رواية اوجاع الروح الفصل الرابع والعشرين 24 والاخير بقلم فاطمة فارس
الفصل الرابع والعشرون والأخير
الكل كان قاعد في الصالة وسط جو عائلي جميل.
حاتم وحمزة بيتكلموا مع بعض، وكريمة ومرام ومنة بيتفرجوا على المسلسل التركي، وأحمد قاعد ماسك كوب شاي بيشرب منه، وباصص على الكل وفرحان إن ربنا مدّ في عمره وشاف أحفاده.
فجأة... سمعوا صوت جويرية العالي. لفّوا ناحية الصوت.
جويرية كانت جاية ناحيتهم، وماسكة التليفون في إيدها، وقالت بضيق:
- مالك خد هنا! بت يا جوري! إنتي فين يا جزمة، يا اللي رميتي تليفوني من الشباك؟! وربنا ما أنا سايباكم يا شوية جزم!
الصوت اللي خرج منها كان مليان زعل...
بس زعل من النوع اللي آخره حضن، مش خصام.
ضحكوا كلهم على حالتها، وقال حاتم وهو بيهزر:
- مالك يا أم العيال؟ بتزعقي ليه كده؟
كريمة ضحكت وقالت:
- أكيد العيال عاملين فيها مقلب جديد.
مرام قالت بدلع وهي مستمتعة بالمشهد:
- أموت وأعرف... اشمعنا مازن اللي قاعد محترم كده وما بيضايقهاش زي التانيين؟
حمزة دخل على الخط وهو بيضحك:
- مالك يا جوري؟ عملوا إيه العيال المرة دي؟
جوري قربت منهم وقعدت على الكنبة وهي بتنفخ من الغيظ:
- عيال إيه؟ دول مش ولادي... دول شياطين!
أنا مخلفتش غير ميزو حبيبي، أما الباقي... يستاهلوا الحرق!
مرام ضحكت وقالت:
- يا ساتر! عملوا إيه؟
جوري ما قدرتش تمسك ضحكتها رغم كل حاجة، وقالت:
- مالك دخل عليّا المطبخ وأنا مش واخدة بالي، ورمى عليا دقيق كإني كيكة شغالة في الفرن!
وجوري الجزمة حطّتلي صرصار لعبة في ضهري، وخلّتني أتنطط زي العبيطة... وشاشة التليفون اتكسرت بسبب الزفتة دي!
ضحكهم كان عالي، وكان واضح إن المودة بينهم أكبر من أي مقلب.
حمزة قال بلطافة وهو بيضحك:
- معلش يا قلبي، أنا هزعقلهم النهارده بجد! وهجبلك تليفون غيره.
وفجأة، مازن الصغير جه وقعد جنب جوري، حضنها من غير ولا كلمة، وقال بصوته الهادئ:
- معلش يا مامي... مالك وجوري بيحبوكي، بس كانوا بيهزروا. متزعليش منهم... حقك علينا.
جويرية سحبته لحضنها، وباسِته من خده وقالت:
- يا قلب مامي إنت! خلاص... علشان خاطرك إنت بس، مش هضربهم.
وقبل ما تكمل، طلع مالك وجوري من ورا الكنبة، وقالوا بصوت واحد:
- مش هنضرب! ها! مش هنضرب!
جوري بصّت لهم بغضب مصطنع، وقالت:
- بصوا بقى يا زفت، انت وهي...
احترامًا لتيته بس مش هكلمكم. لكن وربي لو اتكررت، هولّع فيكم! سامعين؟
هزّوا راسهم زي العصافير، وجريوا يحضنوها مع مازن:
- خلاص يا مامي، مش هنزعلك تاني.
منة كانت قاعدة بتتفرج، ووشها كله ضحك، وقالت لحمزة وهي بتغمز:
- فاكر لما كنت بتقولي "أرنبة" علشان جبت تُلى وأدهم توأم؟
أهو دعوتي اتحققت... وجبتلك تلاتة توأم يا أبو العيال!
حمزة بصّ لها وهو بيضحك:
- بصراحة هما توأم تلاتة آه... حبايب بابي يا ناس!
إنما إنتي؟ ما شاء الله... مروان، تُلى، أدهم، جرْمين... ولسّه حامل؟!
إنتي مش أرنبة، إنتي مزرعة ما شاء الله!
منة بصّت له وقالت بضيق مصطنع:
- سكت أخوك يا حاتم بدل ما أقوم أضربه!
حاتم كان بيضحك بصوت عالي، وقال:
- هتكبروا إمتى؟ كل واحد فيكم بقى معاه فريق كورة ولسّه بتتخانقوا زي العيال!
