اخر الروايات

رواية أبناء هارون كامله وحصريه بقلم شروق حسن

رواية أبناء هارون كامله وحصريه بقلم شروق حسن 



الـفصـل الأول (الهروب من الجحيم)

                                              
إهداء: 

+


_إلى كل بائس وحزين، إلى مَن ينتظرون أن تطرق السعادة بابهم، إلى جميع مَن يظن أن الأمل قريب، أنت مُغفل عزيزي، لا شيء يعود كما كان، جميعنا نغرق، جميعنا في الأعماق! 

32


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


‌‎ إلى أين وصلت يا فتى؟_
= عالقٌ يا شيخى في الطريق، فلا بقيت براحة الجاهلين، ولا أدركت لذة العارفين!
- لا بأس يا بُنىّ، فالسير على طريق الوصول وصول.♡

6


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


•(الـفصـل الأول) 
•(أبـنـاء هــارون) 
•(الهروب من الجحيم) 

+


كُن على يقين بأن حياتك تسير بأمر المولىٰ، فبينما أنت تظن أنك هالك، يأتي كرم الخالق ويُنقِذَك من المهالك، ومِن وَسط بُقعة الظلام المُحيطة بك، ستجد شعاع النور تغلغل قلبك واستقر، فقط.. عليك التذكر أن كرم الله يُحيطك، وكِّل أمْرَك له واطمئن. 

7


منزل بسيط يتكون من أربعة طوابق مُتعددة، وهُنا! حيث الطابق الثاني، نشتم عبير الروائح العطرة التي تُزين ثنايا المنزل، تزامنًا مع صدوح صوت الشيخ المنشاوي رحمه الله يُغرد بصوتٍ سالبٍ للأنفاس، الراحة والطمأنينة تملأ جوانب كل رُكن بالمنزل، ورائحة البخور تتسلل لتنشر عبقها ويشتمها الجميع، والهدوء يعم المكان بأكمله، إلا من صوتِ "هـارون" الذي كان يتحدث مع أبناءه بصوتٍ هاديء، اليوم هو الجمعة، وذلك يعني بأنه وقت استجابة الأبناء السبعة لنداءِ أبيهم، فيبدأ هو بإرشادهم ونُصحهم حول أمور دينهم. 

23


جالسٌ هو على الأرض ويُحيطه الرجال السبعة على شكل دائرة يستمعون إليه بإنصات، فبدأ حديثه بقوله الهاديء: 

+


_كُل إنسان فيه جواه مزايا وعيوب، والإنسان الناصح هو اللي يعرف إزاي يخلي مزاياه تتغلب على عيوبه، واللي بيوضح شخصية الإنسان الحقيقية هو الإبتلاء، على قد ما بتكون الإبتلاءات صعبة وتقيلة، فالبني آدم بيرجع لطريق الرُشد والصلاح من تاني، لإن البلاء بيهذب النفس، النفس لما تكون مغرورة؛ بيكسرها، النفس لما تكون حاقدة؛ بيوعيها، النفس لما تكون مُتزمتة؛ بيأدبها، فسبحان الله، حتى الإبتلاءات اللي الإنسان بيمقطها بتكون ليها فوايد، علشان كدا لازم نكون مُتأدبين وراضيين بالبلاء واختيارات ربنا لينا. 

20


حديث "هارون" لم يكن الأول على الإطلاق، لكن في كل مرة يُرمم شروخًا صنعتها الحياة داخل أفئدة أبنائه، وبعد أن أنهىٰ حديثه، استمع إلى صوت "بدران" المُتنهد بضيق وهو يقول: 
_بس أوقات البلاء بيكون تقيل أوي يا حَج. 

11




                
ابتسامة صغيرة تشكلت على ثُغر "هـارون" عقب حديث "بدران"، فمدَّ كفه له ثم ربَّت به على فخذه وهو يقول بنُصح: 
_مهما كانت شدة البلاء فأنت بتؤجر عليه، ربنا لما بيحب عبد بيبتليه، بيكون عايز يشوف عبده وهو بيلجأله في أصعب أوقاته، ربنا بيكون عايزنا قُريبين منه دايمًا فبيبتلينا. 

18


ابتلع "بدران" تلك الغصة التي تشكلت داخل حلقه بصعوبة، وبابتسامة مُهتزة أومأ لأبيه دون أن يتحدث، ولم يخفىٰ هذا عن "هارون" الذي تألم لحزن فلذة كبده، فقرر إكمال نُصحه واستطراد حديثه عن البلاء بقوله الرزين: 

+


_الابتلاءات أشكالها كتير، لكن ثوابها كبير، أوقات بتيجي في موت حد عزيز على قلوبنا، في الحالة دي نقول إنا لله وإن إليه راجعون، منقنطش من رحمة ربنا ونقول ليه يارب اشمعنىٰ أنا! ربنا في كتابه العزيز بيقول: ﴿الَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ۩ أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]. 

13


وأوقات تانية بتيجي على شكل فُراق حد إحنا بنحبه، لكن جايز ربنا بيبعد الشخص دا عنك عشان هو في الأساس مش خير ليك، يمكن أنت مش شايف كدا، لكن ربنا عارف ومُطلع على الغيب وأكيد ليه حكمة من ورا دا كله، يعني متزعلش على فراق صديق، أو حبيب، أو بُعد شخص عزيز عليك، الحاجة الوحيدة اللي المفروض تزعل عليها هي بُعدك عن ربنا وتقصيرك في حقه، غير كدا شكليات، ومع كل شعور الإنسان بيحسه ربنا ذاكره في القرآن الكريم: ﴿فَلا يَحزُنكَ قَولُهُم إِنّا نَعلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعلِنونَ﴾ [يس: ٧٦]. 

9


أنهىٰ حديثه وهو يدور ببصره على جميع أبنائه فوجدهم مُنصتين له بكل جوارحهم، كانت ومازالت تلك هي فقرتهم المُفضلة، الإستماع إلى نصائح أبيهم مهما بلغهم الكِبَر، وتلك المرة ارتكزت نظراته على "مصعب" وأردف بكلماتٍ ذات مغزىٰ: 
_والخناق على الكبير والصغير ورد الحق بالتنمر دا مش صح، دي قلة أدب. 

43


رمش "مصعب" بأهدابه عدة مراتٍ ببراءة ثم تسائل بعتابٍ مظلوم: 
_تقصدني أنا يابا؟! 

18


ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه "هارون"، والذي أكد له سؤاله بقوله: 
_آه يا روح أبوك قصدي أنت، معنديش مانع تجيب حقك بإحترام، لكن ابعد عن التنمر، عشان أنت كدا بتعيب الخالق لا المخلوق، وربنا خلق الإنسان في أحسن تقويم فمينفعش تيجي وتتريق على خَلقه. 

+


أومأ له "مصعب" بإحترام وهو يقول: 
_حاضر يابا، أنت عارف إني مبقتش أتنمر على حد عشان التنمر حرام، أنا بشتمهم بس. 

66


تشنج وجه "هارون" ساخطًا أثناء تمتمته الحانقة: 
_مفيش فايدة فيك يعني؟! طيب اسمع يا "مصعب"! أنا لو عِرفت إنك شتمت حد تاني أنا هيكون ليا أسلوب تاني معاك. 

2



        

          

                
وأثناء حديثه انتقلت أبصاره إلى حركة عنيفة تأتي من جانبه، فوجد ابنه البِكري العاقل الرزين ذو التفكير اليافع، يتشاجر مع أخيه "عمران" بمظهر أقرب للأطفال تقريبًا! ستكون نهايته على يدِ أبنائه بالتأكيد. 

20


جز "هارون على أسنانه بغيظ قائلًا بعصبية: 
_يابني إهدىٰ أنت وهو بقى! هو أنا بتعامل مع عيال صُغيرة يا اللي منكم لله؟!! أشد في شعوري منكم يا نــــــاس!!! 

7


راقبه أبنائه بقلق من عصبيته المُفرطة، فاقترب منه "بدير" مُتحدثًا بتهوين: 
_أعصابك يابا لتموت مننا. 

38


قطع "بدير" حديثه عندما اخترقه والده بنظراتٍ كالسهام أخرصته على الفور، لكن شقيقه الأكبر "حمزة" حلَّ محله وتحدث قائلًا بجدية: 
_أيوا يا بابا متتعصبش، أنت مش فاكر آخر مرة اتعصبت فيها حصل إيه؟! كنت هتموت مجلوط لولا إن إحنا لحقناك. 

8


_ومين اللي كان السبب إن شاء الله؟!! 

+


تسائل بها "هارون" ساخطًا، ليُجيبه "يعقوب" على الفور: 
_"بـادر" يا بابا. 

1


انتقلت جميع الأنظار نحو "بادر" الذي طالعهم بضيق، ليُبرر لهم الآخير للمرة الخمسمائة بحديثه الضاجر: 
_وأنا مالي! وبعدين ما انتوا اللي قولتولي أحط للبهايم الدوا الأصفر، مش ذنبي إنه طِلع سم وماتوا. 

27


أشار له "يعقوب" بإتهام بعد اعترافه هذا: 
_أهو يابا مجبتش حاجة من عندي. 

+


هزَّ "يعقوب" رأسه بقلة حيلة أثناء قوله اليائس: 
_أنت العالِم بحالي يارب. 

+


تمتم بها ثم عاد بأنظاره يُطالع أبناءه من جديد، ثم تشدق براحة قليلة: 
_أنا أصلًا مليش غير بنتي حبيبتي نور عيني هي اللي مفرحاني دايمًا. 

11


وعقب إنتهاءه من الحديث مُباشرةً، استمعوا جميعًا إلى صوت طرقات عنيفة على باب المنزل، ليهب "عمران" مُسرعًا من مضجعه ثم اتجه إليه لفتحه، وبعدها دلفت "بدور" إليهم بوجهٍ مُتورم وأعين حمراء داكنة: 
_أنا عايزة أتطلق يابا. 

69


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


قالوا أن الحياة أشبه بالظلام، لكنها أبشع من ذلك، يختلط عليك الأمر ما بين الظلام والوحدة، لتُحاول أنت الهروب من بين مخالب وحشٍ مُفترس يتخذك كفريسة يسهل استغاستها. 

+


دخانٌ كثيف يخرج من بين شفتيه يُشوش الرؤية أمام ناظريه الذي لا يرى سوى الظلام، ظلامٌ يُحيط بجسده كما يُحيط بأسوار فؤاده المُنتهك، تخلىٰ عن مضجعه ووقف ليتجه بخطواتٍ رتيبة نحو نافذته، فتحها بدفعة واحدة ورفع حدقتاه إلى السماء الكُحلية الغائمة ليشرد بها، عيناه تلتمع بوميض الضوء الذي يتسلل من السحابِ بتدللٍ، ليشعر بالسكينة تحتل كيانه. 

1



        
          

                
عادةً ما تكون الطبيعة علاج للإكتئاب، واكتئابه فريدٌ من نوعه، هو "رائف سعيد المحمدي" حاليًا، و"وليد سعيد فريد" سابقًا، وكم كان يعشق اسمه القديم، والذي يُبعده عن تذكر اسم عائلته الحقيرة، والتي لم تنفك عن أذيته بعد وفاة والديه.

60


لم ينس حتى الآن مُكالمة ابن عمه له، عندما حادثه ليتسائل عن أحواله بنبرة حاقدة شامتة، حينها اشتعل الغضب بفؤاد "رائف"، لكن الأخير أظهر اللامبالاة القاتلة، وأغلق الهاتف في وجهه بوقاحة تليق به.

2


نفخة أخرى من فمه أخرج بها دخان سيجاره العالق بين رئتيه، ليرسم به وميضٌ من الذكريات الموجعة التي جاهد على دفنها، وكأن سيجاره يتآمر ضده هو كذلك! 

