رواية اوجاع الروح الفصل الثامن 8 بقلم فاطمة فارس
الفصل الثامن
أنا نفسي تتجوزي إنتي كمان وتلاقي حد يهتم بيكي ويحبك.
**
جوري خدت نفس عميق، وبصت بعيد عن عينيه كأنها بتهرب من الحقيقة اللي جواها، وقالت بهدوء:
-أنا مرتاحة كده، ريّح نفسك يا حاتم. أنا مش هتجوز، أنا والجواز عاملين زي خطين متوازيين... عمرنا ما هنتقابل أبدًا.
حاتم حاول يخبي كسرة قلبه، ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
-تمام، اللي تشوفيه. أنا همشي بقى عشان أفاتح أهلي في الموضوع.
*****
لف وطلع السلم بخطوات تقيلة، كل خطوة كانت بتزود وجعه. دخل شقته وحاول يظهر عكس اللي جواه، بصوت مليان طاقة مصطنعة قال وهو بيفتح الباب:
-أنا جيت، نورت البيت! يا أهل الدار، مفيش حد هنا ولا إيه؟
أحمد كان قاعد على الكنبة مع كريمة وولده حمزه، بيتفرجوا على فيلم، وكل واحد فيهم مستغرق في المشهد.
**
حمزه لف راسه بسرعة ناحية الباب وقال بهزار وهو بيضحك:
- مفيش فايدة في الواد ده... هو إنتي اتوحمتي على إيه فيه يا ماما؟
حاتم ضحك ضحكة سريعة، وقعد جنبهم، مسك تفاحة من الطبق، وعض منها قضمة وهو بيقول:
بص... أنا مبسوط، عشان كده مش هرد عليك يا حمزه.
كريمة بصت له بنظرة فيها حب واهتمام وقالت:
ربنا يبسطك كمان وكمان يا حبيبي، بس مش تفرّحنا معاك؟
**
حاتم بص لأبوه، وحس فجأة إن اللحظة دي محتاجة شجاعة، فرد بتردد:
بابا، أنا بقي عندي ٢٩ سنة، والحمد لله شغال في شركة مؤقتًا لحد ما أفتح شركتي إن شاء الله... فـ يعني... لو ممكن...
وسكت وهو بيبص في الأرض.
أحمد ابتسم بهدوء وهو بيهز راسه:
- طالما قلت المقدمات دي، يبقى الموضوع فيه بنت... صح؟
حاتم ضحك بخجل وبص لأبوه بطرف عينه وقال:
-دايمًا فاقسني إنت يا حاج، بصراحة... آه.
أحمد قرب منه شوية، وقال بحماس بسيط:
-طيب مين هي؟ وأنا أروح أخطبها لك يا حبيبي.
حمزه نط من مكانه وقال وهو بيقرب من حاتم ويهمس له عند ودنه بصوت عالي كفاية يخليهم يسمعوا:
-أنا عارف على فكرة هي مين... مرام، مش كده؟ بس البنت حلوة وتتحب.
***
حاتم خبطه على دراعه بخفة وقال له وهو بيحاول يكتم ضحكته:
اسكت يا حمزه هتفضحني قدامهم.
وبعد لحظة صمت قصيرة، رفع راسه وقال بصوت جدّي:
- هي بنت محترمة، وأنا معجب بيها. قلت أدخل البيت من بابه، واللي إنت تقوله أنا هعمله يا حاج.
أحمد لاحظ إن ابنه مكسوف ومتوتر، قام من مكانه وقال له:
- تعال ورايا.
خده من إيده ودخلوا أوضته، وبعد ما قفل الباب، قعد على السرير وبص له بنظرة كلها دفء وقال:
-تعرف يا حاتم، إني مستني اللحظة دي من ساعة ما إنت اتولدت؟ قول يا بني، ومتخبيش على أبوك حاجة.
**
حاتم وقف مكانه، وهو بيلف صوابعه ببعض من التوتر، وقال بصوت واطي لكنه صادق:
- آنسة مرام يا بابا... كل ما بشوفها بحس إني عايز آخدها في حضني... بحس إحساس غريب وهي قريبة مني، كإن قلبي هيخرج من مكانه.
أحمد ضحك بخفة وقال بحب:
- يبقى وقعت يا فالح! مرام بنت جميلة ومحترمة، وأبوها راجل محترم... على خيرت الله، أنا هكلم أبوها وأحدّد معاد معاه، واللي فيه الخير يقدمه ربنا.