ضحكهم كان مالي البيت، وكان واضح إن السنين ما غيرتش فيهم غير عدد الأولاد،
أما الحب والونس... فزي ما هو، ويمكن أكتر.
*****
في أوضة حمزة...
جوري كانت قاعدة على السرير، وبصّت له بضحكة خفيفة وقالت:
- أنا مش عارفة ليه أصريت تسمي بنتنا "جوري" على اسم الدلع بتاعي... يعني تدلعني جوري وبنتي اسمها جوري؟ كده هتلخبط لما تيجي تنادي عليا!
حمزة بصّ لها بحب، وهمس بعشق:
- علشان الاسم ده غالي عليا جدًا...
وأنا بحبك فوق ما تتخيلي، والحمد لله إن ربنا رزقنا توائم: مازن، ومالك، وجوري.
- سميتها على اسم الدلع بتاعك، علشان نفسي تطلع زيك يا جوري قلبي.
فهمتي بقى ولا لسه، يا قمر انتي؟
وبعدين نبرة نطقي لاسمك غير... دي نبرة حب وعشق ليكي إنتي وبس.
سكت لحظة، وبعدها غمّض عينه، وهمس بصوت كله صدق:
- "يا من أحببتُ،
يا من سرقتِ قلبي برقة نظراتك...
أحبك لا تُقال، بل تُحس في دقاتي.
أحبكِ يا من تملكين الحياء والجمال،
يا من سكنتِ قلبي وسكنتُ بكِ.
اسمعي صرخات روحي وهي تناديكِ...
أنتِ وحدكِ دون سواكِ،
وها أنا تائه في بحر هواكِ،
لا أريد شاطئًا ولا نجاة،
يكفيني الغرق فيكِ.
يا من وهبتُها قلبي وحياتي،
ورزقني الله حبها دون حولٍ مني ولا قوة...
اليوم أقولها وبكل وضوح:
لم ولن أحب سواكِ،
يا حبيبة القلب، ونور العين،
وشفاء الروح والجسد."
كانت جوري بتسمعه وقلبها بيدق جامد.
بصّت له بنظرات عشق، وهمست بكل حب:
- سكت الكلام عن ناطقي في حضورك، يا أعزّ من روحي...
مش لاقية كلام أقوله يوصف قد إيه أنا بحبك.
حمزة سحبها لحضنه وهمس في ودنها بعشق:
- مش محتاجة تقولي أي حاجة،
يكفي إنك مليتي عليا حياتي،
وربنا رزقني منك بأولاد زي القمر...
مش عايز حاجة تاني من الدنيا،
غير إني أشوفكم سعداء ومبسوطين.
*****
تاني يوم، كانت الفيلا كلها مليانة حركة غير معتادة...
حمزة صاحي من بدري، بيجهز مفاجأة كبيرة.
عيد ميلاد جويرية... وقرر السنة دي يكون مختلف تمامًا.
كلّف مرام ومنة ياخدوها يتمشّوا ويتسوّقوا، علشان يقدر يظبّط كل حاجة على مزاجه.
وفعلًا، رجعت جوري آخر اليوم وهي متنرفزة:
- كان لازم أجي معاكم؟! يا باردة منك ليها يا مرام!
- يوم جمعة، ومصحياني من الفجر؟ هو في إيه؟!
مرام ضحكت وقالت:
- خلاص يا ستي، وصلنا. بطّلي نكد بقى.
نزلوا من العربية.
دخلت جوري الفيلا بخطوات مكسّلة، وعقلها لسه بيتخانق مع مرام...
وفجأة، الباب اتفتح، وورد اتناثر في الهوا، وصوت عالي قال بحماس:
- ســــربراااايز!
جوري وقفت في مكانها، عينيها وسعت من الدهشة، وقالت بانبهار:
- كل ده... علشاني؟!
المكان كان متزيّن بشكل جميل جدًا، والزينة باين إنها معمولة بحب واضح.
التورتة محطوطة في نص الفلّة، والكل متجمع حواليها.
البلالين مالية الأرض، وفوقهم لافتة كبيرة مكتوب عليها:
"عيد ميلاد سعيد - Happy Birthday"
الإضاءة كانت دافيه وناعمة، ولمبات صغيرة ملوّنة متعلّقة على الحيطان بتنور وتطفي في هدوء...
كأنها بتتنفس فرح.
حمزة قرب منها، باس دماغها بحنية، واداها علبة ملفوفة بورق دهبي:
- كل سنة وانتي منوّرة حياتي... يا أحلى جوري في الدنيا.
