اخر الروايات

رواية سلوان الفجر الفصل الثالث عشر 13

رواية سلوان الفجر الفصل الثالث عشر 13



   
الثالث عشر: تُؤَدَة خافق
                                           
أنين روحها الصامت، صوت عقلها الصاخب، ونبض قلبها الراجف، كانو منطلقا لحرب الخاسر فيها هو الفائز 

7


"الطهر للأرواح النقية، وأنتَ قديسي على هذه الأرض، أنتَ سكينة خافقي" 

4


_________________________

+


في المستشفى 

2


كانت كلوديا في غرفة الطوارئ مستلقية كجثة هامدة، بياضها تحول لشحوب، وكأن كل قطرة دم تسري في شرايينها اختفت، فاقدة الوعي رغم نبضات قلبها، وبينما هي في حالتها المزرية تلك، كان تليد يتبادل الحديث مع طبيبها وعلامات القلق تدارى على سماه 

7


"هل هي بخير؟، حدث لها هذا ثلاث مرات، وقالت أنه ألم طفيف فقط" 

+


وبما أنه أول مرة يرى حالتها تلك، يتذكرها وهي في حضنه، تسري رجفتها في سائر جسده ملامسة قلبه الرهيف الذي كان ينبض لها فقط، اغمائها بين ذراعيه جعل الخوف ينهش دواخله 

+


" حالتها معقدة بعض الشيء. ما حدث يبدو كإغماء ناتج عن ألم شديد في منطقة الصدر، وهذا أمر شائع في حالتها"

+


عقد تليد حاجبيه استغرابا وسأل 

+


"حالَتها؟! ماذا تعني؟"

5


تنهد الطبيب بعمق وأجابه بسؤال آخر 

+


" مكتوب في الأوراق كلوديا هيميستيد، إنها ابنة جوناثان صحيح؟ "

+


همهم له تليد متعجبا، لكن لم يتحدث وانتظر ما سيقوله 

+


" عرفت ذلك شعرها لون عينيها ممزين.، كما أن جوناثان صديقي، وأتذكر جيدا يوم أتت لهذا مستشفى بنفس الحالة منذ ست سنوات تقريبا"

7


راح تليد يناظره مستغربا دون أن يتفوه بحرف، ولهذا أكمل الطبيب 

+


"هي تعاني من حالة تُعرف باسم 'اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد'. السبب الرئيسي عادةً يكون مرتبطًا بضغط نفسي أو صدمة قوية، نصحتها بالعلاج لكني لم أرها بعد تلك الحادثة ، هل حدث شيء مؤخرا أثر على حالتها النفسية؟"

7


عبس فاهه، وزار الشجى نظراته، استوعب ما حدث، وتذكر ما كانت تقوله 

+


" كانت حزينة، لكنها لم تقل شيئًا عن شعورها بألم أو أي شيء من هذا القبيل! هل هو خطير؟"

+


"هذا المرض ليس قاتلًا في معظم الحالات، لكنه يحتاج إلى عناية خاصة. عضلة قلبها ضعيفة، وتتعرض لنوبات ألم حادة عندما تكون تحت ضغط نفسي كبير. الإغماء هو تحذير. إذا استمر الأمر بدون علاج، قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة."

4



    

                
شد على قبضة يديه، وعض باطن شفتيه وكأنه يلوم نفسه عما فعل 

+


"هل تعلم لماذا رفضت العلاج؟"

+


" لا أعلم، لكن المهم أن تُقنعها بالمتابعة الطبية يبدو أن حالتها بدأت تسوء، فهي تحتاج إلى مراقبة مستمرة وعلاج يساعد في تقوية عضلة القلب وتقليل الضغط النفسي."

2


همهم تليد موافقة، دبت داخله تساؤلات كثيرة جعلته يشرد لثواني، حتى انتشله صوت الطبيب مبتسما 

+


"دعمك النفسي سيكون العامل الأهم، إلى جانب المساعدة في إبقائها بعيدة عن أي ضغط أو توتر. سنبدأ بالعلاج اليوم، لكن عليك أن تكون صبورا معها."

14


هز تليد رأسه موافقة.، صبر؟ ، هو سيعطيها قلبه ان استلزم الأمر والجميع يعلم ذلك 

6


"سأفعل أي شيء. فقط تأكد أنها ستكون بخير، إنها كل شيء بالنسبة لي."

4


وضع الطبيب يده على كتف تليد مطمئنا إياه 

+


"أظنها محظوظة بوجودك بجانبها. لا تقلق، سنفعل ما بوسعنا" 

4


لحظتعا قاطعه همس رقية الراجف 

1


" تليد لقد استقظت " 

+


التفت نحوها مباشرة ثم الى الطبيب 

+


" هل يمكنني دخول؟ "

+


"نعم واحد فقط، لا تضغطو عليها" 

+


دون تردد، دخل مهرولا نحوها بعدما فتح الباب بحركة سريعة قوية دليل على لهفة قلبه لرؤيتها، أسرع نحوها يمرر نظراته على سائر جسدها يعاين حالتها

+


" كلو هل أنت بخير، كيف تشعرين؟ "

+


لم تكن بخير، وفتور تضاريحها خير دليل على ذلك، ورغم ذلك نمت على ثغرها ابتسامة بالكاد ترى، ثم حاولت النهوض لكنها لم تستطع، وهذا ما جعل تليد يقترب منها أكثر مانعا إياها 

+


" لا داعي، استلقي "

+


" أنا بخير، دعنا نعود للمنزل "

+


توقفت حركة تليد، وأصبحت ملامحه تعبر عن جديته 

+


"لست كذلك كلو، لست بخير ولا تتظاهري بالقوة، أنا زوجك إن لم تظري ضعفك لي لمن ستظهريه؟" 

11


راح يرتب السرير لها، ثم ساعدها على تعديل رأسها على الوسادة بينما يتحدث 

+


" لماذا لم تخبريني بمرضك؟، ألا تشعرين بالأمان معي لتبوحي لي بشيئ مهم كهذا؟ "

6



        

          

                
جلس على السرير بجانبها يدفن نظراته الرّاجفة لخوفه عليها بخاصتها الواهنة، شعر أنه يلومها وليس الوقت لهذا، لذا سأل سؤالا آخر 

+


" لماذا رفضت العلاج في الماضي؟ "

+


أبعدت ناظرها عن خاصته ثم التفت برأسها للجهة الأخرى، عضت باطن شفتيها وكأنها تمنع ثغرها من البوح بما يريد، ولكن في الأخير استسلمت وقالت 

+


" لم أرفض، والدي منعني من ذلك، لأن هذا كان عقابا من الرب لي " 

26


شد على طرف السرير بقوة، أظلمت عيناها ويكاد يقسم الناظر أنه سيقتل من يقف أمامه لحظتها، وبعد ثواني زج على أسنانه من فرط الغيظ وأحنى رأسه أرضا ثم راح يتحدث بهمس مسموع وكأنه يخاطب نفسه

+


" عقاب ماذا، لماذا يعاقبك الرب وأنت لم تفعلي شيئا!؟ "

+


صمتت لثواني، يمر عليها ضباب الذكريات القاسي، وبدون سابق إنذار تسربت هتان من دموع ساخنة على خط وجنتيها، شاقا طريقه نحو الوسادة، ما جعلها ترفع يدها ببطئ لتمسحه بحركة سريعة، ثم نمت على ثغرها ابتسامة مكسورة والتفتت نحوه

+


" ربما لأن والدتي ماتت بسببي بعد ولادتي، ربما بسبب ما فعلته قبل ست سنوات" 

6


صمتت لبضع ثواني، يغري قلبها ذلك العقل كي يفصح عن ما يكنه، لكنها لم تستطع، تخشى أن تنبش كلماتها ذكريات دفنت في أرض الماضي، ثم خاطبته بصوت أجش خافت مرتعشة الشفاه 

2


"تليد" 

+


كانت هذه ثاني مرة تنطق اسمه، وهذا ما جعل بن عينيه يلمع، دافنا نظراته بخاصتها، غارقا في أحزانها 

+


"هذه ثاني مرة تقولين اسمي، ليس بالوقت المناسب ولكن اسمي يخرج من ثغرك كسنفونية عشق يتغنى قلبي بلحنها" 

16


ضحكت بخفت، حتى في أسوء الحالات يتغزل، ورغم ذلك كلماته دبت شيئ من الطمأنية بروحها لذا أكملت 

+


"ليس وكأنني لا أشعر بالأمان معك، أنت مكاني الآمن يا تليد، أشعر بالسكينة وأنا بجانبك، وتهدأ نيران روحي بكلمة منك، أنت أول شخص استطاع هدم كل تلك الجدران التي وضعتها حولي، ولكني أعترف أنني مازلت متشبثة بالذكريات المظلمة، أريد اخبارك، أود أن أفعل ذلك لكن كلما ابتغيت أجد شيئا يمنعني، يمكن لأنني خائفة، خائفة أن يعود الماضي ليفسد علي الحاضر، خائفة أن أجرحك، من أن أؤذيك، أتمنى أن تفهمني" 

14


استغلت دموعها الوضع وانسابت بهدوء على ملامحها بينما تتحدث، أما تليد راح يناظرها بمقل عبرت عما يكنه داخله، كان يريد أن يسألها، ود لو أنه يستطيع انتزاع الحقيقة منها، لكنه تذكر تحذيرات الطبيب، وأدرك أن أي محاولة للضغط عليها قد تزيد حالتها سوءًا.

