اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم عائشة حسين

❤️الواحد والثلاثون ❤️

🌷كان حظ العابرين على قلبك أكثر من حظ المقيم فيه يا حلوتي 🌷حمزة

🌷اخبروا حبيبي أن من كُلي، قلبي فقط من اطمئن عليه لأنه معه وملكًا له 🌷سكن

🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷
سألها بتوهةً بضياع لا يستوعب كلماتها ولا تلك الأحرف المهاجمة التي تشابكت مكونةً كرة من النيران ضربت إدراكه :(يعني إيه؟)
انتحبت بشدة متخبطة هي الأخرى، أخبرته بتلعثم :(معرفش ، أنا خايفة)
ترك كل شيء خلفه، النداءات والعمل، الأسئلة المتبادلة والاستنكار، لم يلتفت لملابسه مرة واحدة قبل أن يصعد للسيارة أنهى الاتصال وسارع بمهاتفة هيما وطلب منه الذهاب فورًا حتى إذا ما تأخر هو سارع هو بعمل اللازم وإنقاذها.
همس لنفسه بعتب: (لاااه يا ورد متعمليهاش أموت فيها)
تتواثب دقات قلبه ويستوحش صدره بظلمة الشعور المميتة الحابسة للأنفاس، يتنفس بسرعة راكضًا في مضمار القلق الطويل، سباق مع الألم يخوضه الآن لا أمل لديه بالفوز،هل ستفعلها وترحل وتتركه حقًا؟
بالمنزل كانت تقف مرتبكة حائرة تهرول في الشقة ما بين الباب وتخت ورد، تستنجد بالدقائق والساعات تتوسل الزمن وترجو المسافات ولو كانت العجلة شخصًا لتوسلته أن يحمله ويأتي به.
طُرق الباب بشدة فركضت وفتحت لتجد هيما في وجهها، لم يلق عليها أي تساؤل اندفع للداخل بسرعة ليرى الأمر.
وقف عاجزًا أول الأمر، ضغط رأسه بكفيه قليلًا يوّقف تشابك الأفكار وضجيجها، أمسك بمعصمها وضغط خفيفًا بإبهامه كهذا علمه حمزة يومًا.
تذكر ما علمه له حمزة ودربه عليه، تناول جهاز السكر الموضوع جانبًا بصمت تحت نظرات سكن المرتجفة، قام بسحب عينه وأجرى الاختبار ليهتف بقلق شديد (شكلها غيبوبة سكر، السكر منخفض)
فتش حوله بسرعة بعدما ألقى الجهاز جانبًا، تناول مكعب سكر ووضعه تحت لسانها وانتظر.
دخل حمزة راكضًا، دارت تجاهه الرؤوس في قلق وخوف، غاص قلبها داخلها وهي تراه بتلك الحالة المزرية، ليسارع هيما بطمأنته (غيبوبة سكر متخافش)
رُدت إليه روحه من جديد، التقط أنفاسه حامدًا الله قبل أن يندفع هو ويواصل إسعافها بنفسه.
نظراته أبلغ من أي حديث، تلك التي تتوسلها الإفاقه وترجوها المقاومة، كفاه اللتان تعملان بجهد مرة وتربتان على جبهتها بحنو مرة.
عيناه التي تتنقل للعمل وتستقر بسرعة فوق وجهها متنسمة عبير الأمل.. حتى مُنح إياه فضحك كطفل صغير.
حملها بعدها بين ذراعيه وغادر بها لأقرب مشفى،
هتف لهيما (هات سكن وتعالى ورايا يا هيما)
أومأ بصمت قبل أن يغادر حمزة ويبلغ هيما تلك الواقفة شاخصة النظرات بذهول وإرتعاب، مازالت الصدمة تؤثر عليها وتغيّب وعيها.
(البسي يلا هنروح وراه)
انتقلت للصالة، جلست فوق الآريكة مهددة من قِبل الانهيار تحت تهديد سلاح البكاء اللعين (هستنى هنا)
هتف هيما ببعض الحدة والرفض متفهمًا الأمر (مينفعش تسيبي حمزة لوحده)
طالعته بنظراتها المهزوزة، الفاقدة للروح متذكرة توصيات ورد الدائمة لها بالوقوف جانبه وعدم تركه،لكنها تشعر بالضعف والخوف الشديد من رؤيتهما هكذا.
احتد هيما مرة أخرى كارهًا ما هي فيه من استسلام وضعف (قومي يلا مش عايزين نتأخر عليه)
نهضت وهي لا تعرف كيف تكون المواساة في موقف كهذا، كيف تنظر إلي عينيه من الأساس وهما تمتلئان بهذا الكم الهائل من الوجع الذي تغرق فيه ولا تنجو.
اتجهت للحجرة أغلقتها وأبدلت ملابسها، ثم خرجت إليه، سار أمامها وخرجا مغلقين خلفهما متجهان بسرعة للمشفى القريب
*********
جلس منتظرًا خروج الطبيب منهك القوى، يفتش بنظراته عمن يدعمه، يشد أزره، من يمنحه زاد الأمان وشراب الطمأنينه، يرفع هاتفه ولا يعرف بمن يتصل ويخبره بما هو فيه الآن؟
نظر للهاتف بضياع شديد وهو يهمس محدثًا نفسه :

(طب أكلم مين يا أمي؟ مين أجوله أمي تعبانه أعمل إيه؟ كل مرة كنت بكلمك إنتِ وبطمن وارتاح، دلوجت هكلم مين؟)
أغمض عينيه مستندًا بظهره للحائط، يدعو ويبتهل ليس له سواها في الحياة.
مجيء حسن ومعه زهرة أجبره على فتح عينيه، جلس حسن جواره مربتًا على كتفه بدعم (اجمد)
صمت حمزة فتحدثت زهرة مشفقةً عليه (متخافش كل حاجه هتبقا تمام)
نهض حسن يتنقل بين الحجرات ويحادث الأطباء فجاورته زهرة مواسيةً تحاول جاهدةً إخراجه من تلك الحالة،لكنه لا يستجيب نظراته تدور مفتشةً عنها يستعجل مجيئها ويهفو لذراعيها.
دخلت خلف هيما بتوتر وحزن، منكسة الرأس في ألم، مرتعبة أن يكون قد أصابها مكروه، تريد الهرب بعيدًا والإنزواء وتخشي أن تصاب بأحدى نوباتها التي كثرت .
نهض تاركًا جوار زهرة لا يطيق الجلوس، يتمشى في الممر بقلق، يدور حول نفسه أحيانًا حتى لمحها تأتي من بعيد بصحبة هيما، ضائعة مثله تمامًا
اقتربا منه، سأله هيما عن خالته فأجاب بإختصار ونظراته مسلطةً على تلك الواقفة خلفه تخفض نظراتها متهربةً منه.