2


أخرجه من شروده صوت هاتفه الذي صدح كالدخيل ليُفسد أجوائه الكئيبة، اتجه إليه بخطواتٍ مُتكاسلة ثم انتشله من على الكومود المُجاور لفراشه، أغمض جفناه بغضبٍ عندما تطلع إلى اسم المتصل، والذي لم يكن سوىٰ جده الذي يُهاتفه لدس السُم داخله كالمعتاد، قرر الإجابة بعد ثوانٍ من التفكير بصوتٍ لامبالٍ قاتل: 

2


_أيوا يا جدي؟! 

+


وكما توقع بالضبط، انطلقت قُنبلة من السباب من الطرف الآخر، تبعه بحديثه المُهدد عن ضرورة الذهاب إليه في أقرب وقت، ارتسمت ابتسامة ساخرة على ثُغر "رائف" الذي كان يستمع إليه دون إصدار أي ردة فعل مُناسبة للموقف، مما أغاظ جده بقوة أكبر، فتشدق قائلًا مرة أخرى بنبرة أقل هدوءً: 

+


_قولت إيه يا "رائف"، هتيجي إمتى؟! 

3


_مش هاجي. 

17


قالها بإختصار، فتنغض جبين جده بغضب وهو يتسائل بصوتٍ مكتوم: 
_ليه؟! 

3


وببرودٍ شديد جلس "رائف" على فراشه واعتدل مُستندًا بظهره على الفراش، ثم رفع ذراعه ووضعها خلف رأسه كأنه يستند عليها، تزامنًا مع إجابته الباردة: 
_مش عايز وِرث ولا أراضي، تغور الفلوس لو كانت من وشكم. 

13


وفي تلك اللحظة، نفذ صبر "عتمان" ورد عليه باهتياج: 
_أنت ولد قليـــل الأدب ومتربتـــش. 

17


أغمض "رائف" عيناه بألم نتيجة لماضيه الذي داهمته الذكريات، وبالرغم من ذلك أجابه بنبرة ثابتة: 
_أنا فعلًا متربتش أنت مكدبتش، ما أنت كنت مشغول بتربية ابن عمي اللي أبوه وأمه لسه عايشين ورمتني لتربية الشوارع، مستني مني أبقى متربي إزاي؟! 

2


اهتز جسد جده بتزعزع لثوانٍ من حديثه المُغلف بالقوة، فأجابه بتبرير ونبرة قاسية: 
_مرات عمك كانت بتهتم بيك زي ابنها، متبقاش ناكر للجميل. 

3



        
          

                
لم يتحمل "رائف" تلك الأحاديث الكاذبة والتي تُزيد من ألمه أضعافًا، فأجابه بصراخٍ أثناء ضربه بيده بقوة على الكومود الخشبي: 
_أنا برضــه اللي ناكر الجِميل؟!! أنا كنت باجي أشتكيلك منها لما كسرتلي دراعي عشان ضربت ابنها وإحنا صُغيرين، فاكر أنت عملت إيه وقتها ولا أفكرك أنا؟!! 

25


نطق بسؤاله الأخير بعصبية أصمتت الآخر، فاستطرد حديثه مُكملًا: 
_وقتها أنت كمان ضربتني، كنت وحيد والدنيا كلها جاية عليا من بعد موت أبويا، استنيت منك تعوضني، بس أنت كنت أقسىٰ عليا من الغريب. 

5


برر له "عتمان" بنبرة قاسية: 
_كنت عايز أخليك راجل. 

13


فسخر "رائف" ضاحكًا: 
_وأديني بقيت راجل ومبكرهش في الدنيا قدك. 

3


لم يجد "عتمان" مهربًا سوى التحدث بنبرة غاضبة ليُحسن من موقفه أمامه ولا يتزعزع، فتشدق قائلًا بصرامة: 
_اسمع يا "رائف" واللي... 

+


قاطعه "رائف" بنبرة حاقدة يشوبها الغِل والقسوة: 
_اسمع أنت يا جدي، أنا مبقتش عايز منك ولا من أعمامي حاجة، وياريت متتصلش على الرقم دا تاني، اعتبر حفيدك مات وقت موت ابنك، خِلص الكلام. 

2


أنهىٰ حديثه ثم أغلق الهاتف بوجهه دون أن يُكلف ذاته للإستماع إلى إجابته، عائلته التي من المُفترض أن تكون كالحِصن المنيع له بعد موت والديه هي مَن تسببت بأذيته، سخطه تجاههم يزداد شيئًا فشيئًا، لذلك اختار الإبتعاد وتركهم نهائيًا، سيعيش حياته كما يُريد، بعيدًا عن عمه المُتجبر وزجته المُتسلطة اللعينة. 

14


ألقى بهاتفه على الفراش وقرر أن يغفو قليلًا، علَّه يُريح عقله من التفكير ويهدأ. 

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


حين أتيتُك ركوضًا، كنت أنتظر منك أن تُخفيني عن العالم، أن تُبعدني عن الهلاك، لا أن تكون أنت الهلاك بذاته.

+


فراشٌ صغير موضوعٌ بجانب الحائط المُطل على الحديقة، ترتكز فوقه فتاة بجسدٍ هزيل مُرتعش، تنظر حولها في الأرجاء بهلعٍ وكأنها تنتظر أخذ أحدهم لروحها المُرتعشة، لسانها لا يكُف عن النُطق بكلماتٍ مُبهمة غير مفهومة، لكن تمتمتها تعكس مدىٰ رُعبها الظاهر، وضعت كفيها على أُذنيها أثناء هطول دموعها بغزارة، بفعلتها تلك تمنع تلك الأصوات المُتربصة داخل عقلها بالوصول إليها، لكن مُحاولتها بائت بالفشل، خاصةً عندما هبت من مضجعها تصرخ بهستيريا فور رؤيتها للطبيب المُشرف على حالتها يدلف للغرفة! 

3


نعم كما وصل إليكم المعنىٰ بالضبط، هي بالمصحة، ولِمَ لا وهي مُصابة بالجنون، أو بالأحرىٰ هكذا قيل لها من أقرب الأشخاص إلى فؤادها! 

10



        
          

                
انتفضت مُبتعدة برعبٍ فور رؤيتها للطبيب بابتسامته المُقيتة يُطالعها بخبث، وعلى جانبيه مُمرضتين مُتأهبتين للهجوم عليها وتكبيل جسدها الهزيل، صرخت بعلوِ صوتها كما حالها في الأسابيع المُؤخرة تطلب النجدة: 
_معملتش حاجة.. والله.. والله العظيم معملتش حاجة.. سيبوني في حالي ومش هقول لحد حاجة والله. 

14


وكأن على رؤوسهم الطير، لم يعيروا لها ولا لصرخاتها أي إهتمام، بل سحبوها كالقطيع إلى تلك الغُرفة التي تُصيبها بالهلع، علت صرخاتها المُتألمة بطريقة تُصيب الفؤاد بالرعب، تشنُجاتها تزداد أكثر فأكثر عقب تعرضها للصدمات الكهربائية، معصماها أصبحوا بلون الدماء من شدة تلوويها أسفل الأصفاد الحديدية المُدببة القابضة عليهما، هي الآن في أوج ضعفها ومذلتها، تتلقىٰ أشد أنواع العذاب هُنا، والمُخيف في الأمر؛ أن أحد أفراد عائلتها هو المُوصي بذلك! 

39


مرت عشرون دقيقة بالداخل، صرخاتها تُوقظ مَن في القبور من قوتها حتى خفتت تمامًا، يبدو أنها فقدت وعيها، وكَم تتمنىٰ أن تفقد حياتها هي الأخرىٰ!.

1


حملوها حتى وصلوا بها إلى الغرفة، ثم وضعوها على الفراش بإهمالٍ وأغلقوا باب الغرفة خلفهم، تاركين إياها نائمة لا حول بها ولا قوة في ملكوتها الخاص. 

+


رحلت المُمرضتان وبقىٰ الطبيب وحده، والذي أخرج هاتفه طالبًا إحدىٰ الأرقام المُسجلة، انتظر لثوانٍ قبل أن يقول بصوتٍ مُتلهف: 
_أيوا يا "حسن" بيه! كله تمام واتنفذ بالحرف الواحد. 

13


رد عليه "حسن" بهدوء مُغلف بالخبث: 
_تمام يا "إسلام"، تعالالي بكرة خُد بقيت فلوسك. 

15


ادَّعىٰ "إسلام" التردد بقوله المُبتذل: 
_كَتَّر خيرك يا "حسن" باشا خَلي عندك خالص، دا أنا لحم كتافي من خيرك! 

+


عرضٌ رخيصٌ يفعله دائمًا، تأفف "حسن" ناقمًا على تصنعه الواضح، ثم تشدق قائلًا بنفاذ صبر: 
_ما بلاش الشويتين دول يا "إسلام"، رجالتي بكرة هتكون في إنتظارك، تاخد الفلوس اللي هبعتهالك ومشوفش وشك تاني أنت سامع؟! 

+


أومأ له الأخير بلهفة وهو يقول: 
_حاضر، حاضر يا باشا، سلام. 

+


وعلى الصِعيد الآخر.. نفث "حسن" دُخان سيجاره الفاخرة أثناء مُطالعته لبهو الشركة الشاهق من النافذة الزجاجية المُعلقة أمامه، وبتلذذٍ واضح تمتم باستمتاع: 
_بالشِفا يا "تسنيم"، بالشفا يا بنت عمي. 

51


قال حديثه بإستمتاعٍ واضح قبل أن تغيم عيناه لخداعه وإيهامها لها باسم الحب، وهي المُغيبة التي صدقته وصدقت حديثه المعسول، مما جعلها تقع في شباكه والتي أودتها إلى الهلاك. 

+



        
          

                
وإن تسائلتم عن هوية ذلك الحقير؛ فهو "حـسـن طارق عاشور"، من ذَوي الأخلاق المُنحطة والعقل السام المُوازي لعقل الأفعىٰ، لدغته قاتلة وتفكيره مُهِلك، لكنه يدَّعي المثالية دائمًا ولا يُظهِر شره للعامة، ابن رجل الأعمال "طارق عاشور"، والذي يمتلك شركة شاهقة للمقاولات، استطاع أن يصنع له اسمًا وسيطًا كبيرًا بفترة صغيرة في عالم رجال الأعمال، وذلك عن طريق الرشاوي والأفعال الغير المشروعة التي سهَّلت طريقه.

11


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


حين تقذفك الرياح العاتية لسبعة من الأُسود الشرسة، عليك حينها توخي الحذر من أن تقع فريسة تحت أنيابهم المُسننة، يجب عليك التعامل بحذر وإلا وقعت صريعًا عقب إلتهامهم لأحشائك، فكرة مُضايقتهم تعني الهلاك، فماذا سيحدث حينها إن فكرت للحظات أن تتعرض للأختِ الصُغرىٰ لتلك الأُسُود؟! 

4


هبَّ الجميع من جلستهم بانتفاضة عقب رؤيتهم لوجه "بدور" الحامل لكدمات زرقاء، ناهيك عن عينيها الحمراوتين واللاتين تعكسان مُعاناتها لفترة طويلة، كان أول مَن وصل إليها هو "يعقوب" الذي تسائل بعدم تصديق: 
_إيه اللي حصل؟! مين اللي عمل فيكِ كدا؟! 

3


كلمة واحدة خرجت من فمِ "بدور" جعلت الثمانية رجال من حولها في أوج غضبهم: 
_"عـادل". 

17


وعقب الاستماع لِما قالت، جز "حمزة" على أسنانه بحقدٍ قائلًا وهو يهم بالذهاب إليه والفتك به: 
_ابن الـ*** والله ما هحله. 

+


خطَّىٰ "هارون" إليه مُسرعًا حتى أمسكه من ثيابه وهو يصرخ به: 
_استنىٰ هنا يا "حمزة". 

