اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الحادي والاربعون 41 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الحادي والاربعون 41 بقلم عائشة حسين

♥️الواحد والاربعون ❤️
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ عَلّمَنَا اَلْحُبَّ
وَآخَى الْقَلْبُ بِ اَلْقَلْبِ
وَفتَحَ لِلْخَيْرَاتِ كُلُّ دَرْب
صَلُّوا‬⁩ ⁦‪عَلَى‬⁩ ⁦‪مَنْ‬⁩ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّتِي أُمَّتِي
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد💜

♥️♥️♥️♥️♥️♥️
منذ ما حدث وهو ينتظر، يتخبط في التأويل وتنعق فوق رأسه الأسئلة، هاتف والدته وسألها عنها فأخبرته أنها ذهبت لتقى قليلًا فأدرك أنها تعاني من زيارة مرام يمنكه الآن أن يدرك أنها تغار بشدة وعليه مراعاة مشاعرها الجديدة حديثة العهد.
هتفت والدته برزانة وفطنة (معلش استحمل طيشها وجنونها هي مش زيك يا ضنايا تجدر تكتم وتتحمل)
تنفس بعمق جلب له السعال الذي قطع أنفاسه وأقلق والدته عليه فسألته (في إيه يا حمزة بتكح واعر كدا ليه؟)
أخبرها بإنهاك حقيقي صاحبه تفكير مهلك لكل ما حدث ويحدث (شكله دور يا حبيبتي متجلجيش)
زفرت براحة قبل أن تقول بإنشغال وبما يشبه الرجاء (مش هتنزل جرّيب يا ولدي؟)
أخبرها وصوته يغيب في ضجيج الألم، يخفت رغمًا عنه فيواصل (مش عارف طالبين تجديد بتلت شهور كمان)
استنكرت والدته برفض،تتوسله ألا يفعلها ويغيب عنهما (لاااه يا حمزة متجعدش وتبعد عن مرتك كل دِه، انزل وخلي حسن يروح بدالك)
أجابها ببعض الوهن (حسن مبيحبش يسافر ومش هيرضى)
قالت بجدية وصرامة (لاااه هكلم هند وهقولها تقنعه)
أجابها بفتور وبغير اهتمام (ربنا ييسر)
واجهته بقوة تحاصره بظنونها وشكوكها (حمزة أنت خايف ترجع؟ وبتهرب من الرجعة؟)
صمت قليلًا وقد أصابت والدته بظنها كبد الحقيقة، تناول بعض الأدوية وأخبرها من بين السعال بهزيمة (أيوة مش عايز وخايف من حاجات كتير، أحنا كدا بعيد أحسن)
قاطعته بحده (مش أحسن يا حمزة، متغبش عن مرتك، هي مرفضتكاش كره ليك كان غصب عنها وخوف عليك)
تنهد مستسلمًا بفكر مشوش منقسم بين أفكاره فبادرت ورد بقلق (حاجة مرام الي في الشقة يا حمزة مش عايزة سكن تشوفها)
قطب بضيق وهو يسألها بعصبية (وهي ايه يدخلها تشوف؟)
هتفت بغضب وضيق (مش قبلت تنزل المطعم يبقى أول حاجة هتعملها هتدور وتشوف)
أخبرها حمزة ما ينتوي فعله (أنا بخلص فبيت تاني يا أمي وهنسيب ده بكل الي فيه ونجفلها عشان لما أمورنا تستقر سكن تتطمن وترتاح وميبجاش في حاجة مضيقاها)
ابتسمت ورد بإستحسان لقراره (ربنا يرضى عليك ويجبر خاطرك يا حبيبي)
أنهى الاتصال بإرهاق (سلام يا أمي هاخد علاج وأنام شوية لغاية ما ترجع سكن)
(طيب يا حبيبي أجر وعافية فرعاية الله)
أستلقى في الفِراش مفكرًا فيما حدث اليوم وشكها الدائم فيه فيما يتعلق بمرام وما يخصها حتى سحبه النوم لعالمه متمنيًا أن تمر الأمور بسلام
*******************
داخل قسم الشرطة بقنا وضع زين الهاتف واسترخى مفكرًا في حيلة يمكنه بها مصالحتها واستمالتها بعد ما كان، أخرجته الطرقات المتتابعة على الباب من شروده فاعتدل سامحًا للطارق بالدخول (في واحدة يا فندم بره كل يوم تيجي تسأل عليك وعايزة تشوف حضرتك ومصممة)
مال زين قليلًا سامحًا لها منتظرًا قدومها (دخلها)
دخلت بخطى متثاقلة، تخفض نظراتها أرضًا بخوف أثار انتباه زين الذي أشار لها (اتفضلي)
رفعت له نظراتها المذعورة شاكرةً (شكرًا)
جلست أمامه منكمشة وجهها مُخبأ خلف لفة غريبة ومبعثرة لحجابها، بينما يغوص جسدها في عباءة سوداء واسعة، سألها زين بعملية شديدة (خير يا ستي طالبة تقابليني ليه؟)
عدلت من وضع حجابها ورتبته مما سمح لنظرات زين بتأملها ومعرفة هويتها لكنه فضّل الصمت وإمتطاء الجهل لتدلو بدلوها دون حذر، ضيق نظراته فوقها وشجعها ببعض الحدة (خير يا ستي)
جذبها من شرودها واختطفها من توترها فقالت بتلعثم (جاية أعترف بحاجة وأخلص ذمتي جدام ربنا)
بدا باردًا بنظرة مستهينة وهو يشجعها بإشارة من يده (اتفضلي)
بللت شفتيها وهي تخطف من ملامحه نظرة مستشفة قبل أن تخبره بتلعثم (أنا حطيت لواحد مخدرات وسلاح فبيته وبلغت عنه واتحبس)
استنبط هو الشخص الذي تتحدث عنه والحدث الذي تذكره فسألها بمراوغة (اسمه إيه وامتى بالضبط والسبب هل حد وزك عليه ولاإيه)
قبضت على عباءتها تعتصرها متابعة (حسان….الي جتل عبدالحكيم عامر)
ابتسم بسخرية وهو يسترخي بظهره قائلا بإدراك كاذب(دي الجضية الي اتحكم فيها على حسان واتحبس وخد جزاته وطلع)
هزت رأسها بتأكيد فقال (مالوش فايدة اعترافك مش هيفيد ولا له لزمة روحي يا ست)
تحجرت الدموع في مقلتيها بحسرة وهي تخبره بوجع الندم (جيت أخلص ذمتي جدام ربنا، حسان مظلوم وحتى جتله لعبدالحكيم رفعت الي وزه ورتب كل حاجه)
استهان مما قالت بنظرة غامضة وملامح جامدة بعدما دفن مشاعره بأعماقه غير كاشفًا لها (بصي كل الي بتجوليه مالوش لزمة خالص لو في جديد يخلص الناس من شر رفعت جوليه مفيش خلاص اتكلي على الله أنا مش فاضي)
ابتلعت ريقها شاردة فيما قال وما تقبض عليه من معلومات تخص رفعت، تتأرجح مشاعرها القلقة ما بين الرغبة في الانتقام من رفعت والخوف مما تقدم عليه ووسط شتاتها قفزت لذهنها صورة حسان التائب ورغبتها الحقة في التوبة وإبعاد رفعت عنها لتستقيم حياتها (هجولك يا بيه كل الي أعرفه عنه وعن شغله وتجارته وربنا يسترها)
خبأ ابتسامته الحماسية وأشار لها بجمود (اتفضلي)
************
رفعت مودة هاتفها توبخ عالية على تأخرها (كل دِه يا هبابة أنتِ)
أجابتها عالية وهي تصعد لأول سيارة أجرة وقفت لها (خلاص يابت إن شاء الله مش هتأخر)
