رواية اوجاع الروح الفصل الثاني 2 بقلم فاطمة فارس
الفصل الثاني
مش طايقة أدخل الشقة وهي فاضية، من غير صوت بابا ولا حضن ماما.
فتحت النور، دخلت أوضتي، ووقعت على السرير من غير تفكير.
نمت على طول... النوم بقى مهربي الوحيد.
صحيت الصبح على رنة موبايل.
رقم غريب!
– ألو؟ السلام عليكم، مين؟
جالي صوت مألوف، متوتر:
– أنا مازن يا آنسة جويرية... الساعة دلوقتي تسعة إلا ربع! إنتي فين؟ الامتحان الساعة تسعة!
قمت مفزوعة من على السرير:
– يا نهار أبيض! راحت عليا نومة!
شكراً يا مازن، هلبس وأنزل حالًا... بس، جبت رقمي منين؟
رد بسرعة وهو متوتر:
– مش وقته! قومي بسرعة، والبسي، وهبقى أقولك بعدين.
قفل بسرعة.
***
اتوضيت، صليت الفجر اللي فاتني، لبست ونزلت جري.
لقيت مازن واقف قدام البيت وموقّف تاكسي. استغربت... بس ماكانش في وقت للكلام.
ركبت، وهو ركب قدام جنب السواق.
وصلنا في آخر لحظة، والحمد لله الامتحان كان سهل.
وأنا طالعة، لقيته مستنيني عند باب المدرسة.
قرب وسأل بلهفة:
– عملتي إيه؟
ابتسمت له وأنا مبسوطة:
– الحمد لله... شكرًا يا مازن. لولاك، كنت هعيد السنة.
ابتسم وقال:
– ما تشكرينيش، أنا مجرد سبب. اشكري ربنا اللي بعتني ليكي.
– الحمد لله، والشكر لله.
***
سكتنا شوية...
كنت محرجة جدًا، مش بس علشان أنقذني، لكن كمان عشان بدأ يبقى له وجود في حياتي.
فجأة قال:
– تيجي نشرب عصير؟
بصيتله بتردد...
بس في الآخر، وافقت.
مشينا سوا.
هو قدامي، وأنا وراه، وبينّا مسافة...
بس الغريب إني حسيت بالأمان!
بعد ما قعدنا، بصلي باهتمام وقال:
– أنا حابب نكون إخوات... لو ماعندكيش مانع.
بصيت له بحيرة:
– بس... أنا مش بصاحب ولاد.
رد بإقناع:
– أنا مش بقول "صاحِب"، أنا بقول "أخ".
وإنتي وحيدة، وأنا كمان...
ليه منبقاش إخوات ونسأل على بعض؟ بدل ما كل واحد فينا ملوش حد.
عيني سرحت شوية...
وتوترت. دي أول مرة أتكلم مع شاب غريب بالشكل ده.
لكن قلت بهدوء:
– موافقة... بس بحدود الأخوّة، وبس.
ابتسم:
– أكيد. مش هتخطّى حدودي معاكي يا جويرية.
ينفع أقولك باسمك؟
ابتسمت وقلت:
– اسمح.
***
ضحك:
– أنا عندي أخت واحدة، أكبر مني بتسع سنين، عايشة في السعودية مع جوزها.
أهلي ماتوا من سنتين... وأنا عايش لوحدي.
وإنتي؟
– أنا وحيدة بابا وماما، واتوفوا قريب.
وزيّك كده... عايشة لوحدي.
– بتصرفي منين؟ لو سؤالي مش هيضايقك.
– بابا كان سايبلي شوية فلوس، الحمد لله بصرف منهم.
وإنت؟
– بشتغل من سنتين، وأختي كانت بتبعتلي فلوس كل شهر، بس رفضت أعيش على فلوسها.
اقترحت عليّا نفتح مشروع، وفعلاً عملت محل ملابس رجالي، وقدرت أفتح فرع تاني في مصر الجديدة.
– ما شاء الله! ربنا يوفقك ويصلح حالك.