+


توقف "حمزة" وصدره يعلو ويهبط بقوة أثره غضبه وثورته العارمة، فهتف به بغضب حاول لجمه: 
_استنىٰ دا إيه يا بابا، أنت مش شايف حالتها عاملة إزاي؟!!! 

+


وتلك المرة أتاه الرد من "بدور" التي خرجت من أحضان "بادر"، قبل أن تمسح على وجهها وتقول بلامُبالاة: 
_ملوش لازمة يا "حمزة" تروحله، هو مش في البيت دلوقتي أصلًا. 

1


وبهدوءٍ يُحسَد عليه "يعقوب" تسائل بغموض: 
_أومال فين؟! 

+


ردت عليه وهي تهز كتفها بسخرية: 
_في المستشفى، أنت مفكر إنه لما يمد إيده عليا أنا هسكتله؟! هو ضربني من هنا قومت خلعت مُلة السرير ونزلت بيها فوق دماغه، وأديه مرمي في المستشفى. 

146


تقدم منها "مصعب" حتى توقف قبالتها، ثم قبَّل جبينها بحبٍ قبل أن يقول بصوتٍ بارد: 
_إن شاء الله يكون مات يا حبيبة أخوكِ، ولو مامتش هنكمل عليه إحنا. 

9



        
          

                
كان هدوء جميع الشباب مُخيف بالنسبة لـ"هارون"، لو غضبوا أو صرخوا فسيكون مُطمئن حتى لو قليلًا، لكن صمتهم أثار خوفه وحفيظته، مما جعله يتأكد من تخطيطهم لشيءٍ ما، شيءٌ ليس بالقليل أو الهين. 

1


قطع ذلك الهدوء صوت "عمران" والتي تسائل بغِل: 
_وأنتِ ضربتيه بمُلة السرير بس؟! 

3


استدارت له "بدور" والتي قالت بحنق بالغ: 
_لولا إن أمه حاشتني أنا كنت خلصت عليه، بس حظه بقى. 

5


ضرب "بدران" على صدره بربتاتٍ خفيفة وهو يقول بفخر: 
_أنا كدا اتأكدت إنك تربيتي. 

+


تدخل "مُصعب" ساخطًا: 
_وتربيتي. 

+


دفعهم "بدير" بغيظ ثم اتجه ليقف جانب شقيقته، ثم أردف بعد أن طبع قُبلة حنونة مكان كدمتها الزرقاء: 
_بس ياض أنت وهو، "بدور" تربيتي أنا، حتى واخدة مني نفس العُنف، صح يا دبدوبة؟! 

17


وجَّه سؤاله الأخير إليها، لتضحك بخفة وهي تُوميء له، ثم أضافت بنبرة مَرحة: 
_أنا متربية بين سبع رجالة، وواخدة من كل راجل فيكم صفة نفعاني في حياتي. 

5


ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثُغر الجميع، بينما "هارون" كان يُتابع تعابير وانفعالات ابنته بصمتٍ دون أن يتدخل، لاحظت "بدور" نظراته فحدقت به لبضعة ثوانٍ بهدوء، ثم اتجهت إلى أحضانه لتختبيء بها، وبعدها انفجرت في البكاء المرير. 

+


ضمها "هارون" إلى فؤاده حاقدًا على المدعو "عادل"، قاسمًا على إذاقه أشد انواع العذاب بسبب ما وصلت إليه ابنته من أذىٰ جسدي ونفسي، ربت على ظهرها بحنوٍ وتركها تُخرِج البُكاء المكنون داخلها، وأخواتها يقفون مُطالعين إياها بحزنٍ انعكس بالسلب على وجوههم التي امتلأت بالغضب والغِل. 

1


مرت الدقائق القليلة حتى أنهت "بدور" بكاؤها، فاقترب منها "بادر" متحدثًا بمزاح للتخفيف من حُزنها: 
_خلاص بقى يا دبدوبة كفاية أحضان في أبوكِ، إيش حال ما كنتِ جاية غلطة! 

+


ابتعدت "بدور" عن والدها ثم طالعت شقيقها بحنق، قائلة وهي تمسح دموعها: 
_عاجبك كدا يا بابا، بيقول عليا غلطة! 

+


ظنت بأن "هارون" سيُساندها، لكنه ادَّعى قلة الحيلة وهو يُجيبها بيأس: 
_للأسف هو مكدبش، أنتِ فعلًا جاية غلطة يا بنتي. 

11


تحولت ملامح وجهها للسخطِ تزامنًا مع ارتفاع صوت ضحكات والدها وأشقائها، لتمر ثوانٍ معدودة قبل أن تُشاركهم الضحك هي الأخرىٰ، ومن داخلها تشكر الله على نعمة تلك العائلة الحنونة، هُم بالفعل رجال، لكنهم كالجبال، وحنانهم يملأ البحر والأنهار. 

+



        
          

                
عَمَّ الصمت المكان، قبل أن يصعد صوت "يعقوب" المليء بالخبث: 
_حيث كدا بقى لازم نروح نزور "عادل" في المستشفى ونطمن عليه، ما هو مهما كان برضه جوز أختنا. 

6


صحح له "بدران" حديثه بهدوءٍ مُخيف سيطر عليه: 
_قصدك طليق أختنا. 

31


ليُضيف "بدير" على حديث "عمران": 
_أختنا الغلطة. 

17


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


قيل أن الحياة تسقيك من مُرها لتعود وتبتسم لك من جديد، لكن ذلك الفِكر لا يتماشىٰ مع الكثير، قد يجرفك طيار الهواء من مرتفعٍ عالٍ إلى الهاوية، فتتفتت أنت وفؤادك إلى أشلاء من الصعب لملمتها، تلك هي الحياة، تسقيك من المُر أطنانًا، ثم تقول لك أنت المُخطيء يا مُغفل! 

2


جالسة هي بجانب شقيقاتها في المقعد الخلفي للسيارة تستمع لتبريرات أبيها السخيفة التي يرميها فوق أذانهم منذ أن طُرِدواا، حديثه مُثير للسخرية والغضب، تود أن تصرخ به بأن يكُف عن تلك التراهات، لكنها مُتأكدة من النتيجة التي ستترتب على فعلتها تلك؛ وهي صفعة قوية ستهبط على وجنتها، سيليها صوت أبيها الغليظ وهو يسبها على وقاحتها معه. 

+


ابتسمت بسخرية عندما استمعت لكلمات أبيها التي يُكررها منذ صعودهم للسيارة: 
_بس أنا هعرف إزاي أرجع الفلوس والشركات ليا من تاني، أنا هكلم المحامي بتاعي وأكيد هيلاقي حل. 

+


لم تتحمل الصمت أكثر من ذلك، لذلك تحدثت مُتسائلة بضحكٍ أثار غضب والدها أكثر: 
_المحامي بتاعك لو عمي دفعله أكتر من اللي هتدفعه؛ هيبيعك. 

+


طالعها أبيها من المرآة الأمامية بسخط، تلاه صوت صرخاته المُتعصبة: 
_أنتِ بالذات تسكتي خالص، كُله من تحت راسك أنتِ. 

1


جزت على أسنانها بغيظ وقررت الرد عليه مُتجاهلة همسات شقيقتها المُحثة لها على الهدوء: 
_من تحت راسي أنا؟! عايزني أسمع كلامك عشان تبيعني وتجوزني لإبن عمي عشان تضمن الوِرث والشركات؟! 

+


_كله كان عشان مصلحتنا، عاجبك كدا بعد ما ضحكوا علينا وأخدوا كل فلوسنا؟! 

5


صرخ بُجُملته الأخيرة بعصبية شديدة أجفلت زوجته التي تجلس بجانبه، وبالرغم من توتر الأجواء، لم تصمت الأخيرة وأجابته بتبجح: 
_والله اللي ضحك عليك يبقىٰ أخوك مش أخويا، روح قول الكلمتين دول ليه هو مش ليا. 

2


اهتاجت أعصاب "رؤوف" منها ومن قوتها المُعتادة، ليصرخ بها بغلٍ أعمىٰ بصيرته عن كونها ابنته: 
_أنتِ قليلة الأدب ومتربتيش، وأنا هعرف إزاي أكسر عينيكِ وأخليكِ مترفعيهاش تاني. 

+



        
          

                
غلت الدماء برأسِها حتى كادت أن ترد عليه، لكن أوقفتها يد شقيقتها "رضـوىٰ" التي تجلس جانبها، ثم تلاه همسها القَلِق: 
_خلاص يا "ذِكـرىٰ" عشان خاطري، بلاش تقاويحي قدامه. 

10


سيطرت "ذِكـرىٰ" على ذاتها بصعوبة واضعة بعين الإعتبار أن الذي تُحادثه هو والدها، لكنه يُثير حنقها وغيظها دائمًا، فتضطر آسفة إلى الرد بطريقة وقحة تنتهي بضربه إليها، وكم يؤلمها هذا! 

1


حَوَّلت "ذِكـرىٰ" نظراتها إلى "جَنة" التائهة في عالمها الخاص، تشعر بأن كل شيء قد هُدِم فوق رأسها، خاصةً بعدما علمت بخداع ابن خالتها إليها طيلة تلك السنوات، كان يُوهمها بالحب وهي كالمُغفلة صدقت أكاذيبه، فؤادها مكلوم ولا تعلم كيف ستُداويه. 

28


مرت دقائق أخرىٰ حتى قررت "صفاء" الخروج عن قوقعة الصمت وسؤال زوجها باستفهام: 
_فاضل قد إيه على ما نوصل يا "رؤوف". 

+


أجابها "رؤوف" بتأفف ونظراته مُرتكزة على الزحام من أمامه: 
_لسه نص ساعة. 

+


أومأت له "صفاء" بدون حديث، وعاد الصمت ليعم السيارة مُجددًا، لتقطعه "جنة" بعد أن اعتدلن بتساؤل مُغلف باللهفة: 
_هو "إلياس" مجاش معانا ليه يا بابا؟! 

3


نظر إليها "رؤوف" من مرآة السيارة الأمامية، ثم أجابها ساخرًا: 
_طبعًا ما لازم تسألي على أخوكِ الحيلة، ما هو مفيش غيره اللي مدلعكم ومقويكم عليا. 

+


وتلك المرة أتته الإجابة من "ذِكـرىٰ" التي قالت بصوتٍ مكتوم: 
_هو حضرتك يا بابا مش بتعرف تبل ريقنا بكلمة حلوة؟! على الأقل لو مش هتتكلم بطريقة كويسة ترد على قد السؤال وخلاص من غير كلامك اللي يسِم البدن دا! 

12


قررت "صفاء" التدخل لفض النزاع الدائم والذي لا ينتهي بين زوجها وابنتها، مُوجهة حديثه لها وهي تقول بغضب: 
_خلاص بقى يا "ذِكـرىٰ"، مش لازم بعني تردي الكلمة بألف. 

+


تأففت "ذِكرى" بزهق وفي تلك اللحظة ودت البكاء حقًا، هو يشكي وقاحتها معه في الحديث، وهي تشكو قسوته وجبروته في معاملته، والاثنان مُخطئان! 

5


وأخيرًا بعد مرور نصف ساعة، وصلت السيارة إلى الحي الذي سيقطنون به، "حـي هـارون"، هبط الجميع من السيارة ناظرين حولهم للمنطقة الغريبة التي أتوا إليها، مُجتمع غريب ومُختلف تمامًا عن طبقتهم المخملية الراقية، تجعد وجه "رضـوىٰ" بإشمئزاز عند رؤيتها لأحد الأطفال يسير بدون بنطال، على عكسها تمامًا انفلتت ضحكة خفيفة من فاهِ "ذكرىٰ" والتي همست بدورها: 
_بداية غير مُبشرة بالمرة.

