رواية وصمة قلب الفصل الفصل الرابع 4 بقلم هاجر السيد
الرابع: "حين يشتعل الرماد"
الصباح في فيلا "مالك" كان كاذب السكون ، الضوء يتسلل خفيفًا من زجاج النوافذ، بينما كانت "حلا" تجلس في الصالون، يداها ترتجفان وهي تفركهما ،عيناها شاردتان الأفكار تدور برأسها كعاصفة لا تهدأ، كلمات لم تقال، تهديدات لم تنسها، وذكريات تأبى أن تطوي.
جلس أمامها مباشرة، ونظر في عينيها بنظرة باردة، ثم قال (بصوت خالي من الرحمة):
"مبروك يا حلا… الليلة دي هيكون آخر يوم لسيف في الدنيا"
ارتعشت نظرة "حلا"، لكنها حاولت اخفأها
حلا( بصوت متماسك):
"هو مش فارق معايا… اعمل اللي انت عايزه"
اقترب "مالك" منها خطوة بخطوة، وانحنى وهمس بالقرب من وجهها، (وتهديده يخرج كمن يلقي بحبل مشنقة):
"لو فكرتي حتى تلمحي له ، هتكوني انتي اللي بعده، فاهمة"
ابتسم، ابتسامة خبيثة ،ثم استدار خارجاً من الفيلا،
انفجرت "حلا" في البكاء فور اختفائه، كما لو كانت تمسك نفسها منذ أيام.
---
[في ورشة فارس ]
جلس "سيف" وقدامه أوراق قديمة، يحلل تفاصيل صفقات مضت، كأنه يجمع فتات الماضي ليبني عليه حرب المستقبل.
فارس( بخوف وتوتر):
"سيف... سمعت خبر مش حلو"
لم يرفع "سيف" نظره من الأوراق،
سيف (بسخرية):
"مالك بعت ورايا"
(هز فارس رأسه بإيجاب):
"آه… الليلة دي باعت رجالة ومش اي رجاله وعاملين فخ كبير ليك مش هتطلع منه حي"
ابتسم "سيف"( ابتسامة كلها شر)، أطفأ سيجارته ببطء:
"كنت مستني اللحظة دي… جت أسرع من توقعاتي"
فارس (حدق به، بدهشة):
"ناوي على إيه"
رفع "سيف" عينيه، وقال( بنبرة مريبه):
"هسيبهم يفتكروا إنهم كسبوا… لحد ما كلهم يتحرقوا بالنار اللي هما ولعوها"
---
[في الفيلا]
كانت "رغدة" – أم مالك – تراقب من الشباك بحذر. عيناها تتابعان تحركات سيارة سوداء محملة برجال مسلحين
دخلت إلى غرفة الصالون حيث كان "حسين"، خال مالك، جالسًا كعادته، يقرأ جريدته بهدوء يخوف
رغده ( بصوت فيه قلق ):
"مالك رايح يخلص على سيف… بالطريقة اللي دايماً بتدفعه ليها"
حسين (ببرود لا يخفي لامبالاته):
"إنتي اللي زرعتي الكره ده فيه من زمان ، دلوقتي جايه تندمي؟"
(همست وهي تغمض عينيها):
"أنا زرعت الحقد… بس نسيت أسيبه يموت ، مالك بقى حطب النار دي. وسيف؟ سيف مش سهل زي ما فاكريين"
نظر إليها حسين نظرة باردة، ثم أعاد نظره إلى الجريدة دون أن يعلق.
---------
[في شارع جانبي]
تحركت سيارة مالك السوداء ببطء. الرجال في الداخل كانوا يتشاركون الأسلحة، كل واحد يحمل أداة موت، وكل وجه يحمل تصميمًا لا رجعة فيه.
لا صوت في الشارع إلا صوت خطواتهم الثقيلة على الأرض، كان الصمت كثيفًا ، يكاد يخنق حتى أنفاسهم.
---
[مع اقتراب المغرب ]
وقف "سيف" وحده في شارع ضيق من الحي الشعبي، لا أحد حوله، فقط هو لوحده
وفجأة، من كل زاوية، بدأ رجال مالك يظهرون، كأنهم خرجوا من الأرض نفسها حاصروه، وعيونهم تطلق تهديدًا صامتًا.
قال زعيمهم( بنبرة قاسية):
"مالك بيبعتلك السلام الأخير"
ضحك "سيف" بسخرية، ورفع حاجبيه:
"هو بعت رجالة ، ولا كلاب؟"
وقبل أن يتحرك أحدهم، أخرج سيف هاتفه، وضغط على زر
فجأة، انفجرت السماء بالألعاب النارية. كانت المفاجأة صادمة، الرجال تراجعوا للحظة، وعم الذعر
ومن بين الدخان، ظهر رجال آخرون، تابعون لسيف
انفجرت معركة شرسة، صراع بالسكاكين والاسلحه، بالعصي الحديد، وبالأيدي
وسيف؟ ظل واقفاً وسط الفوضى، ينظر بهدوء كأن المعركة عرض مسرحي ،
قال بنبرة قاتلة، بالكاد مسموعة:
"الليلة دي البداية… ومالك مش فاهم هو داخل على إيه"
----
[الفيلا - غرفه نوم حلا]
جلست "حلا" تحمل هاتفها بأيدي مرتجفة ، فتحت رسائل قديمة بينها وبين سيف
واحدة منها جعلت الدموع تنهمر دون مقاومة:
"لو خانك العالم كله... أنا مش هخونك أبداً"
همست من بين شهقاتها:
"ليه رجعت؟ ليه كل حاجة وجعتني تاني"
لكن صوت انفجارات بعيدة قطع لحظتها ، ركضت نحو البلكونة، رأت الدخان يتصاعد من الحي، كان الناس يركضون، وأصوات صراخ الاطفال والناس يملأ الحي
عيناها اتسعتا، وقلبها بيدق بسرعه
---
[الليل غطى الحي]
لكن النار مازالت مشتعلة ، الدمار في كل مكان ، رجال مالك ممددون في الأرض، البعض يتألم ،والبعض لا يتحرك،
بينهم كان "سيف" يسير بخطوات بطيئة، واثقة، كأن هذا الركام هو أرض ميلاده
سيف ( بهمس):
"دي كانت أول صفعة لمالك… والقادم موت بطيء"
-------
[صباح اليوم التالي ]
كان أكثر صمتاً من الليل نفسه، تجمع أهل الحي عند موقع الانفجار، وجوه قلقه، أصوات مترددة،
رجل كبير في السن:
"الولد رجع… رجع ينتقم، بس المرة دي ماسكهم واحد واحد"
ست مسنة:
"سيف ما ظلمش… بس النار لما تولع، ما بتفرقش بين الظالم والبريء"
شاب صغير:
"لو سيف رجع علشان يطهر الحي… يبقى إحنا معاه"
الخامس من هنا