*****
في نفس الوقت، مرام كانت قاعدة في أوضتها، بتحاول تهرب من مشاعرها. ضمت المخدة لصدرها وقالت في سرّها:
-اللهم لا تعلق قلبي بغيرك، وارزقني الحب الحلال.
فريدة فتحت الباب فجأة ودخلت، ولقت بنتها قاعدة لوحدها في الضلمة، وقالت بقلق:
-مالك يا بت من ساعِت ما نزلتي من فوق وانتي قافلة على نفسك الباب!
مرام ردت وهي بتقلب وشها للحيطة:
مفيش حاجة يا ماما، أنا بس مصدعة شوية وعايزة أنام.
فريدة قربت منها، حطت إيدها على جبهتها وقالت بخوف:
اسم الله عليكي يا بنتي، طيب خدي مسكن الأول ونامي.
مرام مدت إيدها وطمّنتها:
أخدت يا فري، متخافيش عليا أنا بخير.
فريدة ابتسمت بحنان ولمست خدها وقالت:
وإن مكنتش أخاف عليكي، أخاف على مين؟ ده انتي بنتي الوحيدة.
مرام بصت بحب وقالت:
ربنا يباركلي فيكي يا أحلى أم في الدنيا.
*****
في مكان تاني، بعيد عن اللي بيحصل في بيوت الناس الطيبين...
كانت جمالات واقفة في بلكونتها، عينيها بتتحرك ورا كل حركة بتحصل قدام بيت جوري، وصوتها طالع زي السم وهي بتتكلم مع جوزها سيد اللي كان قاعد على الكنبة بيفتح الجورنال.
قالت وهي بتنفخ:
-بقولك إيه يا راجل، انت مش شايف البت جويرية كل يوم تدخل وتطلع ولا حد بيحاسبها؟ ده غير إنها سكنت ناس غريبة عندها، والله أعلم بتعمل إيه بعد ما أهلها ماتوا! والبيرة دي اتبطرت على ابنك، انت هتسيبها كده؟
سيد ضم الجورنال، وبص لها بنفَس طالع من صدره:
أعمل إيه بس يا جمالات؟ أروح أخطبها لابنك بالعافية؟
جمالات رجعت خطوة لجوه، حطت إيدها في وسطها وقالت بنبرة ماكرة:
-لا، تقرص ودنها يا راجل وتطلع عليها إشاعة، عشان لما نروح نتقدم تاني توافق من غير تفكير.
سيد بص لها لحظة، وبعدين قال:
-طيب قوليلي أعمل إيه وأنا معاكي.
قعدوا جنب بعض، وجمالات بدأت تخطط وهي بتهمس كأنها شيطانة، وعنيها بتلمع بخبث، ناسيين إن في فوقهم ربّ سامع وشايف.
*****
بعد يومين...
الشمس كانت لسه طالعة، وجوري ماشية في السوق بشنطة خضار صغيرة في إيدها. عينيها بتبص في الخضار، ووشها هادي رغم التعب اللي باين في ملامحها.
وفجأة...
لقت أم محمد (جمالات) في وشها، واقفة زي ما تكون مستنياها.
جوري في سرها:
-استر يا رب، الست دي مش بييجي من وراها غير الشر.
***
وفجأة...
جمالات رفعت صوتها، بصوت عالي هز السوق:
-اشهدوا يا ناس، البت دي حطت راس أبوها في الطين بعد ما مات، واتكبرت على ابني لما راح يتقدم لها، واتاريها مدوّراها!
جوري وقفت مصدومة، عينيها اتسعت، وإيدها مسكت الشنطة جامد وقالت بصوت عالي:
-أنتي بتقولي إيه يا ست انتي؟! ما تحترمي نفسك شوية!
لكن جمالات كانت مصممة تكمل الفضيحة، بصوت أعلى وسط الناس:
-طيب أنا كنت هسترِك... بس عشان لسانك الطويل، والله لأفضحك وسط الخلق!
***
مدّت إيدها في الشنطة اللي معاها وطلّعت ظرف مليان صور، فتحتهم واحدة واحدة قدام الناس، وبدأت تفرجهم:
شوفوا! شوفوا البت اللي كانت ماشية قدامكم على إنها مؤدبة... دي لازم تتربى طالما أهلها معرفوش يربوها!
صوت الهمسات ارتفع، وعيون الناس كلها اتجمعت عليها.
جمالات مدّت إيديها فجأة وشاورت على اتنين ستات واقفين قريب:
-يلا يا بنات، علموها الأدب!
