اخر الروايات

رواية حب تحت الرمال الفصل الثاني 2 بقلم مجدولين محمود

رواية حب تحت الرمال الفصل الثاني 2 بقلم مجدولين محمود 


الفصل الثاني

¤ عِطرُ الربيعِ ....أنتي ¤

---------------------

وجدت فاتن صعوبة كبيره في حمل أكياس مشترواتها و السير بهذا الحذاء ذو الكعب العالي جدا ، ترنحت قليلا و كادت أن تسقط ، لولا يد غليظه قامت بإسنادها في اللحظة الأخيره .

تطلعت إلى الرجل الذي قام بإسنادها و قالت : ميرسي لحضرتك .

كانت ذراعه ما تزال تطوق خصرها ، أرادت إزاحتها و الابتعاد عنه ، و لكنها لم تعِ كيف ، فيداها مشغولتان بتلك الأكياس ، عوضا عن ذلك قالت بحزم : قلتلك ميرسي و تقدر تكمل طريقك .

قال مبتسما : ميصحش ، لازم أوصلك لحد البيت ، هاتي عنك .

و مد يديه ليلتقط الأكياس ، لتقول فاتن : مفيش داعي ، و ميرسي مره تانيه .

ثم أكملت طريقها ، لتلاحظ سيره بجوارها ، أسرعت فاتن خطاها ، فقام بالمثل ، ثم و على حين غره التقط أحد الأكياس من يدها ، لتصرخ فاتن قائله : يا أستاذ عيب كده .

قال الرجل : بالراحه عليا يا طعمه ، أنا قصدي شريف ، ثم أضاف ضاحكا : أنا طالب القرب من جمال سيادتكم .

نظرت فاتن للرجل و للكيس الذي أصبح بحوزته ، تنهدت و آثرت عدم افتعال مشكله معه و أكملت مسيرها ، و لكنه لم يفهم الرساله بعد ، بل استمر في تتبعها و محاولة التلاطف معها .

أسرعت فاتن أكثر ، لتتعثر و تسقط أرضا ، و لسوء حظها قام ملاحقها بمساعدتها مره أخرى ، و لكن هذه المره بقيت يداه مطبقتان على خصرها .

صاحت فاتن بعنف : يا حيوان شيل إيدك .

قال الرجل مبتسما : تؤ تؤ ، بس برده طعم و انت متعصب .

و قال صوت ذكوري آخر : شيل ايدك ، أحسن ما أقطعهالك .

التفت الرجل بعد أن أرخى قبضته عنها و قال : و مين بقى حضرتك ، محامي بنات الليل !

شهقت فاتن ليقوم جارها بلكم الرجل قائلا : غور من هنا لاحسن أرتكب فيك جريمه الليلادي .

قال الرجل بعد أن عاد لتوازنه : و على ايه ، ثم ألقى نظره متفحصه ناحيتها و قال : ملكيش فالطيب نصيب .

و استدار مغادرا ، لتقول فاتن : ميرسي اوي ، ده واحد متخلف .

قال يحيى بغضب : ما انتي لو كنتي لابسه حاجه عدله مكنش أتعرضلك .

قالت فاتن بامتعاض : تقصد ايه ، أنا السبب في سفالته !

قال يحيى بغيظ : لا هو سافل بالفطره ، ليه بقى تديه سبب تاني يسمحله يتطاول بيه عليكي .

قالت فاتن بحنق : تاني أنا السبب .

قال يحيى بفروغ صبر : هو انتي مسمعتيش شبهك بمين .

تنهدت فاتن و قالت بحرج : لا سمعت و ميرسي إنك فكرتني .

قال يحيى : مش قصدي أدايقك .

ابتسمت فاتن ، ثم انحنت لتلتقط حاجياتها التي بعثرت في الأرض نتيجه لترنح معاكسها و إسقاط الكيس الذي كان بحوزته .

قال يحيى بحده بعد أن كشف انحناءها عن مفاتنها : بجد ميصحش كده....

قالت فاتن : هو ايه اللي ميصحش .

هز يحيى رأسه و قال : أصل ...استني أنا هالمهوملك .

قالت فاتن : مفيش داعي .

قام يحيى على عجاله بجمع حاجياتها التي بعثرت في الارض ثم قال بعصبيه : خلاص اهم و ناولها الكيس ، ثم قام بالتقاط أكياسه هو الآخر .

قالت فاتن : ميرسي مره تانيه ، تعبتك معايا .

قال يحيى باقتضاب : العفو ، ثم أكمل مسيره ، و كذلك فعلت فاتن ليسيرا متقاربين .

تعثرت فاتن مره أخرى بسبب كعب الحذاء ، ليقول يحيى : هاتي عنك .

قالت فاتن بتردد : مفيش داعي ، كلها خطوتين و نوصل .

أصر يحيى ، فاستجابت له محرجه ، قال بعد أن دلفا إلى مصعد البنايه : طالما مش بتعرفي تمشي بيه ، بلاه أحسنلك .

زمت فاتن شفتيها و قالت : لا أنا بعرف أمشي بيه كويس جدا ، بس عشان شايله حاجات تقيله .

خرجا من المصعد ، ليوصل يحيى الأكياس إلى باب شقتها قائلا : تحبي أحطهوملك جوه .

تناولت فاتن الأكياس من يده ، ثم قالت: هو انت....

لم تكمل فاتن جملتها ، فلقد استدار جارها مسرعا باتجاه شقتهم ..

تمتمت فاتن : يعني كان مصمم يساعدني و دلوقت هيعمل نفسه تقيل و لا ايه حكايته ده ..

دلفت فاتن الى الشقه محتاره من تصرف جارها الشاب ، فلقد دافع عنه و اصر على مساعدتها و من ثم رحل فجأه .. فكرت في نفسها : اهو في رجاله بتساعد لله يعني ، مش على راي ماما لازم يكون ورا مساعدتهم غرض او مصلحه....

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استلقى كِنان على سرير صديقه لؤي محدقا في السقف ، و مذعورا من القرار الذي عزم عليه ، و لكن عاطفته تجاهها طغت على أي ذرة تفكير أو حتى تعقل .

قال لؤي مستنكرا : ايه مش هتقولي رأيك فالمقاله اللي هانزلها على مجلتي ؟

استفاق كِنان من شروده ، و عاد بانتباهه إلى صديقه لؤي ، الذي طالما طلب مشورته في مقالاته التي ينشرها على مجلته الالكترونيه و التي قام أخوه يحيى بتصميمها له .

قال كِنان معتذرا : معلش يا صاحبي ، حالا هقراها ، بس الأول ممكن أدخل الحمام .

قال لؤي : ما تروح يا بني .

تنحنح كِنان و قال : عادي يعني ..

قال لؤي : هو انت أول مره تعملها هنا ، و بعدين هما قاعدين في الصاله و ليلى فاوضتها .

أومأ كِنان برأسه و خرج من غرفة لؤي .

أغلق باب الغرفه و أسند رأسه على الحائط المجاور ، محاولا التقاط أنفاسه ، استجمع شجاعته ، و سار في الممر المؤدي إلى غرفتها ، طرق الباب .

قالت ليلي بصوت مرتفع : اتفضل .

أخذ كِنان نفسا عميقا ، و أدار مقبض الباب ، وقف لثوان يتأملها منغمسه في كتابة شيء ما على حاسوبها .

استدارت قائله : في ايه... ثم توقفت عن الحديث و فغرت فاهها مصدومه .

أغلق كِنان الباب خلفه و قال : ليلي أنا ..

نهضت ليلى من مقعدها مفزوعه و قاطعته قائله : انت اتجننت ، ايه اللي بتعمله هنا !

قال كِنان بصوت خفيض : طب أعمل ايه ، بقالك أسبوع مش راضيه تكلميني .

قالت ليلى باضطراب : أكلمك ده ايه ، هو أنا في بيني و بينك كلام أصلا .

قال كِنان بعصبيه : بلاش شغل العيال ده معايا .

و لدهشته قامت ليلي باللطم على وجنتيها قائله : أبوس ايدك ، أبوس ايدك اخرج بره .

قال كِنان برجاء : هاخرج بس قوليها .

قالت ليلى بذعر : أقول ايه ...

قال كِنان: انتي عِطر الربيع ، مش كده..؟؟؟؟

نظرت ليلى له متردده ، قال كِنان: أرجوكي .

أومأت ليلى برأسها ، ليقول كِنان : طب شيلي البلوك اللي عملتيه .

قالت ليلى : أرجوك اخرج بره ، انت مش عارف لو حد منهم شافك هنا هيحصل ايه .

قال كِنان: طب أوعديني تشيلي البلوك ، و ترجعي تكلميني من تاني .

قالت ليلى : أوعدك ، أوعدك ، بس يلا أطلع من هنا .

قال كِنان بسرعه : الساعه تمانيه ضروري نتكلم ، ها .

أومأت ليلى له ، ليخرج من غرفتها مسرعا .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

وقفت فاتن أمام خزانة والدتها ، محتاره أي تلك الأثواب سيليق بها أكثر ، و تمنت لو أن باستطاعتها أن تقضي ليلتها هنا بدلا من الذهاب مع والدتها إلى حفل افتتاح فيلمها الجديد ، فتلك الحفلات لم تعد ترق لها ، صحيح أنها في معظم الأحيان تلتقي بكبار النجوم و الاعلاميين و الذين يعاملونها بلطف شديد ، و لكن مؤخرا أصبح حضور تلك الحفلات بمثابة كابوس بالنسبه لها ، و السبب ....

قالت انجي بضيق : ايه لسه مخترتيش واحد ؟

قامت فاتن بالتقاط أحد الفساتين بسرعه و قالت : اهو يا ماما ، هالبس ده .

قالت انجي : طب يلا بسرعه ، خميس هيجي بعد شويه يوصلنا .

ارتعدت مفاصل فاتن فور سماعها اسمه و قالت : يا ماما أنا مش بحب الراجل ده ، و خلاص معدتش رايحه معاكي .

قالت انجي بعصبيه : حبتك عقربه يا شيخه ، ده اللي هينشلنا من الشقه الحقيره دي ، و تقوليلي مش بحبه.

قالت فاتن محاولة التخفيف عن والدتها : و مالها الشقه دي ياماما ، و الله جميله ، و بعدين لما ان شاء الله الفيلم بتاعك ينجح ، أكيد الشركه هتنتجلك المسلسل و هتاخدي فلوس كتير و نقدر ننقل من هنا .

قالت انجي متأففه : طب يلا البسي ، و لا عايزاني أركب معاه لوحدي .

أطاعت فاتن والدتها ، غير قادره على تركها تذهب بمفردها بصحبة ذلك الرجل البغيض خميس النونو .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

أضاء اسم عِطر الربيع على صفحته من جديد ، ابتسم كِنان و على الفور أرسل لها : بحبك يا ليلى بحبك.

صفعت ليلى نفسها و أرسلت : ايه الكلام اللي بتقوله ده بس ....!

كتب كِنان: طب اديني رقم الفون بتاعك ، عشان أفهمك .

كتبت ليلى : مش هينفع .

كتب كِنان: كده هتخليني اكرر اللي عملته انهارده.

كتبت ليلى : يا نهار اسود ، انت عايز تودينا في داهيه .

كتب كِنان: اديكي قولتيها ، تودينا يعني احنا ، يعني انا و انتي بقينا في مركب واحده ، أنا هاكتبلك رقمي و ارجوكي ترني عليا دلوقتي ، و هاطلبك و نتفاهم .

بقيت ليلى دقائق تحدق في الشاشه أمامها ، تنظر إلى الرقم ، و بعد تردد كبير أمسكت هاتفها و طلبته .

قام بإلغاء الاتصال ، و بعد ثوان وجدت رقمه يضيء شاشة هاتفها ، ضغطت رد و قالت بصوت مرتعش : الو .

قال كِنان بصوت أجش : السلام عليكم .

- و عليكم السلام و رحمة الله .

- ازيك يا ليلى .

- مرعوبه .

- أرجوكي متخافيش ، أنا مستعد أقف قصاد الدنيا كلها عشانك .

- يا كِنان كلامنا مع بعض غلط ، أولا أنا مخطوبه و ثانيا انت صاحب أخويا و لو لؤي عرف هتخسروا بعض للأبد.

- جايه تقولي كده بعد ما علقتيني بيكي و مشاعري مبقتش فايدي .

- أنا آسفه ، مكنش قصدي و مكنتش أعرف إنك بسهوله هتعرف أنا مين .

- و اديني عرفت ، و خلاص معدش ينفع تستمري مع خطيبك ، ليلى انتي لازم تسيبيه.

- بالسهوله دي ....!

- وايه اللي يمنع ، أنا اللي فهمته من كلامك إنك تعيسه معاه ، ايه يجبرك تكملي فالخطوبه دي ؟

- أنا لما فتحتلك قلبي ، مكنتش أعرف إنك هتتعلق بيا و كمان تعرف أنا مين ، فأرجوك أي حاجه قلتها و أنا متخفيه باسم عطر الربيع ضروري تنساها .

-مستحيل أنسى ، ليلى أرجوكي تاخدي خطوه ، أنا مقدرش آجي و أتقدملك و انتي مخطوبه .

- يا كِنان ، أنا كلمت بابا بدل المره ألف و مش مقتنع برأيي و مصر إني بدلع و مش عارفه مصلحتي .

- طيب أنا هأكلم لؤي .

- أوعى تعمل كده ، أنا هحاول مع بابا تاني .

- طب أنتي عندك محاضرات بكره ؟

- أيوه ، ليه ؟

- عايز أشوفك .

- بلاش و النبي حكاية إننا نتقابل ، أنا مهما كان مخطوبه و كمان مش حابه أخون ثقة أهلي فيا .

- أحنا مش هنتقابل و نتكلم ، أنا بس عايز أشوفك و اطمن عليكي من بعيد لبعيد .

- طب أرجوك توفي بوعدك ، و متحاولش تكلمني .

- حاضر .

أغلق كِنان الخط ، و تنهد بحرقه ، داعيا الله أن ينزل الصبر على قلبه ، لتحمل هذا الوضع ، فمن أحبها قلبه مرتبطه رسميا برجل آخر ، رجل على حسب وصفها له يفتقد أدنى مستويات التفاهم معها ، و الأدهي أنه لا يتحلى بأي نخوه أو مروءه ، سخر كِنان من نفسه فأي نخوه يمتلكها هو و قد قام بمشاغلة أخت صديقه المقرب، أليست هذه تعد خيانه من الدرجه الأولى ، و لكن نيته و قصده شريفان ، فحالما تنهي خطبتها سيتقدم لها رسميا ، و تساءل كنان ما الذي سيحل به إن رفض والدها فسخ الخطبه .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

احتضنت ليلى هاتفها ، واضعه إياه بالقرب من صدرها ، و همست : و أنا كمان بحبك.

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قال أنس لصديقيه المنكبين على كتابة أكواد البرمجه : مين فيكو هيروح الافتتاح ؟

قال مالك : أنا مش هاقدر و بعدين مش الفكره فكرتك ما تروح انت .

ضحك أنس بتهكم و قال : الليله مشغول ، مستني مكالمة زبون مهم من الخليج و احتمال كبير يمولنا بفلوس كتير .

قال يحيى : أصلا هنروح نعمل ايه ، ندلل على نفسنا .

قال أنس بعصبيه: ندلل ، انت مهندس انت ، اسمها نعمل دعايه و تسويق لشركتنا .

سأل مالك : و ايه علاقة شركتنا بالأفلام ؟

قال أنس : يا نهار أسود ، احنا مش افتتحنا موقع للتواصل بين الشباب ، اهي شركات الأنتاج ممكن تدفعلنا فلوس اد كده عشان تروج لأفلامها بين الشباب ، و كمان ممكن يطلبوا نعملهم تصميمات للأفيشات و حاجات كتير.

سأل يحيى : بس انت ازاي قدرت تجيب دعوه للحفله دي .

قال أنس بعد تفكير : عندي طرقي الخاصه.

لم يشأ اخبارهم بأنه حصل على الدعوه من أحد الموظفات بالمونتاج التابع لتلك الشركه ، و التي حصلت على دعوتهم بطرق بالتأكيد ملتويه من أجل إرضائه ظنا منها أنه سيقوم بالفعل بالتقدم لخطبتها ، غبيه ، هل يوجد رجل عاقل يرتبط بفتاه تتجاوز بحريه معه دون أي رباط رسمي بينهما .

تنهد مالك و قال برجاء : روح انت يا يحيى و ريحنا من زنه ، الله لا يسيئك.

أطرق يحيى مفكرا ، ثم قال : بس بشرط ، احنا مش هنقبل نعمل دعايه الا أما نتأكد إن مضمون الفيلم محترم و هادف .

ضحك أنس بسخريه و قال : مش هنقبل ، حسستني إنهم ما هيصدقوا و هيمسكوا فينا بأيديهم و سنانهم .

قال يحيى بجديه : بكره يحصل ، أنا أحلامي فوق السحاب و إن شاء الله هأحققها .

قال مالك و أنس بصوت واحد : بركاتك يا سيدنا الواثق .

ضحك يحيى لدعابتهم المعهوده ، و التي انبثقت نتيجه لايمانه المستمر بشركتهم ، فحينما تهبط همتهم و تصعب عليهم المشاكل ، يقوم بتحديهم لاخراج أفضل ما لديهم ، و حثهم على الايمان المستمر بقدراتهم ، كما آمن هو بأن بامكانه بدء مشروعهم رغم عدم اقتناعهم في البدايه ، لكن ها هم الآن في مقر شركتهم الصغيره .

قال يحيى : أديني العنوان و ربنا يسهل

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

كانت نوف تجلس بين أحبائها العصافير، تدندن معهم بصوتها العذب ، و الذي ورثته عن والدها ، فهد الشيمي .

فتحت نوف قفص عصفور الكناري ، بعد أن لاحظت اختفائه ، لتجده ملقى في قاع القفص ، فاقدا للحياه .

أغلقت نوف القفص ، حزينه على حالها و حال أحبائها العصافير الصغيره ، فحتى تلك الكائنات الرقيقه لم تسلم من الشر الكامن في قلب زوجة أبيها ، فهذا هو العصفور الخامس الذي يموت لها خلال أسبوعين .

تنهدت و حاولت طمأنة نفسها بأنها قريبا سترتاح من شرورها ، فلقد وعدها أنس ، حال تحسن حالتهم الماديه بالمجيء إلى هنا و التقدم لها رسميا.

خرجت نوف من العش الخشبي الذي أقامه والدها كي تربي فيه العصافير كيف تشاء ، بعد رفض زوجته السماح لها بالاحتفاظ بهم داخل المنزل .

و في طريقها للمنزل ، قابلت أختها الصغيره ريم ، انحنت نوف لتداعب شعر أختها قائله : شلونك حبيبتي .

ضحكت ريم و قالت : ممكن تلعبي معي بعروس الباربي .

همت نوف بالموافقه و لكن استوقفتها زوجة أبيها حصه بنهرها لريم قائله : ريم ، دشي البيت و بلا مصخره ، هالحين مو وقت لعب .

دلفت ريم إلى المنزل مستاءه ، و تبعتها نوف بعد أن رمقتها زوجة أبيها بنظره حانقه.

و فور دخولها غرفتها ، قامت بفتح الحاسوب الخاص بها ، لمحادثة أنس ، فهو الوحيد القادر على التخفيف و لو قليلا عنها .

وجدت اسمه متاحا على برنامج السكايب ، و فور دخولها أرسل لها طلب محادثه بالكاميرا ، قبلت الطلب و أضاءت الكاميرا الخاصه بحاسوبها هي أيضا .

قال أنس : ده ايه القمر اللي قدامي ده يا ربي.

ضحكت نوف ، مخفيه وجهها بيدها و قالت : بليز متكسفنيش بقى .

قال أنس : أيوه كده ، كلميني مصري ، عشان استوعب كل كلمه بتنطقها الشفايف الروز دي .

قالت نوف معاتبه : و بعدين وياك .

قال أنس : لالا أبوس ايدك ، ارجعي مصري تاني .

ضحكت نوف و قالت : من عنيا ، حاضر ، ازيك يا أنس .

ضحك أنس و قال : تعبااااان ، نفسي يجي اليوم اللي يلمنا بيت واحد ، أبقى مطمن عليكي و متغبيش لحظه واحده عن عيني .

تنهدت نوف ، ليقول أنس : نفسي نفسي آخدك في حضني و أخبيكي مالكون كله ، خصوصا الست حصه المقرفه دي .

لاحظ أنس مدى تأثر نوف بكلماته ، فاستغل الفرصه و قال : ممكن أطلب منك طلب يا روح قلب أنس .

أومأت نوف برأسها بسرعه و قالت : عيوني الك حبيبي .

قال أنس بانفعال : الله كلمة حبيبي طالعه من بؤك زي الشهد ، بس حبيبك مزنوق في قرشين .

قالت نوف على الفور : أنا ممكن أبعتلك فلوس على حسابك فالبنك .

قال أنس مدعيا الحرج : لالا مش معقول هآخد من مصروفك ...

قالت نوف : دي فلوس مش محتاجاها ، اللي بيزيد من مصروفي بيفضل فالبنك ، و بعدين انت لما ربنا يفتحها عليك ابقى رودهملي.

قال أنس : طب خدي بيانات حسابي عندك .

سجلت نوف بيانات الحساب ثم قالت : يلا بقى مضطره أقفل ، لازم أنزل أتعشى مع بابا و اخواتي.

قال أنس : كده هتقفلي من غير ما تديني السكر بتاعي .

قالت نوف بخجل : يا أنس الحاجات دي عندنا عيب جدا ، و أعتقد عندكو كمان .

قال أنس : الحاجات دي هي اللي بتثبت حبك ليا ، ثم أرسل لها قبله على الشاشه .

ثم قال : كده هزعل منك و هخاصمك .

قامت نوف محرجه بارسال قبله له ، ثم قالت : ده أنا أموت لو يوم مكلمتنيش.

قال أنس : بعد الشر عليكي يا حبيبتي .

صفر أنس مبتهجا بعد إنتهاء محادثته مع نوف ، محققا هدفه الأول و هو الحصول على بعض المال من تلك المدلله الثريه ، أما هدفه الثاني فلقد وضع اليوم حجر الأساس له ، و شيئا فشيئا سيستدرجها للحصول على ما يريده ، و تفاءل خيرا ، فاليوم أنهت حديثها بقبله ، و غدا و بعد غد سيقنعها بفعل أشياء أخرى ، أشياء ستجعلها تحت رحمته و إلى الأبد .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

في أحد الفنادق الفخمه ، أقيم حفل افتتاح الفيلم الجديد لانجي الشريف والذي قام بانتاجه رجل الأعمال خميس النونو .

دلفت فاتن مع والدتها إلى الصاله الكبيره و التي هيئت خصيصا لعرض الفيلم ، و تبعهم خميس .

حاولت فاتن أن تتلاشى الجلوس بجوار خميس ، ظلت واقفه حتى تأكدت من جلوسه في المقاعد الأماميه ، و على الفور جلست في مقعد بعيد عنه .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

قال خميس لانجي الجالسه بجواره : شايفه عمايل بنتك .

قالت انجي مدافعه : معلش يا خوخو ، البت صغيره و بدري عليها .

قال خميس مستنكرا : بدري ايه يا حلوه ، هو أنا عاملك فيلم و هاعملك مسلسل عشان بعد كل ده تيجي و تقوليلي بدري .

قالت انجي بخبث : يا خوخو ، البت محتاجه تتودك حبتين ، و أوعدك هيحصل خير إن شاء الله .

قال خميس : بقى أمها إنجي الشريف ملكة الاغراء ، و تقوليلي لسه محتاجه تتودك.

قالت انجي بحسره : أعمل ايه.. ، أنا كنت مشغوله بحياتي و نجوميتي و البت تقدر تقول اتربت على ايد الخدامات ، و شكلها طالعه عبيطه زيهم .

قال خميس بعصبيه : يعني ايه !

قالت انجي : يعني محتاجه وقت تدردح شويه و تعرف مصلحتها فين.

ثم ضحكت و قالت : متقلقش ، هو أنا هلاقي حد زيك فين يكون جوز لبنتي .

أومأ خميس ثم قال : أيوه ثبتيني بكلمتين .

قالت انجي بدلال : مش هنشوف الفيلم بقى.

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

عادت فاتن من الاستراحه و في يدها بعض من الفشار ، أرادت الجلوس في مقعدها ، و لكنها عدلت عن الفكره حينما رأت جارها الشاب يحتل أحد المقاعد الخلفيه ، ابتسمت و اتجهت إلى السطر الخلفي ، دلفت في الممر ثم جلست في المقعد الشاغر بجواره .

ألقى عليها نظره جانبيه ، ثم عاد بنظره للأمام ، ثم و كأنه استدرك شيئا ما ، عاد ينظر إليها من جديد ، لم تستطع أن تقرأ ردة فعله جيدا ، فالمكان مظلم بعض الشيء ، و لكنه بالتأكيد لم يكن ممتعضا من وجودها .

بقي لثوان يحدق بها ، مما أشعرها بالحرج ، مدت له إناء الفشار بارتباك و قالت : تاكل .

أزاح نظره للإناء و سأل : انتي هنا لوحدك ..؟

قالت فاتن : هو انت متعرفش ، ماما البطله ، الفنانه انجي الشريف .

قال يحيى : لا عارف ، بس هي معاكي هنا.

رفعت فاتن كتفيها وقالت : يعني بطلة الفيلم مش هتحضر الافتتاح برده ، اهي قاعده قدام مع المنتج .

تنهد يحيى و قال : طب مش قاعده جنبها ليه ؟

قالت فاتن بحرج : أصل مش بحب .. صمتت ثم قالت : أصل الاضاءه بتبقى صعب اوي هناك.

ثم أضافت : مش هتاكل !

هم بقول شيء ما ، ثم عدل عن ذلك ، و مد يده ملتقطا بعض حبات الفشار و قال : متشكر .

قالت فاتن بعد أن عاد بنظره لمتابعة الفيلم : انت من المعجبين بماما !

ضحك يحيى بسخريه ، ثم قال : طب هجاوبك ازاي عالسؤال ده .

قالت فاتن بعفويه : عادي يعني .

نظر يحيى تجاهها بطرف عينه ثم قال : عادي مش هتزعلي ؟

قالت فاتن : وهزعل ليه ؟

قال يحيى و قد أولاها انتباهه كاملا : لا مش معجب بيها نهائي .

قالت فاتن بانزعاج : طب بتعمل ايه هنا ، طالما مبتحبهاش !

قال يحيى باقتضاب : شغل .

عضت فاتن على شفتها السفلى ، و تساءلت عن السبب الذي جعلها تجلس بجواره ، أهي نصائح والدتها ، هل يعني هذا أنها معجبه به ، هل من المعقول أن تعجب بأحدهم بهذه السرعه ، لا يهم ، فيبدو أنه متضايق من وجودها بجواره ، على عكس ما ظنت في البدايه ، شعرت بالخزي الشديد ، و ببطء شديد أيضا حاولت النهوض دون أن تلفت انتباهه .

قال يحيى بصوت عال : انتي رايحه فين !

عادت فاتن للجلوس على مقعدها بسرعه ، بعد أن استدار جميع من في الصف الذي أمامهم على إثر صوته المرتفع .

سألت و هي تطأطأ رأسها : لسه بيبصوا ناحيتنا ....؟

ضحك يحيى و قال : آسف ، مكنش قصدي أحرجك ، و محدش بيبص خلاص .

ثم سأل : بس انتي قومتي ليه !

أجابت فاتن بلامبالاه : عادي يعني .....

قال يحيى محاولا استفزازها : شكل الفيلم مش عاجبك ...؟

قالت فاتن بحده : لا ده حلو اوي ، و ماما أداءها جامد جدا .

ثم التفت الاثنان إلى الشاشه فور سماعهم تصفير الحضور ، ليقول يحيى : فعلا أداءها جامد جدا .

شعرت فاتن بالحرج الشديد ، نظرا للمشهد المعروض الآن ، فوالدتها تظهر في وضع حميمي مع البطل ، و بالرغم من توضيحات والدتها المتكرره بشأن تلك المشاهد و بأنها جزء فني بحت ، و بدونه يخل بالسياق الدرامي للفيلم و هدفه ، الا أن فاتن لم تتغلب يوما على شعورها هذا ، و ما زاد الطين بله هو تهكم جارها الآن .

و بدون أن تشعر سالت عبراتها ، تغرق وجنتيها بللا .

قال يحيى برفق: انتي بتعيطي !

هزت رأسها نافية ، ثم نهضت من مقعدها ، و غادرت الصاله مسرعه ، اتجهت إلى الحمام الخاص بالسيدات ، نظرت في المرآه محاولة إصلاح زينتها التي أفسدتها ببكائها .

استغرقت حوالي عشر دقائق لإنهاء هذه المهمه ، أمسكت بحقيبتها و فتحت الباب ، لتفاجأ بجارها متكئا على الحائط و واضعا يديه في جيبه .

قال يحيى فور خروجها : انتي زعلتي من كلامي .

قالت فاتن محاولة لحفظ ماء وجهها : لا أبدا ، بس أنا مش بحب أشوفها في المشاهد دي .

قال يحيى : بجد !

قالت فاتن باستنكار : هو في حد يحب يشوف مامته بالشكل ده ، مع انها بتقولي انه مشهد فني و ليه هدف ، بس برده مش لطيف .

قال يحيى بجديه : بس مش لطيف !

قالت فاتن : تقصد ايه !

قال يحيى : و حرام و لا يجوز .

ضحكت فاتن برقه و قالت : اه لو تسمعك ماما ، كان زمانها شرشحتك .

قال يحيى بامتعاض : عشان بقول الحقيقه .

قالت فاتن : لا ده انت من اياهم .

قال يحيى : اياهم مين !

قالت فاتن : دول اللي بيطلعوا يحرموا الفن و التمثيل ، ماما بتتغاظ منهم جدا و بتقول عليهم متخلفين .

سأل يحيى مباغتا : وانتي ، ايه رايك فالفن و التمثيل اللي بتعمله مامتك !

لم تعرف كيف تجيب على سؤاله ، نظرت حولها محاولة إيجاد مخرج ، فقالت : لا ده سؤال محتاج قعده و فتي كتير ، زمان ماما بدور عليا ، عن اذنك بقى .

قال يحيى : استني .

نظرت فاتن بحيره ، ليقول : هو انتي اسمك ايه ؟

ابتسمت فاتن و قالت : فاتن ، و انت ؟

أجابها : يحيى .

قالت فاتن : طب عن اذنك بقى يا يحيى .

قال يحيى باستنكار : هو انتي على طول كده بتاخدي على أي حد .

قالت فاتن مستفهمه : تقصد ايه يعني !

قال يحيى : يعني جيتي قعدتي جنبي و دلوقتي بتقولي اسمي و رافعه التكليف و بتتباسطي بزياده .

قالت فاتن بحرقه : معاك حق و اسفه لو دايقتك يا أستاذ يحيى .

و استدارت بسرعه لتصطدم بأحدهم الذي اعتذر منها قائلا : اسف ..اسف...

لم تكلف نفسها عناء الرد عليه او حتى النظر لوجهه، أكملت مسيرها بسرعه كبيره..

ليقول يحيى مستغربا : أنس ، انت مش قلت مشغول و مش هتيجي!

أنس : ابدا خلصت اللي ورايا و قلت اما اجي و اتسلى فالحفله ، اول ما دخلت لئيتك واخد فوشك و لحقتك على هنا ، و معلش يا صاحبي بس غصب عني سمعت كلامكو...

صمت قليلا ، ثم أضاف : بس غريبه اوي ، البت دي مش سكتك خالص ، دي بنت انجي الشريف ، عارف مين انجي الشريف ، بجد مش سكتك .!

تنهد يحيى ، ثم سأل : هو انت تعرفها..؟

ضحك أنس : طبعا ، مين ميعرفش انجي الشريف ، يا بني دي اشهر من النار عالعلم..

قاطعه يحيى : لا قصدي بنتها ..

أومأ أنس : ايوه اعرفها ، مش معرفه شخصيه بس بشوف صورها مع مامتها ، و قريب اتعرفت على حد يعرفها شخصيا ، يعني كلامي مش من فراغ لما قولتلك مش سكتك خالص يا يحيى...

يتبع


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close