رواية شتاء الدم الفصل الثالث عشر 13 بقلم فارس السويسي
الفصل الثالث عشر – بين الخوف والقرار
ليل القاهرة كان خانق… أنوار الكباري عاملة زي جروح منورة وسط عتمة السما. عربيات ماشية بسرعة، كأنها بتجري من حاجة محدش شايفها.
العربية اللي فارس سايقها – عربية مسروقة من جراج مهجور – ماشية على نص روحها فوق كوبري 6 أكتوبر. صوت الماتور بيترعش، والزجاج الأمامي متشقق من رصاص المعركة اللي لسه سايب أثرها في ودانهم.
جواه في دوشة مش سايباه:
"أنا كنت فين وازاي وصلت هنا؟ ده مش أنا… أنا مش قاتل ولا بلطجي. أنا دخلت الجحيم بإيدي، وطلعت منه مش نفس البني آدم."
هلال كان قاعد جنبه، صامت… عينه مركزة في الضلمة قدام، كأنه شايف حاجة محدش يقدر يشوفها.
فارس فجأة انفجر:
– مش قادر! صورهم بتطاردني يا هلال… كل واحد وقع قدامي، كل صرخة… كل دمعة!
صوته اتكسر، إيده خبطت على الدركسيون بقوة.
هلال لف عليه، صوته هادي لكنه جارح:
– لو فضلت كده… هتموت قبلهم. الدم اللي نزل ده مش هيتوقف عندك… دي أول سطر في كتاب أطول من عمرك.
فارس شد نفسه، عينه مغرقة غضب:
– طب جاوبني! إيه السر اللي سليم بيقوله عليك؟! ليه كل الطرق بتشير إنك السبب في اللي إحنا فيه؟!
هلال عض شفايفه، قبضته شدت على باب العربية لحد ما عروقه بانوا:
– السر… لو عرفته دلوقتي… يمكن تكون إنت أول واحد يرفع سلاحه في وشي.
قبل ما فارس يلحق يرد، العربية اتشوحت ناحية اليمين فجأة.
نور أبيض قوي ضرب عينيهم… كمين شرطة قافل نص الكوبري.
صفارات… كشافات… عساكر واقفين صف طويل.
فارس همس وهو بيتنفس بسرعة:
– اتزنقنا.
هلال ابتسم ابتسامة باردة كأنها سكين:
– دي مش شرطة… دي رجالة سليم.
واحد من "الضباط" كان واقف في النص، لابس بدلة ميري، بس ملامحه فيها برود غريب. رفع إيده بإشارة توقف… ولما العربية وقفت قدامه، قرب منهم بخطوات بطيئة.
فارس حاول يمد إيده ناحية المسدس، بس الضابط سبقه بابتسامة صغيرة:
– الباشا مستنيكم.
الكلمة وقعت في قلب فارس كأنها رصاصة.
– الباشا…؟
هلال عينه ديقت:
– سليم.
قبل ما يتحركوا، فان سودا دخل فجأة من جنب الكمين. الباب اتفتح بعنف، ورجالة مسلحين نزلوا، شايلين رشاشات، محاصرين العربية من كل ناحية.
واحد مسك فارس من دراعه بقسوة، شدّه برة العربية. فارس قاوم، حاول يفلت، لكن إيدينهم كانت زي القفل على جسمه. سلاح اتغرز في ضلوعه، صوته الداخلي صرخ:
"هخلص هنا؟ كده؟ من غير ما أفهم مين الخاين ومين الصاحب؟!"
هلال اتسحب بره هو كمان، بس وشه كان ثابت.
بص لفارس وقال بصوت واطي ما سمعهوش غيره:
– متخافش… لسه عندنا ورقة ما لعبنهاش.
كبّلوهم، رموهم جوه الفان، الباب اتقفل بفرقعة تقيلة. الظلمة غطّت عينيهم، ريحة الحديد والبارود مليت أنفاسهم.
فارس قاعد على الأرض، ضهره لحديد الفان، قلبه بيدق بسرعة، عرقه بينقط. أول مرة في حياته يحس إن الدنيا قفلت عليه حرفياً.