***
الستات قربوا من جوري بخطوات تقيلة، وعيونهم مليانة غل، وفجأة... نزلوا فيها ضرب من غير رحمة.
الشال اتسحب من على راسها، وإيديهم زي السكاكين بتنزل على وشها وجسمها وسط دوشة السوق وصريخها اللي اتخنق من الوجع.
*****
في اللحظة دي، أحمد كان راجع من الجامع هو وولاده، لابس الجلابية البيضاء، والسبحة في إيده.
وقف فجأة وقال بقلق:
-استر يا رب... هو فيه إيه؟ تعالوا يا ولاد نشوف إيه اللي بيحصل.
حاتم كان بيبص من بعيد باستغراب:
-يظهر إنها خناقة!
حمزة كان أسرع، زق وسط الناس وهو بيقول:
ليه الناس واقفة تتفرج ومفيش حد بيتدخل؟
أحمد شد جلبابه وقال بقهر:
- ربنا يهدي يا بني... تعالوا نساعد البنت الغلبانة دي!
ولما قربوا... المشهد كان صدمة.
بنت مرمية على الأرض، وشها كله دم، وجسمها بينزف، والستات لسه بيضربوا فيها بوحشية.
أحمد صرخ بصوت جهوري وهو بيبعدهم بإيديه:
- إيه ده؟! هو في إيه يا ست انتي وهي؟ ده شغل حوش؟ البنت هتموت في إديكم يا ظلمة!
***
حاتم جري ناحية البنت، ولما قرب منها وشاف ملامحها، عينه دمعت، وصوته اتخنق:
جويرية؟! انتِ؟! كوبسة...
**
حمزة قلبه وقع، قرب منها وهو بيترعش، وقال بلطف :
-أنسة جويرية! انتي كويسة؟ مين دول؟ إيه اللي حصل؟!
***
لكن جوري ما ردتش... عينيها كانت تايهة، وبصتها مش ثابتة، وكل صوت حواليها بقى بعيد، وفجأة... وقعت في حضنهم مغمي عليها.
**
حمزة شالها بسرعة بين إيده، صوته كان بيترجف وهو بيزعق في الناس:
وربي وما أعبد لو جرالها حاجة مش هيكفيني موتكم في إيدي!
بص لأخوه وهو بيجري ناحيته:
بلغ البوليس يا حاتم بسرعة... ومحدش يتحرك من مكانه، فاهم؟
حاتم قال بحدة وهو بيشد موبايله:
خدها على المستشفى فورًا، وأنا هتصرف معاهم!
***
أحمد واقف في النص، قلبه بيوجعه، صرخ في الناس بصوت كله قهر:
- لا إله إلا الله... عملت لكم إيه اليتيمة دي؟ ولا عشان مالهاش أهل؟! هتكلوها؟!
جمالات رفعت صوتها وسط الصدمة، بتحاول تغطي خوفها:
- دي بنت رخيصة وتستاهل اللي جرالها!
حاتم لف ناحيتها، صوته جهوري مرعب، سكت السوق كله في لحظة:
-انتي لعبتي مع اللي ما بيرحمش... والله لأخليكي عبرة لأي حد يفكر يجي على بنت تاني!
حمزة كان في التاكسي، شايل جوري على حجره، صوته مكتوم من البكاء:
استحملي... استحملي بس شوية...
وصل للمستشفى، دخل الاستقبال زي العاصفة وهو بيصرخ:
-دكتور بسرعة! حد يلحقني!
الدكاترة جريوا عليه، خدوا جوري من بين إيديه بسرعة، ودخلوها أوضة الكشف وهو واقف بره بيدعي ربنا وعينه مش قادرة تبطل دموع.
*****
في القسم...
ريحة دخان سجاير قديمة كانت مالية المكان، وأصوات الطابعات والناس طالعة من المكاتب، زي أي يوم في قسم شرطة.
جمالات والستات اللي شاركوا في الضرب كانوا قاعدين في الاستراحة، وشهم أصفر، وعيونهم بتلف يمين وشمال بخوف.
كمين صغير من الشهود كمان كان موجود، والكل مستني يسمّع أقواله.
***
أحمد دخل ومعاه حاتم، عينيهم مش نايمة من القهر، وشهم مشدود والغضب بيغلي جواهم.
الضابط اللي قاعد ورا المكتب رفع عينه أول ما دخلوا، ومدّ إيده ناحية الكراسي:
- تفضلوا اقعدوا... احكولي اللي حصل.
أحمد تنهد تنهيدة تقيلة، قعد على الكرسي، وحكى من أول ما سمع صوت الخناقة لحد ما لقوا جوري مرمية في الشارع، ووشها كله دم.
