رواية حب علي حافة المرض الفصل الثاني عشر12 بقلم عبير ضياء
الفصل الثاني عشر "استغناء"
شهر من العسل بالفعل لا يعرف كيف انتهي وكيف سيتحمل هو انتهائه، كيف سيتحمل الابتعاد عنها بعد أن كانت لا تفارقه ولا دقيقة واحدة باليوم.. ولكن العمل، العمل والعمل مرة أخري وأخيرة والذي لا بد من عودة كليهما له.
+
أول يوم له بالشركة مجدداً بعد زواجه.. وبعد شهراً من النعيم معها، يعلم أن لديهِ حملاً طائلاً كي يحافظ علي هذا النعيم وكي يحافظ عليها سعيدة معه وكذلك هو، ولكن كان عليهِ حقاً أن يتخذ الخطوات الجدية التي قد تشوب هذه السعادة لها.. تواصله مع المحامي لفسخ العقد الذي ورطت رنيم نفسها بهِ كان لا بد منه وبشكل سري أيضاً كما حذَّر ونبه عدم معرفة والدته إلا بعد إتمام الأمر.. والأن هو علي استعداد أن يواجه.
+
هاتف مساعدته طالباً منها: ابعتيلي البشمهندسة رنيم.
+
مجددًا ويبدو أنه سيظل ملازمًا لها دائمًا حتي بعد مرور السنين.. هذا الخجل يُشبع وجهها بحمرة وهي ترنو إليه كما طلب ليقف بدوره محتضنًا جسدها بين ذراعيه قائلًا وعينيهِ تشع سحرًا: ايه رأيك نسيب كل حاجة هنا، نروح مكان جديد ونبدأ فيه من أول وجديد، أنا وأنتِ وبس، مكان محدش يعرفنا فيه.
+
ضحكت بخفة تجاريه بمزاحه: انتَ بتهزر، أنا أروح معاك لأي مكان، المهم تبقى معايا.
+
تلكَ الضحكة وذاك المحيا.. محياها الذي سبحانه من أبدعه.. سبب ذوبانه الدائم أمامها، هائم بحبها.. هائم بها كرزق بين ذراعيه قد رُزق بها ويعاهد أنه سيحافظ عليها، أخبرها بجدية: بس أنا بتكلم بجد، عندك استعداد تسيبي كل حاجة.
+
ملامحها الطفولية تأثرت قليلًا بجديتهِ وقد ظنته يمزح ملاطفًا إياها لتسأله، تحاول أن تفهم: مش فاهمة، قصدك نسيب ايه بالظبط؟.
+
قال وهو يرفع كفه، يداعب بهِ بشرتها الناعمة: هفهمك....
+
وقبل أن يبدأ بالفعل بالحديث، دخلت والدته كإعصار عليهما دون تنبيهًا لهم، اختضت رنيم بيه ذراعيه وحاولت الابتعاد إلا أنه تركها فقط تعتدل بين إحدي ذراعيه وظل متمسكًا بخصرها أمام والدته، وصمت رغم ضيق الموقف علي صدره ولكنه صمت منتظرًا أن تبدأ والدته الحديث، وبالفعل فعلت قائلة بنفس الإعصار التي أتت به: أنتَ لغيت التنازل، هو ده اتفاقنا يا كرم، أنتَ كنت بتنيمني لحد ما تعمل اللي في دماغك.
+
ارتفع صدره بضيق، ضيَّق يدهِ حولها خصرها يستمد بعض القوة منها ويخبرها برفق: روحي يا رنيم علي مكتبك.
+
أومأت له دون فهم، لم تكن تعلم أن هذا التنازل التي تتحدث عنه هو التنازل الخاص بها عن أي حق من حقوقها بزواجها من كرم، أخذت خطواتها للخروج ولكن والدته أوقفتها بنبرتها الغاضبة: خلي الهانم، خليها وتعرفني دلوقتي قدامها وتعرفها الحقيقة، أنتَ كنت..
+
قاطعها كرم بهدوء رغم ضيق صدره: ماما بعد إذنك، هنتكلم في كل اللي عايزة نتكلم فيه بس ممكن تقعدي وترتاحي وتهدي لو سمحتي، وأنتِ يا رنيم بعد اذنك يا حبيبتي سبينا.
+
خرجت رنيم بعد هذا مطيعة إياه، وجلست زهرة تجز أسنانها بغضب ولقب حبيبتي يتردد بأذنيها مرسلًا وعيًا متأخرًا بكونه استغفلها حتي تزوجها، ضمن هدوءها لفترة حتي يحصل علي ما يريده، غير مهتمًا برغبتها هي.. هي والدته!.
+
■■
+
- " تحبي تشربي ايه يا ماما، عشان تهدي ونتكلم بهدوء، أنا كدا كدا كنت ناوي أجيلك البيت، بس أنتِ سبقتيني".
+
تعلم أنه ليس باردًا من الداخل كما يبدو عليه الأن، ولكن تجاهل الحالة التى هى بها يجعل غضبها في تصاعد، كونه جعلها محل المغفلة، كونه تزوج تلكَ الفتاة ويبدو أنه لن يتنازل عنها، وهذا أكثر ما تخشاه، أن يعاندها ويتمسك بها فتخسر هى أمامه بعد أن أصبح هو في موضع القوة الأن، وباتت لا تستطع فعل شئ بعد أن فُضحت كل أوراقها أمامه، لم تفكر قبل أن تأتي جيدًا، لا تعرف الأن أى الاساليب عليها اتباعها وتخشي خسارتها إن لم تحكم ردات أفعالها الأن.
+
لقد بدا كل ما تفكر بهِ علي وجهها، وجسدها المرتعش بغضب وخوف لا تعرف له تفسير.. أن يتسرب كرم من بين يديها، أن يكون ذا استقلال جاد لا يعود لها ولا يهمه رأيها به.. هذا شئ لا تعرفه للمرة الأولي عن ابنها ولكن كل ما فات لم يشكل أي عدم رضا لها ولذاتها ولكن حين اعترضت علمت بالفعل كيف هو ابنها.. والأن أدركت أنه مهما قالت وفعلت فابنها يملك جبروت لن يجعله يتنازل أمامها،، نعم هكذا تفسر تصرفه، وخوفها الداخلي الأن ليس خوفًا من أن يمسها هذا الجبروت بل خوفًا من النتائج التي ستحصدها والتي لن تسرها أبدًا.
+
لقد كان يشعر بما تمر بهِ والدته، انها والدته رغم كل شئ ويعرفها جيدًا كما يعلم أنها تعرفه جيدًا أيضًا، لو يستطيع أن يشكل قلبها كما شاء لفعل.. لجعلها أفضل مما هي عليه خوفًا عليها دون غيرها،، اقترب منها وهي ما زالت تطالعه بهذا الغضب ليُكوب وجهها بين يديهِ في مزاح قائلًا: ايه القمر ده بس، اهدي بقي، ده أنا ربنا هيعاقبني عشان مخلي القمر ديه زعلانة.
+
لو واحدة أخري غيرها لكانت لانت، ابتسمت.. عاتبته بمزاح رغم جلل الأمر، فتنهد وهو يراها تبعد وجهها عنه بغضب وتتجه لتجلس أمام مكتبه علي إحدي الكرسيين ولكنه أوقفها قائلًا: تعالي يا ماما نقعد علي الانتريه، احنا مش عندنا اجتماع، احنا ابن وامه هيتكلمو في موضوع مهم.
+
تابع خطاها خلفها حتي جلسا سويًا وقد طلب لها بالفعل شيئًا باردًا تشربه، ثم بدأ حديثه في محاولة منه لرفع قدرها حتي يشتت غضبها قليلًا: ماما أنا عارف إنك ذكية، وأكيد كمان عارف انك عرفاني كويس وعارفة كويس أوي إني لا يمكن أعمل حاجة توجع أي حد ما بالك الحد ده رنيم.. مراتي، أنا فكرت إنك وافقتيني علي الجواز وإنتِ فاهمة إني لا يمكن أعمل كدا في حد أيًا كان مين، فكرت إن بس كبريائك منعك إنك تتجاوبي مع اللي أنا عايزه، وأكيد كنتِ متوقعة إني هعمل كدا.. إني هلغي التنازل اللي رنيم عملته مقابل إنها تخليكي تشوفيها بطريقة تانية.. علي حقيقتها.
