذة النظر إلى وجهك الكريم ."
*******
دارت نظراتها في المكان بإشمئزاز وقرف، تأففها يُعلن ضيقها وندمها لكن لا حيلة لها إلا أن تسلك هذا الطريق، تنهدت بإستسلام لاعنة داخلها زوجها وحقارته داعية عليه بقلب مكلوم، جاءت السيدة متباطئة الخطوات ترمق نفيسة بنظرات غامضة حذرة.. تفحصتها نفيسة بقرف لم يهجر نظراتها بل يزداد ويطفو معه الغثيان الشديد، خشيت أن تفضح ملامحها معاناتها من الرائحة الكريهة وقذارة المنزل فغطّت وجهها بطرحتها ولم يظهر منها غير عينيها شديد الانزعاج والنفور، لم تكن تغطية وجهها بدافع القرف وحده بل الستر، وإضاعة هويتها بين ركام الجهل والافتراضات... قطبت سما بكراهية تسللت لصدرها لا تدري سببها وهي تتأمل فخامة ما ترتدية المتخفية وتشم رائحتها التي تنتشر متبجحة على الروائح السيئة المُحاصرة، تخفّيها الذي يُعلن أنها جاءت لحاجة وتمسكها بإخفاء هويتها عنهما وهي التي جاءت لهما متذللة خاضعة لمصلحتها.
تأملتها نفيسة قليلًا كانت غريبة ذات ابتسامة مثيرة ومخيفة، عيناها متكحلتان بكحل أسود قاتم كثيف وفي فتحة أنفها اليسرى حلق يتدلى، مليحة الوجه رغم علامات العمر وتجعيدات الزمن حول عينيها وفمها.. تطلّ من عينيها نظرة مُخيفة مُربكة غير مفهومة بسرعة رمت نفيسة ما بيدها تجاه خالة سما قائلة بأنفة وغطرسة لعينة «خدي عايزة عمل ميتفكش، صاحبه يعجز»
ابتسمت السيدة بشر وهي تقبض على الطاقية وتكرمشها بكفها ثم تتشممها تحت نظرات نفيسة المنبعث منها القلق « متعرفناش يا ست»
انتفضت نفيسة واقفة بغرور لم تحسب عواقبه ولا تبعاته «المطلوب منك تعمليه من غير سؤال»
مشطتها السيدة بنظرة غامضة وهي تسأل بنفس الابتسامة المُغيظة الهادئة «اسمه واسم أمه يا ست؟»
تنهدت نفيسة في حيرة وتفكير قبل أن تحسم قرارها مُتطلعة للنتائج من نافذة الضيق «رفعت واد سكينة»
ارتجفت سما مرتدة للخلف وقد عرفت هويته جيدًا وكاد ارتباكها يُكشف لولا انشغال نفيسة وخالتها بسجال الكلام.
سألت الخالة بتبجح «والمعلوم يا ست؟»
رمت نفيسة لها برزمة كبيرة من الأموال تصيد بها ولائها وتضمن إجادتها للعمل، ابتسمت نفيسة برضا حينما أمسكت الخالة برزمة الأموال في لهفة تقلّبها بين يديها بجوع.. رفعت رأسها تسألها « تلفونك عشان ابلغك»
رمقتها نفيسة بنظرة كارهة مشمئزة قبل أن تخطو ناحية الباب تاركة كلماتها خلفها «أنا هجيلك تاني»
هرولت كلمات الخالة خلفها «مشربتيش حاجة»
لكنها لم تتلقى الرد منها، اندفعت سما بعدائية تغلق الباب خلفها وهي تسب وتلعن سرًا وعلانية من عجرفة وغطرسة القادمة رغم حاجتها لهما.. ابتسمت الخالة وهي تضع الأموال بصدرها قائلة «سبيها»
زعقت سما بغضب «هي الي محتجالنا»
صمتت الخالة بنشوة غريبة جعلت سمها تتابع بحرقة «عارفة مين رفعت واد سكينة»
طالعتها الخالة بصمت تترقب قول سما، لمعت نظرات سما وهي تخبرها «خال سكينة وعم حمزة عبد الحكيم»
ضيقت الخالة نظراتها فوق ملامحها تقلّب الكلمات بعقلها قبل أن تقول بابتسامة العارف ببواطن الأمور وخفاياها «ودي نفيسة مرته»
ضحكت ضحكة مجلجلة أثارت فزع سما التي قالت بارتباك وتلعثم «سبتيها تهينك ليه؟»
نهضت الخالة تخلي الصالة وتغادر للحجرة قائلة «مش وجته ناخد منها الي عايزينه وبعدها نأدبها»
ابتسمت سما بإستمتاع قبل أن تهمس بما في نفسها القاتمة «واه لو ندخل البيت دِه يا خالتي تبجا طاقة جدر واتفتحتلنا»
ابتسمت خالتها ابتسامة غريبة قبل أن تنعزل بحجرتها وتغلق خلفها وبقيت سما بالخارج تسبح في خيلاتها وأفكارها
**********
دخلت حجرة ورد بحذر، متسللة على أطراف أناملها حتى لا تكتشف ورد مجيئها ولا الخلاف بينهما فتوبخهما، كتمت أنفاسها وتمددت جوارها بهدوء وما إن استراحت والتقطت أنفاسها باغتتها ورد بسؤالها وهي تُعطيها ظهرها «جايه تتسحبي ليه؟»
زفرت سكن باستسلام قبل أن تهمس لها بمراوغة واحتيال«وحشني النوم جنبك»
لكمتها ورد بصراحتها «كدابة»
ابتسمت سكن وأخبرتها بلطافة «مشيها وحشتيني»
أوضحت ورد بتأفف «مش هتخلوني أنام فراحة، أنتِ جيتي هو هياجي وتفضلوا طول الليل جط وفار وأنا منامش»
قبّلت سكن كتفها بتقدير، تستسمحها على أفعالهما وتزيد من طاقة صبرها عليهما، قبل أن تهمس في استعطاف «جلبك أُبيض يا وردتي»
همست ورد مستسلمة في لين «ماشي يا أختي نامي»
بعد نصف ساعة سئمت فيها سكن الوحدة وانفرادها بأفكارها، وعطشها للقرب منه وحاجتها اللحظة لأحضانه، في اشتياق جعلها تسحب الهاتف مترددة تنظر جوده من الرسائل، أن يطرق الاشتياق بابه فيفتح متنازلًا... شعرت باليأس والضجر والخوف من أن ينام ويتركها هنا فلم يمر على زواجهما الكثير.. تضاربت أفكارها واشتبكت مشكّلة دوائر من الهواجس والظنون فنهضت ببطء وحذر محافظة على السكون واحتباس الأنفاس، تسللت للخارج ومنه للمطبخ نظرت لباب الحجرة في أمل ثم عادت للمطبخ من جديد، أعدّت كوبًا من الشيكولاته الساخن وخرجت للصالة منتظرة عفوه، تذوقت الشيكولاته فانقبضت ملامحها بضيق قبل أن تنهض وتعود للمطبخ من جديد لتجده أمامها كادت تهتف باسمه لهفةً لكنها تماسكت وابتلعت ابتسامتها وتحركت غير مهتمة به متجاهلة وجوده، سحبت السكر فمال وهمس في أذنها «متكتريش السكر غلي»