**
الضابط هز راسه بأسى، وقال بصوت حازم وهو بيبص للعسكري اللي واقف جنب الباب:
يا عسكري... ندهلي الرائد مهاب فورًا.
العسكري رفع صوته:
- تمام يا فندم!
وراح جاري برا المكتب.
الضابط رجع يبص لأحمد وحاتم، وابتسم ابتسامة هادية:
- تحبوا تشربوا حاجة؟.
أحمد هز راسه وهو بيضغط على عكازه:
- لا شكرًا يا حضرة الظابط، احنا بس عايزين حق البنت اليتيمة دي.
***
لحظة سكون مرت كأنها دهر، لحد ما الباب اتفتح فجأة... ودخل الرائد مهاب.
شاب طويل، لابس بدلته الرسمية، ونظرته واثقة. أول ما عينه وقعت على حاتم، ضحك وقال بصوت عالي وهو بيقرب:
- البشمهندس حاتم بجلالة قدره هنا!
خده بالحضن، رَبَت على كتفه بحنية، وبعدين سلّم على أحمد بأدب واحترام.
خير يا حاتم... إيه اللي جابك القسم؟
الضابط جمال قام من ورا مكتبه، وقال بجدية وهو بيبص على مهاب:
أنا اللي ندهتلك يا مهاب، الحاج وابنه عاملين بلاغ ومحضر سب وقذف وضرب ضد ستات ضربوا بنت، وهي دلوقتي في المستشفى.
***
حاتم كان قاعد ساكت، لكن صوته وهو بيتكلم كان متماسك... وفيه نار متكتّفة:
- حضرتك، شوف الظرف ده...
مدّ إيده، وسلم مهاب ظرف بني صغير.
مهاب أخده وفتحه، بدأ يبص في الصور، لكن حاتم كمل:
- الست دي... جمالات... اتعرضت لأختي واتهمتها في شرفها. ودي صورهم، مزورة طبعًا.
مهاب بص بسرعة وقال بعصبية وهو بيقلب في الصور:
- منه حصل لها حاجة؟!
أحمد اتدخل بسرعة، وحط إيده على كتف مهاب بهدوء:
- لأ يا مهاب، مش منه... دي بنت يتيمة مالهاش حد، بس عندي زي بنتي بالظبط.
الضابط جمال كان واقف وبيبص في الصور مع مهاب، وبصوت واثق قال:
- واضح جدًا إنها مفبركة... دي حتى طفل في حضانة يعرف إنها متفبركة.
***
مهاب أخد الصور من إيد جمال، وعيونه بترجع تتحوّل لضابط حقيقي في شغله، مش مجرد صديق:
القضية دي تخصني... وأنا اللي هتابعها شخصيًا.
جمال بدأ يلم هدومه وقال وهو بيبتسم:
- ماشي... أصلاً مراتي بتولد، وكنت مستنيك عشان أروح.
مهاب ضحك وهو بيصافحه:
- مبروك يا جمال... يتربى في عزك.
خرج جمال من المكتب، والباب اتقفل ورا ظهره.
***
مهاب قرب من حاتم، ووشه اتبدل وبقى جدّي:
متقلقش... أنا وراك لحد ما جوري تاخد حقها.
حاتم اكتفى بهزة راس وهو بيخبّي القهر اللي جواه.
*****
خرجوا كلهم من القسم، ماشيين بسرعة ناحیة العربية، عشان يروحوا المستشفى...
وكان في صمت بين الخطوات، بس قلب كل واحد فيهم بيتكلم بصوت عالي.
**
أحمد قال بعد ما وصل للمستشفى، وهو بيحاول يهدّي قلبه اللي مولّع:
- الدكتور قال إيه يا حمزه؟ طمّني على الغلبانة دي.
حمزه بصله بضيق، وعيونه فيها وجع:
- كسر في دراعها الشمال، وكدمات كتير في جسمها كله.
أحمد رفع إيده للسماء وقال بقهر:
- استغفر الله العظيم يا رب... ليه يعملوا فيها كده بس؟!
حاتم شدّ نفسه، وكلامه طالع من نار جوّه:
- مهاب، بالله عليك، أنا مش هرتاح غير لما أرجّع حقها منهم.
**
مهاب حطّ إيده على كتف صاحبه، وقال بثقة:
- اطمن يا صاحبي، هكلم الدكتور يكتب تقرير بحالتها، وأنا أوعدك... هحاسبهم.