توعدتها مودة بضيق وهي تتطلع حولها رافعة كفها للأعلى تصد بها أشعة الشمس عن عينيها (ماشي يا عالية بس تيجي، هستنى وأمري لله)
استدارت منشغلة بوضع هاتفها في الحقيبة بعدما أنهت الاتصال واستعدت للتحرك والتجول بين المحلات حتى تأتيها عاليا لتجده أمامها يقف أمام باب سيارته ممسكًا بكوب عصير يرتشف منه ببطء بنظرات تقف عندها وتحاصرها، ارتبكت وتراجعت خطوة من تلك المفاجأة ثم استدارت هاربة، شعور بالسعادة تسلل يمزق زحام الضيق والغضب لقلبها متربعًا، تبخر كل شيء حينما رأت ابتسامته غمغمت وهي تتنفس بقوة (لا اجمدي احنا جولنا إيه خلاص)
همس من خلفها (مشيت اهو في الطريج الي بحبه عندك مانع)
إلتقطت أنفاسها واستدارت تواجهه بعصبية زائفة (زين لو سمحت أنا مش عايزة اتكلم )
رفع كوب العصير لفمه مرتشفًا ومازالت نظراته عندها ثم قال في تلاعب (هوأنا اتكلمت وبعدين باين على خدودك إنك مش عايزة تكلميني)
فغرت فمها بصدمة من إحراجه لها وكشفه ما تعانيه ورغبتها الكاذبة في مغادرته، ليهز رأسه قائلا (تعالي لتقعي من الشمس ضهري واجعني مفييش حيل أشيلك)
سحبها في مباغتة ومازالت هي في طور صدمتها منه، تستوعب هجومه القوي على مشاعرها وطريقته في إنهاء الأمور، فتح باب السيارة وأدخلها ثم التف وصعد جوارها قائلا (تشربي عصير)
استوعبت ماحدث وقالت بحدة (زين عايزة أنزل عالية هتيجي ومش فاضية)
قاد سيارته متجاهلًا حديثها يخبرها بتملك (تفضيلي يا مودة)
نظرت إليه بحدة واستنكار قبل أن تهتف بغضب (وأنت مبتفضاليش ليه؟)
ابتسم قائلا في إدراك (قولي كدا بقا دا في تراكمات وشايلة مني)
نظرت أمامها لاعنة الضغط الذي وضعها فيها وتهورها غير المحسوب، وإطلاقها الكلمات دون فلترة، أخبرها بانتباه للطريق (إيه رأيك نروح عند أمي نقعد شوية ونتكلم براحتنا واهي تشوفك هي وصاحبتك)
أشارت له برفض وضيق من قراراته المفاجأة وتحكماته (لا طبعا مينفعش وعالية دلوجت توصل)
أخبرها بهدوء وهو يقف بسيارته في مكان هادئ منعزل (طيب عايز اتكلم معاكي يا مودة)
نبرته الراجية الهادئة هدأتها هي الأخرى وسحبت منها موافقتها و رضوخها دون قيود (نتكلم هنا يا زين مفيش مشكلة)
فرك جبهته بتوتر لا يعرف من أين يبدأ ولا كيف يعبر لها عن مشاعره لن يعتذر مهما يكن ليتها تمرر الأمر دون مساومة على آسف منه.
(كلمت سكن تجهز الفستان)
طالعته مندهشة من تغيير رأيه، ليستطرد مخففًا من توتره بالمرح والمزاح (لو عايزين يجيبوا البدلة مفيش مانع النبي قبل الهدية)
وأدت الابتسامة التي حاولت الظهور وسألته بجدية (وإيه غير رأيك؟)
طالعها بعاطفة قائلا دون تردد (أنتِ)
حمحمت بتوتر زاد مع خجلها وتورد وجنتيها الشديد، ليبتسم وهو يميل بجزعة ناحيتها متابعًا (ميهونش عليا زعلك ولو دا هيبسطك مفيش مشكلة أبقا أختار حاجات تانية مهمة الفستان مش مهم)
طالعته بنظرة بريئة لا تفهم كلماته ومقصده، ليتابع مستمتعًا برد فعلها (هو أنا مش عايز فرح كبير ودوشة لو عالضيق يبقا حلو)
تنفست تسيطر على توترها وخجلها منه هامسة (مفيش مشكلة مش بحب الدوشة)
سحب كفها وضمه قائلا (هاخد أجازة وممكن نروح أي مكان بعد الفرح لو عايزة ممكن نسافر القاهرة نغير جو وتشوفي أختك وبعدها نسافر نتفسح فأي مكان)
هتفت بفرحة وعفوية أطلقت صراحها من خلف قضبان الجدية والصرامة (بجد يا زين هتعمل كدا)
تأملها مقتسمًا معها الابتسامة وهو يخبرها بتأكيد (طبعا، عشان زين الي طالعة منك حلوة دا أنا أبعت أجبلك حمزة وأختك من قفاهم مخصوص)
تضرجت وجنتها بخجل وهي تشكره برقة (شكرًا)
رن هاتفها فرفعته قائلة بإحباط غير راغبة في المغادرة وتركه، تريد البقاء معه قليلًا (عاليا) وضعت سماعات هاتفها تجيبها ليستغل هو انشغالها بمحادثة ابنة خالها والجدال الخافت المحافظ بينهما ومال مقتربًا يسرق من خدها قبلة بطيئة هادئة، تجمدت مكانها ترمش بذهول صامتة تطالع الشارع أمامها بصدمة لاتجيب على نداءات عاليا ولا ثرثرتها، حركت رأسها تجاهه ومازالت الصدمة تغلف إدراكها، رفعت أناملها تتحسس موضع قبلته ونظراتها تركن عند ابتسامته المنتصرة وراحة ملامحه وانتشاءه بفعلته، لتفيقها تلك النظرة المشتهية للمزيد وعدم ابتعاده عنها كأنه ينتظر إذنًا لاقتحام حصنًا آخر، همس بضحكة مكتومة وهو يرفع سبابته ويضعها فوق شفتيها مطالبا ببراءة كاذبة (مفيش إذن بإقتحام دول يا فندم؟ مشتاق والله)
تفاجئ بصرخاته الحادة المعترضة (عااااا)
ليبتعد عنها عائدًا لمقعده لاعنًا اندفاعه وغباءها، صرخت فيه (أيه الي حصل دِه)
قاد السيارة من جديد ساخرًا (هو أنا شاقطك يا مودة أنتِ مراتي)
قالت وأناملها ترتفع لموضع قبلته وتغطيه كأنما تقبض على الشعوراللذيذ داخلها وتمنع تسربه وتبخُر التأثير الذي تركته على جلدها وداخلها (لسه لما أروح بيتك يا حضرة الضابط) شعرت بالندم والخجل من تلك الأحاسيس التي تعربد داخلها الآن فطأطأت رأسها بخزي.
تأفف بغيظ من صراخها وغضبها وهذا الندم الذي يلوح داخل نظراتها، فألقى قراره (والله! طيب الأسبوع الجاي يا مودة ودا آخر كلام)
حاولت الإعتراض ومقاطعته لكنه حذرها بنظراته قبل كلماته (عملتلك كل الي عيزاه ريحيني مرة واحدة ووافقي من غير مناقشة)
صمتت بإستسلام مراعية له متقبلة رغبته بعد تنازله ومحاولته إرضائها، قالت بلين ورفق (ناجصني شوية حاجات يا زين)
قال وهو يتابع الطريق بنظراته (نتجوز وخلي صاحبتك تجيبهالك على ما نرجع من السفر)
عبرت نهيدة مستسلمة شفتيها قبل أن تهمس (طيب أمي مش هتوافج)
قال بحزم ناهيًا الجدل (سيبهالي هقنعها)
نظرت للطريق هي الآخرى ومازالت أناملها تستريح فوق خدها بشرود ظنه أحساسًا بالذنب والنفور فانقبضت ملامحه بضيق ليشرد هو الآخر في أفكاره المختلفة.