18


حمل الجميع حقائبهم ثم دخلوا إلى المنزل الذي أتوا للعيش به، وهو منزل جَد "رؤوف" القديم، أخرج "رؤوف" سلسلة مفاتيحه ثم أدخل أحدهم في قفل الباب الحديدي المُنغلق، نظرت "صفاء" له ثم تسائلت بتفكير: 
_مش هتروح تشوف صاحبك؟! كتَّر خيره ساعدنا. 

+



        
          

                
رد عليها زوجها بإنهاك بعد أن دلف للداخل وتبعه الجميع: 
_لما نستريح الأول من السفر يا "صفاء". 

+


أومأت له "صفاء" بإقتناع، ثم نظرت لفتياتها وهي تقول: 
_يلا خشوا استريحوا علشان ننضف الشقة دي. 

+


اعترضت "رضوى" ساخطة: 
_ما نكلم حد يا ماما يجي ينضفها، إحنا مش هنعرف. 

+


استدار لها "رؤوف" راسمًا على ثغره ابتسامة ساخرة مُلتوية وهو يقول: 
_لأ انسي، أيام العِز والرعرعة راحت، من هنا ورايح انتوا اللي هتعملوا كل حاجة هنا في البيت. 

2


وهُنا خرجت "جنة" عن صمتها قائلة بنبرة هادئة: 
_على فكرة أنا هفضل في شغلي مش هسيبه. 

+


رد عليها أبيها لا مُباليًا: 
_اعملي اللي تعمليه، المهم محدش يقولي هات جنيه، الفلوس يادوب تقضينا بالعافية. 

8


تشنج وجه "ذكرىٰ" باستنكار وهي تتسائل بعدم فهم: 
_يعني إيه محدش يقولك هات جنيه؟! هو إحنا مش ولادك وملزومين منك! 

+


رد عليها بغلظة قبل أن يتركها ويذهب من أمامها كُليًا: 
_شوفيلك شغل واصرفي على نفسك، الفلوس اللي معايا للمُحامي اللي هيمسكلنا القضية. 

+


نظرت "ذكرىٰ" لأثر والدها وهي تجز على أسنانها حاقدة، بينما "رضوى" ارتمت على الأريكة وهي تُتمتم بإنهاك: 
_يارب أتجوز وأطفش من وشكم بقى. 

+


طالعتها والدتها بسخرية وهو تلوي شفتيها يمينًا ويسارًا، ثم أردفت قائلة: 
_وكسة عليكِ وعلى اللي خلفوكِ، وهما اللي اتجوزوا خدوا إيه ياختي بلا عفرة. 

9


ضحكت "جنة" بخفة وهي تُجاور شقيقتها على الأريكة، ثم أردفت بنبرة مُمازحة بعد أن هدأ ضيقها قليلًا: 
_أنا كل اللي مستغرباه أنتِ إزاي متطلقتيش لحد دلوقتي يا ماما! 

1


أجابتها "صفاء" بحسرة: 
_نصيبي بقى أعمل إيه! 

1


ضحكت الفتيات بخفة وبصوتٍ هاديء حتى لا يستمع والدهن إلى الحديث، فاستطردت "صفاء" حديثها بجدية وهي تنظر لبناتها: 
_المهم أنا مش عايزاكم تردوا على أبوكم الواحدة بواحدة كدا، هو أسلوبه وِحش وطريقة كلامه زفت بس في الأول وفي الآخر هو أبوكم، ورغم قسوته معاكم لكن هو والله العظيم بيحبكم زي عينيه. 

5


قالت جُملتها الأخيرة وهي تنظر لـ"ذِكـرىٰ " التي تستمع للحديث بلامبالاة وسخرية، صعد صوت "رضوى" التي بررت بضجر: 
_يا ماما مفيش أي مُبرر لأفعال بابا معانا، أسلوبه بقى وِحش أوي ولا كأنه بيتهمنا إن إحنا السبب في اللي وصلنا ليه، مش عمي هو اللي ضحك عليه واللي بَيَّعه اللي وراه واللي قدامه؟! 

+


تنهدت "صفاء" بحزنٍ أثناء اتجاهها لأحد الكراسي للجلوس عليها، ثم تمتمت بضيق قائلة: 
_ما هو اللي حصل مش سهل برضه يا "رضوىٰ"، عمك استغل أبوكِ وخَسَّره كل أملاكه، طبيعي يكون مش طايق نفسه ولا طايقنا إحنا كمان. 

+



        
          

                
تدخلت "ذِكـرىٰ" في الحديث بقولها الساخط: 
_لأ يا ماما، أنا وأنتِ عارفين كويس إن دا طبع وأسلوب بابا، وبيظهر دايمًا لما نعمل حاجة عكس مصلحته في شغله أو حياته العملية عمومًا. 

+


ارتسم الأسىٰ على وجه "صفاء" وهي تتنهد بضيق، لتقول "رضوىٰ" بكلماتٍ ذات مغزىٰ فهمتها "ذِكـرىٰ" جيدًا: 
_خلاص يا "ذِكـرىٰ" بقى! ما بلاش الكلام اللي مالهوش فايدة دا. 

+


مسحت "ذِكـرىٰ" على وجهها بضيق، فعادةً ما ينتهي ذلك النقاش بخسارة وحزن الطرفين، لذلك اتجهت نحو والدتها، وجلست على طرف المقعد أثناء إحاطتها لكتفها بتملك، ثم تشدقت مُمازحة لتخفيف حزنها: 
_بقولك إيه يا صفصف! ما تقومي تعمليلنا أكل عشان إحنا على لحم بطننا من إمبارح. 

+


رفعت "صفاء" أنظارها إليها مُطالعة إياها بحنوٍ، ثم هبت من مكانها وأمسكت بمعصمها، لتردف بنبرة لعوبة وهي تتجه ناحية المطبخ: 
_من عيني يا قلب صفصف، يلا بقى جهزي نفسك عشان من هنا ورايح هتقفي معايا في المطبخ أنتِ والبغلتين التانيين. 

+


اعتلى الإستنكار وجه الفتيات، وقبل أن تفتح إحداهن فاهها للتحدث، أردفت "صفاء" بصرامة: 
_هاتي يا "جنة" شنطة الأكل وحصليني أنتِ و"رضوىٰ" على المطبخ.

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


كونك رجُلًا لا يُعطيك الحق بضرب النساء، الرجولة ليست بالعنف، تأدب. 

10


مُتمدد على فراش المشفىٰ يتأوه بوجع من آلام رأسه، والتي تسببت بها زوجته بعد ضربها له بالعصىٰ الخشبية الثقيلة، رد فعل طبيعية بعدما أبرحها ضربًا، جاورته والدته التي تُربت على كتفه لمواساته، ثم تفوهت بغل: 
_آه يا نـاري لو كنت طولتها بس! وديني ما كنت هسيب فيها حِتة سليمة من اللي عملته فيك يا ضنايا. 

28


وضع "عادل" يده على رأسه المُضمضة بشاشٍ أبيض ثقيل وهو يقول بتأوه: 
_آه دماغي هتتفرتك يامَّا مش قادر. 

9


ردت عليه والدته "هالة" بنبرة قَلقة: 
_بعد الشر عليك يا حبيبي، إن شالله هي وأنت لأ. 

14


توقف "عادل" عن الولولة كالنساء، ثم اعتدل ببطئٍ على الفراش ليبقىٰ في مواجهة والدته، وبعدها تمتم بغضب من بين أسنانه: 
_أنا مش هسيبها يامَّا، ورب مُحمد لأفضحها وهخليها متعلقة من غير طلاق، لا هي طايلة سما ولا أرض. 

4


_هتفضح مين يالا يابن "عوض"؟! 

13


ارتعدت أوصال "عادل" رُعبًا فور استماعه لصوت "هارون" الذي هز كيانه، وما زاده هلعًا؛ هو قدوم أبنائه السبعة معه بوجهٍ يَعكس مخاوفه، افتر ثُغر "هارون" عن ابتسامة قاتمة مُخيفة أثناء تقدمه منه، وما إن جاور فِراشه، حتى تمتم بتأنٍ: 
_قولي بقى، كنت بتقول هتفضح مين؟! 

1



        
          

                
وقفت "صفاء" من مجلسها وقررت الدفاع عن ابنها بكل ما تملك، لذلك صاحت به غاضبة: 
_دا حقنا، يعني يرضيك اللي بنتك عملته في ابني دا يا حَج "هارون"؟! 

9


_آه يرضيني. 

24


كانت إجابته باردة متبوعة بابتسامة خفيفة، فاستطرد حديثه بقول المُحذر الصارم: 
_كلامي مش معاكِ أنتِ يا "أم عادل"، كلامي مع ابنك الحيلة اللي بنتي علَّمت عليه. 

5


لم يُعجبه إهانته لرجولته بتلك الطريقة المُحتقرة، لذلك رد عليه "عادل" بصراخٍ غاضب: 
_لا عاش ولا كان اللي يعلَّم عليا يا حج، وحقي أنا هجيبه بمعرفتي. 

7


وتلك المرة قرر "يعقوب" التدخل في الحديث بقوله الساخر: 
_دا عند أم ترتر. 

2


لطالما كانت هُناك عداوة مخفية بين "يعقوب وعادل"، وها قد حانت اللحظة الحاسمة لإظهار ذلك الكُره الذي دُفِنَ لسنوات، رد عليه "عادل" بتبجح في نية لإغاظته: 
_ملكش دعوة أنت يا "يعقوب". 

4


وبوقاحة رد عليه الأخير لامُباليًا: 
_لما تبقىٰ راجل ابقى اتكلم. 

14


التف "هارون" برأسه نصف إستدارة لإبنه، ثم أمره بهدوء قائلًا: 
_خلاص اسكت يا "يعقوب" وسيبني أنا اللي أتكلم. 

1


أومأ له "يعقوب" بالإيجاب إحترامًا لأبيه، بينما "هارون" عاد بأنظاره نحو "عادل" واقترب منه خطوتين أخرتين، ثم تمتم مُفكرًا وهو يُضيّق عينيه بتذكر: 

2


_زمان لما جيت تتقدم لبنتي أنا كنت شايفك عيل ومش قد المسؤولية فرفضتك المرة الأولىٰ، بس للأسف بنتي كانت عايزاك وبتحبك، فأضطريت آسفًا إني أوافق عليك، بعد ما اتجوزتوا كنت بتاخد منها فلوس وقولت ماشي مش مهم أديها بتساعدك ودا واجبها، بس أنت كنت بتستغلها وبتستغل حبها ليك، عارف ليه؟! عشان أنت كلب حقير. 

9


احمرت عيني "عادل" بغضبٍ عارم، وكاد أن يفتح فاهه ليُخرج ما في جعبته من حديثٍ أحمق، لكن قاطعه "هارون" باقترابه المُفاجيء، والإمساك به من فكه بقوة تزامنًا مع ضغطه عليه، ثم همس من بين شفتيه بفحيح: 

2


_اسمع يالا، أقسم باللي خلقني وخلقك لولا إن قتلي ليك هيبقى حرام وهتحاسب عليه، أنا كنت طلعت روحك ما بين إيديا، ورقة طلاق بنتي لو موصلتش في خلال يومين أنا هرقدك بدل اليومين عشر سنين، إحذر غضبي أحسنلك واتقي شري. 

20


أنهىٰ حديثه ثم دفعه بعيدًا عنه بإشمئزاز وكأنه حشرة لا قيمة لها، استدار ناظرًا لأولاده ثم أمرهم بصرامة: 
_يلا من هنا.

+


قالها ثم اتجه نحو باب الخروج وهبط للأسفل وبجواره "بادر وبدران"، بينما "هالة" اتجهت مُسرعة لإحتضان ابنها بخوف والذي كان مُلتاعًا، لكن وبالرغم من ذلك، توعد لهم بالإنتقام.

3


استغل "يعقوب" ذهاب أبيه واستدار ناحية "عادل" ناظرًا إليه بشماتة، وبتروٍ مُهلِك اقترب منه على مهل حتى جاور فِراشه المُستلقي عليه، وبمفاجئة غير مُتوقعة رفع كفه يضغط به على رأسه المُلتفة بالضماد وهو يقول ببراءة مُصطنعة: 
_إيه دا أنت متعور؟! 

38



        
          

                
عَلت صوت صرخات "عادل" بألمٍ، فدفعت "هالة" يد "يعقوب" بحدة وهي تصرخ به: 
_أنت عايز منه إيه تاني؟! ابعد عنه بقى! 

+


سحب "يعقوب" كُرسيًا وجلس عليه بالإتجاه المُعاكس، تصنَّع التفكير العميق وعمَّ الصمت لثوانٍ، قبل أن يتحدث قائلًا بنفي: 
_لأ مش هبعد عنه للأسف، حق أختي أنا لسه مخدتوش، أنا بس مستنيه يشد حيله كدا وعضمه يُرم من جديد عشان أكسرهوله تاني. 

2


انتفض "عادل" من مكانه وهدده بعنف قائلًا: 
_هحبسك يا "يعقوب" أنت سامعني! هحبسك. 

6


التوىٰ فم الجميع بابتسامة ساخرة، وصعد بعدها صوت "حمزة" بمسكنة مُصطنعة: 
_ويهون عليك يا دولا تحبسه برضه؟! دا مهما كان أخو مراتك اللي كانت بتصرف عليك! 

12


أطلقت عيني الأخير شررًا يعكس غضبه، فاستغل "مُصعب" حالته تلك واقترب منه هامسًا في أذنه: 
_وبعدين يالا إحنا الحكومة. 

13


قال جُملته بفحيح ثم ابتعد عنه بضعة سنتيمترات ليرىٰ ملامح وجهه التي ملأها الذُعر والهلع، شعر "مُصعب" بمن يسحبه من ذراعه للخلف، استدار بنصف رأسه ليجده شقيقه "عمران" الذي تحدث بنبرة باردة مُتوعدة: 

+


_وبعدين يا "مصعب"؟! مش قولنا حقنا هناخده لما يخِّف؟! كفاية عليه لحد كدا ويلا بينا. 

14


أومأ له وبالفعل اتجه مع الجميع نحو باب الغُرفة للخروج، لكنهم تصنموا فجأة عندما استمعوا إلى صوت صفعة قوية هبطت على وجه أحدهم، وتلاه صوت "بدير" المكتوم بغضب وهو يقول: 
_دي تصبيرة لحد ما نقابلك تاني، سلام يا زبالة. 

18


قال جُملته الأخيرة ثم بصق عليه بقرف وكأنه حشرة حقيرة لا قيمة لها، ثم جاور أشقائه الذين نظروا له بفخر شديد، قبل أن يذهبوا جميعًا من المشفىٰ بأكملها بمظهر مُهيب خاطف للأنفاس. 

+


وبالطبع وصلت إلى مسامعهم صوت صرخات "هالة" ودعاويها عليهم وسبَّها، لكن لم يُبالوا بكل هذا، فمهمتهم لم تبدأ بعد! 

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


_ليك الواوا.. بوس الواوا.. خَلي الواوا يصح.. لما بيستوا وشيلتوا بسرعة صار الواوا بَح. 

6


نبس بتلك الكلمات "إلياس" وهو يُحرك كتفيه في سيارته، بعد طرده من عمله لمغازلته لإحدى الفتيات، والتي لم تكن سوىٰ ابنة المُدير الفاتنة.

37


توقفت سيارته على بغتة بعد ظهور أفراد الشرطة أمامه، ابتلع ريقه ببطئٍ هامسًا بتشنج أثناء لمحه للضابط يأتي إليه بملامح واجمة: 
_منك لله يا "عزَّام" أنت وبنتك وِش الفقر. 

+


وما إن أنهىٰ همسه، حتى ضرب الضابط على مُقدمة السيارة بغلظة، تلاه صوته الساخر يأمره بتهكم: 
_رُخصك وبطاقتك يا عسول.

+



        
          

                
أخرج له "إلياس" طلبه مُعطيًا إياه للضابط الذي يُحدجه بشكٍ، وبعد الإتطلاع على رُخصة سيارته والكشف عن بطاقته؛ ظهرت النتائج سليمة دون وجود أي شوائب تُدينه، فأعطاه مُقتنياته بهدوء ثم حذَّره بقوله: 
_بعد كدا ركز في الطريق، الله أعلم إيه اللي كان ممكن يحصلك. 

+


ابتسم "إلياس" بخفة ثم أومأ له وهو يقول باحترام: 
_حاضر يا باشا، عن إذنك. 

+


أفسح له الضابط الطريق، لينطلق بعدها "إلياس" زافرًا براحة على حظه اليسير تلك المرة، فضابط غيره كان من المُمكن أن يتناغش معه ويُعطيه غرامة مالية كبيرة، لكن هذا كان مُتساهلًا معه بدرجة كبيرة. 

+


صدح صوت هاتفه مُعلنًا عن مُكالمة هاتفية عاجلة، أمسك "إلياس" هاتفه لرؤية مَن المُتصل، والذي ما إن رآه حتى صدحت صوت ضحكاته عاليًا، رمىٰ هاتفه جانبه مُجددًا وهو يُطلق صفيرًا مُستمتعًا أثناء استماعه لنغمة هاتفه الحماسية، وبعد ما يقرب الخمس دقائق قرر الرد أخيرًا. 

4


فتح هاتفه فأتاه صوت صديقه على الفور يصرخ به: 
_إيه اللي أنت عملته دا يا "إلياس" الله يخربيتك؟! 

+


ضحك "إلياس" عاليًا وهو يُجيبه بمشاغبة: 
_إيه رأي "عزام" بيه في المُفاجئة دي؟! أبهرته صح؟! 

+


أتاه صوت "أكرم" المُتحدث بعدم تصديق: 
_أبهرته دا إيه بس؟! حطيت مُلين في القهوة اللي اتقدمت للشُركاء الجُداد وتقولي أبهرته؟! دا لو عِرف هيطين عيشتك. 

9


رد عليه "إلياس" باستمتاع: 
_والله هو اللي بدأ يبقى يستحمل بقى. 

+


هز "أكرم" رأسه بيأسٍ من أفعال صديقه الطائشة، وبعدها تسائل مُستفهمًا: 
_ربنا يسامحك يا "إلياس"، المهم هتعمل إيه دلوقتي؟! هتشوفلك شغل ولا هتفضل عاطل من غير شُغلة ولا مشغلة كدا؟! 

+


تشنج وجه "إلياس" وهو يُجيبه بسخط: 
_الملافظ سعد يا بغل أنت، على العموم متقلقش أنا عامل حسابي ومعايا شوية فلوس كدا هفتح بيهم المشروع اللي نفسي فيه. 

+


أي أموالٍ تلك؟! أأبله هاذا أم ماذا؟! هكذا همس "أكرم" لذاته قبل أن يُقرر سؤاله مُتعجبًا: 
_فلوس إيه دي؟! هو مش عمك ضحك عليكوا وخد كُل فلوسكم؟! 

+


أومأ "إلياس" مُجيبًا بنعم بعد أن قام بركن سيارته على جانب الشارع الرئيسي، ثم هبط منها تزامنًا مع قوله المُفسر: 
_الفلوس اللي معايا دي أنا كنت راكنها بعيد عن حسابات عيلتنا وشركاتنا بحسابي الخاص. 

5


والآن اتضحت الرؤية كاملة لـ"أكرم" الذي صاح بإنبهار: 
_يابن اللعيبة! وهتفتح مشروع إيه بقى؟! 

+


استند "إلياس" بظهره على سيارته بعد أن وقعت عيناه على إحداهن تسير بخُطىٰ سريعة، وبعبثٍ أجابه مُبتسمًا: 
_محل حلويات.

23



        
          

                
قطب "أكرم" جبينه بتعجب وهو يُردد كلمته: 
_حلويات؟! 

+


لم يُجيبه "إلياس"، بل ظلت أنظاره مُعلقة على تلك الغزالة الشاردة أمامه، وبهمسٍ عابث أعاد كلمته بخفوت: 
_حلويات. 

2


_يابني أنا بكلمك! 
نطق بها "أكرم" مُخرجًا إياه من شروده، فتأفف "إلياس" حانقًا: 
_تصدق إنك عيل فصيل! اقفل دلوقتي وأنا هكلمك بالليل أفهمك كل حاجة، وسيبني أنا بقى استكشف الحارات المصرية الأصيلة. 

1


أنهىٰ حديثه ثم أغلق الهاتف في وجه صديقه دون حتى أن يستمع لرده، دار "إلياس" بأنظاره يستكشف ذلك الحي البسيط، والمليء بالمارة والباعة المُتجولين، مُعبق بالسكان على آخره عكس حياته السابقة، حيث مناطق الڤِلل والقصور الصامتة الكئيبة، رفع أنظاره للمنزل القديم الذي يقف أسفله يُطالعه بتروٍ، كان يعود لعائلة جده منذ مئات السنون، وكأنه منزل أثري خالد! 

1


خلع نظارته الشمسية عن عيناه ثم دلف إلى الداخل بخطواتٍ هادئة حتى وصل إلى الداخل، وهُنا التقط أنفه رائحة الطعام الشهية، همهم بتلذذ فور رؤيته لأصناف الطعام المُتنوعة مُرتصة على طاولة أرضية صغيرة، وبعدها تشدق باستمتاع: 
_إيه الحلاوة والجمال دا أقسم بالله! 

+


انتبهت إليه والدته وكذلك شقيقاته، لتقول "ذِكـرىٰ" على الفور بحماس: 
_تعالىٰ يا "إلياس" دوق الأكل اللي أنا عملته وقولي رأيك! 

+


بعد حديثها، التوىٰ ثُغر "إلياس" ضاحكًا وهو يقول: 
_الأكل اللي أنتِ عملتيه؟! ومن إمتى المعزة بتعرف تطبخ؟! 

6


توقفت "ذِكـرىٰ" عن رَص الأطباق واستدارت له مُطالعة إياه بنارية، ثم تسائلت بتحذير: 
_قصدك إيه!! 

+


كانت تسد عليه طريقه، فدفعها من وجهها دفعة أدت إلى سقوطها على الأريكة من الخلف، ولسوء حظ "رضوىٰ" كانت جالسة عليها في نفس الأثناء التي وقعت فوقها "ذِكـرىٰ" بجسدها كاملًا! 

+


تأوهت "رضوىٰ" بعنف ثم دفعتها بعيدًا عنها لتُكمِل "ذِكـرىٰ" وقعتها على الأرض السيراميكية الصلبة، كانت أشبه بكُرة يتقاذفونها بينهم، ارتمت على الأرض وهي تتأوه بألم وهي تقول من بين أسنانها: 
_يمين بالله انتوا متربتوش ولا شوفتوا ريحة التربية. 

3


أتت في تلك اللحظة والدتها "صفاء" من الداخل حاملة طبق الشوربة بين يديها، وحين رأتها هكذا تسائلت باستغراب: 
_إيه اللي منيمك على الأرض كدا؟! 

4


مدت "ذِكـرىٰ" كُم قميصها على الأرض، ثم أجابتها بابتسامة غبية ووجهٍ مُتشنج من الألم: 
_أبدًا يا ست الكُل، دا أنا كنت بفكر أمسح السيراميك بهدومي.

4


علت ضحكات "إلياس" عاليًا وشاركته "رضوىٰ" قهقهاته، بينما "جنة" اكتفت برسم ابتسامة صغيرة على ثُغرها، لاحظها "إلياس" فاتجه نحوها مائلًا على وجنتها يُقبلها برقة، ثم تمتم بمشاكسة: 
_اللي ليا والباقي فوق وطعمية، واحشني يا جَميل! 

9



        
          

                
ردت عليه "جنة" بابتسامة خافتة: 
_وأنت كمان. 

+


جلس "إلياس" على الأرض أمام طاولة الطعام، ثم سحب شقيقته "جنة" من على الأريكة لتجلس جانبه وهو يسألها: 
_كَلتي النهاردة؟! 

3


هزت "جنة" رأسها بالنفي، ليُجعد وجهه بضيقٍ وهو يُعاتبها برقة: 
_ليه كدا بقى! مش الدكتور قالك لازم تاكلي كويس عشان العلاج؟! 

1


ردت عليه "جنة" بضجر وهي تنظر لشقيقتها: 
_ما "ذِكـرىٰ" هي اللي بتاكل أكلي. 

17


حوَّل "إلياس" نظره بغضب إلى "ذِكـرىٰ" التي تصنعت الإنشغال، فأكملت "جنة" شكواها الحانقة قائلة: 
_و"رضوىٰ" بتاكل الفاكهة والشيكولاتة اللي أنت بتجبهالي. 

+


وفي تلك الأثناء سعلت "رضوىٰ" وهي تقول باختناق مُزيف: 
_يا ستار يارب أنا مش عارفة إيه الكُحة دي؟! بايني بموت ولا إيه؟! 

5


رد عليها "إلياس" بغضب وهو يُشيح بيده أمام وجهها بقنوط: 
_يكش تفطسي أنتِ وأختك ياختي، بتاكلوا أكل البت يا شوية أوباش يا حرابيق! 

+


اعتدلت "ذِكـرىٰ" من مرقدها ثم أجابتها بمسكنة مُصطنعة: 
_لأ طبعًا ناكل أكلها دا إيه! دي مهما كانت أختنا حبيبتنا برضه وبنخاف على مصلحتها. 

+


رفع "إلياس" طرف شفتيه بسوقية وهو يقول: 
_والنبي إيه!! حاسبي بس لأحسن قشعرت! 

2


أتت "صفاء" حاملة آخر طبق يحتوي على الطعام، ثم نظرت إلى "رضوىٰ" آمرة إياها بهدوء: 
_ادخلي نادي لأبوكِ يا "رضوىٰ" عشان ياكل معانا. 

+


أومأت لها "رضوىٰ" بالإيجاب ثم ذهبت لمُناداة والدها، بينما "إلياس" نظر تجاه والدته وتحدث ضاجرًا: 
_متخليش حد من البغلتين دول ياكل أكل "جنة" يا ماما، أنتِ عارفة إنها لازم تتغذىٰ كويس قبل عمليتها. 

6


ردت عليه "صفاء" بتنهيدة يائسة: 
_والله يابني أنا عقبال ما أحطلها الأكل وأدخل المطبخ دقيقتين، برجع ألاقيهم خلصوه. 

+


نظرت لها "ذِكـرىٰ" من طرف عينيها ثم قالت باحترام: 
_ربنا يسامحك. 

+


إلتوىٰ فم الجميع بتشنج من إحترامها المُتصنع، وقاطع لحظتهم تلك هو خروج "رؤوف" من الغرفة، وعِند رؤيته لهم جالسين على الأرض أمام طاولة الطعام، حتى تحدث ساخرًا وهو يجلس بجانبهم: 
_ما شاء الله، شايفكم اتعودتوا على الوضع بسرعة. 

+


أجابه "إلياس" بمزاح: 
_كُل وسَمي الله يا بابا، والله العيشة دي أحسن من العيشة مع التيران اللي كانوا في الڤيلا. 

5


قالها ثم دَس قطعة من الطعام داخل فمه يأكلها بنهمٍ وتلذذ، بينما "رؤوف" تنهد بضيق ثم قال بأمل: 
_كدا مفاضلش غير شوية الفلوس اللي معايا، والفلوس اللي هتطلع من شُغلك. 

10



        
          

                
توقف "إلياس" عن تناول الطعام، شاهقًا وهو يضرب على صدره بصدمة: 
_يقطعني هو أنا مقولتلكش!! 

8


ضيَّق "رؤوف" عيناه وهو يُجيبه بحذر: 
_قولتلي إيه! 

+


ليرد عليه الآخر بابتسامة بلهاء غبية: 
_مش أنا اتطردت! 

+


_نعـم يا روح أمـك؟!!! 

12


هتف بها "رؤوف" بغلظة وهو يهب من مكانه غاضبًا، ليرفع إليه "إلياس" أنظاره وهو يقول بابتسامة مُتوترة: 
_إيه يا بابا يا حبيبي معقول لحقت تشبع؟! 

1


رد عليه "رؤوف" وعيناه تلتمع بشر: 
_دا أنا هشبع عليك النهاردة. 

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


جلسة مُعبقة بالشر والأفكار السامة، حيث وجود هذان الإثنان مع تخطيط شيطان عقولهم، ويُحيط بهم دُخان نارجيلتهم المليئة بالمواد المُخدرة غير معروفة مصدرها، أخرج أحدهم دُخانًا كثيفًا من فمه أثناء سؤال الآخر له: 

+


_وهتعمل إيه يا معلم "عُمير" في المشكلة دي؟! الحَج "هارون" وولاده واكلين السوق مننا ومنزلين الأسعار بتاعتهم 100 جنيه كاملة. 

16


شردت أنظار "عُمير" في الفراغ يُفكر في حل لتلك المُعضلة التي هبطت فوق رأسه بسبب "يعقوب" واقتراحه، حيث اقترح على أبيه أن يُخفِض أسعار اللحوم مئة جُنيهًا كاملين، ومنذ ذلك اليوم والجميع يبتاع منهم، تاركين بقية محلات الجِزارة فارغة من الباعة بسبب جشعهم على الأهالي والعائلات الفقيرة. 

2


خرج "عُمير" عن صمته وهو يقول بغموض: 
_المرة اللي فاتت اتكلمنا بالحُسنىٰ ومفيش فايدة، المرادي كل حاجة هتتحل بالعُنف. 

4


ضيَّق الآخر عيناه بعدم فهم وهو يتسائل بغباء: 
_يعني إيه يا معلم؟! 

+


حوَّل "عُمير" أنظاره له وتحدث آمرًا إياه: 
_جهزلي الرجالة يا "بيومي" عندنا طَلعة. 

2


ارتسمت ابتسامة مُتحمسة على ثُغر "بيومي" العاشق للشِجارات، ثم هبَّ من مكانه هاتفًا بسعادة: 
_من عينيا يا معلم، عشر دقايق وهتلاقي الرجالة كلها متجمعة قدامك. 

+


قال جُملته ثم هرول مُسرعًا للخارج لمُناداة الرجال، بينما "عُمير" نفث الدخان من فمه وهو يهتف بتوعد: 
_ماشي يا "يعقوب"، يا أنا يا أنت وهنشوف مين اللي هيكسب في الآخر.

15


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


_هو إيه اللي بيحصل يامَّا؟! "بدور" بنت عمي جت الصبح وبعدها عمي وولاده خرجوا على ملا وشهم ولسه جايين دلوقتي، هو فيه حاجة؟! 

+


تفوهت "رحمة" بتلك الكلمات بفضولٍ شديد عقب مُلاحظتها لِما يحدث في منزل عمها من الصباح الباكر، لتُجيبها "نعيمة" التي كانت تقوم بتقطيع الخضراوات: 
_علمي علمك أديني قاعدة معاكِ أهو، استني أطفي على الأكل وننزل نشوف فيه إيه. 

2



        
          

                
أومأت لها رحمة بصمتٍ وهي تُفكر ماليًا فيما حدث أو فيما سيحدث، يبدو أن أجواء المنزل مُتوترة قليلًا، وهي عليها أن تعرف، فتلك هي عادتها الفضولية. 

3


خرجت عليهم "زهراء" والتي ظلت قابعة في غرفتها طيلة اليوم، انحنت قليلًا ثم انتشلت قطعة من الجزر وأكلتها بلامُبالاة بعد أن ارتمت بجسدها على الأريكة، وبكسلٍ تسائلت: 
_هناكل إيه النهاردة؟! 

3


طالعتها "نعيمة" من طرف عينيها بجمودٍ ثم عادت لتنظر لما بين يديها، تأففت "زهراء" ساخطة وهي تتسائل بحنق: 
_هو في إيه يا ماما عمالة تُبصيلي كدا ليه؟! 

+


تركت "نعيمة" ما بيدها بحدة، ثم استدارت لها بكامل جسدها وهي تصرخ بها: 
_مش عاجبني حالك المايل يا بنت بطني، وخَلي في عِلمك أنا مش هسكت كتير وهقول لأبوكِ عشان أنا جِبت أخري منك. 

+


طالعتها "زهراء" بغضب ثم صرخت بها بحدة: 
_وهو أنا عملت إيه يعني لكل دا؟! دي غلطتي إني عايزة أأمن مُستقبلي؟! 

+


لقد نفذ صبرها من أفعال ابنتها المعتوهة ولم تعد لتتحمل، لذلك هبت "نعيمة" من مضجعها ثم مالت على "زهراء" تسحبها من ذراعها بعنفٍ حتى أوقفتها أمامها، وبغضبٍ جامح وأعيُن تُطلق شررًا أجابتها: 
_عايزة تأمني مُستقبلك تقومي رامية نفسك على ابن عمك؟! بترخصي كرامتك ليه؟! 

+


دفعت "زهراء" يدها عنها بعنفٍ ثم ردت عليها بتبجح: 
_دا مش رُخص، وبكرة تشوفي لما "يعقوب" يجي يتقدملي، وقتها هتعرفي إن كل اللي بعمله دلوقتي دا لصالحي أنا. 

45


قررت "رحمة" التدخل في الحديث وتحدثت مُعنفة إياها: 
_ما تحترمي نفسك يا "زهراء" وبطلي شُغل العيال دا! "يعقوب" لو بيحبك كان اتجوزك، لكن أنا وأنتِ وأمك وأبوكِ وعمو "رضا" بتاع العيش عارفين إنه يطيق العمىٰ ولا يطيقك.

36


صراحتها زادت من غضبها أضعافًا مُضاعفة، لذلك صرخت بها الأخرى باهتياج بقولها: 
_ملكيش دعوة أنتِ ومتدخليش، خليكِ في نفسك وفي خيبتك، فضلتي تحِبي في سي "مروان" في صمت لحد ما راح خطب صاحبتك. 

14


وقاحتها كادت أن تُصيب "رحمة" في مقتل، تفتت فؤادها عقب تعليقها المشين على حديثها، لذلك قررت الإنسحاب والدخول إلى غرفتها راكضة لتُخفي دموعها عن الجميع! 

+


جزت والدتها على أسنانها بغيظ وهي تُتابع هرولة ابنتها إلى غرفتها، ثم استدارت نحو "زهراء" وصرخت بها بقنوط قائلة: 
_عاجبك اللي عملتيه دا؟!! 

+


فتحت "زهراء" فاهها وكادت أن تُجيبها، لكن فُتِحَ باب المنزل ودخل منه "عوض" الذي لاحظ وقفتهم والجو المشحون فيما بينهما، ضيَّق ما بين حاجبيه بتعجب ثم تسائل باستغراب: 
_السلام عليكم، مالكم واقفين كدا ليه؟! انتوا كنتوا بتتخانقوا؟!! 

+



        
          

                
نظرت "زهراء" إلى والدتها بريبة خوفًا من فضحها أمام أبيها، بينما "نعيمة" زفرت بضيق وهي تُجيبه بهدوءٍ مُصطنع: 
_وعليكم السلام يا حَج، لأ ياخويا مكُناش بنتخانق ولا حاجة، إحنا بس شدينا سوا كالعادة مش أكتر. 