وفعلًا، كلم الدكتور، وخد التقرير، وطلب ياخد إفادة جوري.
دخل الأوضة عندها وهو بيحاول يبتسم رغم الضيق اللي في صدره.
*****
مهاب:
-حمد لله على السلامة يا آنسة جويرية.
جوري بصت له بدموع محبوسة، وقالت بصوت مكسور:
-الله يسلمك يا حضرة الظابط.
مهاب قرب منها وقال بلطف:
-ممكن تحكيلي كل حاجة بالتفصيل، لو سمحتي؟ عشان أقدر أساعدك.
جوري بلعت ريقها بصعوبة، وقالت وهي بتفرك في طرف الغطا بإيديها:
-كنت بشتري خضار للبيت، ولقيت أم محمد وقفتني وقالت...... حكت كل اللي حصل.
***
مهاب:
- تمام... طيب في بينكم عداوة قديمة؟ حاجة تخليها تعمل كده فيكي؟
جوري ابتسمت ابتسامة موجوعة وقالت:
-عداوة إيه بس! أنا كل ذنبي إني يتيمة، وماليش حد أتحامي فيه منها ولا من غيرها. كل اللي حصل إني رفضت اتجوز ابنها لما اتقدملّي كذا مرة.
هي طمعانة في البيت اللي أنا فيه، وعايزة ترميني برّه بأي طريقة.
سكتت لحظة، وبعدين رفعت عنيها وقالت بدموع وقهر:
-بس المرة دي اتهمتني في شرفي... والله العظيم أنا مظلومة!
مستحيل أغضب ربنا أو أزني أبدًا. صدقني مش أنا اللي في الصور.
مهاب اتنهد وقال بهدوء:
-اهدي يا آنسة... الصور دي مفبركة، وأنا متأكد إنك مظلومة.
وأوعدك، هاجيبلك حقك منها.
جوري بصت له بعيون مليانة دموع، وقالت بصوت مهزوز:
-هتحبسها وتسكتها؟ طيب والناس؟ اللي كانوا واقفين يتفرجوا عليّا وأنا بتضرب من غير رحمة؟
وسيرتي اللي بقت على كل لسان؟
ونظرات الرجالة ليا اللي كانت بتنهش في لحمي؟
كل دول... هتعرف تسكتهم؟
هتعرف تخليهم مييبصوش عليّا كأني واحدة رخيصة؟
سكتت، ومسحت دموعها وقالت بمرارة:
- شكرًا لحضرتك... بس للأسف، لو الست جمالات دي سكتت، هما عمرهم ما هيسكتوا.
*****
مهاب خرج من عندها وهو مخنوق، زفر نفس طويل وبص لحاتم وقال:
- للأسف... البنت منهارة من جوّه.
صعب تهدى دلوقتي.
أنا ماشي... وهرجع لها حقها، مهما كلفني.
وسابهم واقفين، مش عارفين يعملوا إيه يهوّنوا عليها بيه.
*****
في نفس الوقت...
مازن كان بيرن على تليفون جوري، كل شوية، لكن مفيش رد.
قلق بدأ يكبر جواه، وطلع بسرعة على بيتها، خبط كتير... مفيش حد فتح.
طلع تليفونه، واتصل على حاتم:
-هي فين يا حاتم؟ وإزاي كل ده يحصل وماتقوليش؟ وفين ولاد الكلب اللي عملوا فيها كده؟!
حاتم بجديه، وصوته ثابت:
-هي بخير يا مازن، اهدى شوية. إحنا عملنا محضر، واللي عمل كده بيتحاسب دلوقتي.
أحمد اتدخل وقال:
- تعالوا يا ولاد نطمن عليها.
*****
دخلوا الأوضة، ولقوها قاعدة على السرير، والدموع نازلة من عينيها زي المطر.
***
حمزه بصوت حنين:
- حمد لله على السلامة يا آنسة جويرية.
***
جوري ما كانتش حاسة بوجودهم، لحد ما سمعت صوت حمزه.
مسحت دموعها بسرعة وقالت بصوت ضعيف:
-الله يسلمك يا دكتور حمزه.
مازن قرب منها، ووقف عند سريرها، بصّ لها بحنان وقال:
- حمد لله على السلامة يا جوري... ألف سلامة عليكي.
عاملة إيه دلوقتي؟
جوري رفعت عنيها ليه، وابتسمت شبح ابتسامة وقالت:
-الله يسلمك يا مازن... تعبت نفسك وجيت ليه؟
مازن قرب أكتر، وقال بحزن واضح:
