اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم عائشة حسين


‏﴿ وَاذْكُر ربّكَ إِذَا نَسِيت ﴾ .
‏- لآ إله إلا الله.
‏- سبحان الله وبحمده.
‏- سبحآن الله العظيم.
‏-استغفرالله وأتوب إليه..
🌹الثالث والثلاثون 🌷
جلست ورد فوق الآريكة بتهالك مميت، جسدها كله يرتعش إرهاقًا ومرضًا وخيبة عظيمة، أمسكت هاتفها بإرتجاف قاتل تبحث عن اسم هيما حتى عثرت عليه وضغطت زر الاتصال فجاءها صوته (أيوة يا خالتي)
زفرت ورد بقلة حيلة تكبل عقلها وتابعت بحزن (شوف حمزة فين واجعد معاه يا هيما متسبوش)
سألها بقلق تسرب إليه من كلماتها ونبرتها الحزينة (حصل حاجه؟)
قالت وهي تمسح جبهتها مسيطرةً على انفعالها (لاااه مفيش، شد هو وسكن شوية)
نفخ هيما بضجر لاعنًا الصغيرة المتهورة وعقلها اليابس الذي يوقعها في الأزمات ولم ينس لسانها السليط الذي لابد أن له دورًا رئيسيًا (هببت ايه؟)
أجابته بنبرة خافتة بدأ الوهن ينتشر فيها (مفيش يا ولدي خناجة عادية بينهم)
احترم هيما سكوتها والتزم الصمت في رزانة وتفهّم، ثم قال يطمأنها (مشليش هم هشوفه فين)
ابتلعت ريقها وقالت متذكرة تنبهه (لو ملجتهوش فأي مكان نعرفه هتلاجيه عند مرام يا هيما)
زفر هيما بيأسٍ وحزن، مدركًا أن ما حدث عظيم قد يدفعه لينزوي وحيدًا بصحبة ذكرياته.
لعن سكن داخله ألف مرة قبل أن ينهي الاتصال واعدًا لها بالتصرف والبحث عنه.
أعادت الهاتف مكانه وذهبت لتتوضأ وتصلي.. أمام المغسلة وقفت لتتوضأ تخفي بقطرات المياه دموعها التي انسابت في حزن عميق، دموعها الي أبت إلا السقوط هاربةً من قعر الجحيم، تختبيء حتى من نفسها القوية التي قد تعنفها على البكاء والضعف، تمحي بالماء أي آثر يدفعها للوم نفسها والسقوط في بئر اليأس.
أنهت الوضوء وغادرت لحجرتها دخلتها وأغلقت خلفها ثم وقفت فوق سجادتها مُصليةً في خشوع
حينما انتهت سجدت سجدة طويلة، سكبت فيها دموعها وأخبرت ربها بما يثقل صدرها وتخشاه، ابتهلت وتضرعت أن تمر الأزمة بسلام، ألأ يتأذى قلبه ولا ييأس، أن يربط على قلبه ولا يبتئس.
اعتدلت جالسة تهمس (إن لم يكن بك علي غضب لا أبالي)
فاضت عيناها حزنًا أليم وهي تغطي وجهها بكفيها منتحبة كالثكالى بقوة متضرعة (يارب مش اعتراض على حكمك بس جلبي واجعني عليه وتعبت ونفسي أشوفه مرتاح ومتهني يارب عجل بفرحته وريح باله وألهمه الصواب )
قضت وقتًا طويلًا تبكي وتشكو حالها ووجعها لله حتى نامت مكانها.
بينما انكمشت سكن في فِراشها متلويةً بوجع، تتذكر ما حدث تعذيبًا لنفسها وإهلاكًا لروحها، لا تعرف ماذا سيحدث الآن وماهو التصرف الصحيح؟ هل تهاتف والدتها وتطلب منها المجيء أم تلملم ملابسها وتعود هي؟
تذكرت يوم جاءت وفرحته الكبيرة بعودته بها، ابتسمت وهي تمسح دموعها التي ما توقفت لحظة منذ أمس ولا امتنعت رأفةً بعينيها.
رفعت الهاتف لنظراتها مترددة بعض الشيء قبل أن تحسم قرارها وتهاتف والدتها تخبرها برغبتها في العودة وإصرارها على الإنفصال، تستعطفها الوقوف بجانبها تلك المرة وتحقيق ما تريده، ضغطت زر الاتصال واعتدلت جالسةً تترقب في وجل حتى جاءها صوت والدتها الحنون الفرِح (ازيك يا بتي)
هتفت بصوت غلبته غصة بكاء ومرارة الهوان (ازيك يا أما عاملة إيه؟)
أجابتها راضية ببشاشة (الحمدلله طمنيني عنك وعن أحوالك وحمزة وورد)
أجابت بنبرة خافتة تعتصر القوة في كاسات وترتشفها (بخير)
صمتت راضية تستمع لنهنهات بكائها المكتوم لتقول بفزع (مالك يا بتي حصل حاجه لسه زعلانين من بعض.؟)
قالت سكن من بين شهقاتها التي تشق الصدر وتمزق رباط القوة (أما أنا….
رفعت نظراتها للباب الذي فُتح وطلّت منه ورد بهيبتها وقوتها، نظراتها التي تلوم برفق وتلملم المتبعثر من نفسها، التي تضم وتداوي من ثم تربت بحنو، تقدمت ورد بهدوء وبطء لتتهيأ سكن، حتى جاورتها ونظرات سكن مازالت متعلقة بها في ترقب مرير وخشية،بعدما لطمتها نبتة الحزن التي زرعتها بعيني تلك الحنون التي لا تستحق هتفت راضية بقلق تستجوبها (بت يا سكينة)
أجابت ورد بإبتسامة وقور ونظراتها تستوطن ملامح سكن في هيبة (ازيك يا راضية عاملين إيه؟)
أجابت راضية ببشاشة ومودة (بخير نحمده)
صمتت لتقول بقلق نهش قلب أمومتها (في حاجه يامرت أخوي سكينة بخير)
أجابت ورد ومازالت نظراتها عند سكن التي تتهرب مرة وتعود الفًا منجذبة لها في طاعة (بخير وزي الفل)
سألت راضية بتوجس (اتصافوا هي وحمزة)
طمأنتها ورد بإبتسامة أربكت سكن (أيوة ملهمش غير بعض، المهم إنتِ راضية عن واد أخوكي؟ )
اهتزت نظرة سكن فوق ملامح ورد المطمئنة، ابتلعت ريقها بتوتر وألف تساؤل يحيط ورد، ترقبت قول والدتها الذي جاء قويًا مملوءًا بالفخر (واه وبعد الي جاله في كلام تاني الله يريح باله)
ضحكت ورد ضحكة غلبها الشجن قائلة (بتك ممصدجاش جوليلها حمزة رده إيه؟)
رمت سكن نظراتها ناحية الهاتف بإنتظار لاتفهم الألغازالمتبادلة والرسالة التي تريد ورد إيصالها لها لتقول راضية برضا وسلام منحه لها حمزة فأخذت في نبرتها قبسًا منه ومنحته لطفلتها عله يضيء عتمة نفسها قائلة ( قال استناها العمر، مفيش واحدة تملى عيني غيرها ولا تبجا أم لعيالي غيرها، وميفرجش معايا غيررضاها مفيش واحدة تاخد مكانها مهما يحصل)
هتفت سكن بغضب مستنكرة في عناد وغرور (مش جالك اتجوز تاني بتدافعي عنه ليه)
قالت راضية بهدوء متعجبةً هجومها لكنها أوضحت (جال كيف اتجوز تاني وكيف تجوليلي كِده)
أغمضت عينيها محترقة بظنونها فيه، بحسرتها على ما فرطت،واندفاعها الأهوج لتصرخ بها منهزمة (مجولتيش ليه يا أما؟)
بررت راضية (حمزة جال هيراضيكي ومجيش جنبك ولا أزعلك يا بتي هو هيطيب خاطرك)
عضت سكن قبضتها تحبس صرخاتها وتبتر اللوم والعتاب، فأنهت ورد الاتصال (سلمي على مودة هكلمك تاني)
سحبت ورد الهاتف من بين أنامل سكن المتصلبة وأغلقت راميةً له ثم اعتدلت بتحفز واستعداد
صمتت سكن بزعر وقلق،تنتظر وما أبشع الانتظار على قلبها الذي يتلوى من مشقة الندم والحرمان هتفت ورد بحدة وعتاب (عايزه تمشي؟ عايزه تسيبي حمزة؟ هي دي وصيتي يا سكن واتفاجنا؟ )
أشاحت سكن ببكاء حارق،بماذا ستجيب؟ الإجابة الآن ترف لا تعرفه
لتردف ورد بنبرة هادئة حافظت على رزانته (أنا دلوجت عمتك وإنتِ بت الغالي شجيج الروح وصاني عليكِ زمان كنه كان حاسس يا جلب أخته)
غامت نظراتها بوجع عقيم لا ينجب الأمل (أنا جلبي مشجوج شج على ضنايا والي سمعه، وعلى مشيته مكسور الخاطر
تنفست سكن بإنفعال حاد مندهشة من كلمات ورد الموجعة وصدق مشاعرها وهذا الحزن المتربص بعينيها الجميلة، ماذا فعلت بها؟ كيف أوصلت تلك السيدة لهذا الحزن العتيق؟ أي جنون تلبسها وجعلها تسحقهما دون رحمة وهما اللذان فرش لها أرض ممهدة من الرحمة والرأفة مازالت تخطو فوقها.