حتى رفعتهما والتقيا حينها لم تستطع السيطرة على نفسها ولا تكبيل رغبتها، اندفعت تعانقه ، عناق قوي استقبله هو بترحاب كمن ينتظره ويهيئ جسده لاستقباله، بكت هي مُفصحة عن وجعها ووجعه اللذان التحما في تلك اللحظة، استمع هو كأن لسانها يتحدث عنهما سويًا ويعبر عن دواخلهما معًا.
استشاطت زهرة غضبا وغيرة من هذا العِناق الطويل والغريب.
ابتعدا أخيرًا بعدما تزودا وتصبرا من قربهما، يأخذها تحت ذراعه ضامًا لها منتظرًا مثل الباقين.
خرج الطبيب وطمأنهم عليها ونصحهما بمراعاتها والحفاظ على صحتها مثنيًا على سرعة التعامل والإنقاذ.
تدخل حسن متسائلًا عاتبًا (من امتى بيحصل كدا يا حمزة؟ إيه الي وصلها للغيبوبة مرة واحدة)
أجاب بتنهيدة مؤلمة (مش عارف)
كان دور زهرة لتتدخل (خلي بالك منها يا حمزة)
ثم سألت بمكر وهي تطالعهما (سكن سابتها ليه؟)
تدخل هيما مغتاظًا من خبثها موبخًا لها (إنتِ مجنونة؟ هو دا سؤال؟ سكن هتسيبها ليه؟)
ابتلعت ريقها بقلق وهي توزع نظراتها بينهما معتذرة (مقصدش أنا آسفة، كان قصدي سكن ليه مخدتش بالها منها كويس؟)
هتف هيما بنبرة غاضبة وهو يرفع جانب فمه بتهكم (مين قالك مخادتش بالها؟)
وجهت زهرة نظرات استنجاد لحمزة الصامت مستمع للحديث لا يرخي ذراعه عن كتفي زوجته كإشارة واضحة ربما تفهمها وتصمت ولا يحتاج لإسكاتها وإيقاف كلماتها التي تعيث في قلب تلك المرتجفة فسادًا، لا يريد أن يشعرها بالذنب فتجلد نفسها بالندم.
أوضح متنهدًا معترفًا بخطأه (أنا غلطان معلمتش سكن تتصرف إزاي فالمواقف دي هي ملهاش ذنب)

كلماته كانت عود ثقاب أشعل حرائق الغيرة داخلها، لتعتذر منه وتستمر بفظاظة (لازم تعلمها وتفهمها علشان المواقف دي)
نفخ هيما مفصحًا عن غضبه دون خجل أو مواربة (إنتِ جاية ليه؟ وفري نصايحك لنفسك)
زجره حمزة بنظرة غاضبة، وهتاف عالي بإسمه ممتليء بالرفض (هيما)
تصنعت الحزن، تهدجت نبرتها بالبكاء وهي تهتف (جيت اطمن على طنط بس لو وجودي عامل مشكلة همشي)
نهضت في إستعداد، تخطتهما بعدما يئست من هذا الواقف صامت كأن يروقه ما يحدث.
اعتذرت بحزن مفتعل وغادرت (آسفة إني جيت)
بعد مرور ثلاث ساعات أخبرهم الطبيب بتحسنها فدخلوا جميعًا للإطمئنان عليها.
🥀بعد مرور يومان في المساء 🥀
دثرت ورد جيدًا ومنحتها قبلة بعبق الحب وهمس رقيق مثل مشاعرها الدافئة (جوميلنا بالسلامة يا أمي وحشتينا)
فرقت ورد بين جفنيها المتراخيين وشدتهما امتنانًا وطمأنة لهذه المتعبة والمثقلة بهمومها وبحاجتها لها دائمًا، ربتت بأنامل مرتعشة فوق خدها وهي تهمس بإسمه في رجاء (حمزة)
قبّلت سكن كفها وضمتها هامسةً بحنان ينبثق من نظراتها (بيصلي)
سلبت ورد نفسًا قويًا عبقت به صدرها ثم التفتت لسكن ترجوها بحنو (خليكِ جنبه يسكن متسبهوش لوحده، حمزة متجبلش فالدنيا حد كدك ولا كشف نفسه لحد غيرك ولا هيبين حاجه لغيرك إنتِ بس فساعديه وخليكِ جريبة منه تعبي بيتعبه يا سكن)
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تهمس بشفاه مرتجفة (حاضر متجلجيش بس إنتِ جوميلنا بالسلامة)
ابتسمت لها ورد قبل أن تصرفها بتعب (هنام شوية وإنتِ شوفيه فين)
حطت سكن بشفتيها فوق مقدمة رأس ورد هامسةً (حاضر يا حبيبتي)
تركت سكن كف ورد جانب جسدها المسجي برفق قبل أن تغادر باحثةً عنه، خرجت للصالة فلم تجده، فعادت لحجرتهما طرقتها مناديةً عليه فلم يجبها، فتحت الباب وطالعت أركانها لكنه غير موجود، اضطربت دقات قلبها في خوف خاصة مع كلمات ورد لها الآن وأحساسها الصادق به وبما يعانيه في مرضها، ركضت للصالة تفتش عنه حتى وقفت حائرة، التقطت الهاتف واتصلت به حتى أوشى رنين هاتفه بمكانه داخل الشرفة.
وصلت إليه فوجدته جالس فوق الكرسي مغمض العينين عاقد الساعدين في استرخاء وصمت، لا يشعر بمن حوله. دمعتان وحيدتان تهبطان على استحياء ثم تستقران فوق خديه كبطاقة تعريفية للألم الذي ينخر قلبه الآن، توشيان بمعاناته ووجعه..
اتسعت عيناها فوقهما تحتويهما بنظراتها في هلع وارتعاش، جلست على ركبتيها أمامه تهمس بصوت خانه ثباتها وطُعنت قوته بسيف انهياره وهي تضع كفيها فوق ركبتيه (حمزة)
ضم حاجبيه في رفضٍِ واستنكار لمجيئها الآن في تلك اللحظة تطالع انهيار صموده، كره أن تراه بهذا الضعف خوفًا عليها لا عليه.
بصوت مبوح عانقه البكاء كررت بتوسل (حمزة)
فتح عينيه تائهًا نظراته تعانق نجوم السماء منتظرًا تاليها من الكلمات، خاويًا لا يجد ما يجيب به.