خبأت ابتسامتها خلف قناع الصلابة والجدية وخرجت للصالة، تبعها للخارج وجاورها ملتصقًا يهمس «دفيني معاكي يا سكني»
رمته بنظرة زاجرة قبل أن تتجاهله وتلتفت للتلفاز، أحاط كفها الممسك بالكوب ورفعه لفمه مرتشفًا بتلذذ تحت نظراتها التي عادت إليه في اعتراض ورفض لكنه واصل ما يفعل متلاعبًا بها «جميل»
سحب بطانية من الفراء الناعم ودثر جسديهما بها مقترحًا بمكر «ما تيجي ندخل الجو برد هنا»
ارتشفت من الكوب قائلة وهي تنظر للتلفاز «مبكلمكش»
سحب كفها وارتشف من الكوب كما فعل من قبل وهو يلومها «مش أنتِ الي بدأتي؟»
هزت كتفها باستهانة وكلها شوق لأحضانه «ماشي عادي أبعد عني يلا»
همس وهو يلثم خدها «مستغناش يا حلوة»
كتمت ابتسامتها وواصلت تجاهله، فمال يلثم عنقها بنعومة، أذابتها كادت تلين له وتستسلم لكنه ابتعد يسألها «سكن فاكرة لما عملتيلي بلوك؟»
انطلقت ضحكاتها حينما تذكرت، وضعت الكوب واعتدلت تحكي له «يااه يا حمزة عملته وروحت اتخانجت مع سعد عشان زعلك ولما جيت مع ورد كنت هموت وتبصلي ولا تسلم عليّ وأنت ولا حاسس»
ابتسم معترفًا لها وهو يتلاعب بخصلاتها «مين جال ولا حاسس لا كنت فاهم، كنتي مكشوفة يا سكن»
ابتسمت بخجل من انكشاف مشاعرها له وهمست «كنت جاسي ليه وكان مالك يومها؟»
شد أذنها برفق وهو يخبرها بكبرياء امتزج بسخطه متجاهلًا سؤالها عن حاله فكيف له أن يخبرها بشوقه وقتها وحاجته لمرام،لذا شعر أن الحديث عن الذكريات قد يفتح أبواب أخرى فتغاضى «أنا ميتعمليش بلوك يا جزمة»
عقدت ساعديها وهمست متذكرة «جولت عليّ رخمة ورغاية»
قال متبرئًا يتملص من ذنبه «كداب والله يا سكني كنت بسكّت ورد أنا كان نفسي أكلمك برضو»
ابتسمت قائلة وهي تقرص خده في مداعبة ومزاح «أيوة اعترف يا حموزتي»
أطفأ التلفاز ونهض ممسكًا بكفها يسحبها «جومي يلا ننام»
قالت وهي تفلت كفه في دلال وعتاب «لسه زعلانه من الي فات والي النهاردة»
انحنى وحملها بين ذراعيها قائلًا بضحكة «هصالحك حتى على الي معملتوش بس كِده تؤمري»
همست وهي تهز رأسها لتحرك خصلاتها من على وجهها «هنشوف» ثم سألته بإهتمام «هتطلعني نتفسح»
دخل بها الحجرة وأغلق الباب بقدمه مؤكدًا «بكره بإذن الله»
سألته باهتمام وعتاب «كنت هتسيبني أنام مع ورد يا حمزة؟»
نظر لعينيها بدفء وابتسامة حلوة قبل أن يقترب ويمرر لها السؤال «حمزة هيسيبك تنامي بعيد عنه؟»
تدثرت جيدًا قائلة بتفكير «معرفش يمكن» جاورها يُعدّل من الدثار مُعاتبًا «كدِه تستحجي ترجعي عند ورد طالما مش عارفة »
تمدد يوليها ظهره بصمت وتفكير، فمالت تمرر أناملها على وجهه وخصلاته هامسةً «حمزاوي»
طال صمته فوضعت رأسها فوق رأسه وأحاطته بذراعها هامسة ً«كنت عارفة مش هتنام من غيري وهتطلع أمال أنا طلعت ليه علشان متجيش وورد تهزجنا»
إعتدل في نومته وأشار لها وهو يفتح ذراعيه «يلا تعالي»
وضعت رأسها على كتفه فضمها بقوة ورفع الدثار عليهما حتى رأسيهما ليغرقا معًا في نوم عميق.
********
خرجت من الحجرة بعدما طال نومه ورفض الاستيقاظ وسئمت هي من محاولاتها، تحركت في الصالة تفتش و تبحث حولها بتأفف ، نظرات ورد تسير خلفها حيث تذهب متعجبة مما تفعله وحالتها، سألتها ورد بتوجس ومراقبة «بتدوري على حاجة؟»
قالت سكن بإنشغال وهي تواصل البحث «أيوة»
صمتت ورد تتابع بإهتمام، فتحركت سكن تجاه المطبخ مفتشة مما جعل ورد تغمغم كلما وصلها صوت الأواني المتصادم بالأرض «لا حول ولا قوة إلا بالله»
خرجت سكن تسألها بجدية «مرت خالي عايزة حبل ولزج ومش لاجيه»
قطبت ورد بصمت، قبل أن تتخلى عنه وترمقها بنظرة مستنكرة متوجسة ولسانها ينطق «مالك بيهم؟»
هتفت سكن وهي تتحرك مواصلة البحث بضيق «عيزاهم ضروري»
غمغمت ورد وهي تتابعها بنظراتها«يا مري كيف هعيش معاهم دول؟»
أوقفت عبورها للممر سؤالها عن حمزة «جوزك صحي؟»
قالت بإستياء واضح وتوعّد نضح من نظراتها «لاه مش راضي»
نصحتها ورد برأفة ولين، مشفقة على ولدها «سبيه براحته»
ابتسمت سكن بشر قبل أن تعود للحجرة مفتشة فيها «هسيبه خالص اطمني»
غمغمت ورد بالحوقلة قبل أن تكرر السؤال بقلق «عايزة الحبل والزج ليه؟ هتعملي بيهم إيه يا حزينة؟»
ابتسمت سكن وهي تخبرها بهدوء وعفوية شديدة «هربط ولدك الحيلة»
تركتها وغادرت للحجرة، بينما ظلت ورد ساكنة بملامح مصدومة تكرر ما قالته؛ لتنتفض واقفة محوقلة تغمغم بذهول «لاه أنا أروح بيت أختي أرحملي، جولت أجوزه يعجل باظ أكتر وعايز رباية هو ومرته»
اتجهت ورد ناحية حجرتها في عزم مغمغمة بخيبة، متحسرة « تربطه يا مري»
وجدت سكن اللاصق بدرج الخزانة فقفزت في فرحة،ثم اقتربت منه في تصميم وعزم.