*************
قبل الفجر
لا تعرف سببًا لتهربها منه ولا تجاهلها أسئلته واتصالاته، فقط تعاني منذ ما حدث ومنذ ذهابها للعمل، تكثر الأقاويل حولها وتحيط التكهنات ساعات عملها بالمطعم، يتحدثون عن مرام كثيرًا ويقارنون أحيانًا فيردعهم هيما بغضب تسألها سماح عن عرسهما فلا تجيب وتصمت هاربة .
نهضت بتثاقل بعدما تأكدت من نوم ورد، هاربة من اسئلتها، من نظراتها الفاضحة لما بين ضلوعها من خوف، من ملاحقتها اضطراب نفسها الخفي وزعزة الثقة بأرضها،من تلك الخروجة التي أصرّت عليها، متعللة أنها سترافق زملائها للاستمتاع قليلًا ولن يحدث شيء حتى أنها أخبرتها كذبًا بموافقة حمزة،حمزة الذي انعزلت عنه وأغلقت الهاتف متعمدة بعد عودتها من المطعم ومن بعدها خروجها وعودتها مع حسن وسماح وبعض الزملاء.
تسللت بقلب يخفق بجنون يصرخ داخلها بتحذير ألا تفعل وتقع في فخ الماضي فلتدفنه مع صاحبته وتواريه خلف تراب النسيان، حبيبها لها وحدها ولن يكون لغيرها فلماذا تعذب نفسها وتحرقها، فلتضرب بفأس الحقيقة أصنام الهواجس وتنجو بعشقها،
فلتخنق الظنون داخلها بدخان اليقين، هو لها وانتهى بين يديها وملكًا لها وكفى، لحظة جنون منها غير محسوبة العواقب قد تكلفها الكثير... انحنت مستندة بكفيها على ركبتيها تشهق من شدة النزاع داخلها
فضولها اللعين يلف حباله الغليظة حول رقبتها ويخنقها لتنصاع خلف إرادته، أما غيرتها فتلك قصة أخرى تقودها ببصيرة مشوشة تعصب أفكارها وضميرها بخرقة ملوثة.
مسحت دموعها وانساقت خلف رغباتها ثملة بمنقوع الفضول والغيرة تتطوح في لذة قاتلة، مُعذبةً ببغض أفكارها وسوء تقديرها للأمر..
سحبت المفتاح من جيب بنطالها نظرت إليه بكفها تمنح نفسها فرصة للتراجع، نظرتها إليه مزعورة تظنه مفتاح الجحيم الذي تنساق إليه بكامل رغبتها ففي حالتها الجهل نعمة تُحسد عليها والمعرفة نقمة لحياتها.
حزمت أمرها ورفعته مطلقة تنهيدة الخلاص، طردت التردد والخوف وارتضت العذاب كأسًا تتجرعه ببطء
نظرت خلفها خائفة تترقب، خجلة مما تفعله تهاب ورد و رد فعلها لو رأتها.
دخلت ملتقطة أنفاسها تركت المطبخ الفارغ إلا من القليل المفيد، وتخطت الحجرة الصغيرة التي كان يقيم فيها قبل سفره متجهةً لمخبأ أسراره وصندوق ماضيه الأسود، ركض الندم خلفها يريد الاستئثار ببعض من وعيها واحتلال أفكارها لتتوقف وتتراجع لكنها هربت منه بجحود، ركلته بحذاء فضولها اللعين حتى وصلت، دخلت الحجرة ولا تعلم لما تساقطت دموعها بغزارة، وكأن تلك الحجرة وهذه الجدران الأربعة تشاركها فيه، تحتفظ بجزء منه ممزوجًا بجزء من أخرى.
تأملتها بروح خاوية، دققت النظر فيها وكل نظرة منها كانت سياطًا من نار تلهب روحها وتلظيها في الجحيم.
حقيبة متوسطة وبضع صناديق مقفولة، وبعض الأشياء المتناثرة.
كل شيء يحمل طابعه هو، دخلت وأغلقت خلفها الباب، انتزعت أقدامها انتزاعًا حتى وصلت للصناديق ألقت عليها عذابًا منها وبعدها جلست أمامهم على ركبتيها، مدت كفها لتفتحها لكن كفها تعلقت في الهواء برفض قلبها يمد أذرعه ويمسك بها رافضًا، فشل في إخضاعها وفشلت هي في كبح فضولها وتلجيمه بالتجاهل، فضت الصناديق وافترشت محتوياتها أمامها تقلب فيها بقلب ينزف من طعنات تصميمها الغادرة بعدما سرقت أمانه ورضاه..
منذ ماحدث مع العطور التي أحضرتها وبداخلها هاجس غريب أنه يعيد معها الماضي، يستغل جهلها ويرسم لها طريقا سلكته أخرى، هي له وسيلة يستعيد بها ذكرياته لا تعرف أي شيطان هذا الذي يوسوس لها.
تأملت صورهما معًا، تلوت حسرةً بضحكاته التي سجلتها الصور، نحرت سكين الغيرة قلبها ألف مرة وهي تطالع نظراته المختلسة لزوجته، والأخرى الموجهة إليها بقوة كأنه يريد إخبار العالم أنها له، تخصه وأعظم ما منحه القدر له.
دموعها الغزيرة انسكبت فوق الصور احتضنت ملامحه وأغرقت ملامح الأخرى وشوهتها، واصلت تعذيب ذاتها برؤية مقتنايته، هداياها وأوراق حملت توقيع عشقها وتوقيع قبوله هواها، قبضت بنظراتها على كلمات عشقهما كما تقبض على الجمر.
حتى الملابس التى أحضرتها له مرام، يطويها بقدسية وعناية داخل أكياس مرقمة بالتاريخ والحدث.
الكثير منها رأته قبل زواجهما يرتديها، جاء بها أكثر من مرة وها هو يصونها بمتحف عشق ويحميها لتبقى ذكرى له، كلما حنّ زارهم.
غاصت بأقدامها في وحل العذاب حتى ابتلعها، قرأت مفكرته ورسائله، ضحكت وبكت معهما..
ترى حمزة آخر غير الذي تعرفه، ضحوك، الحماس والعشق يطبعان على ملامحه.
وهي مرام تشبه الصغيرة كثيرًا بلون خصلاتها البني اللامع وعينيها عميقة النظرة التي تتبدل كلما نظرت إليه، شفتان كرزيتان تتسعان بإبتسامة مهلكة له وحده في كل الصور، أنف دقيق يداعبه بأنفه في العديد من الصور. جسد ممشوق بمواضع فتنة واضحة... تركت الصور بعدما ألقمت فضولها وراحة بالها نارًا ستأكلها.
استندت بظهرها للحائط رافعة ركبتيها لصدرها تحيطهما بذراعيها باكية.