+



        
          

                
بدلًا من ذلك، مدّ ذراعه وأمسك بذقنها بلطف،اظار وجهها نحوه أكثر، ثم أطال التحديق بعينيها المدمعتين، ابتسم بهدوء رغم النار التي ما زالت تشتعل داخله وقال

+


"سلوان الفجر خاصتي، افهمي ما سأقوله، والدك هو من يستحق العقاب، لا أنتِ. لا أحد في هذا العالم يملك الحق في أن يحكم عليكِ بهذا الشكل. أنتِ ضحية لظلمه، ولستِ مسؤولة عن أخطائه أو عن أي شيء آخر. ما حدث مع والدتك كان مقدرا، وما حدث قبل خمس سنوات رغم أنني لا أعرفه لكنني متيقنا أنه ليس ذنبك."

9


ارتجفت شفتاها، لكنها لم تجد الكلمات لترد، بدا وكأن كلماته اخترقت شيئًا داخلها، لكنها لم تجرؤ على السماح لنفسها بالتصديق، لأنها كان ضحية لمرض والدها، الذي زرع افكارا لا صحة لها بعقلها 

1


أما تليد اقترب أكثر، وأضاف بصوت لين 

+


"أنا لا أعرف كل ما تحملينه، ولا أجبرك على اخباري بشيئ لا تريدينه، لكن سلوان الفجر أنا أعدك بشيئ لن تواجهي هذا وحدك بعد الآن. أنا هنا، وسأبقى هنا بجانبك دائما إن شاء الله، وسأنتظرك لتفتحي قلبك وعقلك لي مهما كانت طول المدة، لأنني وعدتك أنك من شخص خاف الله فيك، ومن يخاف الله لا خوف عليك معه "

4


لم تستطع منع دموعها من الانهمار مجددًا، لكنها لم تبذل جهدا لمسحها هذه المرة. كان هناك شيء في كلماته، في حضوره، يجعلها تشعر، ولو للحظة، بأنها ليست وحيدة

2


رغم ذلك قالت بصوت شاهق 

+


" أعلم ورأيت هذا، لكنك لا تفهم تلك النقطة ، أنا لا أستطيع أن أسامح نفسي، كلما تذكرت، وكلما فكرت فيما حدث، أشعر أنني لا أستحق أن أعيش."

+


قاوم انفعالاته فلا يريد أن يثقل عليها أكثر، رفع يده ببطئ وبلطف أمسك بخاصتها 

+


"أنت تستحقين الحياة كلو، تستحقين السعادة، وأكثر من ذلك، تستحقين أن تُحبّي نفسك. أعلم ذكريات الماضي لن تنسى، لكن يمكنك أن تتصالحي معها، سأكون هنا دائما، لنسمح معًا لكل هذه الجروح أن تلتئم، حسنا! فأنت سلوان الفجر خاصتي هل نسيت؟ "

4


بدأت دموعها تفيض مجددا، لكنها لم تكن دموع حزن، وكأنها خليط من راحة وخوف، ومن شعور جديد غريب لم تتذوقه منذ سنوات، شعور بالاحتواء.

+


"ولكن... ماذا لو لم أستطع؟"

+


ابتسم، تلك الابتسامة التي تشبه دفء الشمس في يوم بارد 

2


"إذن، سأكون هنا لأذكّرك في كل مرة. لن أتركك تواجهين هذا وحدك بعد الآن. أهبرتك أنني سأمشي في طريق معبدة بالأشواك إن كنت أنت بنهايتها "

5



        
          

                
بدون سابق انذار ىدت مباشرة 

+


"آسفة على ما فعلته بالمنزل" 

2


لم تكن مجرد كلمة قالتها لتجميل مافعلته، بل كانت اعترافت مريرا، ندبة على قلبها، نظرتها فضحتها فقد كانت تحمل شيئًا يشبه الخوف،أو الرجاء،أو ربما الاحتراق البطيء لروح تدرك أنها ألحقت الأذى بمن لا يستحق

+


عضّت على شفتها السفلى، محاولة أن تمنع دموعها من الانحدار، لكن عيناها كانت تقول ما لم تستطع شفتيها الإفصاح عه، أنها تتمنى لو كان باستطاعتها العودة بالزمن، لو كان باستطاعتها محو اللحظة التي جعلتها تقف الآن أمامه بهذا الضعف، بهذا الندم الذي ينهشها من الداخل

+


لكن الندم لا يُصلح ما كُسر، وكلمة آسفة لم تكن سوى صدى متأخر لحقيقة لم تعد تُغيّر شيئًا

1


ورغم ذلك ربما بالنسبة له رؤيتها نادمة أصلحت ما بداخله من خيبة، فجل ما فعله هو ابتسامة أراحت قلبها الذي يختنق، وكأنه نسي كل ما فعلته رغم أنه شيئ لا ينسى 

+


" ما حدث حدث، الأهم الآن هو صحتك "

+


اكتفت بهزة رأس، ثم أغمضت عينيها لتأخذ قسطا من الراحة، أما هو ظل يعاينها، يلفح الشجى روحه، يعزف الحزن على أواصل قلبه، رغم عدم وجوده في ماضيها، لكنه كان يأكل دواخله لما مرت به لوحدها، فعندما كان هو سعيد بإنجازاته، وحياته، كانت هي تجاهد لترسم ابتسامة حتى وان كانت مزيفة على محياها 

1


ليس له دخل، لكنه ود لو استطاع انتشالها من ذلك القاع مبكرا، لو التقاها وهي في ريعان سعادتها قبل أن تجعلها الحياة روحا فارغة 

+


خرج بعد لحظات حيث كان أباد، رقية وحور بانتظاره 

+


"كيف حالها؟" 

+


سألت حور وانتظر الجميع جوابه 

+


" بخير نامت لترتاح "

+


" سأعود للمنزل، تركت أبرار مع إيلياء، طمئني عنها من حين لآخر"

+


لحظتها سمعو صوتا رجولي مؤلوفا يقترب منهم، فالتف الجميع نحوه 

+


"العائلة مجتمعة" 

8


كان جوناثان وهو يقترب منهم بوقار مبتسما وكأن من تغفو على سرير المستشفى ليست ابنته 

5


راحت حور تناظره بغير تصديق، ورقية التي أخذت قسطها من الخوف وكأنها رأت شبحا، أباد الذي لحظه شرزا وكأنه شيئ مقزز 

+


أما تليد، تذكر كل كلمة قالتها كلوديا، ما فعله بها، وتلك الكدمات التي تركها بجسدها، لذا ظل ساكنا يحوم في عالم آخر، يرميه بنظرات حادة وكأنه يود قتله 

1



        
          

                
بينما راح جوناثان يتحدث وهو يعاين رقية بنظرته الغريبة 

+


" مر وقت طويل أَبِجيل"

12


حرك رأسه رافضا، وطرق بأصابعه 

+


"أوه نسيت غيرت اسمك، أقصد سيدة رقية برؤيتك بعد وقت طويل تذكرت كيف كانت مراهقتنا، كبرنا حقا، ألم تشتاقي لي؟ " 

5


وقف أباد حائلا بينه وبين نظراته لها، رشقه بنظرات تهديدية وقال بحزم

+


" أنا لم أكبر سيد جوناثان، لذا انتبه لأفعالك "

5


ضحك ساخرا بخفت 

+


" مازلت مندفعا كما كنت لم تتغير رغم أنك أصبحت رجل دين يقتدى بخ، لن آكلها، جئت لأرى ابنتي سمعت أنها هنا "

+


كلمة ابنتي أعادت تليد لواقعه، كيف كل مافعله لازال يناديها بابنته، وكيف لشخص عاقل أن يفعل ما فعله ابنته، مرت أمام ناظره صورتها وهي تجهش بكاءا، حالتها التي تهد جبلا وتلك الندبات بسائر جسدها، لذا
لحظتها سمح لشيطانه بأن يستولي عليه، ربما كان هادئا، لكن لحد ما اغشى عليه الغضب أن يرى ما حوله 

2


وهذا ما جعله يندفع نحوه بينما يشد قبضة يديه ويتحدث بغضب 

+


" ابنتك؟ ما زلت تسميها ابنتك بعد كل ما فعلته "

+


بحركة سريعة، ودون أن يدرك أي منهم ما يحدث، كانت قبضته قد ضربت أنف الآخر لدرجة جعله يعود للخلف منحنيا 

8


حرك تليد يده بعدما أن أرخى قبضته 

+


" في العادة لا أتصرف هكذا وأحترم كبار السن لكنك تستحق بعد كل ما فعلته " 

4


استقام جوناثان يمسح الدماء من أنفه 

+


" عدواني "