ابتسم وقال:
– تعرفي؟ نفسي أبقى دكتور، وأساعد الناس اللي مش معاها تكشف.
بدعي ربنا دايمًا... وواثق إنه هيستجيب.
ابتسمت بفرحة:
– إيه ده! أنا كمان نفسي أكون دكتورة.
بابا دايمًا كان يقولي: "هتبقي أحسن دكتورة يا جوري".
نفسي أحقق حلمه، وأخليه فخور بيا.
قال وهو بيبصلي بابتسامة واسعة:
– إن شاء الله... يا دكتورة جويرية.
*****
عدّت الأيام بسرعة...
بقينا دايمًا بنفكر في بعض، نراجع مع بعض، نفتكر مواعيد المحاضرات، ونسأل على بعض وقت الامتحانات.
فاضل امتحانين وأخلص السنة، لكن المشكلة دلوقتي… الفلوس خلصت.
مصاريف الثانوية كانت كتير، وأنا ماكنتش بخاف غير من اللحظة دي.
مبقاش معايا غير ألف جنيه.
"أشتغل إزاي وأنا لسه بدرس؟
الشركات عايزة شهادة وخبرة،
والمصانع تعب وبهدلة،
ده غير الشباب اللي مش هيسيبوني في حالي لو عرفوا إني عايشة لوحدي...
أعمل إيه؟ يا رب!"
كنت قربت أعيط من القهر، لقيت تليفوني بيرن برقم
مازن.
ابتسمت في نفسي وقلت: "ابن حلال، جيت في وقتك."
رديت عليه، وحكيت له كل حاجة.
في البداية عرض عليا أشتغل معاه، لكن لما رفضت قال لي:
– يا بنتي دماغك ناشفة ليه؟
بصي... سبيني أفكر في حل، وسِيبها على الله.
***
قفلنا، ونزلت أشتري شوية حاجات من السوبر ماركت.
وأنا ماشية في طريقي، وقفتني واحدة ست، بصّت لي بنظرة فيها شر وقالت بصوت عالي:
– الله الله! يا بنت طه!
عشنا وشفنا البنات بتدخل شباب البيت عينك عينك...
مش مكسوفة يا بت؟
وقفت قدامها واتنفسّت بصوت عالي من الغضب، وبصّيت لها بحدة:
– بصي بقى يا أم محمد...
أنا أشرف منك!
ومش هسمح لك تسوئي سمعتي اللي الناس كلها بتحلف بيها!
شباب إيه اللي بدخلهم؟
ولا عشان رفضت أتجوز ابنك قررتي تشوهي سمعتي؟
سكتت، فقلت بنبرة حاسمة:
– لولا إنك ست كبيرة، كنت اتصرفت معاكي بطريقة تانية!
***
وفجأة، جه شاب بيجري من بعيد:
– مالك يا أمي؟ ومال الأنسة جويرية؟
أنا آسف يا أنسة، أمي ما تقصدش حاجة.
بصتله أمه وكانت هتتكلم، لكنه قطع كلامها بنظرة حادة:
– أنسة جويرية أشرف بنت، ومحدش يقدر يقول غير كده.
روحي يا أمي، بابا بينادي عليكي.
مشت وهي بتغلي من الغيظ، وبتقول في نفسها:
"لا… مش هستنى حد ييجي يتجوزها وياخد البيت كله!
لازم أقنع الواد محمد يلين دماغها بكلمتين... العيل ده طالع منيل لمين؟!"
***
مشيت وأنا مخنوقة جدًا…
أنا عارفة إن محمد بيحبني، بس أنا مش بحبه.
آه هو مش زي أمه، مش طماع ولا طالع قليل الأصل، بس برضه!
يعني بالعافية؟ يا أتجوزه، يا تتشوه سمعتي؟!
رجعت البيت، حطيت الحاجات في المطبخ، وعملت أكل بسيط وكام وجبة زيادة.
وبعدها، كلمت مازن:
– ممكن تيجي ضروري؟
رد بسرعة:
– أنا تحت البيت.
لبست الإسدال، ونزلت شايلة شنط الأكل.
فتحت الباب، ولقيته واقف.