لتردف ورد بتفهم مهدئة لها بكلماتها التي تجرح وتداوي (بس الزعل مش منك، زعلانه على جلبه وحظه والدنيا الي مبتريحوش)
بهتت ملامح سكن شاعرة بالوجع يخترق أعمق نقطةً في قلبها،يهزها علها تفيق صارخًا بكل كيانها الشرير، لتتابع ورد بحدة (بصي يا بتي شوفي إيه يريحك ويرضيكِ وميزعلكيش منينا وهنعمله)
غمغمت سكن بضياع شديد (أنا مش فاهمة حاجه يا مرت خالي.)
أوضحت ورد بعدما تنفست بألم (عايزه تسيبي حمزة وترجعي خلاص يا بتي أنا مرضاش تتجبري ولا أرضى لولدي يجعد معاكي وإنتِ مش ريداه)
صرّحت سكن ببكاء مدركةً فداحة ما فعلته ونهاية الطريق الذي سلكته بجنونها (أنا بحب حمزة والله بس…
قاطعتها ورد بحدة طفيفة (إنتِ مبتحبيش حمزة يا سكينة إنتِ عاجبك حمزة مبسوطة بدنيته الجديدة عليكِ بإهتمامه بيكِ، لو بتحبيه مكنتيش تأذيه كدِه ولا تيجي عليه حتى لو فهمتي غلط)
أخفضت بصرها تستمع بإنصات وكل كلمة تقولها ورد تنفجر دخلها كلغم، لتتابع ورد (ولدي بيبلغك إنه معندوش مشكلة بس هو وعدك مش هيرجعك غير لما يصلح كل حاجه، هتتعالجي وتخلصي سنتك وبعدها كل واحد يروح لحاله زي ما عايزه)
أخفت وجهها بين كفيها باكية معتذرة عما بدر منها في حقهما (آسفة والله)
ربتت ورد على كتفها هامسةً (هوني عليكِ كله مجدر ومكتوب وربنا يريح بالك ملكمش نصيب فبعض )
سحبت وجهها بإمارة استفهام،وكدر؛ لتخبرها ورد بحنو (جومي اتسبحي واغسلي وشك وتعالي معاي نحضرغدا)
ما كانت لترفض دعوة ورد وهي تراها بكل هذا التعب والإرهاق الظاهر على محياها، وحزنها المسافرفي عينيها الجميلة، بالكاد تعافت من وعكتها الشديد لما لا ترفق بها قليلًا وتفكر فيها كما دائما تفكر هي فيها(حاضر يا مرت خالي)
سألت بحرج وهي تشعر بالوحشة والضيق خائفة من القادم (ينفع أروح أجعد مع عمتى منى)
نهضت ورد من جلستها قائلة بحسم (مينفعش يا سكن، ولا ولدي هيوافج إنتِ مرته وعلى ذمته مهما حصل ملكيش غير بيتك تلزميه معززة مكرمة لغاية ما ربنا يأذن بالخير)
هزت رأسها بطاعة؛ فانسحبت ورد للمطبخ بينما وقفت هي أمام الخزانة تسحب منها بعض القطع وبعدها غادرت للمرحاض.
************
خرجت ورد من المطبخ على رنين هاتفها، هرولت تجاهه بلهفة قلب متوسمةً أن يكون هو لكن ملامحها المثقلة بالهم أعلنت الخيبة حين عانقت نظراتها اسم منى، تنهدت وأجابت على الفور بنبرة رزينة وقورة (كيفك يا منى)
جاء صوتها متوترًا يشوبه التردد (الحمدلله إنتوا بخير؟)
أجابتها ورد منتظرة قولها الذي تعرفه وتنتظره وهيأت قلبها وعقلها لتقبله (الحمدلله يا خيتي عيالك كويسين؟)
قالت منى بلسان تلعثم ارتباكًا (بخير)
سرى بينهما صمت طويل مشحون مزقته ورد تشجعها (مالك في حاجه؟)
قالت منى مُحرجةً (بصي هجولك الرسالة وإنتِ حرة يعلم ربنا مكنتش موافجة بس هو جالي أجولك وماليش دعوة)
قطبت ورد منتظرة تاليها من الكلمات، فصمتت منى خوفًا مما دفع ورد تحثها بحدة (جولي يا منى وخلصي)
تأففت منى وهي تطالع أخيها بضجر بينما هو مبتسمًا واثقًا، قالت بسرعة كأنها تتخلص من قذيفة تستوطن جوفها أو تهرب من عدو (حسان بيجولك عرف الي في سكينة وعايزك تديله فرصة وتوافجي إنه يحاول معاها ويطلعه)
صمتت ورد مُفكرة قبل أن تنطق بثبات (سبيني أفكر يا منى وهرد عليكي)
زفرت منى براحة بعدما لمست لين ورد وهدوئها، قالت منى (ماشي يا خيتي الي تشوفيه)
أنهت الاتصال وعادت للمطبخ من جديد، قبل أن تغادر سكينة بالأطباق رن جرس الباب فانتفضت تدعو أن يكون هو، تعلقت نظراتها بالباب في لهفة غلبتها، تذكرت لو كان هو لفتح ودلف مناديًا على والدته، تأففت واتجهت ناحية الباب تستكشف القادم
عبست حينما رأت ابراهيم، بقلها دقة متمردةً رغم يقينها بأنه ليس هو لكنها كانت تتمنى وتتضرع
ولج هيما للداخل مقلدًا حمزة بضحكة مرحةً (ازيك يا حلوة)
رفرف قلبها بين جنباتها شوقًا له، فردت بكلمات متعثرة في الشرود (ازيك… يا هيما)
جلس مناديًا (يا خالتي)
جاءت ورد مهرولة رحبت بوجودة وجلست منتظرة أن يفصح عن سبب مجيئه، قال هيما بجدية (حمزة بيجولك تعالي معايا عشان في ناس هتيجي تنقل العفش والحاجة الي في الشقة)
قطبت ورد مستنكرة، تسأله بجهل لسبب ما يقوله (عفش إيه وليه؟)
أوضح هيما ونظراته تعرج للواقفة أمامه بذبول، مترقبة قوله بتوتر وزعر غريب (زهرة جات خدت الي عيزاه من حاجة أختها والباقي اتبرع بيه حمزة للجمعية قال مش عايزه خلاص)
كتمت سكن شهقتها المندهشة بباطن كفها المرتجف غير مصدقةً ما ينوي فعله ويسارع بتنفيذة، وحتى مجيء زهرة أمس.