فتح عينيه ببطء يطالع كل ما حوله، حتى عثرت نظراته عليها جالسه أمامه تبتسم بشر، علي ملامحها تحفز وتشفي مخيف.. حاول الكلام ليذهله إغلاق شفتيه بفعل لاصق وانحباس صوته في قاع الصمت
حملق مذهولًا وهو يرفع ذراعيه المقيدان أمام عينيه بطرحتها؛ لتهتف بضحكة هازئة
«شكلك حلو جوي يا حموزتي»
زمجر يطالب بتحرير شفتيه وإطلاق صراح لسانه،نظراته يتطاير منها الشرر،لا يتخيل ما تفعله ولا سببه بعد ما كان بينهما ليلة أمس تقدمت منه ببطء متبخترة، انحنت أمامه مبتسمة قبل أن تنزع الشريط اللاصق بقوة تألم بسببها (آه)
شعرت بالذنب والندم فمالت تمرر أناملها فوق شفتيه مستكشفة سبب تألمه وقطرات الدماء التي قفزت، ليباغتها بعضة خفيفة لأطراف أناملها، انسحبت متأوهة بسببها، هتف بغضب مما تفعله وقرأه في نظراتها «بتهببي إيه يا زفتة»
لملمت الآسف قبل أن تستقر نظراتها فوق شفتيه وجرحه تقول بشجاعة تُخفي بها ندمها بحرص على تألمه «جولتلك طلعني مرضتش جولتلي حاضر وحايلتني لغاية ما خدت غرضك وأدي اهو صاحي العصر»
رمقها بتسلية مُخفيًا ابتسامته المستمتعة بهذا الجنون،معتدلًا من رقدته وهو يراقبها مغمغمًا بصدمة «خدت غرضي؟ »
هتف بغيظ وهو يكتم ضحكاته « ما تجولي كمان صحيتك الفجر و سهرتك للصبح؟ومرضتش أنام»
ضمت شفتيها تكتم ضحكتها ولوّحت بثبات وهي تؤكد بكذب «أيوه حصل»
سقطت نظراته لقيده يستفسر بغباء كاذب، يجاريها فيما تفعله من حماقات«طيب هاكل كيف وأتحرك كيف دلوك»
عقدت ساعديها قائلة بنزق، تحاول سبر أغواره بنظرات فطنة ممتلئة بالحذر«هساعدك»
إلتوى فمه بإبتسامة ساحرة وهو يطلب بوداعة، تروقه تلك اللعبة كثيرًا«ممكن أغيّر التيشرت»
رمقته بنظرة غامضة قبل أن توافق على مضض متجهةً للخزانة جاذبة منها واحدًا تحبه وتفضل لونه عليه، اقتربت منه تساعده في نزع ما يرتديه. حاولت تسيطر على خجلها منه الذي فضحته حمرة وجهها وانقباض ملامحها وتهرّب نظراتها من، بينما كان هو يتأملها متلذذًا قبل أن يسخر «بتتكسفي يا شيخة صدجتك»
ضربته على صدره في معاتبة وزجر «حمزة»
مطت شفتيها قائلة بخيبة وهي ترمي ما بيدها في يأس(مش نافع.؟)
مد ذراعيه المشتبكان يقول لها متلاعبًا بها«فكيني وبعدين اربطي»
قالت مفكرة تطرح أفكارها «مش هتُهرب..؟»
أمال رأسه يخبرها بسعادة وزهو «لاه اللعبة عجبتني، وناوي أندمك عليها»
فكته ليرتدي وبعدها مد ذراعه لها في رضا تام وطاعة تحت نظراتها الماكرة التي ترمقه بعدم راحه، قيدته من جديد ليطلب بتعب «جعان هاتي الوكل يلا»
تحركت قافزة من فوق الفِراش، ليناديها قائلًا «بت عمتي»
عادت ما قطعته من خطوات تلبي بجمود «ها»
وقف معتدلًا سحبها تجاهه رفع ذراعيه وادخلها بينهما ضامًا لها يهمس بعشق (أجدرأفكه بس مش هعمل كدا لما تفكيني إنتِ وترضي ، حمزاوي هيعمل دايمًا الي يريحك ويسعدك حتى لو مش عاجبه»
حررها من ذراعيه يحرك حاجبه مستفزًا لها يؤكد استمتاعه بغمزة شقية «بس أنا عاجبني الي حصل،حسيت بيه وسيبتك الموضوع ممتع معاكي يا سكني»
تحركت راكضة للخارج،فلما نادته والدته عادت تفك وثاقه مرتبكة «ورد بتنادي»
ضحك قائلًا بآسف «خسارة ملحجتش استمتع»زجرته بنظرة حانقة فسرق من خدها قُبلة حفها بتوعده «وحياة أمي هردهالك»
خرج من باب الحجرة ثم عاد إليها قائلًا «اجهزي بسرعة هنطلع»
رمى لها قُبلة في الهواء فقفزت هي فرحةً وسعادة، في الخارج طلبت منه والدته إما أن يعود لشقته بمجنونته أوتذهب هي لخالته، حينما سألها عن السبب قالت في صدمة «مرتك بتدور على حبل عشان تربطك بيه ولزج»
كتم حمزة ضحكاته وقال بمشاكسة «أنا أصلًا كنت مربوط جوا لما ناديتي فكتني،ومستنياني عشان تربطني تاني»
فغرت ورد فمها بصدمة قبل أن تخلع نعليها وتلقيه بوجهه هاتفةً«خد مرتك وأمشي هتطيروا البرج الي فاضل بعمايلكم» تفادى حمزة الضربات بعدما سمح لقهقهاته بالإنفلات،اقترب منها وضمها فقالت ورد بحسرة «أنا أجعد أربي فيك 30سنة وبت راضية تضيعهم فيومين»
قبّل حمزة رأسها يعاتبها بمزاح «مش أنتِ الي جولتي سكن يا حمزة وأرجع يا حمزة، استحملي وحافظي على البرج الي فاضل عشان بت أخوكي طيرتلي كل الأبراج»
غمغمت ورد وهي تضرب باطن كفها اليمني فوق ظاهر كفها الأيسر مشفقة عليه «الله يعينك يا ولدي شيلتك تجيله»
كتم حمزة ضحكاته قبل أن ينهض مستأذنًا «هروح أشوفها بتهبب إيه»
لوّحت ورد بيأس وانهزام قائلة «ربنا معاك يا ولدي»
دخل ليجدها تستعد بفرحة،سحب ملابسه وغادر للمرحاض،أخذ حمامًا دافئًا وارتدى ملابسه وخرج ليجدها في انتظاره في كامل استعدادها،سألته بحماس «هناخد أمي»
قال بجدية ومعرفة بوالدته «مش هتوافج»
قالت وهي تخرج من الحجرة «هشوفها مش حابة نطلع من غيرها»
خرج حمزة ليجد سكن قد فشلت في إقناعها،فسحبها وخرج بها لينفذ لها طلبها بالخروج والتنزه.
*******
مساءً بعد عودتهما وقف في الشرفة مستندًا بمرفقيه على السور مفكرًا بشرود، مازال أمر أموال حسن يؤرقه ويشغل باله، هند أخبرته أنها لا تملك الأموال الكافية ونبهته بضرورة اختيار شريك مناسب، مسح وجهه مستغفرًا لا يعرف من أين يأتي بهذا الشريك يصارع ضياعه بحُسن الظن والتوكل، انتبه على ربتة والدته الحانية وسؤالها «سايب بلوتك ليه وجاعد هِنا وحدك يا حمزة؟»
ابتسم بشحوب قبل أن يمسك بكفها ويلثمه قائلًا «نامت فسيبتها ترتاح»
جلست فوق الكرسي متسائلة «عملت إيه مع حسن»
أجابها بتنهيدة حزينة وهو يجلس فوق الكرسي المقابل متطلعًا للفضاء بشرود «ولا حاجة لسه»
استطرد بحزن وتوهة «هو بس لو يجولي فيه إيه؟ ولا إيه غيّره ارتاح يا أمي»
ابتسمت ورد قائلة بحكمة «مش يمكن مترتاحش؟» ضيّق نظراته على وجهها وملامحها فابتسمت وتابعت بحنو وإشفاق «متحاولش تعرف حاجة ربك سترها يا حمزة، متسعاش ورا الي خفي عنك، لأنها ساعات بتكون رحمة من ربنا إياك تخسرها،، المعرفة ليها وجت ربنا وحده يحدده لما يكون عندك استعداد أو هتجدر تتحملها أو خلاص معادش فارج المهم هتجيلك فالوجت المظبوط»
ابتسم حمزة قائلًا في حيرة وهو يعقد ذراعيه أمام صدره وينظر للسماء «كده خوفتيني أكتر» صمت قليلًا ثم صارحها بقلقه «برضو خايف عليه من نفسه هو تعب وشجي كتير مش عارف هيعمل إيه بالفلوس»
اتسعت ابتسامة ورد وقالت وهي تطالعه بشجن «كيف أبوك ياحمزة حتى فزعلك جلبك على الي جدامك»
أردفت تطمأنه بأمل «متخفش ربنا مش هيضيعك أبوك كان صالح يا حمزة وليه فكل فبيت واجب وفي كل جلب كلمة زينة سابت أثر
ثم تلت قول الله تعالى
«﴿وَكانَ أَبوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشُدَّهُما وَيَستَخرِجا كَنزَهُما رَحمَةً مِن رَبِّكَ وَما فَعَلتُهُ عَن أَمري ذلِكَ تَأويلُ ما لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبرًا﴾
شردت هامسةً بفخر امتزج بحنينها وهي تتطلع للسماء
«عمل أبوك جاعدلك وهيحفظك يا ولدي، أنت نبتة صالحة من ضهر راجل صالح»
ابتسم يخبرها برؤية سكن «بعتلي رسالة مع سكن»
ضحكت وهي تسأله لتتأكد «جالك أصبر؟»
قطب حمزة مستفهمًا بنظراته فأردفت «جلي جولي لحمزة، جولتله وأنا مالي جول لمرته، خليها تاجي من سكن يا حكيم»
ابتسم حمزة متنهدًا بتأثر فهو اعتاد ذلك وليس بجديد عليه ما حدث ولا ما أخبرته به والدته،عاد لشروده وحزنه يسأل «أجيب منين شريك بدل حسن»
ابتسمت ورد وقالت بفطنة «وتجيبه ليه وهو موجود ومستني»
انتفض من استرخائه واعتدل يسألها بإهتمام «مين يا أمي؟»
قالت برزانة ونظرة ثاقبة للأمور «جلال يا حمزة»
غمغم مندهشًا «جلال؟، بس هو مطلبش وأنا مش هجدر أجوله وأعرض عليه»
ربتت ورد على ركبته وهي تخبره بطمأنينة وابتسامة فرح «هيجيلك وهيطلب اطمن»
غمغم في تضرع وإبتهال «يارب»
ابتسمت بحنو وإشفاق قبل أن تنشغل بالتسبيح وذكر الله وينشغل هو بالعمل على اللاب توب الخاص به، رحلت ورد بعدها لحجرتها تستريح وبقيّ هو منتظرًا أن تستيقظ زوجته.