شهقت ورد حين رأتها على وضعها هذا، جلست جوارها متهالكة بالظنون، احتوتها بين ذراعيها أولا فلا قسوة فوق أرض محبتها وتفهُمها الآن فقط حزم رفيق وعتاب حاني (دخلتي ليه يا بتي؟ غاوية عذاب؟)
تشبثت بأحضان ورد منكمشة، متقبلة عطاؤها وممتنة تدفن وجهها متهربة، شهقاتها تفضي بالمكتوم داخلها وآناتها المتوجعة تكشف عورة غيرتها الشديدة مما رأت.
ربتت ورد على رأسها هامسة ً(باب واعر فتحتيه على جلبك يا حزينة، باب حمزة جفله)
تابعت البكاء وتابعت ورد الحديث (لو مكانش بيحبك مكانش فرط فجشايه منها ولا حد من ريحتها، خمس سنين بطولها وعرضها جافل الشجة عليها وعلى حاجتها ،من يوم ما ماتت وهو حابس جلبه هنا مع حاجتها لغاية ما شافك،دا أنا أمه مفلحتش معاه فكلام ولا سمعني ولا عمري اتخيلت يفتحها ويلم الي فيها كله،كل حتة فيها اختاروها مع بعض وليها ذكرى فجلبه بس عشانك فرط فيها ومهموش،
ثم أشارت للملابس مبتسمة تخبرها (الهدوم دي الي كان لو لمسها حاجة الاقيه مش على بعضه زي المجنون، يغسلها ويكويها ويلبسها، اهو رماها فكياس بعيد عنه وعنك وأنتِ متعرفيش حتى انها تخصها ولا كان بيحب يلبسهم، صان جلبك واحترم مشاعرك وخزنهم فركن بعيد عشان يفضي حياته وجلبه ليكي لوحدك، زي الكراتين دول كدا فركن لوحدهم سابهم أصل منه مش أكتر بس لو على الي في الجلب فمفيش غيرك يابتي)
رفعت رأسها أخيرًا وواجهت ورد معترفة بلوعة (بحب حمزة يا عمتي وغصب عني)
ابتسمت ورد بحنو وتقدير قائلة وأناملها تمسح دموعها بينما كلماتها تمسح الوجع (عارفة ومن أول يوم شوفتك عرفت وفهمت، كدبتي حالك وداريتي واتعذبتي وبعدتي والجلب غالب وأمر الله نافذ)
بررت لها بخجل(غصب عني دخلت، من ساعة ما جات مرام المطعم وجلبي مبيهداش)
بكفها الحنون مسحت لها دموعها متفهمة تحتوي شتاتها (عارفة ولسه هتعملي أكتر من كدِه)ختمت قولها بإبتسامة واسعة ثم أردفت(غيري عليه واطلعي وانزلي بس متشكيش فيه ولا تسيبيه ولا تظني فيه غير الخير، ابني لنفسك فجلبه جصر كبير حراسه أمان وثقة ووطمأنينة)
أخفضت بصرها في خجل مما ستنطق به ثم همست برجاء وهي تخفي وجهها المشتعل بصدر ورد (خليه يرجع يا ورد)
ضحكت ورد قائلة (ماشي بس توعديني الباب دِه ميتفتحش وتردمي على الي فات مع جوزك ولا تفكريه بيها ولا تسأليه عنها، متشغلهوش غير بيكِ)
أحمرت وجنتاها بحياء وهي تهمس بطاعة (ماشي)
نهضت ورد مستندة على الحائط تأمرها بحنو وحزم رفيق(جومي اطلعي واجفلي عليها)
سألتها سكن وهي تلملم خصلاتها (صحيتي ليه يا ورد؟)
طالعتها ورد بنظرة عميقة ينبثق منها نور المعرفة قائلة (شوفتك بتدخلي وجوزك رن عليكي كتير)
لم تفهم أن ورد لم تكن مستيقظة حين رأتها وأن ولدها أحس هو الآخر وأصابه القلق الذي دفعه ليهاتفها ويأنس بها وبحديثها الذي لا يمله
(جومي يا ضنايا اغسلي وشك وردي عليه اتونسوا ببعض)
غادرت لفراشها انكمشت تحت الدثار ممسكةً بالهاتف بينما تكفلت ورد بغلق الشقة وإبعاد مفتاحها عن تلك العنيدة التي تجلد قلبها بالذكريات.
أجابت اتصاله بسرعة (أيوة يا حمزة)
هتف بصوت متحشرج (فينك يومين مختفية وجافلة أو بتشوفي وتطنشي)
انتبهت لصوته وسعاله الجاف المتكرر (مالك يا حمزة؟)
سلب أنفاسه سلبًا وسألها بغضب (بسألك في إيه؟ وأنا ذنبي إيه إن مرام تيجي؟ هو أنا الي كلمتها ولا أنتِ الي عملتي كل حاجة؟)
ختم كلماته بسعال حاد جعلها تنتفض معتدلة ( ممكن تهدأ أنا آسفة والله كنت متضايجة شوية)
قال بعصبية وهو يهرّب الكلمات من بين أنفاسه المتسارعة (أنا مش جولت تكلميني تفهميني، متجفليش على ظنونك وأفكارك وتحكيلي الي مزعلك، جولت ولا مجولتش يا سكن؟)
هزت رأسها وهي تهمس برجاء(ممكن تهدأ عشان متتعبش)
هدر بغيظ (سيبك من تعبي دا لو يهمك أصلًا وخليكي معايا وردي عليّ)
بكت في ألم وضيق لأجله وندم مما تفعله (يهمني يا حمزة وميهمنيش غيرك)
رد لها بضاعتها (ليه أصدجك وأنتِ مبتصدجنيش؟)
توقف يلهث قبل أن ينقلب سعاله لقي شديد جعله يترك الهاتف ويبتعد وتظل هي أسيرة خوفها وقلقها عليه.
عاد بعد قليل منهكًا فسارعت بلهفة (أنت كويس يا حمزة)
أجابها بإختصار ووهن شديد (لاااه مش كويس يا سكن، طول ما أنتِ كدا مش هبقا كويس عمري،مش متحملة أنتِ كلام واصلك من غيري طب وأنا؟ أنا أنتِ الي جولتيلي الكلام مسمعتوش من حد لغاية دلوجت مستني منك تفسير وتوضيح محصلش… ولا يكونش أنتِ بتحبيني وبتغيري بس أنا لا والله مستبعدش إن دا تفكيرك اصلا)
قاطعته ببكاء (خلاص يا حمزة)
ضاقت أنفاسه فوقف يرتدي الجاكيت منهيًا الاتصال (متكلمنيش تاني غير لما يكون عندك تفسير لكل كلامك و رد على أسألتي يا بت عمتي وجدامك شهر تفكري وتقرري فيه هتكملي معايا يا بت الحلال ولا لاااه عشان أنا تعبت بجد والخطوة الي بنتجدمها بنرجعها عشرة)
بكت بحرقة حينما هتف بأنفاس متقطعة (سلام)
غادر للمشفى وبقيت هي على حالها متدثرة بالغطاء تبكي بلوم لنفسها وعتاب، مختبئة من ورد تخفي عنها ما حدث وتكتم تعبه حتى لا تقلق، حينما جاءت ورد توقظها لأداء صلاة الفجر تصنعت النوم فلثمت ورد جبينها داعيةً لها وتركتها مشفقةً عليها.
