رواية انذار بالعشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم مريم غريب
( 19 )
_ ملكية خاصة ! _
إحتبست أنفاسها لبرهة ، قبل أن تتهالك فوق الأرض متشحة بالصدمة عندما رأت "عمر" .. و لكن هذه المرة من دون وجهه الوسيم ، كان متواريا خلف قناع صلد وحشي الملامح و بنيته الضخمة تنضح عنفا ... إسندت ظهرها إلي الجدار و هي تضم ساقيها لصدرها و أخذت ترجف بخوف
بينما نزح "زياد" قطرات الدماء السائلة من أنفه بظاهر يده ، كان متكوما بعيدا عن "ساره" و قد إختفت عصاه التي يصعب عليه السير هذه الفترة بلاها ...
لم يهتم بالبحث عنها في هذه اللحظات إطلاقا ، بل تطلع إلي "عمر" مسلطا أنظاره الدموية نحوه و هو يهدر بغضب شديد :
-هي حصلت يابن إيلين ؟ بتمد إيدك عليا أنا ؟ طب و رحمة أمك لـ آآ اااااااااااااه !
بتر عبارته المتوعدة بصرخة آلم عالية حين عاجله "عمر" بتسديد ركلة قوية صوب قدمه المعطوبة ، بمنطقة الكسر مباشرةً ، ليقول بعدها بصوته الخشن :
-ماتجيبش سيرة أمي علي لسانك ياله . فاهم ؟ .. و سدد له ضربة أخري
يزآر "زياد" متألما هو يمسك بساقه بكلتا يداه :
-يابن الـ××××× أقسم بالله لأدفعك التمن . يا أنا يا إنت يابن الـراوي يا أنـا يا إنـت ..
-إيه ده في إيـه ؟؟؟!!! .. هتف بها "معتز" و هو يصعد الدرج مهرولا ، لتنفرج شفتاه من الصدمة حين شاهد ذلك المشهد المروع ممتدا أمامه
تلك المخلوقة التي أبدي إمتعاضه من إلتحاقها بالعمل داخل قصرهم الفخم الذي لا يستقبل سوي المميزين من جميع الطبقات و هي في نظره تفتقر لكل المميزات ، قابعة بعيدا و جسدها يهتز بلا إنقطاع
أخيه "عمر" الذي إحتقن وجهه بدماء الغضب يتأهب للإنقضاض علي "زياد" المسجي فوق الرخام العاري يبادله نظراته الفتاكة بمثلها ...
-إيه إللي بيحصـل يا عمر ؟ وصلتوا لكده إزاي ؟؟؟ .. قالها "معتز" صائحا و هو يطوق خصر ذلك المهتاج محاولا درئه عن شقيقه
-إوعـي يا مـعتز ! .. زعق "عمر" فيه بعنف
أحكم "معتز" ذراعاه القويتين حوله و هو يرد بحزم :
-مش هاوعي طبعا . إهدا شوية يا عمر أخوك تعبان . قول بس إيه إللي حصل بدل ما تموتوا بعض بالشكل ده !!
عمر بإنفعال :
-بقولك سيبني . ماتخافش مش هاجي جمبه .. إبعد بـقي ! ... و دفعه في صدره بعيدا ، ثم إلتفت نحو "ساره"
إنحني "معتز" صوب شقيقه و هو لا يزال يراقب "عمر" بنظرات حذره ، لا يدري علي ماذا يلوي هذا المجنون !
و فجأة مد يده و قبض علي ذراع "ساره" ثم جذبها بقسوة حتي وقفت علي قدميها ...
شهقت "ساره" من هجمته غير المتوقعة ، و ما لبثت أن إحتبست أنفاسها مرة أخري حين بدأ يجرها خلفه متوجها صوب الدرج بخطوات واسعة ، فكان تفادي السقوط هو كل ما إستطاعت فعله .. و بيد أنه سيستمر في جرها حتي لو وقعت ، بالكاد إلتقطت وشاح رأسها بأصابع متلهفة ...
-شـايف البيه المحـترم و ست خضـرة الـشريفة ؟! .. صاح "زياد" مزمجرا كمفترس جريح ، و تابع :
-راسم قدامكوا دور الواد المظلوم و هو مقضيها ببجاحة و لا همه ده حتي مش سايب الخدامة و عيني عينك ما أصله يبقي عمر باشا الحيلة بتاع أبـووك !!
أمسك "معتز" بكتفه قائلا بصرامة :
-بس يا زياد وطي صوتك . أسكت .. مش عايزين نلفت إنتباه حد و إتفضل هات إيدك و ساعدني عشان أقومك
زياد بعصبية حارقة :
-بتقول لمين أسكت ؟؟؟ بعد ما ضربني و بهدلني قدام بت ×××××× زي دي بتقولي أسكت ؟؟!!
-قولتلك إخـرس بقـي .. صرخ بنفاذ صبر ، فأخمد ثورة شقيقه ، ثم قال مشيرا له بسبابته :
-أنا واثق إنك هببت حاجة . عمر إستحالة يعمل فيك كده من فراغ و أنا هسمع منك السبب بس مش هنا .. إتفضل قوم معايا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل الريـس "هاشـم" ... زعيم اللصوص و المجرمين في كافة المناطق المجاورة ، هنا داخل مضافته الفاخرة ، إستوي جالسا فوق مقعده العاجي الضخم
كانت تفصل بينه و بين الرجلين المتنافران طاولة مربعة حملت أكواب الشاي وطبق فاكهة كبير ...
جلس كلا منهما علي حدة ، متباعدان بالشكل الكافي .. إلا أنهما في ظاهر الأمر بديا غير مرحبين بالتواجد معا بمكان واحد ، و خاصة ذاك الخطير صاحب الحاجب المتآكل من المنتصف و الوشم البائن من كم قميصه المرفوع حتي الساعد ....