"أنا اللي كنت بلعب وأجري، بقيت النهاردة فريسة جوة قفص. هل دي النهاية؟"
هلال قعد جنبه، صوته واطي جداً:
– ركّز معايا يا فارس… اللي جاي مش معركة رصاص. اللي جاي أكبر من أي حاجة شُفناها.
فارس رفع عينه، بص له وهو متقطع:
– أكبر من كده؟ إحنا كنا في جحيم.
هلال همس:
– الجحيم الحقيقي… لسه هنشوفه.
الفان اتحرك… كل اهتزاز فوق الأسفلت كان زي طبلة موت. الطريق طويل، لكن في قلب فارس، حاجة غريبة ولعت:
"أنا مش هسيبهم يحددوا مصيري. مش هبقى ورقة في إيد حد… أنا هبقى اللي يقلب الطاولة."
---
فلاش باك – مجزرة المخزن (قبل ساعات)
الدخان كان مغطي المكان. صرخات بتتقطع، والدم مغرق الأرض. خالد مرمي غارق في دمه… آخر نظرة في عينه كانت مليانة قهر.
سليم واقف فوق الجثث، مسدسه لسه بيخرج منه دخان، ضحكته باردة كأن المشهد ما يعنيش له أي حاجة.
عوّاد كان متسند على حيطة، مصاب في دراعه، نفسه متقطع. شاف خالد بيقع… شاف رجالة سليم بيخلصوا على الباقي.
في اللحظة دي، قلبه صرخ: "لو وقفت… هموت زيه."
بآخر قواه، زحف ناحية باب خلفي للمخزن. الرصاص عمال يخترق الحديد حواليه، الشرر طاير.
فتح الباب برجليه وهو بيجرّ نفسه، وخرج للشارع الضلمة، الدم بينقط من دراعه.
الهواء البارد ضرب وشه، وحس إنه اتولد من جديد… بس اتولد في عالم كله موت.
"خالد مات… بس أنا لسه هنا. وسليم هيدفع التمن."
---
عودة – الفيلا
الفان وقف عند فيلا قديمة في قلب القاهرة، مش بعيد عن كوبري 6 أكتوبر. سور عالي، باب حديد مصدي، والمكان كله صامت كأنه شاهد قبر.
نزّلوا فارس وهلال بالعافية، ودخّلوهم جوه.
الممرات طويلة ومليانة غبار، السقف فيه شقوق، ريحة العفن بتخنق.
دخلوا القاعة الكبيرة… نور خافت من نجفة مكسورة، الدخان مالي الجو.
وعلى كرسي جلدي قديم، كان قاعد سليم العطار. البدلة السودة، السيجارة بين صوابعه، والضحكة الباردة اللي تخلي الدم يتجمد.
سليم رفع عينه وقال:
– أخيرًا… رجع الذئب لعشّه.
فارس انفجر:
– إيه اللعبة دي يا سليم؟! عايز مننا إيه؟
سليم بخطوات هادية:
– اللعبة دي أكبر من دماغك يا فارس. إنت مش ورقة… إنت المفتاح.
هلال صرخ:
– المفتاح لإيه؟ عشان تبيعنا للحكومة اللي وراك؟!
سليم ضحك:
– على الأقل أنا اللي بوزّع الأدوار… مش اللي بيتحركوا زي دمى.
وقبل ما فارس يرد… الباب الكبير اتفتح فجأة.
رجالة تانين دخلوا، وفي وشهم… عوّاد.
واقف بجاكيت جلده الأسود، ملامحه كلها غِل، دراعه متربط بشاش مليان دم ناشف.
قال بصوت غاضب بيرجّ القاعة:
– لا يا سليم… لسه ما خلصتش. فاكرني مت؟ أنا جيت أفتح الحساب.
سليم ابتسم ابتسامة باردة:
– عوّاد… كارت اتحرق وافتكر نفسه عايش.
فارس قلبه وقع. هلال عض شفايفه بعنف. الجو اتقفل فجأة… وكل العيون اتجمعت في نص القاعة.
ايه اللى جابك هنا يا عواد ؟هو انت مش مت؟طب انت ناوى على ايه؟ معروض قدامى انى اموت أو اقلب الطربيزه بس هانت