حثهما هيما بعجالةً (يلا يا خالتي عشان بيجول من الصبح بدري هيجي)
أشارت للواقفة بجمود (روحي جهزي حاجتك يا بتي)
أطاعت بهدوء، وانصرفت للداخل لتميل ورد على هيما تسأله (حمزة كويس؟)
همس مندهشًا لا يعرف لما تخفت صوتها هكذا (كويس كان في المقابر زي ما قولتي ورجع على المطعم، بكره سنوية مرام وبيجهز الوجبات)
تأففت ورد بإنزعاج شديد من سوء الحظ، هذا اليوم بالأخص تمنت كثيرًا أن يكون هذا العام مختلفًا لكن إرادة الله جاءه وهو أكثر كآبة وحزنًا مما سيضاعف عليه الألم.
مالت تملي عليه ما تريده (طيب خد سكن دلوجت وأنا هنزل أروحله وبعدها هجيلكم)
تردد قائلًا (بس..
أمرته بحدة (مبسش ومتجولوش..
أومأ وهو يلوي فمه بإستياء (ماشي أنا مالي عيلة فبعضيكم)
تناولوا الغداء واستعدوا للرحيل، لتصرفهما ورد قائلة (روحي يا بتي مع هيما وأنا هاجي وراكم)
وقفت لا تجرؤ على السؤال أو الاستفهام، وجّهت نظرات مرتبكة لورد التي قالت (روحي يا بتي عشان الوجت)
أمسك هيما بأغراضها وتقدم من الباب وهي تتبعه بصمت، خرجا وأغلقا خلفهما لتعود ورد للآريكة التقطت هاتفها وحاولت الاتصال به في محاولة أخيرة قبل أن نذهب إليه حيث يكون.
أجابها بصوت واهن وأنفاس توشي بإنهماكه في العمل وإجهاده لنفسه (أيوة يا أمي)
أجابت بلهفة شديدة تعانق صوته بتنهيداتها (ازيك يا حمزة عامل إيه يا حبيبي)
هتف بنبرة حيادية، يهون بها عليها (تمام يا حبيبتي أنا بخير)
رجته بصوت مبحوح (تعالى أجعد معايا شوية يا حمزة جبل ما أنزل أروح لخالتك)
رفض وهو يرجوها مسامحته (مش هينفع ولا هجدر سامحيني يا أمي)
قالت بضعف وانهزام وبكاء بدأ يسيطر على نبرتها (لاااه سكن مشت تعالى عايزه أشوفك، لو مجتش هاجي أنا)
صمت تاركًا ما يفعله يفكر، لتستعطفه (جلبي واجعني عليك وطلتك عليا هتريحه)
خلع عنه مريول المطبخ يهمس بطاعة وتلبية دون كلمة (حاضر هاجي يا أمي بس متزعليش)
ابتسمت داعية له (هستناك يا ضنايا ربنا يرضى عنك)
جلست منتظرة قدومه، حتى جاء فتح الباب وناداها كما يفعل دائمًا، وضع مفاتيحه وهاتفه جانبًا وأقترب منها يضمها ببشاشة، يشاكسها قائلًا (مجدراش على بُعدي إنتِ)
جلس أمامها مبتسمًا رغم الحزن الساكن مقلتيه، ضمت وجهه بكفيها قائلة(عامل إيه؟ يا ولدي)
سحب كفيها وقبلهما قائلًا (زي الفل)
فسرت له ما رأته بوضوح في ملامحه الشاحبة (شكلك تعبان جوي )
أشاح متهربًا يخبرها وهو يمسح وجهها مضيفًا له بعض الحيوية (لاااه ليه أنا بس كنت شغال)
سألته بنظرتها الثاقبة وهي تعيد وجهه إليها بكفها (اتكلم معايا يا حمزة متكتمش أنا حاسة بيك)
أغمض عينيه متنهدًا بإستسلام، صمت يستجمع شجاعته وهتف بصوت مبحوح مستجيبًا لها (أجول إيه يا أمي؟ أنا تايهه ومفيش غير إني تعبت)
ربتت ورد على كتفه والدموع تتجمع بعينيه في ألم وحسرة، ليردف حمزة متوجعًا (مش فاهم جصرت فأيه معاها؟ كلامها لسه بيرن فوداني خجلان منه ومش جادر حتى أبص فوشها وهي شيفاني بكل السوء دِه خلتني أشك فنفسي يا أمي، حتى البصة بعد كدِه هتفهمها وتفسرها غلط، ولا كلامها عن هشام إزاي تجولي حاول وكان واضح يعني إيه؟
أنا هتجنن والله العظيم)
قالت ورد ملتمسةً لها العذر(معلش صغيرة ومتفهمش يا ولدي والدنيا جات عليها)
ابتلع ريقة مسيطرًا على حزنه الكبير يخبرها بزفرة إحباط (خلاص يا أمي أول ما أمورها تستقر هرجعها، أنا مش عايز وجع تاني ولا عندي طاقة)
هدأته ورد تحاول إفهامه لتهدأ نفسه الثائرة(استهدى بالله هي يا ولدي فكرتك هتتجوز عليها وتسيبها بعد ما اتعلجت بيك)
ابتسم بسخرية مريرة غير مشفقًا عليها أو ملتمسًا لها العذر، ليقول بعدها (أنا مش هخلف ظنها فيّ وعدم ثقتها ترجع لأمها وخلصنا )
حاولت ورد الحديث وإثنائه لكنه قاطعها هامسًا بإحتراق (والله العظيم ما جادر أبص فوشها، ولا جادر أسمع صوتها ولا عارف اتخيل إزاي جالتلي كدِه من الأساس وإزاي مهمتهاش أنا مرة واحدة وفكرت جبل ما تهيني جدام أمها وزهرة)صمت قليلًا ثم رفع نظراته لورد متسائلًا بوجع (مش عارف أبص فوش زهرة ولا أجول إيه حتى)
حاولت ورد جاهدةً التهوين عليه (هتتحل يا ولدي بس إنت اصبر)
همس حمزة برضا (الحمدلله رضيت بنصيبي كدِه يا أمي وخلاص)
سحبته ورد لأحضانها مربتةً عليه محتويةً وجعه وهي تغمغم بعتاب رقيق (اخس عليكِ يا سكينة)
ألقى حمزة بقراره (هفرش الشجة وأجعد فيها)
هتفت ورد وهي تربت على خصلاته مستسلمة لأجل قلبه المتعب(ماشي اعمل الي يريحك يا حبيبي)
نهض من جلسته قائلًا في استعداد(يلا تعالي أوصلك وأرجع)
أوصته بحنو (راعي لنفسك وصحتك يا ولدي)
انحنى مقبلاً كفها يعدها (حاضر يا حبيبتي) جهّزت ملابسها وأغراضها وخرجت متجهةً معه لبيت أختها.
بمنزل منى
وقفت سكن حين وصلها صوت ورد، طالعت ما خلفها بترقب مفتشةً بنظراتها عنه من خلف جسد والدته تريد الاطمئنان عليه ورؤيته بعد ما كان..
دخلت ورد وأغلقت خلفها فيئست من مجيئه وعادت لجلوسها صامتةً تود السؤال عنه ولا تقدر.
رمقتها ورد بنظرة ثاقبة قرأت بها ما يدور بعقلها، فكت شفرات روحها وبعدها جلست مطرقةً بصمت هي الأخرى زاهدة الحديث والثرثرة.
******
عانقت ورد جسد سكن النائم بإشفاق قبل أن تغلق الباب عليها تاركةً لها وتخرج للصالة، أسبوع مرّ وهي على حالها صامتةً كلما دق الباب انتفض قلبها مبتهلًا منتظرةً عودته التي تأخرت، تقضي يومها كله منعزلة بصمت ووجوم، تنفذ ما تطلبه منها بآلية لاتمنحها رأيًا ولا فكرة موافقة بطاعة على كل ما يقال ويُطلب منها، شهيتها مغلقة ونظراتها شاردة على الدوام تفتش عنه وتتنفس ريحه في كل ما يخصه، تراها أحيانًا تصنع كوب قهوة وترتشف منه باكية وأحيانًا تتلمس أغراضه بشغف وحنين شديد.
مرات تستيقظ ليلًا غير واعية متناسية، تخرج باحثةً عنه في أرجاء الشقة وحين يُرد إليها وعيها تجلس باكيةً حتى تنام موضع جلوسها.
إن جلست عينيها على الهواتف منتظرة أن يخطيء ويهاتفها لكنه يحسب حساب كل خطوة يخطوها معها، يمتنع عن الاتصال في وجودها ولا يأتي إلا إذا غادرت مع هيما للتسوق أو التريض حينها يأتي ليراها ويطمئن وبعدها يغادرلا يسأل عنها، لا يهتم بشأنها من الأساس وإن ذكرت اسمها تهرّب وانعزل بأفكاره، أو غادر وتركها لا يريد الحديث عما يخصها يرمي مسئوليتها كاملة لها ولا تعلم هي لمتى؟
تخيفها أحيانًا قسوته، نظرة الهم بعينيه والزهد في حبيبته الذي يطفيء لهيب شوقه، لا مبالاته وأفكاره التي يخفيها عنها ببراعة ومشاعره وعاطفته لصغيرته التي تبخرت فجأة كأنها لم تكن موجودة،أمسكت بمسبحتها تحرك حباتها بين أناملها منتظرةً استيقاظها
في الحجرة نهضت سكن من نومها ولم تجد ورد كعادتها جوارها، منذ رحيله وهي تمكث معها خوفًا من الوحدة والهم، تحاول ورد الحديث معها لكنها ترد بإختصار شديد وتمتنع عن الثرثرة كعادتها، تأكل قدر حاجتها دون شهية وأي شهية هو بعيد، أسبوع كامل لم تره ولم تسمع صوته حريص على عدم الإلتقاء بها.
منطفئة مظلمة كقمر اختفت شمسه فأظلم، فلم يعد هناك من يستمد نوره منه.
عدّلت ملابسها ونهضت بتكاسل، لملمت خصلاتها بعشوائة متذكرة أنه هو من يمشطهم لها ويلملمهم لها كطفلته، ارتدت سترة الهودي الخاصة به تتشمم عطر جسده منها.. ربما تشعر بقربه وتهدأ نفسها الثائرة.
خرجت للصالة فوجدت ورد بصحبة شابة صغيرة ممسكةً بطفل جميل، شجعتها ورد وهي تشير لها (تعالي سلمي على حمزة وأمه يا سكن)
أقتربت بوجل، رحبت بالشابة البشوشة وجلست بعيدًا في صمت، عرّفتها ورد بفخر (دي سكن يا سامية مرت حمزة)
ضحكت سامية بفرحة وهي تترك مقعدها وتجاور سكن قائلة (ماشاء الله ألف مبروك يا حبيبتي أخيرًا بقا)
ابتسمت لها سكن ابتسامة مجاملة، وانظارها تتوجه تلقائيًا للصغير الذي أخذ قلبها منذ رأته، لاحظت سامية ذلك فابتعدت قليلًا وحملته ثم عادت وجاورتها تمنحه لها قائلة (دا يا ستي حمزة الصغير)
اتسعت ابتسامة سكن، ارتوت جذور قلبها فأزهرت ملامحها، أخذته منها بلهفةً وضمته مغمغمة (اسمه حمزة؟)
أكدت سامية بضحكة منتشية (سماه الدكتور بقا، يوم ما تعبت هو وخالتي ورد ودوني المستشفى وفضلوا جنبي لإن أحمد كان مسافر ولما عرف صمم يسميه حمزة)
همست وهي تقبّل الصغير (أحلى اسم فالدنيا)
ابتسمت ورد بإشفاق على حالتها وسعادتها بالصغير، بينما أردفت سامية غامزةً لها(أمال يا ستي)
قالت ورد موضحة لها (سامية جارتنا يا سكن عايشة لوحدها وجوزها بيسافر ويرجع كانت مسافرة عند اهلها بجالها مدة ورجعت)
رحبت بها سكن بإنطلاق وهي تداعب الصغير (نورتي إنتِ وحمزة)
هتفت ورد بسعادة حقيقية (حمزة لو عرف إنكم رجعتوا هيفرح ، اتوحش حمزة الصغير جوي وكل شوية يسأل عليه)
ابتسمت سامية قائلة (عقباله بإذن الله لما تشوفي ولاده يا طنط وتفرحي بيهم)
أممت ورد خلفها بإبتهال وتضرع، لتتوقف نظرات سكن فوق وجه ورد وتعابيره، شعرت بالحزن والندم وهي ترى لهفتها وتضرعها الواضح في نبرتها العالية.
عادت للصغير مجددًا تهمس له (هتجيب حمزاوي ولا لا؟ هيجي عشانك ولا هيرفض)
انشغلت بالصغير واللعب معه وقد وجدت في صحبته التسلية والعزاء، كلما ضحك ضحكت هي، وكلما بكى حزنت… حتى غفى بين ذراعيها
فنهضت سامية معتذرةً لها (هاتيه أرجع أنومه الاستاذ)
ضمته سكن يسكن الرفض نظراتها، ترجوها بخوفت (خليكِ معانا وسبيه نايم)
أقتربت سامية وحملته منها معتذرةً (لا كفاية كدِه هروح أنومه وأجهز الغدا)
غادرت سامية وبقيت سكن مكانها صامتةً ببؤس، رفعت ساقيها على الكرسي منكمشة تضم ركبتيها لصدرها منتظرة حديث ورد لها.
سألتها ورد مبتسمةً تحاول الحديث معها والخروج بها من شرنقتها (حلو حمزة يبهج الجلب)
ضمت شفتيها بإبتسامة مهزوزة قبل أن تؤكد القول (أيوة جميل ربنا يخلهولها)
صمتت بعدها طويلًا لتقترح بتردد(ينفع أنزل اتمشى..؟) أجابتها ورد بتفهم واحترام ( ينفع يا بتي بس خدي هيما معاكي)
تنهت بإستسلام قائلة (حاضر)
بعدما استعدت جلست منتظرة قدوم هيما، طلبت منها ورد أن تتناول شيئًا فكذبت وأخبرتها أنها أكلت بعض الشطائر وهي ترتدي ملابسها، متوترة تهز ساقها بإستعجال وانتظار حارق عملت منه ورد أنها تنوي شيئًا فدعت الله أن يمر الأمر بسلام.
رن جرس الباب فانتفضت بلهفة أثارت شكوك ورد، ركضت تجاه الباب وخرجت حينما فتحت وطالعته، عاتبته برقة (اتأخرت ليه؟)
سألها وهو يرى غلقها للباب (مش هنسلم على خالتي)
تجاهلت وأمسكت بذراعه قائلة (لااه تعالى عايزه منك خدمة)
سألها بإهتمام وهما يهبطان درجات السلم (خير عايزه إيه؟)
قالت ترجوه بحزن (عايزه أروح لحمزة بجالي أسبوع مشفتوش)
تهرب منها هيما رافضًا (لا يا عم ماليش فيه)
توسلته بدموع تجمعت فور رفضه (عشان خاطري يا هيما)
تطلع إليها مترددًا ليلين حينما رأي دموعها وتوسلها البريء، ابتسم قائلًا (ماشي يلا علقة تفوت ولا حد يموت)
شكرته بقوة فابتسم مغمغمًا (بنوفق راسين فالحلال)
استقلا سيارة وغادرا، ترجلا بعد دقائق أمام المطعم فأشار لها هيما وهو يلمح حمزة يقف بالداخل منهمكًا بالعمل (ادخلي وهستناكي هنا)
هزت رأسها بالموافقة واندفعت للداخل مفتشةً عنه بنظراتها العاشقة، تدور حول نفسها متفحصة الوجوه والأركان مرتجفةً خافقة الفؤاد بلوعة،حتى رأته يشير لأحد العمال بهيبة مبتسمًا بوقار حزين ورزانة جذابة.. تلقائيًا ابتسمت قلبها أعلن العصيان والتمرد صرخ داخلها يطلب قربه، عضت شفتيها متحسرة تتابعه بهيام وهو يتحرك بخفة موزعًا ابتساماته بسخاء..
إن ركضت وارتمت بين ذراعيه ماذا سيحدث؟
تطلعت للمكان الممتلئ مفكرةً في الأمر وفكرة احتضانه والشعور به مسيطرة وطافية فوق كل المشاعر وكل الخوف.
لمحها من بعيد واقفةً بضياع، نظراتها تتوزع في المكان بتشتت، غريبة وحيدة شاردة، ذابلة كوردة أوشكت على لفظ آخر أنفاس النضارة تستعد للموت محنطةً بالجفاف.
تنهد بإستياء من وجودها ومن معاناتها ومن كل شيء، تقدم منها تاركًا عمله يلعنها ألف مرة
وقف أمامها يجذب انتباهها (سكينة إيه جابك هنا ومين معاكي) قالها بحدة وحاجبين التصقا في ضيق واضح.
شهقة ناعمة خرجت كتهويدة هوى من بين شفتيها الكرزيتين وهي تطالعه بهيام وشوق يندفع من نظراتها كشلال، مررت نظراتها عليه ببطء شديد كأنها تعيد رسمه داخلها، كل نظرة تلثمه غير مكتفيةً منه ولا قانعة حتى ركنت عند صدره العريض مطالبة بنقض كل العهود وخرق جميع الاتفاقيات وتمزيقها والإرتماء بين ذراعيه اللذان يعقدهما الآن بتحدي كأنه يخبرها أن لا مكان لها هنا.
عضت شفتيها ونظراتها مازالت تركن هناك حيث مستقرها ومستودعها، فرقع بأصابعه أمامها يفيقها بحدة (في إيه؟ مش تردي؟ جايه ليه؟ وعايزه إيه؟)
قالت بلوعة وشوق يهد ثباتها وتضع الفأس فوق رأس الكبرياء منددة انطق إن استطعت ولنرى لمن الغلبة.
أخفضت بصرها هاربة من نظراته الباردة (بجالك أسبوع مجتش )
مال فمه بإبتسامة ساخرة وهو يخبرها بثلجية (عادي مشغول إنت عايزة إيه؟)
رفعت نظراتها وثبتتها فوق ملامحه تبحث فيها عن اشتياق يلملم خزيها ويقوي عزيمتها فلم تجد غير الصقيع وهواه البارد الذي يلفحها وينخر عظامها
ارتجفت، ضمت جسدها بذراعيها وأردفت (كنت عايزه أشوفك؟)
نفخ معلنًا استياءه ونفاذ صبره (أيوة محتاجه حاجه؟ ناجصك حاجه يعني، عايزه أكل؟) قالها بإستهزاء قاسم جعلها تهتف بغضب من طريقته (مش عايزه أكل، جيت أشوفك بس، عشان وحشتني)
تطلّع حوله يشير لأحدٍ ناداه، منشغلًا يتجاهل كلماتها ويصفعها بالامبالاة والتهرب، عاد إليها قائًلا وما استمع لحرف (ماشي ماشي… هتروحي لوحدك ولا حد جاي معاكي ولا أشوفلك أوبر)
صرخت تستوقفه غاضبة منه (حمزة إنت وحشتني)
بهتت ملامحه من صوتها العالي الذي أدار الرؤس لهما في فضول، رفع حاجبه وواجهها في تحدي وسخرية من مشاعرها (أيوة سمعت وصلت المعلومة ارجعي يلا البيت)
تابعت ودموعها تنساب في غزارة (أنا آسفة ومستعدة لأي عقاب يرضيك بس ارجع)
ثبت نظراته فوقها لدقائق قبل أن ينسحب راميًا كلماته الجافة (خلصنا روحي لما أفضى وأروج هاجي البيت)
وقفت مكانها ذاهلة من طريقته معها، من قسوته التي تختبرها للمرة الأولى والتي حذرتها منها ورد كثيرًا. انهارت جالسةً أرضًا تبكي بشقاء وعذاب والجميع يطالعها بشفقة، نظراتهم تركض تجاه الذي تركها بترفّع وأهملها غير مهتم يتوسلونه العودة إليها والصفح.
دقائق وكان هيما يدخل المكان مهرولًا جلس قربها يستفسر (حصل إيه؟)
طالعته بنظرة تائهة وهي تهمس (مرضيش يكلمني)
شعرت أن حائط الأمان تهدم فوق رأسها، مكانها الآمن احتلته جنود القسوة، ركنها وملاذها امتلئ بالظلمة والوحشة.
أمسك هيما بذراعها وأوقفها محاولًا تهدأتها (يلا نمشي)
بداخل مكتبه كان يجلس بنفس البرود، مخفيًا كل شيء ببراعة كأن ما حدث للتو لا يعنيه ولا يخصه ولم يكن جزءًا من المشهد المؤلم وبطله.
دخل حسن المكان جلس أمامه يسأل (في إيه يا حمزة؟ وإيه الي بيحصل ده؟)
اعتدل حمزة في جلسته وأجابه بإبتسامة باردة (إيه عادي محصلش حاجه)
سأله بضيق هو الآخر (إيه وصل مراتك لكده وإنت إزاي سبتها؟)
تأفف حمزة بضجر قبل أن يصرف تفكيرحسن عن ملاحقة الأمر بالأسئلة (عادي مشاكل عادية متشغلش بالك)
قال حسن بحدة (مش عادي وطريقتك مش حلوة ولا كان ينفع تسيبها كده وتيجي تقعد بكل الهدوء ده)
أصابت كلمات حسن وترًا حساسًا بقلبه فقال بغضب (حسن إنت مش فاهم حاجه)
واجهه حسن بحدة (لا فاهم وعارفك لما تقفش وتقرر تقسى على الي قدامك)
أجاب حمزة بعصبية (كل واحد بيختار الي عايز يشوفه مني ولكل فعل رد فعل؟ أنا مشاعري مش مستباحة ومحل استغلال يا حسن)
حاول حسن تهدأته وإفهامه (بس إنت بتحبها يا حمزة ودي مراتك)
عاد حمزة لبروده الثقيل (ومبجتش عايزها عادي)
سخر حسن بفظاظة وضحكة ملتوية (خلاص طلقها واتجوزها أنا المرة دي)
صرخ يوقفه بغضب ونظرات مشتعلة مهددة (حسن)
نهض حسن واقفًا يخبره بسخط (حسن إيه يا أخي الله يهديك)
قالها وانسحب تاركًا الآخر يزفر أنفاسه الملتهبة ضاربًا المكتب بقبضته بقوة آلمته.
بالمنزل كانت ورد ترد على حسن الذي سارع بالإتصال (أيوة يا ولدي هي لسه مرجعتش، لا هيما معاها، معرفش انها هتروحله ولا هيحصل كدِه ربنا المستعان، ماشي يا ولدي مع السلامة)
أنهت الاتصال وجلست منتظرة، لم يدوم انتظارها كثيرًا دقائق وكانت تدخل بصحبة إبراهيم بحال يرثى له… استقبلتها ورد بعتابها الرقيق (ليه مجولتليش هتروحي)
صمتت سكن دقائق لتردف بإنكسار وعجز (كنت بحاول لوحدي يا مرت خالي)
استأذنتهما الدخول فهزا رأسيهما بالموافقة إشفاقًا عليها، هتف هيما وهو يتابعها بنظراته متأثرًا (صعبانين عليا يا خالتي جاتهم القرف)
ابتسمت ورد تلومه (أيوة جاتهم الجرف ولا صعبانين عليك مش فاهمة؟)
ضحك هيما قائلًا (الاتنين عادي، وشكلهم هيقرفونا كتير والله وهنشتغل مصلحين)
قالت ورد ضاحكة (لاااه سيبهم هيتصافوا لوحدهم ومع نفسهم)
هتف هيما غير مصدق ولا مقتنع بقولها (أما نشوف ولدك ركب الوش التاني خلاص )
تنهدت ورد قائلة (ربنا يهدي النفوس)
بداخل حجرتها كانت ترتمي فوق فراشها باكية لا تصدق ما فعله معها ولا قسوته الشديدة عليها وتخليه عنها بكل هذا الهدوء وتركه لها كأنها لا تعنيه من الأساس…
تذكرت كل شيء مرا به حتى توقفت عند اللحظة، لم يكن حمزة مخطئًا معها هي التي استنفذت كل طاقته وامتصت صبره ودفعته لذلك دفعًا فلماذا تبكي الآن.
***************
في المساء تغنت الجدران بصوته وترنمت فرددته لها وهمست به في أذنها وحمل لها الهواء رائحته الذكية فانتعشت خلاياها وأزهر الأمل في وتينها انتفضت معتدلة لا تصدق، لكن صوت ضحكته الخافتة غرّد في قلبها الذي يحفظه، اتجهت لخزانتها وارتدت أجمل ما تمتلك، بجامة بلون وردي دون أكمام كتفيها من قماش التل الأسود، لها فتحة صدر على شكل قلب تحدد جسدها ببراعة وتظهر مفاتنها بسخاء الشكل العام بجامة عادية ولمن دقق النظر هي كارثة.
صففت خصلاتها التي طالت كثيرًا لإلتزامها بتعليماته وإرشاداته عقدتها في ذيل حصان طويل تاركة غرتها تتمايل فوق جبينها الرقيق.
ولا ضرر من بعض الكحل الذي يظهر جمال عينيها ولونهما الرائع.
سمعت صوت حمزة الصغير فاضطرت لإرتداء عباءة فوق ملابسها ووضعت حجابها بعشوائية وخرجت.
استقبلتها سامية بفرحة (تعالي يا سكن شايفة جوزك جايب ايه لميزو؟)
تبعثرت نظراتها حول الأغراض والحقائب الكثيرة قائلة (حمزة يستاهل معندناش أغلى منه)
تجاهل كلماتها وأشاح غير راغب في رد النظرات لها أو الاهتمام بوجودها، لتفيقه ورد بصوتها الحاد المحذر (خد مرتك جنبك يا حمزة)
تفهم ما تعني كلماتها والتحذير المبطن بعدم الإيضاح، فابتعد تاركًا مسافة واسعة لتجاوره ففعلت وليس أحب إليها من ذلك، خطف قلبها وهو يلاعب الصغير ويضاحكه ويضحك معه،ويضمه بكثرة
لقد أغرمت بحمزة الأب كما الحبيب والصديق،
خطفت قلبها معاملته للصغير بهذا الحنو والحب فظلت مشدوهةً تتابعه، كأن العالم يخلو من الجميع عداه لا تشارك في الحديث ولا تتحاور، حوارها كان معه هو الذي يتجاهلها ويرد لها الصاع صاعين ولما طال به الأمد ويئس أن تنتزع عينيها وتدير عنه رأسها وتتركه لحال قلبه وشأنه نهض بالصغير قائلًا (تعالى يا أستاذ ميزو نعمل حاجه نشربها)
تبعته نظراتها حتى اختفى فغمزت لها سامية قائلة (اوعي تكوني غيرانه من ميزو)
ابتسمت بحرج، وهي تهمس (لا…
جاورتها سامية بأريحية تلكزها بشقاوة وهي تهمس لها (ولا الدكتور واحشك..
تلونت وجنتاها بحمرة الخجل وقد أصابت الجارة اللطيفة بكلماتها، لتلكزها سامية مرة أخرى (يبقا واحشك وراه بقا متسبهوش )
نظرت إليها بغرابة فهمست سامية بضحكة(ايه؟ دي أحلى أيام حياتكم متعديهاش كدا)
ثم تنهدت بهيام قائلة (آه ليت الشباب يعود يومًا بقا أو ميزو يهديه ربنا وينام)
تذكرت أنها عادت فقالت بحماس ونظرات لامعةً (هسيب ميزو لطنط بقا لو منامش فرجت)
تضجرت وجنتا سكن بالحمرة من شدة خجلها، فقالت سامية متعجبة (ليه محسساني بقول كلام عيب قومي يلا على ميزو الكبير)
ابتسمت ورد التي تابعت منذ البداية، فأشارت لسكن (روحي يلا زي ما جالتلك)
استقامت واقفة، مغادرة تتبعها دعوات سامية الصادقة(ربنا يسعدكم)
أممت ورد خلفها، وارتج قلبها هي، قطعت الممر حتى وصلت للمطبخ وقفت على عتبته بصمت تتابع ما يفعله، بالخطأ التقى بنظراتها فأشاح بسرعة
سألته بصوت منخفض (مبتبصليش ليه يا حمزة للدرجة دي مش طايج)
همس بتهكم وهو يقدم قطع الفاكهة للصغير (لاااه خالص أنا جولتهالك زمان لو عايز أحط عيني فعينك ومشوفكش يا بت خالي هعمل كدِه)
أقتربت تطلب منه (حطها يا حمزة ومتشوفنيش بس هبجا أنا شوفتك)
تهكمه تحول لنصف ضحكة عكست رده على كلماتها الرقيقة المتمثلة في الاستهانة، قالت وهي تقترب أكثر (سامحني يا حمزة أنا آسفة أنا كنت فاهمة…..