ثواني، وجروا عليها التلاته : مازن، مالك، وجوري الصغيرة.
- كل سنة وانتي طيبة يا مامي!
حضنتهم وهي بتعيط من الفرح:
- وانتوا طيبين يا حبايب قلبي... ربنا يخليكوا ليا.
ريحة الورد كانت مالية الجو، ومعاها موسيقى هادية بتعزف أغنية جوري بتحبها من زمان.
التورتة كانت جميلة، عليها صورتها، ومكتوب:
"جوري اللي منوّرة حياتنا."
حمزة شغّل على الشاشة فيديو فيه كل ذكرياتهم...
من أول كتب الكتاب، لحد يوم ما بقوا عيلة كبيرة.
حاتم وأحمد سلّموا عليها واحد واحد.
منة ومرام حضنوها، وكل واحدة قدّمت هدية بقلب مليان حب.
كريمة كانت واقفة بعيد، عينها فيها لمعة رضا، وقربت منها بهدية بسيطة، وقالت:
- ربنا يحفظكم من العين يا حبايبي...
كنتي السبب، بعد ربنا، إن حاتم وحمزة يكونوا سعداء.
أحلى حاجة حصلت لينا إننا شفناكي.
كل سنة وانتي طيبة يا بنتي.
جوري مسكت إيدها، وباستها بحب:
- وانتي طيبة يا ست الكل...
ده أنا اللي لازم أشكرك.
كنتي ليا ولمرام، أحن أم...
وربنا يديمك نعمة في حياتنا.
قطعوا التورتة، وكان الضحك مالي المكان، والفرحة طالعة من القلب.
حمزة قرب منها، وقطع لها أول قطعة بنفسه.
وبعد ما أكلها حتة صغيرة، قال وهو بيبتسم:
- مش هتشوفي الهدية بقى؟
لحظة سكون سكنت قلبها وسط كل الدوشة...
حسّت إنها محاطة بحب نضيف، زي اللي كانت بتحلم بيه زمان.
فتحت العلبة بفضول، وابتسامتها كانت بتكبر...
لكن أول ما شافت الورقة اللي جوا، عنيها دمعت:
- حمزة... ده بجد؟
قالها بحب واضح وبصوت واطي:
- بجد يا قلب حمزة...
بعد أسبوعين، هنسافر سوا، أنا وانتي والولاد، نعمل عمرة.
عايز أبدأ سنتك الجديدة بحاجة تقربنا من ربنا،
وتثبت حبنا في السما... زي ما هو ثابت في قلوبنا.
جوري حضنته، وقالت من قلبها:
- ربنا يديمك نعمة في حياتي...
يا أحن وأجمل زوج في الدنيا.
عمري ما شفت منك غير كل خير...
بحبك يا حمزتي.
ابتسم حمزة وقال بهدوء:
- كل سنة وانتي منوّرة أيامي... يا أجمل جوري في الدنيا.
*****
مازن قرب هو وضحي، وادوها هديتهم.
ويزن جاب لها هدية بسيطة، عبارة عن صورة ليهم مع بعض:
كانت جوري شايلة يزن، وضحي واقفة جنبها، ومازن لافف دراعه على كتفها... وكلهم بيضحكوا.
مازن بصّ لها بحب أخوي وقال:
- كل سنة وانتي طيبة يا جوري، إن شاء الله هديتنا تعجبك.
جوري هزت راسها، وردّت بابتسامة صادقة:
- شكرًا يا مازن... الهدية مش بقيمتها المادية، بقيمتها المعنوية.
وكويس إنكم افتكرتوني.
الهدية هتعجبني من قبل ما أفتحها حتى.
بصّت ليزن، وقعدت على الأرض قدّامه، وقالت وهي بتحضنه:
- أما هدية يزن بقى... دي أغلى هدية عندي، من أغلى يزن في قلبي.
***
مهاب كان واقف بعيد، بصّ لمنة بحب وهمس لها:
- منوش... ما تيجي نخلع من هنا، عايز أخطفك شوية.
منة بصّت له بنظرة دافية وضحكت:
- قول الأول هتخطفني فين... وأنا معاك، يا كبير.
وحشتني أيام الخطف والرومانسية بتاعتك.
مهاب رفع حاجبه وقال بمشاكسة:
- لا طبعًا... دي مفاجأة.
بعد ما يخلص عيد الميلاد، هخطفك وهسيب العيال هنا.
***
أما حاتم...
بصّ لمرام وسحبها من إيدها وخرج بيها من الفيلا كلها.