4


أراد أن يندفع نحوه مجددا لكن أباد أمسك به بقوة، وناظره غاضبا 

+


" استهدي بالله، ما الذي تظن نفسك فاعله، تليد ابني لا يفعل ذلك، لاتدع الشيطان يعميك "

+


لحظتها سمعو صوت كلوديا الخافت الذي تخللته الرجفة، وهي تحدث بجوناثان مصدومة

+


" أبي! " 

3


أفلت تليد ذراعه من يد والده بقوة والتفت ناحيتها، مازال ظلام الغضب يمنعه من التحكم بنفسه، خصيصا عندما رآها تمسك بالجدار لتثبيت نفسها 

+


" ماذا يحدث؟ "

+


ابتسم جوناثان باستفزاز ناظرا اليها بسخرية

+



        
          

                
" لأخبرهم بموضوعنا الخاص "

+


عادت للخلف بخطوات، تحرك رأسها يمينا وشمالا بينما تحرك شفاهها هامسة 

+


" لا تفعل "

+


لحظتها أشار تليد لحور وقال آمرا

+


" حور أعيديها للسرير "

1


فعلت حور ذلك بدون تردد، أما هو التفت صوب جوناثان، رافعا ذراعه مشيرا له بسبابته 

+


" ستنسى أنه كان بحياتك شخص باسم كلوديا، لن أراك حولها مجددا هل فهمت، ولا حتى ببعد أمتار، ستغير الطريق إن رأيتها، سأممر لك هذا لأنها تحمل اسمك، لكن مرة أخرى لن أفعل، ستأخذ عقابك مني، وتذكر... "

+


اقترب أكثر، يعلو قفص صدره لدرجة نسي كيف يتنفس 

+


" ستأخذ عقابك الإهي عاجلا أم آجلا، ضع هذا في عقلك أيها المختل "

1


رغم كل ما سمعه، لم يرف له جفن، ولم يخجل من نفسه رغم معرفه بما فعله، بل ضحك بصوت عالي بينما يرميه بنظرات مستفزة

+


" وتذكر أنت، أن ما فعلته لن يمر على خير أبدا "

2


عاكس ذراعه خلف ظهره ثم ابتسم ساخرا، وأضاف بينما يحرك نظراته بين أباد ورقية 

+


" سكوتي في الماضي لا يعني سكوتي الآن سيدة رقية وسيد أباد، هذه المرة تكون ابنتي، والماضي لن يتكرر "

3


أرخيت تضاريح رقية قلقا، وراحت تناظر أباد خائفة لكنه كان هادئا كعادته، حيث أماء رأسه للأمام وقال بصوت وقور 

+


" لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ماضينا، حاضرنا وحتى مستقبلنا بيد الله، لذا لسنا خائفين افعل ما شئت " 

1


لحظه شرزا، ثم التفت ذاهبا، أما أباد قال آمرا يسير نحو تليد. 

+


" تليد علينا التحدث "

+


انصاع لأوامره دون تردد، اتجها صوب أحد الكراسي وجلسا، وقبل أن يبدأ أباد حديثه قاطعه تليد 

+


" أريد تفسيرا، أعلم أن هناك عداوة بينكما في الماضي، وأعلم أن هناك قرابة بينه وبين أمي، لكن ماذا حدث بالتحديد؟ لماذا كل هذا الكره منه اتجاهنا؟ وما دخل كلوديا في الموضوع؟ "

1


"هذا ليس حديثنا، الماضي مر ولا فائدة في النبش فيه" 

8


رماه بنظرات حادة 

+


" ماذا دهاك، لماذا ضربته أنا لم أعهدك هكذا، هل نسيت أننا نقابل السيئة بالحسنة. هل نسيت أننا نتحكم في غضبنا بالتعوذ من الشيطان، أنت تعرف ما قاله الله سبحانه في سورة فصلت:« وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» " 

2



        
          

                
وضع يده على كتفه وربت عليها بتحنان 

+


" لا نعرف ما حدث لكلوديا في ذلك المنزل غير الله سبحانه، كانت تحت رعايته ومازالت، ونحن لسنا غير سبب ربما وضعنا كي نريها الاسلام وهذا ما يجب علينا فعله فقط، الانتقام، ضرب، الاساءة وغيرها ليست من شيم المسلمين يا بني، واجبك هو أن تريها الاسلام وحمايتها، ولا تنسى أيضا أنها في حماية الله " 

+


أحنى تليد رأسه خجلا مما فعله، ليس بالانسان الذي يستطيع غضبه الاستلاء عليه، لكن خوفه عليها، وفكرة أنها تعرضت للأذى من طرف والدها، جعلته ينسى أنه مسلم يجب عليه التحكم بغضبه 

+


راح يفكر مليا، بعدما هز رأسه بتفهم، مرر أنامله عبر خصلات شعره مرجعا اياه للخلف 

+


أكمل حديثه مع والده، وبعدما هدأ قليلا اتجه لغرفة كلوديا، حيث كانت رقية بجانبها 

+


وفور رؤيته استقامت ثم ابتسمت له قبل ان تخرج مباشرة بعدما قالت 

+


" لا تضغط عليها، سنعود للمنزل " 

+


همهم لها بتفهم، ثم اتجه ليجلس بجانب كلوديا، لم ينكق بحرف واكتفى بتمرير أنامله بتحنان على خاصتها

+


أما هي راحت تناظره بقلق، تتفحص ملامحه، وبعد ثواني قالت بتردد 

+


" هل أنت بخير؟ " 

+


رفع ناظره ناحيتها وابتسم بخفت، حرك يده صوب وجهها وراح يلاعب خصلات شعرها، بعدما همهم موافقة 

+


دفنت هي نظراتها المرتجفة بخاصته، ورغم هدوئه إلا أنها كانت قلقة 

+


" هل قال والدي شيئا؟ "

3


" هل كان يجب عليه قول شيئ؟ "

1


لاحظ انكماشات تقاسيم وجهها توترا، لذا أضاف غير تاركا لها الفرصة للرد 

+


" إن قال أو لم يقل، أنا أثق بك كلو، ولن أصدق أي شيئ حتى أسمعه من ثغرك " 

+


مد يده ليضعه فوق يدها بلطف

+


"لكني أفضل أن أسمعه منك قبل أن أسمعه من غيرك" 

+


أطالت التحديق به، تحرك مقلتيها عبر تفاصيله، تبحث عن شيئ يدفعها للبوح بما تكنه، وكأنها تريد قول شيئ، مرت عليها ذكريات وفي آخر لحظة ترددت في إخباره، وغيرت الموضوع

1


"آسفة على افساد أسبوعكم" 

+


ابتسم بخفت، وحرك رأسه رافضا 

+


" لم تفسيديه، ستخرجين غدا من المستشفى وتشاريكننا "

+


همهمت موافقة، ثم استلقت وعينياه مصوبة للسقف وبعد مدة قصيرة أغمضتها، لم تكن نائمة، فروحها التي تنتحب على أطلال الماضي، وأفكار عقلها التي أبت أن تندثر، جعلا منها بئرا فارغا تتعالى الأصوات فيه

+



        
          

                
أما تليد، كان جالسا يراقبها، لا حول له ولا قوة، يعلم أن ما حدث كان مقدرا لها، ولكن قلبه رفض فكرة أنها مرت بكل ذلك لوحدها، أعلن جسر تحمله سقوطه، ورغم عدم وجود دموع بعينيه إلا أن روحه كانت تجهش أسى لحالتها 

+


فجأة بدأ يقرأ مختلف الآيات منهم الفاتحة والمعوذتين، وعندما انتهى من قرائتها نفث على يديه ومسح سائر جسدها ما جعلها تسأل 

1


" ماذا تفعل؟ "

+


"أرقيك، القرآن فيه علاج، وشفاء للأمراض التي تصيب الناس، كما قال تعالى في كتابه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" 

+


" هل ما كنت تقرأه الآن قرآن؟ في العادة تقرأه بالانجليزية، والآن تقرأه بالعربية صحيح؟ "

1


ابتسم بخفت وهز رأسه موافقة 

+


" أقرأه دائما بالعربية لأنها اللغة الذي نزل بها، ولكن أصبحت أقرأه بالانجليزية لتستطيعي فهمه " 

4


أغمضت عينيها مجددا ثم بعد ثواني أخلى قلبها سبيل الكلمات دون أن يعطي الفرصة لعقلها للإدراك 

+


"تليد" 

1


قالت اسمه بصوت انثوي خافت ولكن سرعان ما أكملت دون اعطائه الفرصة للرد 

+


"الطهر للأرواح النقية، وأنت قديسي على هذه الأرض، أنت سكينة خافقي يا تليد " 

16


رأى احمرار وجنتيها وانكماشات ملامحها خجلا، وكيف تحاول عدم فتح عينيها ما جعله يبتسم، حرك يده نحو شعرها وربت على رأسها بتحنان 

+


"الجنة للأرواح العابدة، وأنت جنتي على هذه الأرض" 

8


صمت كلاهما، لو أن للقلب صوت لسمع خفقان قلبيهما في الغرفة، بدأت تلين وبدأ يسقط في جرف هواها أكثر، ربما لم يأخذ اعترافا مباشرا لكن كلماتها بثت بعض القبول لأيسره 

+


أما هي ربما لم تعترف حتى لنفسها بأنها أحبته، ولكنها تعلم أنها جربت مشاعر جديدة ومختلفة منذ أن التقت به، مشاعر لم تجربها يوما، وتذق مذاقها في أي لحظة من حياتها السابقة، ذلك المذاق الغريب الذي زار روحها ووجدت صعوبة في تقبله 

3


*
*
*

+


اليوم التالي 

+


في الجامعة 

3


داخل ذلك القسم ذات النوافذ الزجاجية التي تصطدم بها قطرات من هتان خافت، معلنا عن بداية شتاء بارد، تظهر من خلفهم لوحة رمادية للسماء، تسلل ضوء الشمس بين ثنايا السحب المتفرقة قليلا، راسما منظرا مهيبا كأنه قطعة من الجنة 

+



        
          

                
تجلس بريجيت مهيمة بذلك المنظر، غافلة عن نظرات ذلك الذي نسي أنه مسلم وعليه غض بصره، لكنه بدون سابق انذار وجد نفسه هائما بتقاسيم وجهها المختلفة، لونها المميز، ورمادية مقلتيها وسط عيون الغزال خاصتها، كل تفصيلة كانت تفصله عن العالم 

8


ولكن وفجأة عند سماع ضحكات أصدقائه، استيقظ من عزلته، وتدارك ما كان يفعله ما جعله يهمس 

+


" هل جننت؟ "

1


حرك رأسه وكأنه يجبر عقله على الاستعاب، محاورا نفسه، لا بل شيطانه أعطاه اعذارا لما يفعله 

+


" حسنا كانت نظرة عفوية فقط، لا شيئ آخر "

5


بعيدا عنه، وبجانب بريجيت، كانت الفتيات تتهامسن بينما يحدقن به 

+


" أقسم أنه تعريف للرجل المثالي"

+


" طويل، وسيم، انظرو لأكتافها " 

4


أضافت أخرى تدعى هانا 

+


" أريد الحصول عليه"

+


" إنه يتجاهل الجميع، لا تستطيعين "

+


"بل أستطيع، وسترون" 

4


على كلامها، ابتسمت بريجيت ساخرة، ثم همست

+


" ماذا يعجبهم في عين الفستق ذاك "

4


لحظتها أدخلت كتابها في حقيبتها واستقامت بصدد الذهاب 

+


" سأبحث عن مكان هادئ "

+


سارت بحقيبيتها متجاهلة الجميع بغية الخروج من المدرج، ولكن عندما مرت بجوار إيلياء وجماعته سقط شيئ من حقيبتها لم تلاحظه 

+


رأى إيلياء ذلك، فحمله، كانت بطاقتها التعريفية، أراد مناداته فتذكر العقد بينهما ما جعله يصمت، نظر للبطاقة فلاحظ تاريخ ميلادها ما جعله يتفاجئ ويهمس مبتسما 

1


"نفس تاريخ الميلاد، ولدنا في نفس اليوم اذن!" 

13


قرب البطاقة لناظره أكثر عندما رأى عام ولادتها وكأنه غير مصدق ما يراه 

+


" انتظر، ما هذا الذي أراه "

+


فرك خلفية رأسه وعلى بحاجبيه بغير تصديق، ثم راح يتحدث جملة تلوى الأخرى متفاجئا 

+


" هل هي أكبر مني بسنة كاملة؟ "

7


"هل هذا يعني أنها كانت بعمر سنة عندنا ولدت؟" 

1


"هل مشت قبلي ونقطت قبلي" 

12


حرك ناظره نحوها وهي بصدد الابتعاد، فرق بين شفاهه لمنادتها لكنه تذكر الاتفاق مجددا، ما جعله يقترب منها مهرولا ليمسك بحقيبتها مانعا إياه من تحرك 

+



        
          

                
التفتت نحوه، ترميه بنظرات حادة، لكنها لم تنطق بحرف 

+


وضع البطاقة أمام ناظرها وبدأ بالتحدث بيديه، أشار لنفسه ثم لها، محدثا إياها بلغة الاشارة الخاصة به، يعبر عن تفاجئه لإكتشافه أنها أكبر منه

1


" عين الفستق أعلم جيدا أنك مزعج، لكن مجنون؟ ادركت هذا الآن، ما هذه الحركات البهلوانية؟ "

2


تنهد بنفاذ صبر 

+


" حسنا بما أنك أنت من تحدث، لست أنا من خرق بندا من الاتفاق، وبما أني أحب العدل سأرد عليك ونكونا متعادلين"

+


أشار للبطاقة وأضاف 

+


" هل أنت أكبر مني؟ عمرك 23 حقا؟ "

+


رفعت حاجبيها بإهمال 

+


"ليس وكأنني في الأربعين، نعم وماذا في ذلك؟ ألا يجوز أن أكون في هذا العمر؟" 

+


" حسنا، تفاجئت فقط "

+


" ليس ذنبي أنك طفل صغير مزعج "

+


" وليس ذنبي أنك عجوز شمطاء " 

9


زجت على أسنانها غيظا واقتربت منه قليلا 

+


" ولأني عجوز أكبر منك عليك احترامي يا غبي، أو سترى ما تفعله هذه العجوز بك " 

1


مدت يدها نحوه 

+


" اعطني بطاقتي هيا "

+


ما كاد يمدها لها، حتى قاطعتهما هانا وهي تقترب منهما

+


" مرحبا إيلياء أخبروني أنني سأجدك عندك دواءا للصداع"

4


أمسكت منطقة ما بين حاجبيها وانكمشت ملامحها 

+


" رأسي يؤلمني"

+


على بحاجبيه بغير رضى، ورماها بنظرات غير مبالية 

+


"وهل أبدو لك صيدلانية متنقلة؟" 

14


ثنت شفتيها بطفولية، ثم أدارت مقلتيه وبحركة سريعة التفت لصديقاتها وغمزت،بينما هو كان بجانبها قليلا، وضع يدها على رأسها ثم أغمضت عيناها قليلا، وادعت اغمائها، ظنا منها أنه سيحملها، ولكنه ابتعد بخطوات وتركها تسقط أرضا بحركة سريعة لم تستوعبها

12


تأوهت ألما ترشقه بنظرات غاضبه، ماجعله يبتسم بخبث ويردف

+


"عفوا لا ألمس النساء" 

14


ضم ذراعيه لصدره وقال ساخرا بينما تناظره وهي جاثبة أرضا

+


" في المرة القادمة تأكدني أن يغمى عليك وأنت جالسة، يبدو أن السقوط آلمك" 

1



        
          

                
أشار لها بسبابته

+


" لكن بالنظر في الأمر سقوطك جعل شعور الاغماء يختفي صحيح؟ هيا عليك شكري لو لم أدعك تسقطين لما تحسنت "

5


التفت لبريجيت التي تحاول كبت ضحكتها، ولأول مرة يلحظ فتنة ثغرها تلك، ما جعل ابتسامة خافتة ترتسم على شفاهه 

+


" بطاقتك "

+


أخذتها منه بحركة سريعة بين أصابعها واقتربت منه هامسة 

+


" أن أخبرت أحدا بتاريخ ميلادي سأقتلك"

1


ضغط زر شفاهه مخيطا اياها وغمز 

+


" انا جيد في حفظ الاسرار، خصيصا التي تخصك "

4


تجاهلته ولكن لا نتفي تلك الابتسامة الخافتة التي رسمت على ثغرها عندما التفتت ذاهبة، خرجت من المدرج مباشرة لمكانها الآمن كالعادة،سقف الكلية، أخرجت سجارة من حقيبتها ولهفت طرفها بنيران القداحة، ثم راحت تستنشق دخانها،وبعد مدة نزلت حيث اصطدمت بحور عن طريق الخطأ 

4


"اسفة" 

+


التفت حور ناحيتها وابتسمت بخفت، ثم وبعد ثواني رفعت حاجبيها عندما وصل عبق الدخان المختلط برائحة نسائية النابع من بريجيت لأنفها، ما جعله تسأل 

+


" هل تدخنين؟ "

+


شمت بريجيت نفسها ثم حركت ناظرها لحور 

+


" وضعت عطرا، هل مازالت رائحة الدخان ملتصقة بي؟ "

+


حركت حور رأسها قبولا وهمهمت موافقة 

+


" لا أحبه، لهذا استطيع شم رائحته من بين جميع الروائح"

+


همست بريجيت بصوت منخفض 

+


" لا يجب علي الاقتراب من والدي اذا"

+


لتقاطعها حور 

+


"وأيضا، هل تدخنين بهذا العمر؟ "

+


" استاذة، لا تبدئي بلومي الان، لا تكوني كوالدي "

3


"لا أريد أن ألومك بريجيت، لكنني أراكِ تفعلين شيئا قد يؤذي صحتكِ على المدى البعيد. هل فكرت يوما في تأثيره عليك؟" 

+


صمتت بريجيت ولم تجبها، فجميع من يدخن يعرف اثاره بالفعل لكنه كالمخدر، يفقدك الوعي ولا يدعك تفكر بمنطقية، وكل ما يهمك هو كيف تستنشق عبقه وتريح عقلك 

+


" حسنا أعلم انك تعرفين اضراره جيدا، وناهيك على أنه يسبب سرطانات والكثير من المشاكل الصحية، ولكن ألا تعرفين انه يسبب تجاعيد مبكرة وجفاف البشرة كما أنه يضعف نمو الشعر ويزيد من خطر تساقطه؟ أتريد افساد هذا الوجه الجميل وشعرك الفتان بسبب مجرد بقايا نار تافهة؟ "

+



        
          

                
اتخذت بريجيت من الصمت جليسا لها دليل على عدم اهتمامها بالموضوع، لكن فجأة سمعا صوت رجوليا خشنا من خلفهما، كان صليبا وهو يقترب منهما وقد رسمت على سماها علامات الجدية،يبدو أنه سمع حديثها بالفعل 

+


"كنت تدخنين؟ أظن أننا تكلمنا في هذا الموضوع من قبل؟"

+


نبرته كانت صارمة تخللها الغضب، ورغم ذلك حركت مقلتيها بإهمال، وتنهدت بسخرية 

+


"ماذا في ذلك؟ أنت تدخن، وأمي أيضا، ورثت هذا منكما" 

+


" لا تقارني نفسك بنا، مازلت مراهقة ساذجة "

+


تقدم أكثر بخطوات ثابتة واضعا يده اليمنى في جيبه والأخرى يشير بها لبريجيت، متغافلا عن حور التي تحرك بصرها بينهما بقلق 

+


" حسنا يقولون أن الابن الأول يكون نسخة عن والديه، إن كنت تراني ساذجة، فأنا مرآة لشخصيتك، كما أننا بالجامعة وأنت هنا مجرد مدير، لذا وفر كلامك للمنزل سيد المدير "

4


"بريحيت"

+


صرخ غاضبا ما جعل رعشة تسلل بجسد حور، وكأنها شعرت بالذنب بسبب سماعه حديثهما 

+


لم تعرف ما يجب فعله، هل تتدخل؟ أو تترك الأب يتفاهم مع ابنته، ولكن برؤيتها حالته، فاز عليها جسدها وجعلها تتحرك لتقف حائلا بينهما، فاردة ذراعيه بإصرار 

+


توقف عندما فعلت ذلك رافعا حاجبيه بغير رضى، ولكنه لم يقل شيئا واكتفى بمعاينة تعابير وجهها، باحثا عن ما تنوي فعله لكن لم يجد غير الهدوء 

+


ورغم شحنة الانفعال بين بريجيت وصليبا إلا أنا حور زفرت الكلمات بهدوء 

+


" سيد صليبا، مقاطعة المدير لحديث أستاذ وطالبته يعد عدم احترام، لذا من فضلك دعني أنهي حديثي مع طالبتي "

+


رفع حاجبا وأنزل آخر تعبيرا عن عدم قبوله لردها، حرك شفاه بغية إجابتها لكنها قاطعته مكملة 

+


" لا دخل لي في النقاشات العائلية، أعلم أنك والدها وهي ابنتك، ويمكنك توبيخها على هذا، ولكن من الأحسن الصمت عند الغضب، وانتظار زواله للتفكير بعقلانية وهدوء، لذا نصيحة من مجرب من الأفضل العودة لمكتبه ومحاولة الهدوء، تستطيع الحديث معها عند العودة للمنزل "

+


لم تسمع جوابه فقد كان مشغولا بهضم كلماتها، أو فهم ذلك الشعور داخله الذي جعله يلين بكلمات بسيطة منها فقط رغم أنه رجل صارم في أمور كهذه 

5


" وبكل احترام أخبرك أنني سآخذ طالبتي لمناقشة بعض الأمور سيد المدير "

+


انتشلته جملتها الأخيرة من غفلته، ولكنه بقى صامتا لثواني، ثم تنهد بنفاذ صبرا، مستقيما بجسده واضعا كلى يديه في جيبيه 

+



        
          

                
"حسنا" 

+


رمى بنظرات أخيرة نحو بريجيت وأضاف قبل أن يذهب مباشرة 

+


" سنكمل حديثها بالمنزل "

+


أما حور أمسكت بيد بريحيت وعادتا لسقف الكلية، جلستا على الحافة احداهما تحدق بالأرض والأخرى بالسماء، وبعد لحظات من التفكير، كسر الصمت صوت حور مجددا

+


"بريجيت لا يحق لك الحديث مع والدك هكذا، بالنظر إلى طريقته المختلفة في النقاش، لكن النتيجة أنه يريد مصلحتك فقط" 

+


حركت بريجيت ساقيها التي تتدلى على الحافة بإهمال وردت 

+


" اعتدنا أنا وهو الحديث هكذا، يعلم أنني ساذجة وأعلم أنه منفعل، لا تقلقي سنتناقش عن هذا في المنزل"

+


صمت حور لثواني لكنها أجابت بعد ذلك 

+


"هل هناك شيء يشغل بالكِ أو يسبب لكِ ضغطا؟، أحيانًا نلجأ لعادات لا تفيدنا عندما نكون تحت ضغط كبير، أقصد بهذا التدخين" 

+


ضحكت بخفت، ثم تأملت السماء لثواني، تبحث عبر ممرات ذهنها عن رد مناسب، لكنها لم تجد غير الفراغ أو ذكريات نبذتها 

+


" هل مررت بفترة تمنيت فيها أنك لو لم تأتي لهذه الحياة من الأساس؟ أو أنك لو ولدت في مكان آخر من أشخاص مختلفين؟ "

+


فكرت حور مليا بالسؤال، أمسكت الحافة بكلتى يديها، ثم حركت بصرها لبريجيت مبتسمة 

+


"الحياة في جوهرها ليست خيارا نبدأ به، لكنها خيار نكتشفه ونصنعه في كل يوم نمضي فيه. نعم، ربما تمر بنا لحظات نشعر فيها أننا غرباء حتى عن أنفسنا، ونتساءل كيف كان سيكون الأمر لو جئنا من عالم آخر، من عائلة مختلفة، في زمن مغاير. لكن مع مرور الوقت، أدركت أن القيمة الحقيقية لا تكمن في ظروف الميلاد، بل في المعنى الذي نمنحه لحياتنا رغم كل شيء. الألم والتحديات ليست بالضروة إشارات على أننا في المكان الخطأ، بل قد تكون معالم طريق يقودنا لنصبح ما لم نكن لندركه لولاها"

3


أشارت لوفد من الطلاب في الأسفل وأضافت 

+


" لو سألت كل واحد منهم، هل تعجبك حياتك؟ سيخبرك أنه يريد حياة أخرى، وربما منهم من يريد حياتك، لا أحد يعلم عن ما نكنه داخلنا وعن ما نعيشه، ولكن من يتعلم أن يقنع بحياته، ويعرف أن القناعة كنز لا يفني، ويتعلم كيف يفرح بأشياء بسيطة، وكيف يحول الجراح إلى ابتسامات، والدموع إلى ضحكات، كيف يجد نقطة السكينة في عالم صاخب، حينها سيكتشف أن الحياة ليست بالطريقة التي نريدها، بل بالطريقة التي نقرر أن نعيشها "

5



        
          

                
نظرت لساعتها ثم تنهدت بعمق

+


" لدي حصة الآن، فكري بما قلته جيدا، ولا تجلسي هنا كثيرا عودي لدراستك "

+


وقفت باستقامية تعدل حجابها ثم أضافت قبل أن تذهب 

+


"وأيضا أنا هنا إذا احتجتِ لمن يستمع إليكِ أو يساعدكِ. لا أريد أن أكون مجرد معلمة توبّخ، بل شخصا يمكنكِ الوثوق به، ربما كصديقة بالغة لك؟"

+


ضحكت بخفت 

+


" أو عجوز حكيمة"

9


*
*
*

+


منزل هارتبيور 

+


الساعة 17.00 مساءا 

+


غربت الشمس عبر الأفق، ورسمت ملاحتها على خد السماء، طابعة قبلة خافتة على سحبها لتحمر خجلا 

7


توقفت الأمطار لكن الطرق لازالت مبللة، ومزال هدير الرياح الخافت يعزف موسيقاه 

+


خرجت كلوديا من المستشفى وها هي جالسة في غرفة الجلوس مع حور، يبدو أنها ارتاحت قليلا 

+


دخل تليد لحظتها بعد قيامه ببعض الأعمال خارجا، ليجدها هناك،هرول ناحيتها قلقا 

+


" يجب أن ترتاحي في غرفتك ماذا تفعلين هنا "

+


حركت بصرها بين حور وبينه خجلا ثم ابتسمت بخفت 

+


" أنا بخير، كما أني أريد المشاركة في أسبوع العائلة "

+


" لا، لن تفعلي، عليك أن ترتاحي "