+


زفرت "زهراء" مُتنهدة براحة وكأنها كانت تكتم أنفاسها كل ذلك الوقت، لكنها استمعت إلى صوت أبيها المُوجه إليها بصرامة: 
_مش كبرنا على الخناقات مع أمك يا "زهراء"؟! 

+


ردت عليه "زهراء" على مضض: 
_حاضر يا بابا، عن إذنك هدخل أوضتي. 

+


قالت حديثها باختصارٍ شديد ثم اتجهت إلى غُرفتها قبل أن يبدأ أبيها في إلقاء مُحاضرة عن الأدب والأخلاق كعادته، بينما جلست "نعيمة" على الأريكة وهي تُتمتم بيأس: 
_ربنا يهدي سِرك يا بنتي. 

+


اقترب منها "عوض" جالسًا بجانبها، ثم وضع كفه على ذراعها بحنوٍ وهو يسألها: 
_"زهراء" مزعلاكِ في إيه يا "نعيمة"؟! 

+


لانت ملامح" نعيمة" عقب استماعها لنبرة صوته الحنون، استدارت برأسها إليه إليه ثم أجابته بابتسامة صافية: 
_متشغلش بالك أنت يا "عوض" بمشاكلنا، أنت عارف إن أنا و"زهراء" ناقر ونقير دايمًا، لكن في الآخر ملناش غير بعض. 

3


ربت "عوض" على ظهرها بحنوٍ ثم اقترب مُقبلًا جبينها بحب وهو يقول: 
_ربنا يعينك يا جَميل على تربيتهم ويديمك ليا. 

+


_تسلملي يا حَج. 

+


قالتها بامتنان وصمتت، لكنها على الفور تذكرت أمرًا هامًا لذلك تحدثت مُسرعة: 
_آه صح اتغدىٰ وانزل لأخوك الحَج "هارون" شوف فيه إيه. 

+


قطب "عوض" جبينه بتعجب وهو يتسائل: 
_في إيه يعني مش فاهم؟! أنا لسه طالع ومكانش فيه حاجة، محدش قابلني أصلًا. 

+


بدأت "نعيمة" بقص كل ما روته "رحمة" لها وهو يستمع لها بانتباه، وبعد أن أنهت حديثها، تشدق مُتعجبًا: 
_هيكون حصل إيه يعني؟! على العموم هاكل لُقمة وهنزل أتطمن على الوضع تحت. 

5


أومأت قائلة وهي تهب من مكانها مُسرعة: 
_وأنا هقوم أحط الأكل على السُفرة عشان تلحق تنزلهم.

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


لا تُعطينا الحياة دائمًا ما نتمنىٰ، أحيانًا تَخذُلنا بالتدريج إلى أن نتلاشىٰ. 

+


كان القلق ينهش بفؤاد "حنان" التي أتت من الخارج ووجدت ابنتها الصُغرىٰ موجودة في المنزل بوجهٍ مدمي وأعيُن زرقاء، أصابها الفزع وقتها، لكن حينما علمت الحقيقة منها استشاطت غضبًا وودعت شخصيتها الهادئة المُسالمة، وانتظرت بجانبها حتى أتىٰ زوجها "هارون" وأبنائها من الخارج. 

+


جلس "هارون" على المقعد بتروٍ مُستندًا على عُكازه الخشبية الغليظة، والتي تضفي وقارًا فوق شخصيته الصارمة، رفع أنظاره تجاه ابنته التي تنتظر أن يتحدث بفارغ الصبر، ثم أردف بهدوء: 
_ورقة طلاقك هتوصلك أول ما يخرج من المستشفى، وحقك لسه مجاش، أنا هجيبهولك تالت ومتلت عشان يعمل ألف حساب بعد كدا قبل ما يقرب ليكِ. 

3



        
          

                
اعترض "يعقوب" هاتفًا بخبث: 
_لأ سِيب الموضوع دا عليا يابا. 

+


ردد "هـارون" اسمه بتحذير: 
_"يعقــــــــوب"!! 

7


طمأنه "يعقوب" بقوله الهاديء قائلًا بضحك: 
_متخافش يا حَج، كله هيجي بالزوق وبالإحترام، أنا مليش في العنف. 

17


طالعه "هارون" بتهكم وكأنه يقول له 'حقًا'؟!، لكن "يعقوب" بادله النظرات ببراءة كما لو كانت حقيقية! 

+


وهُنا تحدثت "حنان" بغضبٍ يتزايد كلما وقعت أنظارها على وجه ابنتها: 
_الموضوع مينفعش يخلص بالسهولة دي يا حَج، أنا بنتي مش بنت شوارع عشان يبهدلها كدا ويورملها وشها بالطريقة دي! 

1


مدَّ "هارون" يده إليها ثم ربت على قدمها قائلًا بحنو: 
_متقلقيش يا "حنان" أنا عارف أنا بعمل إيه كويس. 

+


تحولت أنظار الجميع لـ"بدور" حينما تحدثت بصوتٍ مُتحشرج خالٍ من المشاعر: 
_طيب وهدومي وحاجتي كلها هناك، هجيبها إزاي؟! 

+


رد عليها "بدران" بخبثٍ وهو يهم من مكانه: 
_لأ من الناحية دي متشيليش هَم، أنا هروح أجيبلك كُل حاجتك دلوقتي. 

+


قطبت "بدور" جبينها باستغراب مُرددة: 
_دلوقتي؟! 

+


أكد عليها "بدران" بقوله العابث: 
_أيوا دلوقتي. 

+


اقترب منه "عمران" وهو يُعدِّل من ثيابه بغرور، ثم أردف بعبثٍ مُماثل لشقيقه: 
_وأنا جاي معاك، أنت أكيد يا حبة عيني مش هتعرف تشيل كل حاجة لوحدك! 

4


ضحك "بدران" وهو يغمز له بمشاكسة: 
_يبقىٰ يلا بينا يا حبيب أخوك. 

+


سارا الاثنين بموازاة بعضهمها البعض، لكنهما توقفا عِندما استمعا إلى نداء "هارون" المُحذر: 
_"عُمران".. "بدران"!! مش عايز مشاكل. 

9


استدار له "عُمران" نصف استدارة ثم قال بجدية: 
_ثِق فينا يا حَج. 

+


قالها ثم رحل هو وشقيقه لجلب احتياجات شقيقتهما بكلِ هدوءٍ دون أي مشاكل. 

2


راقب "هارون" أثرهما الراحل ثم تمتم مع ذاته: 
_ربنا يستر. 

+


فيما اقترب "بادر" من شقيقته حتى توقف أمامها، ثم بعثر خصلاتها بمشاكسة وهو يقول بمزاح: 
_كله عشان خاطر أختنا الغلطة. 

8


نكزته "بدور" في معدته بقوة أدت إلى تألمة، ثم صاحت به بحنق: 
_غلطة إما تشيلك، بابا جايبني بكل إرادته، صح يا بابا؟! 

+


تسائلت بالأخيرة وهي تنظر لأبيها، ليبتسم لها "هارون" باصفرار وهو يُجيبها بصدق: 
_لأ جيتي غلطة. 

17


علت ضحكات الجميع عاليًا بمرح، خاصةً بعد تشنج وجه "بدور" بسخط، لتتشدق بعدها "حنان" ضاحكة: 
_تعالي يا حبيبتي اقعدي جنبي وملكيش دعوة بيهم، أنتِ بنتي حبيبتي مش غلطة. 

+



        
          

                
ضحكت "بدور" بخفة وهي تتجه نحو والدتها، والتي بدورها قامت باحتضان بكل حبٍ وحنان، وهُنا شعرت "بدور" بالأمان، الأمان الذي يُلاحقها حيث وجود عائلتها معها. 

+


قاطع لحظاتهم العائلية صوت هاتف "حمزة" الذي صدح يُعلِن عن مُكالمة هاتفية، فتحه واضعًا إياه على أذنه للاستماع إلى الطرف الآخر، وبعد ثوانٍ من الصمت هتف باستعجال: 
_طيب تمام، نص ساعة وهنكون عندك. 

+


أغلق الهاتف ونظر لوالده الذي سأله باستغراب: 
_في إيه؟! 

+


أجابه "حمزة" وهو ينظر لـ"مصعب": 
_محتاجينا أنا و"مصعب" في الإدارة، شكل فيه مأمورية جديدة. 

19


تأفف "مُصعب" ساخطًا أثناء اعتراضه الطفولي البحت: 
_لأ بقى كدا كتير أنا تعبت، أنا هستقيل من الشغلانة اللي هتفقعلي المرارة دي. 

3


وهُنا تحدث "حمزة" بصرامة وهو ينظر إليه: 
_جرا إيه يا حضرة الظابط، يلا بسرعة اجهز عشان نمشي. 

1


وقف "مصعب" انتباه مؤديًا التحية العسكرية، ثم أجابه بمزاح: 
_تمام يا فندم. 

+


دفعهم "يعقوب" عنه ثم أردف باشمئزاز: 
_يلا يالا غور أنت وهو بقى. 

+


طالعاه بسخطٍ ثم اتجها إلى الغرفة لتبديل ثيابهم بأخرىٰ رسمية تليق بعملهم، لكن غدر "مصعب" بـ"يعقوب" وأفرغ زجاجة المياة المُثلجة في وجهه، مما أدىٰ إلى غضب الأخير وتوعده بالفتك به، لكن "مصعب" هرول إلى غرفته مُسرعًا وأغلق بابها، قبل أن يُطلِق ضحكة شريرة اتبعت بقوله: 
_فَلت منيه نيهاهاهاها. 

11


صدحت ضحكات "بادر" عاليًا دون أن يستطيع السيطرة عليها، لكن صمت بقلق عندما لاحظ نظرات شقيقه النارية التي يُحدجه بها، ولاحظ بعدها تشدد قبضته وكأنه مستعد لضربه، ليقول بعدها بصوتٍ متوتر: 
_هروح أنا بقى أشوف حالي وأحوالي، السلام عليكم. 

+


رد الجميع السلام، بينما "هارون" هز رأسه بيأس على أفعال أبنائه البلهاء، ضيق ما بين حاجبيه بقلق وهو يُلاحظ صمت "بدير" الغريب كُليًا، ليتسائل بريبة: 
_في إيه يا "بدير"؟! مش من عوايدك تقعد ساكت يعني! 

+


كان" بدير" شاردًا أثناء جلوسه، وفور أن استمع إلى سؤال أبيه؛ اعتدل ناظرًا إليه، ثم أجابه بصوتٍ متوتر: 
_ها؟! لأ مفيش حاجة يا بابا، متقلقش. 

2


_مقلقش؟! لأ ما هو سكوتك دا ميجيش من وراه غير المصايب وأنا مجرب. 

5


صمم "بدير" على رأيه وهو يقول: 
_عيب عليك يا حج مصايب إيه بس! خَلي في بطنك بطيخة صيفي. 

+


لم يقتنع "هارون" بحديثه بتاتًا، ورغم ذلك صمت لعلمه بأن ابنه لن يستطيع الصمت كثيرًا، تُرىٰ ماذا سيحدث له إن علم ما يخفيه؟! هل سيُصاب بجلطة؟! أم شلل؟! أم سيُحجز في العناية المُشددة لبضعة شهور؟! جميعها إجابات مُقنعة بعقل "بدير" الذي يُصمم على قتل أبيه بغبائه.

12



        
          

                
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


منذ نصف ساعة وهو جالس على مكتبه هكذا، منذ أن أخبره العميد بمناوبة أعماله كضابط شرطة مُنتظم، وذلك بعد أن أعطاه نصيبه هو وشقيقه من التوبيخ بسبب كسلهم، تأفف "مُصعب" بمللٍ وهو يرمي برأسه يُريحه للخلف، ظل هكذا عدة دقائق، إلى أن تمتم مع ذاته بتفكير: 

+


_أقدم استقالتي واشتغل مع إخواتي في محل الجِزارة، ولا أفتح محل شرابات أحسن؟! 