قاطعها ببسمة شفاه تقطر برودًا، فاجئها وأربكها(أنا سامحتك عادي من زمان ومفيش داعي لمبررات أو كلام يا بت خالي)
طلبت رغم شكها بكلماته (طيب ارجع البيت )
قبّل كفوف الصغير مبتسمًا يخبرها (رجعت اهو عادي)
حاولت الحديث فقاطعها غير راغب بالكثير، يقرأ رغبتها ويترجم عواطفها، حتى لا تتهور أكثر وتسكب عواطفها التى يراها واضحة بنظراتها، حفظها هو ويعلم ما تريده الآن وتتردد، سيوقفها لا يريد هذا العناق الذي تسعى إليه وتطلق نظراتها تستكشف الطريق وتمهده لتمر وتلقي بنفسها بين ذراعيه نادمة أو مفصحة عن عشق ما عاد يصدقه..
(طلعي العصير للضيفة واجعدي معاهم ميصحش تسبيهم)
فهمت أنه لا يرغب في البقاء معها، ويلخص الحديث ويمنعه، فأطاعت وحملت الصينية وسارت وهو خلفها يحمل الصغير ما إن وضعت الأكواب حتى اتجه ناحية شقته وفتحها قائلًا بصوت قصد أن يُسمع (تعالى بجا نجعد لوحدنا بعيد عن الدوشة)
ضمت شفتيها منزوية منكمشة حين نطق بكلماته وشعرت أنه يقصدها هي ويرميه لها عن عمد، تعرقت ظنًا أن الجميع يطالعها وقد فهموا كما فهمت، لكن وحدها ورد من وعت للكلمات وتجاهلت متابعةً الثرثرة مع سامية لتشعرها أنهما منغمستان في الثرثرة ولم يلتفتا .
بعد مدة أشارت لها سامية بعفوية وابتسامة ودودة (هاتيلي ميزو يا سكن شكله نام أروح أنا أنام والله لولا أنكم عرسان كنت قولتلك تعالي باتي معايا أنا حبيتك خالص)
اقتربت سكن متعاملة بعفوية شديدة، ضمت سامية ممتنة شاكرة كلماتها تمنح مشاعرها دون قيد أو تفكير(وأنا كمان يا سامية)
حمحم حمزة ينبههما لوجوده وقد استمع لحديثهما فقال بتهكم أنبت في صدر الأخرى غصة ونال به سخط ورد ولومها وغضبها (خدي الأستاذ نام ولو عايزه المدام خديها عالبيعة)
ظنته سامية مزاحًا فقالت ضاحكةً (من ورا قلبك طبعا أنا عارفة)
اقتربت سكن وأخذت الرضيع من بين ذراعيه فتلامست أيديهما مما جعله ينتفض ويعود خطوة للوراء كمن لدغته حية، ناولت الصغير لوالدته التي ألقت عليهم تحية المساء ورحلت وبقيّ ثلاثتهم ينظرون لبعضهم.
استدار يريد الانسحاب لشقته فأمسكه صوت أمه المنادي من ملابسه وجره ليعاود الاستدارة متحاملًا يكتم زفراته ويجيب من بين أسنانه بغيظ (أيوة يا أمي)
أشارت بحدة ووقار (تعالى)
جاورها بصمت، لتشير لسكن أيضًا (اجعدي يا بتي)
جلسا متقابلين، وكلاهما رنت أفكاره لموقف مشابه حدث وكيف تصافيا ومكثا ليلة كاملة في المطبخ
لان حمزة وابتسم لكنه تهكم وسخر بغلظة وجفاء(مفيش بسكوت يا ورد خلاص ابجي وزعيه على روحي في الجبانة)
صرختها المعنفة بإسمه أعلمته أنه تمادى في حماقاته (حمزة)
استغفرت ورد تكتم غضبها منه ومن كلماته
فصمت، وتوجعت الأخرى مترقبة، تتمنى لو نجحت ورد تلك المرة.. قالت ورد (ناويين على أيه؟)
قال نفس كلمات والدته لها (تتعالج وتمتحن وخلاص كدا هبجا وفيت بوعدي معاها)
طالعت سكن بنظراتها متسائلة (مرضية يا بتي؟)
نظرت إليهما بصمت فهتف بفظاظة وهو ينهض معلنًا تعبه وإرهاقه وحاجته للنوم (السكوت علامة الرضا هروح أنام بجا)
أوقفته ورد مرة أخرى مستاءة (حمزة)
هتف حمزة بصبر نافذ، وجحيم غضب يحبسه عنهما (ربنا ياخده حمزة عشان يرتاح وهي ترتاح وإنتِ يا أمي ترتاحي) استنكرت ورد بشهقة ملتاعة ونظراتها الحادة تردى قوتها قتيلة على عتبات كلماته التي اخترقت قلبها وطرقت فوقه بعنف، ليستدير هاربًا من كليهما ويهتف بتهكم لاذع
(عيزاني أجعد معاها ليه ها ؟دا أنا بجيت خايف أبصلها تجول عايز مني غرض ولا بصته ليا لجسمي فاكرة مفيش حلوين غيرها فالدنيا وإني لو عايز هجيب الي أحلى منها ميت مرة)
كتمت سكن شهقات بكائها بباطن كفها مندهشة مما يقوله وزرعته بخافقه وقسوة كلماته.
نهضت ورد في صمت، وهي ترمي عتابها بصوت خافت (كتر خيرك يا ولدي اعمل الي عايزه)
انسحبت لحجرتها وبقيت سكن مكانها لا تريد تركه وحده الآن وهو يحصد ويعدد خسائرة التي كانت هي سببًا رئيسيًا فيها.
تلفظت بإعتذارها من بين دموعها (معلش يا حمزة أنا السبب فكل دِه)
هتف بها في غلظة شديدة وانتقام (كويس إنك فاهمة وبتحسي والله)
تركها ودخل شقته، أغلق خلفه بقوة انتفضت لها الجدران في ملامةً.
غادرت لحجرتها ولم تجرؤ على الدخول لورد، بينما فعل هو، طرق الباب واستئذن الدخول مُطلًا برأسه (ادخل ولا مغضوب عليا)
عبست ورد ممتنعةً عن الإجابة، ليدخل هو مبتسمًا يشاكسها بمرح (اطرديني إنتِ كمان)
جلس جوارها وضمها مقبلًا رأسها معتذرًا عما بدر منه (حجك عليّ يا ست الكل)
ظلت على جمودها معه، فهمس مرة أخرى بصدق (أنا آسف يا أمي بس متجيش عليا أرجوكي)
استنكرت متعجبة من قوله (أنا يا حمزة أجي عليك)
ازدرد ريقه متوترًا ليمسك بكفها ويضمه موضحًا (زمان لما نسيتها إنتِ عاقبتيني وهي جالتلك متضغطيش عليّ ومتجبرنيش اكلمه وإنتِ وافجتي وخدتي صفها دلوجت أنا بستأذنك متضغطيش عليا أنا فعلا مش جادر والله حتى أبص فوشها)
سحبت كفها هامسةً بنبرة مهتزة (ماشي يا ولدي حجك عليا الي عايزه اعمله ومش هتدخل)
توسلها بعطف (أرجوكِ عايزك تفهميني من غير ما تزعلي مني وتشيلي، أنا تعبان جوي)
خرجت من حجرتها للمطبخ فوجدته جوار والدته يحاول مصالحتها وإرضائها وقفت قليلًا فأردف بمكر (سبيني أسافر زي ما جولتلك يمكن أرجعلك بعروسة تجبلك الحفيد زهرة دي متنفعش عايز واحدة حلوة ترضيني بجا دي أهم حاجه عندي واختارها نجاوة من بره)
دخلت حجرتها وأغلقت خلفها بغضب فهتفت ورد تنهيه عن مواصلة العبث بقلبها والضغط عليها (إنت كدِه مش بتأدبها لاااه بتجننها حرام عليك)
سألها بخبث (جصدك مين؟)
مصمصت قائلة وهي تضربه على كتفه بنظرة معاتبة (عليا أنا يا حمزة الشويتين دول ما إنت واعيلها وجاصد ترميلها الكلمتين)
انحنى يقبل ظاهر كفها ضاحكًا يخبرها بكيد (بعاملها بالمثل وزيادة أنا راجل حقاني يا ورد برد كل حاجه بزيادة)
همس يرجوها بنبرة مبحوحة (بالله عليكِ ما تزعلي مني يا أمي دا إنتِ روح جلبي)
ربتت ورد فوق خده بحنو هامسةً (مش زعلانه غير عليك يا ضنايا وخايفة عليك من نفسك، سافر يا حمزة سفرية الشغل الي جولتلي عليها ولما ترجع بخير ربنا هيحلها)
قبّل رأسها بتقدير قبل أن ينهض مغادرًا (تصبحي على خير يا حبيبتي)
(وإنت من اهله يا ولدي)
دخل المطبخ وانتزع جهاز القهوة خاصته وبعض الأغراض ثم توجه بهم ناحية شقته لتبدأ ليلة أخرى لا يعرف كيف سينهيها وهي قريبة لهذا الحد وبعيدة كأبعد ما يكون.
**************
في الصباح
خرج من شقته ممسكًا بكوب القهوة مبتسمًا كعادته، ألقى تحية الصباح وجاور والدته بينما كانت هي تجلس حول الطاولة ممسكةً ببعض الأوراق والكتب تعجب مما يراه لكنه تجاهل وابتلع سؤاله، طرق هيما الباب ففتح له حمزة واستقبله (خير)
أجابه هيما وهو يجلس أمام سكن حول الطاولة (متفق مع سكن أجي أذاكر معاها وبعدها هنطلع نروح سينما)
ضرب حمزة الباب بعنف وغضب نبع من داخله وكشفه، ثم عاد لجلسته ممسكًا بكوب القهوة يختلس النظرات كل حين..
هتف هيما وهو يميل بكرسيه للخلف (بقولك يا دوك ما تيجي تساعدنا شوية)
عض جانب شفتيه مترددًا مفكرًا ونظراتها تترقب مجيئه بلهفة مكشوفة جعلته يميل للخلف ببرود قائلًا (لااااه ماليش مزاج)
عادت نظراتها للكتاب الذي أمامها بخيبة، قبل أن تتمرد على قلبها وتهتف لهيما (هات أنا هشرحهالك)
رمقها هيما بشك لتبتسم في دعوة (جربني)
اغتاظ حمزة بشدة من كلمتها وتباسطها الشديد مع هيما وهزارها الذي يتخلل كلماتها وحتى توافقهم في الحديث ورمى الإفيهات وكفيهما اللذان يضربان علامة النصر بعد كل إجابة له وضحكة.
عض باطن شفتيه بقهر مكتوم، جعل والدته تبتسم له بحنو، رغمًا عنه استمع لشرحها البسيط السهل وإطراء هيما وإعجابه الذي دفعه يهتف متباسطًا (أقسم بالله إنتِ أحسن من المستر إيه يابت الجمدان ده؟)
ضحكت بنعومة شاكرةً له (أي خدمة يا باشا سبعة صنايع والبخت ضايع)
تعجب حمزة رغم غيرته الشديدة عليها، من ذكائها الذي أدهشة وسرعة البديهة والحفظ.
بعد مرور ساعة دخل شقته واعتزل بها، أنهت هي دراستها وغادرت لتبدل ملابسها، عادت لتجد هيما بإنتظارها طلبت منها ورد بحكمة (سكن شوري جوزك الأول)
اتجهت ناحية باب الشقة فتحته ودخلت باحثةً عنه حتى وجدته أمام ماكينة القهوة خاصته عاري الصدر، شهقت متفاجئة وتراجعت للخلف متخبطة بخجل، ليهتف دون أن يستدير (عايزه إيه؟)
هتفت من الخارج بإرتباك وكلمات مثقوبة (عمتي جا.. لتلي استئذنك جبل ما أر.. وح مع هيما)
قال ببرود قاسي على نفسها ونبرة جافة (روحي براحتك معاكي كل الصلاحيات واعتبريني مش موجود أو ميت أو متجوز عليكي)
أدمعت عيناها بقهر وانسحبت بسرعة هاربة من قسوته وكلماته التي تمزق روحها، مسحت دموعها وسيطرت على انفعالها قبل أن تغادر الشقة، لكنها تصلبت مكانها حينما وصلها صوته (حلوة يعني جامدة وهتدلعني ولا نكد وهتجرفني، أنا بعيد عنك بجيت سافل ومش عايز حب وكلام فاضي عايز واحده تكون بطل)
ضحك بإنطلاق وهو يهتف بالتالي (خلاص اتفجنا بالليل نتجابل، خلاص يا عم توبت سيبت الحب لناسه خلينا فالجد أنا عايز أعمل بيت وأكوّن أسرة ويكون عندي عيال)
خرجت من الباب باكية، تمسح دموعها التي لا تتوقف غادرت راكضة لحجرتها تحت نظرات هيما وورد، ليهمس هيما (أنا مش متفائل)
أجابته ورد وهي تنهض مقررة اللحاق بها (ولا أنا وشكلي هسيبلهم البيت واطفوش)
ضحك هيما على كلماتها ولولا خوفة من حمزة لذهب إليه وعاتبه فيها لكن آثر الصمت والإبتعاد.
دخلت ورد الحجرة لتجدها متكومةً فوق الفِراش تبكي بحرقة شديدة وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة لها، جاورتها متسائلة (حمزة عمل حاجه؟ جال حاجه؟)
اعتدلت جالسة تهز رأسها برفض وضياع، لتعاود ورد السؤال (طيب مالك دخلتي وطلعتي تبكي)
مسحت سكن وجهها وألقت أمنيتها (عايزه أخف؟ وعايزه حمزة يرجع وعايزه أكمل معاه هينفع أعمل كل دِه ولا خلاص؟)
ابتسمت ورد وهي تقترب منها ماسحةً لها دموعها سائلة (مفيش خلاص يا بتي طول ما فينا نفس، كل حاجه ينفع تتصلح وترجع أحسن من الأول )
قالت متلهفة ونور الأمل يخترق ظلمة قلبها ويبدد وحشته (جوليلي اعمل إيه وهعمل)
ضمتها ورد بحنو هامسةً لها (جبل كل حاجه لازم تتعالجي وتخفي عشان نفسك وعشان تقرري بعدها إنتِ عيزاه ولا لااه ومفيش غير حل واحد الي جدامك دلوك)
سألتها دون أن تبتعد عنها (إيه هو؟)
قالت ورد وهي تبعدها عنها قليلًا محتويةً وجهها وملامحها في نظرة دافئة (عمك حسان يا سكن)
**************



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close