***********
أجاب فورًا على اتصال مودة بابتسامة واسعة وهدوء بال، أنهى أعماله وعاد للمنزل بجهد هالك وطاقة ممزقة تحتاج لرتق من عاطفتها، وضع سماعات الأذن وخرج متجهًا للمطبخ بعدما أخذ حمامًا دافئًا أزال به آثار التعب عن جسده وردّ به بعض الحيوية له، لفّ المنشفة حول عنقه ووقف أمام الموقد منتظرًا سماع صوتها الدافيء، مودة الشبيهة بكوب شيكولاته دافئ في ليلة شتوية، قطرات ندى فوق أوراق الورد.. نغمة صوتها الهادئة تنشرالراحة في صدره تجذبه كمغناطيس فيسترخي بأمان، أجابته متصنعة الجفاء في نبرتها «مساء الخير»
أجابها بابتسامة لذيذة لا تخرج إلا لها ومعها«مساء الفل»
سألته وهي تبتسم «ده أنت رايج بجا»
وضع ما صنعه جوار الخبز وجلس ليأكل وهو يُجيبها «استغليني بقا»
سألته بإهتمام وهي تطالع ساعة الهاتف «راجع بدري يعني»
تناول طعامه قائلًا بحماس « عارفة مواعيدي الله أكبر »
ابتسمت تلكم فرحته بقولها «جات صدفة معايا إني عرفت »
هز رأسه بعم اقتناع من مراوغتها وكذبها لكنه إدّعى الإقتناع بصمته وعدم مجادلتها، سألته «أنت بتاكل؟»
أجابها بتأكيد «أيوة عملت حاجة عالسريع علشان جعان»
قالت بخبث «برافو بتعمل لنفسك أكل؟»
ابتسم حينما فهم مقصدها وما ترمي إليه فقال «متحلميش عايز أتجوز أصلًا علشان لما أرجع ألاقي حد مستنيني وبيحضرلي أكل وماكلش لوحدي زي الحرامية»
ابتسمت بإشفاق وقد رق قلبها له ولحاله، فاقترحت بمزاح «بس أكيد مفيش مانع من بعض المساعدة»
أنهى طعامه سريعًا ولملم الأطباق قائلًا بابتسامة « ولا مساعدة معرفش أعمل حاجة أنا أخري أبوس»
انتفضت مستنكرة قوله في خجل وإرتباك «تبوس » غمغمت بعصبية فكتم ضحكاته ووضح كذبًا «قصدي أبوس إيدك وأقولك تسلم إيدك، ولا أنتِ دماغك راحت لحاجة تانية؟»
ارتبكت أكثر وتشتت، أدخلها المصيدة وأغلق عليها بإستمتاع مما جعلها تركض فيها باحثة عن مخرج وهو يكتم ضحكاته مستمتعًا «راحت لا مراحتش، حاجة إيه؟ مش قصدي »
عاد لحجرت وتمدد فوق الفِراش قائلًا «تؤمري والله يا ميمو هقدملك وقتها خدمات جليلة وعظيمة»
قالت بانفعال وسخط من منحنى أفكاره «قصدك جليلة الرباية»
انفجر مقهقهًا متخليًا عن ثباته، فابتسمت تهز رأسها في يأس منه، سألته «خلصت أكل»
أجاب «آه وخلاص هنام»
قالت تنهي الاتصال «تمام تصبح على خير»
استوقفها بضيق «رايحة فين مفيش بوسة ولا تصبح على خير يا حبيبي يا سيدي وتاج راسي»
ابتسمت وهي تندس تحت الغطاء مقررة النوم أيضًا،قالت بنبرة ساخرة مملوء بالضحكات «تصبح على خير يا سيدي وتاج راسي»
رفع حاجبه يسألها «بتتريقي»
كتمت ضحكاتها وقالت في جدية كاذبة «مش ده طلبك؟ أنت مكلمني وأنت بتاكل فاكرني طبق مخلل ولما خلصت هتنام»
ابتسم وهمس مغازلًا بعاطفة وتنهيدة هيام بعدما استنكر التشبيه «مخلل إيه؟ ده أنتِ فرولاية متغرقة نوتيلا »
تنفست بقوة تحاول السيطرة على دقات قلبها العالية وخجلها من همسه، زفرت في محاولة أخيرة بائسة لتهدئة دقاتها ففشلت، اشتعلا خديها بحمرة نيران الخجل وهي تسمع همسه التالي «برتقال بجزر ساقع في الحر»
انسحبت من خجلها وهمست بنبرة ساخرة مازالت تحمل التأثر بين طياتها «أنت لسه جعان؟»
زفر هو تلك المرة بحرقة قبل أن يخبرها بتأفف وعدم صبر «أنا زهقت يا مودة من الصبر والانتظار»
قالت ممازحة له في سخرية «اهدأ واشرب عصير برتقال بجزر»
قال من بين أسنانه بغيظ «روحي نامي أحسنلك»
تذكرت شيئًا فقالت قبل أن ينهي الاتصال «أخبار عمي حسان إيه؟»
قال بفظاظة «معرفش»
ابتسمت تشاكسة بمرح «يا زين هو أنت في حاجة متعرفهاش»
لانت نبرته ورق قائلًا «دا إيه؟ مدح ولا ذم؟»
تنفست بعمق قبل أن تُجيبه «لا مدح متجلجش، المهم لو شوفته وجابلته سلملي عليه وطمنه على سكن وأبجا طمني عليه»
استغل الفرصة وتصيّد بمكر «والمقابل»
همست هازئة «مبتعملش لله يا حضرة الضابط؟»
قال بنبرة رائقة «لا معاكي أنتِ لا »
قال تستميله «هعملك كيك؟»
سخر بنبرة ممطوطة «نعم، كيك؟ نامي يا مودة نامي يا بتاعة الكيك»
همست «تصبح على خير»
أنهى الاتصال ورمى الهاتف جواره لاعنًا يتوعدها «ماشي يا مودة مسيرك تقعي تحت إيدي» ابتسم للفكرة وللخيال في حماس شديد قبل أن ينزع سماعات الأذن ويضع الوسادة فوق رأسه وينام.