في الصباح استيقظت لتجد نفسها ممسكةً بالهاتف، تذكرت ما حدث فانتفضت تحاول مهاتفته للاطمئنان عليه، يئست من رده فكتبت (حمزة عامل إيه؟)
قرأ وتجاهل لتكتب متوسلة (طمني عليك عشان خاطري)
كتب بإختصار دون عاطفة (في المستشفى ومتجوليش لأمي)
كتبت بلهفة وبكاء لا يتوقف (ألف سلامة يا حمزة)
مسحت دموعها وتركت الفِراش لتطمئن على عمتها، وبعدها تبدأ يومها،
فضت رسالة زين التي تركتها معلقة لاتقوى على فضها ولا طاقة لديها لتفعل
فهذا المتعجرف يثير جنونها ويستجلب غضبها بكلماته، لتأتيها الرسالة عكس ما توقعت(ازيك يا خالة العيال هتكملي الفستان ولا قلبك أسود زي خالك ومش هتعديها؟ إن شاء الله يكون أبيض وتكمليه ولو تجيبوا البدلة كمان أكون شاكر معنديش مانع، مش هنزعل خال وخالة العيال خليها علينا المرة دي بس انجزي مش ناقص عطلة)
تسللت لثغرها الابتسامة وملأها الحماس ، صلت فرضها وقرأت وردها ثم تناولت فطورًا خفيفًا سدت به جوعها وبعدها جلست لتخبر ورد ببشاشة (زين كلمني يا عمتي وعايز الفستان فأجرب وجت)
تهللت ورد مستحسنة قراره ( ألف بركة ربنا يهديه، ويهدي سرهم)
همست سكن بإنشغال (يارب)
سألتها ورد بفطنة (كلمتي حمزة؟)
أخبرتها بإضطراب وهي تتهرب من نظراتها الثاقبة التي تعري أفكارها (أيوة بس مشغول)
هتفت ورد غير مقتنعة خاصة بهيئة سكن الغريبة وشرود نظراتها المقلق(ماشي يا بتي)
لتخبرها بعدها بحماس (جومي يلا عايزين ننزل نشتري حاجة الفستان)
اتسعت ابتسامة سكن وانتقل حماس ورد لها لتنهض واقفة (هروح ألبس ونطلع واهو نتمشى شوية)
نهضت ورد هي الأخرى قائلة (هكلم إبراهيم يجيب أمه وأخواته ونطلع كلنا نغيروا جو)
غادرت سكن للحجرة بفكر منشغل، ارتدت ملابسها وتركت له رسالة بما تنوي فعله اليوم وتوسل حار منها (عايزه أسمع صوتك)
أرسل لها رسالة صوتية مختصرة وبعدها أغلق هاتفه (أنا تمام بخير)
دفعت الهاتف داخل حقيبتها وخرجت في استعداد للخروج بعدما ارتدت ملابسها.
**********
وفي المطعم وقف حسن حائرًا متخبطًا ينتظر قدومها الذي تأخر، من وقت لآخر يترك عمله ويخرج متطلعًا لباب المطعم ولحجرة حمزة المنعزلة، يصاب بالخيبة فيعود لعمله تحت نظرات الجميع المندهشة من حالته الغريبة جاء هيما فاستقبله حسن بلهفة مكشوفة وهو يندفع تجاهه(إبراهيم هي سكن أجازة؟ )
قطب هيما قائلا (أه مش هتنزل النهاردة)
سأله بإندفاع وقلق (ليه خير تعبانه؟)
زادت تقطيبة هيما ودهشته ليبتسم حسن بتوتر مصححًا (كانت متحمسة لحقت تكسل)
رفع هيما حاجبه قائلا بضيق (براحتها هي بتسلي وقتها لغاية ما يرجع حمزة مش أكتر)
هز حسن رأسه بتفهم ضائقًا من حالته وعدم حفاظه على ثباته وتهوره، ليعود هيما الذي قطعه من خطوات قائلا (آه حمزة بيسأل عليك بيقول مبيردش ليه)
شعر حسن بالحرج فتعلل قائلا (ضغط شغل هبقى أكلمه)
غادر إبراهيم للداخل ليبدأ العمل بينما انسحب حسن لمكتبه بقلة حماس ورغبة قوية في المغادرة، جلس خلف مكتبه شاردًا يريد رؤيتها ولا يستطيع السيطرة على هذا الشعور أو كبحه، كلما رأها شئ ما تحرك داخله، ضحكتها كفيلة بإسعاده لا يمل من مراقبتها وتسجيل كل شاردة وواردة منها، شقاوتها المحببة تمنحه يومًا رائعًا، حديثها العفوي يأخذ قلبه، يحاول تذكير نفسه دائما أنها زوجة أقرب أصدقائه لكنه لا يقدر ينجذب إليها كما تنجذب الفراشة للهب
وتلك الأحلام التي بدأت تغزو عقله وتدفعه ناحيتها دفعًا لا يستطيع إيقافها
هل لقلوبنا سلطان؟ زفر بيأس من شعوره ناحيتها الذي يكبر ويتضخم ويلتهم راحة باله، يشعر بالذنب تجاه صديقه، ضميره يؤنبه بشدة لكنه لا يستطيع الإبتعاد.
زفر بقلة حيلة وهو يمسح وجهه مستعيدًا رباطة جأشه،يحاول أن يصرف أفكاره عنها لكن هيهات يجد نفسه منغمسًا في التفكير فيها بضياع وهلاك.
اقتحمت هند الحجرة قائلة (مالك يا حسن سيبت المطبخ ومش مظبوط؟)
أجابها بفتور وإنشغال وأنامله تنقر فوق اسمها برغبة في مراسلتها (مفيش مرهق)
استندت بذراعيها على المكتب تسأله بفطنة (متأكد؟)
أجابها بملل ومازالت نظراته تركن فوق اسمها بتردد (آه)
أغلقت هند الباب وعادت إليه هاتفة بحدة (حسن ركز معايا لو سمحت)
وضع هاتفه وانتبه لها زافرًا بقنوط، منزعجًا منها ومن نفسه (إيه يا هند في إيه؟)
سألته وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها (أنت الي في إيه؟ متغير ومش مظبوط)
نهض متأففًا من محاصرتها وحدتها (مالي في إيه؟ لو عالشغل تعبان عادي واهو هروح أشتغل تمام يا هند؟)
قطعت عليه الطريق ومنعته المغادرة قائلة (حسن الشويتين دول مش عليا؟ اتظبط وكلمني كويس فيك إيه؟)
وقف مشبكًا كفيه ببعضهما قائلا من بين أسنانه (مفيش حاجه، شكلك فاضية)
واجهته بصرامة كاشفةً له دواخله الواضحة والمتعرية(مش على بعضك ليه؟ وكل شوية تسأل عن سكن)
هز كتفيه في لا مبالاة و تصنع (عادي مش بتشتغل معانا ومرات صاحبي)
هتفت هند بجدية ورزانة (اهو قولت مرات صاحبك ومش أي صاحب دا حمزة عشرة العمر والحلوة والمرة)
داعبت وترًا حساسًا بقلبه فارتبك قائلا (بتقوليلي كدا ليه وقصدك إيه؟ )
تنهدت هند بإنهزام وهي ترمقه بشفقة قائلة (قصدي الي فهمته ياحسن ياريت تخف اهتمامك بسكن عشان محدش ياخد باله أكتر من كدا لو سمحت)
هتف بعناد ومكابرة متهربًا منها ومن ضميره الذي يوخزه بشدة (شكلك اتجننتي)
تخطاها متجهًا لباب الحجرة فاستوقفته بتحذيرها شديد اللهجة (متسبش نفسك يا حسن ومتضيعش كل حاجه وتهد الي بنيناه وتعبنا فيه وتفرقنا)
وقف يستمع مطرق الرأس فقالت بتفهم(عارفه إن أحيانا بيبقى غصب عننا بس ياريت تتحكم فنفسك وتفكرها دايما إن حمزة ميستاهلش منك كدا)
فتح حسن الباب وخرج يقلب كلمات هند بعقله بينما شيعته هي بحسرة (ربنا يهديك يا حسن)
***********
نظرت إلي صوره نظرة طويلة غارقة في العشق ملتفة بالغرام لا تمل،بل تحفظ منه ما يغني قلبها ويسكن وجعه ثم عادت لهاتفها تكتب حين أثير الجدل على بوست خاص بدكتورتها تقى تسأل فيه (أكتر حاجة بتخافوا منها وبتوجعكم)