+


" أنا حقا بخير، سأرتاح أكثر ان شاركت في هذه الأجواء، سيسعدني ذلك"

+


حدق بها لثواني،ثم استسلم لنظراتها وهمهم موافقة 

+


"حسنا" 

+


ابتعد عنهما متوجه للمطبخ، وعين كلوديا تتبعه،لم تعبى ذلك حتى سمعت ضحكة حور 

+


" بارك الله في علاقتكما، أدامها الله يارب "

+


أحنت رأسها أرضا، ثم وبعد ثواني من التفكير بتردد قالت 

+


"حور" 

+


"نعم" 

+


دفنت نظراتها بخاصة حور، تبحث عن شيئ من الأمان، أرادت اخبارها بما تكن في قلبها، بأنها يائسة، وأن تليد لا يستحقها وأنه يستحق الأفضل، هي لن تكون جيدة له مهما فعلت، لأنها مازالت مقترنة بماضي يمنعها من اكمال حياتها، ولكنها تراجعت في آخر لحظة وغيرت الموضوع بإبتسامة باهتة 

+



        
          

                
" هل تجيدين اليونانية؟ "

+


عقدت حور حاجبيها، ثم غيرت تعابير وجهها واجابتها

+


" نعم، تعلمتها مع تليد في صغرنا "

+


"حسنا ترجمي لي هذه الجمل" 

+


راحت تكرر ما قاله لها تليد آخر مرة وهما بالحديقة، ولكنها لم تنطق الأحرف بشكل صحيح، ورغم ذلك فهمت حور ما تعنيه

+


"هل تقصدين " 

+


"Θέλω ένα μωρό από σένα, πραγματικά" 

+


"Σου μοιάζει και παίρνει τη συμπεριφορά σου" 

1


همهمت كلوديا موافقة 

+


"نعم شيئ من هذا القبيل" 

+


لمعت عين حور بشيئ من السخرية، ثم ابتسمت بملء شدقيها 

+


" هل قالها لك أخي؟ "

5


علت كلوديا بحاجبيها عندما رأت تعابير حور الغريبة 

+


" نعم، هل هذا شتم؟ هل كان يسخر مني أو شيئ من هذا القبيل؟ "

+


ضحكت حور بخفت، ثم حركت رأسها تعبيرا عن رفضها 

+


" حسنا أخي الخفيف، يقول لك أنه يريد طفلا منك حقا، يشبهك ويأخذ تصرفاتك "

15


توردت وجنتا كلوديا خجلا، توسعت مقلتاها وراحت تحدق بحور دون النطق بحرف من فرط غباء ما تفهوت به، وهذا ما جعل حور تضحك 

6


" حسنا أمي تريد حفيدا أيضا، وأنا أريد ابن أخ "

1


تهربت من نظرات حور، عبس فاهه لثواني، ليس وكأنها لا ترغب، ولكن يبدو أن صندوق أفكارها يخفي الكثير من الأسرار التي دفنت بداخلها، ثم وبعد ذلك زيفت ذلك بابتسامة خافتة وغيرت الموضوع 

+


"هل لي بسؤال آخر؟" 

+


همهمت لها موافقة، لتزيح كلوديا ناظرها ليد حور 

+


" ما سبب آثار الحرق في يديك يبدو أنها كانت خطيرة؟ "

+


ابتسمت بخفت 

+


"تعرضت لحادث في صغري، شفيت ولكن بقيت علامات في جسدي ويدي، استطعت علاج الندبات في جسدي، لكن يدي أبت ذلك" 

3


همهمت كلوديا بتفهم، وفي تلك الأثناء، دخل تليد المطبخ حيث وجد رقية تعد بعض الأكل، بما أنها أعطت عطلة للخادمات، بجانبها يجلس إيلياء على رخام المطبخ بينما يتدبادلان الحديث 

+



        
          

                
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "

+


قال تليد ليجيبه الاثنين 

+


" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته "

+


اقترب منهما أكثر وصرح

+


" أريد اعداد شوربة مفيدة لكلوديا "

+


ابتسمت رقية وردت

+


" يمكنني اعدادها "

+


" لا بأس سأفعل بنفسي "

3


لحظتها قاطعهما ضحكات إيلياء 

+


" سبحان الله، أخي تليد الذي كان يخيفني فقط بنظرة جانبية منه إن طلبت منه فعل شيئ، أصبح خفيفا لدرجة يعد الاكل لزوجته "

10


لطمه تليد على كتفه 

+


"اصمت" 

+


أضافت رقية 

+


" إنه الحب، سنرى ماذا ستفعل لزوجتك أنت أيضا " 

5


أحنى جسده للخلف قليلا وقال ساخرا

+


" لن أصل لحد اعداد الطعام لها، هذا عملها "

18


ضم ذراعيه عندما عدل جلسته مرة اخرى 

+


" حسنا تليد، أخبرني كيف أحببتها؟ كنت تقول دائما أنك ستتزوج بمتدينة، كيف انتهى بك الأمر مع مسيحية؟ "

+


رماه بنظرات جانبية تهديدية، بينما بدأ في اعداد الحساء 

+


" هي متدينة أيضا في مسيحيتها، كما أن هذا لا يهمك، مازلت صغيرا على هذه الأشياء "

4


ضحك بخفت ثم أشار لنفسه متعجبا 

+


" أنا؟ صغير؟ هذا الصغير يصغر زوجتك بعام فقط، يعني أنها صغيرة على هذا أيضا "

7


زج تليد على أسنانه بينما يقطع الخضر لوضعها في القدر، يعرف جرئه أخيه، واعتاد عليها، لكنه لا يحبذ دخول هذه المواضيع معه 

+


" إيلياء استعقل "

1


"سأصمت ان اخبرتني كيف أحببتها" 

2


تنهد تليد بنفاذ صبر، وضع القدر على النار ثم التفت نحو إيلياء متكأ بيده على طرف رخام المطبخ 

1


" حسنا سيد فضولي، الحب ليس شيئا يُدرك بالعقل، فهو يتسلل خفية، يطرق باب قلبك دون استئذان، ويدخل كأنه كان جزءًا منك منذ البداية. أحببتها لأنني رأيت في عينيها وطنا كنت أبحث عنه دون أن أعلم.أحببتها لأنها كانت تشبه الدعاء المستجاب، ولأنها جعلتني أؤمن أن الحب ليس اختيارا، بل قدرا مكتوبا من طرف الله سبحانه على أطراف قلوبنا منذ الأزل"

13



        
          

                
تحرك ليحرك ما بداخل القدر بينما يتحدث 

+


" هل أرضى هذا فضولك الآن؟ " 

+


لم يرد، بل غاص في أعماق أفكاره يحاول هضم ما قاله تليد، ولكن كان لقلبه وعقله قرار آخر، حيث دق الأول عندما مرت بالثاني طيف بريجيت أمامه، ولثواني من التفكير حرك رأسه يمينا وشمالا وهمس 

+


" مستحيل "

+


قاطع سهوته تليد مجددا 

+


" لا يستحل لك الكلام وتنسى أنك مسلم، إن أحببت شخصا، تقدم له في ما يرضي الله..... "

1


"حسنا سأعطيك سؤال وأخبرني إن كان حبا ام لا، حسنا هذا سؤال صديقي ، هو من سألني إياه" 

9


همهم له تليد، وابتسم بحانبيه غير مصدقا أنه صديقه حقا 

+


" ان وجدت نفسك تغوص في تفاصيل شخص دون إدراك، هل هذا حب؟ " 

3


حرك تليد رأسه ناحيته، ثم وبحركة سريعة ضربه على كتفه 

1


" غض البصر، أين غض البصر، هل تعلم انك تأخذ ذنبا من نظرة واحدة فقط "

7


" كانت نظرة عفوية" 

2


أتته لحظة إدراك 

+


" أقصد كانت نظرة عفوية من طرف صديقي، وأيضا هو ليس مسلم ".