مرام كانت ماشية وراه وهي بتضحك:
- يا حاتم، استنى طيب! ميصحّش كده، خلينا نستنى لما عيد الميلاد يخلص.
حاتم فتح لها باب العربية وقال بمشاكسة:
- لا، ولا ثانية كمان!
وبعدين، انتي ناسية إن النهاردة عيد جوازنا ولا إيه؟
مرام قفلت الباب، عدّلت نفسها، وبصّت له بخجل:
- هيقولوا علينا إيه دلوقتي؟!
الله يسامحك... دايمًا كاسفني كده.
حاتم ضحك بخفة وقال:
- مليش دعوة بحد... وبعدين هما عارفين إني بحبك.
وانتي مراتي يا عبيطة! هيقولوا إيه يعني؟
واحد واخد مراته يفسّحها؟! عادي جدًا.
مرام مسكت إيده وملست عليها بحنان:
- هو أنا قلتلك النهاردة إني بحبك؟ ولا لسه؟
حاتم سحبها لحضنه بإيد، والتانية كان سايق بيها، وهمس بعشق:
- أنا بقى مش بحبك يا مرام...
أنا بعشقك، ومقدرش أعيش لحظة واحدة من غيرك.
مرام شدت على حضنه وهمست بنفس العشق:
- ومرام بتموت فيك يا حاتم...
ربنا يحفظك ليا، إنت وأولادنا.
*****
في الليل...
بعد ما الكل نام، وكانت الفيلا هادية...
جوري طلّعت المذكرة اللي بدأت تكتب فيها من يوم جوازها.
قلبت صفحات كتير... لحد ما وصلت لصفحة فاضية.
وكتبت:
الحب مش وردة بتتقدم...
ولا كلمة بتتقال وخلاص.
الحب...
هو لما حد يفهم سكوتك قبل صوتك.
حد لما تبكي، يقولك: "أنا هنا، مش هسيبك... حتى لو العالم كله بعد."
هو اللي يشوف فيكي إنسانة تستاهل تتحب،
مش بس في فرحها...
لكن كمان وهي بتبكي، وهي تعبانة، وهي شايفة نفسها مش كفاية.
الحب مش حضن وقت البرد...
الحب إنك تكون دفاها حتى وهي لوحدها.
الحب مش حروف،
الحب أفعال...
ونَفَس بيرجع الروح،
وصوت بيقول:
"أنا فخور بيكي، حتى لو العالم مش شايفك."
"ضحكتك أهم من كرامتي قدام الناس."
"هختارك كل يوم من جديد...
حتى لو بيننا ألف وجع."
الحب مش بتاع الناس اللي بيستعرضوه...
الحب بتاع الناس اللي بيعيشوه بصمت،
ويحسوه من غير كلام.
الحب يعني حمزة.
جوري قفلت المذكرة بهدوء، وبصّت على حمزة اللي نايم جنبها.
ابتسمت، ومسحت دمعة نزلت من فرحتها...
وهمست:
- مكنتش أتصور إن ربنا يرزقني بزوج صالح زيك...
ولا بذُرية صالحة منك يا حمزة...
إنت عوض ربنا ليا عن الصبر اللي صبرته،
لما كنت وحيدة ومليش حد غيره بعد وفاة أهلي.
كل ذرة فيا، بتقول بحبك... بألف صوت، وبألف لغة.
**
وكانت بداية لحياةٍ ملؤها الحبُّ والرضا والبركة.
تمّت بحمد الله.
---إهداء إلى كلِّ قارئٍ أو قارئة:
إلى كل يتيم... إلى كل مكسور... إلى كل قلبٍ جُرِح ولم ييأس:
اصبر.
وتمسّك بالأمل.
وتذكّر دائمًا أن الله لا ينسى عباده.
ما فاتك، اجعلْه في ميزان احتسابك عند الله...
وما هو آتٍ، بإذنه تعالى، سيكون أجمل وأرحم،
سيكون جبرًا يليقُ بصبرك، ورزقًا لم يخطر لك على بال.
قال الله تعالى:
"إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"
(سورة الزمر - الآية 10)
وقال رسول الله ﷺ:
"ما يُصيبُ المؤمنَ من نصبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكُها، إلا كفّر الله بها من خطاياه."
(رواه البخاري ومسلم)
والمؤمن الحقّ دائمًا حاله خير...
إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له،
وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له.
فكُنْ قويًا بإيمانك، راضيًا بقدرك،
واثقًا أن في كل تأخيرٍ حكمة،
وفي كل ألمٍ يومًا ما... فرحٌ عظيم.
---
بقلمي: فاطمة فارس