تماسكت لأجله، سيطرت بقوة على شهقاتها وهتفت تخبره (أمي صحيت وسألت عليك)
عادت الروح لجسده وانتفض، تغذت شرايينه بذكر اسمها، نهض فسارعت تخبره (جالت هنام شوية)
عاد لجلسته بخيبة ونظرات ضائعة يسألها بلهفة (كويسة يا سكن؟ جالتلك بجت أحسن؟)
ولما مال بجسده في قرب ٍ منها مال جسدها وضمت وجهه براحتيها هامسةً وهي تشرد في عينيه (عينيك فيها إيه)
مخضبة بالحمرة وندية بفعل الدموع، لكنه انكر (مالها مفيش)
تجمعت الدموع بعينيه المحتقنة مرة أخرى لتهمس بإرتجاف مستنكرة ذاهلة (بتبكي يا حمزة بتبكي؟)
أبعد كفيها عنه ينكر بهذيان وبتلعثم ( أنا لا أمي كويسة هتجوم)
كأنه يحدّث نفسه المتوجعة، يهمس لها أن تهدأ وتكف عن الأنين، يطمئن قلبه المرتجف.
فغرت فمها أمامه تستوعب الألم بنظراته ونزيف روحه، تدارك ما يحدث ثبّت نظراته فوقها وصمت لدقائق قبل أن يترك الكرسي لبراح الأرض أخبرها وهو يغمض عينيه متهربًا كأن البوح وحده كفاية، فما الداعي لنظرة محطمة تحطمها هي أيضًا، لا يحب أن يرى في عينيها تأثير ما سيقوله ويبوح به في مشقة (ولو بكيت دم مش خسارة فأمي)
طأطأ رأسه بعد قوله، لتقترب منه وتضم رأسه المتعب لصدرها هامسةً (مش عايزه أشوفك كده)
حاوطها بذراعيه مُفصحًا (ولا أنا عايزك تشوفيني كدِه يا سكن، بس ورد هي جوتي كلها )
دعت بحزن وأناملها تتجول في خصلاته (ربنا ما يحرمنا منها)
زفر مع انفاسه الحارة التضرع والتوسل (يارب يارب)
ابتعدت عنه قليلًا ترمقه بعينين صافيتين تضخان الحنان في جفاء عواطفه وتقتلع جذور الخوف الخبيثة من منابتها (جوم يا حمزة اطمن عليها وريح شوية)
نهضت واقفةً تمسك بكفه محتويةً تسحبه كطفل خلفها، دخلا الحجرة فأشارت له ( اطمن عليها هروح اعملها يانسون وارجع)
ترك كفها ودلف للداخل بينما غادرت هي للمطبخ، وقفت قليلًا مستوحشةً المكان دونه ودونها، المكان المفعم بحيويته ونشاطه، الممتلئ على الدوام بضحكاته ومعبق بأنفاسه خالي منه منذ ثلاثة أيام ، هجره لرعاية والدته، لا يبرح جوارها ولا يفكر في سواها، حياته متوقفة تمامًا فاقد للروح والحياة كأن روحه غابت معها.
سمحت لحزنها بالتحرر أخيرًا من معقله، تركت دموعها تنساب في غزارة،قوية أمامه ولأجله عدا ذلك هي مثله وأكثر.
هما حياتها ودنياها، دونهما هي لا شيء مطلقًا، غارقة في بحر الحياة الواسع.
مسحت دموعها وأطلقت لسانها بالدعاء والذكر كما علمتها ورد ثم بدأت في عمل مشروب دافيء لها وبعض الشطائر له .
جلس على ركبتيه أمام وجهها النائم، ضم كفها ورفعه لفمه يلثمه بحرارة وهو يهمس بتردد (أمي، أمي)
أفاقت على همسه الذي أعادها لسنواتٍ طوال، ابتسمت له فأضاء وجهه وبادلها الإبتسام بفرحة
(إنتِ كويسة يا حبيبتي)
حافظت على ابتسامتها قائلة (وحشتني يا حمزة)
توسعت الابتسامة لتصبح ضحكة ولم يسع الكون أجنحة سعادته، قال وهو يغمرها بنظراته (وإنتِ كمان)
قالت محاولة إدعاء القوة رأفةً بقلبه (ساعدني أجعد يا واد حكيم)
نهض بلهفة، ممسكًا بذراعها في قوة لتستند عليه بكفيها وتعتدل جالسة فيضع خلف ظهرها وسادة متسائلًا (مرتاحة كدِه يا حبيبتي)
ربتت على كفه الذي يضم كفها وهمست (تمام يا ضي عين أمك)
جلس جوارها يتنعم بقربها ويعبق رئتيه برائحتها، يريدها أن تتحدث ولا تصمت، تثرثر دون توقف ليشبع من صوتها الذي افتقده، صوتها الذي يمنحه السكينة ويربت على كله.
سألت بتعب ومازال كفه يضم كفها (فين سكن؟)
أخبرها ونظراته تنهب من ملامحها ما تشاء (بتعملك حاجه تشربيها)
أخبرته بإبتسامة ضعيفة تجاهد لتنجو من أنياب المرض (جدعة سكن)
صمت طويلًا ببؤس فعاتبته بمزاح (في إيه يا واد عبدالحكيم زعلان ليه هو أنا هعيشلك العُمر؟ مسيري فيوم همشي)
انتفض منقبضًا، قبضة ملتهبة تعصر خافقه في جحيم نيرانها، همس يتوسلها (متجوليش كدِه)
ابتسمت تخبره برفق مشفقةً عليه (سُنة الحياة يا ضنايا، طالت ولا جصرت همشي والعمر الطويل ليك متحزنش كدِه)
أخفض رأسه في حزن عميق والشعور بما تقوله يكويه، التخيل يسحق خافقه، لتردف بضحكة (سيبني يا واد أروح لحبيبي متمسكش فيا وحبيبتك جارك اهي )
انحنى رأسه يقبّل كفها بتأثر شديد، كله يرتجف من كلماتها، همس بحشرجة (إنتِ حبيبتي يا أمي ومفيش حبيبة تاخد مكانك ولا تسبجك فجلبي)
ربتت ورد على رأسه هامسةً (اهدأ يا حمزة متوجعش جلبي)
رفع رأسه يهمس بصوت مبحوح (سلامة جلبك يا أمي ياريتني أنا بدالك، ياريت كل الوجع يجي فيا أنا)
زفرت بضيق من كلماته، ثم قالت تعاتبه (وكدِه أنا هرتاح يا حمزة؟ هتعب فوج التعب تعب)
توسلها بنبرة باكية كطفل صغير(طيب متجوليش كدِه تاني)
هزت رأسها مبتسمةً تخبره بإستياء ساخر (ارتاح أبوك مرضيش ياخدني كنه بيحبك أكتر مني عايزني جارك مش جاره)
ابتسم قائلًا وقد هدأ قليلًا(هفضل طول العمر محتاجك جنبي)