كتبت بآسى وتنهيدة حطام تغادر صدرها (إني أتحرم من الكلام معاه وأنا الي مبحبش غير كلامه، كل مرة اتخاصمنا اتمنيت سمعي يقف لغاية ما يرجع ويكلمني تاني)
قرأت عالية كلماتها فانقبضت بحزن وضيق لأجل صديقتها فدخلت إليها مستفسرة قبل أن تجلس جوار جدتها ووالدتها متسائلة وهي تمسك بهاتفها وتنقر فوقه في سرعة منتظرة رد سكن (أماااا غايب مني سلسلة وشوية حاجات مجابلتهمش هنا ولا هنا جلبت عليهم الدنيا)
وضعت نفيسة على رأسها قائلة بوهن (ولا شوفت حاجة حتى جدتك غايب منها خاتم)
رفعت عالية نظراتها من على الهاتف مستنكرة (غريبة)
تأوهت نفيسة وهي تعصب رأسها المتألم (جات على دي هو البيت اتعفرت من ساعة ما جات وش الشوم كريمة)
ضيقت عالية نظراتها فوق وجه والدتها مصرحةً (يكونش بتسرجنا بت المركوب دي؟)
أخبرتها والدتها بيأس (متستبعديش يا بتي هي دي حد عارفلها أصل، وأهلها الي بتجول عليهم شكلهم حلب وغجر)
هتفت عالية بإمتعاض وهي تعود بنظراتها للهاتف مراسلةً سكن (مجايب ولدك الحيلة وممكفهوش خيبته عايز يخيبني معاه)
هتفت نفيسة بحدة وتصميم (على جثتي، هو دِه الي ناجص كمان بت الحسب والنسب تتجوز واحد مهبّل، دا أنتِ جالك أسياد البلد ورفضتيهم)
ابتسمت عاليا بإطمئنان لمؤازرة والدتها ووقوفها جوارها في هذه المحنة… أحاطتها بنظرات ممتنة قبل أن تكتب لسكن (فينك يا حزينة؟)
أجابتها سكن برغبة ميتة (جاعدة هروح فين؟)
سألتها عاليا وقد نفذ حزن الأخرى لأعماقها (مالك يا بت متخانجة مع حمزة؟)
أجابتها سكن مؤكدة بحسرة وقهر (أيوة)
تأسفت عالية على حالها وكتبت تشاركها حزنها (ليه بس مش كنتوا حلوين؟هو أنا حسدتكم ولا إيه؟)
كتبتها عالية شاعرة بالذنب لتمحوه سكن بلطفها (لاااه اطمني أحنا يوم متصالحين وعشرة لااه منتيش السبب ولا حاجة)
(ليه بس يا سكن في إيه؟ انتم الأتنين بتحبوا بعض ورايدين بعض ليه الخناج؟)
أخبرتها بصدق (دماغي بتسوحني ساعات يا عالية، مش عارفة انسى مراته ولا الي بسمعه عنها وعنه بموت يا بت)
ناقشها عاليا برزانة (متسمعيش سدي ودانك،وشوفي بعنيكِ دي ماتت يا بت وخلاص هتغيري من واحدة ميتة يا مخبولة)
تنهدت سكن بحزن موضحة لها (مش بجدر والله ولما شوفت حاجتهم وكلامهم وجواباتهم مُت وحييت ألف مرة )
عاتبتها عاليا بتوبيخ لاعنة تهورها (وشوفتيهم ليه يا أم مخ تخين، غاوية نكد وحِزن)
كتبت محترقة بندمها (اهو بعذب فنفسي وخلاص)
كتبت عالية(ما أنت كنتي متجوزة وبتحبي هشام دا كفاية روحتك لحمزة وإجبارك ليه عالصلح عشان تتجوزي هشام وإنك تجوليله ريداه، حمزة عمره جابلك سيرة ولا سألك أو فتش وراكي أو رمالك كلمة زعلتك؟ )
كتبت سكن بتفكير (لاااه ولا مرة)
ناقشتها عاليا بفطنة (هل دِه معناه إن حمزة مش بيغير عليكي؟أو مش بيحبك؟)
شردت قليلا متذكرة بعض المواقف لتكتب (لااه بيغير جوي يا عاليا)
كتبت عالية (يبجا كتر خيره متحمل وساكت وأنتِ لسانك مبيجصرش أنا عارفة) تابعت عاليا مشفقة عليها (يابت راعي لجوزك أنتِ كده مبتنسيهوش لااه زي الجوجة العفشة عماله تفتحي في الجديم وتفكريه بدل ما تطنشي وتنسيهاله)
كتبت مؤكدة (عندك حق يا عاليا بتفهمي)
مازحتها عالية (يكش بس تفهمي و متطلعهمش من الودن التانية)
ضحكت سكن ليسألها عمها الذي كان يجاورها الآن (أخيرًا ضحكتي)
رفعت له رأسها تجيبه ووجهها الشاحب يحتفظ بالابتسامة (عاليا الله يصلح حالها)
ابتسم حسان بخشونة قائلا (جالتلك إيه بت رفعت ضحكك كدِه؟)
أخبرته سكن بما قالته رغبةً منها في أن يعطيها رأيه ويجود عليها من واسع معرفته وتجاربه، ابتسم بإستحسان وقبول (جدعة بت رفعت)
همست سكن بضياع وتشتت (أنا تايهة ياعم وحالتي حالة؟)
أخبرها حسان بمكر وهو يمرر أنامله فوق حبات مسبحته الخشبية (بجولك إيه لو خايفة تسيبي حمزة عشان هترجعي النجع سبيه وعيشي معايا هِنا ورزجنا على الله ومحدش هيجدر ياخدك ولا يرجعك)
انتفضت بغضب، قالت في حدة شديد (بدل ما تريحني ياعم وتشور علي ّ تجولي أسيب حمزة)
رمقها بطرف عينيه في هدوء قائلا (دي شورتي ليكِ أنتِ متعذبة ومش جادرة تتحملي خلاص فارجي بالمعروف واهو الراجل كتر خيره متفهم)
حزنت أشد الحزن من كلماته ليستطرد بحكمة (هو تلاجيه بيتعذب زيك وأكتر ما أنتِ كنتي متجوزة وليكِ جصة هو كان شاهد عليها مسمعش عنها زيك، وفوج دِه كله شكلك مجصرتيش ولسانك كمان)
مطت شفتيها مؤكدة ببداية بكاء (مجصرتش خالص يا عم خرباها علطول)
أكد حسان بإبتسامة مخفية ( خلاص هو ولد أصول وكاتم فنفسه ومتحمل بس أنتِ لااه،يبجا شيل دِه من دِه يرتاح دِه عن دِه وعيشي وياي )
تساقطت دموعها برفض لا تستسيغ قوله ولا تتقبله (مجدرش يا عم والله أموت)
ابتسم لها حسان بحنو ناصحًا لها في مودة ولطف وهو يميل ناحيتها(خلاص حاوطي على جوزك وراضيه متسلميش ودنك لشياطين الأنس، عنده ذكريات جديمة اعمليله كدها عشر مرات جديد)
مسحت دموعها مبتسمة برضا واقتناع وهي تخبره بمرحها المعهود (نطلع بس العفريت الأول يا حسان وبعدها نشوف)
قال في همة وحماس شديد (اتصلي على عمتك أم إبراهيم تيجي)
اهتز ثباتها وغاص قلبها في خوف تفهمه وشعر به فربت على خدها مطمئنًا (اطمني خير)
سألته بإرتجاف ونظراتها تتعلق به (دلوجت يا عم؟)
أجابها بطمأنينة وآسف حقيقي (خلاص يا ست البنات)
تركها وانشغل عنها حتى تأتيه أخته، رفعت الهاتف وراسلته (آخر جلسة دلوجت يا حمزة كان نفسي تكون جنبي زي كل مرة تعبت فيها ومكنتش تسيبني، الخوف خوفين من غيرك)
رمت الهاتف تخشى أن تُذبح بتجاهله، لكنها رن ينبهها لقراءته ورده عليها لتطمئن (سلامة جلبك من الخوف، اطمني الجسم فارق بس الروح معاكي يا سكن مفارقتكيش يوم)
ابتسمت ممتنة لتفهمه واحتوائه رغم حزنه منها وغضبة خاصة مع صمتها ونأيها بنفسها عنه وعدم إجابتها أسئلته حتى الآن.