*""""""""""""""""""""""'''"'
اليوم التالي مساءً
«ازيك ياعم» نطق بها زين وهو يجلس القرفصاء أمام حسان الذي رفع رأسه له مُرحبًا بوجوده «ازيك يا ولدي نورت»
ابتسم زين وهو يمرر لسانه داخل فمه ناظرًا حوله يسأل «فينك غايب»
ابتسم حسان موضحًا «فأرض الله»
قال زين بجدية وهو يفرك كفيه «مودة بتتصل بيك مش بترد بعتالك السلام وقالتلي اطمنها عليك واطمنك على سكن»
تهلل وجهه بالبشرى ونارت ملامحه وهو يستمع لكلماته بقلب يختلج شوقًا وفرحةً
شكره بحراره «كتر خيرك يا ولدي»
ابتسم زين برسمية قبل أن يطلب منه بتواضع «مش هتعملي شاي؟»
قال حسان ومازالت الفرحة تضيء ملامحه وتغمرها طاردة الأسى « من عنيا»
ضع البراد فوق النار المشتعلة قائلًا بحرج وهو يُجهز الأكواب «متواخذيش يا ولدي فكرتك مش هتوافج فمعزمتش عليك»
سحب زين صخرة وجلس فوقها منتظرًا كوب الشاي وهو يبتسم بلطف لكلمات حسان وحرجه، راقب ارتعاشة جسده وغمغماته وأهازيج الفرحة بعينيه التي تغشاها سحابة دموع الآن، سأله زين وهو يقرب كفيه من النار ليتدفأ« تفتكر رفعت قتل أبويا ليه يا عم حسان؟»
أجابه حسان بعملية وهو يصب الشاي في الأكواب النظيفة «عشان المجبرة كانت تحت يده هو وفعهدته وكل ما في البلد»
هز زين رأسه بإستحسان وهو يمط شفتيه مستمعًا بإنصات لمنطقه المُقنع قبل أن يفاجئه بسؤال دوى فوق رأسه كصاعقه «إلا قولي يا عم حسان لو افترضنا إن الرصاصة الي مات بيها عبد الحكيم مكانتش من مسدسك أنت يومها كانت من مسدس رفعت هتعمل إيه؟»
نظر إليه حسان بصدمة، يستوعب السؤال ويتفهمه يمرره على عقله وقلبه وقد جف حلقه متشعرًا المعاناة التي عاشها ولحقت به، وطرف ثوب سنين عمره الملطخ بوحل الذنب والخطيئة..حياته مرت كشريط سينمائي بمأسيها قبل أن يبتسم من جديد ويعود لهدوء نفسه وراحة باله قائلًا « ساعتها هدور عالذنب الي عملته وكان كفارته أن أشيل ذنب مش ذنبي واتحمله، أو هسجدد لله شكر إنه اختارني بالابتلاء ده عشان أعرفه وأرجعله وأتوب عن كل ذنب»
أنهى زين كوب الشاي ثم فرك كفيه ببعضهما قائلًا بجدية «طيب أسمع الي هقوله دا يا عم حسان وأفهمه كويس علشان خلاص قربت»
ترك حسان كوبه وانتبه له بإنصات واهتمام شديد مرتجف الفؤاد «اتفضل يا ولدي»
أمسك زين بعصا رفيعه وبدأ في التخطيط على الأرض ورسم خطواته وخطته التي سيبدأ في تنفيذها بالفعل.
****""
بمنزل راضية
رأى عمار أخته مودة بصحبة عاليا تثرثران أمام حجرتها فهتف يوقفهما بابتسامة «ازيكم يا بنات»
نظرت مودة لعاليا ببلاهة بعدما توقفتا عن الضحك والثرثرة ونظرتا لبعضيهما بدهشة وهما تسألان نفس السؤال «مين دِه؟»
ابتسم عمار وهو يصعد للطابق الثالث حيث شقته وهو يعرض عليهما «تعالي يا مودة أنتِ وعاليا اجعدوا معانا فوج»
تابعته عاليا بنظراتها وهي تكرر السؤال «مين دِه يا حزينة عفريت أخوكي؟»
ضربتها مودة على ذراعها ونظراتها تعتلي الدرج خلفه غير مصدقة تغمغم «يمكن شارب»
أكدت عاليا بحسرة ومصمصة شفاه «على جولك هو يعني مين خاله»
ثم أردفت بحماس وعيون لامعة «تعالي نطلع ونسهر معاهم»
ترددت مودة قليلًا قبل أن تسألها «هتبيتي معايا؟»
أكدت عاليا بحسرة لملمت راحتها «أيوة أبوي راجع وأكيد هيمسكو فبعض هو وأمي فمش ناجصة نكد»
ابتسمت مودة في وجهها تخفف عنها وتحتوي حزنها، ثم همست بحماس «طيب تعالي ناخد أكلنا ونطلع نسهر معاهم»
سألتها عاليا وهي تسير خلفها للحجرة «مرته مبتنزلش تجعد معاكم؟»
قالت مودة وهي تجمع أكلهما في الأكياس «لاه هي فحالها وأحنا فحالنا، بس ساعات أمي بتطلعلهم»
لوت عاليا فمها قبل أن تنعي الحظ في مرارة «خيبة على دي خلفة»
ضحكت مودة قائلة بأمنية وهي تخرج من الحجرة تتبعها عاليا، استدارت تغلق خلفها متمنية «ياريت لو سكن جاعدة»
ضحكت عاليا قائلة وهي تصعد الدرج المؤدي لشقة عمار«سيبي سكن فعسلها دي متعرفش غير حمزة»
قالت مودة بإقتناع تام «حجها يا بت هو في حد وجف معاها وعملها الي عمله حمزة»
قالت عاليا مؤكدة «صُح والله يلا عجبالنا»
ووقفتا أمام الشقة تنتظران بعد الطرق أن يفتح عمار الذي خيب ظنهما وفتح مبتسمًا يستقبلهما بترحاب جعلهما ينظران لبعضهما ببلاهة لا تنتهي
«ادخلوا يا بنات»
نادى على زوجته وهو يشير لهما لتجلسان «مريم تعالي»
قابلتهما بترحاب وابتسامة بشوش فجلستا صامتتين قبل أن تعود مودة للواقع وتطلب بأدب «مريم وزعي الحاجات دي في أطباج»
استنكر عمار وهو ينظر للحقائب البلاستيكية «جايبين أكلكم»
قالت عاليا «أيوة بنسهر بيها فجولنا نجيبها ونسهر وناكلها معاكم »
هتفت مريم بحماس شديد «تعالوا معايا نعمل حاجة سخنة على ما عمار يجبلنا فيلم جديد»
دخلوا المطبخ ووقفتا في أدب لم تستسيغه مريم فشجعتهما بلطف «يلا يا بنات ساعدوني»
همست مودة بتعجب شديد مما تلاقيه من سماحة مريم وحسن استقبال عمار «فينك يا سكن»
التقطت أذن مريم الاسم فسألت «أخبارها إيه؟ معاكم صور للفرح»
نظرتا مودة وعاليا لبعضيهما قبل أن يشاركاها الحماس ببراءة وعفوية وتبدأنِ في الحكي لها عن الحفل والاستعداد و تضحكان على طرافة بعض الصور التي التقطتها عاليا التي علا صوتها اللحظة ساخرة «حضرة الضابط فضل جافش فيها طول الليل ومخلهاش اتحركت»
ضحكت مريم متسائلة وهي تتأمل صور سكن بفستان الزفاف «ليه»
أجابتها عليا بينما توردت مودة بخجل «بيغير»
أفصحت مريم عن إعجابها الشديد وانبهارها بسكن «كانت تحفة والفستان جميل جوي»
هتفت مودة مؤكدة بفخر «أيوة جدًا» ثم اقترحت عليها «ايه رأيك نطلع الأكل ونكلمها»
ترددت مريم قليلًا بخوف وحرج قبل أن تسألهما «هترضى تكلمني»
سألتها مودة وهي تمسك بالأطباق استعدادًا للخروج «ليه متكلمكيش»
أوضحت مريم بإرتباك وخجل مما حدث«عشان الي حصل بينها هي وعمار والي عمله حمزة»
قالت عاليا وهي تمسك باقي الأطباق «أنتِ ملكيش دعوة، سكن وحمزة طيبين خالص»
خرجوا بالأطباق وجلسوا فوق أريكة واحدة منفصلين عن عمار منغمسين في الثرثرة والسرد عن أجواء الاحتفال مما حمّس مريم وجعلها تنطق دفعة واحدة «عمار ما تيجي نسافر لسكن نتفسح ونباركلها ونرجع» زجرها عمار بنظرة لائمة حادة قبل أن يدير رأسه ويجيبها بحدة «يا مسهل يا مريم»
قالت لهما مريم مصارحة بما في نفسها «كان نفسي نروح والله»
هتف عمار في غيظ من زوجته، يبدل الحوار «هتسمعوا إيه؟»
قالت مودة وهي تشاهد القائمة «هات حاجة جديدة» منحها عمار جهاز التحكم قائلًا «تعالي شوفي»
نهضت مودة تقلًب مُشركة إياه في اختياراتها تناقشه فيما تراه، بينما همست عاليا تسأل بجرأة، لما لمست في مريم الطيبة وحسن الخلق «أنتِ مبتنزليش ليه يا مريم مع عمتي ومودة»