سلمت عليه من غير ما ألمس إيده – أنا أصلاً ما بسلمش بإيدي.
اديته شنطة وقلت له:
– ما تكسفنيش يا مازن،
أنا كل شهر متعودة أعمل أكل زيادة وأوزّعه...
وحبيت أول عيش وملح بينا يكون في الخير.
بص لي وضحك:
– ماشي يا ستي، شكرًا...
بس قوليلي، بعد ما آكل هطلب الإسعاف ولا لأ؟
قلت له وأنا عاملة زعلانة:
– أخصّ عليك!
ده في بشاميل وناجتس وكفتة! مش خسارة فيك.
ضحك، ورفع إيده:
– وربنا يا ستّي، بطني نشفت من أكل الشارع.
هآكل حتى لو كانت حجارة.
***
ضحكت، وقلت:
– خد الشنطة دي كمان، فيها كذا وجبة.
أنا مش قادرة أنزل...
وزّعهم على أي حد محتاج.
قال بلُطف:
– من عيني حاضر.
يلا، اطلعي واقفلي الباب كويس على نفسك.
كنت ماشية، لكنه ناداني:
– استني يا جويرية!
رجعت له:
– نعم؟
قال:
– إيه رأيك نأجّر البيت؟
تلاقي ونس، ومنها تستفيدي بالفلوس بدل ما تتعبي في الشغل.
قلت له بتفكير:
– والله فكرة!
إزاي راحت عن بالي؟
تمام، بس هنلاقي مستأجر منين؟
رد بثقة:
– متفكريش كتير.
قوليلي تفاصيل الشقة: كام أوضة؟ المساحة؟
ولو تعرفي تصوري كل دور يبقى أحسن، وابعتيلي على الواتساب.
وربنا يسهل.
قلت بابتسامة خفيفة:
– إن شاء الله،
أول ما أطلع، هاصور وأبعتلك كل التفاصيل.
مشيت وأنا حاسس براحة غريبة...
بقالي كتير ماكلتش أكل بيتي !
دخلت المطبخ، فضّيت الأكل في الأطباق، وأكلت بشهية.
الحمد لله... طعمه طالع حلو أوي.
افتكرت الشنطة التانية، شلت الأطباق، ونزلت وزّعت الأكل على اللي محتاج.
رجعت، ظبطت المنبه علشان أصحى أذاكر، ونمت...
*****
عدّت فترة الامتحانات على خير...
أنا ومازن بقينا أقرب من الأول بكتير، كأن في حاجة بتربط بينا كل يوم أكتر.
صورت البيت زي ما طلب، وبعتله كل حاجة...
جوايا أمل كبير ألاقي مستأجر كويس.
وبعد يومين، مازن كلمني وقال إنه اتفق مع ناس هييجوا يشوفوا البيت.
*****
البيت كبير، مكوّن من 3 طوابق وسور حديد بيحيط بيه بالكامل.
كل دور فيه شقة واسعة جدًا (200 متر)، متشطبة سوبر لوكس.
بابا كان عامل البيت تحفة فنية، وكل ركن فيه بيحكي قصة تعب وشقى.
*****
بعد صلاة الجمعة، مازن رن وقال إنه جاي مع الناس.
لبست دريس وطرحة، وطلعت استناهم قدام البيت.
أول ما شفته، فتحت الباب بابتسامة وقلت:
– أهلاً وسهلاً بحضرتك، اتفضل.
مازن أشار بإيده وقال:
– اتفضل يا أستاذ أحمد... إن شاء الله البيت يعجبك.
الراجل ابتسم:
– إن شاء الله... ريحة البيت حلوة، وأنا مرتاح له نفسيًا.
دخلوا البيت، ومازن قال لي:
– اطلعي شقتك، وأنا أفرّجهم على البيت.
طلعت فعلاً، وجهزت لهم عصير، وفضلت أدعي ربنا إن البيت يعجبهم.
---
بعدها نزلت وطلعت مع أستاذ أحمد، وريته كل الشقق.
وقف في الدور التالت وقال:
– بصراحة، أنا هأجر آخر شقتين...
واحدة ليا، والتانية لأختي الصغيرة.
ظبطيلي بس السعر.
اتفقنا على مبلغ كويس، وقال إنه هيرجع بعد ساعة نوقّع العقد.
بلغت مازن بالتفاصيل، ونزلنا نقعد تحت نستناه.
ماكنتش مرتاحة أكون أنا وهو بس فوق، خصوصًا في وجود غرباء.
---
وأنا قاعد، التليفون رن برقم غريب.
– ألو، السلام عليكم.
– وعليكم السلام.
حضرتك كنت عارض 3 شقق للإيجار؟ لسه موجودين؟
– بص حضرتك، فاضل شقة واحدة في الدور الأرضي.
– ممكن أجي أشوفها إمتى؟
– لو فاضي، أنا موجود دلوقتي.
– تمام، ابعتلي اللوكيشن.
قفلت، وقلبي بيقول:
"يا رب، يااا رب تعجبه!"
---
الشقة اللي في الدور الأرضي مختلفة شوية.
مدخلها مستقل، فيها فرندة جميلة وباب خارجي منفصل.
3 غرف، ريسبشن واسع، حمام، ومطبخ أمريكاني.
أما الدور التاني والتالت، فكل شقة فيها 3 غرف، صالة، ريسبشن، 2 حمام، ومطبخ أمريكاني برضه.
بعد شوية، وصل أستاذ أيمن، دخل الشقة، ولف فيها بهدوء.
بعدين قال:
– ما شاء الله... أحلى من الصور بكتير.
نمضي العقد بقى؟
وفعلاً، مضينا العقود، وسلّمت المفاتيح لأستاذ أحمد وأستاذ أيمن.
قالولي إنهم هينقلوا بعد يومين.
---
رجع أستاذ أحمد بيته مبسوط، حاسس إن ربنا بيرتب له رزق من حيث لا يحتسب.
فتح باب شقته وهو بيبتسم، وقال:
– السلام عليكم يا أم حاتم... أنا جيت.
خرجت له ست طيبة الملامح من المطبخ، وقالت:
– حمد الله على سلامتك، الغدا جاهز... تاكل؟
قال وهو بيخلع الجاكت:
– استني شوية... الولاد فين؟
قالت وهي مكشرة:
– في أوضهم.
منه لله صاحب البيت، بعد السنين دي كلها عايز يمشّينا!
قال إيه؟! هيبيع العمارة ولازم نفضّي خلال أسبوع!
ضحك وقال:
– ما تشيليش هم يا أم العيال...
ربنا فرّجها من عنده.
لقيت بيت كويس في منطقة هادية، وأخدت شقتين:
واحدة لينا، والتانية لمنه.
توضيب عالي، ومطبخ أمريكاني زي ما بتحلمي من زمان.
فرحت وقالت بسعادة:
– ربنا يخليك لينا يا حبيبي.
قال وهو ماشي:
– أنا داخل أفرّح حاتم وحمزة.
---
دخل أوضتهم بعد ما خبط:
– السلام عليكم، عاملين إيه يا حبايبي؟
حاتم رد:
– وعليكم السلام، اتفضل يا بابا.
حمزة كان نايم، قام بسرعة وقال:
– تعال يا بابا...
أنا كنت لسه بوري لحاتم شقة لقيناها، بس فاضل يومين، ومهلة الإخلاء قربت!
قال والدهم بابتسامة:
– أنا مضيت عقد الشقة خلاص.
بكره هآخدكم تشوفوها بنفسكم.
قالوا في نفس اللحظة:
– إن شاء الله.
خرج من الأوضة، وقال بصوت عالي:
– الغدا فين يا أم العيال؟!
أنا شامم روايح بتفتح النفس!
ردت بحنية:
– حالًا يا حبيبي، هجهزه على ما تغير هدومك.
---
حاتم بص لحمزة وقال:
– تفتكر الشقة الجديدة هتبقى مريحة؟
حمزة فتح باب البلكونة، خد نفس عميق وقال:
– إن شاء الله...
بابا دايمًا ذوقه حلو، وأنا واثق فيه.
يلا نتغدى، وبعدها نلم حاجتنا... مفيش وقت نضيعه.
*****
حاتم: ٢٩ سنة، مهندس في شركة كبيرة
حمزة: ٢٧ سنة، في آخر سنة طب بشري
*****
عدى يومين من غير جديد...
كانت حياتي ماشية بروتين ممل.
زهقانة جدًا، فقررت أفتح المصحف وأقرأ.
قلبي كان تايه... لحد ما وقعت عيني على آية هزّتني:
> "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ..."
– [البقرة 155-157]
حسّيت إن ربنا بيطبطب عليّا...
حسّيت إنه شايفني، وبيطمني، وبيقولي: "أنا معاكِ".
وفعلًا... البيت اتأجّر، وهقدر أعيش من إيجاره
من غير ما أشتغل دلوقتي، الحمد لله.
---
بعد أسبوع...
كنت قافلة فوني، مش بكلم حد. حتى مازن.
كنت حاسة إني محتاجة أقعد مع نفسي، وأقرب من ربنا أكتر.
***
وفجأة... جرس الباب رن.
قمت، لبست الإسدال، وفتحت الباب... لقيت مازن قدامي!
بصلي بنظرة مستغربة وقال:
– إيه يا بنتي! أسبوع مش عارف أوصلك خالص،
قافلة فونك ليه؟!
ابتسمت وقلت:
– عادي يا مازن...
بصلي باستغراب أكتر وقال:
– طيب، بما إن مش هينفع أدخل...
تحبي نتمشى شوية؟ نتكلم في أي حتة؟
رديت:
– تمام... بس أنا مش حابة أخرج.
تعال نطلع على السطح، بقالي كتير ما طلعتش فوق.
ابتسم وقال وهو بيحسس على بطنه:
– ماشي، بس بشرط...
تعملي حاجة ناكلها، لحسن أخوكي ميت من الجوووع!
ضحكت وقلت:
– آه، قول إنك جاي عشان مصلحتك، مش عشاني!
بس ماشي، هاطلع أجدع منك... حصلني فوق، وأنا هعمل حاجة سريعة وأجيلك.
---
في بيت حمزة...
حمزة:
– ماما، أنا جعان! فين الغدا؟
كريمة:
– حاضر يا ضنايا، أبوك زمانه جاي وهنتغدى كلنا.
حمزة:
– طيب... والواد حاتم فين؟
كريمة:
– نزل يتمشى شوية، يتعرف على المنطقة.
حمزة:
– طيب، هنام شوية. صحييني لما يوصلوا.
---
حاتم كان ماشي في الشارع...
قال لنفسه وهو بيبص حواليه:
– المكان هنا جميل وهادي... شكله هيبقى مريح بجد.
دخل سوبر ماركت صغير،
ولقى بنت واقفة بتحاول توصل لحاجة فوق رف عالي.
قرب منها، مد إيده وجابها، وقال بابتسامة هادية:
– اتفضلي يا آنسة.
البنت بكسوف:
– شكرًا...
خرج من السوبر ماركت، وعدّى على فرن الفينو.
اشترى كعب الغزال، معمول، وحاجات كتير من اللي بيحبها هو وحمزة.
عادته لما بيرجع البيت... لازم حاجة يتسلّى بيها.
---
هو راجع، لاحظ إن نفس البنت ماشية قدامه.
كانت شايلة شنط كتير، وكل شوية توقف... التعب واضح على ملامحها.
ابتسم وقال لنفسه:
– أروح أساعدها وأكسب ثواب.
قرب منها، وقال بلطف:
– تحبي أساعدك؟ واضح إن طريقنا واحد.
البنت بكسوف:
– شكرًا... أنا مش محتاجة مساعدة.
ولسه مخلّصتش الجملة...
الشنط وقعت منها كلها مرة واحدة!
حاتم نزل بسرعة يلمّ الحاجة، وشال الشنط عنها وقال:
– قوليلي بس ساكنة فين، وأنا أوصلك... شكلي ماشي في نفس الاتجاه.
مرام قالت في نفسها :
"ربنا بعته نجدة ليا...
الله يسامحك يا أمي، هو خزين البيت ميستناش شوية؟!
هيقول عليّا إيه دلوقتي؟! شكلي زي الكيس اللي وقع من فوق السلم!"
قالت بخجل:
– البيت اللي آخر الشارع ده...
بس بلاش تتعب نفسك.
ابتسم وقال:
– ولا كأني عملت حاجة... تعالي بس.
***
وصلوا لآخر الشارع،
وهو طلع مفتاح الباب الحديد وفتحه، وقال بدهشة:
– واضح إننا جيران... أنتي ساكنة في أنهي دور؟
مرام:
– الدور الأرضي... شكرًا لحضرتك، تعبتك معايا.
حاتم بابتسامة:
– ولا تعب ولا حاجة.
أنا بشمهندس حاتم أحمد، ساكن في الدور التاني مع أهلي.
مرام بكسوف:
– تشرفنا...
***
خدت منه الشنط بسرعة، وجريت على باب شقتها.
فتحت، ودخلت وهي قلبها بيدق من الحرج، و قالت فيةنفسها:
– يا فضيحتي... أنا وشي أكيد بقى أحمر طماطم دلوقتي!
---
في بيت مرام...
فريدة بصوت عالي:
– مالك يا بت يا مرام؟ وشك مخطوف كده ليه؟!
مرام بضربات قلب سريعة قالت :
– مفيش يا أمي... من المشوار بس.
حرام عليكي والله! كل دي طلبات؟!
دي حاجات تكفي شهرين، وأنا شايلة لوحدي!
فريدة:
– أنتي اللي مدلعة!
ده أنا وأنا حامل فيكِ في التاسع كنت بنزل السوق وأشيل على إيديا الاتنين وفوق دماغي كمان!
مرام:
– يا ستّي زمانكم غير زمانا!
دلوقتي إحنا بنشيل كيس شبسي بنخستع! جسمنا مش متعود.
فريدة بتنرفز:
– مش هخلص من لماضتك!
قومي على المطبخ نجهز الغدا قبل ما أبوكي يرجع.
مرام بتنهيدة :
– لا بقى، إنتي مستقصداني!
هي الإجازة منيلة كده؟!
مالها الجامعة؟! كنت مرتاحة من شغل البيت...
آآه يا مفاصلي، آه!
***
فريدة رفعت الشبشب وقالت:
– خلصتي ندب يا ندّابة؟!
امشي على المطبخ اتعلمي حاجة تنفعك بدل الرسم اللي أنتي مش فالحه غير فيه!
مرام وهي بتبعد بسرعة:
– منه له! منه له!
***
فريدة وهي بترمي الشبشب وبتضحك:
– أنتي بتدعي عليا يا جزمة؟!
(رمتها بـ"أبو زنوبة")
مرام:
– خلاص يا فري! بهزر معاكي والله
*****
على السطح، كانت جوري بتقول في نفسها إن الحمد لله إنها كانت محضرة الغدا من قبل. نصيب مازن ياكل من أجدد اختراعاتها.
شالت الصينية وطلعت بيها، ومازن أول ما شافها قام بسرعة وأخدها منها.
قال لها وهو بيبتسم:
– كنتِ ناديتي عليا وأنا أجبها!
ردت عليه:
– دوق بقى وقولي رأيك.
بص للأكل باستغراب وقال:
– هو إيه ده يا جويرية؟! معلش مش واخد بالي.
قالت له:
– فقري من يومك... دي بكاتا، ودي شوربة جمبري، ودي سيزر سلاط.
رد وهو بيضحك:
– ما تقولي سلطة وتخلصينا أحسن! بس فين الجمبري؟ أنا شايف صراصير البحر دي ولا إيه؟
***
جوري خدت الطبق من قدامه وقالت:
– صراصير إيه يا جاهل! ده... ده بتاع كده، مش فاكرة اسمه، الراجل قال لي إنه زي الجمبري وبيدّي طعم حلو. ولو مش عاجبك نقي الجمبري وسيب البتاع ده ليا.
ضحك مازن وقال:
– بصي... هو شكله غريب، بس هجربه وأمري لله. أنا عارف إن آخرتي هتبقى على إيدك يا بنت عم طه.
ردت وهي بتتنهد:
– خلاص، كل واسكت بقى، سديت نفسي يا شيخ.
*****
في الوقت ده، حاتم كان طالع على السلم وشم ريحة أكل خطيرة. دخل شقته، إدّى الحاجة لأمه وقال لها إنه نازل عشر دقايق.
طلع على السطح، ولقى بنت وولد قاعدين، بينهم مسافة محترمة، وبيأكلوا.
قرب منهم وقال بابتسامة:
– السلام عليكم، بصراحة أنا شمّيت ريحة أكل حلوة وطالع عليها.
ردوا عليه السلام، ومازن قال له وهو بيضحك:
– اتفضل كل معانا... أهو ما موتش لوحدي.
حاتم استغرب وسأل:
– إيه ده؟ ليه بتقول كده؟
رد مازن وهو بيكتم ضحكه:
– لا أبدًا، دي جويرية بتدرب فيا.
بصت له جوري بضيق وقالت:
– ولما أكلي وحش يا سي مازن، جاي تاكل عندي ليه؟
ضحك وقال:
– بهزر معاك يا فطين.
حاتم انفجر من كتر الضحك وقال:
– مش قادر والله.
***
جوري قالت بغيظ:
– اتفضل يا أستاذ... دوق واحكم بينا!
حاتم قال بإحراج:
– هو بصراحة... كنت عاوز أعرف الريحة جاية منين بس، مش أكتر والله.
ردت بابتسامة:
– والله لازم تدوق وتحكم بينا، اتفضل.
قعد حاتم وداق الأكل، وبعدين قال وهو بيضحك:
– عايزة الصراحة ولا ابن عمها؟
ردت جوري بسرعة:
– الصراحة طبعًا!
قال:
– الأكل تحفة! بقالى كتير ما أكلتش أكل بالطعم ده. تسلم إيدك.
بصت لمازن وقالت له:
– شايف الناس اللي بتفهم في الأكل؟ مش زيك يا فقري.
ضحك مازن وقال:
– ده بيجامل يا بنتي. طب بزمتك يا أستاذ... دي شوربة جمبري توحد ربنا؟ دي شوربة مجانص.
***
خلص كلامه، وانفجر في الضحك، وجوري ردت عليه وقالت:
– كده يا مازن؟! طيب متكلمنيش تاني! أنا أصلاً مخصماك، وابقى وريني بقى مين هيأكلك من المكرونة بالبشاميل اللي هعملها بكرة.
***
حاتم كان بيضحك من قلبه وقال:
– إنتوا مشكلة... مش قادر أضحك، حرام عليكم!
قامت جوري تنزل، لكن مازن جري ووقف قدامها بسرعة وقال بجديّة:
– والله بهزر! حقك عليا، متزعليش مني. وربنا، الأكل جامد أوي، وإنتي عارفة إنّي ماليش غيرك أتكلم معاه، فبحب أهزر معاكي...
ابتسمت وقالت له:
– خلاص، عفونا عنك.
حاتم بص عليهم وقال بإعجاب:
– اسمحولي أقول... إنتوا ثنائي هايل، ما شاء الله.
جوري ردت بخجل:
– شكرًا يا أستاذ...
قال لها:
– أنا بشمهندس حاتم، ساكن في الدور التاني.
مازن ابتسم وقال:
– آه، إنت ابن أستاذ أحمد؟ أهلًا وسهلًا بحضرتك. أنا مازن، ودي الآنسة جويرية، صاحبة البيت.
رد حاتم:
– تشرفنا يا آنسة جويرية.
جوري قالت بابتسامة:
– الشرف ليا يا بشمهندس.
حاتم استغرب وقال:
– أنا فكرتكم إخوات!
بصّت جوري لمازن وقالت بابتسامة جميلة:
– إحنا فعلًا إخوات، ممكن نكون مش من دم واحد، بس مازن بالنسبالي أكتر من أخ.
مازن اتأثر بالكلام وقال:
– ربنا يبارك فيكي يا جويرية، ربنا اللي يعلم معزتك عندي قد إيه.
حاتم قعد ياكل معاهم شوية بعد ما أصرّوا عليه، واتعرف عليهم أكتر، وبعدها استأذن ونزل.
مازن كمان مشي، وجويرية نزلت باقي الأكل، غسلت الأطباق، ودخلت تصلي العصر.
----
في بيت حاتم، كانوا قاعدين على السفرة بيتغدوا.
أحمد بص لحاتم باستغراب وسأله بهدوء:
– كل يا حاتم، مالك مش بتاكل ليه؟
رد حاتم بنبرة هادية:
– شبعان يا بابا.
كريمة بصّت له بنظرة تهكم وقالت:
– شبعان إزاي؟ إنت نازل على لقمة الفطار!
حاتم رد بارتباك:
– أحم... أصل أنا كلت مع جارتنا...
حمزة بص له باستغراب:
– نعم؟! إنت لحقت تعلق يا عم انت؟!
أحمد لف له بجسمه كله، وقال بجدية:
– ازاي يعني؟ فهمني... جارتنا مين؟ انطق يا حاتم!
حاتم ضحك وقال بمرح:
– بالراحة عليا شوية، كلكم عليا ولا إيه؟!
وحكالهم اللي حصل، وقال إنه ماكنش ناوي ياكل، بس هما اتحايلوا عليه واتكسف يرفض.
كريمة بصّت له بزعل وقالت:
– هو أكل البنت دي هيبقى أحلى من أكل أمك يا حاتم؟ أخص عليك، وأنا اللي تعبانه من الصبح واقفة أحضّر الأكل وفي الآخر متاكلش منه!
حاتم، وهو عارف إن أمه بتحبه وبتغير عليه، حب يلطّف الجو وقال:
– والله ما في أحلى من أكلك يا كرملة يا عسل، حقك عليا، هاكل أهو.
أحمد بص له بحزم وقال:
– ولد! إيه كرملة دي؟ اسمها ماما!
حاتم ضحك وقال:
– أوامرك يا هندسة!
أحمد ضرب كف على كف وقال:
– هندسة وكرملة؟! إنت متأكد إنك ابني ياض انت ؟!
حمزة ضحك وقال:
– أنا قلت كده برضه! الواد ده لقيناه على باب الجامع.
ضحكوا كلهم وقضوا ليلة سعيدة جدًا.
---
عدّى وقت التوتر والقلق... النهاردة موعد نتيجة الثانوية العامة.
جوري كانت متوترة جدًا، لكن في اللحظة دي كانت قريبة أوي من ربنا.
العلاقة بينها وبين حاتم بقت أعمق من الأول،
بقت حاساه زي أخوها فعلًا، مش بس بالكلام،
هو ومازن بقوا فعلاً سند وضهر ليها.
---
أحسن الظن بالله دائمًا،
فكم من عسر وضيق فرضه الله عليك،
ليعوضك على صبرك بالخير الوفير والنِّعم الكثيرة.
***
جوري قالت في نفسها:
– يا رب... أنا واثقة فيك خير. نفسي أجيب طب وأحقق حلم بابا وماما.
قامت لبست الإسدال، اتوضّت، وصلت ركعتين قضاء حاجة،
وبعدين طلعت على السطح.
*****
السطح ده كان أكتر مكان بتحبه،
مفروش سيراميك، وفيه مرجيحة على شكل سرير،
وزهريات ورد جميلة متوزعة في كل مكان،
وفيه ركنة مودرن للقاعدة، بجد كان تحفة ومريح للأعصاب.
جوري قالت:
– أنا محتاجة أريح أعصابي شوية... متوترة جدًا... يا رب استر.
*****
انتهى الفصل الثاني
ولسه الحكاية بتبدأ...
بين نتيجة مصيرية، ومشاعر لسه ما اتسمّت...
يا ترى، الفصل التالت هيكشف إيه؟