+
كيف انصاعت بالفعل له، كيف وهي تعلم أن ابنها يستحيل أن يؤذي أحدهم بهذه الطريقة.. فكيف صدقت أنه سيأخذ مبتغاه ثم يطلقها بالفعل عائدًا لكنفها، كيف حدث ووُضِعت تلك الغمامة علي أعينها وسمحت له بالسير في مخططه الذي كان فخًا لها هي، تشعر الأن بانتصار تلكَ الفتاة عليها، تفكر هل استعجلت بالمجئ لهنا ما إن علمت من المحامي إلغاءه للتنازل.. لقد قادها غضبها دون أن تفكر بأي احتمال والأن تشعر بنفسها محاصرة منه، ويصعب عليها الانسحاب أيضًا ولكنها تحتاج للتفكير والتخطيط وهذا ما لن يتركها كرم لتفعله فهو بالفعل أحكم خطته وجهزها جيدًا كي لا يترك لها مجالاً لتسبقه بأى خطوة رغم معرفته أنه حتي لو سبقها ستفعل المستحيل لتنفذ مرادها.
+
تنهد وهو يبدأ حديثه مجددًا: ماما أنا أسف إني عملت كدا من غير علمك، بس أنتِ مسبتليش حل تاني، مش عارف ايه الصعب في إني اختار البنت اللى هكمل معاها حياتي براحتي، بعيدًا عن مين هي وشخصيتها ايه، أنا.. أنا ليه مش واثقة فيا يا ماما.. شايفاني الأهبل اللي ضيع فلوسنا لما بابا مات الله يرحمه ولا مش شايفة أي إنجاز أنا عملته وكبرت بيه فلوسنا وثروتنا، من حقك تخافي بس من حقك تخافي عليا أنا يا ماما مش علي فلوسنا اللي أصلا أنا مش مغفل عشان أتجوز واحدة من صيادين الثروات.
+
وقد كانت ستتحدث، ستخبره أن زوجته كذلك فقال بجدية: ماما لو سمحتي، مش هسمحلك تغلطي في مراتي، أنا لا عاتبتك ولا كلمتك في أي حاجة من اللي عيشتيها لرنيم من ورا ضهري وأنتِ اللي حطتيني في موقع المغفل مش هي.
+
وقد أحمر وجهه الأن وقد تذكر كيف كان نائمًا بهناء وهي بثيابها الليلة الخفيفة في منزله، مقيدة، تخسر شعرها، كل هذا لأنها فقط دخلت حياته واختارها شريكته.. ولكن له والدة لم يكن ليتخيل أن هذا القدر من الشر يوجد بالفعل في شخصيتها، ولكن ماذا يفعل معها إنها والدته وليس له من الأمر شئ، لذا أخبرها دون استطاعته بإظهار حبًا لها في تلك اللحظة: ماما أنا هكمل حياتي مع رنيم، ياريت تتقبلي ده لو سمحتي لإني مش هسمح إن حاجة تحصل وتأذيها تاني، وكمان عايزنا كلنا نبقي عيلة واحدة، لا متخيل حياتي من غيرك ولا من غيرها.
+
تحتاج لهدنة مع ذاتها لتعرف جيدًا كيف ستواجه وقد وضعها بموضع الشلل، ولكنه يُغضبها بوضعها هي والدته معها بذات المقارنة، فوجدت نفسها تخبره بغضب: أنا أمك اللي مش هتعرف تعوضها أبدًا، لكن..
+
قاطعها مجددًا: لكن إيه يا ماما، أيوة كلامك صح لا يُمكن أعرف اعوضك أبدًا، بس قصدك رنيم هعرف أعوضها، فكرك هعرف أكون مع أي إنسانة تانية غيرها، قوليلي يا ماما أنتِ تقدري تعمليها تقدري تكوني مع انسان تاني غير بابا الله يرحمه.
+
نهرته بغضب وقد اهتزت حدقتيها: كرم.
+
اعتذر ولكنه أكمل: أنا أسف يا ماما مقصدش، بس حطي نفسك مكاني، ده أنتِ وبابا حتي جوازكم كان عن حب، أنتِ المفروض اكتر حد يفهمني.
+
أمسك كفيها بعد هذا قائلًا بصدق: ماما أنا بحبها وصدقيني رنيم كويسة جدًا، مفيش زيها، لو اديتي لنفسك فرصة تعرفيها هتحبيها، أرجوكي شيلي من دماغك موضوع الفلوس والثروة، كلنا بني آدمين، كلنا هنروح لربنا من غير ولا جنيه، وهي عملت اللي يثبتلك إنها فعلًا مش عايزة ولا جنيه عايزة ايه تاني عشان تصدقي.
+
يود لو يري أي تأثرًا، أن ترتعش يديها بين كفيه، ولكنها فقط غاضبة من الخداع التي تعرضت له ومن الواقع المفروض عليها الأن: أنتَ خدعتني يا كرم.
+
تنهد بصبر: مكانش قدامي حل غير ده يا ماما، عارف إن اقناعك هيبقي صعب، بس قلت لما يحصل اللي حصل يمكن اقناعك يبقي أسهل.
+
عند هذه النقطة سألته بجدية وكأنها تنهي النقاش: ولو قلتلك إني مش موافقة.
+
داخليًا ود لو بكي لأن كل كلامه لم يؤثر بها، لم يجعلها تري قلبه وترأف بهِ، أخذ نفسًا مجددًا من أنفاسه التي يحافظ عليها هادئة بصعوبة أمامها: واللي هيريحك إيه يا ماما.
+
أتاهُ ردها السريع بدون تفكير: تطلقها.
+
ظهر ألمه جليًا علي وجهه وسألها بضيق أنفاسه: وأنا يا ماما اللي هيريحني أنا؟.
+
إنه صعب، أن يسألها ما يعرف إجابته، أن تقر بها علنًا رغم أن كل التصرفات واضحة وضوح الشمس نهارًا، ولكنه ود سماعها لكي ينتقل لخطوته التالية، ولم تتردد أيضًا وهي نجيبه بكبر: أنا واثقة من اللي شيفاه في البنت ديه وقراري نهائي يا كرم، هطلقها أو..
+
وقف من مكانه متحركًا لمكتبه، فنهرته بضيق: أنا بكلمك أنتَ ازاي تتجاهلني كدا.
+
فتح أحد أدراج مكتبه وسحب منه مُغلفًا كبيرًا، وعاد لها، جلس بألم يفتك بصدره قائلًا بذات الألم: قصدك بتهدديني يا ماما، عندي فضول بصراحة أعرف ممكن تعملي ايه تاني، ايه تاني أنا لا كان يمكن أتخيل أو أصدق انك تقدري عليه.
+
لقد أفقدها أعصابها، فأجابته بكل شر داخلها: هخليها هي بنفسك تترجاك تطلقها يا كرم.
+
مسح علي وجهه بغضب ورغم كل شئ توسعت عينيه بدهشة، داخله لم يرغب أبدًا أن يستمع لتلك الكلمات من فم والدته فسألها بتعجب: وأنا ساعتها هتبصي ازاي في وشي يا ماما ازاي أصلا قادرة تقوليلي الكلام ده.
+
أشاحت وجهها مجيبة: أنا أدري بمصلحتك.
+
نفي بصدق قائلًا بضيق صدره: لا يا ماما أنا أدري بمصلحتي، وهكمل حياتي زي ما أنا عايز مش زي ما حضرتك عايزة.
+
ثم رسم الجدية علي ملامحة وحدثها بعملية وهو يفتح المغلف الكبير مُخرجًا منه العديد من الملفات: أنا كنت عامل حساب موقفك يا ماما، أو ممكن أقول يا زهرة هانم بما إن كل اللي يهمك أن رنيم متضحكش علي العيل الصغير اللي أنتِ خلفتيه ومش بتثقي فيه، فأنا كتبتلك كل حاجة بيع وشرا باسمك، العقود موجودة هنا.. أظن مش هترفضي ومتقلقيش أنا هفضل موجود وأتابع الشغل لو تحبي واعتبريني زيي زي أي موظف عندك عشان برده ميرضنيش أسيب مالك في ايد حد غريب.
+
فتح الأوراق وخط بتوقيعه علي كلها، أمام تصلبها المندهش بصمت، حتي انتهي فوقف يجمع أشياءه من علي مكتبه، فسألته بصدمة مترددة: كرم أنت بتعمل ايه.
+
كان قد التقط سترته ومفاتيح سيارته، أشياءه الصغيرة استعدادًا لمغادرت، لقد فاق الاختناق حده وبصعوبة تحمل تلك المواجهة وأخر ما نطقه كذلك قبل أن يخرج تاركًا إياها: مش باقي غير إمضتك وبعدين كل حاجة تتوثق، أنا همشي لحد ما حضرتك تاخدي قرارك.
+
#يتبع..
+
عشان مفيش كلام يتقال عن الغيبة ديه مش قادرة اقول حاجة غير يتبع وان شاء الله أول حاجة هنخلص القصة السكر ديه وبعدين اتمني أرجعلكم فعلًا بأعمال هتسركم ان شاء الله .
+
اتمني أرجعلكم .. لأن وجودكم بيفرق.
+