8


ابتسم تليد بجانبية، فهو يعرف أخاه جيد ولكن لم يشأ النبش في الموضوع، فقد كان مشغولا بتحضير الحساء، وبعد مدة قدرها ساعة، وبعدما انتهى الجميع من الأكل، ورفعت الصحون عن الطاولة، اتجه الجميع لغرفة الجلوس، حيث كانت كلوديا جالسة بجانب حور ورقية، اقترب منهما تليد، يعاين كلوديا وملامحها يبحث عن ذرة تعب أو ارهاق، ولكن كل ما وجده هو فتنة ثغرها التي لا تتفانى في العبث بقلبه، واحداث فوضى داخله

1


انحنى نحوها قليلا عندما أصبح أمامها، ثم مد يده ووضعها على جبينها وسأل 

+


" هل أنت بخير؟ لا يؤلمك شيئ صحيح؟ "

+


حركت بصرها بين حور ورقية بإحراج، ثم نحوه لتهز رأسها بلا 

+


" أنا بخير "

+


شعرت بشيئ مختلف بأيسرها، ليس ألما، بل وكأن تلك النظرة المهتمة التي يرمقها بها، وصوته الدافئ، أثارا شيئا بداخلها، شيئا تريد أن يندثر قبل أن يتفاقم، فرغم بساطة ما فعله، ولكنها وبسبب والدها واهماله لها، كان اهتمام صغير يبدو لها أعظم مما تستحق 

+


لذا حاولت دثر ما تشعره به بسؤال آخر

+


" هل يمكنني دعوة ماريو للحضور هذا الأسبوع؟ "

1



        
          

                
ابتسم وهز رأسه موافقة دون تردد

+


"طبعا" 

+


وبينما كان الجميع يخلدون تلك اللحظة، يغذون دفئ قلوبهم برؤية حب ابنهم لزوجته، كان إيلياء يكبت ضحكته، ولكنه لم يستطع اسكات نفسه فلسانه يتحرك دون وعي منه 

+


" زوجة أخي، أكاد أقسم لك أنك مثل سحرة "

7


رفعت حاجبيها بغير فهم، ولكنه لم يعطي لأحد فرصة للرد وأكمل 

+


" غيرته كليا وجذريا، وكأنني أرى نسخة أخرى من أخي العصبي البارد"

+


كبتت كلوديا ضحكتها، وضحكت حور ورقية حيث ردت

+


" سنرى ماذا ستفعل أنت عندما تتزوج "

+


كان أباد يقلب هاتفه ودون أن يزيح بصره نحوه قال 

+


" واضح، آخر عنقود سيكون طوع زوجته "

5


ضحك إيلياء ساخرا لكلامها 

+


" هيا، ليس لهذه درجة،أخي تليد فاق كل توقعات، انظرو اليه هو لا يعرف كيف يبقى بعيدا عنها لثانية"

6


استقام تليد ورماه بنظرات تهديدية 

+


" لن تصمت؟ "

+


ضحك إيلياء بخفت، رافعا يديه باستسلام 

+


" حسنا، حسنا، أخبروني ماهي فعاليات هذا الاسبوع؟ "

+


ردت حور بحماس 

+


" حسنا سنفعل الكثير من الأشياء وفعاليات مختلفة أهمها لعبة الأسئلة دينية،وهذا العام وبما أن كلوديا معنا،سنلعب لعبة مختلفة،سأشرح لكم فيما بعد،أما عن أول شيئ سنفعله غدا، هو أن الرجال من سيحضرون الأكل، ونحن سنكون الحكم"

+


أشار إيلياء لنفسه 

+


"أنا الخاسر من الآن" 

3


لي تلك الأثناء، كانت تنزل أبرار من السلالم مسرعة نحوهم، وبيدها صورة صغيرة، متجهة نحو حور 

+


" أمي انظري ماذا وجدت"

+


أمسكت حور بالصورة، ثم نظرت لابرار 

+


" أين وجدتها؟ "

+


"أمام غرفة جدتي "

1


كانت صورة واضحة لنظر لكلوديا، حيث كانت تحتوي على امرأتين بدون حجاب، عرفت أن أحدها رقية في شبابها نظرا للشبه الكبير،، وهذا ما جعلتها تبتسم وتسأل 

+



        
          

                
" هذه أنت صحيح؟ "

+


هزت رقية رأسها موافقة، لتضيف كلوديا

+


" هل هذه أختك؟ "

3


لم تجبها، كان سؤالا عاديا لكنها تصنمت في مكانها بينما تحدث بالصورة وكلوديا، عبس فاهها ولمعت عيونها بشيئ من الدموع التي لا ترى

1


" لا إنها صديقتي المقربة، أقصد كانت صديقتي "

4


تمعنت كلوديا في صورة أكثر ثم لاحظت تلك بقعة البيضاء على كلى رقبة رقية وصديقتها، وكأنهما يرتديان صليبا وتلك بقعة تحاول تغطية ذلك

+


" أليس هذا قلادة صليب؟ لماذا كنت ترتدينها؟ "

+


صمت الجميع، يحدقون ببعضهم، فشعرت كلوديا بعدم راحة لذا أضافت 

+


" آسفة لا أقصد التدخل "

+


نمت على ثغر رقية ابتسامة دافئة 

+


" كنت مسيحية، وهداني الله بعد الزواج من أباد " 

8


من فرط الصدمة التي سمعتها، وسعت أجفانها دهشة فلم تتوقع شيئا كهذا، سقطت الصورة منها بغير وعي ليحملها تليد

+


" لم أكن أعرف "

+


أرادت رقية رد لكن قاطعهما صوت تليد

+


" صديقتك تشبه كلوديا لحد كبير، لها نفس الشعر، ونفس لون العينين الأزرق، وكأنهما نسخة طبق الأصل "

5


ربما قال ذلك بعفوية، ولكن كلوديا عقدت حاجبيها استغرابا، ثم أمسكت بالصورة لتدقق بها، شعرت بوخز في قلبها، ليس كالعادة، بل مشاعر اكتسحت أيسرها غير قادرة على ترجمتها، نفس لون شعرها الرمادي رغم قلة ذلك اللون، نفس لون أحد مقلتيها الزرقاء وذلك النمش الذي يزين خديها، وحتى نفس شكل الوجه، كل شيئ وكأنها نسخة طبق الأصل 

+


حركت بصرها صوب رقية، فلمحت شيئا من اللمعان في عينيها، لم تفهم سببه ولم تجرؤ على السؤال، بدت رقية متوترة وكأنها تحاول إخفاء شيئ ما ورغم ذلك حاولت رسم ابتسامة باهتة على ملامحها 

+


" هل كان لون شعرها طبيعيا مثلي أو مصبوغ؟ "

+


سألت كلوديا فضولا، فكيف لتشابه كهذا أن يحدث لتجيبها رقية 

+


" طبيعي "

1


"ظننت أنني الوحيدة التي أملك هذا اللون" 

+


أرادت رقية الرد، لكنها لم تستطع وكأن مخزون الأحرف نفذ منها، أو ربما كانت تخفي شيئا عجزت عن الاعتراف به، ومازاد طين بلة سؤال أبرار العفوي لكلوديا 

+



        
          

                
"هل هي والدتك؟" 

9


"ماذا؟" 

+


قالت كلوديا بهمس متفاجئة، أتتها لحظة إدراك أنها لم ترى أمها يوما، ولا حتى صورة لها، لا أحد تجرأ عن الحديث عنها وهذا كان أمرا من جوناثان، فكرة أنها لا تملك ذكرى من والدتها حتى صورة بسيطة جعل أعماقها تنحتب شجى أغرقها في أحزان تظاهرت أنها تناستها، ورغم ذلك حاولت إكنانها خلف قناع الابتسامة المزيفة تلك

+


ضحكت بخفت ساخر، فعقلها لم يستقبل الفكرة 

+


" لا مستحيل، كيف يمكن أن تكون أمي، حسنا لم أرى أمي يوما ولكن كيف للخالة رقية أن تعرفها "

5


التفتت صوب رقية بتشكيك، ربما عقلها لم يصدق الفكرة لكن تلهف قلبها جعلها تسأل 

+


" صحيح؟ أين هي صديقتك هذه؟ "

+


لم تجبها، واكتفت بالتحديق بها، بهت لون بشرتها وبلعت ريقها محاولة منها لإيجاد مفر من وضع لا مفر منه، فوجدت نفسها تبحث عن كذبة لتغطية حقيقة ستنبش ماضي لا يجب أن يذكر ثانية، لذا أجابت 

2


"سافرت" 

+


اتخذت كلوديا من الصمت جليسا لها، فتصرفات رقية لم تغذي فضولها، تقبل عقلها الفكرة، وبما أن تعلم أن والدتها توفت نزعت الفكرة من ذهنها، ولكن قلبها رفض التصديق، مازال يدفعها للسؤال، رغم أن المنطق يقول عكس ذلك 

+


ابتسمت بخفت، ثم قالت بصوت منخفض 

+


" يمكن أن يحدث تشابه كهذا " 

+


عاد تليد ليكمل حديثه مع والده عن موضوع الجلسات دينية وغيرها، أما رقية اكتفت بثني رأسها والتحديق بالصورة، وكأنها تعيش عالما آخر، ضباب ذكريات يمر كلمح البصر ليختصر طريقا مبهمة، تغيرت ملامحها تتراوح بين الابتسامة والعبوس، وبعد مدة ليست بطويلة قاطعتها كلوديا 

+


" خالة رقية، هل يمكنني أن أعرف قصتك مع عمي أباد، فضولا فقط إن لم يكن هناك مانع "

+


"حسنا لكن أول شيئ عديني بشيئ" 

+


همهمت كلوديا وردت

+


"ما هو؟" 

+


" أن تحاولي مناداتي بأمي، أعلم أنني لا أستطيع إن آخذ مكانها، لكن أنا اعتبرك مثل ابنتي حقا "

3


نظرت إليها بشيي من التردد، لم يتحرك ثغرها بهذه الكلمة يوما، ولم يترجم عقلها معناها ولا قلبها ذاق ذلك الإحساس،لكنها قالت 

+


"حسنا، سأحاول" 

+


هزت رأسه رقية رأسها بتفهم، ثم راحت تحكي لها 

+



        
          