12


كان يُفكر بالأمر جِديًا بطريقة تُثير الضحك، قاطع أفكاره العظيمة صوت طرق الباب، أتبعه دخول العسكري مُؤديًا التحية العسكرية ثم أردف بنبرة صارمة: 
_في واحدة برا عايزة تقابل سيادتك يا فندم؟! 

+


ضيَّق "مُصعب" ما بين حاجبيه بتعجب وهو يهمس باستغراب: 
_واحدة عايزة تقابلني أنا؟! دا أنا آخر قضية مسكتها كانت من 2015.

10


رفع أنظاره تجاه العسكري الذي ينتظر إجابته، ثم أمره بهدوء: 
_دخلها يابني أهو نتسلىٰ شوية. 

+


أومأ له العسكري باحترام ثم اتجه للخارج وغاب لثوانٍ، ثم أتىٰ ومعه فتاة قصيرة بعض الشيء ترتدي بنطالًا واسعًا من اللون الأبيض، وبلوزة قصيرة زيتية اللون، وزينت وجهها الأبيض بحجابٍ من اللون الأسود، وما جذب أنظاره هي تلك النظارة الطبية الكبيرة التي ترتديها. 

23


اقتربت منه بعد أن أغلق العسكري باب المكتب، وظلت واقفة أمامه مُطرطأة الرأس دون أن تنبث ببنت شفة! وكأنها تلميذة مُذنبة أتت لتلقي العقاب من أستاذها. 

+


جعد "مُصعب" وجهه باستغراب ثم أردف بجدية: 
_اتفضلي اقعدي يا آنسة. 

+


رفعت عسليتاها تُطالعه بريبة وهي تُردد: 
_أنا؟! 

5


وفور استماعه لإجابتها الغبية؛ همس لذاته بسخرية: 
_دي هبلة دي ولا إيه؟! 

2


رفع صوته مُحمحمًا ثم قال: 
_أيوا أنتِ هو في حد غيرك هنا أصلًا؟! 

1


نظرت الفتاة حولها بغباء وكأنها تبحث عن وجود أخرىٰ غيرها، وما إن علمت بوضعها وسبب مجيئها هُنا، حتىٰ اقتربت بتروٍ من مكتبه ثم جلست على المقعد المُقابل له.

3


عدَّلت من وضع نظارتها الطبية وتحولت معالم وجهها مائة وثمانون درجة مما كانت عليها من قبل! ملامح أكثر جدية، صرامة، ووقار! وبهدوءٍ شديد تحدثت بثقة: 
_مع حضرتك يا فندم "روان إسماعيل" من جريدة حَنتيرة دَلعني دوت كوم.

65


تشنج وجه "مصعب" والذي تسائل باستنكار: 
_دا إيه دا؟! 

+


ردت عليه "روان" بجدية شديدة: 
_لو سمحت يا فندم متدخلنيش في تفاصيل، أنا جاية آخد منك كام معلومة وهتكل على الله. 

1



        
          

                
_أنتِ بتتكلمي كدا ليه معلش؟! 

2


تسائل بها "مصعب" غاضبًا، لتُجيبه 'روان' بجدية تخفي خلفها سعادة بالغة: 
_عشان تقدم فيا شكوىٰ لرئيس الجريدة ويطردني. 

15


مسح "مصعب" على وجهه بقلة صبر وحيلة، يُحاول أن يُطيل صبره وألا يصرخ بوجه تلك البلهاء التي تُثير حنقه، ما بال قدره يرمي في طريقه الأغبياء فقط! رفع أنظاره إليها عندما استكملت حديثها بتساؤل هام للغاية بالنسبة لها: 
_بالنسبة لحضرتك إيه الأفضل بالنسبة للمساجين، الفراخ ولا اللحمة؟! 

21


حسنًا.. هي غبية بالفعل هو لم يكذب، لذلك قرر أن يُجاريها ويرىٰ إلى أي مدى يصل غبائها، فأجابها بجدية مُماثلة لها تمامًا: 
_الكُفتة، إحنا هنا بنقدم للمساجين أجود وأحسن أنواع الأكل، عشان لما يخرجوا يبقوا مربرين كدا وفيهم لحمة. 

7


ابتسمت "روان" بخفوت وهي تقول بسعادة حقيقية لمعت داخل عيناها: 
_بسم الله ما شاء الله، ربنا يبارك في حضرتك وفي كل الظُباط اللي هنا. 

+


ارتسمت ابتسامة غير مُصدقة على فمِ "مصعب" الذي طالع غبائها بانبهار، هُناك أغبى من أخيه "بدير"؟! ياللهول! 

12


فيما أكملت "روان" حديثها بقولها الحزين: 
_تخيل يا حضرة الظابط إن فيه سجون بتقدم للمساجين رُز وسلطة بس؟!! 

8


استنكر الآخر حديثها وهو يشهق بعدم تصديق قائلًا: 
_يا ستار يارب؟!! هو إنعدام الإنسانية والضمير بقى بالسهولة دي؟!! 

13


لوت "روان" شفتيها بحزنٍ وهي تُوميء له، ثم قالت بضيق: 
_الرحمة اتشالت من قلوب البشر، بس نقول إيه بقى! 

+


جاراها "مصعب" في الحديث قائلًا وهو يُمصمص على شفتيه بقلة حيلة: 
_يارب البشر كلهم يموتوا. 

11


أومأت له "روان" بصمتٍ وانتظر أن تتحدث، لكنها مالت على حقيبتها وعبثت بداخلها قليلًا حتى أخرجت فجأة جهاز ميكروفون يُشبه المُسجل، ثم قرَّبته من فمه على بغتة بطريقةٍ مُبالغ بها وهي تتسائل بحماس: 
_إحساسك إيه وأنت إنسان؟! 

34


دفع "مصعب" يدها المُمسكة بجهاز التسجيل وهو يبصق ما بفمه، لقد أدخلته بفمه بالمعنى الحرفي حقًا! فتشدق بها صارخًا: 
_مُقرف، إحساس مُقرف الله يخربيتك على بيت معرفتك يا شيخة. 

14


استنكرت "روان" طريقته في الحديث مع فتاة رقيقة مثلها، فتحت فمه لتوبيخه، لكنها أغلقته بفزع عندما دخل العسكري مُهرولًا وهو يقول بفزع: 
_فيه هجوم إرهابي على القِسم يا "مصعب" باشا. 

6


لطم "مصعب" على صدغه بهلع، ثم صرخ به بخوفٍ عِند استماعه لصوت الرصاصات: 
_وأنت جاي تقولي ليــــــه؟!! اطلب البوليس بسرعـــــــة. 

53


رمش العكسري بأهدابه عدة ثوانٍ دون فِهمٍ وبغباء، ليقول بعدها بإيجاز: 
_"حمزة" باشا أخو حضرتك معاهم برا يا فندم. 

+



        
          

                
وهُنا أطلق عقله صافرات الخطر، ليهمس بخوفٍ وعدم تصديق: 
_"حمزة" أخويا؟!! 

+


ولم ينتظر لثانية أخرىٰ وانطلق مُهرولًا للخارج للإطمئنان على أخيه، بينما تلك البلهاء المدعوة بـ"روان" هرولت خلفه بجهاز المُسجل الذي تحمله وهي تصرخ به: 
_إحساسك إيه وأنت ظابط؟!! 

16


سبَّها "مُصعب" وسبَّ معرفتها الغبية وهو يُكمل طريقه للخارج، كانت أذناه تلتقطان صوت الرصاصات المتبادلة، لكن عيناه تبحث عن أخيه فقط، وفؤاده يطرق بفزع خوفًا من أن يُصيبه أي مكروه، جف حلقه خاصةً عندما رأى بعينه الإصابات، شاعرًا بالأرضِ تميد به! 

+


التقطت عيناه على بُعدٍ مُناسب شقيقه مُختبئًا خلف إحدى السيارات، لتنطلق منه زفرة مُرتاحة مُعبقة بالأمل، وبحذرٍ شديد هرول تجاهه حتى وصل إليه، انحنىٰ جالسًا بجانبه ثم سأله باستغراب وهو ينظر لحالته: 
_أنت بتعمل إيه؟!! 

+


رفع "حمزة" أنظاره إليه بعد استماعه إلى صوت شقيقه، ليرد عليه حانقًا وفمه مُمتليء بالطعام: 
_خدوني على غدر وأنا بتغدىٰ، وأنا مستحيل أسيب الطعمية تبرد عشان خاطر شوية مُجرمين حُثالة زي دول. 

32


والسؤال الوحيد الذي تسائل به "مصعب" هو: 
_أنت بتتغدىٰ طعمية؟! 

7


أومأ له "حمزة" بالإيجاب وهو يشرح له وجهة نظره العلمية: 
_الطعمية تنفع للفطار والغدا والعشا، وطعمها بيختلف من كل وجبة للتانية. 

10


فتح "مصعب" فاهه بانبهار مُتسائلًا بعدم تصديق: 
_بجد؟! أول مرة أعرف بجد. 

+


اعتدل "حمزة" مُتربعًا، ثم وضع أمامه ورقة الطعمية وأعطاه رغيف من الخبر ثم قال: 
_خُد دوق وجرب بنفسك. 

17


فعل "مصعب" المِثل وتربع أمامه، ثم بدأ هو الآخر بتناول دوائر الفلافل الشهية وتجربة نظرية أخيه المُبهرة بالنسبة إليه، تاركين الرصاصات تتبادل بين الطرفين وهُما جالسان يتناولان الفلافل الساخنة خلف سيارة الشُرطة المُصفحة! 

9


وعلى بُعدٍ آخر، اقتربت "روان" على غفلة من أحد المُجرمين المُلثمين، ثم سألته بحماسٍ وهي تُقرب جهاز المُسجل من فمه: 
_إحساسك إيه وأنت مُجرم؟!! 

46


رآها "مُصعب" على مرمىٰ عيناه، فتوقف الطعام في حلقه وهو يهمس بصدمة: 
_الله يخربيتك!!!! 

9


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


خائفة، ترتعش، وتتجرع دواء الخذلان من الأقرب إليها، ظلت "تسنيم" محلها على فراش المصحة تبكي بانهيارٍ وألم، وذلك بعد تعرضها للتعذيب على يدِ الأطباء، بعدما أوصىٰ ابن عمها على حالتها وأمره لهم بزيادة الصدمات لها لتُصاب بالجنون! 

4


انكمشت على ذاتها برعبٍ عندما شعرت ببابِ الغرفة يُفتح مُجددًا، وتلقائيًا بدأت بالبكاء الهستيري، بعدنا ظنت بأن وقت عذابها قد حان مرة أخرىٰ، هرول إليها ذلك الشخص وكمم فمها وهو يهمس لها بصوتٍ خفيض: 
_بس اسكتي، أنا جاي أهربك. 

13


طالعته "تسنيم" بعينٍ مُتسعة وعدم تصديق بعد توقفها عن البُكاء، عيناها قد خرجتا من محجرهما، هل يُعقل بأن الوقت قد حان للهروب من الجحيم؟! 

2


#يُـتْـبَـعْ. 
#أبناء_هارون. 
#شروق_حسن. 

+


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

+


حاولت بكل جهدي أن أضع الكثير بهذا الفصل وتوضيح دور جميع الشخصيات، لكن مهلًا! هذا جُزء صغير مما سيُعرض فيما بعد، الكثير من الأحداث والمغامرات على وشك الظهور إلى النور، فقد اربط حزامك واستعد للإقلاع. 

+


وككل مرة بعد أول فصل من كل رواية ببدأ فيها ببقىٰ مُتوترة جدًا خوفًا إن الرواية متعجبكوش، فأنا عايزة أعرف رأيكم المبدأي في الرواية!🤦‍♀️♥

46



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close