دخلت سكن تحمل صينية صغيرة، رفعت نظراتها المهزوزة لهما تتأملهما قبل أن تهتف بتزمت طفولي (حمزة زعلان جوي كدِه ليه؟)
ضحكت ورد قائلة (تعالي جاري يا بت)
تقدمت سكن منهما وضعت الصينية والشطائر جانبًا وجلست متربعة أمامهما فوق الفِراش تهتف بسعادة (الدنيا نورت يا أمي)
ضربها حمزة مشاكسًا متأفف بضيق مصطنع (أمك فقنا هو تلزيج)
نفخت في غيظ وهي تهتف استنجادًا بورد (شايف جرّ الشكل، ميرتحش لو سكت وسابني)
أوضحت بضحكة استمتاع حقيقية على ما يفعلانه (دي كتر محبة يا سكن، حمزة مبيحبكيش تسكتي ولا تهدي عايزك طول الوجت مالية الدنيا حواليه)
ابتسمت له بعشق قبل أن تباغته بعناق تفاجأ به، همست قرب أذنه بحنان (بجت كويسه اهي متزعلش تاني خالص ولا تكشر، دموعك نزلت فجلبي أنا يا حمزاوي)
مازحها وهو يربت على ظهرها متقبلًا عطايا قلبها الثمينة (ينفع جدام ورد مفيش أدب خالص ولا فِهم)
ابتعدت عنه تملأ فمها بالضحكات قبل أن تعانق ورد بقوة هامسة لها كما فعلت معه (ربنا ما يغيبك يا أمي ويخليكم ليا وميحرمنيش منكم)
ابتعدت فهمست وود (ماشية توزعي حب يا سكن)
ضمتهما في نظرة واحدة قائلة وسماء عينيها تنذر بمطر (ومين يستاهل الحب غيركم فالدنيا)
قطب حمزة قائلًا (سكن بجالها كتير متعاجقبتش يا ورد ولا قرأت شوفيلها رواية رومانسية أحلى تقرأها عشان هي بتكره الرومانسي)
كشفته ورد قائلة بسخرية (ودِه عقاب ليها ولا ترضيه ليك؟)
ضحك حمزة بخجل وهو يخبرها بينما يطالع الصامته ببلاهة (الي تشوفيه يا أم حمزة)
داعبت ورد ذقن سكن قائلة لولدها (احكيلها إنت هيبجا أحلى وأحلى، جلبك كله حكايات محلاها لما تحكيهالها وتسمعها هي)
أكدت سكن ببراءة وعفوية وهي تضحك بإستمتاع (أيوة حمزاوي صوته جميل وأنا بحب اسمعه)
ضحكت ورد ضحكة قصيرة ملبدة بالسعال المتقطع قبل أن تشير له (هات يا ولدي اليانسون كان الله فعونك)
اعتدل حمزة وتناول الكوب ومنحه لوالدته، فقالت سكن بإهتمام وهي تحيطه بنظراته ورعايتها (حمزة عملتلك ساندوتشات إنت مأكلتش حاجه)
أخذ حمزة الصينية ونظر إليها بإعجاب وسعادة قائلًا (عشاني أنا يا سكن؟)
اندهشت من فرحته البريئة بصغير صنعته لأجله قالت مستنكرة (ايوة إيه؟)
شكرها بحرارة وعاطفة شديدة (شكرًا يا سكن)
فغرت سكن فمها ببلاهة وهي تطالع ورد المبتسمة وتسألها بإشارة عن رد فعله ولولا بعض من تعقل لهتفت بما سيزعجه لكنها غمغمت به (دا عبيط ولا إيه؟)
منحتها ورد الكوب الفارغ قائلة وهي تشير لهما (اطلعوا يلا عايزه أريح شوية)
نهض حمزة قائلًا وهو يمسك بصينية الطعام (هنبات جنبك)
رفضت ورد وهي تسحب مسبحتها من تحت الوسادة (لااه يا حبيبي)
رمقتها سكن بنظرة مستنجدة ورجاء حقيقي(لاااه هنيجي جنبك)
طالعت نظرات ورد الثاقبة المستشفة لها لتبتسم موافقةً (ماشي يا سكن إنتِ نامي جنبي وحمزة ابجا يفرش فالأرض)
صفقت سكن بحماس طفولي وامتنان وحب لتفهمها الوضع، لن تقدر على بعده كما أنها لن تقدر على اقترابه منها، خوفًا عليه لا على نفسها، لا تريد أن تؤذي قلبه بنفورها منه وهروبها رغمًا عنها.
تناول الشطائر مندهشًا مستطعمًا لها، شاكرًا (الله! جميل يا سكني)
جاورته ملتصقةً بها في حنو، تسأله بفرحة كاذبة وذهول متصنع (بجد عجبتك)
أكد بهزة رأس وهو يتناولها بنهم شديد، فلكزته مُقلدةً ورد (ما تبطل تطبيل لمراتك يا حمزة دي جبنة ياحبيبي مش جصة)
ضحك بإستمتاع وهو يميل هامسًا (ماهي حلوة بزيادة عشان من يدك يا بت عمتي هعمل ايه؟)
طبعت قبلة سريعة فوق خده هامسةً وهي تنظر لعينيه الدافئة مقتنصة نصيبها من العشق (وحشتني ضحكتك و روجتك يا غالي ربنا ما يحرمني منهم ولا منك وسامحني لوجصرت)
ترك الشطائر وانتبه لكلماتها ونظراتها ومعاناتها الخفية (مجصرتيش فحاجه يا حبيبي ليه بتجولي كدِه؟)
قالت آسفةً وكلمات زهرة بالمشفى تركت بقلبها جُرحًا خفي لم ينتبه له ( لو بعرف كنت ساعدتها)
تذكرت كلمات زهرة التي راحت عن باله، أمسك بكفيها وضمهمها ثم رفعهما مقبلا يخبرها بهدوء (كنتِ هتعرفي منين بس يا سكن؟ هيما اصلًا فاهم عشان عاش معانا فترة وشافني ولاني بسيب أمي معاهم كنت بفهمه وأعلمه وهو شاطر ماشاء الله ويعتمد عليه)
قالت بحزن (يعني مش زعلان مني يا حمزة؟)
رفع كفه يداعب وجنتها هامسًا برفق وتفهّم ( ليه هزعل منك يا حبيبي دا كفاية إنك جنبي ومعايا فالوجت دِه، مش عارف لو مكنتيش موجودة كنت هعمل إيه؟)
ضمها لأحضانه يحميها من أفكارها، يطرد عنها الحزن ومشقة الشعور بالتخاذل والخذلان، لتهمس له بغرام (أنا بحبك يا حمزة)
ملّس على خصلاتها يطمن قلبها بكلماته (مش أكتر مني يا سكني هوني على جلبك)
شعرت بأنفاسها تضيق فسارعت بالابتعاد منتفضة فقطب بإستفهام فسرته وهي تنهض مبتسمةً بتردد (يلا نروح لورد منسبهاش وحدها)
أمسكت بكفه وسحبتها لينهض مبتسمًا ويحاوط كتفيها بذراعه مستندًا بقوته، متعكزًا عليها حتى وصلا واستئذنا الدخول.