-و بعدين يا صلاح ! .. قالها الريس "هاشم" بصوته الغليظ ناظرا إلي "صلاح" بترقب
تنهد "صلاح" بعمق و قال و هو يغلغل أصابعه بين خصلات شعره الطويلة :
-مافيش يا ريس هاشم .. أنا قلت إللي عندي . مش عارف عوني مش عايز يفهم ليه من أول مرة
رد "عوني" متهكما :
-مش لما تقول حاجة تخش النافوخ الأول أبقي أفهمها يا معلم صلاح !
نظر له "صلاح" و قال ببرود :
-مش ذنبي إن فهمك بطيئ و المعلومة بتاخد وقت علي ما تثبت عندك يا عوني
إستشاط الأخير غيظا و هو يحملق فيه و صاح :
-بتهزأني يا صلاح ؟ علي أخر الزمن عوني يتهزأ و من صاحب عمره ؟؟!!
صلاح مبتسما بإستخفاف :
-صلاح مالوش صاحب ياض .. و أهزأك براحتي لا إنت و لا عشرة زيك يفرقوا معايا
-لأ إنت زودتها أوووي ! .. غمغم "عوني" بشراسة و إستعد للوثب عليه ليتعاركا
-مكانك منك له .. هتف "هاشم" مجمدا كلا منهما بمكانه ، ثم قال بحدة :
-إيه الخيابة إللي فيكوا دي ؟ إنتوا نسيتوا نفسكوا إنتوا الجوز ؟ إنتوا في بيت الريس هاشم !
صلاح بدماثة :
-مقامك محفوظ يا ريس هاشم . أنا قاعد مكاني أهو و ساكت كرامة ليك و لولاك إنت أساسا ماكنتش جيت أكمل كلام في الموضوع ده لأنه خلصان بالنسبة لي
عوني بعصبية شديدة :
-لــيه بقـي إن شاء الله ؟ هو أنا قلة و لا آا ...
-إكتم يا عوني ! .. صاح "هاشم" مقاطعا ، و أكمل بغضب :
-أنا بتكلم . و بعدين صوتك مايعلاش في بيتي
نكس "عوني" رأسه خانعا و قال عبر أسنانه :
-أمرك يا ريس .. سكت خالص أهو
حول "هاشم" ناظريه نحو "صلاح" و أستطرد بنفس النبرة الحادة :
-ممكن أعرف إنت ليه مش عايز تدي أختك لعوني يا صلاح ؟ لو في سبب غير أبوك و أمك قول وصفي أنا أقدر عليه بسهولة !
حدق "صلاح" به قائلا بخشونة :
-أبويا و أمي مالهمش يتحكموا في ساره أصلا يا ريس . بعد إللي عملوه فيها و أنا غايب رفعت إيديهم من عليها خالص .. أومال أنا جبتها و جيت أقعد في منطقتك ليه ؟
أومأ "هاشم" بتفهم و قال :
-طيب . لحد هنا كلام جميل أوي .. إيه بقي إللي مخليك معترض علي عوني ؟ ما هو جالك و طلبها في الحلال و زي ما إنت عارف أختك دلوقتي بقت عزبة ( مطلقة ) و الجواز سترة ليها . و لا أنا بتكلم غلط ؟!
نفث "صلاح" بحنق و رد مغالبا غضبه المتعاظم :
-لأ يا ريس . كلامك صح .. بس أختي مش جاهزة للخطوة دي دلوقتي . و نفس الكلام قولته لعوني
-هي قالتلك كده ؟
-أيوه . و أنا قررت إني مش هغصب عليها . كفاية إللي شافته مش هظلمها تاني في الأول و في الأخر هي بني آدمة بردو و أختي
عبأ "هاشم" شهيقا عميقا برئتيه و أطرق رأسه عابثا بخاتم ضخم يحيط بخنصره ...
-يعني ده أخر كلام عندك يا صلاح ؟ .. تمتم "هاشم" بتساؤل
صلاح بصوت أجش :
-أيوه يا ريس .. ده أخر كلام !
هز "هاشم" رأسه و تطلع إلي "عوني" قائلا :
-خلاص يا عوني
عقد "عوني" حاجباه و هو يقول ببلاهة :
-خلاص إيه يا ريس يا هاشم ؟؟
هاشم بهدوء :
-الموضوع إتقفل علي كده . و مش عايزك تفتحه تاني
أحمـُر وجه "عوني" من شدة الغضب ، بينما إبتسم "صلاح" بإلتواء و تظاهر بتأمل لوحة زيتية فوق رأس "هاشم" تماما ... ليفاجأ بكلامه حين أضاف في اللحظة التالية :
-لحد ما ساره تروق و تطلب الجواز بنفسها . أوعدك أنها هتكون ليك .. أنا بنفسي هاروح أشهد علي عقد جوازك منها . و هحط إيدي في إيد صلاح . المعلم صلاح . أخوها
و هنا علت إبتسامة "عوني" .. ملأت قسماته بعد عبوسه غير المحتمل ، تبدلت الأدوار بلحظة و صار وجه "صلاح" واجما الآن و هو يستمع لآوامر الريس "هاشم" النافذة بلا إعتراض أو حتي جدال
لكن ليس عليه ، فليقول ما يريد ... "ساره" ملكا له هو ، و هكذا لن تصبح لغيره ، لأنه ببساطة لن يسمح لها بطلب الزواج أبدا ، و لينتظر "عوني" قدر ما ينتظر ، لن ينالها لا هو و لا غيره ، و لا حتي بأحلامه .............. !!!!!!!!!!!!!!
يتبــــع .