بعد دقائق جاءت عمتها وإبراهيم الذي رفض تركهما وحدهما وانتظر بالخارج تحت الطلب، أمسك عمها بكفها يبثها الدعم ويمنحها الأمان قبل أن تغمض عينيها ويضع هو كفه فوق رأسها متوكلًا على الله مستعينًا به.
بالخارج كان هيما يستمع لصوت صرخاتها بألم وحزن، قلبه يتمزق لأجلها وصوت هذا الرافض الخروج منها متوعدًا حسان
(ماشي يا حسان برضو مش طالع منها)
واصل حسان القراءة غير مهتم ولا مبالي بل يزداد قوة ويقين، بينما الآخر يصر بلسانها (مش طالع، مش هسيبها)
استمرت الجلسة ساعتين جلس بعدها حسان متعبًا منهكًا يتصبب عرقًا بينما أخذت أم إبراهيم سكن بأحضانها في حنو مقبلة رأسها تطمئنها بفرحة (الحمدلله يا بتي غمة وانزاحت)
سألتها سكن بوهن وإنهاك حقيقي بلغ منها مبلغة وهي تنكمش بين ذراعي عمتها(خلاص كده؟)
التفتت لحسان الذي منحها ابتسامة الخلاص قبل أن تغلق عينيها منسحبة لعالم آخر..
رن هاتف هيما فأجاب على الفور (ايوة يا خالتي معرفش بس صراخها خف، حاضر هسأل)
دخل هيما الشقة متجهًا للحجرة طرق متسائلًا (خالتي بتسأل إيه الأخبار؟)
أجابه حسان بظفر (جولها أبشري وفينا بالوعد)
عاد هيما لخالته مهللًا بفرحة (بيقولك ابشري وفينا بالوعد)
حمدت ورد الله كثيرًا وأثنت عليه ثم قالت (لما تفوج بتي خليها تكلمني تطمني وخليك يا هيما يمكن يحتاجوا حاجة)
أطاع يشاركها فرحتها (حاضر يا خالتي)
أنهى الاتصال وسارع بمراسلة حمزة يمازحه، حمزة الذي كان يدور بالحجرة يكاد يجن من شدة خوفه عليها ورغبته في رؤيتها (مبروك يا عمهم العفريت طلع سيطرأنت بقا)
حمد الله وابتهجت نفسه لكنه وبخ هيما (اخرس يا زفت)
كتب هيما في مشاكسة (تلاقيك بتتنطط من الفرحة اعملهم عليا)
اتسعت ابتسامة حمزة فما يصفه هيما أقل بكثير مما يشعر به الآن
(طمني عليها يا هيما كويسة؟ شوفتها؟)
(لا مدخلونيش بس بيقولوا كويسه)
كتب له بلهفة شديدة (فايقة يعني وتمام)
طرق هيما على الباب يسأل (أمااا سكن فاقت وتمام؟)
أخبرته وهي تربت على رأسها (لاااه يا ولدي نايمة فحجري شوية وتجوم)
عاد لحمزة يكتب (بيقولوا نامت من التعب، حقها دا خالي قعد ساعتين بيطلع فيه وهو راسه وألف جزمة ميطلعش)
(خالك؟)
ضرب هيما جبهته مغمغمًا بندم (عمري ما قولتله خالي جاي دلوقت أقولها)
صحح قائلا بتوتر (يا عم أقصد الشيخ)
تجاهل حمزة كلماته مقتنعًا بالتوضيح المختصر ليكتب بعدها (لما تصحى طمني يا إبراهيم ولو عرفت تصورها من غير ما تاخد بالها اعمل كدِه)
جادل إبراهيم بعدم فهم (ما تكلمها فيديو أسهل من كل دا يا عمهم؟)
أرسل له رسالة صوتية حادة صارمة (اعمل الي بجوله من غير أسئلة يا زفت)
راسله خاضعًا بتأفف ضجر(ماشي أنا مالي اصطفوا دا أنتوا مقرفين والله)
*************
لفت عالية خمارها وخرجت بعدما ألقت على وجهها نظرة رضا وإعجاب، قفزت درجات السلّم بحماس حتى وصلت لنهايته فأستوقفتها كريمة بقولها (على فين يا عالية؟)
انتعلت عاليا حذائها متجاهلة سؤال كريمة غاضبة من تدخلها في شؤنها وحشر أنفها في حياتها، لتقف كريمة وتتجه ناحيتها متمايلة بغنج اثار اشمئزاز عالية فامتعض وجهها وغمغمت (أعععع هرجع)
وقفت كريمة أمامها متخصرة تكرر سؤالها (على فين بالشياكة دي؟)
هتفت عالية بنفور واشمئزاز (أنتِ مالك يا كريمة يا لئيمة)
ابتلعت كريمها غيظها منها وتابعت ببرود (مش أخوكي قال متطلعيش للحلقة تاني)
أكدت عالية بإبتسامة مستفزة (هروح غصب عنك وعنه)
أخرجت كريمة هاتفها قائلة بتهديد واضح (أكلمه وأشوف)
هبط عامر درجات السلم محمحمًا يطرق بعصاه في تنبيه لحضوره، اتجهت أنظار عالية له قائلة (يلا يا جدي هنتأخر)
رمقتها كريمة بتساؤل لتضيف عالية بمكر وهي تلطم كريمة بنظرات منتصرة متحدية (هو أنا مجولتلكيش يا كوكي مش جدي هيروح معايا من هنا ورايح وهيوديني ويجيبني)
هتفت كريمة بإستخفاف (تقبل الله يا عالية، بس ابن خالتي مش هيعجبه الكلام دا والدخول والطلوع الكتير؟)
سخرت عالية في فكاهة وتندر (جصدك لوسي ابن طنط فكيهة؟ هو ماله أصلًا ) ضغطت كريمة جانب شفتيها بغضب وغيظ من تهكم عالية وتندرها لتتابع كريمة بحدة (خطبك من أخوكي وأبوكي ووافقوا)
لفّت عاليا ذراعها حول ذراع جدها قائلة بضحكة مستخفة (خلاص يتجوزوه هما) سألتها كريمة بعصبية (يعني إيه؟)
ربتت عالية على كتفها بقوة مهددة (يعني كلي عيش يا كريمة وفكك مني مبجاش إلا لوسي دِه كمان الي يخطبني)
سألها جدها بسخرية متعمدة (أمك جابت حد يساعدها في البيت ولا إيه؟)
ضحكت عاليا قائلة (سلامة الشوف يا جدي دي مرت سعد)
لوى الجد فمه ممتعضًا يسخر منها (ذوجه معفن زي أبوه وجده)
ليختتم قوله بضحكة مستمتعة أثارت حنق كريمة التي توعدتهما بإنتقام حين غادرا من أمامها (ماشي يا عاليا هتشوفي أنت والراجل الناقص ده)
قالت عاليا بسعادة (تلاجيها هتولع راس الكلب)
لمح الجد سليم واقفًا فقال في عجالة (همي يا عالية نلحجوا الشيخ سليم)
لما رأته اهتزت نبضاتها وتبعثرت فأنكرت (فين يا جدي يمكن مش هو)
أكد وهو يسرع الخطى (لااه أنا واعيله زين هو..؟)
ضحكت عالية ساخرة منه (أمال مكنتش شايف كريمة ليه جوا؟)
ضحك قائلا (عشان وشها زي جفاها)
شاركته الضحك الذي جذب انتباه سليم وخطفه من شروده وأفكاره التي كانت تدور حولها بتكهن، استدار يتأكد من صحة ما وصل لأذنيه ليخفق قلبه بجنون وهو يرى ابتسامتها الخجول التي خصته بها قبل أن تتبدل ملامحها فغمغم وهو يغض بصره في إرتباك (رفقًا بقلبي يا عالية المقام، أفقد توازني حين أراكِ جاذبيتك أشد من جاذبية الأرض)
اقترب الجد منه محييًا في ودّ شديد (ازيك يا ولدي كيفك)
مد سليم كفه بنفس الترحاب (الحمدلله الله يبارك فعمرك يا أبو عبدالحكيم)
هتف الجد بإعجاب (عالية جالتلي إنك بتخطب في الجامع السبت والثلاثاء جولت أجي معاها وأسمعك)
غمغمت بحرج وخجل (الله يسامحك يا جدي)
ابتهج قلب سليم وطار فرحًا من قوله الذي ترك أثره على ملامحه الوسيمة
(شرف ليا يا أبو عبدالحكيم)
قالها سليم وهو يجاهد حتى لا تعصيه نظراته وتهرب إليها، هتف الجد(الشرف لينا يا ولدي، كلامك بلسم)
قال الجد (عاليا بتحفظ قرآن بس أبوها مش موافج ومنعها تروح تاني)
سرد الجد على مسامعه القصة مما جعل عاليا تلطم في استياء مغمغمة (يا ناس كلكم لازم تسمعوا حكايتي)
شعر بأنفاسه تُحتبس وتضيق مما يسمع، هل يحرم منها؟ من الطريقة الوحيدة التي يراها بها.. تجمد مكانه حتى أكمل الجد ما أطلق صراح أنفاسه وجعله يلتقطها بشكل ملحوظ (بس جولت أروح معاها أنا كل مرة، أفك عن نفسي ومحرمهاش من الآجر) أمسكت بذراع جدها تهمس من بين أسنانها بغيظ (خلاص يا جدي كفاية كده)
هتف سليم بإندفاع وفرحة مكشوفة (أحسن حاجة عملتها يا جدي والله)
رفع عامر له نظراته مستكشفًا ملامحه ليحمحم سليم بإرتباك ويتهرب قائلا (يلا في عربية جاية)
صعد ثلاثتهم السيارة، عاليا متعجبة مما يحدث لها في حضرة هذا الوسيم ذو الضحكة الطفولية التي تناقض رزانته وهيبته، انقباض ملامحه ونظراته التي هربت إليها برجاء سرعان ما سحبه وغض الطرف في حرج، استماعه بترقب واهتمام حتى أنهى جدها كلماته حينها تبدل كل شيء.. حركت رأسها تطرد الأفكار التي تهاجمها مغمغمة بيأس (هو التركي أكل دماغي ولا إيه، أيوة هو المسلسل الجديد دِه)
تذكرت صديقتها فسارعت بالكتابة لها متهربة من الاستماع له والإنصات رغم أن دقات قلبها تتمرد وتأمرها لتفعل.
وفي المسجد ترك غيره يدير الحلقة رغم عصيان قلبه عليه ورفضه أن تجلس أمام غيره وترتل بصوتها الذي يأسره، لكن محال أن يجلس أمامها ويصمد بتركيز.
انتهت خطبته القصيرة،فخرج ركضًا يبحث عن الجد بعثر نظراته في المكان حتى أبصره واقفًا ينتظر خروجها، ركض برغبة محمومة ولهاث انفعال حتى وصل إليه ووقف أمامه متلعثمًا..
أثنى الجد على خطبته وعلمه لكن هيهات باله منشغل وأفكاره مشتتة، لتنطلق الكلمات منه دفعةً واحدة (عايز أتجوز عالية يا جدي)
شهقت بنعومة حين وصلت واستمعت لكلماته المبعثرة وتوهج روحه حين نطق برغبته فيها كأنها دعوة لحلم بعيد المنال وأمنية عصية يطلبها بإلحاح ورجاء..
تراجعت خطوة في حذر تنتظر أذن جدها لها الذي تأخر بإشارة من عينيه حتى يتفاهم مع هذا الذي سلبته هيبته وأطاحت بتعقله وجعلته يركض كالصبية ويقف متوسلًا برغبة، يطالب بها في لهفة ملأت كلماته ونظراته.
عاتبه الجد وهو يضحك على ملامحه (في حد طلب يد واحدة في الشارع ياولدي)
فاق على كلمات الجد، تطلع حولها بذهول قبل أن يعود ببصره للجد في آسف ورجاء
ربت الجد فوق كتفه بحنو قائلًا محتويًا الأمر سعيدًا لأجل هذا الطلب (بكره مستنيك في المندرة تيجي وتطلب يدها)
أومأ سليم بإمتنان وشكر قبل ينسحب بإحراج وضيق من فعلته.
أشار لها جدها فأقتربت منه متوترة، تفرك كفيها بإرتجاف وجهها محمر بشدة مما سمعت الآن.
*************
في المطعم أثناء العمل ومساعدتها له
قرّب الحلوى من فمها قائلا (يلا دوقي يا سكن وقوليلي رأيك فيها)
تناولتها ثم أشارت بأناملها مستحسنة الطعم وهي تصدر همهمات متلذذة (تحفة يا حسن بجد تسلم إيدك نفسك في الحلويات خطير)
غمزها قائلًا وهو يقترب منها يطعمها قطعة أخرى ونظراته تحتويها (عارف إنى بفهم في الحلو وبقدره)
قالت وهي تتناول قطعة أخرى في اشتهاء وإعجاب من بين أنامله نظرًا لإنشغال كفيها (حمزة مكانش له في الحلويات ومبيفهمش فيها)
استاء من ذكرها اسمه في تلك اللحظة المسروقة من الزمن لكنه تجاهل وتابع (حمزة مبيقدرش ولا بيفهم لكن أنا غير يا سكن)
هزت رأسها بعدم فهم، سرعان ما طوته وابتعدت معتذرة متعللة وهي تمسح ما علق بكفيها(هشوف هيما فين عشان نمشي جبل الوجت)
سار خلفها يعرض عليها بلهفة (هوصلك أنا يا سكن)
أجابته وهي تواصل السير في طريقها (لا كدا هعطلك)
أمسك بمرفقها وسحبها ثم ثبت جسدها أمامه وهو يهمس بعاطفة ورغبة أمام شفتيها وبتهور لم يحسب عواقبه(سكن أنا بحبك)
*********


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close