وجدا ورد جالسةً ممسكةً بمسبحتها، ابتهاج روحها تحول لإنقباض وابتسامتها احترقت في قدور الخوف وهي ترى الخيال الأسود يقف خلف سكن مطارًدا حتى دلفت للحجرة بصحبة زوجها.
جلست سكن متربعة فوق الفِراش تهتف بمرح ونظراتها تتابع حمزة الذي يفترش الأرض (عرفت عندك السكر ليه يا مرت خالي)
ابتسمت ورد وحثتها التكملة (ليه يا جلب مرت خالك؟)
تطلعت لحمزة بهيام ونظرات غائمة بجميل المشاعر وهي تهمس (حمزة خد منك كل السكر ونزل بيه)
توقف عما يفعل طالعها بنظراته مبادلًا لها عاطفتها بأكثر وأشد وهو يسألها بمرح (بتعاكسيني جدام أمي)
استندت بذقنها فوق قبضتها تميل بدلال وهي تؤكد (أيوه يا روحي عادي)
ابتسمت ورد ولم تعقب، فضحك حمزة ساخرًا منها(طيب أوعي يجيلك سكر مني)
تمدد ممسكًا بهاتفه، يشاكسها قائلًا (وإنتِ بجا سحبتي من أمك إيه.؟)
قالت مبتسمة وهي تطالعه بنفس النظرة الهائمة (أنت الي تجولي سحبت إيه)
رمقها بنظرة جادة وهو يخبرها ببعض الإنشغال (هفكر وأجولك)
قاطعتهما ورد قائلة (يا تناموا يا تروحوا أوضتكم)
سارعت سكن بالتسطح جوارها تعطي وجهها لحمزة وهي تتثاءب.
لم يدم استيقاظها كثيرًا سرعان ما نامت، فنهض ودثرها جيدًا بحنو مثبتًا غرتها للأعلى بدبوس حتى لا تزعجها ثم عاد وتسطح هو أيضًا مقررًا النوم.
دعت لهما ورد بإخلاص وتضرع وهي تراهما بهذا القرب وهذه الألفة.
********'' ****
في الصباح
استيقظت من نومها مفتشةً عنهما، خرجت باحثة ليقطع حمزة عليها الطريق مُلقيًا صباحه (صباح الورد والفل والياسمين على عيون حبيبي)
تعلقت برقبته مبتهجة القلب خافقة الفؤاد الذي ترنم بأروع أنشودة للهوى ما إن ضمها إلى صدره مُلقيًا فوق ثغرها عبق شفتيه ورحيق اشتياقه.
(صباحوو يا حمزاوي)
عانق خصرها بكفيه هامسًا (في مفاجآة بره مستنياكِ)
قطبت مرددةً بدهشة (مفاجآة إيه؟) تجاهلت وسألت بفرحة (ورد طلعت وجاعده بجد؟ )
هز رأسه بتأكيد وابتسامة رضا تتراقص فوق ملامحه، لتهتف براحة (الحمدلله الدنيا كانت مضلمة)
قاطعها وهو يرفع كفيها ويقرص وجنتيها بعتب (مهتمتيش يعني بالمفاجآة)
أكدت بسعادة وهي تضمه معددةً (ورد أهم، إنت أهم أي حاجه تاني بعدين)
أبعدها وسحبها للحجرة، اجلسها فوق التخت واقترب بعدما سحب فرشاة الشعر يلملم لها خصلاتها ويرفعهما قائلًا (مينفعش تطلعي كدِه)
سألته بفرحة طفولية ونظرة لامعة ارتفعت لتحتضنه بها (هتجعد معانا انهردا؟)
رش بعض بكفيه الرزاز من زجاجة جانبية ثم فركهما ببعضهما وبعدها مررهما فوق خصلاتها، لما انتهى مال يشتم العطر من خصلاتها ويهمس بثناء (حلو جدًا)
قالت برضا وابتسامة وهي تنهض واقفة (يسلم الي جاب)
سحبها من كفها للخارج يعدها بفرحة (تعالي بجا للمفاجآة)
لما اقتربا لف خلفها ووضع كفيه فوق عينيها قائلًا (يلا يا حلوة)
شهقت مستنكرة متعجبة والصوت الذي تحفظه يعبر لمسامعها موقظًا الحنين والشوق داخلها (حمزة دي راضية)
صمت وهو يقودها للخارج، ما إن رأتهما راضية حتى صمتت تشاهدهما بفرحة جلبت الدموع لعينيها، نهضت مقتربة منها فازاح حمزة كفيه وانحنى يهمس أمام أُذنها (بصي يلا يا حلوة)
فتحت عينيها لتصطدم بنظرات راضية الحانية الملتهمة فهمست غير مصدقة (أمه)
تلقائيًا أدارت رأسها لحمزة لا تعرف لما فعلتها لتطلب أذنه بالإقتراب أم مشاركةً له اللحظات السعيدة أم ليبصر هو بعينيه مرآة روحها وإن أكّد تتأكد هي مما تراه.
طبع قبلة رقيقة فوق رأسها مشجعًا وهو يراها حائرة مشتتة، اندفعت لأحضان راضية دامعة العينين تخبرها بعاطفة صادقة لا تعرف تصنعها (أمّا وحشتيني)
ضمتها راضية متقبلة، فرِحةً بعطاياها ولهف قلبها، قالت وهي تقبّل وجنتي سكن (وإنتِ يا حبيبتي وحشتيني)
لما أفرغت راضية عليها من شوقها ابتعدت تتأملها مُصرّحةً (صلاة النبي الله أكبر عليكِ هو حمزة عملك إيه؟)
عادت بتلقائية لجواره فلف ذراعه خلف كتفيها بدعم وإحتواء، لترفع سكن نظراتها لحمزة شاكرةً تلك المفاجآة ففهم وسارع بالإيضاح (مش أنا هي والله، صحيت لجيت الباب بيخبط وهي جدامي)
هتفت ورد لها (تعالي اجعدي يا راضية)
عادت راضية لجوار ورد تهتف وهي تتأمل فتاتها كيف تبدلت وازدادت جمالًا وبهاءًا، أصبحت مبهرة بكل تفاصيلها (مين دي يا ورد؟)
ضحكت ورد قائلة وهي تتأملها أيضِا بإعجاب (بتك يا حزينة)
غمغمت راضية منبهرة (الله أكبر صلاة النبي عملتوا فيها إيه؟)
دفعها حمزة بتفهم موجهًا لها تقديرًا لعمته التي قطعت المسافات لأجلها (روحي اجعدي جنب أمك تشبع منك يا حبيبي دي مرضتش تنام ولا ترتاح غير لما تشوفك)
كعادتها حولت نظراتها إليه دقيقة قبل أن تطيعه وتتجه ناحية والدتها تجاورها وتلقي بنفسها بأحضانها.
ضمتها راضية لصدرها مفصحةً عن شوقها إليها ولهفة قلبها (البيت من غيرك عفش ومالوش روح، ضلمتي هناك ونورتي هِنا)
قالت بإبتسامة ناعمة (هِنا منور بناسه ربنا يديمهم)
هتف حمزة معاتبًا وهو يجلس جوارها يتوسط أمه وعمته (إيه دِه الي جيباه يا عمتي بس؟ تعبتي نفسك ليه يا غالية؟)
هتفت راضية (واه أنا فديك الساعة لما أجي واجبلكم يا حبة عيني، لولا عمار كنت جبتلكم جنا كلها)
أمسك بكفها وقبل ظاهره شاكرًا ممتنًا (كفاية جيتك عندنا نورتينا وزادت بركتنا)
ربتت راضية بنظراتها فوق ملامحه داعيةً (ربنا يخليك يا حبيبي)
هتفت سكن بإمتعاض وغيرة (ما إنت حبيب عمتك لازم تجبلك)
مد حمزة كفه وضربها بخفها علي وجنتبها وهي بداخل أحضان عمته (بس يا جزمة)
ابتعدت عن حضن والدتها تزم شفتيها برفض لتضحك راضية وتخبرها (جبتلك الحمام الي بتحبيه والفطير)
ضحك حمزة قائلًا بسخرية مشاكسًا لها (أمااال متحبش غير الحمام الست سكن)
أكدت راضية بسعادة (بربيه عشانها وبعدين ما أنت بتحبه زي الغالي الله يرحمه)
سألتها سكن وهي تغيظه (جبتيلي كم جوز يا أما؟)
قالت راضية بفخر مطمئنةً لها (٢٠ جوز)
قالت سكن (طبعا كلهم ليا؟ حمزة مالوش)
استنكرت راضية قولها غير منتبهة ولا مستوعبة مشاكستهم (كيف يعني)
أكد حمزة (هنجسمهم إنتِ عشرة وأنا عشرة)
هتفت سكن ممتعضة (لااه بتاع امي أخده لوحدي)
نقّلت راضية نظراتها بينهما متعجبة، ليضربها حمزة بخفة على رأسها قائلًا (كل يوم بجبلك من المطعم دلوجت بتاع أمي)
وجهت راضية نظراتها لورد مستفهمة، لتضحك ورد مُخبرة إياها بسعادة (هما كدِه ليل نهار ناجر ونجير، سبيهم وجومي ريحي ضهرك)
سألها حمزة مستفهمًا (عمار مش هيجي يتغدى معانا؟)
قالت راضية معللة غيابه وقسوته (بيقول معاه شغل وهيلف على محلات الموبيليا هِنا لو خلّص بدري هيرجع مخلصش هيبيت في أي لكانده)
ضم حمزة شفتيه بضيق وآسف من أفعاله، لاحظته سكن وضاقت بأفعال أخيها وغروره
تركتهما راضية ونهضت مع ورد للداخل تغمغم وهي تخطو (صلاة النبي الله أكبر)
سحبتها ورد لحجرتها غير راغبةً في إخبارها بما يحدث وحقيقة عدم اقترابهما بالرغم من عيشهما سويًا إن توجهت بها لحجرتهما ورأت الفراشين.
جلست سكن فوق فخذي حمزة تسأله ونظراتها تستقر فوق الحقيبة الكبيرة تصرف عنه سوء الشعور وفداحة فعلة عمار وعدم اهتمامه (إيه دِه يا حمزة؟)
حاوط خصرها قائلًا (مش عارف عمتي جابتها)
عادت له هامسةً وهي تلف ذراعيها حول عنقه متذكرة غيرته الي ظهرت جليًا وهي تضم والدتها (مفيش برضو أحلى من حضنك يا حمزاوي)
قرص خدها ضاحكًا (صباح البكش)
زمت شفتيها بضيق واستياء من انكاره وسخريته من قولها، ليلثم شفتيها بسرعة مراضيًا لها وهو يقول (تعالي اعملك الفطير الي بتحبيه بطريجة حلوة هتعجبك)
هتفت ببعض التوتر والتردد (متزعلش عمار دي طريجته مع كل الناس)
لثم خدها ممتنًا لشعورها به وترضيتها الرقيقة (مش فارجة المهم وافج يجيب عمتي تشوفك وتشوفنا كتر خيره)
ضمته مرة أخيرة هامسةً (يسلملي جلبك الكبير دِه يا حمزة)
همس بسعادة (يسلملي الحلو أبو مزاج رايج)
نهضت واقفة تخبره ونظراتها تتوجه للحقيبة (هشوف أمي جايبه إيه علي ما تخلص)
قال وهو يقف متجهًا أيضًا للمطبخ (ماشي بس متتأخريش)
سحب الحقيبة بدلًا منها منها للداخل وضعها فوق الفِراش وتركها مغادرًا للمطبخ.
****************
في المساء بعد تناولهم العشاء
جلست سكن فوق فخذيه تثرثر كعادتها بينما ورد وراضية منعزلتان بالحجرة استعدادًا للنوم
تذكر كل ما أحضرته عمته والأغراض الكثيرة قائًلًابإستياء، مشاكسًا لها (هو إنتِ جولتيلهم إيه علشان يجيبوا كل الأكل دِه ؟)
قضمت أظافرها قائلة تبادله مزاحة بمزاج رائق ومرح ممثلةً البؤس (جولتلهم حمزة مبيوكلنيش ولا بيجبلي مانجا يا أما ولا حمام.. عايشه عالسميد والدجة هنا)
تصنع نبرتها وسخر بفظاظة من كلماتها قبل أن بعدها قليلًا عنه يمشط جسدها بنظرة جريئة ويخبرها بإحباط (حتى زايدة ٥كيلو من ساعة ما جيتي وبجا عندك كرش يا بتاعة السميد والدجة)
اعتدلت واقفةً تسأله بذهول ونظراتها لا تفارق ملامحه (جول والله يا حمزة)
كتم ضحكته قائلًا بجدية مصطنعة وهو يرمقها بنظرات متفحصة ليزيدها غضبًا (والله يا حمزة)
نظرت لجسدها بخيبة قبل أن ترفع نظراتها وتسأله متحرية الصدق (بجا فيا كرش صُح ؟)
عاينها بنظرات سريعة أكد بعدها مستفزًا لها (أيوة خفي أكل بجا)
مطت شفتيها تغمغم متذكرة ، شاردة الذهن (قيست الهدوم الي جابتها راضية أنا اشتريتها على مجاسي فجنا ومكانتش ضيجة دلوجت )
خبأ ابتسامته يؤكد وهو يطالع شاشة التلفاز يتصنع الإنشغال (بس الجميص الأحمر كان ضيق شوية)
هزت رأسها بتأكيد ومازالت عالقة هناك مُفكرة تؤكد قوله بغياب الوعي (أيوة صح محبتهوش برضك)
هز رأسه يؤكد بشقاوة وضحكة حبيسة الجدية (هو حلو بس خسيله شوية)
تأففت تصارع أفكارها (هحاول)
تعلقت باقي كلماتها وهي تحملق فيه مذهولة قبل أن تدفعه بكتفه مستفسرة بغيظ (إنت عرفت منين ؟)
أمال فمه قائلًا بمرح (هو أنا مجولتلكيش.؟)
هزت رأسها بصبر وهي تطاوعه (لا مجولتليش)
ابتسم قائلًا بلا مبالاة (الباب كان مفتوح وإنتِ بتجيسي يا بجرة)
سألته وهي تعتدل متحفزة تستنكر ما استوطن أفكارها اللحظة (وإنت طبعًا بصيت)
قطب مؤكدًا متذكرًا شعوره بالإستمتاع وقتها وتأملها (أيوة حد يفوت عرض زي دِه يا سكني )
قفزت مغتاظة، تعض أناملها من شدة حنقها منه، تخبره بتشفي (هجول لمرت خالي)
شيعها قائلًا ببرود وسخرية (جوليلها عادي ولما تسألك حمزة عمل كدا ليه جاوبيها متبكيش، مرت خالك مستنية الحفيد أصلًا)
تلونت وجنتاها بحمرة الخجل، قبل أن تنسحب للحجرة وتجالسهما مستمعةً لثرثرتهما متغيبة الفكر منشغلة البال به حتى فاجأتها راضية بسؤالها(مغيبتهاش يا ورد؟)
ابتلعت ورد ريقها بقلق سرعان ما أخفته في بئر عينيها العميق وابتسمت قائلة (لسه بدري يا راضية كل شيء بأوان)
أطلقت راضية من صدرها آهة مشتاقة وهي تخبرها بحنين غلب في كلماتها (مش بدري ولا حاجه يا خيتي دِه يوم المنى لما نشيل عيالهم)
صمتت سكن مطرقةً بحزن وتفكير، تقسم داخلها أنها لمحت بعيني ورد أكثر مما بعيني والدتها لكنها خبأته سريعًا كعادتها، ربما هي أيضًا تتعجل قربهما وتخفي ذلك رفقًا بها وحنانًا زائدًا منها ومحبة، بالطبع تريد رؤية أحفادًا لها كما ذل لسان حمزة بقوله عن انتظارها،لو تقدر لفعلت ولبت بطاعة ليس أحب لها من اسعادهما وتحقيق تلك الأمنية الصغيرة لهما.
انتبهت على كلمات والدتها التالية لسؤال ورد عن أحوال زوجة عزام وفتاته (مش هشام المكفي هيتجوز)
رفعت سكن نظراتها منتبهةً منتظرة قول والدتها التالي الذي تزامن مع دخوله الحجرة ( ريتي الحزين راح خطب سما البت الي جرست سكينة واتبلت عليها)
اشتبكا حاجبيها في استنكارًا، بينما مال فمها بسخرية مريرة، رفعت نظراتها تلتقي بنظراته لدقائق لا يبرح مكانه ولا يخطو منتظرًا رد فعلها على كلمات والدتها، ضيقت عينيها وابتسمت بدلال تحيره في أمرها وتلوده، تصنعت الإنشغال ليتراجع عن الدخول ويتهرب (عايزين حاجه أنا نازل)
رمقوه بنظرات حانية شاكرين ليغادر الحجرة ويغلق خلفه، تبسمت ورد لمكر الصغيرة الواضح لها والذي قرأته في نظراتها المتبادلة مع ولدها الذي كان ينتظر إجابتها هي وردها سواء بالقول أو بالملامح لكنه استنبطت ذلك بسرعة وتعاملت بمكر.
استأذنت مغادرةً ورائه، ركضت كطفلة خلفه بحثت عنه في المطبخ والحجرة وأخيرًا وجدته أمام الخزانة ينتقي ملابس الملائمة للخروج وقفت خلفه تطلب بدلال (حموزتي ممكن تاخدني معاك؟)
أجابها بحدة طفيفة وهو يتابع إخراج ملابسه (لا)
أمسكت ذراعه ولفت جسده لها فاستدار متسائلًا (إيه يا سكينة)
قطبت بإنزعاج وضيق حيث فاجأها هو بندائه اسمها الذي نسيته منذ جاءت، فهمت أنه غاضب منها لكنه كعادته يكتم ويخبيء، حمحمت قائلة (عايزه أجولك سر ينفع؟)
زفر بملل وهو يستعجلها (ماشي جولي يلا عشان عايز أنزل)
أمسكت بكفيه وهمست بصوت خافت وهي تتطلع لنفسها في مرآة عينيه (سألتني في المحطة مرة لو كنت حبيت هشام؟ صح)
لانت ملامحه المتصلبة، سلّط نظراته عليها في ترقب وهو يزدرد ريقه بتوتر، ضمت شفتيها مبتسمة قبل أن تأخذ نفسًا قويًا وتخبره ( أنا دلوجت فهمت يا دكتور، فهمت إني حبيتك أنا كمان من غير ما أحس ولا أعرف واتعلجت بيك ومن خوفي متبجاش ليا بعدت وسمحتله يدخل حياتي، فكرت إعجابي بيه وانبساطي بإهتمامه حب وإني هنساك بسهولة وإنت هتمشي وخلاص لغاية ما حصل الي حصل فأسيوط وجلبي متحملش عليك ولا طاج تعبك وكسرتك، مش فارج معايا يتجوز بالعكس اللهم لا شماتة يستاهلوا بعض أصلًا دا حجي وحجك ربنا بيخلصه منهم هما الاتنين)
استمع بإنصات واهتمام حتى انتهت ورفعت نظراتها إليه تتبين رد فعله على كلماتها، سحب كفها الايمن وأراحه موضع قلبه هامسًا بأنفاس لاهثة (أنا بحبك يا سكن، حبك له طعم مختلف زيك، أول مره أدوجه، بيبهرني لا عشت زيه ولا شبهه…
كل مره كنتِ بتجربي مني جلبي بيتخطف وأنا الي كنت خايف اتعلج بيكِ مش إنتِ، سيبتك ليه عشان عايز لك الأحسن وإنك تتجوزي واحد من سنك تبجي أول حد فحياته مش زيي أرمل، ولو كنت أعرف وجتها إن الي هعيشه معاكي هو أول مره أعيشه وأحسه مكنتش سيبتك يا سكن)
عانقته بدموع ضمته بقوة وهي تهمس بحراره شارحةً له ما يحدث لها لأول مرة وتعيشه معه (البنات جالولي البوسة بتخطف والجُرب بيريح ، كان نفسي أجولهم حضن حمزة بيخطف الجلب والروح ياريتني أعرف أوصفه، أجمل ركن فالدنيا محاوطني الأمان والحب من كل ناحية)
ضغطها بأحضانه هامسًا يرجوها بعاطفة لا تنضب (عايزك يا سكن كفاية بُعد)
همست بتنهيدة متأثرة (كلي لك يا حمزة)
ابتعد قليلًا مقتنصًا شفتيها في قبلة طويلة ضاقت بها أنفاسها ووهن جسدها فرفعها مثبًتا لها بين ذراعيه.
زاد ألمها وشعرت بخربشات جسدها تلتهب فجأة وتشتعل كالنيران، سياط من ألم تتوالى على جسدها مخترقةً روحها فتفقد احساسها بقربه وتغيب مع ألمها وخوفها، سقطت دموعها غزيرة مفصحةً عن مدى ألمها ورغبتها في دفعه وتركه لكنها عاجزة مكبلة بعشقها له رغم ما تعانيه، ظلت تنازع بين يديه حتى ما عادت تتحمل ولا تطيق فدفعته اولًا برفق ظنه دلالًا منها فواصل لكنها صرخت في غضب أعمى وهي تدفعه تلك المرة بقوة بعيدًا عنها (ابعد يا حمزة)
ابتعد ينظر لها فصرخت مرة أخرى وهي تدفعه بعيدًا جدًا عنها (مش متحملة ولا طايجة جربك مني )
ووقف متصلبًا مكانه، عينيه الذاهلة تقطر أسفًا وحزنًا سألها (إيه؟)
ذل لسانها، قالت ما لم يتضح له ومنطوق لم يُقصد (متجربليش مش جادره)
اقترب منها بحذر قيد ذراعها نافضًا لها يسألها بغضب حاول تقنينه (أمال إيه كلي ليك ها..؟)
أغمضت عينيها متحاشية النظر إليه، تعلو وتيرة أنفاسها بضياع وتشتت كلما حاولت النطق بتوسل وتوضيح ماتت الكلمات على أعتاب شفتيها وانهمرت دموعها بغزارة، فتركها وتراجع خطوتين قائلًا (أمال فاكرة الجواز إيه يا سكينة لما مش طايجة إني أجرب منك؟) صمت يخفي نظراته بخزي وجرح كرامته ينزف قاضيًا على ثباته ليقول وهو يسحب ملابسه ويغادر (تمام يا سكينة أنا مش هجرب منك تاني منك مهما حصل)
في الحجرة المجاورة انتفضت راضية على صوت صراخها منقبضة، تستمع بخزي وغضب لكلمات فتاتها ورفضها الواضح لزوجها الذي أخجلها بشدة وظنته دلالًا زائدًا، همت بالخروج إليها وتوبيخها فسارعت ورد بإمساك مرفقها ومنعها متوسلة بقلب مفطور(متطلعيش أمانه عليكِ يا راضية ولدي مش هيتحمل تشوفيه كِده)
زعقت راضية مستنكرة (إيه الي بيُحصل دِه يا ورد وسيباها بكيفها ليه؟)
قالت ورد بحزن عميق وحسرة (غصب عنها يا حبة عيني مجدرش أجي عليها ولا ألومها)
هدرت راضية غير مستوعبة (كِيف غصب عنها؟ وكيف تعلي صوتها على راجلها كِده حتى لو هتموت)
هدأتها ورد مستحلفةً (بالله عليكِ اجعدي وسبيها فحالها واستني لما ولدي يمشي)
غشيت نظرات ورد دموعًا رقيقة متراقصة على استحياء لشعورها بعظم ما نال ولدها من جُرح عميق ووجع، سمعت صوت إغلاق الباب فتنهدت واستراح قلبها ثم أردفت (كنت شاكة بس دلوجت اتأكدت بتك ملبوسة يا راضية وعايزه شيخ، ولدي مجربش منها وهي مش جبلاه وغصب عنها يا نضري مش بكيفها)
جلست راضية تضرب فوق فخذيها مولولةً (يا مري يا مري، كِيف ومتى؟ وإيه ذنبه المسكين دِه يتدبس التدبيسه دي ويتظلم )
هدرت ورد بقوة غير راضية بكلماتها ولا يروقها ما تفوهت به من حماقات أغضبتها (متجوليش كِده البت تسمعك، دِه روحها فحمزة وتتمناله الرضى يرضى وهو كمان يا جلب أمه متعلج بيها، الي هي فيه ملهاش ذنب فيه ولا ليها يد؟ سكينة لو حمزة طلب روحها مش هتتأخر بس غصب عنها متحمليهاش فوج طاجتها واسكتي)
سألتها ومازالت تضرب فخذيها (هنعمل إيه دلوجت يا مرت الغالي؟ إيه الحل؟)
قالت َورد وأفكارها تهرب لولدها (بحاول معاها وربنا يأذن بالشفاء ومنى كتر خيرها بتدورلها على شيخ يكون زين وليه فالحكاوي دي)
نهضت ورد من جلستها محذرةً (هروح أشوفها متجيش ورايا بحالتك دي وإياكِ تكلميها)
بقيت راضية مكانها ساكنة وهل لها قوة تجابه بها ما يحدث وترى بها حالة فتاتها من الأساس.
دخلت ورد الحجرة لتجدها منكمشةً متخذة وضع الجنين فوق الفِراش تئن بألم ووجع، سربت ورد من نظراتها بعض الوجع والحسرة قبل أن تغطيهما بحنوها وتفهمها وتقترب منها جالسةً بقربها تربت على خصلاتها مهونةً (جومي يا ماما سلامتك متحزنيش كِده)
من بين أنينها الخافت همست (حمزة زعلان)
طمأنتها ورد وهي تمسح عنها دموعها بإشفاق (متشليش هم هفهمه يا ضنايا وهيرجع حمزة بيحبك)
شحذت قوتها الضعيفة وبكت بحرقة وانهزام، وهي تقول بحروف متقطعة (أنا بحبه بس والله غصب عني يا مرت خالي دا أنا روحي فيه مش عيزاه يتأذي)
رفعت ورد رأسها محوقلةً مستغفرة تدعو لهما بصلاح الحال.
جاءت راضية غير صابرةً ولا مستسلمة لمنع ورد، وقفت قليلًا ترمقها بحزن وآسف ثم اقتربت منها تواسيها هي أيضًا وتربت عليها،مما زاد من بكاء سكن وحزنها وأسفها من سماع ومعرفة والدتها، وهي تعرفه عزيز النفس تعلو الكرامة هامته فكيف الحال الآن؟


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close