صارحتها مريم « مش عارفة بس عمار بيجولي أجعد هنا أحسن مش عايز وجع دماغ ومشاكل وساعات بتكسف أنزل»
شجعتها عاليا بلطف ووجهتها بلين «لاه انزلي واجعدي معاهم بدل حبستك هنا» ثم سألتها بفضول «سيبتوا شجة قنا؟»
همست لها مريم «من بعد ما جه حمزة وكسر دراع عمار قرر يسيبها ونعيش هنا»
كتمت عاليا ضحكاتها وتابعت الثرثرة مع مريم في شتى المواضيع، أما مودة فاستغلت ما يحدث وهدوء عمار، اقتنصت الفرصة ووجدت الوقت مناسبًا لعرض اقتراحها «عمار تكلم حمزة تباركله هو وسكن؟»
اهتزت نظرات عمار وتشوشت أفكاره، صمت بإرتباك وحرج يقلّب الفكرة في عقله ويدرسها قبل أن يصرفها عن ذهنه وذهنها بتأجيله الأمر «بعدين يا مودة»
حاولت بابتسامة أمل تزين ثغرها «ليه هيفرحوا» قطب في ضيق وهو يتهرب «بعدين»
حاولت الحديث وإقناعة مستغلة لين قوله وهدوء ملامحه، لكنه أسكتها بإشارة حادة «ما جولنا بعدين هي وظروفها»
سحبت مريم عاليا للداخل تستشيرها وهي تقف أمام الخزانة «كتب كتاب صاحبتي يوم الخميس تعالي اختاري معايا حاجة ألبسها» وقفت عاليا بعيدًا في خجل وأدب، فابتسمت مريم وشجعتها «تعالي بس»
وقفت عاليا تقلّب في الخزانة وانضمت لهما مودة التي سألت مريم «كتب كتاب مين يا مريم؟ »
أجابتها مريم ببشاشة «ريان صاحبتي هتتجوز ابن خالتها الشيخ سليم»
توقفت يد عاليا وانسحبت مرتجفة تخشى السؤال، لتبادر مودة بسؤالها في قلق «سليم مين؟»
أوضحت مريم وهي تُخرج بعض الملابس من الخزانة وتعرضها «شيخ الجامع»
شحبت ملامح عاليا وارتجف جسدها، صاد الحزن قلبها ونظراتها وسجنهما بين قضبان من خوف بعدما أطفأ أنوار الأمل في نفسها وأمام عينيها.. تابعت مريم بحماس غير منتبهة لكف مودة التي تسللت لكتف عاليا تثبتها وتدعمها تؤازرها في الخفاء لألأ تضعف أو تتهور برد فعل غير محسوب نابع من صدمتها، لكن عاليا كانت أقوى مما تخيلت ابتسمت مندفعة للخزانة بحماس صوت ثرثرتها يعلو فوق ضجيج الألم، تمزح بغير وعي، وتضحك بغير حاجة، مشتتة ضائعة في بئر عينيها تحبس الدموع وفي بئر روحها المهجور تُلقي بأمنيتها وتُغلق عليها.
وحدها مودة كانت تدرك ما تشعر به وتحسه، تتابعها بنظرات دامعة وكلما حاولت أن تسحبها لتغادرا امتنعت متفننة بتعذيب روحها وجلد ذاتها بمرح زائف يغرف من ثباتها.. لتدرك مودة أن انهيارها بات وشيك ووقوعها صريعة الصدمة اقترب، نضب معين ثباتها، سعلت بشدة وبعدها استأذنت وهبطت للأسفل، تبعتها مودة بعدما شكرتهما على تلك السهر.
ألقت بجسدها على الفِراش صامتة نظراتها تشخص في سقف الحجرة والدموع متحجرة تأبي الخضوع، جاوردتها مودة بعدما راسلت سكن وأخبرتها لتهاتفهم وتؤازرهم في تلك المحنة ولم تُخيب سكن الظن على الفور كانت تتصل، فتحت مودة مُكبر الصوت فاستمعت عاليا الصامتة ببلادة «عاليا فيكِ إيه؟ كله خير يا حبيبتي مفيش نصيب»
مفيش نصيب جملة ضربت إدراكها وأيقظتها من غيبوبتها لتنفجر في بكاء مرير يقطع نياط القلب، بكاء خرج من عمق روحها التي تتعذب الآن بالخبر وتتلظى في جحيم الصدمة وهي التي تحيا بأمل القرب وتحقيق الأمنية تصبّر نفسها وتترقب الخلاص، تمني وتَعِدُ نفسها كل يوم بأن المُر سيمر وتحظى بالسعادة..
لتكتشف أن لا مر سيمر ولن تنل السعادة سوى في أحلامها..
لم تتحمل سكن بكائها انفجرت هي الأخرى في بكاء قوي حزنًا على صديقتها التي ما رأتها يومًا تبكي وما انكسرت يومًا بهذا الشكل..
صرخت مودة التي تماسكت قليلًا رغم ما يحدث «سكن كلمتك تهديها تجومي تبكي معاها»
جلب صراخ مودة الممتزج بشهقات سكن انتباه حمزة فترك ما بيده وغادر للحجرة فورًا، جلس جوارها في صمت يمسح لها دموعها بكفيه ويلملم لها خصلاتها بحنو، يربت على رأسها وتمنحها عيناه دفء القول العاجز عن نطقه الآن، نظرت إليه بامتنان قبل أن تختبيء بأحضانه ململمة شتاتها، محتمية بحصنها من هجمات الألم
أخذت منه زادها وابتعدت قليلًا تتحدث مع الفتيات فظل هو يتابعها محترمًا خصوصية الحديث، فقط يرسل نظراته لتمسك بكف قلبها وتضمها أينما تحركت، تمنحها ما تريد دون بخل وبتفهم واضح.
«عاليا اهدي»
صارحتهما عاليا من بين شهقات بكائها المتألمة «كان عندي أمل، أنا زهجت من كل حاجة ومش مستحملة، وجوده مستني كان بيديني أمل وكل يوم استنى يمكن الوضع يتغير وبصبر نفسي دلوجت خلاص»
ضمتها مودة وأناملها تمتد لتمسح لها دموعها، بينما قالت سكن مهونة عليها متذكرة كلمات عمها لها «لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا، اهدي عشان خاطري يمكن ياجي أحسن منه»
سخرت عاليا بمرارة «أحسن منه؟»
ثم أنهت المكالمة قائلة «هنام اجفلي يلا»
توسلتها سكن برقة قلب «عاليا عشان خاطري متبكيش تاني»
هتفت عاليا وهي تمنح الهاتف لمودة وتتمدد متدثرة حتى قمة رأسها «ماشي»
هتفت سكن موصية مودة «خلي بالك منها ومتخليهاش ترجع البيت غير لما تهدأ»
تنهت مودة قائلة باستسلام «ماشي تصبحي على خير»
انهت سكن المكالمة ورمت الهاتف ثم ركضت تجاه زوجها في لهفة، فتح لها ذراعيه مستقبلًا فانكمشت بأحضانه متنفسة براحة تهمس له بوجع «سليم هيتجوز وعاليا زعلانة»
تنهد حمزة وهو يربت على رأسها مهونًا «النصيب يا سكن ربنا يكرمها بحد أحسن»
أحاطت عنقه بذراعها وركنت بأحضانه في صمت تتخيل لو كانت مكان عاليا، تتذكر زواجها من هشام وضياع فرصتها في القرب من حمزة وكيف كان حالها وقتها؟ وكيف ابتلعت الصدمة والقرار في جوفها وحدها دون بوح أو طلب مؤازرة ، كيف تحملت انقطاع الأمل وفراقه الذي ليس له عودة.
همست بخفوت وهي تغمض عينيها «اتكلم يا حمزة متسكتش، جولي إنك هنا جنبي ومعايا»
أبعدها عنه قليلًا ينظر لعينيها بافتنان وهو يُهديها أروع ابتساماته بينما يشير بسبابته لقلبه هامسًا بغرام ذاب فيه وذاق حلاوته «أنتِ الي محبوسه هنا ياسكني ومجفول عليكِ بألف باب » فغرت فمها منبهرة مأخوذة بسحر همسه الطاغي، تبتسم ثم تضحك لكلماته، وضعت سبابتها فوق قلبه تسأله بنبرة جادة لا تعكس ما بعينيها من شقاوة «محبوسة وألف باب وهتدخلي العيش والحلاوة كيف يا حمزة؟»
سحب وسادة صغيرة من خلف ظهره ودفعها لوجهها مُعنفًا بغيظ «جومي يا فصيلة عديمة الرومانسية والاحساس»
نهض ورحل في ضجر تتبعه ضحكاتها العالية
"" "" "" "" "" "" """ "" "" "" ""
في اليوم التالي مساءً
ألقى القلق على قلبه ردائه الأسود المُقبض فنهض ينظر لساعة معصمه وهو يراقب نهاية الممر منتظرًا خروجها في أي لحظة لكن نومها طال وهو اشتاق لها، في العادة يستغل نومها لينجز بعض الأعمال المتراكمة مستغلًا الوقت حتى لا يفترق عنها ولا يبتعد أو يُشعرها أثناء استيقاظها إذا عمل بالإهمال أو الإنشغال بسواها.