                
" كنا أنا وعمك أباد زملاء في الجامعة، لم يكن يحضر كثيرا لأنه كان رجل دين حينها أيضا، كان في بداياته، ورغم قلة لقاءاتنا رأيت فيه الرجل المناسب، أخلاقه، تصرفاته وكل شيئ جعلني أقع في حبه دون دراية، رغم تعامله البارد معي"

2


ابتسمت ونظرت إليه بطرف عين، وكأنها تشاهد أباد في ريعان شبابه 

+


" تعلمين طبيعة الرجال المسلمين، لا ينظرون ولا يتحدثون كثيرا مع النساء، وبما أنني كنت مسيحية ظننت أنه يتجاهلني فقط"

+


حركت كلوديا رأسها قبولا فقد تذكرت تليد أيضا لتكمل الأخرى

+


" كنت أحضر جلساته الدينية فقط لأنني أريد رؤيته رغم أنني كنت مسيحية، وهكذا أصبحت أعرف عن دين الإسلام أكثر وأكثر، وكلما حضرت جلسة من جلساته كنت أشعر براحة لا مثيل لها، وفي نفس الوقت كانت تنفتح أمامي أبوابا لأسئلة كثيرة، وجدت فرصة للحديث معه، وهي سؤاله عن أمور دينه، ربما حبي له جعلني أكثر فضولية لدينه، وبعد ثلاث سنوات، اعترف لي بحبه وأنه يريد التقدم لخطبتي "

1


ضحكت بخفت ساخرة من حديثها واقتربت لتهمس في اذنها

+


" حقيقة أنا من جعلته يعترف، وهذا سر بيني وبينه لا أستطيع اخبارك بهو" 

8


ابتعدت عنها مرة اخرى وأكملت 

+


" كنت كاثوليكية مثلك، لذا عندما تقدم لطلب يدي من والدي رفض رفضا قاطعا نظرا لأنه رجل دين، وفي ذلك الوقت كان ابن عمي يتقدم لخطبتي أيضا فوافق أبي وأجبرني على زواج به، لكنني أردت اعتناق الاسلام حينها، لذا تخاصمت مع عائلتي وتمردت عليهم، يوم خطبتي من ابن عمي أخبرته أنني لا أريده، لكنه لم يحاول أن يفهم وأراد اجباري على الزواج به، نظرا لأن كان يكره أباد كثيرا ويعتربه منافسه"

14


نظرت إليها بتعابير غير واضحة، وكأنها تخفي شيئا بين سطور، ولكن كلوديا لم تلاحظ فقد كانت منغسمة في سماع بقية القصة 

+


" بسبب هذا سرع زواج، فقط لكي يفوز على أباد، ولكني ورغم ذلك حاولت، بكيت وصرخت وفعلت كل شيء لأقنع والدي وفي الأخير اقتنعا، بشرط أنني لن أعود لهم أبدا، ولكن ابن عمي لم يتوقف عند هذا الحد، قبل يوم من خطبتي من أباد قام باختطافي ليتزوجني بالاجبار في الكنيسة، ولكن أباد اقتحم المكان وساعدي، وهكذا ها نحن الآن، ولدينا ثلاث أطفال وكنة جميلة مثلك " 

11


ابتسمت كلوديا بملء شدقيها، ولمعت عيناها بشيئ من السعادة 

+


" حسنا تبدو قصة من الروايات، لم أتخيل أن يكون العم أباد هكذا " 

14


وضعت رقية يدها على خاصة كلوديا تربت عليها بتحنان، دفنت نظراتها بعينيها وراحت تبعث لها شيئا من الطمأنينة والأمل

+



        
          

                
" ليس قصة من الروايات، بل هي أقدار الله سبحانه، فإنه يقول لشيئ كن فيكون، أنا دعوت ربي حتى قبل أن أدخل الاسلام، دعوته أن يجمعنا معا وأن يرشدني الى طريق صحيح، وقد استجاب، أدركت أن أقدارنا ربما تؤخذ من أفواهنا حقا " 

3


حركت يدها للأعلى ووضعت على شعرها واكملت 

+


" قصتي وقصتك متشابهتين تقريبا، اثنتينا كنا في قاع الغلفة وأرشد الينا ربي سبحانه أشخاص لإيقاضنا، لا أحاول التقليل من دينك،لأنني كنت مكانك في يوم من الأيام، وأعلم جيدا ما تشعرين به بنيتي،لكن حاولي استغلال هذه الفرصة لصالحك كلوديا، لأن الحياة فانية ولا أحد يبقى فيها، ربما ستكون أقدارنا مختلفة، لكنني متيقنة أن الله سبحانه لم يرسل لك تليد عبثا " 

+


هزت كلوديا رأسها بتفهم ثم أخذت من الصمت جليسا لها، عدلت جلستها وراحت تفكر متغافلة عن نظرات رقية الغريبة ناحيتها، نظرات توحي بالشفقة، أو شيئ مثل طلب المغفرة، اختلطت الأمور على كلوديا، هل تفكر في والدتها أم ماضيها، أو ذلك الشعور الغريب الذي زارها، أم الثغرات التي وجدتها في دينها، بدى وكأن كل شيئ مشوش أمامها ولكن لا ننفي مدى تقبل رأسها فكرة البحث أكثر في هذا الدين، الذي لم ترى منه إلا الخير، وهكذا بدأت فكرة دين الإسلام والزحف إلى أعماقه تتغلغل داخلها

15


انتهى 

9


أولا لنرحب بقرائنا الجدد، أتمنى أن تنال كلماتي اعجابكم، وأن تغوصو في عالمي وتشعرو بما تخطه أناملي 

4


ثانيا اليوم من أعظم أيام السنة رؤية هلال رمضان ، وبداية الليلة الأولى من رمضان من عشر ليالي الرحمة إن شاء الله ، وصلاة التراويح ، وفي ختام اليوم نتسحر ونصلي فجر أول
يوم رمضان المبارك

3


كل عام وأنتم بخير 

3


ثالثا دعوني أشرح شخصيات رواية 

+


يالنسبة لتليد شخص صارم شوي بس العكس مع زوجتو لأنو يحبها ولأنو يعرف ما سوء الشي لي مرت به في ماضيها، وأكيد راح يحاول يخفف عليها ليكسب ثقتها وحبها

5


بالنسبة لكلوديا بظن فصل اليوم أجاب عن تساؤلاتكم عن شخصيتها، وراح تعرفو أكثر لما تنكشف الأسرار شوي شوي، ولو لاحظو أنا شخص يحط الأجوبة عن الأسرار كمقاكع صغيرة بين الفصول، يعني توقعاتها راح تكون على حسب تركيزكم بالفصول، كما أنو اكتشفت بعضها في هذا الفصل 

+


بالنسبة لحب كلوديا وتليد، توضحت مشاعر كلوديا شوي، ممكن ما يكون حب بس كان شعور الأمان 

2


أنا عن اسئلة كيف حبها هيك؟ وضحت بفلاش باك ببداية الفصل أنو شاف تصرفاتها أخلاقها... الخ في مدة لي كانت بتشغل فيها، ما فصلت بس وضحت يعني لا تجي تلوموني وأنتو ناسيين الأحداث 

1


بالنسبة لإيلياء وبريجيت شخصيتهم واضحة، وهي شخصية المراهقة 

2


أما حور صليبا هنا تتدخل الواقعية ماني من الأشخاص لي بيكتبو البطل اربعيني تافه والبطلة ثلاثنية مرحة، صليبا وحور شخصيتين مرو بالكثير من تجارب في ماضيهم، وبالاضافة الى عمرهم فاكيد راح تكون شخصياتهم عبارة عن بلوغ، عمق، وعقل بالغ 

3


أما العلاقات الاخرى فمن حين لآخر عم حط علاقات بين الاسرة، وعلاقة حور بريجيت، حور وإيلياء، إيلياء وتليد، رقية وكلوديا، كلوديا وحور... الخ حتى علاقة الأطفال. 🤍

2


وأيضا رواية ذات تصنيف ديني رومنسي، ولي يبعرفني يعرف أنو في رواياتي يكون تصنيف رومنسي طاغي على دين، ولكن هذا لا يعني أنو عم أهمل الديني ( لي شافو رواياتي الاخرى بيعرفو ها شي) فقط في هي رواية اهملتو شي لأنو عم ركز عن حبهم بعدين مسائل دين. 

1


وأخيرا تفاعل منعدم رغم جهودي لكتابة فصل، وماني هدد ولا شي، بس اذا ظل وضع هيك لا تلوموني اذا اختفيت أو طولت بالتحديث 

2


وأيضا والله كاتبة مشهد واحد فقط بالفصل قادم وباقي كتييييير مشاهد حرفيا لذا كتابة الفصل راح تكون على حسب تفاعلكم. 🫶 

5


جاوبت على كل أسئلة من الآن فصاعدا لا أقبل أي إهانة أو تعليق ساخر أو سيحظر صاحبه، وأي شي مبهم اسألوني ياه بتعليقات وراح جاوب 

+


أترككم في أمان الله نلتقي في الفصل القادم

12



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close