أغلق جهازه ونهض ممسكًا بظهره في ألم وإرهاق قبل أن يترك كل شيء ويخطو للداخل ليطمئن عليها ويعرف سبب هذا الكسل منها، دخل الحجرة ببطء مغلقًا خلفه واقترب من الفِراش يوقظها برفق ولين «سكني»
مدّ كفه يمررها على جبينها فصدمته البرودة الغريبة لجسدها وشحوبها وكأن جسدها تنسحب منه الحياة، قفز فوق الفِراش بلهفة يحاول إيقاظها بغم يحتل قسمات وجهه وخوف يتحين اللحظة لإلتهامه وقد أصبح له فريسة سهلة المنال
ربت على وجنتيها قليلًا قبل أن يفرك كفيها في محاولة لبث الدفء وإنبات الحياة من بذرة أمل يُلقيها.
كرر همسه بتوسل ودقات قلبه تتباطأ بفزع حقيقي مُريع، شهقت كأنها تلتقط الأنفاس وتستعيد الحياة من جديد، همست بشفاة جافة متشققة «حمزة مية»
قفز مرة أخرى من فوق الفِراش متعثرًا حتى وصل لحجرة والدته مستنجدًا بها بعدة طرقات «أمي تعالي شوفي سكن مالها»
بعدها عاد للمطبخ سحب قارورة مياه وركض لحجرتهما، خلفه كانت ورد تهرول متسائلة بفزع «في إيه؟»
تيبس حلقه وتجمدت الكلمات، نظراته كانت تُجيب باستنجاد،فاندفعت ورد. محوقلة تذكر الله وتصلي على نبيه جلست جوارها من الناحية الأخرى تُسعفها «سكن مالك يا ماما فيكِ إيه»
بلل حمزة شفتيها وقطر في فمعها عدة قطرات وهو لا يستوعب ما يحدث لها والذي يراه لأول مرة ولا يفهم تفسيره..
لا يعرف هل هي حية معهم أم غادرت وهذه جثتها، طال الوقت كدهر هاتف الطبيب فجاء مسرعًا بصحبة هيما، لتفيق أخيرًا وتستعيد وعيها والحياة.
نقّد هيما الطبيب وجلس جوار حمزة يربت على كتفه في مواساة صماء فالأحداث والصدمة لا تبيح الكلام بل تبيح المؤازرة الصامتة، نادته والدته فدخل وترك هيما معها.. منحها نظرة طويلة حكى لها فيها ما عاناه وحدث ففتحت ذراعيها بدعوى لباها فورًا، تمدد يضمها وتحيط هي رأسه، قبلت رأسه ولعبت بخصلاته متجاهلة الحديث عما حدث الذي لا تجد له هي تفسيرًا..
ظل هكذا على حاله حتى هتفت «جومني يا حمزة عايزة أصلي»
نهض في صمت رفع عن جسدها الدثار وأمسك بكفيها في رفق ومراعاة، تشوش عقلها وانحبست أنفاسها لا تصدق تراخي ساقيها الغريب حين وضعت قدميها بالأرض، كذبت إحساسها لكن صدق الفعل حين وقعت أرضًا في صدمة مروعة، جلس على ركبتيه يعتذر لكنها فاجئته بقولها الذي هز كيانه وزلزل أرضه الثابتة «أنا مش حاسة برجلي يا حمزة»
ضمها بقوة مهونًا عليها «متخافيش مع التعب»
دفعته وهي تمرر أناملها على ساقيها بهستيريا وتخبط «لاه يا حمزة»
أمسكت بحافة الفراش وحاولت النهوض فساعدها، لكن جسدها تراخى فقالت مؤكدة «والله ما حاسه بيهم»
أجلسها على الفِراش وجلس يدلك قدميها في زعر لكنها صرخت مؤكدة «مش حاسة بيهم يا حمزة مش حاسة»
بعدها انفجرت في بكاء عنيف وصراخ ولم تفلح كلماته ولا تهدأته لها، جاءت ورد راكضة على صراخها فالتقت نظراتها بنظرات ولدها المستغيثة، قبل أن تجلس جوارها تضمها مهدئة، تستفهم لكن النتيجة واحدة ولدها غارق في مأساته وصدمته وسكن لا تكف عن البكاء وهي تائهة تدعو الله ببصيرة معصوبة.
**********
ثلاثة أيام مرّت وهي على حالها من البؤس صامتة تطالعهم بنظرات حزينة، تترقب إجابة واضحة عما أصابها وجعلها طريحة الفِراش لا تغادره،وهو لا يتركها دائمًا جوارها يربت على رأسها بحنو ويضمها بلطف مخفيًا لها بين ذراعيه، انكمش جوارها تحت الدثار يسألها «عاملة إيه؟»
طالعته بتوهة قبل أن تهمس ونبرتها تستدعي البكاء «حمزة الدكاترة جالوا عندي إيه؟»
تنهد باستسلام قبل أن يُجيبها بابتسامة غير مفهوم هويتها هل هي شدة اليأس أم شدة الطمأنينة «ولا حاجة معندكيش ولا حاجة» صمتت تنظر لعينيه في غرق، القت بروحها في بحارهما تسبح، وهو يعاني التشتت ذاته والوهن،«لا شيء» ثلاثة أطباء كبار قالوها بنفس الطمأنينة والإرتياح دونوها عن قناعة تامة بعد التحاليل الطبية والإشاعات التصويرية.. سيجن إن كانت سليمة معافاة لماذا تتحرك؟ لا تركض وتقفز كعادتها؟ تطير حوله كالفراشة.. فقط مرض متنقل يهاجمها مختلف الأعراض واكتئاب يتلبسها وبكاء لا ينتهي.. هو ضائع تماما لا يفهم ما يحدث ، أخر طبيب سأله عن حاله معها،شك أن يكون الأمر نفسيًا لا أكثر فقال له أنها عروس، يومها رماه الطبيب بنظرة مشككة قبل أن يسأله «علاقتكم كويسة»
هز حمزة رأسه بتأكيد غير منطوق وحرج لكن مازالت نظرات الطبيب ترمقه بشك قبل أن ينصحه «رأيي تعرضها على دكتور نفسي وتحاول تصلّح علاقتك بيها وتتكلموا وتتفاهموا»
قطب يومها بضيق وانقباض من تفسير الطبيب وإلقاء وزر مرضها فوق كاهله، وإشعاره بأنه هو المتسبب في مصيبتها بسوء أفعاله والسبب في الضرر النفسي لها وإلحاق الأذى مُرجحًا أنها تهرب منه بمرضها.
عاد لواقعه يهمس لها بضحكة ساخرة «عارفه الدكتور جلي إني السبب فالي إنتِ فيه، وإني تاعب نفسيتك»
انتفضت بغضب، هتفت بعداء شديد متناسية أمر مرضها ومصيبتها «جلك كِده صُح»
هز رأسه وهو يراقب انفعالها وغضبها، لتسأله بعصبية «وأنت صدجته ولا إيه؟»
قال متبرئًا من ظنها «لاه أنا بجولك»
سألته وهي تتأمله بوجع وإشفاق، تنفذ لعينيه تقرأ صفحاته «مزعجتلوش؟ مضربتوش؟»
أجابها بابتسامة بالية «هو معاه حج لو مفيش مرض عضوى، هيدور على نفسي»
زمجرت قائلة بعصبية مفرطة وهي تتأمل حزنه فتزداد ثورتها «كنت جولتلي يومها وأنا رديت ولا تسكت يا حمزة كأنك متهم»
ارتجف جسدها متخيلة أين وضِعت كلمات الطبيب داخل قلبه ونفسه، سوء الظن الذي تعرض له والحرج وصمته متحملًا بضياع، غطت وجهها وانفجرت في البكاء الحاد العنيف فضمها يهدؤها «اهدي يا سكني»
صرخت في غضب «كنت جولي أرد،أنا السبب فإنه يزعلك ويجولك كِده»
توقفت عن البكاء وابتعدت، أمسكت بكفه وقبّلت باطنه معتذرة عما عاناه وكانت هي سببًا فيه «حجك عليا أنا يا حمزة، كيف أنت السبب وأنا مفيش حاجة جهراني غير بعدك عني وفرحتنا الي انطفت»
ملّس حمزة فوق خصلاتها متأثرًا تتزاحم الكلمات ولا يقدر على نطقها، عاجز مكبل وتائه.
رن هاتفه باسم هند فابتعدت تمسح دموعها تترقب اجابته، لكنه ترك الهاتف مبتسمًا يخبرها بحنو «مفيش أهم منك»
زاد إلحاح هند فهمست «رد يا حمزة متعطلش نفسك» كاد يرفض لولا رسالة هند الصوتية «رد ضروري الموضوع يخص حسن»
تراجعت سكن منتفضة متفاجئة، ترمش بقلق قبل أن يقبّل حمزة رأسها وينسحب للخارج، دخل المطبخ وأجابها، بعد دقائق من المكالمة وصل لسكن صوته العالي وعصبيته الواضحة حينما زاد الضغط عليه
«حاضر يا هند ما أنتِ عارفة ظروفي وتعب سكن المفاجيء أعمل إيه؟»
«هو عايز إيه؟ مش فاهمه وجت ما هجمّع الفلوس هبلغه وياخد بزيادة»
«جوليله عايز يجي ياخد المطعم كله ييجي واتنازله عن نصيبي كمان مفيش مانع»
شهقت سكن متفاجئة مما تسمع والضغط الشديد الذي يعاني منه زوجها من ناحية حسن ومرضها .
**************
داخل المقهى الكبير
تناقلت الأفواة الحديث وحمله الهواء ليصل للأُذن المقصودة «بيجولوا حسان رجع يشتغل في الآثار تاني»
«معجول دِه؟»
«بيجولوا فتح مجبرة كبيرة»
«الله يسهله، بس مش جالوا تاب»
«يا راجل تاب إيه؟ دِه عشان الحكومة»
«لاه ناصح هو الي يدوج العز يسلاه»
قطب سعد يستمع للحديث بإنصات واهتمام، قبل أن ينقّد العامل ويرحل محتفظًا بما سمع بين طيات عقله.. وصل المنزل، صعد لحجرته فوجد كريمة مازالت مستيقظة «واه مستنياني»
قالت بميوعة وهي تقترب منه مستقبلة مجيئه بلهفة «وأنا عندي أغلى منك»
لثم خدها واندفع يبدل ملابسه بشرود مازالت الكلمات التي سمعها تحتل تفكيره وتُشغل باله، أفاق على سؤال كريمة «إلا مين حمزة دا يا سعد؟»
قال سعد بنفور واضح وكراهية انبعثت رائحتها من حروفه العفنة « واد عمي عبد الحكيم»
ناولته الملابس النظيفة وأخذت ما بدله وهي تسأل «وهو فين؟»
أجابها وهو يجلس فوق الفِراش كارهًا الحديث «فمصر» أشعل لفافة تبغ وسألها بتهكم ونبرة ساخرة مليئة بالحقد «متعرفيش الشيف حمزة دِه حتى بتاع يوتيوب وفيديوهات زيك»
ضيقت كريمة عينيها عليه وهي تتقدم متسائلة «قصدك مين؟»
فتح سعد هاتفه وقلّب فيه حتى أتى لها بصفحته وقال وهو يرفع الهاتف لنظراتها «دِه متعرفيهوش»
حملقت كريمة في شاشة الهاتف وهي تهتف مستنكرة «حمزة دا يبقى ابن عمك؟»
هز سعد رأسه بتأكيد وهي يسخر في فظاظة «شوفتي الخيبة والعار»
لوت كريمة فمها بنظرة متحسرة ركلتها لسعد المستمر في سخريته البغيضة ونفث حقده من فمه، لكنها عادت ببصرها للهاتف تقلّب في صوره بإعجاب وانبهار، شعر به سعد وأحسه من نظراتها للهاتف فسحبه منها في غيظ «هاتي»
تأففت بضيق قبل أن تجاوره على الناحية الأخرى من الفِراش وهي تخبره «دا مشهور أوي وبيقولوا محترم، مبيرضاش يتصور مع حد ومبياخدش فلوس للدعايا وكل الناس بتحب تروح تصور عنده علشان تتشهر»
وضع سعد سيجاره المنتهية بالمطفأة فوق الكومود المجاور للفراش وهو ينهاها بحدته عن التكملة «طيب نامي هو لا محترم ولا نيلة دِه صايع وواد أمه»
حركت كريمة فمها يمينًا ويسارًا في تهكم قبل أن يفاجئها بسؤاله «إنتِ بتسألي ليه؟»
ارتبكت قليلًا وتململت موضحة بتوتر «سمعت أختك وجدك بيتكلموا عنه وعن واحدة اسمها سكن»
انتفض سعد يسألها بأهتمام وترقب «جالوا إيه عن سكن؟»
ارتفع حاجبها استنكارًا للهفته واختياره السؤال عن سكن بإهتمام جعلها تزجره بنظراتها مما جعله يتراجع موضحًا بعصبية زائفة يغطي بها على اندفاعه المكشوف «أيوة جالوا إيه عنهم»
مصمصت كريمة بضجر قبل أن توضح له بمكر «كانوا بيقولوا فرح وإنها تعبانة»
هتفت في خوف كاذب «اللهم احفظنا كان راكبها جن ومحدش طلعه منها غير واحد كده»
تصنعت النسيان وهي تراقب دخوله المصيدة، ثم قالت بظفر متذكرة الاسم «قالوا اسمه حسان»
ردد سعد الاسم بدهشة عظيمة «حسان»
أكدت بابتسامة متلاعبة «أيوة»
سألها بإهتمام شديد «مجالوش حاجة تانية؟ مسمعتيش حاجة تاني؟»
فردت الدثار فوق جسدها قائلة بخبث «لا يا أخويا مسمعتش»
تمدد سعد مُفكرًا فيما توصل إليه من معلومات مقررًا إخبار والده بما سمعه...
سألته كريمة بنبرة ناعمة ذات تأثير لتضمن أن يُجيبها «مقولتليش لقيتوا شيخ يفتحلكم المقبرة؟»
انتفض سعد جالسًا يحذرها والشرر يتطاير من عينيها «اكتمي ووطي صوتك هتجبيلنا نصيبة»
عاتبته بصوت هامس «في إيه؟ بسألك»
أجابها وهو يزدرد ريقه بتوتر «أبوي منبّه عليا محدش يعرف، المجبرة دي كبيرة ومهمة جوي»
سألته بصوت هامس «بسألك فأوضتنا هو أنا بسألك في الشارع»
أخبرها بإرتجاف وهو ينظر لباب الحجرة المغلق مُحذرًا «أصلك متعرفيش أبوي»
وضّحت بعتاب لطيف «مش أنت الي قولتلي؟»
قال في ندم امتزج بزعره «ربنا يستر مكتش فوعيي» رفع نظراته لها مهددًا «لو أبوي شم خبر إني جولتلك هيجتلك»
تسرب إليها خوفه فتراجعت خائفة مرتبكة «وعلى إيه؟ بس كنت بسأل»
أجابها وهو يعاود التسطح فوق الفِراش «لسه، حراسها شداد جوي وعايزين شيخ كبير وفاهم»
قالت بهمس وهي تتمدد جواره «ربنا يعتركم فيه»
تذكر سعد كلمات الناس عن فتح حسان لمقبرة وعودته للعمل من جديد، فعزم على إخبار والده والاقتراح عليه بأن يقنع بحسان لفتح مقبرتهم.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close